مفهوم التحرر والإرهاب, وإشكالية تحديد مفهوم الإرهاب
مفهوم التحرر والإرهاب, وإشكالية تحديد مفهوم الإرهاب
بقلم:د.محمد ناصر
تهمة الإرهاب .
مــدخـــل :
لا تعريف لـ " الإرهاب الدولي " متفق عليه ، سواء في القانون الدولي أو المنظمات الإقليمية والدولية ، غير أننا نجد دولا أو جهات تضع تعريفا للإرهاب من وجهة نظرها ، إلا أنه في الغالب نجد أن التعريف يحمل سمات وأوصافا وسمة بها الأعمال الإرهابية ، بالإضافة إلى أفكار أحاطت بمفهوم الإرهاب ، والتي يمكن من خلالها تلمس بعض الملامح المميزة لمصطلح الإرهاب .
فحينما عقدت الدول الأوروبية الأعضاء في المجلس الأوروبي " الاتفاقية الأوروبية لمكافحة الإرهاب - 1977 ، " لم تعرف الإرهاب ، واكتفت بسرد أعمال محددة ، هي في نظرها أعمال الإرهاب ، ونجد مجلة عسكرية أمريكية Military Review في عددها أكتوبر 1984، تعرف الإرهاب بأنه " الاستخدام غير القانوني للقوة أو العنف أو التهديد بهما من منظمة ثورية ضد الأفراد أو الممتلكات مع نية الإكراه للحكومات أو المجتمعات لتحقيق أغراض هي غالبا أيديولوجية "( ) . وبالنظر إلى هذا التعريف وتاريخ الولايات المتحدة الأمريكية ، فإنه يمكن أن تعتبر جورج واشنطن إرهابي ، فهل الولايات المتحدة تعاني من أزمة التاريخ ، حتى تنكر نضال من عمل على تحريرها من الأسبان والإنجليز ، والذي كان ثوريا في وقت ما ، وتحول بعد مئات السنين إلى إرهابي !!؟ وكذلك أسهمت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA في تعريف الإرهاب فقالت " إنه العمل العنيف الذي يرتكبه أجنبي في دولة ما ، أو العمل العنيف الموجه ضد شخص أجنبي في بلد المجرم "( ) وهنا تجدر الإشارة إلى أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية هي الجهة الوحيدة في العالم ، التي ليس من حقها تعريف الإرهاب أو الإسهام في وضع مفهوم له ، لأن مجرد ذكر اسم الوكالة يعني الاغتيال والانقلابات أو التصفية الجسدية ، إلا إذا كان تعريف الوكالة للإرهاب يعود إلى محاولتها لكشف ستارها ، وإبراز ما تفعله ، وثمة خلاف جوهري حول مفهوم الإرهاب ، يكمن من جانبه السياسي ، فكثيرا ما يكون للعمل الواحد تفسيران على الأقل ، فهو حسب التفسير الأول حالة من حالات الإرهاب تجب إدانته ومكافحته ، وحسب التفسير الآخر شكل من أشكال المعارضة السياسية ، والكفاح من أجل الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، أو حق لتقرير المصير . وهذا الجانب السياسي والاجتماعي والاقتصادي يشكل محور الخلاف ، الذي يصعب تجاوزه أو التغاضي عنه في إطار النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي العالمي ، والمتجسد في الأمم المتحدة .
ويحاول د. هيثم كيلاني رئيس تحرير مجلة شؤون عربية ، أن يضع سمات للعمل الإرهابي ما يلي :
1- أنه عمل عنيف يعرض الأرواح والممتلكات للخطر أو يهدد بتعريضها .
2- موجه إلى أفراد أو مؤسسات أو مصالح تابعة لدولة ما .
3- يقوم به أفراد أو جماعات مستقلة أو مدعومة من دولة ما .
4- قصده تحقيق أهداف سياسية( ) .
ونلاحظ أن السمة الأخيرة " الهدف " تشكل الإشكالية المحورية لمفهوم الإرهاب ، ذلك أن تحديد شرعية العمل الإرهابي ، أو عدم شرعيته ، يرتبط بهدف سياسي ، يكون هذا الهدف مشروعا أو غير مشروع ، فإذا كان مشروعا سقطت صفة الإرهاب بمعناها الإجرامي . وعن العمليات التي تقوم بها الجماعات الممارسة لها مثل حركات التحرر والجماعات المناضلة ضد الميز العنصري والاحتلال والظلم .
مما سلف فإن ضرورة سرد المفاهيم والتعريفات المختلفة للإرهاب أمر تدعوه الضرورة، لذا فإن الباحث عمل على جمع أكثر التعريفات والمفاهيم المتعلقة بالإرهاب ، بشرط الشمولية والخصوصية ، أي شمولية مفهوم الإرهاب ، وخصوصية القائم على تعريفه ، والذي يعكس بالتالي وجهة نظره سواء الخاصة أو المؤسستية لهذا المفهوم الشائك .
فكلمة الإرهاب باللغة العربية يقابلها كلمة Terrorisme بالفرنسي ، Terrorism بالإنجليزية ، وهي كلمات مشتقة من الكلمة اللاتينية Terrere ، والتي تعني أرعب أو ارهب أو أفزع ، ويتفق الإيديولوجيون الإنجليز والفرنسيين على أن كلمة Terroriste - Terrorize لم تدخل قيد الاستعمال إلا بعد تطور كلمة Terroriste Terrorisme عقب الثورة الفرنسية في الفترة ما بين 1793-1798( ) .
ويعرف القاموس الفرنسي اللاروس الإرهاب منذ اكثر من خمسين عاما كما يلي :
" نظام من العنف ، تؤسسه الحكومات ، أو المجموعات الثورية "( ) . وينطلق هذا التعريف من تأثره بروح الثورة الفرنسية ، وحملات التصفية التي قام بها أبرز العناصر المكونة لظاهرة الإرهاب السياسي ، وتفسير ذلك أنه في جميع الحالات تقريبا يمتنع الذين يمارسون الإرهاب عن قبول هذه التسمية ، أو الأفراد للجوء إلى هذه الوسيلة( ) . وبالتالي فإن استقلال الإرهاب كظاهرة متميزة لها أسسها ومعانيها السياسية والأخلاقية المعينة يدعو إلى تمييز الإرهاب عن بقية أشكال العنف السياسي لأن ذلك يجعلنا كلنا إرهابيون ، وأن الإرهاب ليس سوى عبارة دعائية دون أي موضوع فعلي أو أساسي دافعي ، وينتج عن هذا الخلط المريع أن الإرهاب هو ما يثبت دائما للآخرين ، وأساس هذا الخلط يرتكز حسب رؤية الباحث على عنصرين :
1- الموقف الإعلامي الرسمي الذي يهدف إلى تحويل مفهوم الإرهاب عن واقعه الصحيح والابتعاد قدر الإمكان عن نسبه إلى الممارسة الرسمية للدولة وأجهزتها ، وتحديده في نموذج واحد هو إرهاب الضعفاء .
2- اتساع الإرهاب ليشمل أعمالا عنيفة مختلفة ، ليس فيها من تلك الظاهرة إلا معناها المجازي .
ويذهب السيد / محمد ناصر ، إلى أن هناك فوضى مفهوماتية يتخبط فيها الإرهاب ، وأن الاستعمال الواسع لهذه الكلمة لا يعني في شيء الحسم المسبق في المضمون الممثل للمصطلح ، ولا يخفى ما للكلمة من شحنة معنوية تنابزية وسجالية ، ومن ثمة فإن من يعتبر في نظر هؤلاء إرهابيا ، يعتبر في نظر أولئك مكافحا من أجل الحرية ، لهذا " فإن نعت إرهاب يعبر في الحقيقة عن موقع المتحدث ، أكثر ما يكشف عن مدلول النعت نفسه ، ومن هنا تنبع الصعوبة التي تواجه الباحث في المشكل الإرهابي ، الأمر الذي جعل الجهود المبذولة بغية تحديد تعريف للإرهاب ، قد عمقت هذه الفوضى المفهوماتية التي يعاني منها مصطلح الإرهاب"( ) ، غير أن هذا الطرح الذي تقدم لا ينفي أهمية العمل على محاولة إيجاد مفهوم ، أو تعريف للإرهاب ، لأن ذلك يساعد في تحديد ولو جزئية محددة من هذه الفوضى التي أشار إليها السيد / محمد ناصر .
وفي الإطار القانوني يعرف عبد العزيز سرحان الإرهاب الدولي بأنه : " كل اعتداء على الأرواح والأموال والممتلكات العامة أو الخاصة بالمخالفة لأحكام القانون الدولي العام بمصادره المختلفة ، بما في ذلك المبادئ العامة للقانون ، بالمعنى الذي تحدده المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية ، ويعد الفعل إرهابا دوليا وبالتالي جريمة دولية سواء قام بها فرد أو جماعة أو دولة كما يشمل ذلك أعمال التفرقة العنصرية التي تباشرها الدول "( ) .
أما الدكتور صلاح عامر فيرى أن اصطلاح الإرهاب الدولي يستخدم في الوقت الحاضر للإشارة إلى الاستخدام المنظم للعنف ، لتحقيق هدف سياسي ، وبصفة خاصة حوادث الاعتداء الفردية والجماعية أو التخريب الذي تقوم منظمة سياسية بممارسته ، على المواطنين ، وخلق جو من عدم الأمن ، ويشار في هذا الصدد إلى أعمال أبرزها أخذ الرهائن ، واختطاف الأشخاص ، ووضع متفجرات ، وتغيير مسار الطائرات بالقوة( )، ولو أردنا اعتماد هذا التعريف لوجدنا أنه ينطبق بشكل كبير على الولايات المتحدة الأمريكية ، فقد مارست كل هذه الخصائص الإرهابية ، التي أشار إليها التعريف والتي سيتم تناولها بشكل مفصل لاحقا .
أما أحمد جلال فيرى أن فشل المجتمع الدولي في الوصول إلى توثيق موضوعي محدد للإرهاب يرجع إلى الأقوال الشائعة في دراسات الإرهاب من أن الإرهابي في نظر البعض محاربا من أجل الحرية بأنه " اذا كانت ظاهرة الإرهاب الدولي تعنى الاستخدام المنظم للعنف المتصل بقصد أهداف سياسية فهذا يعنى أن نجاح تلك الحركات في إقناع الرأي العام بمشروعية وعدالة ادعاءاها أو على الأقل تبرير الوسيلة غير المشروعة بغاية م "( ) ، ويرى
د. عصام صادق بأنه لا يكفى تعريف عام مثل ماذكر جنيكر بأن الإرهاب هو من التهديد بالعنف أو الأعمال الفردية للعنف ، الذي يهدف أولا إلى إشاعة الخوف والرعب ، وان الإرهاب عنف من أجل ليس فقط التأثير على الضحية الحالية للإرهابيين ولكن في الحقيقة فإن الضحية يمكن أن لا يكون على صلة إطلاقا بقضية الإرهابيين وإنما يهدف الإرهاب إلى العامة الذين يراقبون ، وأن الخوف هو الهدف وليس الآثار الجانبية للإرهاب "( ) .
لقد عمل عصام صادق على جر مفهوم الإرهاب إلى أن الهدف من الإرهاب هو إثارة الخوف للعامة ، الأمر الذي يجعل مفهوم استخدام الإرهاب حتى في النضال المشروع مسألة مرفوضة ، لما له من آثار على الآخرين الذين ليس لهم علاقة بالهدف من الإرهاب ، وقد يجانب هذا الكلام قليل من الصواب ، ولكن ليس هناك من طريقة أخرى يسعى المناضلون والباحثون على الحرية لاستخدامها من أجل إنجاح قضاياهم ، وإلا فلا أعتقد أن الثوار يحبون استخدام الإرهاب كوسيلة ضرورية لتحقيق غاياتهم .
ويرى ارنولد في مؤلفه الإرهاب السياسي أن الإرهاب ظاهرة يمكن وصفها أكثر من تعريفها ، ويسوق الباحث محمد عزيز شكري تعريفا شميد الذي يرى أنه اقدم على مغامرة وضع تعريف للإرهاب يضم في رأيه العناصر المشتركة في غالبية التعريفات الأخرى ، وجاء فيه : " الإرهاب هو أسلوب من أساليب الصراع الذي تقع فيه الضحايا الجزافية ، أو الرمزية كهدف عنف فعال ، وتشترك هذه الضحايا الفعالة في خصائصها مع جماعة أو طبقة ، مما يشكل أساسا لا يمكن التخلي عنه ، ومن خلال الاستخدام السابق للعنف أو التهديد الجريء بالعنف فإن أعضاء تلك الجماعة أو الطبقة الآخرين يوضعون في حالة من الخوف المزمن، والرهبة هذه الجماعة التي تم تعويض إحساس أعضائها بالأمن قصدا هي هدف الرهبة ، ويعتبر التضحية بمن اتخذ للعنف عملا غير سوي من قبل معظم المراقبين من الجهود ، وعلى أساس من القسوة ، أو زمن وقت السلم مثلا ، أو مكان في غير ميادين القتال عملية التضحية أو عدم التقيد بقواعد القتال المقبولة في الحرب التقليدية ، وانتهاك حرمة القواعد ، هذا يخلق جمهورا يقظا خارج نطاق هدف الرهبة ويحتمل أن تشكل قطاعات من هذا الجمهور بدورها حدث الاستحالة الرئيس والعكس ، من هذا الأسلوب غير المباشر هو إما شل حركة هدف الرهبة، وذلك من أجل إحداث إرباك أو إذعان ، وإما لحشد أهداف من المطالب الثانوية ، أو الهدف لفت الرأي العام لإدخال تغييرات على الموقف أو السلوك ، بحيث يصبح متعاطفا مع المصالح القصيرة ، أو الطويلة المدى لمستخدمي هذا الأسلوب في الصراع "( ) .
إن مفهوم شميد للإرهاب جاء مفهوما سياسيا ، فالرهبة والإرهاب كلمتان لا تشيران إلى مجموعة من الحوادث الواقعية المعرفة جيدا ، والمحددة بوضوح ، فالرهبة والإرهاب لا تشيران لمفهوم موحد ، سواء كان ذلك في المجال الواقعي أم في مجال القانون .
ويرى نور نتوي بأن الإرهاب " استخدام الرعب : كعمل رمزي ، الغاية منه التأثير على السلوك السياسي ، بواسطة وسائل غير اعتيادية ، ينتج عنها استخدام التهديد أو العنف "( ).
يذهب بعض المفكرين إلى التركيز على الناحية الأيديولوجية أو الاستراتيجية ، لتعريف الإرهاب ، فالسيد تورك ، يرى أن الإرهاب " أيديولوجية أو استراتيجية تبرر الإرهاب الفتاك أو غير فتاك ، بقصد ردع المعارضة السياسية ، بزيادة الخوف لديها عن طريق ضرب أهداف عشوائية "( ) .
ويلاحظ والتر لاكير في كتابه الإرهاب ، " إن الحركات الإرهابية تكون صغيرة الحجم عادة ، وأن المؤرخين وعلماء الاجتماع يركزون في دراساتهم على الحركات الكبيرة ، بينما تتحدى الأجزاء الصغيرة في السياسة ، كما في الفيزياء أي تفسير ، ويرى أن الإرهاب دائم الدفاع عن مظاهر معينة من روح العصر وأخلاقياته ، إلا أن ثمة قوى غير منضبطة تطفو فوق أعماق التوجه الأيديولوجي ، لجماعات اليسار أو اليمين ، مما يوفر دائما أشخاصا مهتمين بالعنف أكثر من اهتمامهم بالحرية والعدالة( ) .
ويرى داردلو الإرهاب السياسي بأنه " استخدام العنف أو التهديد باستخدامه من فرد أو جماعة تعمل إما لصالح سلطة قائمة ، أو ضدها ، عندما يكون الغرض من ذلك العمل على خلق حالة من القلق الشديد ، لدى مجموعة أكبر من الضحايا المباشرة للإرهاب ، وإجبار تلك المجموعة على الموافقة على المطالب السياسية لمرتكبي العمل الإرهابي( ) .
ويسوق مصطفى بارة عددا من التعريفات في مؤلفه الإرهاب حيث يعرف ERICDAVD الإرهاب بأنه " عمل عنيف أيديولوجي يرتبط بأهداف سياسية ويقصر SALDANA مفهوم الإرهاب على أعمال العنف السياسي حيث يعرف الجريمة الإرهابية بأنها كل جناية أو جنحة سياسية يترتب عليها الخوف العام( )، ويعرف LASIER وهو أحد كبار المسؤولين الأمريكيين المكلفين بدراسة موضوع الإرهاب عرفه بأنه " النشاط الإجرامي المتسم بالعنف الذي يهدف إلى التخويف من أجل تحقيق أهداف سياسية "( ) .
ولا شك أن هذا الاتجاه قد اتخذ أساسا لوصف الأعمال التي تخوضها حركات التحرر الوطني بالإرهاب وتشويه عدالة قضاياها التي تناضل من أجلها ، ومن أكثر الآراء الملفت للنظر والوقوف ، هو طرح لينكولن غوردون ، وهو رئيس جامعة جون هربكيز ، وعضو سابق في هيئة استشارية ، تضم ثلاثة أعضاء كبار ، أسندت إليهم وكالة المخابرات المركزية مهمة إعادة النظر في التقييمات الرسمية ، من وجهة نظر غير استخباراتية ، بل علمية أكاديمية، ويكشف التقرير أن غوردون أوضح في مذكرته التي قدمها إلى وليام كايس رئيس وكالة المخابرات المركزية تعريفا للإرهابيين " الصرف " فقط حيث أشار إلى أن " … جماعات الجيش الأحمر وبادر مانيهوف والألوية الحمراء ، كانت تهوى العنف من أجل العنف أي أنها عديمة " نهلسية " ، ومن الخطأ أن نحاول تحديد مفهوم الإرهاب استنادا إلى أهدافها ، فالمفهوم العلمي يقتضي بأن يعرف الإرهاب بواسطة ما ينتج عنه من أعمال "( ) .
ومن هنا كان لابد من أن نسوق بعض التعريفات الرسمية لمفهوم الإرهاب حيث يرى وزير الخارجية الأمريكي جورج شولتز " في عهد الرئيس ريغان " الإرهاب بأنه " فعل عنيف متعدد ذو أسباب سياسية ، يتم تنفيذه ضد أهداف غير حربية ، من قبل مجموعة قومية أجنبية ، أو من قبل عملاء الدولة السريين "( ) . ومن وجهة نظر الرئيس الأمريكي بوش الابن " الإرهاب هو تهديد المصالح الأمريكية حتى في الأراضي الفلسطينية والعراق " وفي وجهة نظرنا الإرهاب هو " … وجود القوات الأمريكية خارج أراضيها ، هو إرهاب واحتكار ثروات الشعوب ، إرهاب والهيمنة على ثروات البحار والمحيطات ، إرهاب وتزويد الأنظمة العميلة بالأسلحة المتطورة لاضطهاد شعوبها هو إرهاب، واستخدام القمح والذهب كوسيلة سياسية عندما تجوع الناس هو إرهاب " . وكل نضال شرعي ضد احتلال أراضى الغير هو مقاومة وليس إرهاب . ونتيجة لهذه الفوضى في تحديد مفهوم الإرهاب يرى الباحث أن الخروج من هذه الفوضى سيكون بأمرين أولهما طرح إشكالية تعريف الإرهاب، وثانيهما طرح الاختلافات الأساسية في تحديد مفهوم الإرهاب الدولي .
أولا - إشكالية تعريف الإرهاب الدولي :
تتبلور أهم المبادرات الفقهية لتعريف ظاهرة الإرهاب خلال المؤتمرات الهادفة إلى توحيد القانون الجنائي ، وذلك منذ سنة 1930 ، وقد ركزت المبادرات الأولى في تحديد مفهوم قانوني للإرهاب على اعتباره بمثابة خطر شمولي ، يهدد الإنسانية ، فقد انبثق عن هذه المبادرة اتجاهان أحدهما يعتبر الإرهاب خطرا جماعيا ، فقد جدد المساهمون في مؤتمر نوسونيا 1930 الجريمة الإرهابية بأنها " الاستعمال العمدي لكل وسيلة قادرة على إحداث خطر جماعي "( ) أما الاتجاه الثاني فيعتبر الإرهاب بمثابة جريمة المقوضة لأساس كل تنظيم اجتماعي ، وقد برزت فكرة الجرائم الاجتماعية لأول مرة ، ضمن إحدى توجيهات معهد القانون الدولي بجنيف سنة 1982 ، عندما اعتبرت " أن مفهوم الجرائم تبنى على ارتكابها من أجل قلب أسس المجتمع ، كما هو منظم حاليا "( ) . وهكذا نجد الفقيه سوتيل يعرف الإرهاب بأنه : " العمل الإجرامي المقترف عن طريق الرعب أو العنف أو الفزع الشديد من أجل تحقيق هدف محدد "( ) . ويرى الفقيه الفرنسي جورج لافاسير أن الإرهاب " هو الاستخدام العمدي والمنظم لوسائل من شأنها إثارة الرعب ، بقصد تحقيق بعض الأهداف "( ) . ويعتمد جيفا نوفيش تعريفا يراعي مركز فيه الإرهاب ، فيعتبره " بمثابة أعمال من طبيعتها أن تثير لدى شخص ما الأساس بتهديد أيا كان، وتتمخض عن الإحساس بالخوف بأي صورة "( ) . إن هذا الاتجاه المنطلق من الرعب كعنصر اساسي في تحديد مفهوم الإرهاب ، ظهر واضحا في دورة كوبنهاغن للمؤتمر الدولي لتوحيد القانون الجنائي ، وتبناها عدة فقهاء ، مثل سالداني ، الذي يرى فيه الإرهاب " منهجا لتطويع الجماهير وشل حركة زعمائها بواسطة الإكراه السسيولوجي والترهيب الإجرامي "( ) . ويمكن من خلال مختلف أعمال المؤتمرات الدولية لتوحيد القانون الجنائي أن نستخلص مع اسيورسيكي، ثلاثة عناصر تحدد مفهوم الإرهاب ، وهي " الرعب والهيمنة والرهبة والاضطرابات النفسية الناتجة من صورة شريرة أو خطر قادم "( ) ، ومن هنا فإن أسيورسيكي يجمع العناصر الثلاثة في تعريفه للإرهاب ، باعتباره منهج عمل يقوم الفاعل بواسطته ببث الرعب ، لغرض الهيمنة ، وأن تحديد هذه العناصر يعتبر في نظرنا أساسيا من أجل وضع تعريف للإرهاب الدولي فالتعريفات التي أشرنا إليها لحد الآن تتناول الإرهاب في إطاره العام، وحتى نغوص أكثر في هذا المفهوم الشامل وهو ( الإرهاب الدولي ) نجد أنه وحتى يطلق هذا المفهوم لابد من توفر عنصر خارجي ، ويرى كل من جيفا نوفتش ودغاتسبورغ ، أن الإرهاب الدولي يرتبط باستعمال وسائل تتجاوز الإطار المحلي ، ويؤكدان على عاملين : توجه العمل الإرهابي نحو المؤسسات ، مما يؤثر على التعامل الدولي وعلى السلام العالمي ، ومن جهة أخرى ضرب رؤساء الدول الحكومات ، ويعتبر ليتين من جانبه أنه لابد من توافر عنصرين، لكي يكون الإرهاب دوليا : فمن جهة ينبغي أن يهدف العمل الإرهابي إلى قلق واضطراب في العلاقات الدولية ومن جهة أخرى لا ينبغي أن يكون هناك انسجام بين جنسية الجاني ، وإقليم ارتكاب الجريمة ، وجنسية الضحية ، أي أنه عندما يختلف أحد هذه العناصر فإن الإرهاب يصبح دوليا .
وبعبارة أخرى لكي يعتبر الإرهاب دوليا " ينبغي أن يهم عنصر من عناصره أو أكثر في آن واحد دولتين على الأقل( )، وقد يكون العمل الإرهابي الدولي صادرا عن أفراد كأن يرتكب شخص أجنبي عملا إرهابيا فوق إقليم دولة أخرى كما أن العمل الإرهابي الدولي صادرا عن الدولة نفسها ، وهو ما ينبغي تمييزه بوضوح عن إرهاب الأفراد ، أو الجماعات ، ويطلق عليه إرهاب الدولة وفي هذه الصورة من الإرهاب تمارس الدولة بمؤسساتها ، وبشكل مباشر العمل الإرهابي الذي يفيد مظاهر داخلية وخارجية سنعالجها فيما بعد ، وانطلاقا من هذا المنظور نلاحظ أن الإرهاب الدولي لا يختلف عن الإرهاب الداخلي في طبيعته ، فهما معا يعتمدان على استخدام العنف لخلق حالة من الرعب والفزع ، تمكن من تحقيق الخوف والفزع وتمكن من تحقيق الهيمنة والإذعان أما في مواجهة شخص واحد أو جماعة من الناس ، أو في مواجهة مجتمع بأكمله ، ويبقى العنصر الأساسي في التمييز مرتكزا على ارتباط الفعل الإرهابي بعنصر ، أو عدة عناصر ، تهم أكثر من دولة .
لكن السؤال الذي يطرح نفسه ، ما هو الموقف الدولي من الإرهاب ؟ هل هناك اتفاق عام ، أم هناك صراع على المفاهيم ؟ سوف نرصد هنا أهم التعريفات التي نوقشت في إطار التنظيم العالمي وخاصة منظمة الأمم المتحدة فهي من وجهة نظرنا كفيلة بتحديد أوجه الخلاف التي يعرفها المجتمع الدولي ، بشأن موضوع الإرهاب الدولي .
لقد عرفت أول مبادرة بهذا الشأن في سنة 1937 ، عندما أقر المؤتمر الدولي الذي عقدته عصبة الأمم اتفاقية دولية لقمع ومنع الإرهاب( )، وقد وصفت الاتفاقية الإرهاب بأنه " الأعمال الإجرامية الموجهة ضد دولة ، ويكون هدفها أو من شأنها إثارة الفزع والرعب لدى شخصيات معينة ، أو لدى جماعات من الناس ، أو لدى الجمهور "( ) ، وبالإضافة إلى ذلك فإن الاتفاقية نصت على مجموعة من الأعمال ، التي تعتبر أفعالا إرهابية ، من بينها الجرائم العمدية ضد رؤساء الدول والمسؤولين ، وأعمال التخريب ضد الأموال العامة ، والأحداث العمدية التي تعرض الإنسانية للخطر( ) . ويظهر واضحا أن مثل هذا التعريف يبقى قاصرا عند تحديد الأملاك العامة ، أما منظمة الأمم المتحدة فقد قررت منذ سنة 1972 إنشاء لجنة خاصة لتعريف الإرهاب الدولي ، تتخبط في نفس الصراع القائم حول القضايا الأساسية داخل الأمم المتحدة، وهكذا نلاحظ مثلا في التقرير الصادر عن اللجنة سنة 1979 ، لقد رأى بعض ممثلي الدول ، أنه يجب على اللجنة الخاصة ، أن تقوم بدراسة ملحقة بقصد وضع تعريف للإرهاب ، يحيط بدقة المفاهيم القائمة ، ويبقى الخلاف القائم بشأن المفاهيم الأساسية مرتبطا بتمسك عدة وفود، بضرورة التمييز بين الإرهاب الفردي ، وإرهاب الدولة ، الشيء الذي ستكون له آثار مهمة على مستوى معالجة الظاهرة ، وهو الموقف الذي أيدته حركة عدم الانحياز الإرهاب الدولي
أعمال العنف والقمع التي تمارسها الأنظمة الاستعمارية أو الأجنبية ضد الشعوب التي تناضل من أجل التحرر والحصول على حقها المشروع ، في تقرير المصير والاستقلال ، ومن أجل حقوق الإنسان وحرياته الأساسية الأخرى ، وتشير ايضا " إلى أن أعمال العنف التي يرتكبها أفراد أو مجموعات والتي تعرض للخطر حياة الأبرياء ، أو تنتهك الحريات الأساسية دون إخلال بالحقوق غير القابلة للتنازل ، عن حق تقرير المصير والاستقلال لكل الشعوب الخاضعة لسيطرة الأنظمة الاستعمارية والعنصرية ، أو لأية أشكال أخرى من السيطرة الأجنبية ، أو لحقها المشروع في الكفاح ، وعلى وجه الخصوص كفاح حركات التحرر الوطني ، طبقا لأهداف ومبادئ الميثاق والقرارات الصادرة عن أجهزة الأمم المتحدة ، " كما أنها تشير إلى أعمال العنف التي يرتكبها الأفراد أو الجماعات لتحقيق كسب شخصي والتي لا تنحصر آثارها في نطاق دولة واحدة( ) .
والواضح من ذلك أن حركة عدم الانحياز تميز بين الإرهاب الفردي وإرهاب الدولة ، كما يظهر أنها تستثني نضال حركات التحرر ، الذي تعتبره مشروعا وفق ميثاق الأمم المتحدة وقراراتها ، أما الاتجاه الثاني والذي تدعمه الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وفنزويلا ، والذي ينطلق من الإرهاب الفردي ، مستثنيا أو متغاضيا عن إرهاب الدولة ، حيث يفسر الاقتراح الفنزويلي الإرهاب أنه " استخدام للعنف أو التهديد بالتعرض للخطر ، أو يهدد حياة الأبرياء ، أو يمس الحريات الأساسية ، يرتكبه فرد أو مجموعة أفراد على إقليم دولة أجنبية ، أو في أعالي البحار أو على متن الطائرات في حالة طيران فوق البحار المفتوحة بقصد إثارة الفزع لتحقيق هدف سياسي ، وذلك بالإضافة إلى أعمال الإرهاب الدولي غير الإنسانية التي تتخذها الأنظمة الاستعمارية والعنصرية ، ويعرف الاقتراح الفرنسي الإرهاب الدولي ، بأنه عمل همجي يتم ارتكابه على إقليم دولة أخرى ، بواسطة أجنبي ، ضد شخص لا يحمل نفس جنسية الفاعل ، بهدف ممارسة الضغط في نزاع لا يعد ذا طبيعة داخلية . أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد قدمت مشروع اتفاقية ، إلا أنها هي الأخرى وكما يتضح في المادة الأولى للمشروع ترتكز على الإرهاب الفردي ، حيث تعتبر ، أن كل شخص يقوم في ظروف غير مشروعة بقتل شخص آخر ، أو إحداث ضرر بدني فادح له ، أو يقوم باختطافه ، أو يحاول ارتكابه هذا الفعل فإنه يرتكب جريمة ذات بعد دولي( )، ومن الواضح أن المشروع الأمريكي
يفضي إلى المس بنضال حركات التحرر الوطني ، ذلك أن التحفظ الذي يتضمنه التعريف في المادة الأولى والمعبر عنه " وفي ظروف غير مشروعة " ، ويقضي هذا النوع من الغموض قد يفسر باهتمام نضال حركات التحرر وبصفة عامة يمكن الاعتقاد أن الخلاف الدائر ضمن اللجنة المفوضة بشأن تعريف الإرهاب الدولي يتمحور حول خمسة قضايا سياسية :
1- تحديد ما إذا كان الفعل الإرهابي يتعلق بفاعلين خصوصيين أو عموميين ، أي هل الذي قام بفعل الإرهاب ، أفراد أو جماعات أو يمكن أن يصدر عن حكومات .
2- تحديد ما هي الأعمال المحرمة .
3- تحديد عنصر التمويل .
4- تحديد الباعث والنتيجة .
5- تحديد الضحايا .
ومما سبق نجد أن إشكالية تحديد مفهوم الإرهاب ظلت مرتبطة بمفاهيم سياسية وتنازلات سياسية بين دول العالم ، حيث لعبت الأيديولوجية والمفاهيم والمصالح دورا لا يستهان به في إثارة قضية تحديد مفهوم للإرهاب .
ثانيا - الاختلافات الأساسية في تحديد مفهوم الإرهاب الدولي :
لقد لاحظنا من خلال ما تقدم الخلط والاختلاط الواضح في معرض التعامل مع ظاهرة الإرهاب ، إرهاب الدولة بالحرب المعلنة ، استعمال الإرهاب كأداة مزعومة لمحاربة الإرهاب كما اختلط نضال حركات التحرر مع إرهاب الجماعات والأفراد ، بل أصبح عامل القوة والمصلحة هو الأداة الوحيدة والفاعلة لتحديد المشروع ، وغير المشروع في مجتمع الدولة ، وفي إطار الوعي الكامل بالصعوبات المحيطة بتحديد مفهوم الإرهاب الدولي ، ودون رضوخ للمفاهيم المستفزة التي تتفنن أجهزة الإعلام الغربي في نسجها وتسخيرها ، لخدمة مصالحها فإن كل محاولة لتقديم البديل ، تتطلب سلفا السعي انطلاقا من واقع الصراع الدولي في مختلف مظاهره ، نحو تبديد الاختلافات الأساسية في تحديد مفهوم الإرهاب الدولي . إننا في هذا المقام نعمل على إبراز إرهاب الدولة وتمييزه عن إرهاب الأفراد والجماعات ، خاصة وأن الإعلام الغربي لا يزال يرفض الإقرار بوجود وممارسة فعلية لإرهاب الدولة على الصعيد الدولي، ويقتضي فرز إرهاب الدولة مع توضيح ممارسته وتميزه بين الحرب المعلنة والأعمال الإرهابية الصادرة عن الدولة ، التي إذا كانت لا تخضع لقانون الحرب فإنها تؤثر بقوة على توازن القوى على الصعيد الإقليمي والشمولي ، وتعتبره تهديدا مباشرا للسلام ، فتعريف الإرهاب يحتاج إلى تبرير الغموض حول مفهوم حركات التحرر الوطني ، التي أصبحت تنعت بالإرهاب ، والذي جندت له وسائل الإعلام الغربية من أجل تشويه حقيقته وأهدافه .
1- التمييز بين إرهاب الأفراد وإرهاب الدولة :
لقد أوضحنا في السابق أهم عناصر تعريف مفهوم الإرهاب الدولي ، وخاصة التعارض القائم بين موقف البلدان الغربية ، وعلى رأسها الولايات المتحدة ، وموقف مجموعة دول عدم الانحياز ، وإذا كان الإجماع متوفرا سواء على مستوى الفقه أو التنظيم الدولي ، على اعتبار أن الإرهاب مظاهر فردية أو صادرة عن مجموعات من الأفراد ، أما الشيء الذي نرى ضرورة التفصيل فيه التسليم بتمظهر إرهاب الدولة على الصعيد الدولي ، وما يزال مثيرا للكثير من الجدل ، وهكذا فقد ذهبت مجموعة من الدول داخل اللجنة الفرعية المكلفة بتعريف الإرهاب ، إلى اعتبار أن الرعب الذي يمارس على نطاق واسع بواسطة وسائل حديثة ضد شعوب بأكملها ، يهدف للسيطرة أو التدخل في الشئون الداخلية ، يدخل ضمن صميم الأعمال الإرهابية ، كما اعتبرت " أن الأعمال المسلحة التي ترتكب بحجة الثأر ، أو الدفاع الوقائي ، الذي تمارسه دول ضد سلامة وسيادة الدول ، ينبغي كذلك أن تدخل في نطاق الإرهاب "( ) . ويظهر إرهاب الدولة على المستوى الدولي في " أن الدولة لا تكتفي بدعم الجماعات الإرهابية أو تمكينها سرا من تنفيذ عملياتها ، بل تتحول الدولة إلى فاعل أصلي ، وإذا كان العمل الإرهابي يتميز بصفته الفجائية ، وطابعه التعسفي ، واثره التخريبي ، وعدم احترامه للقوانين ، وأخلاقياته ، فإن عدة نماذج توضح كيف أن دولا مثل الولايات المتحدة وإسرائيل أصبحت وبشكل مكشوف تمارس إرهاب الدولة في العلاقات الدولية (*) . ومما لا شك فيه أن تجربة إرهاب الدولة الإسرائيلية ، أصبح مدرسة لها تاريخها العريق، وذلك أن قيام إسرائيل كدولة لم يكن ليتحقق ، لولا نشاط قادتها الإرهابي ، وإذا كان المجال لا يتسع للتذكير بممارسات إرهاب الدولة من طرف إسرائيل داخل الأراضي العربية المحتلة(*) . إن تلك الممارسات اتخذت أبعادا دولية واسعة النطاق ، ويمكن الإشارة على سبيل المثال فحسب إلى لجوء إسرائيل سنة 1981 إلى ضرب مفاعل تموز العراقي المعد خصيصا لاستخدام الطاقة النووية في الأغراض السلمية ، وقيامها بخطف طائرة ليبية في الأجواء الدولية ، بالإضافة إلى عمليات واسعة لاختطاف واحتجاز الرهائن داخل الأراضي اللبنانية ، وقصف المقاتلات الإسرائيلية لمقر منظمة التحرير الفلسطينية في تونس في أكتوبر 1985 وعمليات الاغتيال المتلاحقة التي تقوم بها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بمباركة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة والتي طالت الكثير من القيادات الفلسطينية إضافة للإرهاب اليومي والمتمثل بالقصف العشوائي على المدنيين الفلسطينيين. وإذا كانت الولايات المتحدة من جانبها تتمسك داخل اللجنة الخاصة لتعريف الإرهاب الدولي باستبعاد إرهاب الدولة من اختصاص اللجنة ، ومن التعريف الخاص بمفهوم الإرهاب . فإن ذلك يبقى مفهوما ما دامت تمارس الإرهاب بشكل علني في علاقاتها الدولية ، وتظهر الممارسات الأمريكية في هذا الميدان تشابها كبيرا مع الأسلوب الإسرائيلي الممثل في اختطاف الطائرات والهجمات المفاجئة وعمليات الكوماندوس ، وهذا رغم مشاركة الولايات المتحدة في إصدار إعلان بون 1978 المتعلقة بتحويل مسار الطائرات( )، وإصدار إعلان مونتلو سنة 1981 ، ومصادقتها على اتفاقية شيكاغو وطوكيو ، فإنها لم تتورع عن القيام بشكل مباشر بعدة عمليات إرهابية ، فقد عمدت خلال شهر أكتوبر 1985 على اختطاف طائرة مصرية في الأجواء الدولية ، وأرغمتها على النزول في إحدى قواعد الحلف الأطلسي في جزيرة صقلية الإيطالية ، وتتمسك الولايات المتحدة بأن عملها يدخل في إطار محاربة الإرهاب ، أو بعبارة أخرى تمارس الإرهاب بدريعة مكافحة الإرهاب ، مثال الغارة على ليبيا 1986 . إن المؤكد أن العمل الإرهابي الصادر عن افراد أو جماعات لا تلتزم بمبادئ قانونية أو مواثيق مكتوبة ، يقع تحت طائلة العقاب ، فكيف إذا صدر نفس الفعل عن دولة كبرى ، شاركت في وضع القواعد القانونية المحرمة للإرهاب ، بل تتحمل مسؤولية خطيرة في المحافظة على السلام العالمي ؟ بوصفها طرفا أساسيا في توازن القوى الثنائي بين القطبين المرتكز على الردع النووي ، وبوصفها عضوا دائما في مجلس الأمن ؟ ومن جهة أخرى فقد عمدت الولايات المتحدة خلال شهر إبريل 1986 إلى ضرب أهداف في الأراضي الليبية ، مما أدى إلى وقوع عشرات القتلى ، منهم الأطفال ، بالإضافة إلى خسائر مادية جسيمة ، وقد تمسكت الولايات المتحدة أثناء مناقشة الشكوى الليبية في مجلس الأمن بأن ما قامت به إجراء مشروع للدفاع عن النفس!!!؟ .
من المؤكد أن ما أقدمت عليه الولايات المتحدة يعتبر عملا غير مشروع ، فميثاق الأمم المتحدة يحرم اللجوء إلى استخدام القوة المسلحة ضد استقلال وسلامة الدول الأعضاء ، كما أن الميثاق أعطى الاختصاص لمجلس الأمن الدولي لتدخل في الحالات التي يفترض أن فيها تهديدا للأمن والسلام العالميين ، إن هذه النماذج المعاصرة لممارسة إرهاب الدولة ، تظهر بوضوح ما يميز هذا الأخير عن إرهاب الأفراد والجماعات :
أ- فالدولة وخاصة الكبرى تمتلك الأسلحة الفتاكة ، والأساليب المتطورة، والإمكانيات المادية الهائلة ، التي تتمكن عن طريق توظيفها من تحقيق أقصى حد ممكن من رغباتها في الهيمنة والإذعان .
ب- إن الدولة بوصفها الشخص الرئيسي في المجتمع الدولي ، تتحمل عدة التزامات تفرضها قواعد القانون الدولي ، التي أقرت بها والتزمت بتنفيذها عن طواعية واختيار وأن ممارسة العمل الإرهابي من طرف الدولة ، يعني تنكرها الصريح لتلك القواعد ، والمبادئ القانونية ، التي شاركت في وضعها ، كما يجعل كل التنظيمات والمؤسسات الدولية منحازة وغير ذات معنى .
ج- إن تورط الدولة في سلسلة العمليات الإرهابية بغض النظر عن المبررات الواهية يؤدي إلى إضفاء مزيدا من التوتر على العلاقات الدولية ، ويؤدي بصفة مباشرة إلى تهديد السلام الإقليمي والدولي .
2- التمييز بين إرهاب الدولة والحرب :
تطرح النماذج السابقة والتي تستخدم الدولة الإرهابية عادة فيها قواتها المسلحة، إشكالية التمييز بين إرهاب الدولة والحرب ، وفي الواقع فإن التساؤلات المرتبطة بهذا الموضوع . شغلت بال الكثيرين من المهتمين بالموضوع ويرى اسيورسيكي بهذا الخصوص " أن الحرب تهدف إلى القضاء المبرم على العدو ، بينما يستهدف الإرهاب ردع المُرهب دون القضاء عليه نهائيا "( ) . ويبقى هذا التفسير نظريا إلى ابعد الحدود ذلك أنه ليست كل الحروب إبادية . كما أنه من الأعمال الإرهابية ما يهدف إلى القضاء على المُرهب ، ويمكن القول بأن هناك عدة عناصر تميز إرهاب الدولة بوضوح عن الحرب ، فالحرب في أغلب مظاهرها بما في ذلك حرب الاستنزاف ، والحرب الخاطفة، تعتمد على حد أدنى من المواجهة والتفاعل بين أطراف الصراع ، بينما الإرهاب ينطلق بشكل أحادي في إطار السرية ، ليحقق أهدافه عن طريق المفاجأة ، ومن ثمة فإن الإرهابي عادة ما يبقى سيد الموقف طول العملية الإرهابية ، أو على الأقل في مراحلها الأساسية . وقد ظهرت هذه الميزة بوضوح في كل من عملية مهاجمة الأراضي التونسية من قبل القوات الإسرائيلية ، والغارة الأمريكية على طرابلس وبنغازي ، ففي كلا العمليتين يظهر بوضوح أنه كان يستحيل توقع العمل الإرهابي، سواء من حيث الزمان أو المكان ، كما أن تلك النماذج التي اثبتت أن إرهاب الدولة يتميز عن الحرب من حيث المدى الزمني الذي تنفذ فيه العمليات العسكرية ، هكذا نلاحظ أن أغلب تلك العمليات تتميز بالإضافة إلى المفاجأة بالضربات الخاطفة ، وهي الوسيلة الفعالة لتفادي رد الفعل في الميدان ، وكذلك لامتصاص مواقف الرأي العام ، وعلى العكس من ذلك فإن اندلاع الحرب يتميز بعلاقة تفاعل بين أطراف النزاع ، تؤدي عادة إلى إطالة المدى الزمني للعمليات العسكرية . من جهة أخرى فإن إرهاب الدولة على هذا المستوى يختلف عن الحرب ، باعتبار أن الدولة الضالعة في السلوك الإرهابي تضرب عرض الحائط بكل القواعد والمبادئ القانونية ، وبغض النظر عن عدم إعلان الحرب فإن العمليات الإرهابية تمارس التخريب لتحقيق الهيمنة ، دون تمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية ، ومن ثم فالعمل الإرهابي يستمد قوته ويكتسب فعاليته من طبيعته غير المقننة ، في حين أنه يفترض عند قيام الحرب أن تلتزم الأطراف المتحاربة بقواعد الحرب المعترف بها من طرف أعضاء المجتمع الدولي .
3- الإرهاب الدولي ونضال حركات التحرر :
إن أكثر الاختلافات خطورة في التعامل مع الظاهرة الإرهابية تكمن في تحديد نقطة الفصل بين الحق المشروع في ممارسة النضال ضد الاستعمار والميز العنصري، وممارسة العمل الإرهابي ، وتزداد خطورة التعامل مع هذه الظاهرة بسبب التطور السريع الذي عرفته مواقف البلدان الغربية ، وعلى رأسها الولايات المتحدة . فقد أصبحت حركات التحرر الوطني بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية ، ومنظمة المؤتمر الوطني الأفريقي ، ومنظمة سوابو ، والجبهة السنديانية ، توصف بأنها منظمات إرهابية، رغم اعتراف المجتمع الدولي بشرعية نضالها ، وقد كانت نتيجة الحملة المعتمدة في هذا المجال تسجيل الكثير من التراجع بشأن المواقف الدولية ، التي كانت من قبيل الحقوق المكتسبة ، وتجدر الإشارة بهذا الخصوص إلى أن مجموعة عدم الانحياز سبق لها ضمن اللجنة الخاصة بالإرهاب أن تمسكت " بان العمل الإرهابي غير مستقل ، ولا يمكن أن يعد حدثا خارجيا غريبا عن الكيان الاجتماعي ، وطنيا كانت أم دوليا ، ذلك أن انتهاك حقوق الإنسان ومبادئ العدالة ، ومبادئ القانون الدولي ، والتي تقوم عليها منظمة الأمم المتحدة ، هو السبب في نشوب الإرهاب ، كما أكدت ذلك عدة وفود فإن اصل الإرهاب يعود إلى كون بعض الدول تتبع سياسة الاستعمار والاحتلال والعنصرية والهيمنة والاستغلال( ) . أي أنه من بين الإشكاليات الرئيسية التي يعرضها هذا الموضوع التساؤل عما إذا كانت شرعية قضية ما ، يبرر اللجوء إلى استعمال القوة بشكل يتنافى والقواعد السارية في المجتمع الدولي . لقد سبق للأمانة العامة للأمم المتحدة ، أن اتخذت موقفا بشأن هذه النقطة ، فقد أكد الأمين العام في تقريره الذي قدمه أمام اللجنة القانونية على " أنه حتى عندما يكون استعمال القوة مبررا قانونيا وأخلاقيا، فإن هناك بعض أشكال العنف خاصة عندما يتعلق الأمر بالأبرياء ، وهذا مبدأ معترف به في إطار قانون الحرب "( ) . ويظهر بوضوح أن هذا الموقف لا يأخذ في عين الاعتبار الأوضاع الخصوصية لحركات التحرر الوطني ، التي توجد دائما في مركز أضعف في مواجهة الخصم ، علما بأن انعدام التكافؤ هذا لا يعطي الفرصة نهائيا لتطبيق قواعد قانون الحرب ، بل يدفع تلك الحركات رغما عنها نحو استخدام الوسائل المؤثرة لديها ، ويحق لنا بالمناسبة أن نطرح سؤالا أكثر أهمية وهو : هل يستحق الفعل غير المشروع أن يرتب أوضاعا مقبولة تستحق حماية القانون الدولي ؟ .
إن احتلال أراضي الغير بالقوة ، وطرد السكان ، وبناء المستوطنات ، والتنكيل بالمواطنين الأصليين ، سواء في فلسطين ، أو جنوب أفريقيا ، أعمال لا يمكن أن تستحق أي حماية من المجتمع الدولي . لأجل ذلك لاحظنا أن النقاش حول ضرورة البحث عن الأسباب الكامنة وراء السلوك الإرهابي ، معتقدة أنه من الصعب دراسة التدابير الوقائية الهادفة إلى معالجة الإرهاب الدولي دون معالجة أسباب هذا السلوك( ) . وفي الواقع فإن مثل هذا الموقف وجد صدى له ، حتى في بعض البلدان الأوروبية ، فقد أكد مندوب النمسا بأنه " من الإجحاف والرياء أن يقتصر على إدانة الإرهاب ، دون دراسة أسبابه العميقة ، إن هذا من شانه أن يطبعنا بالانحياز ، والمحافظة على الأمر الواقع الذي يتجلى ليس فقط في الحيف الاجتماعي ولكن أيضا في الظروف التي لا تطاق ، والتي تعيشها الشعوب المقهورة والمحرومة من حقوقها الأساسية ، ومن إمكانية اتباع رغباتها الأساسية( ) . إن صعوبة حل هذه الإشكالية تقود من وجهة نظرنا إلى ضرورة تحديد عدة عناصر أساسية ، لمناقشة هذا الموضوع ، فمن جهة يجب استبعاد صفة الإرهاب الدولي عن نضال حركات التحرر المعترف بها ، وفق ميثاق الأمم المتحدة ، وتوصيات هذه المنظمة بحقها في تقرير المصير ، وتحقيق الاستقلال ، كذلك فإن المجتمع الدولي ينبغي أن يولي أكبر قدر من الاهتمام لأسباب الظاهرة الإرهابية، وقبل محاولة البحث عن وسائل علاجها ، والقضاء عليها ، فالكشف عن الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية الكامنة وراء السلوك الإرهابي ، تفضي إلى حلقات مفرغة من عمليات العنف المضاد . وأخيرا فإن التعامل مع الظاهرة الإرهابية في هذا الاتجاه لا ينبغي أن يغفل إرهاب الدولة كحافز أساسي على تفجر الإرهاب المضاد من طرف الأفراد والجماعات ، وتبين العديد من العمليات الإرهابية الفردية أنها جاءت نتيجة حتمية لممارسة إرهاب الدولة ، وأن تلك العمليات موجهة أساسا ضد الكيان الإرهابي . وتجدر الإشارة هنا إلى أن حق تقرير المصير والاستقلال ، جاء بموافقة المجتمع الدولي ، والذي جاء على هيئة قرارات وتوصيات صادرة عن الأمم المتحدة، حيث كانت الأمم المتحدة ترفض الاستعمار ومظاهره ، وتعترف بأن للشعوب حقا طبيعيا في النضال ضد الاستعمال بكل الوسائل المتاحة ، وممارسة حقها في تقرير مصيرها الذي اعترف به ميثاق الأمم المتحدة ، وإعلان المبادئ للقانون الدولي بشأن العلاقات الودية والتعاون بين الدول .
وقد اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها 3103-12/12/1973، الدورة 28 بمبادئ أساسية للمناضلين من أجل الحرية ، وحقوقهم في إطار التنظيم الدولي وجاء في موجز هذا القرار :
أ- نضال الشعوب الواقعة تحت السيطرة الاستعمارية الأجنبية ، والأنظمة العنصرية ، في سبيل تحقيق حقها في تقرير المصير والاستقلال ، هو نضال شرعي ، يتفق مع مبادئ القانون الدولي .
ب- إن أية محاولة لقمع هذا النضال ، مخالفة لميثاق الأمم المتحدة ، ولإعلان مبادئ القانون الدولي ، الخاصة بالعلاقات الودية والتعاون الدولي .
ج- إن النزاعات المسلحة التي تنطوي على هذا النضال ، يجب النظر إليها باعتبارها نزاعات دولية مسلحة ، بالمعنى الوارد في اتفاقيات جنيف 1949 ، الخاصة بالنزاعات المسلحة لوضع القانون للمتحاربين .
د- إن المناضلين ضد السيطرة الاستعمارية والأجنبية والأنظمة العنصرية ، إذا ما وقعوا في أيدي أعدائهم ، يعتبرون أسرى ، وتنطبق عليهم أحكام القانون الدولي المناسبة ، وبخاصة اتفاقية جنيف الخاصة بمعاملة أسرى الحرب 1949 .
ه- إن استخدام الأنظمة الاستعمارية والأجنبية والعنصرية للجنود والمرتزقة ضد حركات التحرر الوطني عمل إجرامي ، ويعامل هؤلاء كمجرمين( ) .
أن البلدان الغربية ، وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا ، تحاول بصلابة منع هذا القرار بالذات ، حيث حاربت بريطانيا الجيش الجمهوري الأيرلندي ، أما الولايات المتحدة فقد عملت على القضاء على المؤتمر الوطني الأفريقي ، بدعم نظام الميز العنصري في جنوب أفريقيا ، ومقاومة منظمة سوابوا ، وكذلك دعم عصابات الكونترا في نيكاراغوا ، الأمر الذي يدل على عدم احترام الدول الكبرى لهذه المواثيق .
كذلك أكدت الأمم المتحدة في رد على الدول الغربية بأن استخدام العنف الثوري ( الإرهاب المضاد ) يستمد مشروعيته من العديد من الاتفاقيات والقرارات الدولية ، سواء المتعلقة بحق الدفاع عن النفس ، أو حق تقرير المصير ، ومن أهم هذه القرارات:
أ- اتفاقية جنيف لعام 1949 : المادة (3 ) حيث أكدت على حماية شعوب الأقاليم المحتلة الثائرة ، ضد محتليها الأجانب ، وفي نفس السياق سارت المادة (4) من اتفاقية جنيف الثالثة الخاصة بأسرى الحرب ، حيث اعترفت بأن المناضلين من أجل التحرر والاستقلال من الاستعمار هم أسرى حرب .
ب- قرارات مؤتمر جنيف الدبلوماسي : العمل على إنماء وتطوير القانون الإنساني المطبق على النزاعات المسلحة عام 1977 ، حيث أكدت القرارات ما ورد في اتفاقيات جنيف 1949، كما أعطى للنزاعات المسلحة الناجمة عن نضال الشعوب من أجل تقرير المصير صفة النزاعات المسلحة الدولية ، والتي تخضع لما ورد في اتفاقية جنيف والبروتوكولات التابعة لها.
ج- الاستثناء الوارد في الاتفاقية الدولية المناهضة لأخذ الرهائن : والتي وضعتها الجمعية العامة عام 1979 ، فبعد أن وصفت الجمعية العامة أخذ الرهائن بأنه عمل يعرض حياة الأشخاص الأبرياء للخطر ، وتنتهك كرامة الإنسان ، ذكرت في المادة (12) ما يلي " لا تسري هذه الاتفاقية على فعل من أفعال أخذ الرهائن ، يرتكب أثناء المنازعات المسلحة المعرفة في اتفاقية جنيف لعام 1949 ، وبروتوكولاتها ، بما في ذلك المنازعات المسلحة التي يرد ذكرها في الفقرة الرابعة من المادة الأولى من البروتوكول الأول لعام 1977 ، والتي تخص نضال الشعوب ضد السيطرة الاستعمارية والاحتلال الأجنبي ، وتضم الحركة الثورية ممارسة حقها في تقرير مصيرها ، كما يجسده ميثاق الأمم المتحدة وإعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الدولية ، والتعاون بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة .
د- التوضيح الوارد في توصيات الجمعية العامة للأمم المتحدة عند مناقشتها لقضية الإرهاب: جاء فيه " على الرغم من الحاجة إلى مكافحة الإرهاب الدولي وغيره من وسائل العنف التي تهدد الأرواح ، أو تحرم الأفراد من حرياتهم الأساسية ، إلا أن الأمر يتطلب دراسة الأسباب الكامنة وراء الإرهاب ، والتي نجد جذورها في الإحساس بالبؤس ، والإحباط ، والظلم ، والذي يدفع الناس بالتضحية بالأرواح الإنسانية ، بما في ذلك أرواحهم هم أنفسهم ، وذلك من أجل إحداث تغيرات راديكالية في معالم هذه الصورة القائمة( ) .
وقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة العديد من القرارات حول حق الشعوب في تقرير مصيرها ، وإن كان ميثاق الأمم المتحدة لم يتطرق إلى موضوع حركات التحرر، ومشروعية نضالها بشكل واضح مباشر ، فمرجع ذلك عدم بروز هذه الحركات على المسرح الدولي ، وعدم طرح قضية تصفية الاستعمار على واضعي الميثاق بشكل جدي ، إلا أن ديباجة الميثاق يتضمن إشارات واضحة في حق الشعوب في تقرير مصيرها ، وحق الدفاع الشرعي، ورفض العدوان يعطي الشرعية لنضال حركات التحرر ، وما يعزز هذا الطرح أن الأمم المتحدة ، ومن خلال جمعيتها العامة ، غطت ما اعترى الميثاق من نقص حول الموضوع في العديد من القرارات والتوصيات في حق الشعوب ، في تقرير مصيرها ، ومن أهم القرارات والتوصيات الواضحة ما يلي :
1- قرار الجمعية العامة رقم 1514 في ديسمبر 1960 :
حيث ورد فيه أن لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها ، وأن تحدد أوضاعها السياسية وتختار نمط التنمية الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي يوافق أوضاعها دون أي تدخل خارجي ، كما طالب القرار بوقف جميع الاعتداءات المسلحة ، والإجراءات القمعية ، مهما كان شكلها ، والتي توجه ضد الشعوب ، التابعة وأن تترك لها الحرية في ممارسة حقها في الاستقلال الكامل ، واحترام وحدة أراضيها القومية .
2- قرار الجمعية العامة رقم 2531 لعام 1965 :
والذي تضمن الإعلان العالمي بعدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية لدولة من الدول وحماية استقلالها ، وسيادتها ، فقد حث في مادته السادسة جميع الدول على احترام حق شعوب الأمم في تقرير مصيرها ، والاستقلال بحرية دون ضغط خارجي .
3- قرار رقم 3034 لسنة 1972 :
وأهم ما تضمنه التأكيد على الحق الثابت في تقرير المصير والاستقلال ، وشرعية نضال هذه الشعوب ، الواقعة تحت الاستعمار بكل الوسائل المتاحة ، بما فيها الكفاح المسلح ، ودعم شرعية نضالها ، خصوصا حركات التحرر ، كما أدان القرار أعمال القمع والإرهاب التي تقوم بها الأنظمة الإرهابية والعنصرية في إنكار حق الشعوب الشرعي في تقرير مصيرها والاستقلال وغيرها من حقوق الإنسان وحرياته السياسية .
4- قرار قم 3070 لسنة 1973 :
وقد حث جميع الدول على الاعتراف بحق الشعوب في تقرير مصيرها واستقلالها ، وعلى تقديم الدعم المعنوي والمادي والمساعدات الأخرى للشعوب ، التي تناضل من أجل حقها الكامل في تقرير مصيرها واستقلالها .
5- قرار رقم 3103 لعام 1973 :
وقد نص على :
أ- أن نضال الشعوب الواقعة تحت السيطرة الاستعمارية والأجنبية ، والأنظمة العنصرية ، في سبيل تقرير مصيرها ، والاستقلال نضال شرعي يتفق مع مبادئ القانون الدولي .
ب- أن أي محاولة لقمع الكفاح ضد السيطرة الاستعمارية الأجنبية ، والأنظمة العنصرية ، هي مخالفة لميثاق الأمم المتحدة ، ولإعلان مبادئ القانون الدولي الخاص بالعلاقات بين الدول ، مما يشكل خطرا على الأمن والسلم الدوليين .
6- قرار الجمعية العامة رقم 4132 لعام 1977 :
وكان لهذا القرار أهمية خاصة ، لأنه اتخذ بأغلبية في الأصوات( )، وقد جاء فيه " أن الجمعية العامة تؤكد من جديد على الإعلان العالمي لحق الشعوب في تقرير مصيرها ، والسيادة والسلامة الإقليمية ، والإسراع في منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة ، لما لها من أهمية بوصفهما شرطين لازمين للتمتع بحقوق الإنسان ، واستنكر الانتهاكات المستمرة لحقوق الشعوب ، التي لا تزال واقعة تحت السيطرة الاستعمارية والأجنبية ، والتحكم الأجنبي ، ومواصلة الاحتلال غير الشرعي لناميبيا ، ومحاولات تجزئة من قبل جنوب أفريقيا ، وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف .
أ- تدعو جميع الدول إلى التقيد الكامل بقرارات الأمم المتحدة ، بشأن ممارسة الشعوب التي تحت السيطرة الاستعمارية والأجنبية لحق تقرير المصير .
ب- تؤكد من جديد شرعية كفاح الشعوب في سبيل الاستقلال ، والسلامة الإقليمية ، والوحدة الوطنية ، والتحرر من السيطرة الاستعمارية والأجنبية ، ومن التحكم الأجنبي لجميع ما أتيح لهذه الشعوب من وسائل بما في ذلك الكفاح المسلح .
ج- تؤكد من جديد ما لشعبي ناميبيا ، وزيمبابوي ، وللشعب الفلسطيني وسائر الشعوب الواقعة تحت السيطرة الأجنبية والاستعمارية من حقوق ، غير قابلة للتصرف ، في تقرير المصير ، والاستقلال الوطني والسلامة الإقليمية ، والوحدة الوطنية ، والسيادة دون تدخل خارجي .
د- تدين بقوة جميع الحكومات التي لا تعترف بحق تقرير المصير والاستقلال لجميع الشعوب ، التي مازالت واقعة تحت السيطرة الاستعمارية والأجنبية ، والتحكم الأجنبي ولا سيما شعوب إفريقيا والشعب الفلسطيني( )(*) .
لقد بينت لنا القرارات والتوصيات والاتفاقيات السابقة الذكر أن لا مجال أمام أي ادعاء بأن نضال حركات التحرر الوطني يعد إرهابا ، ذلك أن لهذا النضال سندا قانونيا وإجماعا عالميا ، الأمر الذي يعطي المجال أمام المراقبين السياسيين ، والرأي العام أن لا يقع تحت تأثير التضليل الإعلامي الغربي ، الذي يوهم العالم أن ما تفعله حركات التحرر إرهابا .
إن هذه المواثيق والقرارات والتوصيات أكدت أن البلدان الغربية خارجة عن الإجماع الدولي ، رغم توقيعها على هذه الاتفاقيات ، وإلا فماذا يعني موافقة المجتمع الدولي على هذه المواثيق والتوصيات والقرارات ، وتعنت الدول الغربية ؟ إن أسلوب الرفض العالمي الذي تنتهجه القوى الغربية ، يجعلنا نسلط الضوء بشيء من التفصيل على الولايات المتحدة ، التي تقود سياسيا رفضا عالميا لحركات التحرر ، وتوسمها بالإرهاب ، وتستخدم على نطاق واسع كل القرارات التي تخدم سياستها ، وحتى نبدأ هذا الجانب نطرح سؤالا كبيرا نعمل على الإجابة عنه ، وهو : من يمارس الإرهاب الدولي ؟ أو بشكل أدق : ما مدى ممارسة الولايات المتحدة الأمريكية للإرهاب ؟
ثالثا - الولايات المتحدة الأمريكية والإرهاب الدولي :
1- المفهوم الأمريكي للإرهاب :
أصدرت قوات المهمات الخاصة The Task Force ، التي كان يرأسها جورج بوش نائب الرئيس الأمريكي ريغان في نوفمبر 1988 ، مع تمهيد له وآخر لـ " فرانك س كارلوتش " ، وزير الدفاع ، وفي ظل إدارة ريغان ، مفهوما واضحا للإرهاب فقد وصف بوش الإرهابيين بأنهم " أولئك المجرمون الذين يهاجمون مؤسساتنا ، التي نعتز بها ، وينتهكون حرمتنا وقيمنا "( ) . وفي حين أن كارلوتش يعبر على المفهوم الغامض، الذي يأخذ به الرسميون الأمريكيون منذ وقت طويل ، من أن الإرهاب " في جوهره تكنيك … شكل من أشكال الحرب السياسية ، يتوخى منه تحقيق غايات ، وهو يقع تحت عنوان ، الصراع ذو الحدة الحقيقية ، والذي يمكن أن يوصف على أنه حرب في أدنى مستويات طيف العنف ، والتي تلعب فيها الاعتبارات السياسية والاقتصادية والنفسية دورا أكثر أهمية من الدور الذي تلعبه القوة العسكرية التقليدية( ) . وقد نشرت وزارة الخارجية الأمريكية في تقرير لها بعنوان نماذج الإرهاب 1987 ، والذي نشر في أغسطس 1988 تعريفا للإرهاب بأنه " عنف عمدي ، بواعثه سياسية ، ويرتكب ضد هدف غير مماثل من قبل جماعات وطنية فرعية ، وعملاء سريين لدولة ما ، للتأثير على جمهور ما عادة "( ) . ونظرا لانعدام الموضوعية القانونية في الولايات المتحدة ، فقد قدمت الإدارة تعريفات متنوعة لهذا المفهوم ، كما كان هذا باعثا للإدارة الأمريكية للوقوف في وجه أي تعريف مقبول على الساحة الدولية ، وعلى سبيل المثال فقد أماط روبرت فريدلاندر اللثام عن أنه : طيلة فترة عهد ريغان ، التي جعلت مكافحة الإرهاب حجر الزاوية في سياستها الخارجية ، منذ اليوم الأول للإدارة في الحكم ، كان موقف وزير العدل ، ومكتب التحقيقات الفيدرالية ، ومكتب المستشار القانوني في وزارة الخارجية ، موقف المعارض بشدة لإدخال أي تعريف للإرهاب محليا أو دوليا في صلب القانون ، وقد تم إنشاء هذا الموقف الرسمي للولايات المتحدة على نحو آخر من قبل القاضي " إبراهام د. صوفير " المستشار القانوني لدى وزارة الخارجية حينما مثل أمام اللجنة الفرعية الدستورية في مجلس الشيوخ في 15 نوفمبـر 1985 ، وذلك ردا على سؤال لاذع وجه إليه من قبل السناتور ( أورين فـي هاتش ) ممثل ولاية أوتاه ، فاعترف بكل صراحة " أن وزارته لم تكن راغبة في تطوير التعريف ، لأسباب تتعلق بأمن الولايات المتحدة( ) . وبالإضافة إلى ما سلف فإن الولايات المتحدة في أهم فترات الحكم لدى إدارة ريغان عملت على وضع مكافحة الإرهاب ، كحجر زاوية في سياستها الخارجية . ولم تطور حتى تعريف الإرهاب ، والسبب الأمن القومي !! ولكن السبب الحقيقي هو أن عدم تطوير التعريف يجعل للحكومة الأمريكية الفرصة في استخدام القياس المناسب لمصلحتها ، مع أي موقف عنف فبإمكانها وصف ما تشاء بأنه عمل إرهابي وبإمكانها نفي الصفة على أي عمل آخر …
وفي تقديرنا أنه ليس فقط الإدارة الأمريكية ساهمت في الوضع العالمي الخاص بالإرهاب وتعريفه ، ولكننا نجد أيضا أصنافا متطورة جدا من الإرهاب ، تستخدمها الإدارة الأمريكية ، لكن دون عنف أو دماء ، ويعبر الباحث عنه بإطلاق مصطلح
( الإرهاب الأبيض ) عليها ، لأنه إرهاب فكري يؤثر على قرار سياسي ، دون أن يسبب في حدوث قتال أو دمار .
حيث يرتبط مفهوم الإرهاب الأبيض ، بما يطلق عليه الكذب الرسمي ، حيث تعد ممارسة الكذب السياسي من الممارسات غير الأخلاقية ، والتي تحاول الولايات المتحدة إسقاطها على العالم ، معتمدة في ذلك على قوة الدعاية من أجل التبشير بالنموذج الأمريكي ، وتعمل الدعاية على إظهار خلل ، وضعف النماذج الأخرى ، أمام قوة الحضارة الأمريكية ، حيث تتركز عملية التبشير على تصدير عظمة أمريكا ، وإظهارها كعملاق ، ويعتبر الرياء والكذب من أهم نقاط الإرهاب الأبيض ، الذي تمارسه الولايات المتحدة ، ويقول آلن دالاس مدير المخابرات المركزية الأمريكية : " الحقيقة هي التي نصنعها نحن"( ).
مما أعطى كلود جوليان الكاتب الأمريكي المعروف الحجة اللازمة أن يتميز في كتابه " الحلم والتاريخ " عن الكذب الإرهابي ، الذي مارسه رؤساء الولايات المتحدة، وهذا يوضح أن للحكومة الحق في أن تكذب إذا دعت الضرورة ، لإنقاذ نفسها ، وهذا ما أكده ( ارتر سلفتن ) عندما كان معاونا لوزير الدفاع الأمريكي السابق ( ماكنمارا)
فقد كذب الرئيس ( جونسون ) في عام 1962 ، حاصلا على موافقة معاونيه ، عندما زعم أن فيتنام الشمالية اعتدت على سفن أمريكية في خليج توتكن لتبرير شن عدوان على فيتنام( )، ومكنه ذلك من الحصول على موافقة الكونغرس، وبدأت الحرب الأمريكية الفيتنامية .
كما كذب ( نيكسون ) عندما أخفى عن الكونغرس المعلومات الخاصة بقيام الطائرات الأمريكية بقصف الأراضي الكمبودية ، وكذلك أيضا شاركه هنري كسنجر مدير المخابرات المركزية ، عندما أكد أن لا دور للولايات المتحدة في الأحداث التي أدت إلى انقلاب عسكري في تشيلي ، وموت سلفادور اللندي( ) .
ولا يفوتنا هنا الإشارة إلى كذب الرئيس ( إيزنهاور ) حول عمليات التجسس على روسيا ، بواسطة طائرات الاستكشاف (10-10) السرية ، والتي قامت بالطيران فوق روسيا ، وبعد محاولات تضليل وكذب متعمدا ، اضطر إيزنهاور للاعتراف أمام العالم بأننا كنا نتجسس على روسيا .
كما أن ( جون كندي ) الرئيس الأمريكي الذي تم اغتياله في تكساس أرغم
( ادلاي ستفيوسن ) على الكذب بدفعه إلى التصريح ، بأن معركة خليج الخنازير لا تلزم ولا تعني الكوبيين ، وهذا الرياء والكذب تسهم فيه الشركات الأمريكية ، التي تسيطر على 6700 محطة إذاعية تجارية ، وما يزيد عن 700 مركز تلفزيوني ، و 1500 صحيفة يومية ، يعتبر الكذب والدعاية أساس صناعتها( ) . وهنا لا بد لنا من ذكر ما تعرض له العراق من حملة تضليل من قبل وزارة الدفاع الأمريكية والمخابرات الأمريكية وشاركت فيها وزارة الخارجية الأمريكية والتي تمثلت باتهام العراق بامتلاكه لأسلحة الدمار الشامل والأسلحة الكيماوية والسرعة التي من خلالها يتمكن العراق من استخدام هذه الأسلحة ضد العالم الحر وإسرائيل , وقد عهد إلى لجنة مختصة بالترويج إلى مثل تلك المزاعم والتي لم تثبت بعد على ارض الواقع .
وفي دراسة أعدها الأستاذان الجامعيان الكنديان ( ميشال كيلي وتوماس ميتشل ) حول التغطية الإعلامية للعمليات الإرهابية في صحيفتي نيويورك تايمز الأمريكية والتايمز البريطانية ، ما يؤكد ذلك ، فقد اختار الباحثان 158 حادثا إرهابيا في عدة مناطق من العالم ، ودرسا كيفية التغطية لهذه الأحداث في الصحيفتين ، وخلصت الدراسة إلى أن هناك تعمدا واضحا في إبراز أحداث ، قد تكون واهية أو غير ذات قيمة بالتركيز عليها ، وإهمال أحداث أخرى تشكل خطرا على الأمن والسلم الدوليين( ) .
ومن هنا نجد أن الولايات المتحدة قد استخدمت وسائل الإعلام استخداما سيئا في التأثير على الرأي العام . ويذهب ( جمعة بارة ) إلى أن من النقاشات التي تمت في ندوة بروكسل ، حول الإرهاب في 20 مارس 1973 ، حيث إن العديد من المراقبين لاحظ أن وسائل الإعلام تتحمل المسؤولية الكاملة في حساسية موضوع الإرهاب، وخاصة الأمريكية ، والتي تختار أعمالا معينة لتغطي عليها الصفة الإرهابية ، فوسائل الإعلام تلعب دورا رئيسيا وفعالا في تركيز انتباه الرأي العام على الإرهاب حول بعض الأعمال . وهذه الوسائل غالبا ما تنسى أن هناك نوعين من الإرهاب ، وأن أكثرهما خطورة ليس ذلك النوع الذي تحرص على إظهاره في حجم مكبر ، بل إن الخطورة الفادحة تكمن في النوع الآخر ، الذي لا يثار إلا نادرا ، وهو إرهاب الدولة ، وبالنظر إلى ما تحظى به من وسائل ، وما ينجم عنه من نتائج ، لا يمكن أن تقارن خطورتها أو حجمها للنوع الأول( ) . لقد استحدث الولايات المتحدة الأمريكية شكلا آخر يضاف إلى
أشكال الإرهاب المعروفة إنه إرهاب الكذب الرسمي أو الإرهاب الأبيض ، ولكن السؤال الذي نعمل على إيجاد إجابات له ، هل الولايات المتحدة دولة تمارس الإرهاب ؟ وإذا كان كذلك فكيف تعاملت مع حركات التحرر ؟ وما هي أوجه نشاطاتها الإرهابية ؟.
يشير الكاتب ( عز الدين البشتي ) في كتابه تاريخ الإرهاب الأمريكي ، أن سياسة الإرهاب الأمريكي تمر بثلاث مراحل :
المرحلة الأولى : وهي مرحلة دعم الإرهاب الإسرائيلي من خلال المساعدات من جهة ومن خلال الفيتو الذي كانت تمارسه في مجلس الأمن الدولي ضد إدانة العمليات الإرهابية الإسرائيلية من جهة ثانية .
المرحلة الثاني: هي مرحلة الممارسة المحدودة للإرهاب ، وذلك من خلال حادث اعتراض طائرة الركاب المدنية المصرية فوق البحر المتوسط ، وإجبارها على الهبوط في قاعدة عسكرية أمريكية في جزيرة صقلية الإيطالية .
المرحلة الثالثة : هي مرحلة الممارسة الواسعة للإرهاب من خلال العدوان على الدول ذات سيادة مثل ليبيا ، وقصف أهداف مدنية في عاصمتها بالذات ، ولن يكون مستغربا أن يكون هناك مرحلة رابعة باجتياح مباشر لإسقاط نظام سياسي ، وفعلت ذلك فعلا في بنما وغرينادا( ) . وكذلك العدوان على العراق وأفغانستان . إن تبني الولايات المتحدة لمثل هذه السياسة ، يعني التخلي عن كل القوانين والأخلاق ، وتتبني المبدأ التلمودي الذي يقول : " إذا كنت تعتقد أن أحدهم جاء ليقتلك فسارع أنت إلى قتله أولا " .
وفي كتاب بعنوان ( الثورة ) للكاتبة ( مارى تشارلز ) وهي تتناول ثورات الشعوب في العالم الثالث منذ 1975 ، وقد أوردت الإحصائية التالية : أمريكا ضربت الرقم القياسي في إبادة وإرهاب الشعوب ، فكويلان خان أباد 15% من شعوب الشرق الأدنى ، وأسبانيا أبادت 15% من الهنود الحمر ، وهتلر أباد 5% من الأوربيين ، بينما أبادت أمريكا 9% من الفيتناميين ، و 75% من الهنود الحمر، هذا فضلا عن حيفا والليندي ، ومارثر لوثر كنج ، والشعب الفلسطيني "( ) . ولم يقتصر الإرهاب الأمريكي على إبادة الشعوب بل نجد أن الدعم كبير إما عن طريق حكوماته أو عن طريق مؤسساته أدى إلى نشوب الحروب بين الدول ، حيث يعرف العالم أن الشركات الأمريكية هي فرع للمخابرات ، تنفذ مؤامراتها والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى، ومع ذلك ففي إمكاننا أن نقدم مثالا واحدا نكتفي به ، لأنه يؤرخ لسطوة الإرهاب الأمريكي في سنة 1932 ، قامت حرب التشاكو بين أفقر شعبين في أمريكا الجنوبية، البارغواي وبوليفيا وصفتها بأنها " حرب الهنود العراة " وفي 30 مايو 1934 كشف السناتور ( هوى لونغ ) من ولاية ألويزيانا أن شركة ستاندارد أويل قد فجرت حربا بأن مولت الجيش البوليفي ، ليطالب بحقوق إقليمية في إقليم التشاكو ، التابع للبارغواي ، وذلك بسبب احتمالات الثروة النفطية في الإقليم ، وكانت هذه الحرب بمثابة مذبحة ، لم تتخلف شركة شل المنافسة لشركة ستاندارد أويل على تمويل جيش البارغواي( ) . وهي ليست واحدة فقط من العمليات التي ساهمت فيه الحكومة الأمريكية في خلق حالة من الرعب العام والخوف والإرهاب ، بسبب مصلحة خاصة ، سواء للولايات المتحدة أو لشركاتها ، وتشير الإحصاءات المسجلة في عام 1986 وقعت حوالي 800 حادثة إرهاب دولي ، فيما يزيد عن 80 دولة ، أدت إلى وقوع 2000 إصابة . " إحصاء وزارة الخارجية الأمريكية نشرة في 30/1/1987 ، وفي حين كان مجموع حوادث الإرهاب الدولي في العام 1984 حوالي 700 ، وفي العام 1983 م حوالي 500 ، وبلغ عدد الضحايا في خمس سنوات (79-83) 2093 قتيلا ، 4349 جريحا ، وقد أحصت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية الأعمال التي قامت بها باعتبار أنها ليست منظمة إرهابية، حيث أشارت إلى أن ما بين 1968-1976 وقعت 1152 حادثة ، منها 451 في أوربا ، أي حوالي 40%( ) . وسردنا هنا هذه الإحصائيات لنؤكد أن الإرهاب الدولي ظاهرة عالمية تجتاح العالم ، وقد استخدمت الولايات المتحدة سياسة القواعد العسكرية الموجودة خارجها ، وأن وجود هذه القواعد جاء بما اعتبرته واشنطن ملء الفراغ ، وهو المشروع الاستراتيجي ، الذي تبناه إيزنهاور ، إن الهدف الرئيسي المعلن من سياسة القواعد والتواجد العسكري هو مواجهة الخطر الشيوعي ، فالولايات المتحدة لا تنتظر حربا عالمية للتصدي للسوفيات ، ولكنها تدخل دوما في شؤون الدول بحجة الخطر الشيوعي ، حيث تشير الإحصاءات إلى " أنه يوجد خارج الولايات المتحدة 520 ألف جندي في العالم ، منهم حوالي 65 ألف على ظهر السفن الحربية ، أما الأسطول
السادس الذي يتواجد في البحر المتوسط قوامه 27200 جندي مسلح بست غواصات نووية ، وحاملتي طائرات و 12 سفينة قتال سطحي و 11 سفينة إعداد ، ودعم خدمة برمائية ، لديها خمس سفن إنزال ، ويملك الأسطول ثلاث سفن مخازن ، وله قواعد في إيطاليا في نيثار ونابولي ، حيث قيادة الأسطول، ويبلغ عدد القوات الأمريكية في إيطاليا نحو 5250 ، ويوجد قاعدة ردنا الأسبانية 2600 جندي "( ) . إن هذا التواجد الملفت للنظر يؤكد مدى استعداد الولايات المتحدة لاستخدام القوة والتدخل في شئون الدول الأخرى ذات السيادة ، من أجل فرض سياستها على الشعوب ، ومن أبرز استخدامات هذه القواعد وهذا الكم الهائل من الجنود التدخل في شؤون الدول ، ومحاولتها للقضاء على حركات التحرر العالمي ، واستخدامها لطرق إرهابية مختلفة، بداية من الاغتيال إلى التدخل المباشر ، وقلب أنظمة الحكم .
2- نماذج الإرهاب الدولي الأمريكي ضد حركات التحرر العالمي :
في المؤتمر الثاني للإرهاب الدولي ، الذي نظمه وأقامه في واشنطن معهد جوفاثان ، وقف جورج شولتز وزير الخارجية الأمريكي الأسبق يقول : " إن ما تعلمناه عن الإرهاب قبل كل شيء هو أنه عنف عشوائي ، وأنه موجه ، وله هدف [ وعندما حاول شولتز أن يفسر معنى التوجيه ، أو دلالة الهدف ، حدد الأمر بشكل قاطع قائلا ] الإرهاب أينما يحدث يكون موجها إلى حد كبير ضدنا نحن الديمقراطيين ، ضد قيمنا الأساسية ، وعلى الأغلب ضد مصالحنا الاستراتيجية الأساسية " [ بل إن شولتز لم تكن تنقصه الصراحة حينما قال في نفس المؤتمر ] : إننا لا يجب أن نتبع استراتيجية إيجابية ودفاعية حقيقية ضد الإرهاب فحسب ، إنما يجب أن نقوم بعمل عسكري شجاع ومباشر تلحه الضرورة ، ضد مراكز الإرهاب كالحملة الإسرائيلية على لبنان سنة 1982( ) . وفي نفس المؤتمر يقف الدكتور ( بيرتون ريتر ) أستاذ القانون والعلاقات الدولية بجامعة نيويورك ، ليتكلم بصراحة أكثر ويقول : " إن الإرهابيين كمنظمة التحرير الفلسطينية ، يجب أن يوصفوا بصراحة ووضوح أنهم خطر على السلام والنظام العالميين وتهديد للحضارة "( ) . والسؤال هنا بماذا يوحي لنا رئيس الدبلوماسية الأمريكية وأستاذ أمريكي في القانون الدولي ؟ إن هذا الكلام بلا شك نوع من أنواع التعاريف والاصطلاحات التي عرفها الإرهاب ، فالمفهوم الأمريكي لهذه الظاهرة هو العنف الذي يستهدف المصالح والاستراتيجية الأمريكية وحلفائها ، فغزو لبنان في نظر وزير الخارجية الأمريكي عمل شجاع ومباشر ضد الإرهاب ، وبذلك تنقلب المعاني، وتختلط الأوراق ويتحول المقتول قاتل . وكما يقول أمير اسكندر : " مهما تعددت التعريفات ، وعبرت عن وجهات نظر مختلفة ومتباينة ، فالأمر الذي لا شك فيه أن هناك خللا متعمدا وقصورا تفتعله الدوائر الإمبريالية – الصهيونية بين مفهومي الإرهاب ، وحركات التحرر "( ) . إن الغرب الأوروبي والولايات المتحدة يحملان عنصرية زمنية تجاه الشرق ، وإن هذه الشعوب ليست إلا ساحة للاستغلال والنهب وتأكيد ذاتيته ، مهما كان شكلها ، فعقدة التفوق والاستعلاء ومركزية الحضارة الغربية، هي عمق أيديولوجيتها ، لذلك فإن عروش الغرب التي قامت على الجماجم والدم تنتهز الفرص وتلجأ على الفور إلى ترسانتها العسكرية والأيديولوجية والإعلامية ، وتطلق مع صواريخها المدمرة كل غازات تزييف الوعي "( ) .
إننا لا يمكن لنا إلا أن نؤيد مثل هذا الرأي ، ونتفق معه ، فهو رأي يكشف سر نظرة الغرب إلى النضال الوطني ، التي تخوضه حركات التحرر في العالم الثالث ، كما يبين مدى عدوانية السياسة الأمريكية إزاء الحركات التقدمية والمبادرات الشعبية الوطنية في العالم الثالث ، والواقع أن عدوانية السياسة الأمريكية أصبحت واضحة للعيان ، ولا تحتاج إلى تبرير وهي جد متأصلة في الشعب الأمريكي ، ولا تقتصر فقط على صانعي القرار السياسي .
أ- تأصيل العنف في المجتمع الأمريكي :
يقول المؤرخ البريطاني الشهير ارنولد تونيني : " إن الشعب الأمريكي يكاد يكون الشعب الوحيد الذي قفز من مرحلة التخلف إلى مرحلة الانحطاط ، دون أن يمر بمرحلة الحضارة "( ) . وتعبير الانحطاط هنا يدل على انحطاط الأخلاق ، واتسام
المجتمع بالنزعات الفردية الانعزالية ، وشيوع أعمال العنف وسلوكيات الانحراف، وفقدان التوازن الاجتماعي . إن المجتمع الأمريكي يعد في حقيقة الأمر خليط من شعوب عديدة ، توافدت إلى القارة الأمريكية ، كما أشرت سابقا ، بحثا عن الغنى ، أو هربا من الاضطهاد السياسي والديني في أوروبا ، وكان لابد لهذا الواقع من أن ينعكس على نفسية الفرد الأمريكي ، الذي بقي متحفظا في أعماقه بحب المغامرة بالنسبة للأمريكي طريق للبحث الدائم عن مصالح مادية حيث تحول الانعزال إلى نوع من الاكتراث بمشاكل الآخرين . ورد الكاتب الفرنسي المعروف آندري مالر أسباب ذلك إلى كون
" الإنسان بنظرهم هو وسيلة وليس غاية … ، فهم يتكلمون عن الحرب في أيام الانتخابات ، لكنهم لا يهتمون إلا بحماية أعمالهم ، ويملكون القليل من الذوق ، وليس لهم مزايا إطلاقا "( ) . وإذا كان الأمريكيون يتجهون إلى المغامرة لتأمين مصالحهم المادية ، فلابد أن تقترن المغامرة بالعنف والقوة ، وهذا ما حصل تاريخيا ويحصل حتى الآن .
" إن قصة الولايات المتحدة مع العنف والإرهاب ليست قصة حديثة ، إنها متأصلة في الضمير الأمريكي ، ومنغمسة في المجتمع الأمريكي السياسي والاقتصادي والفكري ، فمنذ قدوم أول المغامرين إلى هذه الأرض بدأ الإرهاب الداخلي في أمريكا ينمو حتى اصبح ظاهرة طبيعية ومألوفة "( ) . وتشير الدلائل إلى أن الإرهاب الأمريكي قد زاد في النصف الثاني من القرن التاسع عشر اتجاه العبيد ، حيث اعتبرت جنوب الولايات المتحدة العبيد أدوات وأشياء ، وقد رفضت المحكمة العليا الأمريكية طلب اسود بحريته ، وجاء في حيثيات الحكم " أن العبد ليس مواطنا ، وبالتالي لا يمكنه المثول أمام المحكمة ، إنه ملكية مثل بقية الممتلكات "( ) . وقد قاد الرئيس الأمريكي أبراهام لنكولن تيارا داخليا أطلق عليها حرب الانفصال 1861-1865 ، ذهب ضحيتها مليون قتيل وجريح ، وقد " امتدت يد الإرهاب إلى الرئيس لنكولن عندما صرعه إرهابي أمريكي، وكان بذلك أول ضحية رسمية للإرهاب الأمريكي الداخلي( ) . وفي عام 1881 أدى العنف إلى مصرع رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جيمس غارفيلد بعد أسابيع قليلة من
انتخابه . وفي مطلع القرن العشرين صرع رصاص العنف الأمريكي الرئيس وليام ماك كنيلي ، وهو من أوائل المنادين بالاستعمار الأمريكي ، وفي سنة 1963 اغتيل الرئيس جون كنيدي في دالاس عاصمة تكساس ، فكان رابع رئيس يذهب ضحية العنف ، وفي أول ظهور له بعد انتخابه تعرض الرئيس ريغان إلى محاولة اغتيال فاخترقت الرصاصة صدره دون أن يموت!!؟
" إن هذه الهالة الإرهابية قد دفعت بأدباء ومفكرين أمريكيين إلى انتقاد نوعية العلاقات المسيطرة في المجتمع الأمريكي ، وقد وصفها الكاتب الأمريكي ( سنكلير لويس ) بأنها " قائمة على الخبث والرياء " وكان الروائي الأمريكي الشهير ( ارنست همنغواي ) قد وصف هذه العلاقات بأنها تستند إلى " أخلاقية ومثل عليا لدى الشعب الأمريكي "( ) ، ولم يقتصر الإرهاب في أمريكا على العلاقات القائمة داخل المجتمع فقط ، بل إنه يوجد كذلك داخل مراكز اتخاذ القرار ، والسلطة الحاكمة ، فالنظام الأمريكي مارس الإرهاب داخل الولايات المتحدة وخارجها ، لإسكات أصوات المطالبين بالعدالة الاجتماعية ، أو بالحريات الفكرية ، فقد عرف أسلوب العنف الأمريكي تصاعدا في 1947 على إثر تطوير القنبلة الذرية السوفياتية فقام النظام الأمريكي باضطهاد وملاحقة الشيوعيين واليساريين ، " وقام الرئيس ترومان باستجواب 14 ألف مواطن أمريكي ، للاشتباه بأنهم ذو ميول يسارية ، وقام عضو مجلس الشيوخ الأمريكي ( جوزيف ماك كارتي ) في سنة 1950 بحملة معادية لكل ما هو يساري وشيوعي ، فجمع كل المؤلفات الخاصة بالمفكرين اليساريين من المكتبات ، وتم حرقها في الشوارع( ) . وإذا كان الإرهاب قد تأصل في المجتمع الأمريكي على مر السنين فإن الولايات المتحدة عملت على تصديره إلى خارج حدودها ، فمنذ أواخر القرن التاسع عشر بدأت الأفكار الاستعمارية تنتشر في الولايات المتحدة ، وقد دعا أحد كبار المؤرخين والاستراتيجيين الأمريكيين النقيب
( ماهان ) إلى مد النفوذ الأمريكي إلى كل أرجاء القارة الأمريكية ، وكتب السناتور
( كابوت لودج ) " يجب أن لا يكون من ريوغراندي في البرازيل إلى محيط اركنيك القطب الشمالي سوى علم واحد وبلد واحد "( ) . ومع تطور الأفكار الاستعمارية بدأت الولايات المتحدة تمارس سياسة القوة العسكرية خارج حدودها ، مستخدمة جميع وسائل العنف والإرهاب والقتل ، لإخضاع الشعوب والسيطرة عليها ، وبدأ الإرهاب الأمريكي يتبع علم الولايات المتحدة في الخارج ، الأمر الذي أدى بالكاتب الأمريكي (مارك توين) إلى أن يقترح على الرئيس (ماك كينلى ) " استبدال قماش العلم الأمريكي الأبيض بقماش اسود ، ووضع جماجم الموت مكان النجوم التي تزين هذا العلم "( ) . إنه من الصعب تحديد الطابع الإرهابي العلني في السياسة الأمريكية إلا في زمن الحرب التي تشنها ضد شعوب ضعيفة ، وباستثناء هذا الجانب يجري طمس الطابع الإرهابي لنفس السياسة في فترات السلم ، والذي غالبا ما يرتدي أشكالا اقتصادية وسياسية وعسكرية مختلفة ، فقد كان الشكل العسكري هو أكثر تلك الأشكال وضوحا .
ومن هنا فإن الولايات المتحدة التي اعتبرت أمريكا اللاتينية وفقا لمبدأ مونرو(**) تمثل عمقا جغرافيا لاستراتيجية القوة الأمريكية ، وعلى المستوى الفكري والأيديولوجي ، فمبدأ مناهضة الشيوعية يعد قناعا تختفي وراءه الإدارة الأمريكية بعقليتها وحقيقتها في أحكام سيطرتها على مصادر المواد الأولية ، وزرع القواعد العسكرية مبررة كل القرارات المتخذة على الصعيد العالمي أو الداخلي من قبل الحكومات المتعاقبة( ) . فباسم مناهضة الشيوعية أطيح بحكومة محمد مصدق في إيران سنة 1953 عن طريق المخابرات المركزية الأمريكية ، ودخلت القوات المسلحة الأمريكية لبنان سنة 1958 بطلب من الرئيس اللبناني كميل شمعون ، وفي يونيو 1950 اندلعت الحرب بين الكوريتين بأمر الرئيس ترومان ، وتميزا باعتبار أن الدولة الأمريكية قد كونت قوة عسكرية خاصة بالتدخل في أي مكان تعتبر أن مصالحها مهددة فيه . إن هذا ليس الشكل الوحيد بل توجد أشكال أخرى مثل الإرهاب السياسي الممارس ضد الشعوب المغلوبة على أمرها من طرف الأنظمة الموالية لأمريكا ، والإرهاب التخريبي الممارس من قبل دول مستقلة معارضة لأمريكا ، أو الإرهاب الاقتصادي الممارس عن طريق الاستغلال الاقتصادي والاحتكارات الأمريكية ، والذي تطبق فيه سياسة المقاطعة والحصار والتلويح باستخدام القوة العسكرية ، والعمل على تكوين تكتل دولي لمحاربة بلد ما عن طريق الامتناع عن شراء صادراته على غرار ما تفعله مع ليبيا ، ولما كان شيئا ثابتا ارتكزت السياسة الأمريكية منذ البداية على استراتيجية استعمارية تهدف إلى الهيمنة والتسلط على قدرات الدول الأخرى ، فإن الإرهاب يمثل شكلا أساسيا لتلك الوسيلة باعتباره مجموعة من الإجراءات المتخذة من أجل توفير الضمانات ، والشروط الكافية لخدمة المصالح الأمريكية وتبنيها والحفاظ عليها . ونضيف هنا ما أكده محمد المصري بأن " تجار الموت ، وهي التسمية التي تطلق في الولايات المتحدة على منتجي الأسلحة ، يسعون لكي لا يتخلفون عن المجمع الصناعي العسكري ، وحيث تجري التلاقي بين نهج الولايات المتحدة السياسي الخارجي والعنف الداخلي وبين الإرهاب الدولي والإرهاب باعتباره نمط للحياة الأمريكية( ) .
ب- الإرهاب الرسمي أداة سياسة الهيمنة الأمريكية :
منذ بداية الحرب العالمية الثانية أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية قوة العالم الرأسمالي بدون منازع ، وأضحى الدولار العملة المهيمنة على السوق العالمية .
فقد عملت القوات الأمريكية الجوية والبحرية على تقديم الغطاء الجوي ، ودعم حكومة كوريا الجنوبية في الوقت الذي تكفل فيه الأسطول السابع بحماية ( فورموزا ) ، وقد اتسمت هذه الحقبة بالماكارثية للإشارة على الجو السائد في الولايات المتحدة ، وانتهاء الأمر إلى التدخل المباشر في كوريا 18 سبتمبر 1950 ، " جاءت الحرب الكورية كفرصة مناسبة لأمريكا من أجل تدمير المؤسسات الصناعية ، والمدن والقرى الكورية الشمالية من أجل تجربة سلاح جديد هو النابالم( ) .
وفي الوقت الذي ركز فيه الرؤساء السابقون كل جهودهم على الثورة المضادة العالمية ، وبنوا تحليلاتهم واستراتيجياتهم على أساس إمكانية وحتمية الحرب الثورية، مهملين بذلك الأقطار التي أريد لها أن تكون متخلفة ، والتي تعد مجرد بيادق عسكرية ودبلوماسية ، وجه الرئيس ( كندي ) الاستراتيجية العالمية الأمريكية في اتجاهين
" الاتجاه الأول : تمثل في استمرار المحافظة على ضغط عسكري وعلى تهديد نووي دائم ضد حلف وارسو ، قصد إجبار الدول المنضوية في هذا الحلف على الجمود في الساحة العالمية ، دون أن يسبب ذلك مواجهة عسكرية مباشرة . الاتجاه الثاني : يتمثل في تحقيق سياسة ديناميكية إزاء دول العالم الثالث ، على أساس أنها البؤرة الثورية التي يجب إخمادها "( ) .
وكانت الترجمة العملية لذلك هو السعي لإقامة أحلاف عسكرية ومعاهدات دفاع ملزمة ، لدول ذات الأنظمة الموالية لأمريكا ، وقد عمل كندي على وضع جهاز عسكري ضخم ، يساعده على القيام بأي شكل من أشكال التدخل العسكري ، والحروب في مواجهة حركات التحرر ، كما وفر لتلك الأغراض وسائل وإمكانيات عمل أيديولوجية دقيقة للغاية من أجل استمالة الأرواح والنفوس . " قد وسعت الإدارة الأمريكية تحت ظل ريتشارد نيكسون ، نطاق هذه السياسة القائمة على تقاسم المسؤوليات ، وحث الدول التي تدور في فلك الولايات المتحدة على ممارسة القمع الداخلي وخوض الحروب "( ) . وأشرفت الولايات المتحدة بنفسها على التدخل العسكري مباشرة ، عندما عجزت الأنظمة الموالية عن الوقوف أمام موجة التحرر الوطني، وصعدت بذلك الحرب ضد فيتنام إلى نصف مليون جندي ، استخدموا الترسانة الحربية المتطورة لبلادهم ، وبدأت الإدارة الأمريكية عملياتها الإرهابية ضد السلفادور مثلا ، حيث اعتبرت التدخل أداة رئيسية لتغيير ميزان القوى على الساحة العالمية لصالحها ، واستخدمت أسلوب خلق أعداء للدول التي ترغب في التدخل فيها من جيرانها ، وهو الطور الأول لسياسة الإرهاب " وتلجأ الولايات المتحدة إلى تكنيك استخدام الصنائع، كأداة للإرهاب الدولي ، ويدل ذلك على الأطماع التي تستهدف الدول الواقعة ضمن القوس الممتد من الهند الصينية حتى جنوب أفريقيا( ) .
وقد استخدم مستشارو الرئيس كندي الإجراءات العسكرية والسياسة والاقتصادية لقهر حركات التحرر في العالم الثالث ، ولوضع تلك الإجراءات موضع التنفيذ ، أنشاء البنتاغون مجموعة فرق خاصة ، " حيث تشكلت من القوات الخاصة بجيش البر القبعات الخضر ، والكوماندوس البحري ، وقوة العمليات الخاصة لسلاح الجو "( ) . وقد استخدمت هذه الوحدات في بوليفيا ، وغويتمالا ، وهندوراس ، وإندونيسيا ، وتايلاند والفلبين ، إضافة إلى ذلك فإن الولايات المتحدة تقوم بتشكيل مجموعات مسلحة معارضة لحركات التحرر في خرق لقرارات ، وتوصيات الجمعية العامة في قرارها رقم 3103-12/12/1973 بأن إنشاء أنظمة مضادة لحركات التحرر ، مثل نظام بول بوث في كمبوديا ، وعصابات الكونترا في نيكاراغوا ، " فقد وصلت مساعدة إدارة ريغان لعصابات بول بوث ( الخمير الحمر ) نحو 300 مليون دولار "( ) ويشير المراقبون أن عمليات الإرهاب الدولي التي تمارسها واشنطن في البلدان النامية ، إضافة إلى ما تم إعلانه من مخططات جديدة للتقديم مساعدات إلى الثورة المضادة في أفغانستان ، وأنغولا وكمبوديا ، هي انتهاك لمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة .
ويشير محمد المصري إلى " أن تقييم العلاقات ما بين أمريكا وحركات التحرر في الستينات والسبعينات ، يمكننا من التأكد بمسؤولية أنها وقبل كل شيء [الإدارة
الأمريكية ] قد تعاملت وتتعامل مع الدول النامية ليس بحسب مبادئ سياسة من موقع القوة ، بل إنها تميل بالذات وباستمرار نحو مزيد من الإرهاب الحقيقي ضد التيار القومي التقدمي "( ) . ويمثل الإرهاب السياسي الجزء الأساسي من ممارسة الدولة الأمريكية ، ويتخذ هذا الإرهاب شكلين هما :
" الاضطهاد والقمع الممارس بواسطة الأنظمة الموالية ، ثم أعمال العنف والاغتيالات والتصفيات الموجهة بشكل خاص ضد الشعوب ، والقادة المعارضين لأمريكا والمدافعين عن حرية واستقلال بلدانهم ، ضمن أهم مميزات الاستعمار الأمريكي الجديد ، وضع وتركيب أنظمة تكون خاضعة كليا للنفوذ والهيمنة الأمريكية، وتدين لها بالولاء في دول العالم الثالث( ) .
وعند دخول ريغان إلى البيت الأبيض جاء في مقدمة حملته الدعائية ضد الإرهاب الدولي ، قوله : " … فيما يتعلق بالإرهاب كظاهرة دولية فإننا سنشحذ كل القوى ونبلغ النجاح وسنعمل على تدمير كل مراكز وعقول الإرهاب الدولي "( ) . ويبدو أن ريغان متأثر جدا بالدعاية الإعلامية ، لأن الإحصائيات العالمية حول الإرهاب ، تشير بدلالة واضحة إلى مدى التورط الأمريكي ، ولقد رحب العالم بهذه الآراء المنقولة من أن ريغان سوف يستأصل الإرهاب الأمريكي من بيته الأبيض ، ولكن رد ريغان كان حاسم ، فدعم الكونترا ، وضرب ليبيا ، وأيد ضرب كل حركات التحرر العالمي .وهو ما فعله الرئيس بوش الإبن حين دعم اسرائيل في بطشها للشعب الفلسطيني بعد أحداث سبتمبر( ايلول) 2000، واحتلت القوات الأمريكية العراق وتناسا ابن لادن في أفغانستان . وكان الرئيس بوش قد اعطى الأولوية لمهامه الرئاسية لمحاربة الإرهاب كما ادعى ، وجعل من حقوق الإنسان في المرتبة الثانية ، وهو ما كان قد سبقه به وزير الخارجية الأمريكية السابق (هيغ) والذي كان قد صرح للصحافيين " بأن حقوق الإنسان سوف تحتل المرتبة الثانية في أولويات الإدارة الأمريكية ، وأن مكافحة الإرهاب هي التي ستمثل المرتبة الأولى، وما تقصد بالإرهاب الدولي هو العصيان المسلح والحروب الثورية للشعوب "( ) .
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الإدارة الأمريكية قد اتخذت عديد الإجراءات ضد حركات التحرر في عهد ريغان من بينها :
1- إنشاء هيئة الأركان الأمريكية المشتركة ، قيادة مشتركة جديدة للعمليات الخاصة ، مهمتها تنسيق العمل بين نشاطات مختلف الوحدات الخاصة بالأسلحة الثلاثة ، وإنشاء مثل هذه القيادة التي أسندت إلى الجنرال ريتشارد شولتز ، يشير إلى الأهمية المتزايدة لمقاومة الإرهاب لدى أعلى المستويات في البنتاغون .
2- أنفقت إدارة ريغان 30 مليون دولار كمساعدة بالأسلحة والذخائر، لمقاومة الثوار في السلفادور ، كما يوجد بها مستشارون عسكريون أكثر تنظيما وتنسيقا ، كما أنها زودت مساعداتها العسكرية للهندوراس وغويتمالا.
3- تلقت بلدان أخرى في العالم الثالث التي تتعرض لهجمات الثوار المحليين مساعدات عسكرية جديدة ، وتتضمن الموازنة المالية للعام 1982 زيادة ملموسة للمساعدات المخصصة ، قدرت بأكثر من 570 مليون دولار خصصة لهذه الدول ، منها : تايلاند وإندونيسيا والفلبين .
4- كشف البنتاغون عن دورات تدريب لرجال العصابات ، حيث أقامت القوات البحرية قواعد تدريب في جزيرة غوام وقيس البر في قاعدة خاصة في بنما ، كما جرت سلسلة من العمليات لمقاومة رجال العصابات في مناطق جنوب غربي الولايات المتحدة .
5- تشكيل قوات التدخل السريع ، فإن الولايات المتحدة أصبحت مهيأة للتدخل خارج نطاق عمليات قوات الحلف الأطلسي ، وحماية النفط في الشرق الأوسط( ).
إن هذه الإجراءات تبين مدى اهتمام السياسة الأمريكية بقتل وإنهاء حركات التحرر ، ففي الوقت الذي كان عدد الثوار وأنصار هذه الحركات لا يتجاوز المئات، وبأسلحة تقليدية ، تعمل الولايات المتحدة على توسيع نطاق الاستعداد العسكري للقضاء على هذه الحركات . وكان نتاج لهذه السياسة الأمريكية وتدخلها المباشر في مصالح متعددة في العالم في عهد ريغان إلى وقوع 45 عملية إرهابية ضد المصالح الأمريكية، ففي أوروبا تحركت جماعات مختلفة ضد المصالح الأمريكية ، حيث كانت الولايات المتحدة هي الهدف الأول للعمليات الإرهابية ، فقد أكد تقرير أصدرته وزارة الدفاع الأمريكية عام 1986 " أن أكثر من 400 أمريكي قد لقوا مصرعهم خلال 73-85م ، بسبب اعتداءات إرهابية وقعت أساسا في أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط ثم أوروبا وأخيرا آسيا "( ) .
ويذكر نائب الرئيس ريغان ( جورج بوش ) أن عدد العمليات التي قتل فيها ضحايا أمريكيون قد ارتفع من 20 قتيلا 1968 إلى 426 في عام 1985 ، وأكد التقرير أن الأهداف والرعايا الأمريكيين كانوا عرضة للهجمات ، بمعدل عملية واحدة كل 17 يوم، طوال عشر سنوات مضت ، وأن عدد الضحايا من الدبلوماسيين خلال السنوات السبعة عشر ، يعادل عدد القتلى من هذه الفئة خلال 180 سنة( ) . إن هذا يدل على أن اتهام دولة محددة مثل العراق بأنها تعرض مصالح الولايات المتحدة للخطر ، هو مجرد افتراء. فالاعتداءات على الأمريكيين هو جني ثمار لما تفعله السياسة الأمريكية ، وبذلك فإن الولايات المتحدة هي التي تنتهج سياسة خاطئة ، وعليها تحمل مسؤولية ما تفعله بالعالم، فإن ما يحصل للولايات المتحدة هو ناجم عن سياسة اتبعتها ضد حركات التحرر العالمي. فالولايات المتحدة تترجم اهتمامها بقوى الأمن في الدول الصديقة لها عن طريق التجهيزات والمساعدات ، وتكون أجهزة القمع والإرهاب ، كما عمدت إلى تكوين وتخريج دفعات من العناصر المتخصصة في التعذيب والترهيب ، وفي هذا الإطار تمد الولايات المتحدة أجهزة الأمن المختلفة في العالم الثالث ذات الأنظمة المرتبطة بها بالعدة اللازمة لتحقيق الأهداف المرجوة في الحرب الداخلية .
ولقد كتب الكاتب الأمريكي ( مايكل كلير ) في كتابه تصدير القمع أن
" … الولايات المتحدة وحكومتها ومصانع الأسلحة فيها متورطة إلى أقصى حد في توريد تكنولوجيا القمع لحكومات أجنبية ، بما فيها أكثر الدكتاتوريات في العالم سيئة السمعة … وهناك عدد من الحالات يدل على أن هذه الحكومات استخدمت معداتنا لقتل أو تشويه ، أو قامت بشكل آخر باضطهاد المعارضين المدنيين ، خرقا للقانون الوطني والدولي"( ) .
ويشير الكاتب إلى إذا ما رغبنا في الوفاء بتعهد أمريكا ، بأن تتحدث بقوة عندما تتعرض حقوق الإنسان للتهديد ، فليس أمامنا أي خيار أخلاقي إلا أن نبدأ بأنفسنا ، وأن نفكك أنابيب نقل تكنولوجية القمع التي أسهمت في خلق وحشية واضطهاد متناهية ، ومثل هذا العمل مرهون بمبدأ أساسي آخر : سياسة عدم التدخل في الشؤون السياسية الداخلية لبلد آخر( ) .
وينبه ( مايكل كلير ) إلى أن تصدير القمع الأمريكي أدى إلى مردود معاكس على أمريكا نفسها ، حيث يعرضها لأعمال عنف فيقول : " … إلى جانب هذه الاعتبارات السياسية والأخلاقية ، فإن ثمة عقابا شديدا للتراخي ، حيث إن أنابيب القمع ستؤدي بشكل متزايد إلى فائض معاكس من العنف السياسي ، لأنه بالتورط في خلق وإنعاش الأنظمة القمعية والسلطوية في الخارج ، لا نستطيع أن تأمل التهرب من تخريبها عندنا ، فقد أرسلت حكومات كوريا الجنوبية ، وتشيلي ، أتباعها للولايات المتحدة لإفساد مؤسستنا ، بما فيها الكونغرس ، أو لقتل مواطنينا وضيوفنا ، فإذا كان علينا حماية حرياتنا واستقلالنا من تدفق البربرية ، فإنه يجب علينا التوقف عن تصدير أدوات القمع إلى الحكومات الاستبدادية"( ).
فهل يمكن بعد هذا أن تصدق إدعاءات أمريكا نفسها ، بأنها تقاوم الإرهاب ، وهل تصحح اتهاماتها للدول ، التي تعارض سياستها بممارستها للإرهاب !!؟ إن في كلمات هذا الكاتب الأمريكي ما يفند تلك الادعاءات والاتهامات بشهادة شاهد من أهلها!!
فلو أخذنا العلاقات الأمريكية الإسرائيلية كمثال لدعم الأنظمة الإرهابية ، فإنه من البديهي أن تكون هناك علاقات أمنية بين الولايات المتحدة وإسرائيل ، وهي أكبر المستفيدين من أدوات القمع ، والاتصالات السرية ، وتجهيزات القمع ، حيث يشير (شارل ديقول) إلى ذلك بقوله : " إن الاعتقاد بأن إسرائيل مستقلة عن أمريكا وهم وسراب"( ) .
وليس بخفي أن الولايات المتحدة تهدف بالدرجة الأولى من خلال تشريعاتها في مقاومة الإرهاب إلى محاربة حركات التحرر ، التي تناضل من أجل الاستقلال ، وتقرير المصير ، فلو كانت الولايات المتحدة تهدف فعلا إلى مقاومة الإرهاب، لشملت قوانينها أعمال إسرائيل ، باعتبارها مركز أخطر العصابات الإرهابية في العالم ، " إن الولايات المتحدة قدمت الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي لإسرائيل ، كاشفة بذلك من خلال سياستها على الإرهاب ضد الشعب العربي "( ) .
ومن جهة أخرى فإن الإدارة الأمريكية التي تدعي مقاومتها للإرهاب ، تمارسه من أجل صورتها ، وتدعيم مرتكبيه بجميع الوسائل الإرهابية في الأرجنتين أيام حكم الجنرالات ، وفي الأورغواي وأثيوبيا أيام حكم الإمبراطور هيلاسلاس ، وتايلاند والبرازيل وإيران أيام حكم الشاه( ) .
لقد قدم ( آلت ووستر) كمنظر للسياسة الإرهابية الأمريكية العديد من المقالات والكتب والأطروحات، التي ركز فيها على أن الشيوعية شيطان كبير ، يتربص بالأمم المتخلفة التي تمر بفترة صعبة أطلق عليها ( فترة التحديث أو عصرنة المجتمع ) فالشيوعيون وفي نظره ذباب أو حشرات ، هذا التحديث وهذه العصرنة والولايات المتحدة كمسؤولة عن العالم الحر ليست مضطرة لتعبئة طاقاتها ومواردها الخاصة فحسب ، بل كل طاقات وموارد العالم الحر ، بهدف محاربة هذا الطاعون العالمي المتمثل في الشيوعية( ).
هكذا يبدو أن أنصار النموذج الأمريكي ينظرون لكافة الأشكال والأساليب والوسائل التي تساعد على ترسيخ قيم هذا النموذج ، حتى ولو كان ذلك على حساب الرواح البشر الأبرياء من شعوب العالم(*) .
ج- أجهزة المخابرات وممارسة الإرهاب :
إن أهم شيء تعتمد عليه السياسة الأمريكية هو الإرهاب التخريبي ، الذي يتجسد ويمارس في الإطارين السياسي والأيديولوجي ، ويتمثل في مجموعة الأعمال التي تنظمها أمريكا عن طريق أجهزة البوليس والمخابرات السرية ، ضد دول أخرى ( قتل ، تخريب ، اغتيال ) فالإرهاب التخريبي هو إرهاب تقوده جماعة تنتمي إلى منظمة مرابطة في الخارج ، ومرتبطة بأجهزة المخابرات الأمريكية ، التي تحرض على القيام بأدوار إرهابية ، بعد تدريب وتأصيل أيديولوجي ، وتنفرد وكالة المخابرات المركزية بتقديم المثال العام ، الذي ينضوي على كافة الممارسات والمهام الخاصة ، لارتكاب الجرائم وحيك المؤامرات ، وتدبير الانقلابات العسكرية الدموية على صعيد أقطار العالم الثالث كافة .
" فوكالة المخابرات المركزية تعد الذراع السرية للسياسة الخارجية الأمريكية، حيث تشكل عملياتها الطريق المباشر والسبيل للوصول إلى الأهداف المحددة منذ تأسيسها سنة 1947 ، تم خضم الحرب الباردة ، ومنذ ذلك الحين عرفت المؤسسة عدة أدوار مسرحية ، قام بها قتلة ومهربو المخدرات ، كانوا يهدفون منها بيع الموت حسب تعبير غولدن سودان( ) .
ولا تكتفي المخابرات بالأنشطة التقليدية كرصد المعلومات والتجسس ، بل قامت بمؤامرات كثيرة ، فقلبت حكومات ، وساعدت على تنصيب حاكم ولايات أمريكية( ). فقد دربت الوكالة الفرق العسكرية ، والمجموعات المتخصصة في الحرب النفسية، وحرب العصابات ، وتلجأ أحيانا إلى وسائل غير مباشرة فتحت خطوط جوية وتنشئ جمعيات دينية ، وإذاعات ، ومدارس ، وشركات ، من أجل التحضير لأعمال إرهابية .
ويشير مجموعة من الباحثين إلى أن الولايات المتحدة تعمل في خطتها للقضاء على حركات التحرر ، باستخدام المأجورين في تنفيذ عمليات مضادة لهذه الحركات ،
التي يجري أعدادها في المدارس الخاصة بالمخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفدرالية ، حيث يجري بشكل خاص تدريبهم في أكاديمية مكتب التحقيقات الفدرالي، وأكاديمية البوليس الدولية في واشنطن ، وفي مدرسة وكالة المخابرات المركزية التابعة لأكاديمية حرس الحدود في لوس فير سينوس ولاية تكساس ، وفي حوادث البوليس الدولي الخاصة في جامعة أيلينوس الجنوبية( ) .
فتلجأ الوكالة في البدء إلى رصد الأشخاص المؤهلين موضوعيا للتعامل معها، وخصوصا الجامعيين ، ولإعطاء فكرة عن أهمية الوكالة ، تكفي الإشارة إلى قسم الاستعلامات في واشنطن حيث يحصل كل يوم على ملايين الكلمات من برامج الإذاعات الأجنبية ، وعلى الآلاف من التقارير من السفراء والملحقين والدبلوماسيين ، كما يسجل عددا هائلا من المكالمات الهاتفية ، لقد أصبح اسم CIA في العالم مرادفا لجبروت ودسائس ومؤامرات الولايات المتحدة الأمريكية ، بحيث تشكل أنشطتها ضرورة أساسية للسياسة الخارجية الأمريكية . وقد بدأت الفضائح تكشف للعالم في مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز بتوقيع ( سيمون هيوتس ) جاء فيه : " إن وكالة المخابرات المركزية أداة التجسس الهامة داخل الولايات المتحدة في عهد الرئيس نيكسون "( ) . وهكذا بدأت الحملة الإعلامية والصحفية ضد وكالة المخابرات المركزية من أجل إرجاع الأخلاق للسياسية الخارجية الأمريكية ، خاصة بعد فضيحة ووتر غيث، وبناء على مبدأ حقوق الإنسان تم انتخاب جيمي كارتر الديمقراطي وقام مجلس الشيوخ بتشكيل لجنة خاصة للتحقيق في نشاطات الحكومة الأمريكية في 27/1/1975 ، برئاسة السناتور ( فرانك تشارش ) ومثل ( هنري كسنجير ) وزير الخارجية أمام هذه اللجنة، واعترف أمام السلطة التشريعية أنه قام بتنفيذ عدة عمليات إرهابية بناء على طلب الرئيس نيكسون نفسه ، وفي 16/4/1976 نشرت اللجنة تقريرها ، الكامل عن تورط المخابرات الأمريكية في العديد من المؤامرات ، التي نظمت لاغتيال العديد من رجال الدولة الأجانب ، غير المرغوب فيهم ، وأنها دعمت انقلابات وشددت على عمليات إرهابية متنوعة في بلدان مختلفة ، وسوف نوجز عددا من تلك الاغتيالات ومحاولات قلب أنظمة الحكم في العالم .
والجدير بالذكر " أن وكالة المخابرات المركزية قامت بقتل عملائها ، منهم نجودين ديم في جنوب فيتنام ، وترويللو في جمهورية الدومينيكان "( ) .
هذه الحقائق الدامغة التي كشف عنها التقرير ، هي التي دفعت صحيفة هيراليد تربيون الدولية إلى القول بأنه : " … طيلة الخمس وثلاثين سنة الأخيرة استخدمت الولايات المتحدة الإرهاب كأداة لسياستها الخارجية "( ) . أما في عهد ريغان الداعي لممارسة الإرهاب الدولي ، والرئيس الذي ينتمي للتيار المحافظ اليميني في الولايات المتحدة ، فقد اتخذت سياسة الإرهاب والعنف التي تمارسها الوكالة طابعا حيا خصوصا في أمريكا الوسطى ، وشمال أفريقيا . ففي خطاب له أمام الكونغرس الأمريكي قال ريغان : " إذا لم تستطع الولايات المتحدة الدفاع عن نفسها في أمريكا الوسطى [تطبيقا لمبدأ مونرو ] فإنها لا تستطيع الدفاع عن نفسها في أي مكان في العالم [ وقال في نفس الخطاب ] … إننا لا نحول دون رفض الشعب النيكاراغوي للحكومة الراهنة "( ) . ويقصد بذلك حكومة الثورة السنديانية ، ويحمل هذا الكلام من أكبر دولة في العالم تنادي بمكافحة الإرهاب ، تهديدا بالتدخل المباشر ضد دولة نيكاراغوا .
ويمكن القول في هذا الصدد أن الولايات المتحدة تقدم على أي عمل إرهابي إذا تعرضت مصالحها للخطر ، فالولايات المتحدة تعتبر أي ثورة يقوم بها بلد ما للتحرر من الاستعمار تطاولا على مصالحها .
والسؤال المطروح هنا : هل يمكن أن يتصور إرهاب أسوأ من هذا الإرهاب على مستوى الدولة ؟ .
إن سياسة الإرهاب التي تمارسها الولايات المتحدة باستخدام وكالة مخابراتها المركزية متعددة الأنواع ، تنفذ بأساليب مختلفة ، ولا تظهر غالبا للسطح لكن الخفايا تصبح واضحة إما عاجلا أو آجلا ، فينتاب العالم الهلع من غدر الولايات المتحدة وقسوتها إن العالم قد تعلم رؤية الباطن القبيح للسياسة الأمريكية الخارجية التي تخفيها الأقنعة .
وإذا كانت الحكومة الأمريكية قد نست ، فإننا نوجز عدد من الأفعال الإرهابية المتمثلة في التدخلات والاغتيالات ، لنؤكد على إرهاب الدولة الأمريكي ، وأن دعايتها بأن للإرهاب كونفدرالية ، يجب أن يتم دحضه لأن الولايات المتحدة هي الإرهاب بعينه.
رابعا : نماذج للإرهاب الأمريكي :
1- الاغتيالات :
لم يكن الاغتيال والتصفية الجسدية مسألة جديدة في القاموس السياسي ، فقد عملت الثورة الفرنسية ، والثورة الروسية ، على استخدام هذا الأسلوب في تصفية الرموز المعارضة للثورتين ، غير أن الولايات المتحدة استخدمت هذا الأسلوب بشكل ملفت للنظر ، فما أن يظهر قائد ثوري أو زعيم وطني أو أي شخصية تشكل خطرا على السياسة الأمريكية فإنه يكون قد وقع شهادة وفاته بيده .
ونوجز هنا عددا من الاغتيالات لشخصيات كان لها دور بارز في إيقاظ العالم من سطوة الولايات المتحدة .
في بوجاتا عام 1940 قامت المخابرات المركزية بمحاولة اغتيال خورخي البرجانيان الزعيم الكولومبي في 14 أبريل 1948 في شارع بمدينة بوجاتا ، خلال انعقاد المؤتمر التاسع للدول الأمريكية ، والذي حضره جورج مارشال وزير الخارجية الأمريكي .
قامت المخابرات المركزية بالتآمر على الزعيم الأفريقي باتريسا لومومبا ، كما كان لها ضلع في اغتيال رئيس جمهورية الدومينكان روفائيل تروفوللو ، وخططت لاغتيال الرئيس سوكا رنو في إندونيسيا ، وفرانوس بادول دوفاليد رئيس جمهورية هاييتي .
قامت المخابرات الأمريكية بمحاولة اغتيال عبد الناصر ، فقد اعترفت صحيفة واشنطن نيوز في عدد 12 فبراير 1976 على لسان جورماركي عميل المخابرات المركزية CIA ، أنها قد شكلت في منتصف الخمسينات ثلاث مجموعات لاغتيال عبد الناصر في إدارة إيزنهاور . وأكد وزير خارجيته جون فوستر دالاس أن أمريكا تشعر بالقلق الذي يسببه عبد الناصر في منطقة الشرق الأوسط .
كشف تقرير لجنة شارش أن الحكومة الأمريكية قد خططت منذ 1960-1965 لاغتيال زعماء الثورة الكوبية ، وقد دمجت الفصائل المعارضة في حركة الست ، ومنظمة لاكردس المعادية للثورة ، و 30 نوفمبر في منظمة واحدة أوثير اوريستينسيا القائمة في أمريكا .
محاولة اغتيال الأمير سيهانوك ، كما قامت المخابرات المركزية فعلا باغتيال شادي جافان من آل غويات الإنجليزية .
في السنوات الأخيرة طالت قائمة الاتهامات ، وبلغت حدها الأقصى باغتيال المطران أوسكار روجر كبير أساقفة السلفادور ، من قبل عناصر تم تدريبهم في معسكرات CIA في عهد كارتر المدافع عن حقوق الإنسان ، بحجة أن البلاد ضحية لعدوان شيوعي .
اغتيال الدكتور رودفي زعيم حلف الشعب العامل في الجويان 13/10/1980 ، وجدت كذلك محاولة لاغتيال شاكرن زعيم الكتلة الثورية في السلفادور ، وقد تم اغتياله بالفعل في 28/11/1980 ، وجرت محاولات عديدة لاغتيال رئيس وزراء جامايكا السابق ميكائيل مانيللى ، ووزير الأمن الوطني طوامسون بتاريخ 22/6/1980 ، بالإضافة إلى اغتيال نائب وزير الأمن الوطني مانيللى بتاريخ 14/10/1980 .
كشفت مجلة التايم والنيوزويك عن مخطط أعدته الإدارة الأمريكية بالتعاون مع المخابرات الإنجليزية والألمانية والموساد ، يهدف إلى اغتيال العقيد القذافي وشن هجوم على بيته .
كشفت شبكة NBC المرئية الأمريكية أن إدارة ريغان تدرس إمكانية تطبيق سياسة تقضي اغتيال أولئك الذين يصنف أنهم زعماء الإرهاب ، ويشمل هذا كل حركات التحرر والأنظمة الوطنية المعادية لأمريكا ، وذكرت الشبكة فعلا عن مسؤولين في الإدارة الأمريكية أن أحد الاقتراحات المقدمة إلى ريغان الموافقة على أن يقوم كوماندوس عسكري بتنفيذ عمليات الاغتيال( ) .
2- التدخل في الشئون الداخلية لدول أمريكا اللاتينية :
لقد أشرنا سالفا إلى مبدأ مونرو الذي يدعو الدول الأوربية إلى عدم التدخل في أمريكا اللاتينية ، واعتبرت أي تدخل في هذه الأراضي يهدد حسب الفقرة الثانية من المبدأ أمن وسلامة الولايات المتحدة ، ويعود تدخل الولايات المتحدة في مشاكل القارة الأمريكية اللاتينية إلى أيام الرئيس كليفلاند ، ففي الصراع على ترسيم الحدود بين غويانا وفنزويلا ، وقد وقعت معاهدة بين الطرفين في باريس 1897 ، وكان لأزمة فنزويلا هـذه نتائج خطيرة على المدى البعيد ، فهي من جهة قد كرست مبدأ مونرو، وما يعطيه من حق للولايات المتحدة ، لمنع تدخل الدول الأوروبية في شؤون القارة ، وقد أضافت مفهوما جديدا يعطي الولايات المتحدة التفويض لرعاية شؤون باقي دول القارة ومن جهة ثانية كانت هذه الأزمة نقطة تحول في تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية ، فبعد هذا الحادث شاهد التاريخ الأمريكي تدخلا واسع النطاق ومتزايدا في شؤون العالم كله( ) .
ويقدم ( بلينشنكو ) قائمة بالضحايا من أنصار نظام الليندي في تشيلي ، الذين قتلوا وغدرت بهم وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ، أو إحدى منظماتها الإرهابية العديدة، داخل وخارج الولايات المتحدة ، ومن المؤكد أن الحكومة الأمريكية ليست بريئة من زعزعة استقرار نظام سلفادور الليندي نفسه قبل الإطاحة به في نهاية المطاف( ) .
وتجدر الإشارة أن هناك عدة محاولات سرية وعلنية قد جرت لاغتيال فيديل كاسترو( ).
وأضف إلى ذلك كانت معلومات تشومسكي وفولك ، وهما خبراء في الإرهاب الدولي دقيقة ، فإن وكالة المخابرات المركزية ومكاتب الاستخبارات في البنتاغون ، تتحمل قسطا كبيرا من المسؤولية عن الفضائع المرتكبة من قبل الكونترا في نيكاراغوا، والعملاء الحكوميين للدول الصديقة مثل : السلفادور وهندوراس والأرجنتين خلال فترة حكم الجنرالات فيها( ) .
ومع ذلك لم تتم الإشارة حتى إلى عدد الضحايا في روايات الإرهاب المضادة، والسبب على ما يبدو هو أن أعمال الموظفين توصف بأنها نضال من أجل الحرية وأن أعمال الثوار هي وحدها التي توصف بأنها إرهاب ، وهذا هو السبب في أن سجل الإرهاب إذا تم إظهاره على حقيقته ، حتى ولو أعطى تسمية اجتماعية - سياسية سيكون غير جدير بالاعتماد .
أما في الاغوارى فقد عملت الحكومة الأمريكية على الضغط على الحكومة في تعميم ممارسة التعذيب من قبل أجهزة الدولة ، الأمر الذي جعل التعذيب عمل روتيني، وقد أعلنت منظمة العفو الدولية في تقريرها الصادر في 15 أبريل 1981 أن عدد المسجونين السياسيين في الأرغواي ، هو الأكثر في العالم ، ومازالت الحكومة الأمريكية تدعم وتقف مع هذا النظام( ) .
أما في كولومبيا فقد حاولت المخابرات المركزية تشويه صورة كاسترو ، لإبعاده عن المنظمة الأمريكية اللاتينية للتعاون ، وعملت على الإطاحة (جاكويا ارينتازغوزمان ) اليسارية في غويتمالا ، وقد نجحت في ذلك وعينت مكانه كارلوس آرماس.
أما غرينادا فبعد الفحص والتدقيق تبين أن العدوان لم يخلو من البواعث ، فقد كتبت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور " أن الاعتبارات أشارت إلى قرب الجزيرة من قناة بنما ، ومصادر النفط في فنزويلا ، كان لها أثر كبير على قرار غزو جرينادا "( ) .
وقامت وكالة المخابرات المركزية بالاشتراك في انقلاب مارس 1946 في نزاع هاييتي ، وفي عام 1971-1973 ، اشتركت الوكالة في انقلابات مضادة للثورات في بوليفيا وشيلي .
إن الولايات المتحدة الأمريكية مارست إرهاب الدول على نطاق واسع في أمريكا اللاتينية بصفة عامة .
ولكن هذا الإرهاب المباشر الذي مارسته الولايات المتحدة لم يكن مقتصرا على أمريكا اللاتينية فقط ، بل شمل كل أنحاء العالم ، وسوف نورد الآن نموذج ليبيا ، الذي يشكل منحنى خطيرا ، حيث تتهم الولايات المتحدة ليبيا بالإرهاب الدولي ، وسوف نرى من يمارس الإرهاب على الآخر ؟
.
وهكذا برغم من كل الادعاءات الأمريكية ، والاحتماء وراء تبريرات محاربة الإرهاب الدولي ، جاء عدوانها على ليبيا ليؤكد أنها تجاوزت مجال الإرهاب الدولي اللامسؤول ، والمحدود العواقب ، لتمارس إرهاب الدولة ، كأعلى مرحلة من مراحل العدوان الاستعماري المباشر . وتشاء دورة التاريخ أن يقع هذا العدوان في أبريل 1986 وشتان بين إرهاب الدولة ، والعنف القاتل الذي تمارسه أمريكا ، وبين الأعمال المشروعة التي تمارسها حركات التحرر العالمي .
إن الإرهاب الأمريكي ضد ليبيا يعد أبشع أنواع الإرهاب الدولي ، وعبر عن العقلية العنصرية الحاقدة ضد العرب ، وفعلا إثر الغارة الأمريكية انفجر أتون الحقد ضد العرب والمسلمين ، وعبر عن الكوامن العنصرية للغارة الأمريكية مستشار الإدارة الأمريكية للشؤون الاستراتيجية والعسكرية ( ادوارد لوتواك ) حيث قال : " إن البحر الأبيض هو حد فاصل بين حضارتين الساحل المسيحي الذي يجيز الاختلافات في وجهات النظر ، والساحل الإسلامي الذي يبرز فيه كل من يهاجم الحضارة الغربية، ويكتسب اعترافا معنويا من الجميع ( ويستطرد قائلا ) … أمامكم في جنوب أوربا بديل واحد ، فإما أن تغلقوا حدودكم على العرب بشكل كامل ، أو تستسلموا على أساس الواقع أمام القرصنة الجديدة ، واعتبر لوتواك أن العربي كاذب حتى ولو صدق "( ) .
وبالختام لا بد لنا من التنويه بأن السيناريو الذي نفذ ضد الجماهيرية الليبية كان على ما يبدو المقدمة التجريبية التي من خلالها عدل بالهجوم على العراق وأفغانستان . إذن ماذا يمكن أن نصف غزو أفغانستان والعراق ,والغارات اليومية التي كانت تقوم بها الطائرات الأمريكية فوق الأراضي العراقية والتي استهدفت المدنيين ,وهنا لا سبيل من ذكر الحصار المروع للشعب العراقي والذي فقد اكثر من مليون طفل نتيجة لذلك ، والقتل الجماعي التي نفذته الطائرات الأمريكية ضد الشعب العراقي والأفعال المشينة التي استهدفت كرامة المواطن العراقي وهذا ما كشفته وسائل الإعلام العالمية وأظهرته من خلال الصور التي تظهر مدى احترام الإنسان الآخر ومدى الإستهتار بكرامة الآخرين وسجن أبو غريب في العراق ذلك المعتقل الأسطوري سيبقى عالقا في ذهن كل الشرفاء في هذا العالم وصور التعذيب والأفعال المشينة التي قام بها المجندين الأمريكان , هل هي إرهاب مضاد ، أم عدوان ، أم أن ما أسلفناه سابقا حمل الجواب على كل التساؤلات ؟!! .
المصدر: http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2009/10/07/176273.html