مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والإفتراء
مسألة صلب المسيح
بين الحقيقة والإفتراء
أحمد ديدات
ترجمة :
علي الجوهري
مقدمَة المترجم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على خاتم رسل الله ، محمد بن عبد الله ، الذي أرسله الله بالهدى ودين الحق ، ليبلغ للناس ما أنزل إليه ربه ، ليخرجهم من الظلمات إللى النور ، فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء . وبعد :
ليس هذا الكتاب عن " مسألة صلب المسيح عليه السلام : للعلامة أحمد ديدات ، الذي نشرف بتقديم ترجمته العربية بين يدي القارئ الكريم بدعاً بين كتب تعرض بالدراسة لمرحلة من مراحل حياة السيد المسيح عليه السلام .
هناك على سبيل المثال لا الحصر : كتب لمؤلفين أجانب مثل :
1- The Crucified God by : Jurgen Moltmann .
(1) الإله المصلوب ، تأليف : جورجن مولتمان .
2- Was Resurrection A Hoax ? by : Garner Ted Armstrong .
(2) هل كانت قيامة المسيح خدعة ؟ تأليف : جارنر تد آرمسترونج .
3- The Resurrection Factor , by : Billy Graham
(3) مسألة قيام المسيح ، تأليف : بيلي جراهام .
4- Life of Christ , by : Dean Farrar .
(4) حياة المسيح ، تأليف : دين فارار .
5- The Day Christ Died , by : Jim Bishop .
(5) يوم مات المسيح ، تأليف : جيم بيشوب .
وغير ذلك من مؤلفاتهم كثير يفوق الحصر ، وهنالك أيضا أفلام السينما ، أذكر منها على سبيل المثال فيلم كوفاديس أو " آلام المسيح " .
وأذكر أنه أيام وجودي بمستشفى الإرسالية الأمريكية بطنطا ولم يكن عمري يتعدى عشر سنوات ، لإجراء عملية جراحية – أن أخذوني ذات صباح للصلاة ، وبعدما شاهدت " فيلماً " عن صلب المسيح عليه السلام . وتعجبت أن كان اسمه عندهم في الفيلم كما في الصلاة هو " يسوع " ، وكان الدم الأحمر القاني الذي ينزف منه "على الشاشة " يكفي لموت عشرة أشخاص . والخدع السينمائية لا تعجز عن هذا بتاتا .
والمؤلفات العربية في هذا الموضوع أيضا كثيرة كثيرة . ولكن هذا الكتاب الذي يشرفني نقله إلى العربية للعلامة أحمد ديدات عن " مسألة صلب المسيح " إنما هو جديد جديد .. جديد في أسلوبه الواضح ، وجديد في منهجه العلمي الذي يعتمد على " النصوص " ويعتمد على الوثائق . إنه لا يتحدث فيحتمل حديثه الصدق أو الكذب ، ولكنه يدع النصوص والوثائق تتحدث ، ولك أن تصدقها ، ولك أن تكذبها حسب قوة الإقناع بها . ولقد أوصيت الناشر أن يتعهد بطبع النص الإنجليزي كما جرى به قلم الداعية الكبير أحمد ديدات ، في مقابل النص العربي ، لثلاثة أسباب :
الأول : لإيضاح أمانة ودقة الترجمة إلى العربية ، وإلا فإن النص الإنجليزي تحت تصرف القارئ الكريم .
الثاني : وجود كثير من الوثائق التي قام المؤلف نفسه بتصويرها فوتوغرافيا واكتفينا بتقديم ملخص لمحتواها .
الثالث : كتابات العلامة أحمد ديدات ترقى بذاتها إلى أن تكون وثائق في موضوعها من وجهة نظرنا .
هي إذن وجهة نظر جديدة " في الموضوع " أرجو من الله العلي القدير أن تتسع لها الصدور ، وأن تطمئن إليها القلوب ، وأن تهتدي إلى صوابها العقول . وهناك دائما وأبدا " الفكرة " ، وهناك دائما وأبدا " نقيض الفكرة " ، وهناك دائما وأبدا " ما يتكون نتيجة لتفاعل الفكرة مع نقيضها " . هناك الحرية التي تدع المجال متسعا لكل الأفكار أمام كل الأحرار . والله وليُّ التوفيق ، نسأله الهداية إلى الصراط المستقيم ، صراط المتقين الأبرار ؟! .
المترجم
علي الجوهري
طنطا في 8 / 2 / 1989 م .
الفصل الأول
السَّبَبُ الوَحيْد للرَّوَاج
" بين الخالدين من الرجال "
منذ سنوات قليلة نشر المؤرخ وعالم الرياضيات الأمريكي " مايكل م . هارت " كتاباً بعنوان " الخالدون مئة هم القمم الشاهقة في التاريخ " وفي كتابه ذاك يذكر المؤلف أسماء مئة من الرجال ، هم الأكثر تأثيراً في التاريخ ، ويقدم لنا أسبابه بالنسبة للترتيب تبعاً للمكانة التي يحتلها كل منهم في القائمة ( أي أنه يرتبهم حسب تأثير وأهمية كل منهم على تاريخ البشر وحياتهم ) . ومن عجب – وهو على الأرجح مسيحي – أنه يذكر محمداً ، نبي الإسلام ، عليه السلام ، على رأس المئة ولأسباب قوية . ولأسباب قوية أيضاً يضع المؤلف عيسى عليه السلام وهو الذي يعتبر سيد البشر ومخلص البشرية من آثامها في نظر كل الأمريكيين من مواطنيه تقريباً ، في المرتبة الثالثة .
المؤسس الحقيقي للمسيحية :
ورغم أنه يوجد الآن 1200 مليون مسيحي في العالم ، وأكثر من 1000 مليون مسلم وفق الإحصاء الرسمي ، فإن البروفيسور هارت يقسِّم فضل تأسيس المسيحية بين كلٍّ من القديس بولس ، وبين عيسى عليه السلام ، وهو يعزو الفضل الأكبر لبولس . ومن هنا كانت المرتبة الثالثة لعيسى عليه السلام . وكلُّ مسيحي يعتدُّ بديانته يعتبر أن المؤسس الحقيقي للمسيحية هو القديس بولس ، وليس عيسى عليه السلام .
سبب الاختلاف :
وعلى أي حال ، فلو كان هنالك تمايز بين مسلم ومسيحي فيما يتصل بالتيقن أو العقيدة أو الأخلاق أو الفضيلة ، فإن سبب هذا التمايز يمكن إرجاعه إلى قول أنشاه بولس ، يمكن العثور عليه في رسائله إلى أهل كورنثوس ، أو إلى أهل فيلبى ، أو إلى أهل غلاطية ، أو إلى أهل تسالونيكي .. إلخ ، كما ( ) وردت بالإنجيل .
وبعكس تعاليم السيد المسيح من أن الخلاص يتحقق فحسب عند التحقق بما ورد بالوصايا ( إنجيل متى 19 : 16 - 17 ) فإن الخلاص عند بولس يتمثل في عملية الصلب ( الرسالة إلى أهل كولوسى 2 : 14 ) وهو يذهب إلى أن الخلاص يمكن أن يتم بموت وبعث عيسى المسيح إذ يقول : " وإن لم يكن المسيح قد " قام " فباطله كرازتنا وباطل أيضاً إيمانكم " ( الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس 15 : 14 ) .
أهم رجال المسيحية :
وفي نظر القديس بولس فإن المسيحية لا يمكن أن تقدم للبشر ما هو أفضل من دم وآلام سفك دم يسوع . ولو لم يكن قد مات وقام من بين الموتى لما كان ثمة خلاص للبشرية في المسيحية ! " لأن كل أعمال بِرِّنا تكون كثوب خرِقة " . ( أشعياء 64 : 6 ) .
انتفاء الصلب نفي للمسيحية:
" إن وفاة عيسى على الصليب هي عصب كل العقيدة المسيحية . إن كل النظريات المسيحية عن الله ، وعن الخليقة ، وعن الخطيئة ، وعن الموت ، تستمد مِحْوَرَها من المسيح المصلوب . وكل النظريات المسيحية عن التاريخ ، وعن الكنيسة ، وعن الإيمان ، وعن التطهر ، وعن المستقبل ، وعن الأمل إنما تنبع من " المسيح المصلوب " فيما يقول البروفيسور جوردن مولتمان في كتابه عن " الإله ( ) المصلوب " .
ومجمل القول هو أن انتفاء الصلب انتفاء للمسيحية ! وتلك هي تجربتنا نحن المسلمين الذين نعيش ( ) في خضم المسيحية في جنوب إفريقيا ، وتتنافس آلاف الطوائف المسيحية كل طائفة مع الأخرى لتخليص الوثني ( ) من نار جهنم ( عندما يؤمن بصلب المسيح ) .
وعلى كل حال ، في خضم هذا المعترك الفكري لن تجد قساً مسيحياً بروتستانتينياً ، أو إنجيلياً ، من أهل البلاد ، أو من خارجها ، لن تجده يحاول أن يُعلِّم مُسلماً شيئاً عن مبادئ الصحة أو النظافة ، لأن لنا – نحن المسلمين- أن ندعي أننا أكثر الناس نظافة ( فيما يتعلق بالنظافة الشخصية ) . وهم لن يحاولوا أن يعلمونا الكرم ، لأننا أكثر الشعوب كرماً ، ولن يحاولوا أن يعلمونا الأخلاق والفضائل لأننا أرقى الشعوب خلقاً ، وأكثر الشعوب فضائل ( في مجمل القول ) فنحن مثلاً لا نشرب الخمر ، ولا نقامر ، ولا نتخاصم ، ولا نرابي ، ولا نرقص . ونحن نصلي خمس مرات في اليوم ، ونصوم شهراً كاملاً طوال شهر رمضان المعظم ويَسُرُّ خواطرنا دائماً أن نكون أناساً مُحِبين للخير . ورغم أوجه النقص ( التي قد تعتري مسلك بعض المسلمين لضعف إيمان أو وهن عزيمة – فإنه يمكن لنا القول بأنه لا توجد جماعة من البشر يمكن أن يزعموا أنهم يستطيعون أن يضيئوا لنا شمعة في مجال الأخوة ، أو التقوى ، أو الورع ، ليس في شموع الدين الإسلامي مثيل لها ) .
الدم من أجل الخلاص :
يقول لك المبشر المسيحي : " نعم . نعم : ولكن لا خلاص لك لأن الخلاص إنما يتأتى فحسب من خلال دم ربنا يسوع . وكل أعمالك الصالحات إنما هي كثوب رث . ( فلا تغتر بها إذ أنها ليست كافية لخلاصك من العذاب ) ويقول : " لو أنكم أيها المسلمون تقبلون الاعتقاد بأن دم المسيح هو سبيل الخلاص ، ولو اتخذتم يسوع " كمخلص شخصي " فإنكم أيها المسلمون تصبحون كملائكة تمشي على الأرض " .
إجابة شافية :
ماذا نقول كمسلمين إزاء مثل هذا الإدعاء المسيحي ؟ .
ليست هنالك – في نظري – إجابة أكثر إقناعاً من قوله تعالى : ( وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً ) .
( سورة النساء : الآية 157 ) .
هل يمكن لأحد أن يكون أكثر وضوحاً وأكثر تأكيداً وأكثر يقيناً وأكثر رفضاً للمساومة تجاه معتقد من معتقدات الإيمان عن هذه الإجابة ؟ الإجابة هي : مستحيل ! إن الله هو وحده العليم القدير البصير مالك الملك . إنه الله سبحانه وتعالى .
ويؤمن المسلم أن هذه الإجابة الكاملة إنما هي من الله سبحانه وتعالى . ومن ثم لا يثير سؤالاً ولا يتطلب دليلاً . يقول المسلم : آمنا وصدقنا .
ولو كان المسيحيون قد قبلوا بالقرآن الكريم باعتبار أنه وحي الله لما ثارت مشكلة صلب المسيح . إنهم يعترضون بتعصب على تعاليم القرآن ويهاجمون كل شيء إسلامي . إنهم كما يصفهم توماس كارلايل " قد درِّبوا أن يكرهوا محمداً ودينه " .
الفصل الثاني
هَاتوا شُهَداءكُمْ
ترويح البضاعة :
في محاولة البرهنة على معتقداتهم الراسخة ، يبتكرون افتراضات مثيرة . والكتاب المعنون بعنوان " صلب المسيح – خدعة أم حقيقة تاريخية ؟ " إنما هو من نماذج هذه المحاولات ، ولا شك أنها محاولة مثيرة لكنها نابعة من أن المبالغة المسيحية تستخدم مفردات مسيحية .
ويحاول جارنر تد آرمسترنج ، وهو نائب مدير شركة نشر مجلة " الحقيقة الناصعة ، بلين تروث " وه،ي مجلة مسيحية أمريكية ، تفخر بكونها توزع 6 ملايين نسخة مجانية شهرياً ، يحاول جارنر تد آرمسترنج أن يحل هذا اللغز بأن يتساءل تحت عنوان " هل كانت قيامة المسيح خدعة ؟ " ( ) . وهذه هي الطريقة الأمريكية لبيع معتقدات الدين . وهو يوضح أن افتراضه كما يلي : إن قيامة عيسى المسيح ، إما أن تكون حقيقة تاريخية خالصة ، وإما أن تكون تزييفاً آثماً موجهاً إلى أتباع المسيحية !! .
ويقول الشاب الأمريكي الغض الإهاب " بيلى جراهام " إن جوزيف ماكدويل يذهب في كتابه " موضوع قيامة المسيح بعد وفاته " يقول : " كنت مضطراً – بعد قراءة الكتاب المذكور – أن أصل إلى نتيجة ، أن قيامة المسيح عيسى إما أن تكون أكبر خدعة ، وأكثر الخدع ضرراً وشراً ، يدمر الذهن البشري وإما أن تكون أروع وأجمل حقائق التاريخ " وحيث إنه لا يمكن لي مقاومة طريقة الأمريكيين في المبالغة والتهويل ، فإنني لا أجد غضاضة في أن أستعير كلماتهم فأجعل عنوان كتابي : " صلب المسيح هل هو خرافة أم حقيقة تاريخية ؟ أو " صلب المسيح بين الحقيقة والخيال " .
اعتراض مسيحي :
إن المسيحي يعارض الاعتقاد الإسلامي بأن عيسى المسيح " ما قتلوه وما صلبوه " بقوله: " كيف يتسنى لرجل مثل محمد عليه السلام على مبعدة آلاف الأميال مـن مسرح الحدث ، وبعد 600 عام لوقوع الحدث أن ينفض ليروى عنه ؟ " فيقول المسلم : " إن الكلمات التي قالها محمد صلى الله عليه وسلم ، ليست كلماته كشخص من البشر ، ولكنها كلمات أوحاها إليها العليم البصير " فيدفع المسيحي بأنه ليس مهيأ الذهن ليتقبل الوحي المحمدي خصوصاً في أمر تحسمه في نظره شهادة " شهود العيان " ؟ ( ) الذين رأوا بعيونهم وسمعوا بآذانهم ؟ ما حدث في نهاية الأسبوع منذ ألفي عام .
الزعم المسيحي واضح . ومنطقهم فيه لا بأس به . ولنتفحص وجهة نظرهم . فلنستدع شهودهم ، ولنمحص شهادتهم لنكشف الحقيقة أو الزيف في الموضوع من ذات مصادرهم . إنهم يعترفون أن شهود القضية الرئيسيين هم : متى ومرقس ولوقا ويوحنا . أصحاب الأناجيل المنسوبة إليهم . ولكنهم جميعاً قد ماتوا وهم فـي قبورهم . سيقول المسيحيون : " نعم ، هذا صحيح ، ولكننا نملك إفادتهم الخطية المكتوبة " .
فلنطلب الدليل :
وعندما نواجه – نحن المسلمين – بالادعاءات المعارضة المبالغ فيها من قبل اليهود والمسيحيين فيما يتعلق بدعاوى خلاصهم ، فإن الله سبحانه وتعالى يأمرنا أن نطالب بدليل إذ يقول عز من قائل .
( قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) [ سورة البقرة : 111 ] .
ولقد جاءوا بدليلهم الوحيد في أكثر من خمسمائة لغة ! وفي إحدى عشرة لهجة للعرب وحدهم . فهل المطلوب منا أن نبتلع طعمهم كله ؟ كلا ! من المعروف سلفاً لدينا ، أن الله سبحانه وتعالى عندما يأمرنا أن نطالب بدليل ، فإن هذا يعني أنه سبحانه يطلب منا أن نمحص هذا الدليل عند تقديمه فوراً . وإلا لما كان لطلب الدليل – أي دليل – معنى عندما نقبل بدليل زائف !
الفصل الثالث
إقَامَة مَمْلَكة الله
وَقرينَة ثالِثَة في قَوْلهمْ " وفقاً لـ .. "
الأمر المذهل فيما يتعلق بشأن تلك الإفادات والشهادات الموثقة ( الكتابات المعزوة إلى متى ومرقس ولوقا ويوحنا ) هو أن أيّاً منها ليست ظاهرة الصدق . ولا تحمل أي واحدة منها أي توقيع أو إمضاء أو علامة لمنشئها في تلك " الأصول " أو النسخ الأصلية المزعومة لها . إنهم الآن يفخرون بأن في حوزتهم أكثر من 500 نسخة أصلية ( مع أنه ) لا تتطابق أو تتماثل منها جميعاً نسختان ( لتزكي إحداهما الأخرى ) . أليس ( ) هذا أمراً محيراً ! ومن الغريب أيضاً أن المسيحيين أنفسهم يمايزون بين أناجيلهم بتدوين عبارة " الإنجيل وفقاً لرواية القديس متى " ، أو " الإنجيل وفقاً لرواية القديس لوقا " … الخ .
وعندما يسأل المسيحيون لماذا يتم تكرار تعبير " وفقاً لـ .. " في صدر كل إنجيل ، فإن الرد الفوري هو أنها ليست " أتوجرافية " وإنما يفترض فحسب أنها أُثرت عن أسماء الأشخاص التي تحملها الأناجيل اليوم ، ولقد حذف مترجمو الطبعة العالمية للإنجيل هذه " الوفقاً لـ " بدون أي اكثرات من الأناجيل الأربعة في أحدث ترجمة لها . ومن بين واضعي الإنجيل وياللعجب وهم متى ومرقس ولوقا ويوحنا يمكن القول بأن خمسين بالمئة منهم لم يكونوا من الأثنى عشر حوارياً المعروفين كحواريي عيسى عليه السلام .
قضية يتم الفصل فيها لدى أول جلسة :
ويمكن أن أقول – بكل تواضع – أن مثل هذه الوثائق التي لا تثبت لتمحيص تُنَحَّى جانباً في أية محكمة في أية دولة متحضرة خلال دقيقتين . وأكثر من ذلك فإن أحد الشهود المزعومين وهو القديس مرقس يخبرنا أنه في أحرج لحظات الموضوع ( أيام صلب المسيح المزعوم ) كان " كل " تلاميذه " قد خذلوه وهربوا " كما جاء بإنجيل مرقس ( 14 : 50 ) وسل صديقك المسيحي هل " كل " تعني " كل " ومهما تكن لغته سيقول لك : " نعم " .
لماذا إذن لا يتذكرون هذه الجملة الواردة في الإنجيل بكل لغة كتب بها الإنجيل ؟
وهكذا فإن من يزعمون أنهم كانوا " شهود عيان " للحدث لم يكونوا شهود عيان ، وإلا كان القديس مرقس كاذباً في روايته الإنجيلية . وأيضاً فمن المبنية على مثل هذا الدليل الهش تطرحها المحكمة جانباً مرتين في دقيقتين ، ولكن فكرة مُسلّماَ بها لدى المسيحيين طوال ألفي عام حتى الآن يتمثل فيها خلاص 1200 مليون مسيحي سوف تنهار . ولذا فإن الأمر يحتاج إلى حذر في التعامل معه أكثر وأكثر . وسوف " نفترض " أن شهادة متى ومرقس ولوقا ويوحنا صحيحة .
فمن أين نبدأ ؟
نبدأ من بداية مجرى الأحداث ! مطبقين ما جاء في أول سفر التكوين " في البدء … " بالضبط قبل 24 ساعة من تلك " الأحداث المفجعة ، عندما هبت العواصف ، وكسفت الشمس ، ووقع الزلزال ، وانشق الصخر ، وتمزقت ستائر المعبد من أعلاها إلى أسفلها ، وانشقت القبور لتمشي الهياكل العظمية في شوارع أورشليم " كما هو مأثور عن أولئك الشهود المسيحيين . يا له إذن من " سيناريو " يساوي مليون " دولار " ويحطم الرقم القياسي لدى إنتاجه " كفيلم سينمائي " !
ولا ينبغي لنا أن ننسى أن اليهود إنما هم في قفص الاتهام لأنهم متهمون بقتل عيسى المسيح ونحن المسلمون مُكلَّفون بالدفاع عنهم ضد اتهام المسيحيين ، لأن العدالة ينبغي أن تأخذ مجراها . ومهما تكن خطايا اليهود في تحريف كلام الله بالزيادة عليه والنقصان فيه ، فإن الله سبحانه وتعالى قد برأهم من تهمة قتل . المسيح غذ قال عز من قائل : ( وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً ) [ سورة النساء : 157 ] .
اللعب بورقة توهُّم الصلب :
لقد كان العالم المسيحي يضطهد ويطارد ويقتل أبناء عمومتنا اليهود على مدى حوالي ألفي عام ، بسبب جريمة قتل لم يرتكبوها . هل هي شروع في قتل ؟ .. يجوز لكنها ليست جريمة قتل . ويتخليصنا اليهود من جريمة قتل لم يرتكبوها ، فإننا نسحب الهواء من شراع أصحاب الأناجيل . وفي المعركة الدائرة حول قلوب وعقول البشر نجد توهّم الصَّلْب هو الورقة الوحيدة التي يلعب بها المسيحيون . حرِّرْه من هيامه وشغفه بها تكن قد حررت العالم الإسلامي من هوَس العدوان التبشيري .
حول المائدة :
ليلة العشاء الأخير كان عيسى وحواريُّوه الاثنا عشر يجلسون حول مائدة كبيرة مع مُضيفهم ، تلميذه الأثير ، الذي يتصادف أن اسمه يوحنا . وكانت أسماء يوحنا ويسوع أسماء شائعة بين اليهود ، حوالي عام 30 بعد الميلاد ، كما أن أسماء توم ، ديك ، جون ، جيمس شائعة الآن في القرن العشرين . كان هناك إذن أربعة عشر ( ) رجلاً ، يمكن لك أن تحصيهم حول المائدة . ولم يكونوا ثلاثة عشر رجلاً كما يصر المسيحيون على أنه كان عددهم ، مع أنه رقم شؤم لديهم .
المجيء إلى أورشليم :
لقد دخل عيسى عليه السلام مدينة أورشليم منتصراً انتصار الملوك وراءه حاشية فرحة متحمسة ، تساورها الآمال العريضة في إقامة " مملكة الله " ، جاء راكباً أتانا ليحقق النبوءة . " قولوا لابنة صهيون هو ذا ملكك يأتيك وديعاً راكباً على أتان .. والجمع الأكثر فرشوا ثيابهم في الطريق … والأغصان فرشوها على الطريق .. والجموع يصرخون ( أوصنا ) ( ) لابن داود .. مبارك الآتي باسم الرب . " أوصنا " في الأعالي " . ( إنجيل متى 21 : 5 – 9 ) .
مملكة السماء :
جاء بإنجيل لوقا : " أما أعدائي أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم فأتوا بهم إلى هنا واذبحوهم قدامى " . ( لوقا 19 : 27 ) ويقول أيضاً " .. مبارك الملك الآتي باسم الرب . سلام في السماء ومَجْدُ في الأعالي " . ( لوقا 19 : 38 ) ويضيف يوحنا إلى ذلك أن الجمع الفرحان صـرح قائلاً : " أوصنا مبارك الآتي باسم الرب ملك إسرائيـل " . ( يوحنا 12 : 13 ) .
ويقول أيضاً : " فقال الفريسيون .. انظروا إنكم لا تنفقون شيئاً . وهو ذا العالم قد ذهب وراءه " ( يوحنا 12 : 19 ) .
ويقول أيضاً : " الآن دينونة هذا العالم . الآن يطرح رئيس هذا العالم خارجاً " . ( يوحنا 14 : 31 ) .
" منذا الذي سيقاوم هذا النصر الوشيك الذي يتلاعب كالخمر بالرءوس؟ لا غرو إذن أن يغري ذلك عيسى بأن يطرد أولئك الذين كانوا يبيعون ويشترون داخل المعبد ، وأن يقلب مناضد صيارفة النقـود وأن يطردهم خارجه ضرباً بالسوط كما روى يوحنا " ( يوحنا 2 : 15 ) .
ضربة وقائية :
كانت الإطاحة بسلطة اليهود على معبدهم حدثا ضخماً ، وكانت الإطاحة بالحكم الروماني لتحل محله مملكة الله أمراً إدّاً فياللأسى ! إن آماله الضخمة لن تتحقق . لقد انتهى العرض نهاية هزيلة ورغم هتافات " أوصنا " وهتافات التحية لابن داود " ملك إسرائيل " كان ذلك الأمل غير ناضج ، يلزم لنضوجه سنوات وسنوات .
لم يستطع يسوع أن ينجو من تهديد الفريسيين بالقضاء على تطاول تلاميذه . لقد أخطأ حساب المعركة . ويجب أن يدفع ثمن الفشل . إن أتباعه لم يكونوا مستعدين لأي تضحية رغم كل صياحهم الحماسي .
جدل يهودي :
احتج زعماء اليهود بأن هذا الرجل بمفرده قد خرب دولة . ولذلك فإنه من الملائم أن يموت رجل واحد من أجل أن تعيش الأمة ( كما جاء بإنجيل يوحنا 11 : 50 ) .
ولكن مع كل الصياح الهستيري المحيط به لم يكن من الملائم أن يتم اعتقال يسوع علنا . قرروا اعتقاله سراً ووجدوا في واحد من حوارييه هو يهوذا خائناً مستعداً أن يبيعه لهم في مقابل ثلاثين قطعة نقد فضية .
كان يهوذا متذمراً :
في نظر رجال الدين المسيحي ، أن الذهب هو الذي أغرى يهوذا لكي يقترف فعلته الوضيعة في الوشاية بيسوع . لكن حساسيته تجاه المال كانت بطبيعة الحال أكبر مما يصورها فيه رجال الدين المسيحي . وهو كمختص بالنواحي المالية للجماعة اليسوعية ، كانت لديه فرص بلا حصر لاختلاس بعض المال باستمرارية منتظمة . فلماذا إذن يجازف بكل هذا من أجل ثلاثين قطعة فضية ؟ وهناك ما هو أكثر من ذلك تلحظه العين . كان يهوذا مستاء من دخول يسوع المظفر إلى أورشليم ، تحيطه الصيحات الملتهبة تهتف حوله : " الآن حانت الساعة والآن يظهر ملك العالم – أنا سوف أحكم فيهم – أحضروهم هنا واسلخوا جلودهم أمامي " . ولقد غدا ليسوع الآن أقدام ثابتة . ولو تم استفزاز يسوع ، فإن رد فعله سيكون عبارة عن معجزات ، وسيجلب النار والحُمم من السماء على أعدائه وبالطبع سيستدعي كوكبة الملائكة ، التي كان يفخر بأنهم تحت تصرفه ليمكنوه وأتباعه من أن يحكموا العالم .
ومن اتصاله الوثيق بمعلمه ، كان يهوذا قد عرف أن يسوع كان رقيقا عطوفاً محباً للناس . ولكنه لم يكن مرائياً ممالئاً للناس متملقاً لهم ، لكن يهوذا لم يفهم الضربات القوية الملفوفة بالحرير ، التي كان يجيدها يسوع . ولكن لو عورض يسوع ، وأمكن استفزازه فإنه سوف يأتي بكل ما كان عنده .. وذاك هو ما كان يخطط له يهوذا .
وانكشف الخائن :
كشفت النظرات القلقة ، وأظهر السلوك المريب يهوذا للمسيح عليه السلام . ولم يكن بحاجة إلى الوحي الإلهي ليعرف الترتيبات الخاطئة بذهن يهوذا . وحول المائدة في الحجرة التي كانت بالطابق العلوي ، حيث يسوع وتلاميذه يتناولون العشاء الأخير لاحق يسوع يهوذا بقوله : " ما أنت تعمله فأعمله بسرعة أكثر " كما ورد بإنجيل يوحنا ( يوحنا 13 : 27 ) وشرع يهوذا يضع اللمسات الأخيرة على طعنته الغادرة في الظهر .
الفصل الرابع
الاسْتعداد للجهَاد
تغيير في السياسة :
لن يظل يسوع جالساً كبطة قابعة إزاء الاعتقال في الخفاء الذي كان يعد له اليهود . وها هو ذا يعد تلاميذه لتصفية الحساب التي لا مفر منها . وها هو ذا يثير يحذر غير مثير لمخاوفهم موضوع الدفاع . فيقول لهم : " حين أرسلتكم بلا كيس ولا مزود ولا أحذية هل أعوزكم شيء فقالوا لا . فقال لهم لكن الآن من له كيس فليأخذه ومزود كذلك ومن ليس له فليبع ثوبه ويشتر سيفاً ! " ( لوقا 22 : 35 – 36 ) .
هذا استعداد للجهاد أو الحرب المقدسة يهود ضد يهود . لماذا ؟! لماذا هذا التحول في اتجاه الفكر ؟ أليس هو الذي كان قد نصح لهم من قبل أن " يديروا الخد الآخر " وأن يسامحوا سبعين سبعاً ( 7 × 70 = 490 ) ؟ ألم يكن هو الذي أوصى اثنى عشر حواريا بقوله لهم : " ها أنا أرسلكم كغنم في وسط ذئاب ، فكونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام " كما ورد بإنجيل متى ( متى 10 : 16 ) .
هيا إلى السلاح ! .. إلى السلاح ! :
إن الموقف والظرف قد تغيَّرا وكما هو الحال بالنسبة لأي قائد مقتدر وحكيم ، فإن " الاستراتيجية " أيضاً يجب أن تتغير ، لم يكونوا قد غادروا الجليل صفر اليدين من السلاح . " فقالوا يا رب هوذا هنا هنا سيفان . فقال لهم يكفي " ( لوقا 22 : 38 ) .
ولكي يستنقذ المبشرون صورة يسوع الوديعة المسالمة ، فإنه يصرخون بأن السيوف كانت سيوفاً روحية !
ولو كانت السيوف سيوفاً روحية ، فإن الملابس أيضاً كان ينبغي أن تكون ملابس روحية .
ولو كان الحواريون سيبيعون ملابسهم الروحية لكي يشتروا بثمنها سيوفاً روحية ، فإنهم في هذه الحالة يكونون غزاة روحيين ! . وأكثر من هذا فإن الإنسان لا يستطيع أن يقطع آذان الناس الجسمية بسيوف روحية . فلقد جاء بإنجيل متى ما يلي : " وإذا واحدٌ من الذين مع يسوع مَدّ يده واستل سيفـه وضرب عبد رئيس الكهنة فقطـع أذنه ( ) " ( إنجيل متى 26 : 51 ) .
إن الغرض الوحيد للسيوف والبنادق هو أن تصمى وتقتل . ولم يكن الناس يحملون السيوف لنزع قشر التفاح والموز في أيام المسيح عليه السلام .
لماذا ( وكيف ) يكفى سيفان ؟
لو كان هذا استعداداً للحرب فلماذا إذن يكون سيفان " كافيين " ؟ السبب في ذلك أن يسوع لم يكن يتوقع معركة مع جنود الحامية الرومانية . وحيث إن صديقه يهوذا كان وثيق الصلة بسلطات المعبد ، فإنه كان يتوقع عملية اعتقال في السر ( بعيداً عن علم الحاكم الروماني ) يقوم بها اليهود ليمسكوا به . وتكون المسألة بذلك مسألة يهود ضد يهود . وفي مثل هذه المعركة مع خدم المعبد من اليهود ومع حثالة المدينة فإن يسوع يمكن أن يسود المعركة منتصراً فيها . وكان على يقين من ذلك . لقد كان معه بطرس المعروف بالصخرة ، ويوحنا وجيمس المعروفان بأبناء الرعد ، مع ثمانية آخرين ، كل منهم مستعد أن يضحي بحريته أو بحياته من أجله . وكانوا جميعاً من بلدة الجليل وكانوا جميعاً معروفين بالبأس والإرهاب ، والقدرة على التمرد ضد الرومان .
وهكذا متسلحين بالعصى والحجارة والسيفين وبروح التضحية والفداء التي كانوا قد أظهروها لسيدهم كان يسوع واثقاً من قدرته على أن يلقى إلى الجحيم أي رعاع من اليهود يعترضون سبيله .
أسباب التكتيك :
كأن يسوع قد جعل من نفسه بذلك مخططاً استراتيجياً بارعاً ، واثقاً من نفسه ، لم يكن ذلك وقت يقبع فيه كالبط مع تلاميذه في تلك الحجرة بالطابق العلوي ! وها هو ذا يقود أتباعه إلى البستان بين أشجار الزيتون في منتصف الليل ، وهو ساحة واسعة محاطة بأسوار على مبعدة خمسة أميال من المدينة . وفي الطريق يبين لهم خطورة الموقف الذي تكتنفه أحقاد واندفاعات تلك الطغمة من يهود المعبد الذي سقطوا . وعليه الآن أن يتحمل نتيجة تضعضع القوى ، وأن يدفع ثمن الإخفاق !
ولسْتَ بحاجة إلى عبقرية عسكرية ، لكي تدرك أن عيسى يوزع قواته كأستاذ في فن التكتيك بطريقة تُذكِّرنا بأي ضابط متخرج في كلية " ساند هيرست " الحربية البريطانية . إنه يعين لثمانية من الأحد عشر حواريا مكانهم في مدخل البستان وهو يقول لهم : " اجلسوا أنتم هنا بينما أذهب أنا لأصلي هناك " .
والسؤال الذي يفرض نفسه على أي مفكر هو : لماذا ذهبوا جميعاً إلى ذلك البستان ؟ ألكي يصلوا ؟ ألم يكونوا يستطيعون الصلاة في تلك الحجرة العلوية ؟ ألم يكونوا يستطيعون الذهاب إلى هيكل سليمان ولقد كان على مرمى حجر منهم ، وذلك لو كانت الصلاة هـي هدفهم ؟ كلا ! لقد ذهبوا إلى البستان ليكونوا في موقف أفضل بالنسبة لموضوع الدفاع عن أنفسهم !
ولاحظ أيضاً أن عيسى لم يأخذ الثمانية لكي يصلوا معه . أنه يضعهم بطريقة استراتيجية في مدخل البستان ، مدججين بالسلاح كما يقتضي موقف الدفاع والكفاح . يقول إنجيل القديس متى : " ثم أخذ معه بطرس وابنى زبدي .. فقال لهم .. امكثوا ههنَّا واسهروا معي " . ( إنجيل متى 26 : 37 – 38 ) إلى أين يأخذ بطرس ويوحنا وجيمس ؟ ليتوغل بهم في الحديقة ! لكي يصلي ؟ كلا لقد وزع ثمانية لدى مداخل البستان ، والآن على أولئك الشجعان الأشاوس الثلاثة مسلحين بالسيفين أن يتربصوا ويراقبوا وليقوموا بالحراسة ! الصورة هكذا مفعمة بالحيوية . إن يسوع لا يدع شيئاً نعمل فيه خيالنا . وها هو ذا وحده بمفرده يصلي !
يسوع يصلي طلباً للنجدة :
يقول إنجيل متى : " وابتدأ يحزن ويكتئب . وقال لهم نفسي حزينة جداً حتى الموت … " ثم تقدم قليلاً وخرّ على وجهه ( بالضبط كما يفعل المسلم عند الصلاة ) وكان يصلي قائلاً يا أبتاه إن أمكـن فلتعبر معي عني هذه الكأس . ولكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت " . ( إنجيل متى 26 : 37 – 39 ) ويقول إنجيل لوقا : " وإذ كان في جهاد كان يصلي بأشد لجاجة وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض " ( لوقا 22 : 44 ) .
المسيح يبكي من أجل شعبه :
لماذا كل هذا العويل والتباكي ؟ أيبكي لينجو بنفسه ؟ لوْ صحَّ ذلك ( وهو بالطبع غير صحيح ) لما كان لائقاً به أن يتباكى ! ألم ينصح للآخرين بقوله : " فإن كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها وألقها عنك . لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يُلقى جسدك كله فـي جهنم " . ( إنجيل متى 5 : 29 - 30 ) .
إننا نغمط عيسى عليه السلام حقه لو صدقناه أنه كان يبكي كامرأة لينقذ جسده من عذاب بدني .
سيقولون : كان يبكي من أجل شعبه وليس من أجل نفسه .
نقول لهم : اليهود ؟ ( كان يبكي من أجلهم ؟ ) إنه لمنطق غريب . ذلك أنهم لو نجحوا في قتل أي مسيح لكان هذا ( إمكان قتله ) دليلاً على أنه دعيُّ دجال . لأن الله العلي القدير لم يكن ليسمح أبداً بقتل المسيح الحق ( ) كما ورد بسفر ( التثنية 18 : 20) ومن هنا ( أي لو صح قتل اليهود للمسيح فعلاً ) لصحَّ إدعاءُ اليهود بأن عيسى بن مريم ليس هو المسيح الذي وعدوا به وهو الرفض الخالد الدائم الذي لا يكفُّون عنه .
نسج الخيال :
هذه القصة المبكية ، وهذا النواح على الدم المسفوح سيحرك العطف والشجن في أقسى القلوب وأشدها غلظة . والمتعصبون للإنجيل ليسوا غافلين عن إمكان استغلالها . وها هم أولاء يقولون كان مُقدَّرا على يسوع أن يموت من أجل الخلاص من خطايا البشر ( ليمكن للمنتصرين أن يعيشوا في الآخرة وقد طهرتهم سلفا دماء المسيح من خطاياهم ) ولقد كان يسوع في نظرهم مهيأ لهذه التضحية المقدسة قبل بدء الخليقة . وحتى قبل البدء الفعلي المادي للخليقة كان ثمة اتفاق بينه الأب والابن ، وأنه في عام 4000 بعد خلق آدم ، فإن الله نفسه في شخص يسوع كأقنوم كان من أقانيم التثليث المسيحي قدر لنفسه أن يشنق ليخُلِّص الجنس البشري من خطيئته الأولى ( قبل نزول البشر إلى الأرض ) وكذا من خطايا الجنس البشري التي يقترفها أبناؤه بعد نزولهم إلى الأرض .
هل كان يسوع غير واع بذلك الاتفاق السماوي ؟
من الدعوة إلى " امتشاق السلاح " بتلك الحجرة العلوية ، إلى الحنكة في توزيع القوات عند البستان ، والصلاة الدامية لله الرحيم طلباً للنجاة ، يبدو أن يسوع لم يكن يعلم شيئاً عن ذلك الاتفاق السماوي الذي كان يقضي بصلبه . إن هذا التصور ( الذي لا يمكن قبوله ) يذكرنا بأبي الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام ، وقد زعم الإنجيل أنه يأخذ ابنه إسماعيل عليه السلام لكي يذبحه ، وهو يعلم أن الله سيفديه بذبح عظيم .
مُضَحٍّ على الرغم منه :
لو كانت تلك ( بزعمهم ) هي خطة الله في التفكير عن خطايا البشر فإن الله – وحاشا لله – يكون ( وفق زعمهم ) قد تنكب الصواب . إن الممثل الشخصي ( لله ) قد كان حريصاً ألا يموت . يتسلح ! يتباكى ! يعرق ! يجأر بالشكوى . على النقيض من أشخاص مثل القائد الإنجليزي لورد نلسون ، بطل الحرب الذي قال لشبح الموت ( فيما يروى ) : " شكراً لله ، لقد أديت واجبي " . وهنالك في بريطانيا من يهنئون أنفسهم اليوم ( نتيجة شجاعة قائدهم نلسون ) ويقولون : " حمداً لله . لقد نصر الله الملكة ! " لقد كان يسوع – كما يصورونه هم أنفسهم ضحية راغبة عن التضحية . ولو كانت تلك هـي خطة الله أو مشيئته من أجل الخلاص ، فإنها إذن خطة أو مشيئة لا قلب لها ، كانت عملية اغتيال بالدرجة الأولى ولم تكن خلاصاً قائماً على أساس من تضحية تطوعية .
ويصور الميجور ( رتبة عسكرية : رائد ) ييتس براون في كتابه " حياة قناص في البنغال " عقيدة الكفارة هذه في جملة واحدة عندما يقول في كتابه ذاك : " ولم تكن قبيلة من تلك القبائل الوثنية لتتفهم مثل هذه الفكرة الهائلة وفيها ما فيها من افتراض أن الإنسان كان قد جاء إلى الوجود ملطخاً بالخطيئة ، وأن هذه اللطخة ( التي لم يكن مسؤولاً عنها ) كانت بحاجة إلى من يُكَفِّر عنها: وأن خالق كل الأشياء كان عليه أن يضحي بابنه المولود من صلبه لكي يلاشي أثر هذه اللعنة الغامضة " .
( فكرة ) جيدة للتصدير :
" قبيلة من تلك القبائل الوثنية " على حد قول ذلك البريطاني . لكن معظم أمم الغرب تعيش وتموت على هذه " الفرْية الوهمية " . وهي إن لم تَعُدْ صالحة ملائكة لتتقبَّلَها عقولُهم فهي جيدة للتصدير! وها هم أولاء أكثر من 62000 مبشر ، التبشير شاغلهم اليَوْميُّ الوحيد ( تتمثل فيهم الحملات الصليبية الحديثة ) يثيرون الغبار في كل أنحاء العالم . مقلقين " للوثنيين " كما يدعونهم . وأكثر من 40% من أولئك الذين ولدوا من جديد ( وهي التسمية التي يطلقونها على المبشرين ) إنما هم أمريكيون !
لكن الأمر العجيب في الرواية هو أن يسوع لدى فراغه من أية صلاة ، كان يجد حوارييه وقد أخلدوا للنوم في أماكنهم . وكان يصيح بهم مرة تلو أخرى : " لماذا لا ترقبون معي لساعة واحدة " ( كما جاء بإنجيل متى 26 : 40 ) ثم كان ينصرف مرة ثانية وكان يصلي ويقول نفس الكلمات . وعندما كان يعود كان يجدهم نياماً مرة ثانية كما يحدثنا إنجيل القديس مرقس ( 14 : 39 - 40 ) . لكن القديس مرقس يذهب إلى أن الحواريين لم يستطيعوا أن يقدموا سبباً لتراخيهم وتناومهم . وهو يسجل عليهم أنهم حتى " لم يستطيعوا أن يجيبوه " . لكن أكثرهم دقة ، وهو القديس لوقا يخمن سبباً لهذا التناوم فيقول : " ثم قام من الصلاة وجاء إلى تلاميذه فوجدهم نياماً من الحزن " .
جدل غير طبيعي :
والقديس لوقا على الرغم من أنه لم يكن من الحواريين الاثني عشر المختارين ، فإنه يتميز بوضوح أكثر لدى المسيحيين . وهو يُعدُّ بينهم الأكثر قدرة على التأريخ ، والمفسر لطبيعة البشر فإن نظريته عن نوم الرجال بتأثير الحزن إنما هي نظرية فريدة . إن البكاء والعويل والدموع والحسرات كانت من الكثرة بالنسبة لتلك المسافة الضئيلة فيما بين أورشليم وبستان جيشمين على شفتى المسيح عليه السلام بحيث توقظ حواس أي شخص غير مخمور . لماذا كانت الظروف المحزنة تسلم الحواريين إلى النوم ؟ هل كان تكوينهم النفسي مختلفاً عن التكوين النفسي لإنسان العصر الحديث ؟ إن أساتذة علم النفس يؤكدون أنه تحت تأثير الخوف والفزع والحزن ، فإن الغدة التي تفرز الأدرينالين وتدفعه إلى مجرى الدم على نحو طبيعي يطارد ويطرد تماماً النوم . أم أنه كان من المحتمل أن الحواريين كانوا قد أكلوا كثيراً وشربوا خموراً فأتخمتهم الأطعمة وأسكرتهم الخمر ، خصوصاً أن الطعام والخمر كانا هما – كما يقول الإنجليز – كل ما في البيت ؟ .. ومن ثم تكون واحدة بواحدة .
الفصل الخامس
ذَكَاء أم شجَاعة
وخطأ ثان في الحساب :
أخطأ يسوع في الحساب خطأ مزدوجا :-
(1) الاعتداد والاعتماد على الحماس البادي على الحواريين بالحجرة التي بالطابق العلوي ، مما هيأ له الاعتقاد بأن عليه فقط أن يناضل اليهود بنجاح لو حاولوا أن يقبضوا عليه في الخفاء .
(2) كان اليهود مكرة خبثاء ، أكثر مما كان يقدر ويحسب . لقد جاءوا في جانبهم بجنود الرومان .
ودارسوا اللاهوت المسيحي ليسوا أقل مكراً وخبثاً في تفسيرهم للإنجيل . لقد حوّلوا عبارة " الجند الرومانيون " ببساطة إلى كلمة " الجنود " فقط ثم حرفوا كلمة " الجنود " إلى " مجموعة من الرجال " أو إلى " الحراس " . يقول إنجيل يوحنا " فأخذ يهوذا الجند وخداما من عند رؤساء الكهنة والفريسيين . وجاء إلـى هناك بمشاعل ومصابيح وسلاح " ( يوحنا 18 : 3 ) .
القبض عليهم نياماً :
تم الإمساك بالحواريين في وضع غير ملائم ، كما يقول الإنجيل أو بالأصح كانوا نائمين . وداس عليهم عدوهم بأحذية ثقيلة . وكان هنالك جندي واحد من جنود يسوع كان من الصحو وتيقظ الذهن ، لدرجة أنه سأل " .. يا رب أنضرب بالسيف " ( لوقا 22 : 49 ) .
ولكن قبل أن يتمكن المسيح من محاولة الإجابة كان بطرس قد ضرب بالسيف ليقطع الأذن اليمنى لواحد من الأعداء . لم يكن يسوع قد عمل حساب الجنود الرومان . وإذ تحقق أن منضدة استراتيجيته قد قُلِبَتْ رأساً على عقب ، فإن يسوع ينصح تلاميذه قائلاً : " ... رد سيفك إلى مكانه لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون " . ( إنجيل متى 26 : 52 ) .
تغيير في الاستراتيجية :
ألم يْستَجْل المسيح وجه الحق في قوله السالف عندما كان قد أمر أتباعه أن يبيعوا ملابسهم ويشتروا السيوف ؟ بالتأكيد كان يعرف . لماذا التناقض الآن ؟ ليس هناك تناقض في الحقيقة ! إن الموقف قد تغيَّر فمن اللازم تبعاً لذلك أن تتغير الاستراتيجية . كان لديه من الإدراك ما يكفي لكي يتحقق أنه من الهلاك والانتحار بالنسبة لجنوده الناعسين أن يظهروا مجرد تظاهر بالمقاومة ضد جنود الرومان المسلحين المدرَّبين .
… وأمير السلام ؟؟؟
لماذا لا يعطى المسيحيون المولعون بالجدل وثيقة تشريف ولماذا لا يمجدون " ربهم وإلههم " لهذا الفهم البسيط ؟ لأنهم كانوا مبرمجين لمدة تزيد على ألفي عام ، باعتبار أن يسوع في تصورهم إنما هو الحمل الوديع " أمير السلام " لا يمكن ان يؤذي ذبابة . وهم يتغاضون عن ذلك الجانب الآخر من طبيعته التي كانت تطلب الدم والنار ! ينسون أوامره إلى أتباعه أن يحضروا أعداءه الذين لا يقرون حُكمه ، لكي يتم ذبحهم قدَّامه . كما جاء بإنجيل لوقا ( 19 : 27 ) وكما جاء في إنجيل متى إذ يقول : " لا تظنوا أني جئت لألقى سلاماً على الأرض . ما جئت لألقى سلاماً بل سيفا " ( إنجيل متى 10 : 34 ) ويقول في إنجيل لوقا : " جئت لألقى ناراً على الأرض . فماذا أريد لـو اضطرمت – أتظنون أني جئت لأعطى سلاماً على الأرض . كلا أقول لكم بل انقساما " ( لوقا 12 : 49 ، 51 ) .
ولو اعتمدنا هذه النصوص الموقرة ، وصدقنا ثوراته على علماء عصره ( من اليهود ) ولو ساد سيف بطرس ، لشهدنا مذبحة دون رحمة مشابهة لتلك التي قام بها سلفه جيهوفا ( يوشع ) الذي دمر تماماً كل ما كان في جريتشو أو كما جاء بسفر يوشع : " وحرموا كل ما في المدينة من رجل أو امرأة ، من طفل أو شيخ ، حتى البقر والغنم والحمير ، بحد السيف " ( سفر يوشع 6 :21 ) ولن يدخر كُتّاب الإنجيل وسعاً في اختلاق الكلمات على شفتيْ يسوع كلمة كلمة لتحقيق النبوءات ( إثر وقوع الأحداث ) كما كان مأثوراً عن " أبيه ؟ " داود .
الإخفاق والمحاكمة :
أخفقت المسيرة نحو أورشليم ، والاعتصام داخل البستان وَضُح عدم جدواه . وكما أن هنالك ثماراً للانتصار فإنَّ هناك ثمناً يلزم أن يُدْفع عند الاندحار . وكانت العواقب وخيمة ! فكانت المحاكمة ، وكانت المحنة ، وكان الاضطراب ، وكان العرق ، وكان الدم .
وسحب الجنود الرومانيون عيسى عليه السلام من بستان جيشِمِين إلى آناس ، ومن آناس إلى كايفاس ، رئيس الكهنة ، ومن ثَمَّ إلى السنهدرين ( مجمع الأحبار ) الذي يباشره أحبار اليهود للمحاكمة وتنفيذ الحكم .
بينما كانوا يتداولون يسوع بين أيديهم ويسوقونه نحو مصيره ، أين كان صناديده الأبطال الذين كانوا يدقون بأيديهم على صدورهم قائلين : نحن مستعدون يا سيد أن نموت من أجلك ، ومستعدون أن نذهب إلى السجن فداءً لك " . يقول القديس مرقس وهو من أوائل من دوّنوا الإنجيل ، دون خجل أو وجل يقول : " فتركه الجميع وهربوا " ( مرقس 14: 50 ) .
ولم يستطع واضعو 27 إنجيلا تُكوِّن " العهد الجديد " أن يجدوا مثل هذا الغَدْر الجبان في كتاب اليهود المقدس ( التوراة أو العهد القديم ) لكي تتحقق النبوءة ، ولو كان لمثل هذا الغدر نظير لأسرعوا في استغلاله .
الإعجاب بالهزيمة :
وخلال مناظرة بين الإسلام والمسيحية مُذاعة بالتلفاز ، قال أحد المشتركين الذين يَدّعون أنهم وُلدوا من جديد ( لاشتغالهم بالتبشير ) : إنه يفخر بكلمة " أسلموه " وينطقها حرفاً حرفاً " أ س ل م و ه " مما يعني أنها كانت تعني الفخر والنصر عنده ، ولا تعني مرارة الهزيمة وعارها . أن الحرفيين من أصحاب الإنجيل ، قد ابتدعوا مرضاً جديداً هو الافتتان بالخسَّة والعار . وكُلُّ منهم ، ذكور وإناثاً ، لن تعُوزهم الحيلة كي ينسبوا خطاياهم وآثامهم وفُسوقهم وسُكْرهم وعربدتهم إلى هذا المشجب . ويبدو أن الإنسان يلزمه أن يكون من حثالة البشر ، ليكون عضواً في زمرة الذين ولُدوا من جديد .
( ثم يورد المؤلف ما نشرته جريدة " ديلي نيوز " بتاريخ 25 مارس عام 1975 ، من أن جثة سيدة عجوز تدعى سيكورسكي تغمز بعينها للحانوتي الذي تولَّى تجهيزها للدفن ، بعد صدور شهادة طبية لوفاتها ، مُقَدِّما صـورة فوتوغرافية للموضوع كما نشرته الجريدة المذكورة ) .
الفصل السَّادسْ
وَقَائِع محاكمَة يَسُوع
انصرفوا ساعة الحاجة إليهم :
لا يوجد في تاريخ العالم مثل هذا الخُذْلان المتخاذل والخيانة . لقد لقى عيسى عليه السلام استجابة هي أضعف التجاوب من حوارييه .
" كان تلاميذه المباشرون لا يفهمونه ولا يفهمون أعماله . كانوا يريدونه أن ينصِّب نفسه ملكاً لليهود . كانوا يريدونه أن يستنزل النار من السماء . كانوا يريدون أن يجلسوا عن يمينه وعن يساره في ملكوته . كانوا يريدونه أن يُريَهم أباه ، وأن يجعل الله مرئياً لعيونهم المجسمة ، كانوا يريدونه أن يعمل ، وكانوا يريدون هم أنفسهم أن يعملوا أي شيء وكل شيء يتعارض مع خطته الكبرى . تلك كانت الطريقة التي عاملوه بها حتى النهاية . وعندما حلَّت النهاية تركه الجميع وهربوا " .
ولو كان محمد صلى الله عليه وسلم أعظم رجل فـي التاريخ كما قال مايكل م . هارت . ولو كان محمد عليه السلام هو أكثر الشخصيات الدينية نجاحاً كما قررت الطبعة 11 من الإنسيكولوبيديا البريطانية . ولو كان محمد عليه السلام هو أعظم قائد في التاريخ على مَرِّ كل العصور كما يؤكد جولز ماسرمان بمجلة " تايم " . ولو كان محمد عليه السلام هو أعظم إنسان عاش على وجه الأرض كما أكد لامرتين في كتابه " تاريخ الترك " ، فإنه يمكن أن يزعُم من يشاء أن عيسى عليه السلام كان " أبأس الرسُل حَظّاً " .
أساء حواريو المسيح عليه السلام فهمه . وحَرَّف اليهود دائماً ما يَنْطق به . وأتباعه الذين يزعمون أنهم أتباعه أساءوا دائماً تطبيق تعاليمه حتى اليوم . ولو كان يسوع يابانيّاً بَدَلَ أنْ يكون يهودياً ، لكان من المؤكد أن ينتحر بطريقة " الهارى كارى " بدلاً من أن يتحمل زيغ وعدم إخلاص أتباعه .
حكم قضائي قبل نظر القضية :
إن مصير عيسى عليه السلام قد تم حسمه بالفعل . إن " كايفاس " رئيس الكهنة على رأس السنهدرين ( وهي الهيئة الدينية لأحبار اليهود ) لا يمكن أن يكون له اعتبار بنظر أي محكمة للعدل متحضرة بسبب رأيه المسبق في المتهم . لقد كان بالفعل قد حكم على عيسى بالموْت دون استماع إليه ( وإلى دفاعه ) . كان قد أوصى مجلسه حتى قبْلَ نظرِ القضية بقوله " … ولا تفكرون ( ) أنه خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها " ( يوحنا 11 : 50 ) .
وتميَّعتْ قضية يسوع ! لابَحْثَ عن الصواب أو الخطأ ، أوْ عَنْ العدل أو الظلم ، كان الأمر مُبَيّتاً ! وكانت المحاكمة مهزلة . بطريقة أو بأخرى ، كانوا يريدون إدانة يسوع وانتهاء أمْرِه .. وفي منتصف الليل ، لو جاز لنا أن نعتبر الثانية صباحاً في منتصف الليل ، كان اليهود قد جهزوا شهود زور ليشهدوا ضد يسوع . وانعقاد المحكمة بعد منتصف الليل كان ضد معتقدات اليهود . لكن هذا الخروج عن الإجراءات لا يهم ورغم تشجيع وتعاطف المحققين والمحلفين للشهود فإن شهود الزور لم يستطيعوا أن يتفقوا في القرائن والوقائع التي يشهدون بها .
كان الموضوع فوق احتمال يسوع . لم يستطع أن يحتفظ بسلامه . كان عليه أن يعترض ويَحْتج . قال في دفاعه عن نفسه : " .. أنا كَلَّمت العالَم علانية . أنا علَّمت كُلَّ حين في المجمع وفي الهيكل حيث يجتمع اليهود دائماً . وفي الخفاء لم أتحدث بشيء " ( يوحنا 18 : 20 ) .
وفي جوهر أقواله أوضح أنه لم ينشر تعاليم سريَّة ولا عقائد خَفيَّة . لم يُعلِّم شيئاً في الخفاء لم يكن ليعلنه للجميع وهي القضية التي كان يمكن لليهود أن يجمعوا جيشاً من الشهود ليشهدوا ضده . ولكن يا لها من مهزلة !
إن اليهود لم يستطيعوا أن يجدوا اثنين من الشهود تتطابق شهادتهما . كما ورد في إنجيل مرقس ( 14 : 59 ) وكانت حجته قوية ، لدرجة أن ضابطاً متعصباً بلغت به القحة إلى حد أن يضربه في صمت . هل أوهن هذا من عزيمة يسوع ؟ كلا . بدلاً من أن تفل عزيمته توجه إلى متحديه قائلاً : " … إن كنت قد تكلمت رديّاً فاشهد على الردَّىَ وإنْ حسنا فلماذا تضربني " ( يوحنا 18 : 23 ) .
كانت الضحيَّة تتفلت من بين أصابعهم . فرصتهم الآن أوْ لا فُرصة لهم على الإطلاق . من الناحية القانونية لم يستطيعوا أن يُجَرِّموه . الاختلاق المباشر كان ضرورياً . يتدخل الكاهن الأكبر في المحاكمة قائلاً " خَبّرنا إذن أأنت المسيح ابن المبارك فقال يسوع أنا هو .. " ( مرقس 14 : 61 – 62 ) ( تقول إنك ) " ابن الله " كفى تجديفاً ( ) .
ولم يكن ثمة كُفْر ولا خطيئة في إفادة عيسى عليه السلام البسيطة . إن كلمة " كرايست " هـي الترجمة اليونانية للكلمة العبرية " مسيح " التي تعني الشخص الممسوح بالزيت . وهاهنا ها هي ذي كلمة " كرايست " يتم خلطها بالله ومزجها معه . ويجب أن تفْصِل هذا المعنى ( الذي انساق إليه اليهود أثناء محاكمة يسوع ) عن الإشراك في العقيدة المسيحية فيما يتعلق بالتجسيد ، حيث يتجسد الله في صورة إنسان . إن انتظار اليهود قدوم المسيح ، لم يكن يُوحِّد بين المسيح والله . حقاً إن طبيعة التوحيد اليهودي كانت تتسع لكثير من أسباب الشرك . فتعبير " ابن الله " تعبيرٌ كان جائزاً في الديانة اليهودية . ويبدو أن الله كان عنده أطنان من الأبناء في كتاب اليهود المقدس ولكن لو كان المراد هو البحث في مأزق فلا حاجة إلى الذهاب بعيداً . ستجده عند أقرب حَنْية . كان رئيس الكهنة فرحان تغمره النشوة . شَعَر أنَّ سؤاله المباغت قد فتح الثغرات في دفاع يسوع . ولكي يُضْفي طابعاً مسرحياً على نصره الذي انتزعه من براثن الهزيمة أخذ يشق ثوبه وهو يقول حسب رواية مرقس : " … وما حاجتنا بَعْدُ إلى شهود … فالجميع حكموا عليه أنه مستوجب الموت " ( مرقس 14 : 63 - 64 ) .
مُذنباً أو غير مذنب – " يجب أن يموت يسوع ! "
حكم اليهود بغير حق ، أن يسوع قَدْ جدّف على الله وهو ما يشبه الخيانة العظمى فيما يتعلق بالناحية الروحية .. وموقف المسيحيين يتّحد مع موقف اليهود في هذا الصدد معتبرين أنه لأنه إله فمن حقه أن يُجدِّف على الله ولا يكون ثمة تجديف . كلا الفريقين يهوداً ومسيحيين يريدون يسوع المسكين أن يموت . يريده الفريق الأول ( اليهود ) أن يموت للتخلص منه ( باعتبار أنه يدعي أنه المسيح كذباً ) ويريده الفريق الثاني ( المسيحيون ) أن يموت ليتحقق لهم " أحلى خلاص " من الخطايا والآثام .
كان الحكم سريعاً وبالإجماع . وكان مُعَدّاً وجاهزاً . ولكن دونما مساندة من الرومان ، لم يكن اليهود ليستطيعوا أن يشنقوه . أخذوا ضحيتهم في الصباح إلى يونتيوس بيلاطس لأنهم حسب قولهم : " لا يحق لنا قانوناً أن نقتل أحداً " ( يوحنا 18 : 31 ) .
وبيلاطس يجيز اللعبة :
وعندما اكتشف بيلاطس أن يسوع من أهل الجليل ، وهم أكثر طوائف الشعب شغباً ، شعر بيلاطس أنه مـن الحكمة أن يجيز اللعبة فأحال قضية اليهود مع يسوع إلى مساعدة هيرود . وأنتم تعرفون اللعبة الأزلية التي بدأت في الجنة ، كما تقول كتابات المسيحية . لكن اللعبة لم تفلح . وبعد محاولة عقيم من هيرود للحصول على تعاون يسوع ( مع الحكم الروماني ) أعاد هيرود القضية إلى بيلاطس .
كان اليهود قد أدانوا " يسوع " بالتجديف على الله . ادعوا أنه رجل يزعم أنه إله . لكن هذا لم يكن يهم بيلاطس . كان لديه في بلاده الأصلية ( روما ) الكثير من الرجال المتألهين عنده : جوبيتر وبلوتو وفلكان وإيروس ومارس ونبتون وأبولو وزيوس كأسماء قليلة لبعض آلهة البنثيون ( ) . وزيادة أو نقصان واحد لا يشكل أهمية لَدَيْه . وكان اليهود يعرفون هذا جيداً . ولذلك غَيّروا اتهامهم من التجديف إلى الخيانة . وبدأوا اتهامهم بقولهم :
" إننا وجدنا هذا يفسد الأمة ويمنع أن تُعطَي جزْيةٌ لقيصر قائلاً إنه مسيح ملك " ( لوقا 23 : 2 ) .
وتهمة زائفة أخرى :
كانت التهمة زائفة تمام الزيف . وفي مواجهة اتهامهم المزعوم قال فيما يتعلق بموضوع الضرائب : " أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله " . ( متى 22 : 21 ) . أي ضَيرْ في هذا ؟ كان اليهود مثلهم في ذلك مثل المسيحيين اخترعوا معنى جديداً لكلمة " المسيح " إذ جعلوها تعني " الملك " لكي يبدو بسهولة كمعارض لسلطان مَلِك الرومان . وابتلع بيلاطس الطعم . لكن هذا الرجل المسكين البائس اليائس ، كان يبدو غير مُسبِّب لأيِّ خَطَر . إنه لم يكن يبدو مثل زيلوت المشاغب السياسي والإرهابي المعادي للنظام .
دفاع محكم وحكم عادل :
يسأل بيلاطس " يسوع " غير مصدق فيقول حسب رواية القديس يوحنا : " أنت ملك اليهود . أجابه يسوع .. مملكتي ليست من هذا العالم . ولو كانت مملكتي من هذا العالم ، لكان خُداَّمي يجاهدون لكيلا أسلم إلى اليهود . ولكن الآن ليست مملكتي من هنا " ( يوحنا 18 : 33 -36 ) .
دفاع مقنع لا يستطيع مستشار الملك القانوني في بريطانيا العظمى أن يقدم أبرع منه . لم ينكر موقفه الديني . لكن مملكته كانت مملكة روحية وكانت رياسته لها كي ينقذ أمته من الرذيلة والانحلال . ولم يكن هذا الاعتبار يهم الحاكم الروماني . فيمضي بيلاطس إلى اليهود المنتظرين بالخارج ليُردَّ لهم المتهم الذي لم يثبت عليه الاتهام وهو يقول " أنا لم أجِدْ له عِلَّة واحدة " ( يوحنا 18 : 38 ) .
ورغم أنه من المفروض أن متى ومرقس ولوقا ويوحنا قد دوَّنوا سجلات مستقلة ، كل منهم عن الآخر – في موضوع حياة السيد المسيح عليه السلام فإنه لأمْرُ مدهش أنْ نجد تلك الرؤية لأنصاف وأجزاء من الأمور ، دون رؤية النصف الآخر أو الأجزاء الأخرى . إن الثلاثة الأول ( متى ومرقس ولوقا ) لم يكونوا قد سمعوا كلمات ( المسيح عليه السلام التي تقول ) " مملكتي ليست من هذا العالم " على الإطلاق . لو أن الله ( سبحانه ) قد أملى هذه الكلمات على يوحنا وحده على وجه القصر والإفراد ، أو لو كان أحد الشهود قد أخبره بها ، فمن اللازم أن هذه الكلمات قد تحركت بها شفتا " يسوع " . إنها وجه دفع وبراءة هام جداً في دفاعه البارع ضد اتهام اليهود الزائف له . كيف وصلت هذه الكلمات إلى أيّ أذن ، دون أن يكون يسوع قد فتح فمه ؟ .
… أم تكلم مغلق الفم ؟
لقد بُحَّ صوت المتحمسين للإنجيل يتغنون ويصيحون بأن يسوع اقتيد إلى الصليب " ولم يفتح فاه كشاة تُساقُ إلـى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازريها فلم يفتح فاه " . ( أشعياء 53 : 7 ) فيا للأرواح المسكينة المضللة . والآن ها هو ذا واحد من الذين ولدوا من جديد ( المبشرين ) ينضم إلى الجوقة بتكرار نفس الهراء . ولنقتبس شيئاً مما يقول حرفياً بكتابه لنجده يقول : إن أشعياء يخبرنا عن يسوع المسيح :
1- إن يسوع لم يشأ أن يدافع عن نفسه أثناء محاكمته " لم يفتح فمه " .
وعندما تصادف شخصاً واحداً من هؤلاء المغالطين سله : " هل تكلم عيسى مغلق الفم ؟ " وهو يقول :
أ- أمام بونتياس بلاتوس " مملكتي ليست من هذا العالم " . ( يوحنا : 18 : 36 ) .
ب- أمام السنهدرين ( عندما قال للحارس الذي بادره بالضرب : " إن كنت قد تكلمت ردياً فاشهد على الردى وإن حسناً فلماذا تضربني " . ( يوحنا 18 : 23 ) .
ج- أما الله عندما كان في البستان إذ قال : " يا أبتاه إن أمكن فلتعبر معي عني هذه الكأس " . ( متى 26 : 39 ) .
ونحن – المسلمين – نؤمن بالكثير الكثير من معجزات عيسى عليه السلام ، ولكننا نحاذر أن نصدِّق أنه عليه السلام قد انغمس في لعبة " الكلام مع خفاء مصدر الصوت " لقد فتح عيسى عليه السلام فمه مرَّة إثْر مرة أثناء محاكمته وفقاً " للوثائق المكتوبة " . أما فيما يتعلق بأولئك الذين يرفضون أن يروا أو أن يسمعوا نستطيع أن نقول إن عزاءنا في إنكارهم الحق ينبع من أقوال السيد المسيح عليه السلام إذ يقول : " لأنهم مبصرون لا يبصرون وسامعون لا يسمعون ولا يفهمون " ( متى 13 : 13 ) .
الابتزاز :
في القضية موضع الدراسة يجد بيلاطس أن يسوع ليس مذنباً ! لكن أعداء يسوع الحاقدين يلجأون إلى المساومة والابتزاز مع بيلاطس فيقولون : " إن أطلقت هذا فلست بمحباً لقيصر . كل من يجعل نفسه ملكاً يقاوم قيصر " ( يوحنا 19 : 12 ) .
وأثناء إجراء المحاكمة ترسل زوجة بيلاطس إليه رسالة تقول " إياك وذلك البار لأني تألمت اليوم كثيراً في حلم من أجله " ( متى 27 : 19 ) .
ومع أن بيلاطس كان يحاذر أن يصدق على حكم الإعدام على أحد الرعايا الأبرياء غير الضارين ، ورغم توسل زوجته العزيزة ، فإنه لم يستطع أن يتغلب على ضغط اليهود . وأجبر على أن يستسلم لصياح اليهود خارج القصر صارخين :
" ليصلب .. " " أخذ ماء وغسل يديه قدام الجميع قائلاً إني برئ من دم هذا البار " ( متى 27 : 24 ) وقال لهم أنتم أبصر بهذا الاتهام الظالم . وأسلم إليهم يسوع لكي يصلب .
الفصل السَّابع
طَرائِقَ الصَّلبْ
أدوات الصلب :
كان الصلب طريقة مألوفة للتخلص من المجرمين السياسيين ، والقتلة والمتمردين . ومنذ زمن طويل قبل مولد المسيح عليه السلام ، كان الفينيقيون قد جربوا طرقاً مختلفة للتخلص من الشخصيات المعارضة في المجتمع . كانوا قد جربوا الشنق واستخدام الخازوق والرجم والإغراق .. إلخ . لكن كل هذه الطرق كانت سريعة في تأثيرها ، وكان المتهمون يتخلصون ( من آلامهم ) وفق ما يشتهون . ولذا ابتدعوا الصلب نظاماً يفضي إلى موت بطيء طويل المدى .
طريقتان للصلب :
اقتبس الرومان ( عن الفينيقيين ) نظام الصلب وأضافوا إليه . طوّروا نظاماً للصلب يحقق الموت السريع ، ونظاماً آخر يحقق الموت البطيء للتخلص من المحكومين .
ولقد احتار فنانو عصر النهضة الكبار ( مثل مايكل آنجلو ) ، لدى محاولتهم إنشاء لوحاتهم الفنية عن هذا المشهد الرهيب . وهم قد رسموا اللصين اللذين صُلبا مع يسوع كزميلي صلب معه ، أحدهم عن يمينه والآخر عن يساره ، كما لو كان قد نفذ فيهما حكم الصلب بالطريقة السريعة ، بينما رسموا يسوع نفسه كما لو كانت قد نفذت فيه طريقة الصلب البطيئة .
ولم يكن الرومان يخلطون أبداً بين طريقتي الصلب ، ولم يكن يختلط عليهم الأمر كما اختلط على الرسامين المسيحيين فيما بين الصلب السريع والبطيء . إن أساتذة الفن القدامى رسموا هجيناً من طريقتي الصلب وخليطاً منهماً في لوحاتهم عن جسد يسوع على الصليب . وعلى سبيل المثال ( اختلفوا فيما يتعلق بوضع مسند أو عدم وضعه ، كمسند للرأس والجسم .
واختلفوا أيضاً فيما يتعلق بوسيلة تثبيت جسد يسوع على الصليب ، بين المسامير أو الأربطة الجلدية ، كما اختلفوا بشأن وسيلة تثبيت الساقين ، بين استخدام دعامة خشبية ، أو الرزة ، أو المسمار الكبير .
الإنجيل والبعد عن الحقيقة :
على العكس من العقيدة السائدة ، لم يُسَمّر يسوع إلى الصليب مثل رفيقيه ، بل رُبط إليه ، وفي ضوء المعلومات المتاحة يجب أن نعتبر أن سلسلة " ارتياب توماس " اختلافاً أثيماً في الإنجيل ، كتأثيمنا لإِمرأة متلبسة بالزنا . أنظر الصفحة رقم 32 من إحدى طبعات الإنجيل الحديثة ، لتلاحظ الفصل الثامن الخاص بيوحنا يبدأ بالجملة رقم 12 . هل يمكن أن تتصور أي فصل من فصول أي كتاب مقدس يبدأ بالجملة رقم 12 كأول جملة ؟ والجمل من 1 – إلى 11 قد حُذِفت على اعتبار أنها مدخولة مُلَفَّقة ، بنظر ورأي 32 من أكبر أساتذة المسيحية ، وأعظمهم اعتباراً يؤازرهم 50 تنظيماً تابعاً ، وذلك بالنسبة لأحدث طبعات الإنجيل الذي يُرمَز له بالحروف : .R.S.N .
وكان تسرعهم نعمة مقنعة :
كان اليهود يتعجلون أقصى استعجال للتخلص من يسوع . ولنتذكر عقد المحكمة بعد منتصف الليل . وفي الصباح الباكر يجرونه إلى بيلاطس . ومن بيلاطس إلى هيرود . ومن هيرود إلى بيلاطس مرة ثانية . ووفقاً لما ذكره المبشر الأمريكي المغامر ، كانت هنالك ست محاكمات خلال اثنتي عشرة ساعة . وفي غضون هذا الوقت المشحون في مدينة أورشليم أيام عيد الفصح لدى اليهود ، نعرف من رواة الإنجيل أن وجوه القوم كانت تتحرق شوقاً إلى ملاقاة يسوع ، بالضبط كما يحدث خلال فيلم مثير تعلو خلاله صيحات : هيا .. أسرع .. أسرع .
( ويورد المؤلف في صدر الصفحة الثانية والثلاثين من كتابه صورة فوتوجرافية كمستند لصحة ما أورده بشأن الحذف الذي أشاروا إليه في الطبعة الحديثة من الإنجيل – المترجم ) . ويستطرد المؤلف بعدها سياق حديثة كما يلي :
ووفقاً لما أورده كُتَّاب الإنجيل المختصون ، فإن اليهود والرومان قد نجحوا في وضع يسوع على الصليب الساعة 6 وهي تعني 12 ظهراً . وعند الساعة 9 وهي تقابل الساعة 3 كان قد أسلم الروح ؟ فيا لغرابة أولئك اليهود كما أنهم كانوا متسرعين في تعليق يسوع على الصليب ، ها هم أولاء متسرعون في إنزاله عن الصليب . هل يمكن لك أن تتصور السبب ؟ إنها طقوسهم الدينية المتعلقة بيوم السبت . كانوا قد حذَّروا في اللوح الخامس من ألواح موسى كما جاء بسفر التثنية تحذيراً هذا نصه : " وإذا كان على إنسان خطية حقها الموت فقتل وعلقته على خشبة فلا تبت جثته بل تدفنه في ذلك اليوم . لأن المعلق ملعون من الله فلا تنجس أرضك التي يعطيك الرب إلهك نصيباً " ( التثنية 21 : 23 ) .
ولمسايرة الطقوس اليهودية ( أو لأي سبب آخر ) وللتعجيل بالموت على الصليب ، فإن الجلاد يستخدم آلة تسمى " كرورى فراجيوم " وهي تشبه هراوة فظيعة تقطع بها الرجلان فيموت المحكوم عليه بالإعدام ( من جراء النزف ) في غضون ساعة . كانت تلك هي الطريقة السريعة من طريقتي الموت صلباً .
( وعلى الصفحة الثالثة والثلاثين يثبت المؤلف لوحة مرسومة للفنان تشارلز بيكارد . عليها تعليق جهة اليسار يلفت النظر إلى أن سيور الجلد هـي التي استخدمت وليست المسامير . وجهة اليمين حذفت الدعامة التي تحفظ توازن الجسم من الخلف ) .
( المترجم )
الفصْل الثامِنْ
أسَالِيبْ اللهِ غَيْر أسَاليْبنَا
هل أجاب الله دعاء عيسى عليه السلام ؟ كان قد تضرع إلى الأب المحب في السماء طلباً للنجدة مع البكاء بالدموع . " وإذ كان في جهاد كان يصلي بأشد لجاجة وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض " . ( لوقا 22 : 44 ) .
ماذا يمكن أن نتوقعه بالنسبة لهذه الصلاة النابعة من القلب والتوسل ؟ يُذكرنا أحد إخوته الأربعة أن " الصلاة بصدق وحماس لرجل صالح تحيي الكثير " ( جيمس 5 : 16 ) .
مثل هذه الصلوات النابعة من القلب ، ومثل هذه الصيحات المخضبة بالدماء ، ومثل هذه اللوعة ، ومثل ذلك الأسى ، تكاد تنادي الله فوق عرشه أن تحل عنايته .
ويستجيب الله لدعاء يسوع :
يؤكد القديس بولس ، أن الدعاء لم يقع على آذان صماء : " الذي في أيام جسده إذ قدم بصراخ شديد ودموع طلبات وتضرعات للقادر أن يخلصه من الموت وسمع له ( ) من أجل تقواه " . ( العبرانيين 5 : 7 ) .
ماذا يعني قوله : " وسمع له " ! يعني أن الله قد قبل دعاءه . إن الله جلت قدرته هو السميع دوماً . لقد سمع ( أي أنه استجاب ) لدعوات يسوع كما سمع ( واستجاب ) لدعوات أبيه إبراهيم عليه السلام .
.. كان سيدنا إبراهيم عليه السلام – وقد تقدمت به السن – قد دعا أن يرزقه الله بغلام ، فوهب الله له سيدنا إسماعيل عليه السلام ، فولد له . أصبحت كلمات سيدنا إبراهيم لحماً ودماً ( أي تحقق له الدعاء ) وتعني كلمة " إسماعيل " حرفياً في اللغة العبرية أن الله قد سمع . وزكريا أيضاً – عليه السلام – دعا الله في سن متقدمة أن يهبه غلاماً ، وسمع الله دعاءه ( استجاب له ) وولد له يوحنا المعمدان ( سيدنا يحيى عليه السلام ) . والآن ها هو ذا يسوع يجأر بالدعاء طلباً للنجاة " وقد سمع الله " ( أي استجاب لدعائه ) وجاء بإنجيل لوقا ما يلي : " وظهر له ملاك من السماء يقويه " ( لوقا 22 : 43 ) .
نعم . يقويه إيماناً وأملاً في أنه سينقذه . وهذا بالفعل هو ما يسأل عيسى الله أن يتمه له . متى وكيف يستقر وحده بين يدي الله . إن أساليب وكيفيات قدرة الله غير أساليبنا نحن البشر . ولنحص بركات الله ( خلال محنة عيسى عليه السلام ) لنجده :
(أ) التوكيد المطمئن من السماء .
(ب) يجده بيلاطس غير مذنب .
(ج) رؤيا زوجة بيلاطس وفيها تُنبأ بأن عيسى يجب ألا يمسه أذى .
(د) لم تقطع ساقاه .
(هـ) اليهود يتعجلون إنزاله عن الصليب .
ماذا أبقى للعظام :
الملحوظة الرابعة فيما ورد أعلاه التي تشير إلى أنهم " لم يقطعوا ساقيه " إنما كانت تحقيقاً لنبوءة ، وردت بالمزمور الرابع والثلاثين تقول : " يحفظ جميع عظامه . واحد منها لا ينكس " ( المزامير 34 : 20 ) .
ولو حفظت عظام الضحية من الأذى ، فإنها تكون نافعة له فحسب لو ظل حياً ! وبالنسبة لشخص مات فعلاً ، فإن سلامة عظامه لا تفيده بشيء . وسواء كانت قد قطعت أو هشمت ، فهي لن تفيد الجسم الذي مات صاحبه . لن تفيد روحه . ولكن بالنسبة لأشخاص أحياء على الصليب فإن تقطيع الرجلين يعني كل الفرق بين الموت والحياة . ولم يكن الرومان الوثنيون معنيين بكفالة تحقيق أي نبوءة . فهم كما يقول القديس يوحنا :
" وأما يسـوع فلما جاءوا إليه لم يكسروا ساقيه لأنهم رأوه قـد مات " ( يوحنا 19 : 33 ) .
" رأوا " كلمة بسيطة جداً . ولكن لنا أن نسأل : ماذا رأوا ؟ هل لنا أن نتخيل أن ما حدث كان تحقيقاً لقول المسيح : " ومبصرون تبصرون ولا تنظرون " ( متى 13 : 14 ) وعندما يقول يوحنا الجنود " رأوه " فإنه يقصد أنهم " قدروه " لأنه لم يكن لديهم جهاز " استيذوسكوب " حديث للتحقق من الوفاة ولا كان أحدهم قد لمس جسده أو قاس ضغط دمه أو نبضه لكي يخلص إلى النتيجة أنه كان " قد مات فعلاً " . إنني أرى في كلمة " رأوه " علامة أخرى من علامات مشيئة الله في إنقاذه .
( ثم يورد المؤلف صورة فوتوغرافية لما تم نشره بجريدة " ويك إند وورلد " ، وقد علق على الرسم بقوله هذا الرجل لا يصلب ، لكنه يمثل دور المصلوب . وتحت الصورة يوجد تعليق يقول إن السيد بيتر فان دير برج ينزل إلى الأرض ( معنى ذلك أنه لم يفارق الحياة ) بعد أن علق على صليب لمدة عشرين دقيقة . والسيد فان دير برج يعمل في حانة للخمر ( بارمان ) فـي مدينة نيوكاسل بنيتال سمح بأن يُسَمّر إلى الصليب في الأسبوع الماضي ، ليبرهن على أن الإنسان يمكن أن يسيطر على جسمه .
الفصْل التاسع
عَودَة مِنَ الموْتِ إلى الحَياةِ يَومياً
بكل أوجه التقدم في مجال الطب منذ المسيح عليه السلام ، ومع كل الوسائل العلمية الحديثة المتاحة لنا ، فإن مئات الناس تحرر لهم شهادات وفاة يومياً في كل أنحاء العالم . وبينما أنا مشغول بكتابة هذه السطور أجد انتباهي يشد نحو حادثة القتل القريبة العهد التي تعـرض لها السيد : بارناباس ، الذي حمل إلى مستودع الجثث بعـد أن " أعلنت وفاته إكلينيكيا " . ولم يكن هذا الإعلان من قبل الجنود الرومان في العصر القديم ، ولكن هذا الإعلان قد تم من قبل رجال مؤهلين طبياً على أعلى مستوى . وتناولت الصحف هذا الحدث باعتباره أنه صدمة عام 84 ( ) وثمة أمر مدهش آخر تحت عنوان " صدق أو لا تصدق " تجده على ص 81 من هذا الكتاب عن صحفي يتتبع الناس الذين عادوا من بين الموتى مع تقديم نبذة عن تاريخ حياتهم لتحقيق أعلى نسبة توزيع . وهاك قائمة كمجـرد بداية لتقول رأيك :
بعث بعد موت أم مجرد انتعاش ؟ .
(1) بنت صغيرة " ماتت " تحكي كيف عادت إلى الحياة بعد 4 أيام . ( ديلي نيوز 15 / 11 / 55 ) .
(2) مات رجل لمدة ساعتين : لا يزال يعيش . معجزة تحير الأطباء . ( ساندي تربيون 27 / 3 / 60 ) .
(3) مات لمدة 4 دقائق – توقف قلب الرجل لكنه يستمر في الحياة – ( سنداي اكسبرس 23 / 7 / 61 ) .
(4) لا يعرف أنه مات لمدة 60 ثانية . ( كيب آرجوس 16 / 3 / 61 ) .
(5) دكتور هتج عاد من بين الموتى . ( كيب آرجوس 4 / 5 / 61 ) .
(6) وتحرك الكفن – أفلت الشاب من الدفن حياً . ( سنداي تربيون 13 / 5 / 62 ) .
(7) عودة من عالم الموتى – بعد الاعتقاد بوفاته بيومين ( بوست 25 / 7 / 65 ) .
(8) الجثة تغمز بعينها لمتعهد الدفن – وكتب الطبيب شهادة الوفاة – ( ديلي نيوز 25 / 3 / 75 ) .
(9) ميت إكلينيكيا – لا يزال " تودلر " حياً بعد معركة لمدة ساعة لإنقاذه . ( ناتال مر كوري 25 / 12 / 82 ) .
(10) هل كان ميتاً أم كان حياً ؟ المعضلة التي تواجه زرع الأعضاء . ( سنداي تربيون 17 / 7 / 83 ) .
(11) يهز فيتحرك – بعد الإعلان عن وفاته إكلينيكيا " بسبب كثرة الشرب في عيد الكريسماس ( ديلي نيور 3 / 1 / 84 ) هذه القائمة المحزنة لا تكتمل إلا إذا قام ناد أو جمعية يكون الشرط الوحيد للعضوية هو الموت والعودة من بين الموتى . ونقول لو أن كل شيء حدث " كما تقول الكتب المقدسة لدى المسيحيين " فإن يسوع يمكن أن يكون رئيس هذا النادي أو تلك الجمعية ! .
وفي بقية الصفحة الثامنة والثلاثين يورد المؤلف صورة فوتوغرافية لناد للعائدين من بين الموتى يضم أحد اجتماعاتهم بفندق سافوي بلندن سبعة أشخاص .. إلخ .. ) .
( المترجم )
الفصْل العَاشِر
التعَاطف مَعَ يَسُوع
يُعمل الله مشيئته بطريقة لا نعرفها . يبث في روع الجنود أن الضحية قد " مات بالفعل " كي لا يقطعوا ساقيه ، ولكنه في نفس الوقت يجعل جندياً آخر يغزه بالرمح ( للتأكد من الوفاة ) في جنبه و .. " للوقت خرج دم وماء " ( يوحنا 19 : 34 ) .
من أفضال الله سبحانه وتعالى ، أن الجسم الإنساني عندما لا يتحمل الألم والتعب أكثر من طاقته فإنه يدخل عالم اللاشعور . لكن انعدام الحركة والتعب ووضع الجسم بشكل مغاير لطبيعته ولراحته على الصليب ، كل ذلك جعل الدورة الدموية تبطئ . وغزة الرمح إنما جاءت لتنقذ . وبخروج شيء من الدم استطاعت الدورة الدموية أن تستعيد مسارها وعملها وإيقاعه . وتؤكد لنا دائرة معارف الإنجيل تحت " مادة الصليب " بالعامود رقم 960 أن " يسوع كان حياً عندما وُجِّه إليه الرمح " . وهذا أيضاً يؤكد قول يوحنا فيما يتعلق " بالماء والدم " وأنهما انبعثا على الفور . إذ أنه يقول " وعلى الفور ، أو : وفي الحال " مما يعد دليلاً مؤكداً أن يسوع كان حياً .
ولكن لماذا " الماء والدم " ؟ لقد أدلى الدكتور و . ب . بريمروز أخصائي التخدير بمستشفى جلاسجو الملكي الملكي برأيه من واقع خبرته كما أورده في دورية تنكرز دايجست الصادرة بلندن في شتاء عام 1949 عندما قال : " كان الماء ناتجاً عن الإرهاق العصبي الواقع على الأوعية الدموية الذي يرجع تحديداً إلى التأثير فوق الطاقة للضرب بالهروات " وعندما كان يسوع قابعاً ببستان جيشمين تؤكد المصادر الطبية أيضاً أن العناء الذي كابده يؤيد أيضاً التفسير السابق .
البروتستانت لهم رأي آخر :
ليس كتّاب الإنجيل متفقين فيما يتعلق بوقت وضع يسوع على الصليب . لكن يوحنا يخبرنا أن عيسى عليه السلام كان موجوداً في حضرة بيلاطس في مقر حكمه عند الساعة 12 ظهراً " وعند الساعة السادسة ( بالتوقيت العبري ) قال " خذوا ملككم " . كما جاء بإنجيل يوحنا ( 19 : 14 ) . وبعد جدل وشد وجذب ، تم تسليمه ليصلب . تخيل التحرك المضطرب والصليب الثقيل الذي فرض على يسوع أن يحمله بنفسه . والصعود الطويل إلى جبل جلجوثة ( مكان الصلب ) لا يمكن أن يتم في دقائق قليلة . وتجهيز القوائم الخشبية والربط والرفع يلزم أن يستغرق هذا وذاك كله بعض الوقت . ربما يعرضه البث التلفزيوني في 30 ثانية ، ولكن في الواقع الفعلي لا ينجز كلَّ ذلك بسرعة . ولم يوفق إنجيل يوحنا في تحديد وقت رؤية يسوع للملاك ( الذي جاء ليشجعه ويشد أزره ) ، ولكن الشراح يتفقون أن ذلك إنما تم في ( الساعة التاسعة " أي 3 بعد الظهر .
ويقول دين فارار بالصفحة 421 من كتابه " حياة المسيح " " كان يسوع على الصليب لمدة ثلاث ساعات ثم أنزل عنه " .
بونتياس بيلاطس يتعجب :
تحكى لنا كتب الإنجيل في مختلف الصيغ ، أنه بين الساعة السادسة والساعة التاسعة ( 12 ظهراً حتى 3 بعد الظهر ) كان هنالك رعد وكسوف شمس وزلزال ! – هكذا دون قصد ؟ كلا . كان ذلك لتفريق الغوغاء بعد استمتاعهم بيوم عطلة رومانية . وكان ذلك لإطلاق يدي الرحمة المتمثلة في أتباعه المخلصين المسرين لاتجاهاتهم كي يهبوا لنجدته .
وذهب يوسف الذي كان من أريماتا في معية أحد جنود الرومان ( قائد مئة ) كان متعاطفاً مع يسوع ، وكان قد قال : " حقاً كان هذا الإنسان ابن الله " كما ورد بإنجيل مرقس ( 15 : 39 ) ذهبا إلى بيلاطس وطلب يوسف جسد يسوع . " فتعجب بيلاطس أنه مات كذا سريعاً فدعا قائد المئة وسأله هل له زمان قد مات " ( مرقس 15 : 44 ) . ماذا كان سبب تعجب بيلاطس ؟ كان يعرف بحكم تجربته وخبرته أن أي رجل لا يمكن أن يموت على الصلب في غضون ثلاث ساعات ما لم تكن " الكوريفراحيوم " معدة لذلك وهو ما لم يحدث في حالة يسوع ، وهو ما حدث بالنسبة لرفيقيه في الصلب اللذين بقيا أحياء .
سبب العجب :
من المعقول أن يواجه رجل جماعة إطلاق النار ( عند تنفيذ حكم الإعدام رمياً بالرصاص ) وأن تصيب الطلقات جسمه فيموت ، ولا يكون ثمة داع للعجب . ولو أخذ شخص إلى المقصلة وشُنق ومات لا يكون ثمة داع للعجب .
ولكن عندما يبقون على قيد الحياة حيث نتوقع بإدراكنا العام أن يموتوا ، فلا مناص من بالغ العجب . وعلى العكس من ذلك نجد بيلاطس يتوقع أن يكون عيسى حياً على الصليب ( لم يمت بعد ) كما ينبئونه فإن تعجبه أيضاً طبيعي . ولم يكن لديه سبب يجعله يتحقق من أن يسوع ميت أم حي . ولماذا يهتم لو كان يسوع حياً ؟ ألم يجده بريئاً من التهم الموجهة إليه من اليهود ؟ ألم تُحذِّره زوجته من إلحاق أي أذى بهذا الرجل العادل ؟ ألم يضطر إلى الاستسلام لضغط اليهود عليه ؟ فلو كان يسوع حياً فما أجدره بحظ حسن ! ويصرح بيلاطس ليوسف أن يأخذ الجسمان .
وهكذا كان له أتباع مستترون :
إن أتباع يسوع ، أولئك الذين أطلق عليهم قوله " إنهم أمي وإخوتي " ليُصوِّر منزلتهم في قلبه – اختفوا عن ناظريه ، عندما كان في مسيس الحاجة إليهم . وكان ثمة أتباع آخرون – مثل يوسف الأريماتي ومثل نيكوديموس – لم يرد لهم من قبل ذكر حتى حان وقت شدة يسوع وحاجته إلى النجدة والمساعدة . كانا وحدهما هما اللذين تداولا جثمان يسوع بالإضافة إلى مريم المجدلية وأخريات متفرجات . ونزولاً على مقتضيات الطقوس الدينية لدى اليهود ، فإن عملية غسل الميت والمسح عليه وتكفينه يلزم أن تكون قد استغرقت أكثر من ساعتين . ولو كانت هنالك أية آثار للحياة في أي عضو من أعضاء الجسد الملفوف فلم يكن أحد من المحيطين به من الحماقة بحيث يصيح في الجموع المتطفلة إنه حي . إنه حي . لقد كانوا يعرفون أن اليهود سيعاودون التأكد من أن روحه قد انتزعت من جسده .
الفصْل الحادي عشر
لِماذَا عَلامَتَا التَنْصِيصْ ؟؟ .. " .. "
ارتياب اليهود وقلقهم :
ليس لنا بحال أن نفترض أن يسوع تم دفنه على عمق ستة أقدام . كان قبر يسوع ضخماً كحجرة جيدة التهوية وليس قبراً . ويعطى " جيم بيشوب " ( وهو عالم من كبار علماء المسيحية ) في كتابه " يوم مات المسيح " مواصفات قبر المسيح كما يلي : الاتساع خمسة أقدام . الارتفاع سبعة أقدام . العمق خمسة عشر قدماً . مع نتوء أو نتوءات بالداخل . ومأوى بهذه المواصفات يسعد أي واحد من سكان الأحياء الشعبية للإقامة فيه كمسكن له . وارتاب اليهود . كان كل شيء يدعو للارتياب .
(أ) كان طريق الاقتراب من المقبرة سهلاً متاحاً .
(ب) زميلاه على الصليب لا يزالان أحياء .
(ج) لم تقطع ساقاه بينما قطعت ساقا كل من رفيقيه على الصليب .
(د) التصريح السهل السريع الذي منحه بيلاطس للحصول على جثمان يسوع .
ولهذه الأسباب ، ولأسباب أخرى كانت لليهود شكوكهم . شعروا أنهم كانوا قد خُدعوا . ( وتساءلوا ) : هل ما يزال يسوع " على قيد الحياة " ! وهرعوا إلى بيلاطس .
أخطاء اليهود :
يقول القديس متى : " وفي الغد اجتمع رؤساء الكهنة والفريسيون إلى بيلاطس قائلين يا سيد قد تذكرنا أن ذلك المضل قال .. فمُر بضبط القبر إلى اليوم الثالث لئلا .. فتكون الضلالة الأخيرة أشر من الأولى " ( متى 27 : 2 – 64 ) .
وهكذا يتحدث اليهود عن " الأولى " و " الأخيرة " غير مدركين أنهم في تعجلهم العصبي كانوا قد وقعوا في غلطة أو سقطة أخرى .
كانوا قد ذهبوا إلى بيلاطس في اليوم التالي فحسب . كانوا يريدون غلق الحظيرة على الحصان بعد أن نجحوا في إدخاله إليها . وكان بيلاطس قد طفح به الكيل منهم ولذا قال لهم : " عندكم حراس . اذهبوا واضبطوه كما تعلمون " ( متى 27 : 65 ) ولم يكن بيلاطس ليندفع مع هواهم . كان لديه أكثر من سبب لكي يكرههم .
هَوَس :
لا يهم ما فعله أو ما لم يفعله اليهود بعد رد بيلاطس الجاف عليهم . لقد كانوا قد فقدوا بالفعل يوماً كاملاً ! لكن المسيحيين المتعلقين بأوهى الأسباب يحرفون تعبير " حرس المعبد " إلى " الجنود " ويجعلون هؤلاء الجنود " جنوداً للرومان " . ثم يملأون الصفحات مبالغين في كفاءة آلة الحرب الرومانية ، ليخلصوا إلى إنها لا يمكن أبداً أن تضبط غافية غافلة أو تاركة لمكان الحراسة ! والنتائج محتومة لمن يساق إلى هذا المنزلق . هل يعني ما كتبوه ( عن عظمة وقوة آلة الحرب الرومانية ) أن الجندي الروماني معصوم من الخطأ ؟ وبينما يستغرق القارئ المسالم في مطالعة التفاصيل المتشعبة ، يكون مستعداً مهيأ أن يبلع الطعم والسنارة . وهو خداع طوروه ليصبح فناً من الفنون ! .
ما هو الخطأ الأول الذي وقع فيه اليهود في محاولاتهم التخلص من يسوع ؟ كان الخطأ الأول أنهم سمحوا بإنزال يسوع عن الصليب دون كسر ساقيه تحت زعم أنه كان قد مات . وكان الخطأ الأخير لهم أنهم مكَّنوا لأتباع يسوع غير المعروفين علناً أن يقدموا المساعدة لرجلهم الجريح بعدم غلق المقبرة غلقاً محكماً . وأيضاً وفي نفس الوقت بتأجيلهم الذهاب إلى بيلاطس إلى اليوم " التالي " الذي كان وقتاً متأخراً لدرجة أن … ! يعمل الله قدرته بطريقة لا يعرفها البشر . إن أساليبه في إعمال قدرته غير أساليبنا وهو سبحانه وتعالى يقول وهو أعز القائلين في القرآن الكريم :
( وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) [ آل عمران : 54 ] .
وصباح يوم الأحد :
كان ذلك صباح يوم الأحد ، أول أيام الأسبوع حسب التقويم اليهودي الذي يعتبر يوم السبت هو اليوم السابع في الأسبوع ، عندما زارت مريم المجدلية بمفردها مقبرة يسوع ( مرقس 16 : 9 ) ويوحنا 20 : 1 ) .
والسؤال هو " لماذا ذهبت هنالك ؟ " هل ذهبت هنالك كي تمسح عليه بالزيت ، كما يخبرنا القديس مرقس ( 16 : 1 ) .
والسؤال الثاني هو : هل جرى العرف بين اليهود أن يمسحوا جسد المتوفى بالزيت في اليوم الثالث لوفاته ؟ الإجابة هي : " لا ! " إذن لماذا أرادت المرأة اليهودية ( مريم المجدلية ) أن تدلك جسد المسيح بعد 3 أيام من إعلان وفاته ؟ ونحن نعلم أنه خلال 3 ساعات يغدو الجسم متصلباً صلابة الأجساد الميتة . وفي غضون ثلاثة أيام يتحلل الجسم من الداخل . تنشطر وتتحلل خلايا الجسم . ولو حكَّ أي شخص مثل هذا الجسد يتفتت أجزاء صغيرة . فهل يكون لتدليك الجسم إذن معنى ؟ الإجابة هي : لا ! .
لكن هنالك معنى ، ( ومعنى كبير ومفهوم ) لو كانت مريم المجدلية تبحث عن شخص حي . وأنت أيها القارئ الكريم تدرك أنها كانت بالقرب من الشخصين الوحيدين اللذين قاما بالطقوس الأخيرة لجثمان يسوع وهما يوسف الآريماتي ونيكوديموس . ولو كانت قد شاهدت أي دليل على وجود دبيب للحياة في أي عضو من أعضاء جسد يسوع لما كان معقولاً أن تصيح إنه حي ! إنها تعود بعد ليلتين ويوم عندما كان سبت اليهود قد انقضى لكي تعنى بيسوع .
الكفن خال من الجسد – بعد إزاحة الحجر :
وعند وصولها إلى المقبرة استبدت بها الدهشة إذ وجدت أن شخصاً ما كان قد سبقها بالفعل وأزاح الحجر ( الذي يسد مدخل المقبرة ) وبالدخول إليها تجد أن الملاءة التي يلف بها جسد الميت مطوية ملفوفة مكومة بالداخل . ( بدل أن تكون ملفوفة حول الجسد الميت ) هل ثمة مجال لأمثلة أكثر ؟ نعم يثور ثمة سؤال يقول : لماذا أزيح الحجر ( من باب المقبرة ؟ ) الجواب على ذلك أنه بالنسبة لشخص يعود إلى الحياة ( بقدرة الله ) شخص كان قد قهر الموت ( بإرادة الله ) ليس من الضروري أن يتزحزح الحجر كي يخرج ( من المقبرة ) كما لم يكن ضرورياً للملاءة الملفوف بها جسده أن تلف لكي يخرج منها . الجواب على ذلك أنه بالنسبة للروح لا تشكل جدران الحجارة سجناً ، ولا تحد قضبان الحديد قفصاً .
إن تزحزح الحجر وانفلات الملاءة الملفوف فيها الجسد من ضرورات ( تحرير ) جسم مادي . كانت المقبرة الخالية تشكل قمة الإثارة التي لم تكن ( مريم المجدلية ) تتوقعها . ولذا فإن المرأة التي أصابتها الهستيريا ( لدرجة أن القديس مرقس يقول إن يسوع كان عليه أن يخرج منها سبعة شياطين – 16 : 9 ) تنهار وتبكي . وكان يسوع يرقبها من مكان مجاور – ليس من السماء ، ولكن من الأرض .
كانت المقبرة من ممتلكات يوسف الآريماتي الخاصة وكان واحداً من أثرياء اليهود ذوي النفوذ . وحول هذه المقبرة كانت ثمة مزرعة للخضراوات . وكان لمثل هذا الرجل اليهودي الموسر أن يجعل من مثل هذه المزرعة أو الحديثة أشبه ما يكون بالمنتجع الترويحي لنفسه ولأسرته لقضاء فترات من الراحة ! .
مفارقة مضحكة :
كان يسوع هناك ! وكان يرقب مريم المجدلية إنه يعرف من تكون ، ويعرف لماذا هي موجودة بالمكان . يقترب خلفها ويجدها تبكي أو تصرخ . ولذلك فإنه يسألها :
" … يا امرأة لماذا تبكين . من تطلبين " ( يوحنا 20 : 15 ) وقبل أن تجيب ( مريم المجدلية ) دعني أتدخل فأثير سؤالاً :
" لماذا يسأل يسوع أسئلة لا لزوم لها ؟ ألا يعـرف الأسباب الظاهرة ؟ بالطبع – يعرف ! إذن لماذا يسأل ؟ " .
الجواب على ذلك أنها كانت أسئلة لها ما يبررها . نعم ، إنه يعرف أنها كانت تبحث عنه ، لكن خاب أملها ( إلى حد الصدمة ) بعدم عثورها عليه . ومن ثم كان نحيبها . لكنه أيضاً يعرف أنها لن تتعرف عليه بسبب تنكره التام المتقن . ولذا فهو – على نحو معقول – يستدرجها ( إلى حالة السواء والاعتدال بالكلام إليها ) . وعند وصف هذه الجزئية يقول القديس يوحنا : " وهي إذ اعتقدت أنه البستاني قالت له " : والآن ، لماذا تعتقد مريم أنه البستاني ؟ هل العائدون من بين الموتى يلزم بالضرورة أن يشبهوا عمال البساتين ؟ كلا !! إذن لماذا تعتقد أنه البستاني ؟ الجواب : لأنه خائف من اليهود ! ولماذا يخاف من اليهود ؟ لأنه لم يمت ولم يهزم الموت ! لو كان قد مات أو لو كان قد هزم الموت لما كان ثمة داع للخوف . ولم لا ؟ لأن الجسم لا يموت مرتين ! من القائل بهذا ؟ الكتاب المقدس يقول به . أين ؟ في الرسالة إلى العبرانيين 9 : 27 يقول : " .. وكما وضع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة " .
العودة من بين الموتى :
ولكن ماذا عن مئات الناس الذين عادوا من بين الموتى ؟ إننا نقرأ عنهم يومياً على صفحات الصحف . أولئك الناس الذين صدرت شهادة طبية بوفاتهم بواسطة رجال لهم وظائف رسمية في مجال العمل بالصحة وعادوا بالصدفة إلى الحياة ، لم يكونوا قد حضرتهم الوفاة في حقيقة الأمر بالمعنى المعروف للوفاة والبعث بعد الوفاة . إن أطباءنا قد أخطأوا وسوف يستمرون في ارتكاب الأخطاء . ولا سبيل إلى تجنب ذلك . ولكنني أريدك أن تلحظ كلمة ميت الموجودة بصفحة 63 وكلمة " الجثة " الموجودة بصفحة 22 .
وكلمة " الصلب " الموجودة بصفحة 58 كل هذه الكلمة بين علامتي تنصيص أي شولات . وبهاتين العلامتين يوضح لنا رجل الصحافة الماهر أن " الميت " ليس بميت وأن " الجثة " ليست جثة ميت وأن عمليات " الصلب " ليست عمليات صلب فعلي ولكن عمليات تشبه الصلب وتمثله ( كما في المسرح ) لكنه ليس صلباً حقيقياً ( كذاك الذي كان يمارسه الرومان تنفيذاً لأحكام الإعدام ) إنهم كانوا موتى " زُعم موتهم " وكانوا " جثثاً مزعومة " وكانوا " ممثلي عملية صلب " . ولكن من وجهة نظر العاملين بالصحافة ، فإن تعبير " مزعوم " يقلل من مبيعات الصحف . ( أي أنهم ينشرون الخبر على أساس أنه حقيقة ثم ليكتشف القارئ بعد ذلك ما يشاء ) لكن الشغل شغل ! ولذلك يستخدمون " … " الشولات . وفي حقيقة الأمر ، لا يموت الإنسان مرتين . ولا يهم – إزاء هذه الحقيقة – عدد شهادات الوفاة التي تحرر له .
وتستمر الرواية :
وإذ تظن مريم المجدلية يسوع في تنكره ، تظنه البستاني ، فإنها تقول : " يا سيد إن كنت أنت حملته فقل لي أين وضعته .. " ( يوحنا 20 : 15 ) .إنها لا تبحث عن جثة . ( لو كانت تبحث عن جثة لاستخدمت ضمير غير العاقل it في الإنجليزية ولكنها استخدمت ضمير العاقل him ) وهي إذن تبحث عن إنسان حي . وهي تريد أن تعرف أين " أرقده " ( وفعل يرقد شخصاً ليستريح لا ليستخدم لغير الأحياء ) وهي لم تقل له " أين دفنته ؟ " ( يوحنا 20 : 15 ) .
تأخذه معها ؟ أين ؟ ماذا تفعل بميت ( عندما تأخذه معها ) ؟ كانت تستطيع فقط أن " تدفن " الميت . من يحفر القبر ؟ إن حمل جثة قد يكون في مقدور امرأة أمريكية متحررة متجبرة ، لكنه ليس في مقدور يهودية مرفهة كي تحمل جسماً ميتاً يزن ما لا يقل عن مائة وستين رطلاً . إن هذا الثقل بالإضافة إلى 100 رطل من المواد المصاحبة يصل إلى ثقل 260 رطلاً . وحمل هذا الثقل شيء ودفنه شيء آخر . إن محاولة يسوع مداورة هذه المرأة قد ذهب إلى حد بعيد .
ولم تكن المرأة قد استطاعت أن تكتشف التنكر بعد . وكان يسوع في موقف يسمح له أن يضحك ( لو شاء الضحك ) لكنه لم يستطع أن يتمالك نفسه أكثر من ذلك . يندفع قائلاً : " مَرْيَمْ ! " كلمة واحدة ! لكنها كانت كافية . فعلت كلمة مريم ما لم تفعله كل الكلمات السابقة . مكَّنت مريم من أن تتعرف على " سَيِّدِهَا " ولكل امرئ طريقته في نداء الأقربين إليه . إن طريقة نطقه للحروف جعلت مريم تجيب " سيدي . سيدي " وتتقدم وقد أطار صوابها الفرح لتمسك بسيدها وتقدم بين يديه فروض تبجيلها له . لكن عيسى يقول لها : " لا تلمسيني " .
أسئلة مطمئنة :
ولم لا ؟ هل هو حزمة مكهربة ، أو مُولِّد كهربي لو تلمسه تصعق ؟ كلا ! " لا تلمسيني ! " لأنها ستسبب له ألماً . ورغم أنه كان يبدو على ما يُرام من كل الوجوه إلا أنه كان قد خرج تواً من تعامل جسمي وروحي عنيف . وربما يكون مؤلماً إلى حد يفوق احتماله لو سمح لها ( أن تتعامل مع المناسبة بكل عنفها مما ينعكس على طريقتها معه ) ( ) . ويستطرد يسوع في كلامه إلى مريم ويقول : " … لأني لم أصعد بعد إلى أبي " ( يوحنا 20 : 17 ) .
ولم تكن مريم المجدلية عمياء .. كانت تستطيع أن ترى الرجل واقفاً أمامها . فماذا يعني بقوله : " لم أصعد بعد " – يصعد إلى أعلى – عندما كان واقفاً " على الأرض " أمامها بالضبط ؟ إنه في الحقيقة يقول لها إنه لم يبعث من بين الموتى وبلغة اليهود ، وباستخدام تعبير اليهود : " لم أمت حتى الآن " إنه يقول : " إنني حي " .
" فلما سمع أولئك ( الحواريون ) أنه حي وقد نظرته ( أي مريم المجدلية ) لم يصدقوا " .
( مرقس 16 : 11 ) .
الفصْل الثاني عشرْ
وَلَمْ يُصَدِّق الحَواريُّون
رحلة إلى عمواس :
وفي نفس ذلك اليوم في الطريق إلى بلدة عمواس ، يرافق يسوع اثنين من تلاميذه ويتسامر معهم لمسافة خمسة أميال دون أن يتعرفوا عليه ! يا له من فن متقن ! وعندما وصلوا غاية طريقهم يقنعون السيد أن يتناول معهم الطعام . يقول القديس لوقا : " فلما ( ) اتكأ معهما أخذ خبزاً وبارك وكسر وناولهما " ( لوقا 24 : 30 ) .
ومن طريقته في تناول وكسر الخبز ( أي الطريقة التي بارك بها الخبز ) " تفتحت عيونهم " فهل كانوا قد مشوا من أورشليم إلى عمواس مغمضي العيون ؟ كلا ! إننا نعلم من حيث يخبروننا أنهما تعرفا عليه فحسب من هذه البادرة ( طريقته في مباركة الخبز ) . ويستمر لوقا في قصته وأنه عندما تعرفوا عليه " اختفى عن أنظارهم " فهل لعب يسوع لعبة الحاوي الهندي بالحبل ؟ ومن فضلك لا تأخذ الأمر مأخذ الهزل والدعاية ! ماذا يعني أنه انصرف . يعني أنه توارى عن أنظارهم .
تشكك غير معقول :
مضى رفيقاً " يسوع " في الرحلة إلى " عمواس " ، مضيا إلى تلك الحجرة العلوية حيث كان الحواريون " وذهب هذان وأخبرا الباقين فلم يصدقوا ولا هذان " ( مرقس 16 : 13 ) .
ماذا دها أولئك الحواريين ؟ لماذا يحاذرون أن يصدقوا ؟ ما مشكلتهم ؟ المشكلة أنهم يواجهون بالدليل على أن يسوع حي ! وأنه لم يبعث من موت . ( هو إذن في وجوده ليس ذا طبيعة روحية ) ولكن الدليل على أنه هو هو نفس يسوع بجسمه الحي ( الذي لم يمت ) بلحمه وعظمه كأي منهم ! يأكل الطعام متنكراً – لكنه ليس ذا طبيعة روحية ، ولا هو شبح من الأشباح . ( وذلك بالتحديد ) هو ما لم يصدقوه . ولو كانوا قد خبِّروا أن مريم المجدلية كانت قد شاهدت شبح يسوع ، لكانوا قد صدقوا . ولو كان رفيقا يسوع قد أخبرا أنهما شاهداه كشبح ليسوع لكانوا بالتأكيد قد صدقوا ذلك . كانوا أناساً من أولئك الذين يزعمون أنهم شاهدوا الأشباح تتلبس الخنازير ، وتحول ألفين منها إلى حطام . ( مرقس 5 : 13 ) كانوا يزعمون أنهم كانوا قد رأوا الأشباح تدخل الأشجار وتصيبها بالجفاف من جذورها في غضون ليلة واحدة . ( مرقس 11 : 20 ) كانوا وكأنهم قد شاهدوا " سبعة شياطين " تخرج من مريم المجدلية ( مرقس 16 : 9 ) كل ذلك كان طبيعياً فـي عصرهم : الأرواح والأشباح والشياطين ! كانوا يستطيعون أن يصدقوا ما كان شائع القبول في ذلك الوقت وذلك العصر . ولكن يسوع على قيد الحياة ؟ يسوع ذو طبيعة بشرية ؟ كرجل هرب من أربطة الموت ؟ كان ذلك أثقل مما يمكن أن يتحمله ضعيف إيمانهم .
(أ) مريم المجدلية تشهد أن يسوع حي ! .
(ب) التابعان رفيقا الطريق إلى عمواس يشهدان أنه حي ! .
(ج) تقول الملائكة أن يسوع حي . ( لوقا : 24 – 23 ) .
(د) رجلان كانا يقفان ( قرب النسوة في صحبة مريم المجدلية ) يقولان لهن " لماذا تبحثن عن الحي بين الموتى ؟ " ومعنى ذلك أنه حي . ( لوقا 24 : 4 - 5 ) .
ومع كل ذلك لن يصدقوا !! فهيا لنرى ماذا كانوا سيصدقون قول " ربهم وسيدهم " الخاص بهم في الفصل التالي .
الفصْل الثالِث عشر
وَلَمْ يَكن يَسُوع شَبَحاً
لُغْز حسابي :
" العمواسيان ( ) قاما … ورجعا إلى أورشليم ووجدا الأحد عشر مجتمعين هم والذين معهم – " ( لوقا 24 : 33 ) أي " أحد عشر " ؟ وجدا " الأحد عشر " . هل اعتبر الرجلان اللذان من بلدة عمواس شخصيهما ضمن الموجودين ؟ حتى لو افترضنا ذلك فإن الحواريين المختارين حول يسوع لم يكن ممكناً أبداً أن يزيدوا عن 10 في مجموعهم لأنه في الزيارة الأولى من قبل يسوع إلى تلك الحجرة العلوية لم يكن يهوذا ولا توما بين الحاضرين . لكن لوقا لم يكن شاهد عيان لهذا المنظر . إنه ببساطة ينقل حرفياً عن مرقس 16 : 14 الذي قال : " … ظهر للأحد عشر وهم متكئون .. " ( ) .
ولنستمع الآن للقديس بولس الذي نصب نفسه حوارياً ثالث عشر ليسوع . إنه يقول إنه في اليوم الثالث بعد يوم السبت " إنه ظهر " لصفا " ثم للإثني عشر . " ( الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس 15 : 5 ) أي اثنى عشر ؟ كلمة " ثم " هنا تستبعد بطرس ! ولكن لو أضفته إليهم مع تمنيات حسن الحظ فإنك لا تصل إلى " الإثني عشر " مجتمعين ليشاهدوا " يسوع " ، لأن يهوذا الخائن كان قد انتحر شنقاً ( متى 27 : 5 ) قبل وقت طويل من ادعاء بعث يسوع بعد الموت المزعوم .
إننا نتعامل هنا مع عقلية غريبة حيث أحد عشر لا يعني أحد عشراً . واثنا عشر لا تعني اثني عشرا وثلاثة بالإضافة إلى ثلاثة تعني اثنين وواحداً ! ويسوع سيواسينا بصدق عندما يقول لنا فـي أعمال الرسل ( 9 : 5 ) " .. صعب عليك أن ترفس مناخس " ( وهو جبل ) .
وإذ يدخل يسوع :
وبينما كانا يخبران المستمعين المتشككين أنهما قد قابلا يسوع بجسمه الحي ( كواحد يأكل الطعام معهما ) يدخل يسوع . وتقفل الأبواب خوفاً من اليهود .
سيقول الجدليون المسيحيون : " كلا ! إن وثائقنا تشير فحسب إلى أنه وقف في بينهم " " إنه لم يمش داخلاً إليهم " . كانت المسالة مسألة الاختفاء من عمواس ومعاودة الظهور في أورشليم . مثل الرجل الخفي . مثل ساحر الحبل الهندي . أو كلعبة التنقل بين النجوم ( من سفن الفضاء إلى النجوم وبالعكس ) وأنت تستطيع أن تصادف بالفعل أناساً يعتقدون أن أناساً ( من أهل الخطوة ) يمكن أن تشاهدهم في مكان ويكونون موجودين بأجسامهم في مكان آخر في ذات الوقت .
وأمثال هؤلاء الناس ضحايا هلوستهم ( وأمراضهم النفسية ) ( ربما ) نتيجة مشاهدتهم أفلام السينما والتلفاز .
الأرنب والسلحفاة :
ولكن لماذا استغرق عيسى عليه السلام وقتاً طويلاً جداً لكي يصل إلى الحجرة العلوية . كان قد تلاشى قبل أن بدأ رفيقا رحلة إلى عمواس رحلتهما إلى أورشليم . ومع ذلك لم يسبقهما يسوع . تأخر في المجيء . وهذا يذكرنا بحكاية الأرنب والسلحفاة . هل كان من الممكن أن يكون يداوي جراحه في الطريق ؟
أنهم يتصورون يسوع كان طافياً فوق الأرض يهيم من مكان إلى مكان ( لا يمشي على قدميه ) يظهر ويختفي حسب المشيئة . ولقد أبدى جيفري هنتر وهو ممثل شاب كان يقوم بدور يسوع في فيلم " ملك الملوك " أبدى ملاحظة معقولة جداً بعد صعوده جبل صهيون لتمثيل مشهد " إغراء " الشيطان ليسوع . وبعد صعود وتعلق بالصخور مع تصبب العرق بشق النفس أثناء تسلق الجبل قال الممثل الشاب : " لأول مرة في حياتي تحققت كم كان يسوع ككائن بشري ! " .
ولم يستطع لوقا ولا يوحنا ممن سجلوا وقت زيارة يسوع لتلك الحجرة العلوية أن يقولا إنه ببساطة تسرب من ثقب المفتاح أو من شقوق الجدار . ولكن لماذا يضنان علينا بمثل هذه المعلومة الحيوية ؟ السبب في ذلك أنه لم يحدث تسرب .
ولكن تبقى المشكلة : كيف دخل بينما كانت " الأبواب مغلقة " . ومن المدهش أن لوقا أيضاً وهو يسجل هذا الحدث لم يفكر جيداً وهو يضيف أن الأبواب " كانت مغلقة " ( 24 : 36 ) لم يكن من المهم بالنسبة له أن يدقق . لماذا ؟ لأن التدقيق لم يكن متصلاً بالموضوع !
الحجرة العلوية :
هذا المسكن موضوع البحث كان يشار إليه بـ " حجرة الضيوف " أو " الحجرة العلوية الضخمة " . إنه ليس كل البيت . إنه جزء من المنزل ، هل ينبغي لي أن أبرهن لكم على ذلك ؟ هل كان يمكن أن تكون هذه هي الحجرة الوحيدة بالدور العلوي ؟ ولنأخذ في اعتبارنا أن هذه الحجرة كانت تحوي منضدة ضخمة تكفي لجلوس 14 شخصاً على كراسي بدائية . ويسوع مع 12 من الحواريين يشكلون رقم 13 ويوحنا ، التابع الذي كان يسوع يحبه كان يكمل الأربعة عشر .
هل يمكن أن تتخيل حجم حجرة الضيوف هذه ؟ بمخزن المؤن اللازم لها مع المطبخ . وغير ذلك من كماليات . وفي الطابق الأرضي حيث كان يقيم أفراد أسرة المالك وخدمه . كانت كقصر صغير ! وكان يسوع يألف هذا البيت . كان يزور أورشليم كثيراً لحضور عيد الفصح . ولنتذكر كيف وجه تلاميذه ليصلوا إلى المكان . ( لوقا : 22 : 10 ) .
إن مسكني الخاص له أربعة مداخل . وربما كانت حجرة الضيوف لدى يوحنا كان لها باب رئيسي من ناحيتين . ولكن هل كانت ثمة ضرورة لجعله مستقلاً عن بقية البيت ؟ بالنسبة لأي زائر كانت الأبواب الرئيسية كافية – دخولاً وخروجاً . والضيوف الشرقيون لا يدققون ويحملقون في الممرات والحجرات لمضيفيهم ! وهم في العادة شاكرون لكل مظهر من مظاهر إكرامهم . لكن يسوع لم يكن غريباً على المنزل . كان كواحد مـن أهل منزل تلميذه الذي يحبه . ولم يكن بحاجة إلى أن يقرع الباب ويزعج أناسه . وكانت هناك أكثر من طريقة للدخول . ولو كانت هناك صعوبة لدى الحواريين في تقبل ظهوره المفاجئ بينهم فما كان أسرع ما يستطيع تبديده .
" قال لهم سلام عليكم … فجزعوا وخافوا " ( لوقا 24 : 36 - 37 ) .
ردود فعل عكسية لدى التعرف عليه :
فلنتذكر تلك المرأة الوحيدة ، مريم المجدلية في ذلك الصباح تكاد تجن من الفرحة عند التعرف عليه قرب المقبرة . كان من الضروري إيقافها عن احتضانه لكن هؤلاء الأبطال الذين كانوا كالسيوف المشرعة في نفس الحجرة كانوا هلعين عند التعرف على سيدهم . لماذا كان هنالك رد فعـل متعارض بين الرجال وبين المرأة ؟ الرجال مرتاعون والمرأة غير خائفة ؟ السبب هو أن المرأة كانت شاهدة عيان لكل الأحداث التي وقعت في مكان الصلب بينما لم يكن الرجال في مكان يسمح لهم بالرؤية . وبناء عليه ذهبت المرأة إلى المقبرة بقصد رؤية يسوع حيّاً فكان فرحها عند رؤيته . لكن العشرة لم يكونوا من شهود الأحداث ومن ثم كانت مزاعمهم عن مشاهدة شبح . كانوا جسماً وعاطفة على وشك الانهيار . يصف لوقا حالتهم بقوله : " فجزعوا وخافوا وظنوا أنهم نظروا روحاً " . ( لوقا 24 : 37 ) .
سبب الخوف :
سبب ذعرهم هو أنهم ظنوا أن الرجل الواقف في وسطهم لم يكن هو يسوع نفسه ولكن شبحه . سل المبشرين الذين يريدونك أن تقاسمهم مجد السماء : هل كان يبدو كشبح ؟ ورغم كل شيء ستسمع إجابتهم : كلا : إذن لماذا ظن حواريو يسوع أنه كان شبحاً مع أن يسوع يستحيل أن تكون له ( ) ملامح الشبح ؟ لن تجد إجابة . لا ينطقون . ساعدهم بالله عليك . حررهم من تحريفهم . وإلا سيرهقوننا ويرهقون أهلنا حتى يرث الله الأرض ومن عليها . سيسرقون أبناءنا ( ) على شكل إطعام الأطفال الجوعى وأحياناً بأموالنا .
هل رأيت الجماعة التبشيرية المسماة باسم " وورلد فجن " وأمثالها ؟ الحملات الصليبية مرة أخرى بغير أسلحة مرئية .
السبب في أن تلامذة يسوع كانوا خائفين ، هو أنهم قد علموا سماعاً أن سيدهم قتل بتثبيته على الصليب – أي أنه كان قد صلب . وعرفوا عن طريق السماع ، أنه كان قد أسلم الروح ، وأنه قد توفي . كانوا قد علموا عن طريق السماع أنه " مات ودفن " لمدة ثلاثة أيام ، ورجل عرف عنه كل ذلك كان من المتوقع أن يكون جثمانه قد تحلل في قبره . لأن كل معرفتهم كانت " معرفة سماع " – معرفة ناتجة عما كانوا قد سمعوه ! لأن واحداً منهم لم يكن هنالك ليشاهد ويشهد ما كان يحدث في الحقيقة ليسوع في جلجوثه . في أكثر منحنيات حياة يسوع حرجاً كانوا " جميعاً قد خذلوه وهربوا " ( مرقس 14 : 50 ) .
الأتباع العباقرة :
يتحدث مرقس عن " الاثني عشر " المختارين كصفوة . وهو لا يتحدث عن الأشياع المخلصين " المتخفين " أمثال يوحنا الآخر ، ذلك الذي أخذ مريم أم المسيح ( عليهما السلام ) إلى المنزل ونيكوديموس ويوسف الآريماتي وأمثالهم . وبالنظر إلى التملص أو الهروب الجبان من جانب " الاثني عشر " فإنني أتحرج من تسمية أولئك بتلاميذ أو حواريي أو أتباع السيد المسيح عليه السلام . أم مرقس يكذب ؟ عندما قال " كل " ألم يكن يعني " كل " ؟ لم تكن ثمة رجعة إلى مسرح الأحداث من أولئك الأبطال . ومؤلف الإنجيل الرابع يذكر قائمة بأسماء النساء المنتمين والمشايعين ليسوع . وكان بينهن ثلاثة يحملن اسم مريم " التلميذ الذي أحبه يسوع " وهو يكرر هذه العبارة دون تحديد فعلي له باعتبار أنه يوحنا المتفضل عليهم بكرمه في أورشليم . لماذا ؟ لو كان ذلك " اليوحنا " هو المؤلف نفسه ، فلماذا إذن لا يصرح بذلك . هل هو خجول متواضع جداً ؟ لم يخجل عندما طلب من يسوع أن يجلسه وأخاه " أحدهما على يمينه والآخر على يساره في مملكته " . السبب في إبهامه وعدم إيضاحه وإفصاحه ذاك هو أن " التلميذ المحبب إلى يسوع هو سميُّه !
وباقي التلاميذ أو الحواريين لم يعثر لهم على أثر عندما كان يسوع في مسيس الحاجة إلى المساعدة . كانوا جميعاً كما قال عنهم مرقس " قد خذلوه وهربوا " ( مرقس 14 : 50 ) .
( وعلى بقية الصفحة السادسة والخمسين يورد المؤلف صورة فوتوغرافية لما نشرته صحيفة ( ويك إند سنداي ) بتاريخ 3 أغسطس 1969 تحت عنوان ماذا تسمي ذلك – صلب أم إيهام بالصلب ؟ - الرجل المصلوب معلق على الصليب ) .
( المترجم )
( وعلى الصفحة السابعة والخمسين يورد المؤلف صورة فوتوغرافية لما نشرته صحيفة " صنداي تربيون " بتاريخ 17 يوليو 1983 ، بعنوان " هل كان حياً أم ميتاً ؟ – المعضلة التي تواجه الأطباء بعد الحالة الغريبة للمدعو دنور أنطوني " .
( وعلى جزء آخر من الصفحة يورد المؤلف صورة فوتوغرافية أخرى لما نشرته نفس الصحيفة بتاريخ 27 مارس 1960 بعنوان : " مات رجل لمدة ساعتين ولا يزال يعيش . معجزة تحير الأطباء " ) .
الفصْل الرابع عشر
لَمْ يُبْعَثْ يَسُوع بَعْدَ مَوْتْ
يسوع حيّ جسمانيا : ( )
بعد تحية " شالوم " المتوجبة يبدأ يسوع في تهدئة خوف تلاميذه لحسبانهم إياه شبحاً . ويقول : " أنظروا يديَّ ورجليَّ إني أنا هو ( أي أنني نفس الشخص ، نفس الرجل ) جسوني وانظروا فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي .
وحين قال هذا أراهم يديه ورجليه . ( لوقا 24 : 39 - 40 ) .
ماذا كان الرجل يحاول أن يثبت ؟ هل كان يحاول أن يثبت أنه كان قد بُعث من بين الموتى ؟ – وأنه كان شبحاً ؟ وماذا كانت علاقة اليدين والرجلين بالبعث ؟ " إنه أنا نفسي " وأي شبح من الأشباح " لا يكون له لحم وعظام كما أنتم ترونه لي " . هذه حقيقة مطلقة الصدق وواضحة بذاتها . وأنت لا تحتاج جهداً لتقنع بها أي شخص سواء كان هندوسياً أو مسلماً أو مسيحياً أو يهودياً أو ملحداً أو غنوسيا . إن أي شخص سوف يعرف دونما أي دليل أن الشبح ليس له لحم ولا عظام .
لماذا توضيح الواضح ؟
لماذا يحتاج يسوع إلى توضيح الواضح ؟ السبب في ذلك ببساطة أن الحواريين كانوا يعتقدون أن يسوع كان قد عاد من بين الموتى ، وأنه كان قد بعث ، ولو صح ذلك فقد كان من اللازم أن يكون في صورة روحية – أي يكون شبحاً ! وها هو ذا يسوع يقول لهم أنه ليس كذلك – ليس شبحاً – لم يبعث من بين الموتى ! وأقوال النصوص المقتبسة أعلاه من مصدرها الأصلي ، في كل لغة ، حيوية جداً ، بسيطة جداً ، وواضحة جداً لدرجة أنك لا تحتاج قاموساً ليفسرها لك .
ولم لا تتذكر أيها القارئ الكريم نصاً واحداً فحسب من هذه النصوص ، في لغتك الأصلية – سواء الإنجليزية ، أو العربية ، أو لغة الزولو ، أو اللغة الأفريكانية ، وبمثل هذا النص وحده تستطيع أن تسحب الهواء الذي يملأ أشرعة المبشرين . وتستطيع أن " تكسر جمجمته " بالضبط كما فعل داود عليه السلام مع جولياث بحجر صغير . وستكون أنت المسرور . إن الله يعطيك الفرصة في هذا اليوم في هذا العصر أن تخلص الذهن المسيحي من أوهامه !
ولقد سألت عمالقة علماء المسيحية أن يخبروني ما إذا كان قول ( الإنجيل على لسان المسيح عليه السلام ) " الروح ليس لها لحم ولا عظام " يعني أن للروح لحماً وعظاماً في لغتهم ! وفي مناظرات كنت طرفاً فيها لم يجرؤ أي خصم من خصوم المناظرة أن يتعامل مع السؤال . كما لو كانوا يتظاهرون بأن كلمات السؤال لم تقل ولم ينطق بها أحد .
حيوية … أنا حيّ !
لو قلت لك باللغة الإنجليزية ( ما معناه ) : " لأنني لي لحم وعظام ، إذن أنا لست شبحاً أو عفريتاً ! " – فهل هذا المعنى مفيد صحيح مستقيم في لغتك ؟ تقول : " نعم ! " ( وهذا الحوار صحيح في أي لغة في العالم تحت الشمس ) وبكلمات أخرى نقول إن يسوع كان يخبر تلاميذه عندما قال لهم " أنظروا يديّ ورجليّ " أنه كان يريد لهم أن يروا الجسم . والإحساس باللمس لا يكون لجسم روحاني أو ذي طبيعة متغيرة أو ممكنة التغير أو الجسم بُعث حياً بعد موتة ، لأن الجسم الذي يبعث حياً يصبح روحياً .
من القائل بهذا ؟
سيقول الصليبي المجادل " من الذي يقول إن الأشخاص الذين يبعثون من الموت سيكونون أرواحاً ؟ " وأنا أقول له : " يسوع ! " فيسأل : " أين ؟ " وأنا أقول له : " في إنجيل لوقا . ارجع إلى الوراء أربعة إصحاحات من حيث قال يسوع " ليس للروح لحم ولا عظام " ، ارجع إلى لوقا 20 : 27 - 36 وسترى … كان اليهود يعاودون يسوع المرة تلو الأخرى بالأسئلة والأحاجي مثل :
(أ) يا معلم ، هل ندفع الجزية لقيصر أم لا ؟ " ( متى : 22 : 17 ) .
(ب) " يا معلم هذه المرأة أُمْسكت وهي تزني في ذات المرة " ( يوحنا 8 : 4 ) .
(ج) " يا معلم أية وصية هي أول الكل " ( مرقس 12 : 28 ) وها هم أولاء اليهود يأتون إليه الآن بشأن امرأة يهودية كان لها سبعة أزواج . وحسب شرعة اليهود – لو أن رجلاً مات بلا عقب فإن الأخ التالي للزوج يتخذها زوجة له ، لتلد له . ولو أخفق في ذلك ومات يتزوج منها الثالث وهكذا دواليك . وفي القضية المعروضة أمام يسوع ، تداول سبعة أخوة – على النحو المشار إليه – هذه المرأة نفسها الواحد منهم تلو الآخر . وبمرور الوقت مات كل الإخوة السبعة . وبمرور الوقت أيضاً ماتت المرأة . لم تكن ثمة مشكلة عندما كان كل منهم يحاول أن يؤدي مهمته . كان كل منهم ( يتزوجها ) بعد ( أن يموت عنها ) الآخر . ولكن سؤال اليهود كان يتلخص فيما يلي : عند البعث ، مَنْ منهم سينالها لأن كلا منهم قد حظى بها هنا ( في الحياة الدنيا ) ؟! والصورة التي أراد أن يستحضرها اليهود أمام نظر يسوع هي : لو بُعث الرجال السبعة دفعة واحدة عند البعث ، وبُعثت المرأة أيضاً ، فستكون ثمة حرب في السماء بين الإخوة السبعة فكل منهم يطلب المرأة أيضاً كزوجة له وحده لأنهم جميعاً قد حظوا بالزواج منها " . باختصار من منهم سيحظى بهذه المرأة كزوجة في السماء ؟ وكإجابة على ذلك يقول يسوع : " لن يموتوا أكثر مما ماتوا " يقصد أن الناس المبعوثين من الموت سيكونون غير معرضين للموت لا حاجة بهم إلى طعام أو ملبس أو إشباع للحاجة الجنسية أو راحة " لأنهم سيكونون مثل الملائكة " بمعنى أن طبيعتهم ستماثل طبيعة الملائكة متحولين إلى طبيعة روحية ، كائنات روحية ! وفيما يتعلق به هو نفسه يقول " ليس للروح لحم وعظام كما ترونه لي " . – أنا لست روحاً . أنا لست شبحاً أنا لست عفريتاً أنا لم أبعث بعد موت أنا نفس يسوع . حي . " وحين قال هذا أراهم يديه ورجليه " ( لوقا 24 : 40 ) .
عندما زال خوف الحواريين :
ابتهج الحواريون وعجبوا . ماذا عساه أن يكون قد حدث ؟ كانوا قد ظنوه ميتاً مضى . ولكن ها هو ذا " معلمهم " يقف بينهم بلحمه وعظمه – بخصائص 100% للرجل الحي !
وليؤكد لهم أكثر ، وليهدئ أعصابهم المهتزة يسأل : " هل عندكم ها هنا شيء مـن اللحم ؟ " أو أي شيء يؤكل ؟ " وأعطوه شيئاً من لحم سمك وعسل وأخذه وأكله بالفعل أمامهم " ليثبت ماذا ؟ ( هل ليثبت ) أنه قد بعث إلى الحياة بعد وفاة ؟ لماذا لم يقل لهم ذلك بدل أن يفعل ما من شأنه أن يثبت عكس ذلك ؟ يقدم لهم جسمه ذا الطبيعة الجسمانية المادية للفحص ، آكلا ماضغا " لحم السمك والعسل " . هل هذا فصل تمثيلي ؟ تظاهر ؟ محاولة في الإيحاء بغير الحقيقة ؟ " كلا ! " كما يقول شليليير ماخر منذ مئة وخمسة وستين عاماً مضت . ويقتبس عنه ألبرت شفايزر في كتابه " البحث عن يسوع تاريخياً " في صفحة 64 ما نصه كما يلي : " لو كان يسوع قد أكل ليثبت أنه كان يستطيع أن يأكل فحسب ، بينما لم يكن بحاجة إلى التغذية فعلاً ، لكان الأمر خدعة وتظاهراً ، وشيئاً للملاطفة " .
الخلاص السهل ( من الآثام ) :
ماذا دها إخوتنا المسيحيين ؟ يقول يسوع إنه ليس للروح لحم وعظام ، ويقولون للروح لحم وعظام ! سل بالله عليك أصدقاءك منهم أي الطرفين كاذب ؟ المسيح أم أنتم أيها البليون من أتباعه المزعومين ؟ إن هذه نتيجة ألفي عام من غسل المخ أو البرمجة ، كما يقول الأمريكيون . الخلاص من الآثام رخيص الثمن في المسيحية ! لا يتعين على المسيحي أن يصوم ويصلي ويستقيم في حياته كما يُلزم بذلك المسلم . على المسيحي فقط أن يؤمن والخلاص من الذنوب مضمون له . أما بالنسبة لنا – غير المسيحيين- فجميع أعمالنا كثياب خلقة كما يسميها المسيحي . ومن الأفضل أن " تعيد برمجته " وإلا فإنه سيبرمجك هو . إنه لن يرضى عنا . ولن يأبه لمدى جهدنا لهدايته . يقول عز وجل في القرآن الكريم : ( وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) [ سورة البقرة : 120 ] .
لا يخرج الأمر إذن عن إحد اثنين : إما أن تغيرهم أو يغيرونك ! ولو شئت السلام السلام ، فعليك بالإسلام !
( وفي بقية الصفحة يورد المؤلف صورة فوتوغرافية مما نشرته إحدى الصحف بجنوب إفريقيا فيما يبدو والعنوان الرئيسي يقول : هذا الرجل من جنوب إفريقيا ، أتى بأحسن مما يأتي به الفلبينيون . في الصورة السفلى تعريف يقول : مسمار طوله أربع بوصات ( 15 سم ) يدق في يد السيد فان دربرج لم يسبب خروج دم ، بينما كان يدق في صليب خشبي . وفي الصورة العليا يتدلى المذكور على الصليب ) . ( المترجم ) .
( يورد المؤلف صورة فوتوغرافية لما نشر بجريد " الصنداي اكسبرس " يوم 23 يوليو 1961 بعنوان: " توقف قلب الرجل لكنه يظل يحيا " .
وفي الجزء السفلي يورد المؤلف صورة فوتوغرافية لما نشر بجريدة " ناتال مر كوري " الصادرة بمدينة ديربان بجنون إفريقيا يوم الأربعاء 10 ديسمبر 1982 والعنوان الرئيسي يقول : " ميت إكلينيكيا " – تودلر حي بعد ساعة طويلة في معركة لإنقاذ حياته ) .
( المترجم )
الفصْل الخامِس عشر
المعْجزَة الوَحيْدَة الموْعُودَة
نبوءة ( ليست قبل ، وإنما ) بعد ( وقوع ) الحدث :
المتحمسون للإنجيل والحرفيون لا يملون اقتباس نصوص يزعمون صدورها عـن يسوع ، مؤداها أنه كان ذاهباً إلى أورشليم ليموت ، وأنه سيعود إلى الحياة في اليوم الثالث . وسوف يؤكد أيُّ دارس للمسيحية أن الأناجيل إنما دُوِّنت كتابياً بعد قرون وحقب من وفاة المسيح عليه السلام . وفي حياته لم تكتب كلمة ولم يأمر أي شخص أن يكتب عنه كلمة ! ويستثنى تايلور في شرحه لإنجيل القديس مرقس ص 437 ، يستثنى من ذلك النبوءات المزعومة عن صلب المسيح كنبوءة بعد وقوع الحدث . ذلك أن كتاب الإنجيل اخترعوا كلاماً وأقوالاً وأجروها على لسان يسوع كما لو كان قد تنبأ بوقوع الأحداث .
والمبشرون المسيحيون ، البروتستانت ، الصليبيون حريصون على الاستماع لأي دارس للمسيحية بصرف النظر عن إخلاصه أو منزلته – سواء كان تايلور أو شفايزر أو براندون أو أندرسون . ولو قالوا أي شيء لا يتفـق مع أحكامهم المسبقة أو ما يريدون سماعه ، فإنهم يتجاهلونهم جميعاً باعتبار أنهم " مصادر خارجية " ( لا يعتد بها ) أو باعتبارهم " أقلية القرن العشرين المعارضة " ولذلك فإنني هنا أطبق المثل القائل " خذ الثور من قرنيه إلى الحوض للشرب " .
المطالبة بمعجزة :
كان اليهود قـد أرهقوا موسى عليه السلام بجدلهم . وكانوا سببوا له كثيراً من المتاعب . وها هم أولاء الآن لا يقلون شغباً مع المسيح عليه السلام . وفي خضم هوسهم بالأسئلة المحرجة يأتون إليه الآن ، مظهرين كل أدب واحترام ليقولوا له : " يا معلم نريد أن نرى منك آية " ( متى 12 : 38 ) .
كل ما بشر به وكل تعاليمه ومعجزاته لم تكن كافية ، في نظرهم لتقنعهم أنه كان رجلاً مرسلاً من الله ، وأنه كان المسيح المرسل إليهم . إنهم الآن يطلبون " آية " – معجزة – كالطيران كالطير في السماء ، أو المشي في الماء ، وباختصار يريدون منه أي شيء يبدو مستحيلاً .
وقبل أن تتقدم أكثر من ذلك في مناقشة أي مسيحي ، تأكد أيها القارئ الكريم أنه يفهم كلمة " آية " في النصف السالف باعتبار أنها " معجزة " . هذه الكلمة البسيطة الموجودة بالفعل في إنجيل الملك جيمس الذي ينقل عنه معظم مترجمي الإنجيل ( عن الإنجليزية ) تخلق صعوبة في حصر وفهم معناها . وفي الطبعة العالمية الجديدة من الإنجيل التي توافق عليها جميع الطوائف المسيحية كاثوليك وبروتستانت وإصلاحيين وغيرهم يتحدد معنى كلمة " آية " ليصبح " آية إعجازية " وليس أي آية أو علامة مثل علامات المرور مثلاً .
من الضروري بالنسبة لنا أيضاً أن نحدد المقصود بكلمة " آية " . وأبسط وأصدق تعريف " الآية " هو ذلك الذي قدمه الدكتور ليتلتون في كتابه " مكان المعجزات من الدين " بأنها " عمل فيما وراء ( يفوق ) قدرة الإنسان " .
وهذا بالضبط هو ما كان يريده اليهود من عيسى عليه السلام . عمل لا يستطيعون بكل طوائفهم أن يأتوا به . وهو طلب يبدو في ظاهره سوياً للغاية . ولكنه – في حقيقة الأمر – يدل على عقلية مريضة تنبش لتعثر على " الخدع " التي يألفها كل شكاك من الماديين .
آية واحدة ليس إلا :
ويرد عليهم عيسى عليه السلام بقوله : " … جيل شرير وفاسق يطلب آية ولا تُعطى له آية إلا آية ( ) يونان النبي " ( متى 12 : 39 ) .
ما هـي " العلامة " أو المعجزة أو " الآية " التي أتيحت ليونان ويريـد اليهود شبيهاً لها ؟!
ولنتعرف على هذه الآية ، هيا نذهب إلى سفر يونان بالكتاب المقدس لدى المسيحيين . ولكن هذا السفر محير ! إنه ورقة واحدة بها أربعة إصحاحات قصيرة . لكن كل طفل يعرف قصته .
خلفية للآية :
ولتنشيط ذاكرة قرائنا الكرام ، اسمحوا لي أن أذكركم أن الله جلت قدرته يأمر يونان ( عليه السلام ) بالذهاب إلى مدينة نينوى ، ( وهي مدينة عظيمة كان تعداد سكانها يبلغ مائة ألف نسمة ) ويحذرهم طالباً إليهم أن " يتوبوا إلى الله وأن يرتدوا المسوح الخشنة ويجلسوا على الرماد " . وذلك تحقيراً لأنفسهم أمام خالقهم ( ليتوب عليهم ) وإلا يدمرهم .
ويشعر يونان باليأس والقنوط خشية ألا يطيعه أهل نينوى الماديون الغلاظ القلوب ، فيسخروا منه . ولذلك فإنه بدلاً من أن يذهب إلى نينوى ، ذهب إلى جوبا ليبحر منها إلى بلدة نرشيش ( ليركب البحر ضارباً الصفح عن الذهاب إلى نينوى مخالفاً أمر ربه إليه ) وتهب عاصفة فظيعة على البحر . ووفقاً لخرافات البحارة ، فإن من يعصي لله أمراً يكون هو السبب في مثل هذه العاصفة . ويبدأون البحث فيعرف يونان أنه المذنب لأنه كنى لله فهو من جنود الله . وكجندي لله كان يلزمه أن يطيع أمر الله إليه . لم يكن له الحق في أن يتصرف حسب هواه . ولذلك يتطوع بالرجوع عن غلطته . كان يخشى أن يكون الله يريد دمه . ولكي يقضي الله عليه ، فإنه سبحانه يغرق القارب ويميت أناساً أبرياء . ويقترح يونان أنه من الأفضل أن يُقذف به إلى البحر وبذلك تزاح هذه الكارثة التي حلت بهم وبسفينتهم .
إجراء قُرعة :
هؤلاء الناس الذين عاشوا ثمانية قرون قبل المسيح كان لديهم إحساس بالعدالة والتحقق بها أكثر مما لدى إنسان العصر الحديث . شعروا أن يونان كان يريد أن ينتحر وربما كان بحاجة إلى عونهم ومساعدتهم . ولم يكونوا ليساعدوه في حماقته التي بدت لهم ولذلك فإنهم يقولون له إن لديهم نظاماً يعرفون به الصواب من الخطأ ، بعمل قرعة على نحو ما ( مثل إلقاء عملة معدنية ) ووفقاً لنظامهم البدائي ذاك كانت القرعة تستقر على يونان . ولذلك أخذوه وألقوه إلى البحر !
ميت أم حي ؟
ويثار سؤال هو : عندما ألقوا يونان من ظهر المركب أكان ميتاً أم حياً ؟ لكي أجعل الإجابة سهلة دعني أساعدك بالإشارة إلى أن يونان كان قد تطوع عندما قال : " خذوني وأطرحوني في البحر فيسكن البحر عنكم لأنني عالم أنه بسببي هذا النوء العظيم عليكم " . ( يونان 1 : 12 ) وعندما يتطوع إنسان فليس ثمة حاجة إلى أن يصرعه أحد قبل القذف به ، ليس ثمة حاجة إلـى طعنه برمح قبل طرحه ، ليس ثمة حاجة إلى ربط رجليه ويديه قبل إلقائه . وكل إنسان يوافق أن ذلك كذلك .
والآن فلنرجع إلى السؤال : هل كان يونان ميتاً أم حياً ، عندما ألقي به إلى البحر العاصف ؟ الإجابة التي نحصل عليها هي أنه – كان حياً ! وتهدأ العاصفة . ربما بالصدفة . ويأتي حوت ويبتلع يونان . هل كان ميتاً أم حياً ؟ ومرة ثانية نقول جميعاً : حي ! وفي جوف الحوت يسبح ويصلي لله طلباً لنجدته . فهل يسبح ويصلي الناس الموتى ؟ كلا ! فهو إذن كان حياً . وفي اليوم الثالث يلفظه الحوت على الشاطئ – ميتاً أم حياً ؟ الإجابة هي : " حي " مرة أخرى !
إنها معجزة المعجزات ! يقول اليهود إنه كان حياً ! ويقول المسيحيون إنه كان حياً ! ويقول المسلمون إنه كان حياً ! ولنعجب بعض العجب أن عيسى عليه السلام اختار معجزة يونان ( سيدنا يونس ) كمعجزة وحيدة له . وهي معجزة يتفق عليها اليهود والمسيحيون والمسلمون ، أصحاب الديانات الرئيسية الثلاث في العالم .
ولنلخص هذه المعجزة العظمى من سفر يونان بالإنجيل .
(1) عندما تلقى رجلاً في بحر هائج فإنه يموت . ولأن يونان لم يمت فإنها معجزة !
(2) يأتي حوت ويبتلع الرجل ، وكان يجب أن يموت . ولم يمت ، ومن ثم فهذه معجزة مضاعفة الإعجاز !
(3) بتأثير الحرارة والاختناق في بطن الحوت لمدة ثلاثة أيام ، وثلاث ليال ، كان من اللازم أن يموت .
ولم يمت . إنها إذن معجزة تتضمن معجزات .
عندما تتوقع أن يموت رجل ( لتوافر سبب الموت ) ولا يموت ، فإنها حينئذ تكون معجزة . ولو واجه رجل فرقة لضرب النار واستقرت ست رصاصات في جسمه عند الأمر بالضرب ، ومات الرجل . هل تكون هذه معجزة ؟ " لا " ولكن إذا عاش ( الرجل ) ساخراً مما حدث ، فهل تكون هذه معجزة ؟ بالطبع تكون معجزة . كنا نتوقع أن يموت يونان كل مرة ( من المرات الثلاث ) لكنه لا يموت ، فهي إذن معجزة تتضمن معجزات .
يسوع مثل يونان :
ويسوع أيضاً يفترض ويعتقد أنه بعد محنة ( صلبه ) أن يكون قد مات ، أو كان يجب أن يكون قد مات . ولو كان قد مات لما كان ثمة معجزة . ولكن لو أنه عاش كما كان بنفسه قـد تنبأ بذلك وبرهن عليه وفقاً لما جاء " بالكتب المقدسة " لكانت هذه هي " الآية " أو المعجزة . وها هي ذي كلماته تقول : " .. لأنه كما كان يونان … ( ويورد المؤلف ما يقابل هذا التعبير بلغات أخرى ) " أو كما ورد بإنجيل متى فإن يسوع يقول : " لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال – كذلك سيكون ابن الإنسان " ( متى 12 : 40 ) وكيف كان يونان ببطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال – هل كان ميتاً أم حياً ؟ المسلمون والمسيحيون واليهود مرة ثانية يوافقون بحماس أنه كان حياً ! فكيف كان يسوع في المقبرة ( طوال وقت يماثل في طوله بقاء يونان ببطن الحوت ) – هل كان ميتاً أم حياً ؟ إن أكثر من ألف مليون مسيحي تابعي كل الكنائس الاكليروسات يجيبون بحماس بقولهم " ميت " ! أقول لهم : " فهل يكون بذلك " مثل " أم أنه " ليس مثل " يونان في لغتكم ؟ " وكل من لا يعاني اختلاطاً في عقله يقول إن ذلك مغاير تماماً لما حدث ليونان .
ولقد كان يسوع قد قال إنه سيكون مثل يونان ، وأتباعه المتحمسون يقولون إنه " لا يماثل " يونان . من يكذب من يسوع أم أتباع يسوع ؟ أدع لكم الإجابة .
مهمة صخمة :
لكن الدِّين مهنة مربحة . وباسم المسيح يستدرون المال منها . يقول الصليبيون إننا قد أخطأنا تناول المسألة . إنهم يقولون إنه عنصر الوقت فحسب هو ذلك الذي كان يؤكده يسوع فيما تنبأ به ( بخصوص شبهة بيونان ) . ولا تتعلق النبوءة بكونه يكون حياً أو ميتاً . ويقولون : " ألا تستطيعون أن تدركوا أنه كان يؤكد على عامل الوقت ؟ إنه يكرر كلمة " ثلاث " أربع مرات . إنهم رجال غرقوا ويحاولون التعلق بالقش ونساء غرقى كذلك ! ماذا قال يسوع ؟ قال : " لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال ، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال " . ( متى 12 : 40 ) .
ويسوع لم يكن بحال قرب " بطن الأرض " . المفروض أنه كان بمقبرة كانت على ارتفاع مناسب على سطح الأرض . ومن إن كان يعبر تعبير تصويرياً .
ثلاثة وثلاث قد كررت أربع مرات دون ريب ، ولكن لا إعجاز هنالك فيما يتعلق " بعامل الوقت " . كان اليهود يطلبون من يسوع معجزة ، وليس ثمة شيء يجعل من ثلاثة أيام أو ثلاث ليال أو ثلاثة أسابيع أو ثلاثة شهور معجزة بأي حال .
وفي أول مرة سافرت إلى مدينة " الكاب " من مدينة ديربان منذ ثلاثين عاماً ، استغرقت الرحلة ثلاثة أيام وثلاث ليال لكي أصل إلـى مدينة كيب تاون . فرحى ، إنها معجزة ! ستقول لي : " هذه كلام فارغ . ليست هذه معجزة وسأكون مضطراً أن أوافق " .
لكنه ليس سهلاً على المسيحي أن يوافق لأن خلاصه معلق بهذا الخيط . ولذا لا بد له أن يتمسك بخيط الحياة . ونستطيع أن نكون خيرين . فلنحاول التسرية عنه ! نقول له : " إنه إذن عنصر الوقت ذلك الذي كان يسوع قد خرج لكي يحققه ؟ " فيقول المسيحي : " نعم ! " نقول : " ومتى " صلب " ؟ " ومعظم المسيحيين يعتقدون أن ذلك قد تم يوم الجمعة بعد الظهر منذ قرابة ألفي عام مضت .
الفصْل السَّادس عشر
عَمليَّات حِسَابيَّة بَسيطَة
لماذا يوم الجمعة المبارك ؟ ( )
نستمتع في موطني بأربعة أيام إجازة تبدأ بيوم الجمعة المبارك . ما الذي يجعل يوم الجمعة المبارك مباركاً ؟ يقولون أن المسيح مات من أجل ذنوبهم في ذلك اليوم . وتناغماً مع هذا ( الحدث ) يحتفل المسيحيون في كل الأقطار المسيحية بذكراه في إنجلترا وفرنسا وألمانيا وأمريكا وليسوتو وسويسرا وزامبيا وزمبابوي . ولقد برهنت لكم بالفعل – فيما سبق أن المسيح لم يمكث على الصليب أكثر من ثلاث ساعات – لو كان قد صعده ( ) أصلاً . ومع كل اندفاعهم وعجلتهم لم يستطيعوا أن ينزلوا يسوع إلى المقبرة قبل غروب شمس يوم الجمعة .
وأكثر مـن ألف نحلة ونحلة ، وأكثر من ألف ملة وملة من نحل وملل المسيحية ، المختلفين أشد الخلاف حول كل جزئية من جزئيات العقيدة يجمعون تقريباً على أن يسوع المسيح يعتقد أنه كان بمقبرته يوم الجمعة ليلاً . ( أي الليلة العاقبة لنهار الجمعة ) . ومن المفروض أنه كان بداخل المقبرة يوم السبت . وليل يوم السبت . ولكن صباح يوم الأحد أول يوم في الأسبوع ( فـي عرف اليهود ) عندما زارت مريم المجدلية المقبرة وجدتها خاوية خالية مـن جثمان يسوع . ولاحظ أنني استخدمت تعبيـر ( مـن المفروض . مـن المفروض . مـن المفروض ) ثلاث مرات . أتعرف لم ؟ ليس ذلك بالتأكيد محاكاة " للثلاث ثلاثات " التي ورد ذكرها فـي النبوءة . لكن السبب فـي ذلك هـو أن السبعة والعشرين سفراً الموجودة فـي العهد الجديد لم يسجل واحد منها وقت خروجه من المقبرة . ولم يسجـل واحد مـن كتاب هذه السبعة والعشرين سفراً أنه كان شاهد عيان " لبعثه " المزعوم . وأولئك الأشخاص الذين كان يمكـن أن يخبرونا ويكونوا مؤهلين لذلك قد أسكت صوتهم تماماً .
وما لم يكتشف عربي آخر شيئاً مثل " اللفائف الورقية التي عثر عليها قرب البحر الميت " ولكنها تكون هذه المرة مكتوبة بخط يد يوسف الأريماتي ونيكوديموس شخصياً ، فإن هـذين الشخصين يستطيعان أن يخبرانا بحق كيف كانا قد أخذا معلمهما مباشرة بعـد حلول ليل نفس ذلك اليوم من أيام الجمعة ( الذي صلب فيه المسيح ) إلى مكان أكثر ملاءمة للراحة واسترداد العافية . أليس محيراً ومدهشاً أن الشاهدين الوحيدين قد أسكتا ( فلم يسمع لهما صوت أو تعرف لهما شهادة ) إلى الأبد ؟ " هل كان هذان التلميذان من أهل أورشليم يتبعان يسوعاً آخر وإنجيلا آخر ؟ " كما جاء في الرسالة الثانية إلى أهل كورنثوس ( 11 : 4 ) .
عمليات جمع سهلة :
لو كان عامل الوقت هو ما كان يركز عليه يسوع في نبوءته موضع البحث ، فهيا بنا إذن لنرى ما إذا كان ذلك قد تحقق حسب النصوص المقدسة ( الموجودة بالإنجيل ) كما يفاخر المسيحيون .
عيد القيامة فـــي المقبــــرة
أيام ليال
يوم الجمعة : وُضع بالمقبرة عند غروب الشمس .
يوم السبت : من المفروض أنه بالمقبرة .
يوم الأحد : ( ) ( غير موجود بها ) -
يوم واحد
- ليلة واحدة
ليلة واحدة
-
المجموع يوم واحد ليلتان
ستلاحظ أيها القارئ الكريم من الجدول أعلاه أن مجموع الوقت ( الذي قضاه يسوع بالمقبرة ) هو يوم واحد وليلتان . ( ) وحاول ما استطعت ، لن تجد أبداً ثلاثة أيام وثلاث ليال كما كان يسوع قد قال ، وفقاً لرواية " الكتب المقدسة لدى المسيحيين " وحتى اينشتاين ، أكبر أساتذة الرياضيات لا يجدي نفعاً في هذا . ألا ترى أن المسيحيين يكذبون كذبة مزدوجة ، الكذب على يسوع في هذه النبوءة وحدها . ( عندما يزعمون ) أن يسوع قال إنه سيكون مثل يونان ! .
(1) يزعم المسيحيون أن يسوع لم يكن مثل يونان . وأن يونان كان حياً ( ببطن الحوت ) لمدة ثلاثة أيام وثلاث ليال ، بينما كان يسوع " ميتاً " بالمقبرة ؟
(2) يقول يسوع إنه سيكون في المقبرة لمدة ثلاثة أيام وثلاث ليال بينما يقول المسيحيون إنه كان بها يوماً واحداً وليلتين .( ) من الذي يكذب ، يسوع أم المسيحيون ؟ ندع الإجابة لهم .
العد تنازلياً لحل المعضلة :
مع غزير علمهم تكون قد أمسكت بهم . وهم يعرفون ذلك ! ولا ينبغي لنا أن نلين . لأنهم قد شرعوا فعلاً في ابتكار طريقة للخروج من خيوط المعضلة . لقد اخترعوا الآن نظرية يوم " الأربعاء المبارك ( )" إن مجلة " الحقيقة الناصعة " ذات الستة ملايين نسخة للتوزيع ، وتوزع كتباً مجانية في موضوع " الأيام الثلاثة والليالي الثلاث " . وهناك مؤسسات أخرى في جنوب إفريقيا مثل جمعية إحياء الإنجيل بمدينة جوهانسبرج تقدم كتباً مجانية تبرهن أن الصلب حدث يوم الأربعاء المبارك وليس يوم الجمعة المبارك .
والسيد روبرت فاهاي من تلك الدولة العظمى ، أمريكا حيث يتكاثر أولئك المبشرون مثل أعضاء جمعيات : شهود جيهوفا ( يهوا ) والأدفتتست من أصحاب اليوم السابع ، وعلماء المسيحية وغير أولئك وأولئك كثير ، أدهش هذا " الروبرت فاهاي " سامعيه المسيحيين بالكثير من الأفكار في القصص . ومن هذه المعتقدات التي حاول ترويجها كان ذلك المعتقد الجديد عن يوم الأربعاء المبارك . أتفق 100% مع ما وصل إليه الكتاب المعاصرون من أن يوم الجمعة المبارك لم يكن يتوافق فعلاً مع ادعاء يسوع بأنه المسيح . ولكي يحل المعضلة اقترح أن نحسب ونعد بطريقة تنازلية اعتباراً من الوقت الذي اكتشف فيه أن المسيح غير موجود بالمقبرة . وهذا يعني أن صباح يوم الأحد ذاك ( أول أيام الأسبوع ) عندما ذهبت مريم المجدلية لتمسح جسد المسيح بالزيت . ولو قمنا بطرح ثلاثة أيام وثلاث ليال اعتباراً من البدء بيوم الأحد صباحاً ، سنجد أن يوم الأربعاء هو الإجابة الصحيحة . ولا صعوبة ها هنا أن تجد أيامك الثلاثة ولياليك الثلاث لتحل معضلة المسيحيين . ووافق المستمعون بحرارة على ما قدمه لهم السيد : فاهاي .
الله أم الشيطان ؟ :
وفي لقاء شخصي للمناقشة ، بعد نهاية الاجتماع والمحاضرة هنأت السيد فاهاي لنبوغه وسألته : " كيف أمكن طوال ألفي عام مضت أن العالم المسيحي لم يكن يعرف حسابات دينه لتكون أرقامهم مضبوطة ؟ " حتى هذا اليوم ، ( نجد ) معظم المسيحية تحتفي بيوم " الجمعة المبارك " وليس " بيوم الأربعاء المبارك " وقلت : " من ذا الذي خدع ,200,000,0001 من المسيحيين في العالم بمن فيهم الروم الكاثوليك ، الذين يدعون وجود سلسلة متصلة الحلقات من الباباوات لديهم بدءاً من القديس بطرس حتى اليوم ، من ذا الذي خدعهم بخرافة تمجيد يوم الجمعة ؟ " .
وأجاب السيد فاهاي دونما خجل : " الشيطان ! " فقلت : " إذا كان الشيطان يستطيع أن ينجح في أن يضلل المسيحيين وأن يبقيهم في ضلالهم لمدة ألفي عام في أبسط مظاهر الإيمان ، فكم يكون الأمر أسهل على الشيطان ليضللهم فيما يتعلق بطبيعة الله ؟ " وأحمر وجه السيد فاهاي ومشى مبتعداً . ولنا أيضاً أن نتساءل : لو كان هذا هو اعتقاد واضعي أسس المسيحية أفليس لنا أن نسأل أليس الموت على الصليب هو أكبر خدعة في التاريخ ؟ أليس لنا الآن أن نطلق عليه " اختلاق الصلب أو توهمه أو الإيهام به " ؟
دليل ساطع كالبلور :
لقد قدمت بين يديك أيها القارئ الكريم قائمة تبيِّن الدليل الحاسم من كتابات المسيحيين ونصوصهم المقدسة حيث كان يقال ويقال أن يسوع حي حي . ومع ذاك فإن الحواريين لم يصدقوا . فهل يصدق أتباعه اليوم ؟ هل هم مستعدون أن يصدقوا معلمهم الذي كان قد قال : " كما كان يونان … كذلك سيكون ابن الإنسان ؟ " ليس هذا جائزاً ! لن يقتنعوا . هل تذكرون توما ؟ إنه أحد المنتخبين كحواريي للمسيح . الملقب لدى المسيحيين " بالتوأم " و " لم يكن معهم ( الحواريون ) حين جاء يسوع " . ( يوحنا 20 : 24 ) في أول مرة بالحجرة العلوية . وكنتيجة لذلك فإنه عندما شهد أولئك الحواريون أنهم قد تحسسوا ولمسوا وأكلوا مع يسوع ، وأنهم قد رأوا " المعلم " ( وليس الله وليس شبح يسوع ولكنه هو يسوع بنفسه وبلحمه وعظامه – حيا ) قال لهم توما : " إن لم أبصر في يديه أثر المسامير وأضع إصبعي في أثر المسامير وأضع يدي في جنبه لا أومن " ( يوحنا 20 : 25 ) .
( وعلى بقية الصفحة الرابعة والخمسين يورد المؤلف صورة فوتوغرافية لما نشرته صحيفة ووتشتور ( لسان حال مملكة جيهوفا ) بتاريخ 15 من أكتوبر 1983 . وفيه تعجب الصحيفة من إدعاء صلب يسوع ) . ( المترجم ) .
الفصل السَّابع عشر
تَحْريفُ الكَلِمَ عَنْ مَوْضِعِهِ
اسم جديد ولعبة قديمة :
كان مبشر يفخر كيف كان يختلس عشرة سنتات من طبق جمع النذور للكنيسة ( قبل اشتغاله بالتبشير وانخراطه في سلك الدعاة إلى الدين ) ليشتري لبنا بالفواكه ، وكيف كان يربط أباه السكير في مخزن للحبوب بنفس المكان الذي كان يرعى فيه أمه راقدة في المكان الذي تقف فيه الأبقار لتجف جلودها بعـد توفير الاستحمام لها – لضربها بشدة على يدي والده ( ) . وها هو ذا الآن يمارس لعبة تحتاج ثقة كبيرة مع قرائه . إنه يقتبس ما ورد بإنجيل ( يوحنا 20 : 25 ) من الطبعة الأمريكية دون الإشارة إلى مرجعها . وبعد عبارة " لا أومن " ثم يبدأ فقرة جديدة بقوله : " في هذه اللحظة قال يسوع لتوما " ويقتبس مرة ثانية من الإنجيل دون إشارة إلى مصدره في الاقتباس فيعطيه القديس يوحنا أكذوبة بقوله : " وبعد ثمانية أيام كان تلاميذه أيضاً داخلا وتوما معهم فجاء يسوع ( ) … " ( يوحنا 20 : 26 ) .
أكاذيب فنية :
ومتعصب آخر يدعى أنه محام من حيث المهنة ، يشد أزر زميله المبشر الأمريكي بأكذوبة أخرى . يقول على صفحة 120 من كتابه المعنون بعنوان " الإسلام يناظر أو يجادل " ، يقول إن ديدات قد أثار في الأيام الأخيرة ضجة بالغة بنشر كتيب له بعنوان " من حرك الحجر ؟ " وفي كتابه ذاك يذهب إلى أن الحجر ( الذي كان يغلق باب مقبرة يسوع ) كان قد حُرّك بيديّ اثنين من اتباع يسوع من اليهود الفريسيين – هما يوسف الأريماتي ونيكوديموس ( ص10 ) لكنه في كتابه المعنون بعنوان " هل تم صلب المسيح ؟ " يذهب إلى أن امرأة خارقة للعادة ( ص25 ) مفترضاً أنها هي مريم ( ) المجدلية .
كيف لمبشر مسيحي ومحام عن القانون أن يكذب ؟ ولكي يحظى بثقة ضحاياه فإنه يشير إلى رقم الصفحة " 25 " . لقد خرج الكتاب المذكور من المطبعة منذ وقت طويل ولو كان لديك نسخة فمن المحتمل أن تختبر وتكتشف كذبه بنفسك . إن المتعصب يبدو واثقاً من نفسه . لكن – وحق الإنجيل – كانت الكلمات الحقيقية ( التي وردت بكتابي ) هي : " كانت ( مريم المجدلية ) مندهشة دهشة يخالطها السرور عند وصولها إذ وجدت الحجر وقد دحرج بعيداً " .
فأين الاعتقاد بأنها هي مريم المجدلية ( التي دحرجت الحجر ) ؟ أين قررت أنا أنها كانت مريم المجدلية ؟ لكن الأمر بالنسبة لأولئك المرضى سواء كانوا أمريكيين أو من جنوب أفريقيا هو أن كل خدعة ، وحيلة في حقيبتهم مسموح بها للإمساك بأي شخص في الدين المسيحي ، أو إلى الدين المسيحي . لقد " رميت القفاز " ولست مستعداً للرد على كل اتهام زائف ، وأريدك – أيها القارئ الكريم – أن تفعل نفس الفعل ، وتسلك نفس هذا المسلك . تؤدي رسالتك ببساطة على أفضل نحو تستطيعه ، ودع الباقي لله .
تلفيق :
يتجه شراح الإنجيل إلى نتيجة أن " توما الشكاك " وما يتعلق بشأنه إنما مثله مثل ما يتعلق بتلك المرأة التي أمسكوا بها " متلبسة " كما ورد بإنجيل ( يوحنا 8 : 1 – 11 ) باعتبار أن كليهما تلفيق واختراع . لكن الأرثوذكس لن يسمحوا بمثل هذا التحريف والحذف من إنجيلهم . وهم يجترئون أيضاً على أن ينظروا نفس النظر إلى ما ورد بالإنجيل بشأن " وضع الأصابع مكان المسامير ( التي يفترض أنها دقت بجسم المسيح لتثبيته على الصليب لأنها تثبت أن يسوع الحقيقي كان أمام الحواريين ) . وعلينا أن نعاملهم بما يستحقون . ولم يكن لدى الرومان أسباب خاصة ليكونوا متسامحين مع يسوع بالمقارنة مع زميلي صلبه لماذا يثبتون هذين بالأحزمة الجلدية وذاك بالمسامير ؟ ولا يزعم المنكرون هذا الزعم فحسب ، ولكن بعد ثمانية أيام يمضي يسوع إلى الحجرة العلوية ويجد " توما " هنالك هذه المرة .. وحسب رواية إنجيل يوحنا يأمر يسوع توما قائلاً : " هات إصبعك إلى هنا وأبصر يدي وهات يدك وضعها في جنبي ولا تكن غير مؤمن بل كن مؤمناً " ( يوحنا 20 : 27 ) .
ويدرك توما الوضع المخزي الذي وضع نفسه به . لقد رفض بمفرده كل دليل يدل على أن عيسى حي . وكل الحواريين بمن فيهم يهوذا الاسخريوطي الخائن قد شهدوا أنهم قد رأوه وتحسسوه وآكلوه الطعام ، لكن توما لم يكن ليؤمن ! بم لم يؤمن توما ؟ لم يؤمن بأن يسوع الحي الموجود معهم كان يجول هنا وهناك ، ولم يكن شبح يسوع . والآن ، والحقيقة المادية ( الملموسة ) لوجود يسوع تواجهه ، وبالإشارة إلى جسد يسوع المادي الفسيولوجي كان توما مضطراً أن يقول : " ربي وإلهي " ( يوحنا 20 : 28 ) .
مم تحقق توما ؟
هل أدرك توما في تلك اللحظة وعند ذاك المنحنى أن يسوع المسيح كان إلهه ؟ هل خر له وخر رفاقه ساجداً مع سُجَّد ؟ كلا على الإطلاق ! إن كلماته المشار إليها إنما كانت تعبيراً عن استعادة الإنسان لجأشه . نقول مثلها يومياً عندما نقول " يا إلهي ! لقد كنت في غفلة ! " فهل تخاطب المستمع إليك كما لو كان إلهك .
( وعلى بقية الصفحة السابعة والسبعين يورد المؤلف صورة فوتوغرافية لما نشر بجريدة " ديلي نيوز " بتاريخ 17 أكتوبر 1955 عن فتاة ماتت أربعة أيام – فيما بدا للأطباء ) ثم استيقظت ) . ( المترجم )
الفصل الثامن عشر
لَيْسَ النَّاسَ عُميَانا
تزوَّدوا .. الحقيقة تسطع في الآفاق :
دعني – أيها القارئ الكريم- أقدم بين يديك موجزاً سريعاً للنقاط التي ناقشناها حتى الآن بما في ذلك أن عيسى ( يسوع ) المسيح عليه السلام لم يقتل ولم يصلب ، كما يزعم المسيحيون واليهود ، ولكنه كان حياً ( في الوقت الذي زعموا موته فيه ) . وتتلخص هذه النقاط فيما يلي :
(1) كان عيسى عليه السلام حريصاً ألا يموت !
وكان قد اتخذ ترتيبات للدفاع لدحر اليهود لأنه كان يريد أن يبقى حياً .
(2) تضرع عيسى عليه السلام إلى الله كي ينقذه . نعم ، تضرع إلى الله العلي القدير أن يحفظ حياته ليبقى حيّاً .
(3) " يسمع " الله دعاءه :
وهو ما يعني أن الله قد استجاب لدعائه أن يظل حيّاً .
(4) نزل إليه أحد الملائكة ليشد أزره . وكان ذلك بإعطائه الأمل واليقين بأن الله سينقذه ليبقى حيّاً .
(5) يجد ( الحاكم الروماني ) ( ) بيلاطس أنه ليس مذنباً . وهـو سبب قوى لإبقائه حيّاً .
(6) ترى زوجة بيلاطس حلماً ينبئها أنه لا يجب أن يلحق أذى بهذا الرجل العادل . بمعنى أنه يجب أن يظل حيّاً .
(7) الزعم بأنه بقي على الصليب ثلاث ساعات فقط ، وحسب النظام المعمول به لا يمكن أن يكون أحد من المحكوم عليهم بالموت صلباً قد مات في مثل هذا الوقت القصير حتى لو كان قد ثبت على الصليب . كان حيّاً .
(8) رفيقا صلبه على الصليب ظل كل منهما حيّاً . ولذا فإن عيسى عليه السلام ، في ذات مدة البقاء على الصليب ظل حيّاً .
(9) تقول إنسيكلوبيديا ( دائرة معارف ) الإنجيل تحت عنوان " الصليب " أنه عندما غُزّ يسوع بالرمح ( ) فإنه كان حيّاً .
(10) فور ذلك خرج دم وماء :
وكانت تلك علامة ودليلاً يؤكد أن عيسى عليه السلام كان حيّاً .
(11) الساقان غير مقطوعتين – تحقيقاً للنبوءة والساقان غير المقطوعتين يكون لهما نفع عندما يكون عيسى عليه السلام حيّاً .
(12) الرعد والزلزال وكسوف الشمس في غضون ثلاث ساعات لإلهاء الجمهور المتطفل وليتمكن أتباعه السريون من مساعدته في أن يظل حيّاً .
(13) اليهود ارتابوا في تحقق موته .
شك اليهود أنه قد نجا من الموت على الصليب وأنه كان لا يزال حيّاً .
(14) بيلاطس " يعجب " أن يسمع أن يسوع كان ميتاً . لقد كان يعرف بالتجربة أنه لا أحد يموت بسرعة هكذا على الصليب وظن أن يسوع كان حيّاً .
(15) حجرة ضخمة فسيحة ( كمدفن ) :
قريبة في متناول اليد صخمة جيدة التهوية بحيث تشجع يدي المساعدة كي تأتي للنجدة . وامتدت يد المساعدة ليظل حيّاً .
(16) الحجر ( على باب المقبرة ) وملاءة الكفن أزيلا : وهو ما يلزم حدوثه فحسب عندما يكون حيّاً .
(17) تقرير عن الملاءة المطوية :
أكد علماء ألمان من خلال تجارب معينة أن قلب يسوع لم يكن قد توقف عن العمل – أي أنه كان لا يزال حيّاً .
(18) أتنكر في الأبدية !؟
التنكر يكون غير ضروري لو كان عيسى عليه السلام قد بعث بعد موت . لكنه ضروري في حالة واحدة فقط ، عندما يكون حيّاً .
(19) ويمنع مريم المجدلية أن تلمسه :
" لا تلمسيني " بسبب أن لمسه ( ولم تكن جروحه قد التأمت ) يسبب له ألماً ، لأنه كان حيّاً .
(20) قوله : " لم أصعد إلى أبي بعد " . وكأنه في لغة اليهود واصطلاحهم يقول : " لم أمت بعد " أو يقول إنه كان حيّاً .
(21) ولم تخف مريم المجدلية عندما تعرفت عليه . لأنها كانت قد شاهدت علامات الحياة فيه ( عند إنزاله عن الصليب ) كانت تبحث عنه حيّاً .
(22) يتحجر الحواريون ( هلعاً ) عند رؤية يسوع بالحجرة . كل معلوماتهم عن ( حادث صلبه ) إنما كانت بالسماع ( ولم يكن أحدهم شاهد عيان حيث كانوا قد خذلوه جميعاً وهربوا ) ولذلك لم يستطيعوا أن يصدقوا أن عيسى عليه السلام كان حيّاً .
(23) أكل الطعام مرة إثر مرة عند ظهوره بعد عملية الصلب . والطعام ضروري فقط عندما يكون حيّاً .
(24) لم يظهر نفسه أبداً لأعدائه ( اليهود ) لأنه كان قد هرب من الموت ( على يديهم ) بشق النفس وكان لا يزال حيّاً .
(25) قام فحسب بجولات قصيرة : ( الأماكن التي تحرك إليها بعد الصلب معروفة بأنها في نطاق ضيق ) لأنه لم يكن قد بعث من بن الموتى كروح ، لكنه كان لا يزال حيّاً .
(26) وشهادة رجال بجوار المقبرة ( حيث قالوا ) " لماذا تبحثون عن الحي بين الموتى " ( لوقا 24 : 4 – 5 ) ومعنى ذلك بوضوح أنه لم يكن ميتاً ، كان حيّاً .
(27) وشهادة ملائكة :
" … الملائكة الذي قالوا إنه حيا " ( لوقا 24 : 23 ) لم يقل الملائكة حسب رواية لوقا إن الملائكة قالوا إنه كان قد بعث بل جاء على لسان الملائكة أنه كان حيّاً .
(28) وتشهد مريم المجدلية :
يقول القديس مرقس : " ولما سمع أولئك أنه حي وقد نظرته لم يصدقوا " ( مرقس 16 : 11 ) ولم تكن مريم المجدلية تبحث عن عفريت أو شيطان أو روح وإنما كانت تبحث عن " يسوع حياً " . لكن الحواريين عجزوا أن يصدقوا أن معلمهم كان حيّاً .
(29) ويشهد الدكتور بريمروز :
يشهد أن الدم والماء عند طعن جنب يسوع بالرمح إنما كان بسبب الإرهاق العصبي للأوعية الدموية من جراء الضرب بالعصى الغليظة . وهو ما يعتبر علامة مؤكدة تدل على أنه كان حيّاً .
(30) تنبأ عيسى أن معجزته ستكون مثل معجزة ( ) يونان .
وحسبما جاء بسفر يونان ( بالعهد القديم ) فإن يونان كان حياً بينما كان المتوقع أن يكون ميتاً . وبالمثل إذ يتوقع أن عيسى عليه السلام كان ميتاً ( على الصليب ولدى دفنه ) فإنه عليه السلام كان حياً .
هذه النقاط الثلاثون وقضايا أخرى كثيرة تم عرضها وبسطها على الصفحات السابقة من هذا الكتاب . أرجو أن يقرأها القارئ الكريم وأن يعيد قراءتها مع من يشاء . وأرجو أن تتحقق له فائدة الاستمتاع وأدعو الله أن يتحقق لك فيها النجاح .
( ويورد المؤلف في بقية الصفحة الحادية والثمانين صورة فوتوغرافية لما نشرته جريدة ( ديلي نيوز ) بتاريخ 3 يناير 1984 عن تحرك كفن وتحرك جثة السيد : بارناباس عند إنزاله إلى القبر في بلدة نيروبي من جراء كثرة شرب الخمر . ( المترجم ) .
الفصْل التاسِع عشر
صَلْبٌ أم لَعِبٌ بالصَّلبْ
عجز اللغة :
كل كلمة إنما هي صورة مجمدة ( ثُبتت ) للصورة التي تمثلها . لو أخذنا كلمة وتأملناها سنكون قادرين دون ريب أن نرى ( الشيء الذي تمثله ) أو أن نجعله مرئياً في أذهاننا . جرب : " سفينة " ، سترى سفينة في ذهنك . " حقيبة يد " ، سترى حقيبة يد في ذهنك . " سيجارة " ، ستجد سيجارة في ذهنك . لكننا نتكلم بسرعة كبيرة جداً لدرجة أننا نتمثل في أذهاننا الكلمات كأفكار وتصورات ذهنية . والكلمات هي الأدوات التي من خلالها ( بواسطتها ) نوصل رسائلنا . وكلما زادت مفردات لغتنا ، كلما كانت وسائل اتصالنا ( بالآخرين ) أوضح وأسهل . لكن الكلمات الخاطئة ( المضللة التي تستخدم خطأ بقصد أو بغير قصد ) يمكن أن تفسد الأفكار .
ذخائر اللغة :
اللغة العربية غنية جداً في التعبير عن الأفكار الروحية والتصورات ، لكن اللغة الإنجليزية أغنى في مجال العلم والتقنية . لكن اللغة الإنجليزية تخذلني . يبدو أنه ليس فيها أفعال للأحداث التي لم تتم أو للأحداث التي بدأت المحاولة في القيام بها . وكمثال لذلك :
(1) رجل اقتيد إلى المشنقة ووضع الحبل حول عنقه ، وتم شد الحبل ليموت ولكن تدخل القدر ولم يمت . وبعد عشرين عاماً مات نفس الرجل غرقاً . نريد كلمة إنجليزية واحدة تقول لنا ما إذا كان الرجل قد شنق أم لا ؟ نريد فعلاً واحداً أي كلمة واحدة .
(2) وكذلك الحال بالنسبة لرجل وضع على كرسي كهربي ليموت صعقاً بالكهرباء . يوضع على الكرسي ، ويتم توصيل الدائرة الكهربية ، ومع ذلك لا يموت الرجل . وقبل غلق الدائرة مرة أخرى يصدر عنه عفو ، ويموت نفس الرجل بعد ذلك في حادث سيارة . هل كهرب الرجل أو لا في كلمة واحدة ؟
(3) يسجل المؤرخ اليهودي يوسيفوس في كتابه " مأثورات قديمة " فيما يتعلق بحوادث الصلب التي حضرها بنفسه أن الرجال المحكوم عليهم بالموت صلباً تم إنزالهم عن الصليب . وظل واحد منهم على قيد الحياة ! ماذا حدث لهذا الرجل على الصليب ؟ وهل صلب ؟ مطلوب كلمة واحدة .
فيض من ألاعيب الصليب :
من الجائز أن يقال إن ( الحالات الثلاث التي أوردناها ) إنما هي حالات افتراضية . لكننا أمام تاريخ يصاغ . أنظر إلى ص 36 لتطلع على ما أعدنا طباعته عن " ويك أند وورلد " بتاريخ 3 أغسطس 1969 لتشهد السيد : بيتر فان ديربرج ، وهو عامل بحانة للخمور ، " مصلوباً " يتلقى " الركلات " لمجرد الاستمتاع بالإثارة أو كما قال بنفسه لمجرد أن يثبت أن الإنسان يستطيع أن تكون له السيطرة على جسده . صعد على الصليب . ومضى يمارس كل ما في عملية الصلب . ولكي يتحمل كل ما حدث في جلجوثا ( المكان الذي صلب فيه يسوع ) تم إدخال ثلاثة مسامير طول كل منها 18 بوصة في إليتيه وهذا " البارمان " لا يزال حياً . هل صلب ؟ نريد " فعلا " لا يوجد مثل هذا الفعل في اللغة الإنجليزية .
وعندما صاح اليهود مرددين صياحهم أمام بيلاطس " أصلبه ! أصلبه ! " ( لوقا 32 : 21 ويوحنا 19 : 6 ) فإنهم كانوا يقصدون : " اقتله على الصليب . اقتله صلباً . ولم يقصدوا خذه في نزهة إلى الصليب . ثم إنه لو كان استعراض الصلب ذاك كاستعراض صلب السيد : فان دير برج ، فإنه الرجل لم يمت من جراء الصلب . فماذا تقول عن ذلك الذي حدث ؟ وأي فعل ذلك الذي ستستخدمه إن لم يكن موجوداً في لغتك ؟
صور من عجز اللغة ؟
إنجليزي بجنوب أفريقيا وشريك له مـن أمريكا يعترفان أنه " لو كانت كلمة يصلب تعني : يقتل على الصليب ، فإننا لا نجد كلمة تصور مجرد الصعود على الصليب دون موت عليه . " عار عليهم . إنهم يحاولون السخرية مني والعيب في لغتهم وفي عجزهم أن يجدوا الكلمة المناسبة .
ومع كل إيمانهم " بحلول الروح القدس " فيهم ، فإن العالم المسيحي قد أخفق في أن يصك كلمة تكون لفظاً لفعل ليصف " مجرد التثبيت على الصليب " . ولسوف انتشلهم من محنتهم إن شاء الله ! قبل أن ينتهي هذا الفصل من الكتاب ، ولو كانت " يصلب " تعني فقط " يقتل " فهل يمكن لهم أن يقولوا لنا ماذا تعنيه أيضاً الكلمة ؟ إن قاموس اكسفورد يعطي للكلمة معنى هو : " يقتل بالتثبيت على الصليب " . والمبشرون مؤلفو كتاب " الإسلام يحاور أو يعمد إلى المناظرات " لا يستطيعون أن يجدوا حلاً للمشكلة . ولذلك سأقدم لهم الحل .
شيوع لعبة الصلب :
هنالك دائماً شيء جديد قادم من الشرق . والآن من الشرق الأقصى ، ها هم أولاء الفليبينيون وقد طوروا بدعة جديدة هي أن " يصلبوا " . يريدون أن يحذوا حذو يسوع – ( أنظر ص 85 ) لتجد صورة فوتوغرافية لما نشرته صحيفة " سبع داي نيوز " الصادرة في دار السلام بتاريخ 3 مايو 1981 ، إذ نشرت عما يسمى مضاعفات الصلب في الفلبين . وذكرت الصحيفة أن " سبع حالات صلب على الأقل " تم النشر عنها في الصحف المحلية . ومن الممكن أن تكون عمليات صلب أخرى قد تمت في الأقاليم ولم ينشر عنها شيء . من بين هذه العمليات عمليات أجرتها سيدة تدعى " لوشيانا ريز " التي وصفت بأنها أول إمرأة يعرف أنها مارست " طقوس الصلب " ! وكإضافة جديدة لعناصر عملية الصلب هي دق مسامير في يدي المتقدمين للصلب بالصليب الخشبي .
أصلب مميت أم مسرحية عن الصلب ؟
لم يمت أي شخص بالصلب . وأغمى على أحدهم . ونزل أحد المصلوبين ليدخن سيجارة بعد ربط يديه بضمادات شاش . وتمت عملية الصلب لأحدهم خمس مرات وكان قد نذر أن يصلب عشر مرات . تبدو المسألة كما لو كانت قصة خرافية . ولكن كان هنالك أكثر من 25,000 مشاهد لأربع عمليات صلب في مدينة واحدة . وبعضها تمت إذاعته مباشرة بالتليفزيون على الهواء .
( وعلى الصفحة الخامسة والثمانين يورد المؤلف صورة فوتوغرافية لما نشرته مجلة " سن داي نيوز " الصادرة بدار السلام بعنوان : محاكاة يسوع ) .
( المترجم )
* * *
وللعالم المسيحي سمعة سيئة في استغلال يسوع لجمع المال . وكان كل فيلم من الأفلام عنه كصندوق لجمع المال يحطم الأرقام القياسية . لهم مسرحياتهم القومية والعاطفية ، فلم لا يكون لهم مسرح الصليب .
ولقد حل ريج جراتون مراسل صحيفة " السن داي نيوز " المشكلة ( أنظر ص 85 مرة ثانية ) بجعل كلمات " الصلب " بين شولات مقلوبة ( تلك التي تستخدم كعلامتي التنصيص الموضحتين لبدء ونهاية كلام شخص ما ) . ولقد استخدم في مقالته هذه الكلمة خمس مرات ، وفـي كل مرة تظهر هذه الكلمة كان يضعها داخل علامتي التنصيص . وبمعنى آخر فإنه يقول : " الصلب المزعوم " . أما وقد لصقت هذه الكلمة كلمة " صلب " كفعل ، و " الصلب " كمفعول مطلق ، أما وقد لصقت هذه الكلمة في ألسنة المبشرين أو ليس من الأفضل أن نستبدلها بتعبير " الصلب المزعوم ؟ " .
الصلب أم الصلب المزعوم ؟
نستطيع الآن أن نقول دون أي حرج ذهني أن بيتر فان دير برج تحمل عملية الصلب بكل تفاصيلها ولم يمت . بمعنى أنه ثبت على الصليب ( لتمثيل الصلب ، لا ليموت صلباً ) .
وأكثر من ذلك نستطيع القول بأن المسيحيين في الفلبين لا يمارسون " الموت صلباً " ولكن يمارسون " لعبة الصلب " بكل إخلاص ( يمكن تصوره للعبة ) . وممارساتهم تلك ليس فيها خدع سينمائية ، كما يفعلون في الأفلام . إنها الشيء الحقيقي ، لكنه فقط بدون وفاة . ومن ثم فإن أي عرض من العروض على الصليب حيث يحاول الضحية أن يقلد تجربة يسوع المزعومة لكنه لا يموت فعلاً تلك " الميتة الفظيعة الملعونة " على الصليب ، يجعل لنا الحق كل الحق في أن نطلق عليها الاسم الصحيح .
( ثم يقترح المؤلف كلمات جديدة مثل " يلعب لعبة الصليب " بدلاً من " يموت على الصليب " . " وموضوع على الصليب " بدلاً من " ميت على الصليب " و " لعبة الصلب " بدلاً من " الموت صلباً " ) .
وهذا الاستخدام الصحيح للكلمات سوف يحطم " صليب " المسيحية الذي يجد نفسه في " مفترق الطريق " لا يعرف أي طريق يسلك . ولو استخدمنا الكلمات المشار إليها جيدا فإننا سنجدها قريبا في معاجم الإنجليزية .
وبانتهاء هذه السطور نكون قد نشرنا مائة ألف نسخة أعدت للنشر مجانا كطبعة أولى . إقرأها عزيزي القارئ ، وتبادلها مع أصدقائك أو مع خصومك لتمجيد الحق .
آمين ( ) .
( وعلى بقية الصفحة يورد المؤلف رسما تخطيطيا لعملية صلب المسيح اقتبسه عن أحد الناشرين ) .
كلِمة خِتَام
لقد كان موضوع صلب المسيح يقف في حلقي ، من حيث اعتبار المسيحيين أنه المخلص الوحيد لبني البشر منذ أول اختلاط لي مع طلبة وقساوسة إرسالية " آدمز " عندما كنت لم أبلغ العشرين من عمري بعد . ( أنظر مقدمة كتاب : هل الإنجيل كلمة الله ) .
ولما كنت شاباً غير سهل الانقياد ، فلقد حيرتني الحالة التي كنت ألحظها على أولئك الشباب المؤمنين بالصلب كطريق وحيد لهم إلى الخلاص من الذنوب وما كانوا يبدونه من اهتمام وقلق لكوني سأعذب في النار لعدم التصديق والإيمان به .
وأصبح موضوع صلب المسيح الذي تعتمد عليه المسيحية موضوعاً هاماً لبحثي ودراستي . كنت أريد حقاً أن أعرف علام كل هذه الضجة الكبرى . وبدأت أدرس ما بحوزتهم في الموضوع ألا وهو " العهد الجديد " .
ولا أتوقع أن يسألني أي شخص عن عقيدتي كمسلم فيما يتعلق بموضوع الصلب . عقيدتي هي عقيدة القرآن كما وردت بدقة في الآية 157 من سورة النساء ( ) .
وأكرر مع كل تأكيد أن دراستي موضوع الصلب قد فُرضت عليّ من أصحاب الإيمان المسيحي الذين كانوا يدعون أنهم خيرون محبون للخير لي . وأخذت اهتمامهم مأخذ الجد لكي أدرس واستذكر وأبحث بموضوعية مستخدماً نفس مصادرهم . وستوافقني أن النتائج مذهلة .
وأود أن أشكر مئات المسيحيين الذين جاءوا يدقون على بابي لمبادرتي بالتباحث في هذا الموضوع .
وما أسلفته في الصفحات السابقة – أيها القارئ الكريم – إنما هو حصيلة بحث ودراسة طوال سنوات وسنوات من عمري ثم إمضاء المؤلف : أحمد ديدات .
وتعقيبٌ لِلمترجم
المؤلف : أحمد ديدات :
من جنوب إفريقيا ، حيث الديانة السائدة هي المسيحية ، واللغة الرسمية هي الإنجليزية ، والسياسة الرسمية هي التفرقة العنصرية ، يرتفع صوت الداعية الإسلامي الكبير احمد ديدات ( ) .
كان والده قد هاجر من الهند إلى جنوب إفريقيا حيث ولد له أحمد ديدات ، الذي نشأ وتربى في مدينة دير بان . وفي مستهل شبابه ، وقبل أن يبلغ العشرين من عمره ، عمل لدى دار نشر للكتب الدينية المسيحية . وكمسلم غض الإهاب ، تعرض لسيل عارم من الأسئلة المتعلقة بموضوعات الدين الإسلامي ، ومحاولات التنفير منه والترغيب في إدخاله في الدين المسيحي . يقول العلامة أحمد ديدات " إن رجلاً أمريكيا أقام جامعة بجنوب إفريقيا وكرس حياته وإمكاناته للدعوة المسيحية ، فكان ينظم الدورات الدراسية لتتولى تدريب المبشرين بالمسيحية من آهل جنوب إفريقيا . وهؤلاء المتدربون كانوا يأتون اليّ لكي يمارسون ما تعلموه من الإرسالية فكانوا يقولون إن محمدا ( عليه الصلاة والسلام ) له الكثير من الزوجات ، فلا أستطيع الرد عليهم… وقالوا لي إن محمدا عليه الصلاة والسلام كتب القرآن من اليهودية والمسيحية ، فلم أرد . وقالوا لي إن محمدا نشر دينه بحد السيف فلم استطع الرد عليهم . ويستطرد العلامة أحمد ديدات قائلاً : كانت تنقصني الحجة ولذلك لم أكن مهيأ للرد عليهم إذ كانت معظم تعاليم الإسلام مبهمة لي . كنت أقوم بأداء الفروض كما كان يؤديها والدي . كنت أصلي كما يصلي والدي . وكذلك الصوم . وكنت لا أشرب الخمر ، ولا ألعب القمار ، اقتداء بوالدي واقاربي .
كان كل من حوله وكان كل ما حوله إذن يحفزه على البحث والاطلاع فيما يتعلق بالدين والعقيدة : كرس دراسته في تخصص يشبع نهمه وتطلعه إلى معرفة أسرار الأديان فتوجه إلى دراسة مقارنة الأديان . وكانت النتائج مذهلة .
أسلوب جديد وفريد ، أسلوب ذلك الداعية الإسلامي العلامة " أحمد ديدات " . وليس تفرد أسلوبه وجدته من حيث هو أسلوب من أساليب اللغة ، ولكنه تفرد ولكنها جدة في أسلوب التفكير ومنهج الدعوة إلى العقيدة . وربما كان لطبيعة تكوينه الثقافي وسعة إطلاعه . واللغة الإنجليزية التي يجيدها كلغة أصلية أثره في تفرد أسلوبه الفكري ، وجدة منهجه في الدعوة الى العقيدة ، وربما كان للوسط الذي نشأ فيه ، وتفاعل معه بجنوب إفريقيا أثر أيما أثر في ذلك . وحسبنا أن نشير إلى أنه كان الطرف الممثل للإسلام في تلك المناظرة الشهيرة بين مسلم ومسيحي هو القس الأمريكي سويجارت ، وغيره ، وغيره .
أسلوبه ومنهجه :
استطاع العلامة أحمد ديدات أن يتبوأ مكانة رفيعة المستوى بيـن دعاة العقيدة الإسلامية . لقد أصبح بلا جدال عالمي الانتشار . ماذا يحدث عندما تريد جامعة من الجامعات تقويم ومعرفة القيمة العلمية لأحد أساتذتها ؟ تطلب إليه أن يقدم إنتاجه العلمي وأبحاثه وكتبه ومؤلفاته لفحصها . ولو فعلنا ذلك بالنسبة للعلامة أحمد ديدات نجد له :-
(1) مناظرات مطبوعة على أشرطة فيديو يناظر على الطبيعة أكبر وأشد الخصوم من الديانات الأخرى بنجاح تام . وتذاع هذه المناظرات أيضا بالبث التلفازي المباشر .
(2) أشرطة كاسيت في كثير من الموضوعات الدينية .
(3) عشرات الكتب المطبوعة كل كتاب منها في موضوع معين من موضوعات العقيدة . منها على سبيل المثال :
(1) ما يقوله الإنجيل عن محمد .
1- What The Bible Says about Muhumed P .B .U .H
(2) المسيح في الإسلام . ( )
. 2- Christ in Islam
(3) مسألة صلب المسيح . ( )
3- Crucifixion Or Cruci – Fiction .
وغير ذلك كثير كثير . فهو إذن يستخدم أكثر وسائل التعبير فعالية وانتشاراً في العالم . أطال الله بقاءه ، وشد أزره ، وسدد على طريق الرشاد خطواته .
النصوص المقدسة تتكلم :
ولعل أهم ما يميز كتابات المؤلف هو اعتماده على " النصوص " لإثبات وجهة نظره . وتلك لعمري هي أهم مميزات الأسلوب العلمي الحديث في البحث والتمحيص إزاء أية موضوعات نريد دراستها دراسة علمية أو أدبية أو تاريخية . وعندما يتناول أحمد ديدات موضوعاً ما من الموضوعات المتصلة بالدين المسيحي أو الإسلامي فانه يعتمد تماما على النصوص المعتمدة في كليهما . يتحدث الى المسيحيين ، فيقدم بين يدي الموضوع كل ما يتصل به من نصوص من واقع الأناجيل المعترف بها لديهم . ولدى المؤلف قدرة فذة على اكتشاف ما يسمى بالتناقض الداخلي Interial Contradiction حالما يكون موجودا بصراحة ووضوح لا مزيد عليهما .
وكداعية مسلم له رأيه الذي يدلي به عندما يكون ذلك ضرورياً ، لا يلزم به أحد ، لكنه يعبر عنه بصراحة ووضوح ملتزما بأصول العقيدة الإسلامية . أنظر إليه وهو يدلي برأيه في خاتمة هذا البحث عن مسألة صلب المسيح فيقول : " ولا أتوقع أن يسألني أحد عن عقيدتي كمسلم فيما يتعلق بموضوع الصلب ، عقيدتي هي عقيدة القرآن كما وردت بدقة في الآية 157من سورة النساء " ( أنظر ص 88 من هذا الكتاب ) .
وليس من المعقول أن تذيع جميع وسائل النشر في العالم كله أعمال هذا الداعية وأفكاره على شكل مناظرات أو كتب أو لقاءات صحفية ، ونظل لا نعرف عنه شيئا . والقاعدة الشرعية معروفة تعبر عنها كثير من المأثورات مثل " ليس ناقل الكفر بكافر " وأيضا لدينا قوله تعالى ( لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) وقوله تعالى ( فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) .
وليس عرض نظرية النشوء والارتقاء لدارون مثلاً ملزماً بالإيمان بها . كما أن عرض عقيدة الهندوس ليس ملزماً وليس متطلباً الإيمان بالهندوسية ، هذه أمور واضحة ولا حاجة بنا إلى توضيح الواضح . وإن كان من المعروف أن مناقشة البديهيات هي أصعب أنواع المناقشات .
وثمة سؤال : وماذا بعد الصلب ؟ .
ثمة سؤال فرض نفسه بعد أن انتهيت من ترجمة مؤلف الداعية العلامة أحمد ديدات عن مسألة صلب المسيح وهو : وماذا بعد صلب المسيح عليه السلام بصرف النظر عن كافة الآراء والاتجاهات والمذاهب المتعلقة بذلك ، سواء كان الصلب قد تم بالنسبة لشخص المسيح حقاً ، أو وقع بالنسبة لشبيه للمسيح ، وسواء كان المسيح قد مات على الصليب وأنزل عنه ميتاً وتم دفنه ميتاً ، أو كان ولم يمت على الصليب ونزل عنه وهو ما يزال على قيد الحياة ، وهو ما أثبته العلامة أحمد ديدات وقدم عليه ثلاثين دليلاً أجملها في الفصل الثامن عشر من هذا الكتاب ، نعم ، ماذا بعد الصلب ؟ سؤال فرض نفسه بعد أن انتهيت من ترجمة الكتاب . وكنت لا أريد التعرض لإجابة هذا السؤال مكتفياً بأنني قد عانيت ما عانيت لإتمام الترجمة . ولكنني قد أحسست أن القارئ الكريم يريد أن يعرف ، ومن حقه إذا شاء – أن يعرف . واتصلت بكثير من المراجع .
مناقشة عامة :
ومع أنني ككاتب مسلم لست حجة الإسلام ، ومع أن محدثي وصديقي المسيحي الذي جرني إلى نقاش ديني ليس حجة المسيحية ، فإن النقاش الذي شدني إليه يصلح إطاراً عاماً قبل إجابة سؤالنا .
قال صاحبي : ما رأيك في التثليث ؟ Christian Trinity
قلت : تناقض في الحدود . لا يمكن للثلاثة أن يكونوا واحداً .
قال : ألا ترى الشمس أشعة وضوءاً وحرارة ؟
قلت : ولكن لا يجوز لك أن تطلق على الجزء ما تطلقه على الكل . ليس ضوء الشمس هو الشمس . كما أن حرارة الشمس ليست هي الشمس . وواجب الوجود يتنافى مع وحدانيته أن يكون مكوناً من أجزاء . فالأجزاء تحتاج إلى من يجمعها . ثم تعال إلى الوقت المحدد بميلاد وانتهاء حياة السيد المسيح عليه السلام على الأرض . هل كان ثمة انقسام وانفصال في الذات الإلهية حسب مفهومك بحيث كان الأب في السماء والابن على الأرض ؟ .
قال : لا أعرف . أنا لست قسيسا . وربما كان القساوسة يعرفون .
قلت : مِنْ حقك أن تهرب كما تشاء .
قال فجأة . ودون مناسبة : لكن لا يوجد شيء اسمه الوحي .
قلت : فما الأناجيل عندكم ؟
قال : لم يكتب ولم يمل المسيح أي أنجيل . كتبها من بعده أتباعه وكل حكى الحكاية أو روى الرواية من وجهة نظرة . ومن هنا اختلافها .
قلت : لماذا تسمونها إذن بالكتب المقدسة وتسمون الواحد منها بالكتاب المقدس والبشر قد يخطئون ؟
قال : إنها مثل ترجمات القرآن الكريم إلى لغة أخرى . لا تجد اثنين من المترجمين يتفقان على صيغة واحدة .
قلت : ترجمة معاني القرآن الكريم ربما تختلف بين المترجمين . لكن أصل الترجمات موجود وهو نصوص القرآن الكريم . ولا يوجد لديكم أصل الأناجيل . وهذا فرق لو تدري كبير .
قال : أصل الأناجيل . مدفون في الفاتيكان .
قلت : إلى أن تستخرجه لا تستطيع الادعاء بوجود نص أصلي للأناجيل . وأنا أستطيع أن أريك بعيني رأسك القرآن الكريم وفوراً الآن .
قال : كيف استخرج لك النسخة الأصلية من الفاتيكان ؟
قلت : أقصد أنها لو كانت موجودة لتمت طباعة ملايين النسخ منها أفخر طباعة . ولكن اطمئن . ليست موجودة .
قال : ما قولك في معجزات السيد المسيح عليه السلام ؟
قلت : معجزات رسول سبقه رسل وجاء بعده رسل أجراها الله على يديه وأثبتها له لتكون دليلاً على صدق رسالته اعتبرتموها أدلة على ألوهيته .
قال : لكن المسيح صلب وتعذب ومات على الصليب لكي يفدي البشرية بدمه . نحن المسيحيين سندخل الجنة مهما كانت خطايانا أما أنتم فستدخلون النار مهما فعلتم . إن كل ما تعملون من أعمال صالحة إنما هي كثياب خرقة لا تنفع ولا تغني .
قلت : ذلك هو ما تعتقدون . وذلك هو ما يستهويكم . عندنا في الإسلام أنه لا تزر وازرة وزر أخرى . ومن العدل أن يحاسب كل إنسان على عمله .
قال : لكن المسيح صلب ومات على الصليب ودفن ثلاثة أيام ثم قام .
قلت : ذلك هو ما تعتقدون أو بالأصح هو ما أرادوا لكم أن تعتقدوا .. هاك كتاب العلامة أحمد ديدات عن مسألة صلب المسيح ، فرغت تواً من نقله إلى اللغة العربية إقرأه لو شئت لتجده يقدم ثلاثين دليلاً على أن المسيح عليه السلام لم يمت على الصليب ، ولم يدفن ميتاً ، ولم يقض في المقبرة ثلاثة أيام أو ثلاث ليال بل مكث بها وهو على قيد الحياة مدة من الزمن لا يمكن أن تزيد على يوم واحد وليلتين .
قال : عندكم في القرآن الكريم أنه " وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم " .
قلت : ولكنك قلت إن لا تؤمن بالوحي .
قال : لزوم المناقشة فحسب . وبصراحة أنا أستريح إلى إجاباتك ولكن قل لي : كيف شبه لهم ؟
قلت : شبه لمن ؟
قال : لليهود . إن اليهود من أكثر أمم الأرض فطنة . وكانوا حريصين على قتل المسيح عليه السلام . وكثيراً ما حاوروه وجادلوه وناقشوه وقدموا له الأسئلة المحرجة . كيف يقعون في مثل هذا الخطأ الساذج فيأخذون شبيهاً للمسيح على أنه المسيح ؟
قلت : هل تشك في قدرة الله سبحانه وتعالى .
قال : كلا . حاشا لله . لا أشك في قدرة الله .
قلت : إذن ، بالغا ما بلغت فطنة وبراعة اليهود ، فإن الله جلت قدرته قادر على أن يلبس عليهم ما يشاء لتنفذ إرادته ومشيئته كما يريد وكما يشاء . ألم تر إلى أكبر وأبرع العلماء يمكن أن يقعوا مجتمعين أو فرادى في خطأ بسيط ساذج . Silly Mistake هذا من جهة . ومن جهة أخرى فإن التعبير القرآني يقول " ولكن شبه لهم " شبه لهم ماذا ؟ انصرف معظم التفكير وانساق معظم أصحاب التفاسير إلى أن الله سبحانه وتعالى ألقى شبه المسيح على شخص غيره . ذهب بعضهم إلى أنه يهوذا الإسخريوطي . ولكن لماذا يكون هذا هو المعنى ؟ إن التعبير القرآني يسبقه مباشرة قوله تعالى ( وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ) أقول : المعنى الذي أجيزه بل أحبذه . هو انصراف التعبير القرآني إلى القتل والصلب . أي أنه وقع في روع اليهود أنهم قتلوا وصلبوا المسيح وكانت الحقيقة غير ذلك . لم يقتل ولم يصلب عندما يكون معنى الصلب هو الموت على الصليب . كان المسيح حياً ، وهو ما أثبته العلامة أحمد ديدات وقدم عليه ثلاثين دليلاً . دعني الخص وأوجز لك . شبه لليهود أحد أمرين :
(أ) شخص المسيح . أخطأوا – ويجوز أن يخطئ البشر بالغاً ما بلغ حذقهم – بالنسبة لشخصه فأخذوا غيره على أنه هو المسيح .
(ب) أخطأوا عندما ظنوا أن المسيح قد مات على الصليب وهو لم يمت فـي حقيقة الأمر . وكلا الرأيين جائز . ( وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) ( ) مكر اليهود بتدبيرهم قتل المسيح صلباً . وأنت تعرف كيف دبروا لذلك واستعانوا بجنود الرومان ، واستعدوا حاكم الرومان بيلاطس عليه ، وضغطوا ، وهم بارعون في ممارسة الضغوط ، ولكن " اللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ " .
قال : لماذا لا تعتبرون الإنجيل مثل القرآن الكريم ؟
قلت : أنت اعترفت أنك لا تؤمن بالوحي . وطلبت استبعاد الوحي .
قال : اعتبره ذلك على أنه كان موقفاً جدلياً . وأجب سؤالي .
قلت : أنت اعترفت أن المسيح لم يقل الإنجيل مباشرة . لم يمله . ولم يطلب تدوينه إلى أحد .
قال : هذا صحيح .
قلت : واعترفت أن كل واحد من الحواريين الذي ينسب إنجيل إلى أي منهم كتب ما شاء أن يكتب عـن قصة المسيح من وجهة نظره بعد عديد السنين من وفاة المسيح عليه السلام .
قال : هذا صحيح .
قلت : واعترفت أنه لا يوجد " أصل " لأية نسخة أصلية يمكن الرجوع إليها لحسم أي خلاف بين روايات الأناجيل .
قال : وهذا أيضاً صحيح .
قلت : القرآن الكريم أوحي إلى نبي الإسلام عليه السلام ، وأملاه كاملاً في حياته عليه السلام . أنتم تعتزون بما كتبه أصحاب الأناجيل مع أنهم لم يكتبوها مباشرة ، بل كتبوها بعد زمن طويل من عهد المسيح عليه السلام ، فلم لا نثق كل الثقة في وثيقة مكتوبة أصلية مأخوذة مباشرة من مصدرها بدون أي فاصل زمني ؟ وأيضاً نثق في القرآن الكريم ونؤمن بصدقه ، ونؤمن بحفظ الله سبحانه وتعالى له لأنه نزل على نبي أمي لا يعرف القراءة ولا الكتابة . وأيضاً فإن إعجازه بداخله . لا يستطع أحد ولم يستطع أحد ولن يستطيع أحد أن يأتي بمثله . وأيضاً فإن إعجازه يتمثل في أنه قد حكى كل قصص الأنبياء والرسل السابقين وكأنه قد كرس كل هذه المعجزات لتكون ذخيرة إيمان للمسلمين . وهذا ما لا يتاح لنبي أمي لا يقرأ ولا يكتب ويعجز عن معرفة بعض ما جاء في القرآن الذي أوحاه الله إليه كبار المؤرخين .
قال : ما رأيك بحديثنا هذا ونقاشنا في هذه الموضوعات ؟
قلت : لا بأس بها . أنت لا تمسك سيفاً . وأنا لا أمسك سيفاً . كان حديثنا ونقاشنا بالحسنى . ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر . كل إنسان حر . وكل إنسان مسئول عن نفسه أمام خالقه . والإنسان مطالب أن يفكر . وإذا كان الإنسان يفكر في أمر زواجه أو أمر صفقة هامة يرجو منها ربحاً ، ألا يجدر بالإنسان أن يفكر فـي مصيره ذاته وفي الغاية من حياته كلها . وإذا كانت أمور الدنيا على تفاهتها تستغرق من الإنسان كل هذا الاهتمام ، ألا تكون الحياة الآخرة ، وهي حياة الاستقرار ودوام المقام أولى وأحرى بالتفكير والتدبير ؟
قال : سؤال أخير : ماذا حدث للمسيح بعد عملية الصلب ؟
قلت : لقد وصلت إلى سؤال كنت أنوي ألا أعرض له في ختام كتاب " مسألة صلب المسيح " الذي وضعه العلامة أحمد ديدات . ولكن يبدو أن السؤال يفرض نفسه . ولكي أجيب دعني أوضح لك ما يلي :
أولاً : أنا أجيب كإنسان مسلم من منطلق العقيدة الإسلامية كما أجتهد فهمها . ومن مزايا العقيدة الإسلامية أن فهمها ليس حكراً على أحد .
ثانياً : كإنسان مسلم أعتمد في إجابتي على ما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة وأجتهد فيهما قدر استطاعتي .
ثالثاً : من المهم في ضوء تقدم مناهج البحث العلمي تحديد مصادر المعرفة بالنسبة لموضوع الدراسة . ومصادر المعرفة في موضوعنا القرآن الكريم والسنة كما سبق القول . يضاف إلى ذلك التواتر .
قال : ماذا تقصد بالتواتر ؟
قلت : ما أجمعت عليه آراء الثقاة من الرواة مستنداً إلى وثائق لا يتطرق إليها الشك بحال . كيف نعرف أن الاسكندر الأكبر مثلاً دخل مصر ؟ التواتر والوثائق التاريخية . هذا ما أقصده .
قال : وماذا أيضاً ؟
قلت : العقل الذي يقبل أو يرفض . ويدقق ويمحص ويطلب الدليل المادي أو البرهان العقلي ويمحص كلاً منهما . والعقل السليم أعدل الأشياء قسمة بين الناس ، وهو يقبل الأفكار البسيطة الواضحة ما تيسر لها وتوافر فيها البساطة والوضوح .
قال : حددت ما يلزم تحديده . قل لي : ماذا حدث بعد عملية صلب المسيح ؟
قلت : هل يلح عليك السؤال كثيراً هكذا ؟
قال : نعم . لا أخفي عليك .
قلت : نستعرض الآراء الموجودة أولاً .
قال : إنها كثيرة متضاربة ومتعارضة .
قلت : ولكنها من شروط الدراسة العلمية . لا بد أن تعرف ما هو موجود ومتاح من المعارف الإنسانية في موضوع دراستك . وأن تعمل النظر والعقل فيها لترى إن كنت تستطيع أن تضيف إليها .
قال : لا بأس ما دام هذا ضرورياً للإجابة . فما هي ؟
قلت : هناك رأي اليهود أولاً ، ورأي المسيحيين ثانياً ورأي المسلمين ثالثاً ، وللتبسيط قلت " رأي " ولم أقل آراء . يرى اليهود كما تعرف أن المسيح لم يكن هو المسيح الذي كانوا ينتظرونه ولا حاجة لتفصيل رأيهم في ذاك فهم ، بإيجاز ينكرون المسيح ويعتقدون كذبه ويزعمون قتله على الصليب ، ويكون أمره قد انتهى بعملية الصلب المميت إذن . ويرى المسيحيون أنه ابن الله ، وصلب صلباً مميتاً وأنزل عن الصليب ميتاً ودفن ميتاً ، وبعثه الله من بين الموتى بعد ثلاثة أيام وثلاث ليال فصار حياً وعاد إلى أبيه . ويرى المسلمون أن عيسى نبي ورسول إلى بني إسرائيل بعثه الله إليهم ليصحح لهم عقيدتهم التي حرفوها ، وأنه لم يقتل ولم يصلب ولكن شبه لهم وسواء كان الشخص الذي وضعوه على الصليب شخصاً آخر شبيهاً بالمسيح عليه السلام أو كان هو المسيح وظنه اليهود وجنود الرومان ميتاً على الصليب وكان في الحقيقة لم يمت ، فإن مصيره يكون بين يدي الله سبحانه وتعالى شأن رسل وأنبياء قبله ورسل وأنبياء بعده . ونحن كمسلمين لا نقبل بشأنه إلا ما يقوله لنا القرآن الكريم ولا نريد أن نعرف أكثر مما يخبرنا به القرآن الكريم . خصوصاً أن المهم بالنسبة لرسالة أي رسول هو محتوى الرسالة ذاتها . فلم يكن عجباً أن يكون القرآن الكريم قد اكتفى بمسألة صلب المسيح عليه السلام . هذا طبيعي ومعقول جداً .
قال : ثم نقطة هامة أرجو أن أستوضحها .
قلت : ما هي ؟
قال : جاء بالقرآن الكريم في سورة النساء قوله تعالى: ( بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ) ( ) فما معنى الرفع ؟
قلت : ماذا تفهم أنت ؟
قال : رفعه إليه رفعه جسماً وروحاً . وفيما تروونه في قصة الإسراء والمعراج أن النبي محمد عليه السلام قد مرَّ به في السماء وتحدث معه .
قلت : ومر النبي محمد عليه السلام أيضاً على يحيى عليه السلام معه ، ومر بغيره من الأنبياء والرسل عليهم السلام . هذا جائز . بل إننا نعتبره حقائق نعترف بها ولا نجادل فيها . ولكن مرور النبي عليه السلام بالسابقين من الأنبياء والرسل عليهم السلام لا يستلزم الصلب ولا الموت على الصليب كما أنه ليس ملزماً أن تكون طبيعتهم طبيعة جسمية . ولقد قلت عن معنى الرفع : " رفعه جسماً وروحاً " . وهناك رأي آخر وهو رأي أفضله ، ومؤداه أن الرفع رفع " منزلة ومكانة " أما صعوده إلى السماء فهو جائز لا يجل عن قدرة الله ، ولكن ليس ثمة ما يحتمه لأنه لم يرد ذكر للسمـاء . وقوله تعالى " بل رفعه الله إليه " " لم يرد بها ذكر للسماء . ومن المعروف أن السماء والأرض في عناية الله ورعايته . وقد ورد في القرآن الكريم تعبيرات مماثلة دون أن يفهم منها مثل الفهم . جاء في سورة العنكبوت قوله تعالى بالنسبة إلى لوط عليه السلام : ( وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي ) ( العنكبوت : 26 ) إذ ليس معناه إني مهاجر إلى السماء . بل معناه إني متحصن برعاية ربي وبالإيمان به . وكذلك قوله تعالى : ( وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ) ( النساء : 100 ) ومنه يتضح أن الرفع رفع منزلة ومكانة .
قال : ماذا حدث للسيد المسيح عليه السلام بعد عملية الصلب ؟
قلت : في ضوء ما سبق " رفعه الله إليه " سواء كان ذلك بالجسم والروح أو كان الرفع رفع منزلة ومكانة ، وفي الحالة الثانية يكون أمر عيسى عليه السلام مع اليهود قد انتهى بمسألة الصلب لكنه وقد ثبت أنه لم يقتل على الصليب ، بل ساعده أتباعه المخلصون على النجاة من أذاهم ، أن استمرت به الحياة مكرماً من الله محاطاً بعنايته ورعايته ، له منزلته ومكانته عند الله إلى اكتمال أجله فتوفاه الله سبحانه وتعالى . إننا نؤمن تماماً بقدرته .
قال : ألا يشكل مصير المسيح بعد عملية الصلب أي أهمية بالنسبة لعقيدة المسلم ؟
قلت : كلا على الإطلاق : نحن مطالبون أن نؤمن بما ورد به نص قرآني صريح وبالسنة المطهرة الثابتة ومسألة مصير السيد المسيح عيه السلام بعد عملية الصلب ، إنما هي مسألة غيبية لاتصالها بعالم الغيب ، هل تعرف أنت أو أنا أي شخص متى تقوم القيامة ؟ بالقطع كلا . علمها عند الله سبحانه وتعالى . ليست لدينا كبشر وسائل للمعرفة فيما يتعلق بموعد قيام الساعة . ومن العبث إذن أن يحاول أحد ادعاء المعرفة في مثل هذا الموضوع .
وهل تظن مثلاً أنك وأنا وأي إنسان عندما نبعث أحياء يوم القيامة هل سيكون لنا نفس الطبيعة الجسمية كما عشنا في الحية الدنيا ؟ هل نعرق ونصاب بجروح أو أمراض ؟ هل نأكل وتكون لطعامنا فضلات ؟ بالقطع كلا ؟ ولكن كيف إذن ؟ لا علم لنا . هذه أمور غيبية تماماً لا نعلم منها إلا ما شاء الله أن يطلعنا عليه بدليل قطعي . المهم أن مسألة مصير المسيح عليه السلام بعد الصلب ليست جزءاً من العقيدة الإسلامية " يكفر " أو " لا يكفر " من ينكرها ويأخذ بها . ودعني أضع بين يديك ما ذكره الإمام الأكبر الأسبق المرحوم : محمود شلتوت ، في ختام بحثه في هذا الموضوع .
سؤال مباشر إلى ( ) فضيلة الإمام الأكبر :
وربما يكون من المناسب حسماً لهذا السؤال أن أضع بين يديك إجابة الإمام الأكبر الأسبق المرحوم الأستاذ محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر .
رَفــع عِيـــسَى
ورد إلى مشيخة الأزهر الجليلة من حضرة عبد الكريم خان بالقيادة العامة لجيوش الشرق الأوسط سؤال جاء فيه :
هل ( عيسى ) حي أو ميت في نظر القرآن الكريم والسنة المطهرة ؟ وما حكم المسلم الذي ينكر أنه حي ؟ وما حكم من لا يؤمن به إذا فرض أنه عاد إلى الدنيا مرة أخرى ؟
وقد حول هذا السؤال إلينا فأجبنا بالفتوى التالية التي نشرتها مجلة الرسالة في سنتها العاشرة بالعدد 462 .
* * *
القرآن الكريم ونهاية عيسى :
أما بعد ، فإن القرآن الكريم قد عرض لعيسى عليه السلام فيما يتصل بنهاية شأنه مع قومه في ثلاث سور :
1- في سورة آل عمران قوله تعالى : ( فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ، رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ، وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ، إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) ( ) .
2- وفي سورة النساء قوله تعالى : ( وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً ، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً ) ( )
3- وفي سورة المائدة قوله تعالى : ( وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ، مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) ( )
هذه هي الآيات التي عرض القرآن فيها لنهاية شأن عيسى مع قومه .
والآية الأخيرة ( آية المائدة ) تذكر لنا شأناً أخروياً يتعلق بعبادة قومه له ولأمه في الدنيا وقد سأله الله عنها . وهي تقرر على لسان عيسى عليه السلام أنه لم يقل لهم إلا ما أمره الله به : ( اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ) ، وأنه كان شهيداً عليهم مدة إقامته بينهم ، وأنه لا يعلم ما حدث منهم بعد أن ( توفاه الله ) .
معنى التوفى :
وكلمة ( توفى ) قد وردت في القرآن كثيراً بمعنى الموت ، حتى صار هذا المعنى هو الغالب عليها المتبادر منها ولم تستعمل في غير هذا المعنى إلا وبجانبها ما يصرفها عن هذا المعنى المتبادر : ( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ) ( ) ، ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ) ( ) ، ( وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ ) ( ) ، ( تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا ) ( ) . ( وَمِنْكُمْ مَـنْ يُتَوَفَّى ) ( ) . ( حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَـوْتُ ) ( ) ( تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) ( ) .
ومن حق كلمة " توفيتني " في الآية أن تجمل هذا المعنى المتبادر وهو الإماتة العادية التي يعرفها الناس ويدركها من اللفظ والسياق الناطقون بالضاد . وإذن فالآية لو لم يتصل بها غيرها في تقرير نهاية عيسى مع قومه لما كان هناك مبرر للقول بأن عيسى حي لم يمت .
ولا سبيل إلى القول بأن الوفاة هنا مراد بها وفاة عيسى بعد نزوله من السماء بناء على زعم من ينرى أنه حي في السماء ، وأنه سينزل منها آخر الزمان ، لأن الآية ظاهرة في تحديد علاقته بقومه هو لا بالقوم الذين يكونون آخر الزمان وهم قوم محمد باتفاق لا قوم عيسى .
معنى " رفعه الله إليه " : وهل هو إلى السماء ؟
أما آية النساء فإنها تقول " بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ " وقد فسرها بعض المفسرين بل جمهورهم بالرفع إلى السماء ، ويقولون : إن الله ألقى شبهه على غيره ورفعه بجسده إلى السماء ، فهو حي فيها وسينزل منها آخر الزمان ، فيقتل الخنزير ويكسر الصليب ، ويعتمدون في ذلك :
أولاً : على روايات تفيد نزول عيسى بعد الدجال ، وهي روايات مضطربة مختلفة في ألفاظها ومعانيها اختلافاً لا مجال معه للجمع بينها ، وقد نص على ذلك علماء الحديث . وهي فوق ذلك من رواية وهب بن منبه وكعب الأحبار وهما من أهل الكتاب الذين اعتنقوا الإسلام ، وقد عرفت درجتهما في الحديث عند علماء الجرح والتعديل .
ثانياً : على حديث مروي عن أبي هريرة اقتصر فيه على الإخبار بنزول عيسى وإذا صح هذا الحديث فهو حديث آحاد . وقد أجمع العلماء على أن أحاديث الآحاد لا تفيد عقيدة ولا يصح الاعتماد عليها في شأن المغيبات .
ثالثاً : على ما جاء في حديث المعراج من أن محمداً – صلى الله عليه وسلم – حينما صعد إلى السماء ، وأخذ يستفتحها واحدة بعد واحدة فتفتح له ويدخل ، رأى عيسى عليه السلام هو وابن خالته يحيى في السماء الثانية . ويكفينا في توهين هذا المستند ما قرره كثير من شراح الحديث في شأن المعراج وفي شأن اجتماع محمد صلى الله عليه وسلم بالأنبياء ، وأنه كان اجتماعاً روحياً لا جسمانياً " انظر فتح الباري وزاد المعاد وغيرهما " .
ومن الطريف أنهم يستدلون على أن معنى الرفع في الآية هو رفع عيسى بجسده إلى السماء بحديث المعراج ، بينما نرى فريقا منهم يستدل على أن اجتماع محمد بعيسى في المعراج كان اجتماعاً جسدياً بقوله تعالى : ( بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ) وهكذا يتخذون الآية دليلاً على ما يفهمونه من الحديث حين يكونون في تفسير الحديث ، ويتخذون الحديث دليلاً على ما يفهمونه من الآية حين يكونون في تفسير الآية .
الرفع في آية آل عمران :
ونحن إذا رجعنا إلى قوله تعالى : ( إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ) في آيات آل عمران مع قوله ( بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ) في آيات النساء وجدنا الثانية إخباراً عن تحقيق الوعد الذي تضمنته الأولى ، وقد كان هذا الوعد بالتوفية والرفع والتطهير من الذين كفروا ، فإذا كانت الآية اثانية قد جاءت خالية من التوفية والتطهير ، واقتصرت على ذكر الرفع إلى الله فإنه يجب أن يلاحظ فيها ما ذكره في الأولى جمعاً بين الآيتين .
والمعنى أن الله توفى عيسى ورفعه إليه وطهره من الذين كفروا .
وقد فسر الألوسي قوله تعالى " إِنِّي مُتَوَفِّيكَ " بوجوه منها – وهو أظهرها – إني مستوفي أجلك ومميتك حتف أنفك لا أسلط عليك من يقتلك ، وهو كناية عن عصمته من الأعداء وما هم بصدده من ألفتك به عليه السلام ، لأنه يلزم من استيفاء الله أجله وموته حتف أنفه ذلك .
وظاهر أن الرفع –الذي يكون بعد التوفية – هو رفع المكانة لا رفع الجسد ، خصوصاً وقد جاء بجانبه قوله : ( وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) مما يدل على أن الأمر أمر تشريف وتكريم .
وقد جاء الرفع في القرآن كثيراً بهذا المعنى : ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ) . ( نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ ) . ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) ( وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً ) . ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا ) … الخ .
وإذن فالتعبير بقوله ( وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ) وقوله ( بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ) كالتعبير في قولهم لحق فلان بالرفيق الأعلى وفي ( إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) وفي ( عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ) وكلها لا يفهم منها سوى معنى الرعاية والحفظ والدخول في الكنف المقدس . فمن أين تؤخذ كلمة السماء من كلمة ( إليه ) ؟ اللهم إن هذا لظلم للتعبير القرآني الواضح خضوعا ًلقصص وروايات لم يقم على الظن بها – فضلاً عن اليقين – برهان ولا شبه برهان !
الفهم المتبادر من الآيات :
وبعد . فما عيسى إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ، ناصبه قومه العداء ، وظهرت على وجوههم بوادر الشر بالنسبة إليه ، فالتجأ إلى الله – شأن الأنبياء والمرسلين - فأنقذه الله بعزته وحكمته وخيب مكر أعدائه . وهذا هو ما تضمنته الآيات ( فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ ) إلى آخرها ، بين الله فيها قوة مكره بالنسبة إلى مكرهم ، وأن مكرهم في اغتيال عيسى قد ضاع أمام مكرا لله في حفظه وعصمته إذ قال ( يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) فهو يبشره إنجاءه من مكرهم ورد كيدهم في نحورهم ، وأنه سيستوفي أجله حتى يموت حتف أنفه من غير قتل ولا صلب ، ثم يرفعه الله إليه .
وهذا هو ما يفهمه القارئ للآيات الواردة في شأن نهاية عيسى مع قومه متى وقف على سنة الله مع أنبيائه حين يتألب عليهم خصومهم ، ومتى خلا ذهنه من تلك الروايات التي لا ينبغي أن تحكم في القرآن ، ولست أدري كيف يكون إنقاذ عيسى بطريق انتزاعه من بينهم ، ورفعه بجسده إلى السماء مكراً ؟ وكيف يوصف بأنه خير من مكرهم مع أنه شيء ليس في استطاعتهم أن يقاوموه ، شيء ليس في قدرة البشر ؟
ألا إنه لا يتحقق مكر في مقابله مكر إلا إذا كان جارياً على أسلوبه ، غير خارج عن مقتضى العادة فيه . وقد جاء مثل هذا في شأن محمد صلى الله عليه وسلم ( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) .
رفع عيسى ليه عقيدة يكفر منكرها :
الخلاصة من هذا البحث :
1- أنه ليس في القرآن الكريم ، ولا في السنة المطهرة مستند يصلح لتكوين عقيدة يطمئن إليها القلب بأن عيسى رفع بجسمه إلى السماء وأنه حي إلى الآن فيها وأنه سنيزل منها آخر الزمان إلى الأرض .
2- أن كل ما تفيده الآيات الواردة في هذا الشأن هو وعد الله عيسى بأنه متوفيه أجله ورافعه إليه وعاصمه من الذين كفروا ، وأن هذا الوعد قد تحقق فلم يقتله أعداؤه ولم يصلبوه ، ولكن وفاه الله أجله ورفعه إليه .
3- أن من أنكر عيسى قد رفع بجسمه إلى السماء ، وأنه فيها حي إلى الآن ، وأنه سينزل منها آخر الزمان ، فإنه لا يكون بذلك منكراً لما ثبت بدليل قطعي ، فلا يخرج عن إسلامه وإيمانه ، ولا ينبغي أن يحكم عليه بالردة ، بل هو مسلم مؤمن ، إذا مات فهو من المؤمنين ، يصلى عليه كما يصلى على المؤمنين ، ويدفن في مقابر المؤمنين ، ولا شبهة في إيمانه ، إن الله بعباده خبير بصير .
قال : إجابة وأيم الحق شافية وافية .
قلت : وبهذه الإجابة الشافية الوافية ينتهي حديثنا عن مسألة صلب المسيح ؟
(تم بحمد الله)
فهرس الكتابْ
الفصل الأول : السبب الوحيد للرواج :
بين الخالدين من الرجال – المؤسس الحقيقي للمسيحية – سبب الخلاف – أهم رجال المسيحية – انتفاء الصلب نفي للمسيحية – الدم من أجل الخلاص – إجابة شافية .
الفصل الثاني : هاتوا شهداءكم :
ترويج البضاعة – اعتراض مسيحي – فلنطلب الدليل .
الفصل الثالث : إقامة مملكة الله :
قرينة ثالثة في قولهم وفقاً لـ ... – قضية يتم الفصل فيها لدى أول جلسة – من أين نبدأ ؟ - اللعب بورقة توهم الصلب – حول المائدة – المجيء إلى أورشليم – مملكة السماء – جدل يهودي – كان يهوذا متذمراً – انكشف الخائن
الفصل الرابع : الاستعداد للجهاد :
تغيير في السياسة – هيا إلى السلاح – لماذا سيفان ؟ أستاذ التكتيك – يصلي طلباً للنجدة – يبكي من أجل شعبه – نسج الخيل – هل كان غير واع بالاتفاق السموي ؟ مضح على الرغم منه – فكرة جيدة للتصوير – جدل غير طبيعي .
الفصل الخامس : ذكاء أم شجاعة ؟ :
خطأ ثان في الحساب – القبض عليهم نياماً – تغيير في الاسترايجية – أمير لإسلام ؟ - الإخفاق والمحاكمة – الإِعجاب الهزيمة
الفصل السادس : وقائع محاكمة يسوع :
انصرفوا ساعة الحاجة إليهم – حكم قضائي قبل نظر القضية – ابن الله ؟ كفى تجديفاً – مذنباً أو غير مذنب ، يجب أن يموت – بيلاطس يجيز اللعبة – تهمة زائفة أخرى – دفاع محكم وحكم عادل – أم تكلم مغلق الفم ؟ - الابتزاز
الفصل السابع : طرائق الصلب :
أدوات الصلب – طريقتان للصلب – الإنجيل والبعد عن الحقيقة – كان تسرعهم في إنزاله عن الصليب نعمة مقدسة
الفصل الثامن : أساليب الله غير أساليبنا :
استجابة الله لدعاء يسوع – ماذا أبقى العظام ؟
الفصل التاسع : عودة من الموت إلى الحياة يومياً :
أغرب من الخيال – بعثٌ بعد الموت أم مجرد انتعاش ؟
الفصل العاشر : التعاطف مع يسوع :
بيلاطس يتعجب – سبب العجب – أتباع مستترون
الفصل الحادي عشر : لماذا علامتا التنصيص ،، ... ،، ؟
ارتياب اليهود – أخطاء اليهود – هوس – صباح يوم الأحد – الكفن خال من الجسد بعد إزاحة الحجر – مقاومة مضحكة – العودة بين الموتى – وتستمر الرواية أسئلة مطمئنة
الفصل الثاني عشر : ولم يصدق الحواريون :
رحلة إلى عموس – تشكك غير معقول
الفصل الثالث عشر : ولم يكن يسوع شيخاً :
لغز حسابي – وإذ يدخل يسوع – الأرنب والسلحفاة – الحجرة العلوية – ردود فعل عكسية – سبب الخوف – الأتباع العباقرة
الفصل الرابع عشر : لم يبعث يسوع بعد الموت :
يسوع حي جسمانياً – لماذا توضيح الواضح – حيوية أنا حي – من القائل بهذا ؟ عندما زال خوف الحواريون – الخلاص السهل من الآثام
الفصل الخامس عشر : المعجزة الوحيدة الموعودة :
نبوءة بعد وقوع الحدث – المطالبة بمعجزة – آية واحدة – خلفية الآية – إجراء قرعة – ميت أم حي – يسوع مثل يونان – مهمة ضخمة
الفصل السادس عشر : عمليات حسابية بسيطة :
لماذا يوم الجمعة المبارك ؟ - عمليات جمع سهلة – العد تنازلياً لحل المعضلة – الله أم الشيطان ؟ - دليل ساطع
الفصل السابع عشر : تحريف الكلم عن مواضعه :
اسم جديد ولعبة قديمة – أكاذيب فنية – تلفيق – مم تحقق توماً ؟
الفصل الثامن عشر : ليس الناس عمياناً :
تزودوا – الحقيقة تسطع في الآفاق ؟
الفصل التاسع عشر : صَلْب أم تلاعب بالصلب ؟ :
عجز اللغة – ذخائر اللغة – فيض من ألاعيب الصلب – صور من عجز اللغة – شيوع لعبة الصلب – أصلب مميت أم مسرحية عن الصلب ؟ الصلب أم الصلب الزعوم ؟
الفصل العشرون : كلمة ختام
تعقيب المترجم
فتوى الإمام الأكبر الأسبق