ثقافة التعايش الإنساني

ثقافة التعايش الإنساني

بقلم: هيثم رسول حسن

تبدو ثقافة التعايش بين البشر ضرورية ومهمة جدا في كل زمان ومكان،مادام هناك من يعمد - بقصد او من دون قصد- الى التشبث بكل مايدفع الى بذر الكراهية على مستوى الافراد او الجماعات في نفوس غيرهم، وهو مايتفتق عنه بروز تحديات جمّة وكبيرة قد تطول كل مفاصل الحياة المهمة.
ففي ظل ظروف معينة، كغياب الدولة لسبب ما، او ضعفها، يسهل استلاب حق العيش والتعبيرعن الذات، اوالاعتقاد والسلوك من قبل بعض الجماعات، ما يجعلنا نستطيع ان نصف من يفعل ذلك بالمستعمرين الجدد! ولاتستثنى الدولة المستبدة من ممارسة هكذا اعمال في بعض الاحيان ضد فئة ما او عدة فئات تتطلع الى نيل حقوقها وقدر كاف من الحرية.
وبشكل آخر، يقول الكاتب المصري ابراهيم فرغلي" ان فن صناعة الكراهية يبدو اليوم عنوانا كبيرا لاحداث نراها اليوم في العالم العربي بشكل خاص، تمتد آثاره على خارطة العالم تقريبا عبر اعمال عنف مباشرة بين طوائف مختلفة،تأخذ ابعادا سياسية في حالات عدة، وقد تتجلى مظاهرها في احتقانات لاتتعدى حدود تبادل الخطابات العنيفة.... لتبرير تحيزات تقوم على مبررات مشحونة بتضييق مساحة الهوية للفرد، على حساب العديد من الانتماءات التي يتم تهميشها، لاسباب سياسية في الاغلب".
ان جهل كثير منا تلك الثقافة التي هي بعض من ثقافتنا العامة، او يجب ان تكون كذلك، او تجاهلها على المستويين النظري والعملي، جزء من أزمة فكر عربي، تعد الحالة السياسية المزرية التي عشناها عبر قرون من الزمن ومازلنا نعيشها أحد اسبابها، كما يشير الى ذلك المفكر المغربي الطاهر بن جلون، وهو أمر ينسحب - سلبا- على جميع مجالات الحياة، حتى في زواياها الضيقة جدا.
ولعل النزعة الماضوية- كما يسميها الدكتور جابر عصفور في كتابه نقد ثقافة التخلف- واحدة من ابرز مظاهر أزمة الفكر العربي، او كما يقول "من اهم المكونات التي ينبني عليها الفكر الاتباعي او الثقافة الاتباعية المستأصلة للمخالف والمقصية للمغاير... وكانت النتيجة شيوع الشعار القمعي "من تمنطق تزندق".
ان سيادة تلك الثقافة العمياء، لم تكن تعني ان المتزندقين - المفجرين بافكارهم التنويرية الجديدة وعي الانسان الباحث عن الحقيقة - كانوا رقما سهلا على مستوى الافراد والجماعات، ولهذا جاءت الاجراءات التعسفية بحقهم مؤلمة للغاية، وشكلت خسارة كبيرة للفكر العربي الانساني المتحرر في عدة مراحل، وهذه العدوى تجاوزت الحاكمين في بعض الاحيان الى كل من يمتلك القدرة على فعل ذلك، الى يومنا هذا، في ممارسات اتخذت منحى جماعيا حينا وفرديا حينا آخر، ومن اراد الاستزادة من ذلك فدونه الكثير من كتب التاريخ التي وثقته.
في الاتجاه المعاكس لما سبق، او الجانب الآخر غير القاتم، وحتى لانظلم التاريخ، تلتصق بذاكرتنا مجموعة ليست صغيرة من الصور المعبرة عن وعي تام وعميق بمفاهيم الحرية والعدالة والمساواة بين البشر، ولعل قول نبينا الاعظم- صلى الله عليه وآله وسلم- في خطبة الوداع((ايها الناس ان ربكم واحد وان اباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، ان أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على أعجمي فضل الا بالتقوى)) وقول أمير المؤمنين- عليه السلام- ((يامالك ان الناس صنفان، اما اخ لك في الدين واما نظير لك في الخلق))، لعل هاتين الصورتين الابرز بينها والاجمل بشهادة القاصي والداني.
وفي هذا السياق - الصور الانسانية المشرقة - قرأت قبل ايام عن دور محوري للفن، في مجتمع متعدد الهويات، فـ"الفن بوصفه وطنا"، مقولة ذائعة الصيت في المجتمع السويسري،وتعبرعن الذهنية التي تراكمت في هذا البلد، لتخلق تناغما بين الثقافات الاربع التي تتشكل منها، وهي الثقافة الاصلية للبلد، والايطالية والفرنسية والالمانية، فعلى الرغم من ان كل ثقافة من هذه الثقافات الاربع، تتميز عن الاخرى بسمات خاصة، وطبيعي ان تنعكس على اصحابها، الا اننا في هذا البلد لانسمع بوجود خلافات مذهبية او عرقية او غيرهما، فصار يضرب به المثل في التناغم الاجتماعي، وهو واحد من نماذج كثيرة برهنت انها مجتمعات انسانية متساوقة ومتحضرة جدا.
ان النموذج السويسري هذا يكشف عن وعي جدا عالٍ، بكيفية التعامل مع أزمة الهوية التي تعد الابرز عالميا بين الازمات الاجتماعية، ذلك انه اتخذ مسارا مخالفا لما هو سائد في كثير من دول العالم، بعيدا عن التشرذم والانفصال والتقوقع.
مما تقدم يبدو ان ثقافة التخلف والجهل، أحد ابرز العوامل التي تعيق قيام مجتمع ديمقراطي، متحابّ،يؤمن بان الانسانية هي عرقه الاوحد، واننا جميعا ننتمي اليه، مع محافظة كل طيف من اطيافه على ما يمتاز به عن الاخر من خصوصيات، لكن من دون الغفلة طرفة عين عن ان هناك ما يسمو على جميع الانتماءات الطائفية والعرقية والقومية، أقصد مفاهيم الوطنية والمواطنة والمصلحة العامة والمصيرالمشترك، تلك المفاهيم التي يتمشدق بها البعض، من دون رؤية واضحة وفهم دقيق لها،فضلا عن تطبيقها، وقبل هذا وذاك الاعتقاد بها.
أخيرا بودي ان اقتطف كلمة مهمة للفيلسوف الهندي الحائز على نوبل أمارتيا صن في كتابه الهوية والعنف، حيث يقول"ان التعرف الاساسي على ماتتسم به الهويات من تعددية سوف يكون له تأثير مناهض لمحاولة رؤية الناس حصريا بناء على انتماءاتهم الدينية مهما كان مدى تدينهم داخل مجال الدين"، ويقول ايضا" ان هويتنا الدينية او الحضارية يمكن ان تكون شديدة الاهمية، لكنها عضوية جماعة واحدة بين جماعات كثيرة يتمتع بعضويتها كل منا، والسؤال الذي ينبغي ان نسأله، ليس مااذا كان دين الاسلام او الهندوسية او المسيحية محبا للسلام او الحرب، لكن كيف ان المسلم المتدين او الهندوسي او المسيحي، يمكن ان يجمع بين معتقداته وملامح اخرى للهوية والالتزامات والقيم الشخصية؟".

المصدر: http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2011/05/03/226680.html

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك