لبيك يا شام

لبيك يا شام

بقلم: يوسف حمدان

لبيك يا شام!
بعيدة أنت بُعد النجم الساطع عن أرض غريبة. وقريبة أنت قُرب الذكرى إلى قلب عاشق مكلوم. أرى فيك النساء والرجال والأطفال، وما أروع ما أرى. وحيال ما أرى من بعيد، ينتابني شوق إلى حفنة من ترابك. لم يعرف التاريخ مثيلا لك. فقد مشيت وحيدة مع نهر البشرية من منبعه إلى مصب الحضارات. وها أنت تحملين حطام الدنيا مرة أخرى، علها تنهض من جديد. ينتابني شوق جامح إلى بيت عتيق يتسلق الياسمين على جدرانه.
أخشى أن أتغنى بجمالك المخضب بدم الأبرياء. منذ عهد قريب، كان التفكير بثورة الكرامة طيف خيال. كان الطغاة أعتى من غزاة التاريخ. وامتاز الحكام بصناعة التعذيب وتجارة الفساد. كانت الكرامة خطرا على الأمن، وكان التفكير خطرا على الهيبة. صارت الحرية سلعة أجنبية، وصار الوطن أصغر من كفن.
لعلنا نسينا برهة أن إرادة أبناء وبنات الشام أقوى من القهر والظلم وأبقى من الحكم الموروث. ولعلنا نيسنا أن كرامتهم أقوى من المعتقلات وحتمية كالموت. من كان يحلم أن يشاهدكم تقاومون وتغنون في الشوارع؟ تقاومون وترقصون في الساحات؟ من كان يحلم أن يشاهد الصبايا تقدن المظاهرات؟ من كان يحلم أن يرى الأطفال يُنطِقون الجدران بالشعارات؟ من كان يحلم أن يرى الثائر مراسلا ومصورا، يكسر حواجز التعتيم وحجب الإعلام، لينقل إلى العالم مشاهد ثورة سلمية تصارع ترسانة عسكرية؟
يا بنات وأبناء الشام، أشاهدكم من بعيد، وأشاهد ما تسطرونه من صفحات ناصعة لبطولات نادرة، تمتد من سواعدكم الثائرة إلى بيوت الفقراء وقصور الأغنياء في عالم يقف مبهورا بشجاعتكم. نسمع صوتكم يتردد من رحاب الأرض إلى قمم الجبال ويصل الأرض بالسماء. وصل صوتكم وسمعناه مدويا: نحن الشعب الذي يقرر مصيره بيديه!
إنى لأرى دماءكم الزكية تنزف من ضمير البشرية، وتسري في عروق شعوب الأرض، وتقتحم أسوار النفاق المحيطة بالحكام في العواصم. إنكم تدقون بسواعدكم القوية أبواب هذا العالم، وتستعيدون أمجاد العرب، وتصنعون مستقبل الشعوب الحرة في كل مكان. إنكم تكتبون نهاية حكم الشعب بدون الشعب، وتسنّون قانونا عالميا لا يجيز حكما سوى حكم الشعب.
أشاهدكم من بعيد، وأخجل أن أحييكم من بعيد. إنكم تموتون من أجل الحياة، وتصنعون مستقبلا للأجيال القادمة. إنكم تحققون انتصارات قد لا تسيرون في مواكبها. ولذا فزتم بشهادة أنبل شعب يثور لكرامته الإنسانية، ولكرامة البشرية جمعاء. لن ينفعهم قلع الأظافر ولا بتر الأعضاء، لأنكم قررتم أن تغسلوا وسخ الأرض بدمائكم الزكية. لن يقهركم أي سلاح لأن شجاعتكم قهرت سلاح الخوف.
أخجل وأنا أشاهد بعض الأشقاء يجلسون في مقاهي العواصم ويقدمون لكم النصح والإرشاد، ويطالبون بالتدخل ممن لهم في بلادنا تاريخ أسود طويل. أنهم يشاهدونكم مثلي من بعيد، ويتكلمون باسمكم من بعيد، بينما أنتم تتصدون بأجسادكم للنار والحديد. فلنخجل جميعا من تقديم النصح والكلام، بينما أنتم تكتبون معجزة الثورات بالدماء.
يا بنات الشام ويا أبناء الشام ويا أطفال الشام، أنتم الثورة ولا قادة للثورة إلا أنتم. وأما نحن فيكفينا شرفا أن نسير خلفكم وأن نقبّل الأرض المروية بدمائكم.

المصدر: http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2012/02/26/252589.html

 

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك