مع النصارى في الأصول الفروع كتاب توحيد الربوبية
مع النصارى في الأصول والفروع
كتاب توحيد الربوبية
كتبه
أبو عبد الرحمن غنيم غنيم عبد العظيم
منهج البحث
هذا البحث عبارة عن جزء من موسوعة قيد الإعداد التزمت فيها المنهج الآتي :
1- عرض السير من خلال الكتب المعتبرة ، خاصة ما لدى القوم ، وبيان أوجه التناقض بين الروايات متى أمكن.
2- عرض التاريخ الذى مرت به هذه المسائل بين العهد القديم والجديد والإسلام ما أمكن.
3- العرض للمسائل من خلال استقراء نصوص الكتاب المقدس والكتب المعتمدة لديهم.
4- بيان أصل هذه المسائل فى الديانات السابقة ما أمكن.
5- بيان تضارب المسألة في كتبهم وأقوال أئمتهم المعتبرين.
6- بيان ما ينقضها من كتبهم.
7- بيان الموقف الإسلام من النصوص والقضايا المختلفة.
8- بيان الخطر الكامن في هذه المسائل.
9- بيان منافاة هذه المسائل للفطرة والعلم ما أمكن.
10- تخريج النصوص والأقوال من مصادرها.
11- عند الاستدلال بنصوص السنة النبوية ، إن كان الحديث في الصحيحين أو احدهما اكتفيت بذلك ، وإن كان في غيرهما ذكرت قول الأئمة فيه.
أولا : توحيد الربوبية
وهنا خمسة مباحث :
المبحث الأول : بيان المراد بتوحيد الربوبية
المبحث الثاني: بيان النصوص الخاصة بكمال الربوبية
المبحث الثالث: بيان النصوص المنافية لكمال الربوبية
المبحث الرابع: بيان النصوص التي تأولوا بها الربوبية والرد عليها
المبحث الخامس: بيان النصوص التي تأولوا بها التثليث والرد عليها
المبحث الأول : بيان المراد بتوحيد الربوبية
توحيد الربوبية في المفهوم الإسلامي هو إثبات حقيقة ذات الرب وأفعاله ، إثبات حقيقة ذات الرب وأفعاله بأن تعتقد أن الله عز وجل هو الموجود لذاته -سبحانه وتعالى-، وأنه هو القائم بنفسه المقيم لغيره.
فهو توحيد الله بأفعاله الخاصة به من الخلق والملك والتدبير والرزق والإحياء والإماتة والتشريع وإرسال الرسل وتنزيل الكتب ، هذه أفعال خاصة بالرب وحده ، فحينما نوحد الله عز وجل بأفعاله فهذا هو توحيد الربوبية الله ، أما توحيد الله بأفعال العباد فهو توحيد الألوهية ، وأفعال العباد تشمل كل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال الظاهرة والباطنة المتلقاة بالشرع.
وتوحيد الربوبية هو أقل أنواع التوحيد التي حدث فيها الخلاف بين المشركين الأوائل ، إلى أن جاء المعددين للذات الإلهية فقالوا بتعدد الذات ، وجاء الملاحدة الذين أنكروا الخالق البارئ المصور القادر المدبر لهذا الكون ، فكان شرك الأوائل في الألوهية وليس الربوبية ، فلم يعتقدوا خالقا أو مالكا أو مديرا غير الله ، وإنما ظهر فيهم شرك الشفاعة والاستعانة والاستغاثة ، ثم جاء من بعدهم من أشرك في هذا النوع من التوحيد.
وباستقراء نصوص القرآن الكريم نجد أن هناك خمس أصول لإثبات توحيد الربوبية :
أولا : إثبات أولية الوجود
قال تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
ثانيا : إثبات وحدانية الوجود : قال تعالى : (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ)
ثالثا : إثبات الخالقية : قال تعالى : (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)
رابعا : إثبات الملك : قال تعالى (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
خامسا : إثبات التدبير بسائر الأفعال : قال تعالى : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ) .
فالرب الذي يفقد أحد هذه الخصائص ليس بإله حق ، بل إله مدعى لا يستحق التأليه ، لذلك قال الله تبارك وتعالى عن نفسه جل وعلا : (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) .
وسوف نحاول عرض النصوص التي تبين هذه اللوازم ثم نبين انتفائها عن كل مخلوق عامة ، وعن المسيح خاصة ، وذلك ينفي وجود رب آخر ومن ثم ألوهيته ، ثم نعرض شبهاتهم في ادعائهم أمن المسيح ربا والرد عليها.
ومن المفترض ألا ينازع أي عاقل في توحيد الله بالربوبية والألوهية والأسماء والصفات ، فلا يعتقد متصرفا في هذا الكون غير الله ، ولا مغيثا ولا معين غير الله ، وألا يقبل أي إنسان أن يدين لغير الله بأي شئ ، فكيف وقد أكرمك الله بأن خلعك من كل إله باطل واجتباك لتوحيده فحسب ، وهذا مصداق قول الله تعالى : (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) .
المبحث الثاني : : بيان النصوص الخاصة بكمال الربوبية في الكتاب المقدس وما ينافيها
لقد أوضح العهد القديم توحيد الربوبية من خلال نصوصه بما لا يدع مجالا للشك في إثبات توحيد الرب بأفعاله ، وذلك كما يلي :
1-بيان أن الرب واحد وليس مثلث الأقانيم
لقد جائت قضية توحيد الربوبية في نصوص العهدين القديم والجديد للتأكيد علي هذه القضية من خلال كلام الرب نفسه ومن خلال اعتراف الأنبياء بهذه الحقيقة ونفي التعدد دون أدنى إشارة لتعدد الأقانيم ووجود مشارك لله عز وجل في أفعاله.
ففي سفر التثنية نجد الرب يقرر ربوبيته وعدم وجود مشارك له واستحقاقه للألوهية بربوبيته: (انك قد اريت لتعلم ان الرب هو الاله ليس اخر سواه) ، ويقول أيضا في خطابه لإسرائيل : (اسمع يا اسرائيل الرب الهنا رب واحد )
وفي سفر أشعياء نجد الرب يقول : (انا الرب وليس اخر لا اله سواي نطقتك وانت لم تعرفني ) .
وفي نفس السفر نجد الرب يقرر أوليته وقدمه على سائر المخلوقات ليؤكد أنه الرب المتفرد بالأولية والقدم لا شريك له في هذه الصفة ، فيقول: (اذكروا الاوليات منذ القديم لاني انا الله وليس اخر الاله وليس مثلي ) ، وهذا يرد ادعاء النصارى الخاص يقولهم أن الابن كان مع الآب في الأزل استدلالا ببداية إنجيل يوحنا الذي ضعف علماء النصارى ثبوته في المخطوطات ومنهم من تأوله أن وجود المسيح كان في اللوح المحفوظ.
ونجد الرب يقرر هذه الحقيقة ربوبيته وحده وانفراده بها ونفي وجود شريك آخر له في سفر الملوك الأول فيقول (ليعلم كل شعوب الارض ان الرب هو الله وليس اخر ) .
وكان المسيح عليه السلام يؤكد التعاليم الخاصة بتوحيد الربوبية والتي جائت في التوراة أمام الحواريين واليهود دون أي إشارة تقول بتعدد الآلهة ، أو تعدد الأقانيم في ذات الرب ، يقول مرقس : (فاجابه يسوع ان اول كل الوصايا هي اسمع يا اسرائيل الرب الهنا رب واحد ) .
والأمر الملفت للنظر أن يعتقد أناس خلاف النصوص الواردة في العهدين القديم والجديد ، والتي تؤكد توحيد الرب ووحدانيته ، فلا رب غيره ، وهو واحد قائم بذاته ليس متبعض أو مكون من أقانيم مختلفة في ذاته.
2-بيان أنه مع توحيد الرب لا حاجة لآخر
إن الفطرة التي تدعو لتوحيد الرب هي من تثبت له التنزيه وعدم وجود مثيل له ، ومن ثم فإن هذا الرب الذي يكون له صفات الجلال والكمال لا يلجئ مخلوقاته لغيره ولا يحتاج خلقه سواه.
ولقد ثبت هذا الأصل من خلال أمرين في الكتاب المقدس :
الأول : نفي المثلية للرب ، فهو القادر على كل شئ ، الصانع لكل العجائب ، ففي سفر الخروج نجد : (من مثلك بين الالهة يا رب من مثلك معتزا في القداسة مخوفا بالتسابيح صانعا عجائب) .
الثاني : أنه مع كمال رعاية الرب لخلقه لا يحتاج هؤلاء الخلق لآخر ، وهذا نفس ما قرره داود عليه السلام في المزامير بقوله:
(الرب راعي فلا يعوزني شيء )
فما دام هناك رب واحد يرعى عباده ويكفيهم في شؤونهم ، فما الحاجة لرب آخر مع وجود من يكفيهم إلا أن يكون ذلك من العبث الذي لا مبرر له؟!.
وهذا يهدم أحد الأصول النصرانية وهو التثليث ، أن الأب مثلث الأقانيم ، فما دام الرب الكامل قادر وكاف لخلقه ، فما الحاجة لآخر ، وهذا ما أثبتناه في مقدمة نفي تعدد الآلهة ، فلتراجع.
3-بيان أن الرب واحد هو من خلق الكون ، وهو المتصرف فيه
لقد وردت قضية توحيد الخالق في عدة نصوص في العهد القديم من أول الأسفار إلى آخرها ، فجائت قضية بدء الخلق وكيف خلق الله السموات والأرض ، ومن هذه الأسفار :
• في سفر التكوين (في البدء خلق الله السموات والارض ) ، ثم إكمال بقية الخلق في الأيام المتتالية ، وهذا الإله واحد ، وإلا لقيل خلقت الآلهة السموات والأرض.
• في سفر أشعياء : (لانه هكذا قال الرب خالق السماوات هو الله مصور الارض وصانعها هو قررها لم يخلقها باطلا للسكن صورها انا الرب وليس اخر ) ، ويقول أيضا : (هكذا يقول الله الرب خالق السماوات وناشرها باسط الارض ونتائجها معطي الشعب عليها نسمة والساكنين فيها روحا ) .
• وفي نفس السفر :(انا الرب وليس اخر لا اله سواي نطقتك وانت لم تعرفني*لكي يعلموا من مشرق الشمس ومن مغربها أن ليس غيري انا الرب وليس اخر *مصور النور وخالق الظلمة صانع السلام وخالق الشر انا الرب صانع كل هذه ) ، فلم يرد أي ذكر للأقانيم في هذا النص.
• في سفر أرميا يقول : (صانع الارض بقوته مؤسس المسكونة بحكمته وبفهمه بسط السماوات) .
• وفي رسائل بولس يقول أن من يمنح البركة هو الآب وليس غيره ، فليس للمسيح أن يعطي ما ليس له ، فيقول في رسالته لأفسس : (مبارك الله ابو ربنا يسوع المسيح الذي باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح ) .
• ويعلن مرة أخرى أن من يعطي ويمنح هو الآب ، وليس المسيح ، فهو من يعطي المجد وليس آخر ، يقول بولس : (كي يعطيكم اله ربنا يسوع المسيح ابو المجد روح الحكمة والاعلان في معرفته )
(بل من اجلنا نحن ايضا الذين سيحسب لنا الذين نؤمن بمن اقام يسوع ربنا من الاموات)
• وفي رسالته للعبرانيين يعلن أن الله عز وجل هو المتفرد بالخلق فيقول (لانه كان ينتظر المدينة التي لها الاساسات التي صانعها وبارئها الله ) .
ففي هذه النصوص نجد التأكيد على توحيد الخالق في الأسفار الأخرى ، والتأكيد على أن الله هو الخالق البارئ المصور ، وهو من صنع كل هذه العجائب دون أن يشاركه رب أو مربوب آخر معه ، فلا رب غيره ، ولا معبود سواه ، فكيف يقدم هؤلاء القوم على القول بشريك له في الخلق والملك والتدبير.
فهذه النصوص تبين أن الرب واحد وليس هناك غيره دون إدنى إشارة للأقانيم التي ادعاها النصارى ، وهذا الإله هو الخالق البارئ المصور ، هو من يخرج الشمس من مشرقها ومن يذهب بها للغروب ، هو مصور الظلمة والنور ، خالق الخير والشر ، فلم يباشر أحد غيره الخلق ، لا آخر معه مثلما ادعى النصارى ، فالنص يتناول قضيتين :
الأولى : توحيد الخالق ، لا خالق إلا واحد ، هو رب العالمين.
الثانية : أن هذا الخالق هو المستحق للألوهية ، فتوحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية.
ونجد أن داود عليه السلام قد أنكر على من سوى بين الخلق والخالق قائلا : (االانسان ابر من الله ام الرجل اطهر من خالقه )
فهذا هو فهم الأنبياء للتوحيد ، توحيد الخالق الذي هو جزء من توحيد الربوبية المستلزم لتوحيد الألوهية والعبادة ، فلا إله غيره ، ولا معبود سواه ، لا سجود ولا ركوع ولا صلاة إلا لله ، وهذا هو ما ذكره داود عليه السلام في المزامير بقوله : (هلم نسجد ونركع ونجثو امام الرب خالقنا ) .
4-بيان أن الرب هو من له تمام القدرة والتدبير
وقد جاء هذا الأصل من خلال عدة نصوص نذكر منها :
• في سفر المزامير أن الرب هو القادر على رفع الأتقياء الأخيار ووضع المجرمين الفجار: (عظيم هو ربنا وعظيم القوة لفهمه لا احصاء * الرب يرفع الودعاء ويضع الاشرار الى الارض ) .
فلا قادر إلا واحد ، يضع من يشاء ويرفع من يشاء ، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل.
• كذلك نجد في نص آخر نص جامع بين الخلق وتمام القدرة في سفر أشعياء فيقول الرب : (اما عرفت ام لم تسمع اله الدهر الرب خالق اطراف الارض لا يكل ولا يعيا ليس عن فهمه فحص * يعطي المعيي قدرة ولعديم القوة يكثر شدة ) ، وهذا حق لا مرية فيه ، فمن يخلق ليس كمن لا يخلق ، الخالق هو المستحق للعبادة ، والمخلوق ليس له نصيب منها ، وهذا إلزام للنصارى بالقول بأن المعبود الأوحد المستحق للألوهية هو الآب ، فليس للابن أو الروح القدس نصيب من الربوبية أو الألوهية.
• ويشير المسيح لمسألة القدرة في حديثه مع من يصنع معهم المعجزات قائلا له أن يخبر الناس بأن الله عز وجل هو من صنع هذه المعجزات وليس المسيح ، يقول مرقس: (فلم يدعه يسوع بل قال له اذهب الى بيتك والى اهلك واخبرهم كم صنع الرب بك ورحمك ) ، فلم ينسب المسيح تلك المعجزات لنفسه ، وإنما لرب الأرباب وخالقهم القادر على كل شيء والمتصرف في كل شيء.
فلم يدع أن للمسيح تمام القدرة التي بها يضاهي الله عز وجل كما يدعي النصارى ، ويقولون أن الأقانيم متساوية في كل شئ ، فهى هرطقة لا دليل عليها في كتبهم إلا بعد تأليه المسيح ومن بعده ه الروح القدس.
• ومن بعد المسيح جاء بولس ليقرر تمام قدرة الله عز وجل في رسائله للوثنيين ، ، فيقول في رسالته الثانية لأهل كورنثوس : (واكون لكم ابا وانتم تكونون لي بنين وبنات يقول الرب القادر على كل شيء ) .
ويعلن بولس تمام القدرة للأقنوم الأول بأنه هو من أقام الأقنوم الثاني ، وكون أقنوم يعين آخر على القيام ، فهو إثبات لقوة الأول وقدرته ، ونفي لقوة الآخر وقدرته ، يقول في رسالته الثانية لأهل كورنثوس : (فاذ لنا روح الايمان عينه حسب المكتوب امنت لذلك تكلمت نحن ايضا نؤمن ولذلك نتكلم ايضا * عالمين ان الذي اقام الرب يسوع سيقيمنا نحن ايضا بيسوع ويحضرنا معكم)
ويشير بولس في أن التدبير بيد الله الذي جعله في هذه المرتبة وهيأه لهذا العمل فيقول في رسالتة لكولوسي : (التي صرت انا خادما لها حسب تدبير الله المعطى لي لاجلكم لتتميم كلمة الله) .
فهذا كله إثبات لقوة الآب وقدرته دون إثبات لقوة الابن وقدرته ، ومن ثم نفي الربوبية عن الابن.
5-بيان أن الرب هو المالك للدنيا والآخرة
يقول الكتاب المقدس في سفر التكوين ما يشير إلى أن الله مالك السموات والأرض : (و باركه وقال مبارك ابرام من الله العلي مالك السماوات والارض ) ، ويقول أيضا : (فقال ابرام لملك سدوم رفعت يدي الى الرب الاله العلي مالك السماء والارض )
وفي سفر أخبار الأيام الأول ما يشير إلى أنه مالك يوم الدين : (و اقيمه في بيتي وملكوتي الى الابد ويكون كرسيه ثابتا الى الابد) .
وكان يوحنا المعمدان يكرز في برية المعمودية مخبرا باقتراب يوم القيامة ، اليوم الذي يدين الله الناس فيه ، يقول متى : (و في تلك الايام جاء يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهودية * قائلا توبوا لانه قد اقترب ملكوت السماوات )
ويشير المسيح في عدة نصوص لأن الله عز وجل هو مالك يوم الدين وليس هو ، فلم ينسب الملكوت لنفسه أو وعد أحد بدينونته ، لأنه لا يملك دينونة حقيقية ، فيقول :
• (و يقول قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وامنوا بالانجيل )
• (و قال لهم الحق اقول لكم ان من القيام ههنا قوما لا يذوقون الموت حتى يروا ملكوت الله قد اتى بقوة )
• (و ان اعثرتك عينك فاقلعها خير لك ان تدخل ملكوت الله اعور من ان تكون لك عينان وتطرح في جهنم النار ) .
• (الحق اقول لكم من لا يقبل ملكوت الله مثل ولد فلن يدخله )
• (و رفع عينيه الى تلاميذه وقال طوباكم ايها المساكين لان لكم ملكوت الله )
ثم يأتي بولس في رسائله فيقرر أن الملك في الدنيا والآخرة إنما هو بيد الله ، فيقول:(ونشهدكم لكي تسلكوا كما يحق لله الذي دعاكم الى ملكوته ومجده) .
ويقول بولس أيضا : (و سينقذني الرب من كل عمل رديء ويخلصني لملكوته السماوي الذي له المجد الى دهر الدهور امين ) .
وفي ذلك كله بيان أن المسيح عليه السلام لم يصرح بأنه بأنه مالك الدنيا والآخرة ، أو أنه من ينجي الناس من عذاب الآخرة ، وغاية ما ورد أنه كغيره من الرسل ، هو الطريق إلى رب العالمين ، هو الواسطة بين الحق والخلق الممثلين في بني إسرائيل ، وهذه الوساطة في تبليغ شرع الله فحسب ، كما سيتبين في كتاب الإيمان بالملائكة.
6-أن الله عزيز لا يذله مخلوق ، فكيف يكون المسيح إلها :
إن المتتبع لسيرة المسيح عليه السلام حسب المرويات النصرانية ، تقول أنه قد نال أعداؤه منه ، وألبسوه لباسا قرمزيا كملابس النساء ، وعذبوه ، صلبوه ، ولا ريب أن هذه الأوصاف تنافي صفة العزة التي تنسب لله جل وعلا ، فالإله في تصور الأديان السماوية له العزة التامة ، قال تعالى : (فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) .
وهذا الفهم لصفة العزة في الأديان السماوية نادى به بولس في رسالته إلى تيموثاوس حيث قال : (الذي سيبينه في أوقاته المبارك العزيز الوحيد، ملك الملوك ورب الأرباب) ، و مما ورد في العهد القديم نفي المثل للرب وقوته وجبروته ، ففي سفر أرميا نجد النص التالي : (لا مثل لك يا رب عظيم انت وعظيم اسمك في الجبروت ) .
وهنا نتساءل :
• كيف بالله العزيز القهار أن يغسل أرجل عبيده : (فان كنت وانا السيد والمعلم قد غسلت ارجلكم فانتم يجب عليكم ان يغسل بعضكم ارجل بعض ) .
وكيف يتمكن منه أعداؤه ويلبسونه ما ذكرنا ويستهزؤون به : (فعروه والبسوه رداء قرمزيا * وضفروا اكليلا من شوك ووضعوه على راسه وقصبة في يمينه وكانوا يجثون قدامه ويستهزئون به قائلين السلام يا ملك اليهود * وبصقوا عليه واخذوا القصبة وضربوه على راسه * وبعدما استهزئوا به نزعوا عنه الرداء والبسوه ثيابه ومضوا به للصلب) .
والجواب نتركه للمسيحي المنصف ، الذي لم يطغى على عقله التقليد الأعمى الذي استخدمه النصارى كأصل في إثبات العقائد.
المسيح ينفي ربوبيته في الكتاب المقدس أمام الجميع
ومع ما أثبته الكتاب المقدس من لزوم تمام أفعال الرب وقدرته وملكوته وخلقه ، يأتي المسيح لينفي كل ذلك عن نفسه معترفا بأنها من خصائص الآب فحسب ، وهي كما يلي :
• نفي المسيح عليه السلام لقدرته وإثباتها للآب : (انا لا اقدر أن افعل من نفسي شيئا كما اسمع ادين ودينونتي عادلة لاني لا اطلب مشيئتي بل مشيئة الاب الذي ارسلني ) ، فالإله قادر على كل شيئ لا يعييه شيئ ، بخلاف المسيح ، فمحال أن يكون هو الله.
• وينفي أيضا أن يكون هو المعطي للمجد ، ويقرر أن من بقدرته أن يعطي المجد إنما هو الآب وحده فيقول : (اجاب يسوع أن كنت امجد نفسي فليس مجدي شيئا ابي هو الذي يمجدني الذي تقولون انتم انه الهكم ) .
بيان المسيح أن هناك تمايز بينه وبين الله عز وجل من أوجه
• يثبت الشهادة الحق لله وحده وليس له فيقول : (الذي يشهد لي هو اخر وانا اعلم أن شهادته التي يشهدها لي هي حق) ، وهذا التمايز دليل على أفضلية الآب دون الابن.
• يثبت الصلاح لله وحده دون ما سواه فيقول : (فقال له يسوع لماذا تدعوني صالحا ليس احد صالحا الا واحد وهو الله ) ، ولعل المقصود في هذا النص هو نفي القداسة المطلقة التي تومئ للعصمة ، فلو كان المسيح هو الله لما نفى عن نفسه هذا الصلاح.
• باب المسيح لا يعلم من لمسه : (فقال يسوع من الذي لمسني واذ كان الجميع ينكرون قال بطرس والذين معه يا معلم الجموع يضيقون عليك ويزحمونك وتقول من الذي لمسني * فقال يسوع قد لمسني واحد لاني علمت أن قوة قد خرجت مني * فلما رات المراة انها لم تختف جاءت مرتعدة وخرت له واخبرته قدام جميع الشعب لاي سبب لمسته وكيف برئت في الحال )
• باب تصريح المسيح أنه ليس معهم في كل حين دليل على عدم الربوبية : (لان الفقراء معكم في كل حين واما انا فلست معكم في كل حين ) ، فالله لا يغفل عن خلقه ، حي قيوم لا يموت ولا ينام.
• تصريح المسيح الآب هو من يشهد له : (انا هو الشاهد لنفسي ويشهد لي الاب الذي ارسلني ) .
• أن الحواريون أنفسهم ما كانوا يعلمون ألوهيته أو أنه والآب واحد ، بدليل حواره مع فيليبس:
(لو كنتم قد عرفتموني لعرفتم ابي ايضا ومن الان تعرفونه وقد رايتموه * قال له فيلبس يا سيد ارنا الاب وكفانا * قال له يسوع انا معكم زمانا هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس الذي راني فقد راى الاب فكيف تقول انت ارنا الاب * الست تؤمن اني انا في الاب والاب في الكلام الذي اكلمكم به لست اتكلم به من نفسي لكن الاب الحال في هو يعمل الاعمال * صدقوني اني في الاب والاب في والا فصدقوني لسبب الاعمال نفسها * الحق الحق اقول لكم من يؤمن بي فالاعمال التي انا اعملها يعملها هو ايضا ويعمل اعظم منها لاني ماض الى ابي * ومهما سالتم باسمي فذلك افعله ليتمجد الاب بالابن )
• ذكر بولس أن المسيح في مرتبة دون الله ، فهو عبد من عباده وأدنى مرتبة منه ، وهذا الدنو في المرتبة لا يصح في حق الرب ، يقول بولس : (و اما انتم فللمسيح والمسيح لله ) .
ومن ثم عدم استحقاق الابن للربوبية لنقصه ، وهنا ينبغي الإشارة إلى أن المسيح لم يكن يذكر قضية الربوبية إلا وهو يقصد آخر غيره ، وليس هذا الآخر غير رب الأرباب ، ولم تكن هناك أدنى إشارة للروح القدس بصفته رب.
وكما ذكرنا من النصوص السابقة ، فلم يكن التثليث من تعاليم العهد القديم ، ولم يصرح به في العهد الجديد ، وإنما كان اكتمال الثالوث في القسطنطينية 381م ، وغاية ما وجد له من إشارات بعيدة التأويل هي في رسائل بولس الذي أضاع معالم الدين السماوية ونقله من التوحيد إلى الشرك والتنديد ، مع محاولة أخرى لسحق العقول وإغلاقها عن الفهم بمحاولة الجمع بين التوحيد الذي هو دين الأنبياء والتثليث المبتدع بعد المسيح بحوالي أربعة قرون.
وهذا ما جعل الموحدون في خلال هذه القرون يصرخون من المخالفات الجلية للعقل والنقل ، فهو تثليث وثني تحت مسمى التوحيد لا يمك الاقتناع به إلا بعد خلع العقول قبل الشهادة بالمسيح ، وهذا هو عين التعصب المقيت ، بل هو تأليه البشر باتباع أقوالهم ولو كانت كفر بواح يخالف دين رب العالمين ، وجعل أقوالهم دينا يتعبد به.
ويكفي أن نذكر أن الكتاب المثدس بعهديه القديم والجديد لا يثبت إلا رب واحد وإله واحد ، وأقوال المسيح تؤدي له ، وتثبت نبوته وبشريته لا ألوهيته وربوبيته ، فقد جاء بما جاء به من سبقه من الأنبياء ، وهذا ما يوافق للعقل والنقل ، لذلك لا تجد نصرانيا يتشابه مع أخيه النصراني في عقيدته ، لا في منهج الاستدلال ولا في العقيدة ، بخلاف أهل الإسلام الذين ، أهل التوحيد والفطرة.
المبحث الثالث: بيان النصوص التي تنافي توحيد الربوبية في الكتاب المقدس
1-إثبات الضعف والحاجة للراحة لرب العالمين
أ-بيان النصوص في الكتاب المقدس الدالة على ذلك
من كمال الصفات الإلهية تمام القدرة ، وأن الله لا يعييه شيء ، ففي العهد القديم نجد : (اما عرفت ام لم تسمع اله الدهر الرب خالق اطراف الارض لا يكل ولا يعيا ليس عن فهمه فحص ) .
ومن منافاة صفات للربوبية منافاة الذات الإلهية لكمال القدرة ، وإثبات النقص لله ، فالنفس البشرية بفطرتها السليمة تعظم الإله وتجله وتنفي عنه كل نقص يمكن أن يلحق به ، ففي العهد القديم نجد النصوص التالية
• (لان في ستة ايام صنع الرب السماء والارض والبحر وكل ما فيها واستراح في اليوم السابع لذلك بارك الرب يوم السبت وقدسه) .
• (و فرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل) .
ودليل أنهم يعنون الراحة الجسدية ما ورد في سفر الخروج : (هو بيني وبين بني اسرائيل علامة الى الابد لانه في ستة ايام صنع الرب السماء والارض وفي اليوم السابع استراح وتنفس )
وقد حاول مفسر الكنيسة الأول تادرس يعقوب ملطي تأويل هذا النص فقال في تفسيره (ماذا يعنى " استراح فى اليوم السابع " ؟ بلا شك الراحة هنا لا تعنى التوقف عن العمل ، وإنما استراح براحة خليقته ، وكما يقول القديس أغسطينوس : [ راحة الله تعنى راحة الذين يستريحون فى الله ] . راحته كأب سماوى أن يجد محبوبيه ينعمون بالراحة الداخلية الحقة ، إننا نستريح عندما نصنع أعمالا صالحة ، كمثال لذلك كتب عن الله أنه " استراح فى اليوم السابع " وذلك عندما صنع كل أعماله وإذا بها حسنة جدا ، إنه لم يتعب ولا احتاج إلى راحة ، كما أنه لم يترك عمله حتى الآن ، إذ يقول ربنا يسوع المسيح بصراحة: " أبى يعمل حتى الآن " ( يو 5 : 17).
والرد عليه أنه لو كان المراد بذلك الفرح بانتهاء العمل لما ورد بالنسخ الأخرى أنه معنى الراحة ، ففي كل النسخ الأجنبية يقولون "He Rested".
أما العهد الجديد فقد جاء موافقا للقديم ، فها هو بولس اليهودي يسلك مسلك اليهود في إثبات النقص لله بقوله : (لانه قال في موضع عن السابع هكذا واستراح الله في اليوم السابع من جميع اعماله * وفي هذا ايضا لن يدخلوا راحتي) .
بل وتعدى الأمر إلى وصف الله بأنه إنسان خانع قد يتطاول عباده عليه كما في سفر أيوب : (لانه مد على الله يده وعلى القدير تجبر ) .
ب-بيان ما يناقضها في الكتاب المقدس
• (فكونوا انتم كاملين كما أن اباكم الذي في السماوات هو كامل )
• (فتواضعوا تحت يد الله القوية لكي يرفعكم في حينه )
• (اما عرفت ام لم تسمع اله الدهر الرب خالق اطراف الارض لا يكل ولا يعيا ليس عن فهمه فحص ) .
ج-بيان المفهوم الإسلامي لها
قال تعالى في بيان قوته وعزته وكمال أسمائه وصفاته : (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) ، (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) ، (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) .
وقد جاء القرآن ينفي ما أثبته هؤلاء الطاعنون في الذات الإلهية ووصفوها بالنقص والتعب من الخلق في قوله تبارك وتعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ) .
فلا ريب أن عقيدة أهل الإسلام هي المعظمة للذات لإلهية بإثباتها القدرة الإلهية المطلقة ، وهذا ما يوافق العقل والنقل والفطرة.
2- أن الله لا يندم على أفعاله
لقد ذكر الكتاب المقدس نصا يثبت علم الله جل وعلا بالمستقبل ، ومن ثم فإن الله جل وعلا لا يندم في أفعاله لعلمه وحكمته ، ففي سفر صموئيل الأول : (وايضا نصيح اسرائيل لا يكذب ولا يندم لانه ليس انسانا ليندم) .
لكن سريعا ما تنقلب النصوص وتثبت الجهل والعجز لرب العالمين ، جهله بالعواقب ، وعجزه عن العلم ، ففي نفس السفر نجد أن الرب يندم على فعله ، وكأنه لم يكن مدركا للأمر ال ي قضى به : (ولم يعد صموئيل لرؤية شاول الى يوم موته لان صموئيل ناح على شاول والرب ندم لانه ملك شاول على اسرائيل ) .
ولم يكن هذا النص هو الوحيد في الكتاب المقدس ، بل تواترت النصوص على نسبة هذه النقص لله جل وعلا ، وحاشاه ، فتلك مجموعة من النصوص التي نسبوا فيها الندم لله :
• (فندم الرب على هذا لا يكون قال الرب )
• (فلما راى الله اعمالهم انهم رجعوا عن طريقهم الرديئة ندم الله على الشر الذي تكلم أن يصنعه بهم فلم يصنعه )
• (أن كنتم تسكنون في هذه الارض فاني ابنيكم ولا انقضكم واغرسكم ولا اقتلعكم لاني ندمت عن الشر الذي صنعته بكم )
• (و حينما اقام الرب لهم قضاة كان الرب مع القاضي وخلصهم من يد اعدائهم كل ايام القاضي لان الرب ندم من اجل انينهم بسبب مضايقيهم وزاحميهم )
• (فَنَدِمَ الرَّبُّ عَلَى الشَّرِّ الَّذِي قَالَ إِنَّهُ يَفْعَلُهُ بِشَعْبِهِ)
• (فتنسم الرب رائحة الرضا وقال الرب في قلبه لا اعود العن الارض ايضا من اجل الانسان لان تصور قلب الانسان شرير منذ حداثته ولا اعود ايضا اميت كل حي كما فعلت ) ، فكأنما الله ندم على خلق الإنسان أولا ، ثم ندم ثانية على إهلاكه في عهد نوح ، فعزم على ألا يعود لمثل ذلك.
فهل يقبل النصارى ربا يخطئ في فعله فيبطش بهم من أجل أن أخطأ فندم؟!
فهل الرب لا يعلم الغيب وفاقد للحكمة في الأفعال؟ّ!
لا ريب أن هذا الرب الذي يعبده هؤلاء لا يستحق العبادة لأنه لا يدري أحد بما سيفعله في حقهم ، أما إله الإسلام فعادل حكيم قوي قدير ، أعلم بمصالح عباده ، وهذا هو ما يلتقي والفطرة السليمة والنقل الصحيح ، ففي الإسلام ينشأ الأطفال على معرفة قدرة الله وقوته وعلمه ، ولا أجد أدل من هذه الآية التي يحفظها الأطفال في مدارسنا في مراحلهم التعليمية الأولى من سورة التغابن قوله تعالى : (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) .
3- نسبة الجهل لله
ربما يتغافل النصارى عن النصوص الواردة في الكتاب المقدس ، أو ربما لم يطلعوا عليها ، لأنه متى اطلع المرء على مثل هذه النصوص لا بد وأن يدفعه عقله إلى عدم القناعة بصفات هذه الرب والإله الذي يعبده ، ومن هذه الصفات التي تنافي الربوبية هي وصف الله جل وعلا بالجهل ، يقول بولس : (لان جهالة الله احكم من الناس وضعف الله اقوى من الناس ) .
فأي جهالة هذه تنسب لله عز وجل؟! ومن هذا الملحد الذي ينسب الله للجهل؟! أيوحي الله عز وجل بما ينتقص به نفسه لخلقه ليدعوا به لهذا الإله الجاهل؟! أهذه دعوة لإله أم تنفير منه؟!
إنه بولس ، مؤسس الديانة الحقيقي ، الذي خالف أن الله بكل شئ عليم ، ففي سفر التكوين نجد أن الله يعلم ما سيحدث لآدم وحواء : (بل الله عالم انه يوم تاكلان منه تنفتح اعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر) .
والعجيب أنك حينما تأتي النصارى بمثل هذه النصوص تجد ردودا غاية في السخف والمنافاة للطريق المستقيم ، فترى قائل يقول : هو رمز ، وتجد آخر يقول : أنت لم تفهم النصوص!!!
فأي كلام أوضح من هذا الكلام الذي يقوله بولس؟!
وهل يحتاج كلام الرب إلى ترجمان في المسيحية؟!
4- نسبة النسيان لله
ومن أوجه النقص التي يذكرها الكتاب المقدس لله تبارك وتعالى النسيان : ويذكر الكتاب المقدس أن الله تعالى عندما سمع صراخ بني إسرائيل, تذكر عهده معهم : (و حدث في تلك الايام الكثيرة أن ملك مصر مات وتنهد بنو اسرائيل من العبودية وصرخوا فصعد صراخهم الى الله من اجل العبودية * فسمع الله انينهم فتذكر الله ميثاقه مع ابراهيم واسحق ويعقوب )
بل ويذكر الكتاب المقدس أن الرب قد صنع قوس قزح ليذكره بعهده مع بني آدم ، وهي فائدة علمية لهذه الألوان الجميلة : (وضعت قوسي في السحاب فتكون علامة ميثاق بيني وبين الارض * فيكون متى انشر سحابا على الارض وتظهر القوس في السحاب * اني اذكر ميثاقي الذي بيني وبينكم وبين كل نفس حية في كل جسد فلا تكون ايضا المياه طوفانا لتهلك كل ذي جسد ) .
أما إله الإسلام فإله متصف بكل صفات الكمال ، يقول تعالى : (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) .
فأي إله تعبد أيها النصراني : إله ينسى أم إله مثبت له كل كمال ومنفي عنه كل نقص؟!
5- هل يجلد الرب؟! أو الإله المتجسد ؟! أو من حل به الرب؟!
من جملة الادعاءات المسيحية هي مسألة تجسد الإله ، وعقيدة التجسد عقيدة أساسية في المسيحية ، تقول بإمكانية تجسد الإله في أي صورة ، ومن محبة الله لعباده فإنه قد تجسد لهم حتى يستطيع ملازمتهم ودعوتهم وهدايتهم.
ولا ريب في فساد هذه العقيدة ، فكيف يحل الخالق في المخلوق ، الله في خلقه ، والله في أرضه ، كيف يحل الأعلى بالأدني ، الكبير بالصغير ، العظيم بالحقير ، وهذا له محل آخر في مبحث الأسماء والصفات.
لكن ما يعنينا الآن هو افتراض إمكانية التجسد للإله ، فإن من لوازمها أن تظل صفات الخالق كما هي ، قوة وعزة وجبروت ، لكن من الواضح أن من حرف العقيدة المسيحية لم يلتفت لهذه الأمور ، وسلب هذا الإله صفاته حينما قال بتجسده وأنزله إلى الأرض ، فقد مثلوا المسيح عليه السلام الذي هو الرب في عقيدتهم على أنه رجل ضعيف ذليل يساق إلى الصلب ويضرب ويصفع ويلبس ثياب النساء / يقول يوحنا : (فحينئذ اخذ بيلاطس يسوع وجلده * وضفر العسكر اكليلا من شوك ووضعوه على راسه والبسوه ثوب ارجوان * وكانوا يقولون السلام يا ملك اليهود وكانوا يلطمونه ) .
فنحن المسلمون نقول : هو نبي نجاه الله من أعدائه ، وأنتم تقولون أنه إله تمكن منه أعداؤه ، فأي الفريقين أكثر إجلالا له ولحقه؟!
وأي القولين أكثر موافقه للنقل والعقل؟!
لا ريب أن المنصفين من أهل الكتاب سيذهبون بالطبع إلى نبوته ، والإيمان بدعوة من جاء بعده ، فالنبيل حقا من يرى الحق من أول دليل.
وأما مسألة التجسد فسوف نقوم بمناقشتها في كتاب الأسماء والصفات بإذن الله تبارك وتعالى.
6- الرب يعطش ويحتاج للماء
يقول يوحنا : (بعد هذا راى يسوع أن كل شيء قد كمل فلكي يتم الكتاب قال انا عطشان) .
ولا ريب أن مثل هذه الصفات تنافي الربوبية ، لذا فإن بعضها سيرد في كتاب الأسماء والصفات.
7-بكاء الرب دليل على بشريته ، ولا دليل على تجسده ـ فهل قال أنا الإله المتجسد
يقول يوحنا : (بكى يسوع )
8-باب جوع الرب
يقول لوقا : (فناولوه جزءا من سمك مشوي وشيئا من شهد عسل * فاخذ واكل قدامهم)
9-صرخات المسيح على الصليب ودعوة الآب
يقول لوقا : (و نادى يسوع بصوت عظيم وقال يا ابتاه في يديك استودع روحي ولما قال هذا اسلم الروح ) .
وهنا دليل على أن الروح الخاصة بالمسيح هي الروح الفانية التي تذهب بعد مفارقتها لبدنها إلى ربها ، فهي روح إنسانية لا إلهية ، وهذا دليل على هرطقتهم التي يقولون فيها أنهم واحد في الجوهر أو أن المسيح له طبيعتين إلهية وإنسانية ، وأن المسيح بشر كباقي البشر يناجي ربه وقت الشدائد لأنه مفتقر للغني ، وهذا ينهي أيضا قضية التثليث ، فالمسيح لا أقنوم له ، وإلا لما احتاج للأقنوم الأول الذي هو الآب ، فهو أقنوم قائم بذاته قادر ، واحتاجه لغيره ينفي عنه الربوبية والألوهية ولوازمها.
كما أن هذا الحوار ينفي ربوبية وألوهية الأقنوم الثالث الذي هو الروح القدس ، إذ أنه لم يلجأ إليه حين تخلى عنه الأول.
10-هل الرب يجرب من الشيطان
يقول مرقس : (و كان هناك في البرية اربعين يوما يجرب من الشيطان وكان مع الوحوش وصارت الملائكة تخدمه ) .
فأي إله هذا الذي يجربه عبد من عباده طوعا أو كرها؟!
أليس ذلك دليل على أن الشيطان لم يكن يعلم ربوبيته في حين أن كافة الخلق حسب الاعتقاد المسيحي تنتظر الإله المتجسد؟!
أكان الشيطان مع ما يكنه لبني آدم من العداوة ومحاولا معرفة كل سبيل لإضلالهم يجهل هذه المعلومة التي تواتر الناس عليها حسب الاعتقاد المسيحي؟!
ألم يخش الشيكان من رب الأرباب حينما أراد أن يجربه؟!
لا ريب أنها خزعبلات مأخوذة من الأديان الوثنية التي تهتم برواية الصراعات بين آلهة الخير وآلهة الشر ، لتثبت في النهاية انتصار الخير على الشر من خلال هذه المرويات ، وهذا أحد أوجه التحريف في هذه الكتب المقدسة.
11- الإله الحق هو الحي الذي لا يموت فكيف مات المسيح
في سفر أرميا : (اما الرب الاله فحق هو اله حي وملك ابدي من سخطه ترتعد الارض ولا تطيق الامم غضبه ) .
ويقول بولس : (الذي وحده له عدم الموت ساكنا في نور لا يدنى منه الذي لم يره احد من الناس و لا يقدر ان يراه الذي له الكرامة و القدرة الابدية امين ) .
وهذا ينافي موت المسيح حسب الاعتقاد المسيحي ، فهو إذن ليس بإله حسب النصوص ، فإما أن ينفوا النصوص ، أو ينفوا ربوبيته ومن ثم ألوهيته ، أو ينفوا كلاهما وهو الصحيح.
المبحث الرابع : بيان النصوص التي تأول بها النصارى ربوبية المسيح والرد عليها
تمهيد
لقد بدأ ذلك القول بربوبية المسيح وألوهيته بعد ثلاثة قرون من رفعه في مجمع نيقية 325م ، بعد أن وضع بولس بذور الانحراف في العقيدة المسيحية بعد ادعائه اعتناق المسيحية وكانت أول ثماره هذا المجمع الذي تم الاتفاق فيه على القول بربوبية المسيح وألوهيته.
وينبغي التنبيه هنا إلى مسألة غاية في الأهمية ، فإن المصادر الواجب الاعتماد عليها في استنباط العقيدة لم تكن قد استقرت بعد في المجتمع المسيحي ، فالأناجيل الأربعة المعتمدة الآن في العقيدة المسيحية إنما تم الاستقرار عليها في مجمع نيقية الأول 325م ، ولم تكن هي أول النصوص المسيحية ، بل سبقتها رسائل بولس ، وهذه النقطة من الأهمية بمكان ، لأنه مع غياب المراجع المعتبرة في تقرير العقائد كانت القوة والسلطان مع الشعور بالألفة مع هذه العقيدة هي المرجع في تقرير هذه العقائد الوثنية ، لأن القوة والسلطان كانت معهم ، وكانوا يألفون الوثنية القائلة بتعدد الآلهة ووجود علاقة أسرية بينها ، وتجسد هذه الآلهة ، لذلك جنح قسطنطين ومن شايعه إلى نصرة هذا القول ورفض آراء آريوس الموافقة للعهد القديم والجديد.
وقد بين الإسلام ضلال القول بربوبية المسيح وبين ضلال أصحابها لأنهم يؤلهون العبد الفقير الضعيف ويذرون أحسن الخالقين ، قال تعالى : (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) .
ففى هذه الآية يشير الله عز وجل لبشرية المسيح عليه السلام وأمه ، فهم فى حاجة للطعام لسد ما بهما من جوع وحاجة لما يقوى أبدانهما ، والله لا يفتقر لشيء ، فمحال أن يكونوا آلهة.
بل وبين الله عز وجل كفر أصحاب هذه العقيدة فقال : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا أن اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أن أَرَادَ أن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) .
وقد تأول النصارى بعض النصوص في العهدين القديم والجديد ، وهذا ما نتناوله بالرد في هذا المبحث إن شاء الله.
1-قولهم أن تعدد الأقانيم كان له إشارات في العهد القديم
يقولون أن هناك إشارات للتعدد في العهد القديم ، من ذلك :
• في سفر التكوين : (هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض ) .
• قول الملائكة " قدوس، قدوس، قدوس، رب الجنود"
• قالت الحيوانات التي رآها يوحنا في رؤياه: " قدوس، قدوس، قدوس، الرب الإله القادر على كل شيء"
والعجيب الذي تشيب له الرؤوس هو محاولة إثبات ذات إلهية مع الله منذ البدء بمجرد هذه الإشارات.
فهو جهل صارخ بألفاظ اللغة ، أدى إلى إثبات ذوات أخرى مع الله جل وعلا فإنا لله وإنا إليه راجعون ، والرد من أوجه :
1- أن أصحاب التوراة لم يفهموا التثليث من هذه النصوص كما فهمتموها.
2- إن غاية ما تدل عليه هذه النصوص هو التعدد دون العدد ، وليس معنى تكرار الكلمات تعدد الأقانيم ، فأي عاقل يقول هذا الكلام؟!
3- أن هناك من الألفاظ الدالة على التوحيد ما جاءت مفردة ومثناه ، فمثلا كلمة "قدوس" كما وردت مثلثة مرتين في الكتاب المقدس ، فإنها وردت مفردة نحو أربعين مرة ، وإنما يراد من التكرار التأكيد كما في نصوص إنجيلية وتوراتية كثيرة، منها قول اليهود : " فصرخوا قائلين: اصلبه، اصلبه" (لوقا 23/21) ، ونحوه في سؤال المسيح لبطرس، فقد كرره ثلاث مرات " فبعدما تغدوا قال يسوع لسمعان بطرس : يا سمعان بن يونا أتحبني أكثر من هؤلاء؟ قال له: نعم يا رب ، أنت تعلم أني أحبك... قال له أيضاً ثانية: يا سمعان بن يونا أتحبني؟... قال له ثالثة: يا سمعان بن يونا أتحبني؟ فحزن بطرس لأنه قال له ثالثة: أتحبني" .
4- أن معنى آلهة المذكورة في النص لا تدل على أرباب ، "فلما رأت المرأة صموئيل صرخت بصوت عظيم..فقالت المرأة لشاول: رأيت آلهة يصعدون من الأرض ، فقال لها: ما هي صورته؟ فقالت: رجل شيخ صاعد، وهو مغطي بجبّة. فعلم شاول أنه صموئيل" (صموئيل (1) 28/12-14)، فقد كانت تتحدث عن صموئيل، لقد رأته على هيئة رجل شيخ، وتستخدم مع ذلك صيغة الجمع (آلهة)، فالجمع لا يفيد العدد بالضرورة ، بل تدل على التعظيم.
أن إطلاق لفظ الجمع أمر لا يدل على التعدد ، فإن اللغات المختلفة تستخدم لفظ الجمع للتعظيم للذات الواحدة ، وهذا متداول اليوم في الرسائل المتداولة بين الرؤساء ومرؤوسيهم كقولهم "حضرتكم-سيادتكم" ، بل وقد ورد ذكره في القرآن الكريم في قوله تبارك وتعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) ، ولم يفهم أحد من المسلمين عوامهم وخواصهم هذا النص على أنه يشير إلى التعدد للذات الإلهية ، وإنما يشير للعظمة والإجلال ، ومثاله ما هو في العبرية مثل استخدام العبرية حرف M في قولهم ALLOHEM.
2-قولهم أنه ابن الله
دليلهم على البنوة
لقد استدل النصارى ببعض النصوص المشيرة إلى نبوة المسيح لله جل وعلا ، ولا ريب أن البنوة المذكورة للمسيح هي بنوة مجازية ، فكلنا أبناء الله ، وإلا للزم أن يكون هناك أربابا لا حصر لها.
فمما استدل النصار به على البنوة قول مرقس في قصة التعميد : (و في تلك الايام جاء يسوع من ناصرة الجليل واعتمد من يوحنا في الاردن * وللوقت وهو صاعد من الماء راى السماوات قد انشقت والروح مثل حمامة نازلا عليه * وكان صوت من السماوات انت ابني الحبيب الذي به سررت ) .
الردود على أدلتهم
والرد على ذلك من أوجه :
• أن الكتاب المقدس أثبت أن كل من انقاد لله هو ابن لله ، والمسيح عليه السلام لا ريب أنه منهم : (لان كل الذين ينقادون بروح الله فاولئك هم ابناء الله) ، (الروح نفسه ايضا يشهد لارواحنا اننا اولاد الله )
• أن المسيح ساوى بين بنوته وبنوة قومه لله : يقول يوحنا : (قال لها يسوع لا تلمسيني لاني لم اصعد بعد الى ابي ولكن اذهبي الى اخوتي وقولي لهم اني اصعد الى ابي وابيكم والهي والهكم) ، فبعد أن ساوى المسيح بين بنوته وبنوة سائر الخلق ، فكيف يمكن تخصيصها؟! وكيف يكون الإله إله لإله أخر؟! ، وهنا نرى أن المسيح يرشد المرأة إلى توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية وأن الإله الحق واحد وهو الله ، والآب هو إله ورب المسيح كما أنه إله ورب سائر النصارى.
• أن أبوة الله هي أبوة مجازية ثابتة لكل مطيع :(فقال لهم يسوع لو كان الله اباكم لكنتم تحبونني لاني خرجت من قبل الله واتيت لاني لم ات من نفسي بل ذاك ارسلني) .
• أن هذه الأبوة المجازية قد شملت خلق كثير ، فتعددت الأولاد لله وأن المراد المؤمنون باسمه :(و اما كل الذين قبلوه فاعطاهم سلطانا أن يصيروا اولاد الله اي المؤمنون باسمه) .
• إثبات أن بني إسرائيل أبناء الله : (لكن يكون عدد بني اسرائيل كرمل البحر الذي لا يكال ولا يعد ويكون عوضا عن أن يقال لهم لستم شعبي يقال لهم ابناء الله الحي ) .
• البنوة ثابتة لكل من أحبه الله ، ولا شك أن محبة الله للعالم أجمع حتى بذل ابنه الوحيد : (لان الذي يحبه الرب يؤدبه وكاب بابن يسر به) .
• هذه البنوة المجازية قد تحدث للبشر بمعنى العناية بهم والعطف عليهم، فقد قال أيوب عليه السلام أنه أب للفقراء : (اب انا للفقراء ودعوى لم اعرفها فحصت عنها ) .
• البنوة المجازية لله تدل أيضا على مقام العبودية والتقرب لله :(و كان ذات يوم انه جاء بنو الله ليمثلوا امام الرب وجاء الشيطان ايضا في وسطهم)
• مساواة داود أبوة الله لكل البشر : (و بارك داود الرب امام كل الجماعة وقال داود مبارك انت ايها الرب اله اسرائيل ابينا من الازل والى الابد )
• الله عز وجل ليس أبا للمسيح فحسب : فهو أب لداود عليه السلام : (انا اكون له ابا وهو يكون لي ابنا أن تعوج اؤدبه بقضيب الناس وبضربات بني ادم) .
• صمؤيل ابن الرب : (ثم عاد الرب ودعا ايضا صموئيل فقام صموئيل وذهب الى عالي وقال هانذا لانك دعوتني فقال لم ادع يا ابني ارجع اضطجع )
• أن الآب والابن يقولون أن الكل أبناء له
أما الآب فيقول : (لذلك اخرجوا من وسطهم واعتزلوا يقول الرب ولا تمسوا نجسا فاقبلكم * واكون لكم ابا وانتم تكونون لي بنين وبنات يقول الرب القادر على كل شيء) .
وأما الابن فيقول : (لكي تكونوا ابناء ابيكم الذي في السماوات فانه يشرق شمسه على الاشرار والصالحين ويمطر على الابرار والظالمين )
• ليس المسيح وحده ابن الله : (كل من يؤمن أن يسوع هو المسيح فقد ولد من الله وكل من يحب الوالد يحب المولود منه ايضا * بهذا نعرف اننا نحب اولاد الله اذا احببنا الله وحفظنا وصاياه ) .
• كل النصارى أولاد الله ، فهل هم آلهة : (انظروا اية محبة اعطانا الاب حتى ندعى اولاد الله من اجل هذا لا يعرفنا العالم لانه لا يعرفه * ايها الاحباء الان نحن اولاد الله ولم يظهر بعد ماذا سنكون ولكن نعلم انه اذا اظهر نكون مثله لاننا سنراه كما هو) .
• أن المطيعين مولودون من الله جل وعلا ، مما يدل أن أن المراد هي البنوة المجازية القائمة على اتباع المنهج الذي رسمه الله لعباده : (كل من هو مولود من الله لا يفعل خطية لان زرعه يثبت فيه ولا يستطيع أن يخطئ لانه مولود من الله * بهذا اولاد الله ظاهرون واولاد ابليس كل من لا يفعل البر فليس من الله وكذا من لا يحب اخاه ) .
فهؤلاء القوم مخلوقون من أمهاتهم ولادة حقيقية ، ومن الله مجازا بطاعته وسلوك سبيله الذي خطه لهم ، وإلا للزم أمور يتنزه عنها الإله ، ومن صرح بها فهو كافر ، فهل نثبت لله فرجا ، وغير ذلك من اللوازم؟!
• أن إسرائيل هو الابن البكر لله عز وجل : (فتقول لفرعون هكذا يقول الرب اسرائيل ابني البكر ) .
• أن الله - الآب - قد جعل إبراهيم عليه السلام أبا للبشر ، ولم يكن إلها ، فهي أبوة مجازية : (فلا يدعى اسمك بعد ابرام بل يكون اسمك ابراهيم لاني اجعلك ابا لجمهور من الامم ) .
• إشارة بولس لمعنى الولادة المجازية بولادة أتباعه : (لانه وأن كان لكم ربوات من المرشدين في المسيح لكن ليس اباء كثيرون لاني انا ولدتكم في المسيح يسوع بالانجيل ) .
ورغم أن عوام النصارى ما أن تنكر عليهم مسألة البنوة لله فيقولون أنها مجازية ، إلا أن الواقع غير ذلك ، فها هو البابا شنودة يقول في كتابه لاهوت المسيح "بنوة البشر هي إما بالإيمان أو بالمحبة أو بالتبني" ، ويقول عن لاهوت المسيح "أما السيد فبنوته من جوهر الله نفسه" .
وهذا غير مفهوم إلا أنه بنوة بالذات ، ومعناه أنه ليس مساو له في الجوهر كما يزعمون ، فكيف يخرج منه ويساويه كما تقولون في قانون الإيمان؟!
فهذا دليل على عدم الوعي بالعقيدة وأنها لا تتعدى التقليد الأعمى.
فلو كانت البنوة حقيقية ، فإنه ما من ابن إلا وله شبه من أبيه ، فما الذي حمله من أبيه؟!
وهل الله كأحد من البشر حتى يكون له ولد يحمل اسمه وصفاته؟! هذا ما نفاه الكتاب المقدس : (ليس الله انسانا فيكذب ولا ابن انسان فيندم هل يقول ولا يفعل او يتكلم ولا يفي) .
وقد كان المسيح يثبت بشريته بأن يقول عن نفسه أنه ابن الإنسان ، فلم يقل أنه ابن إله ، فكيف نعبد إنسان؟!
يقول لوقا : (لان ابن الانسان لم يات ليهلك انفس الناس بل ليخلص فمضوا الى قرية اخرى ) ، فإن كان يتكلم عن الناسوت ، فأين قال أنه إله أو رب وطلب العبادة لنفسه؟! وأين ذكر أنه له طبيعة ناسوتية وأخرى لاهوتية؟!
الأبوة المجازية للشيطان
إن من قال بالأبوة للبشر ليست مجازية فقد قال بثنائية الخلق ، لأن كما أن هناك أبوة مجازية لله ، فهناك أبوة مجازية للشيطان : يقول يوحنا : (انتم من اب هو ابليس وشهوات ابيكم تريدون أن تعملوا ذاك كان قتالا للناس من البدء ولم يثبت في الحق لانه ليس فيه حق متى تكلم بالكذب فانما يتكلم مما له لانه كذاب وابو الكذاب ) .
فعلى النصارى أن يراجعوا نصوص كتبهم ، وأن يقوموا بالجمع بينتها ومعرفة السياق الوارد لكل نص وكيفية الاستدلال به.
3-قولهم أن معاصريه كانوا يلقبونه بالرب
جاء الرب في نصوص الكتاب المقدس بمعانى مختلفة على النحو التالي :
• أنها بمعنى السيد : يصرح يوحنا بمعنى أن الرب تأتي بمعنى المعلم ، ففي العهد القديم نجد : (و داود نفسه يقول في كتاب المزامير قال الرب لربي اجلس عن يميني) ، وفي العهد الجديد نجد ما يؤيد هذا المعنى : فيقول يوحنا (فالتفت يسوع ونظرهما يتبعان فقال لهما ماذا تطلبان فقالا ربي الذي تفسيره يا معلم اين تمكث ) .
• وها هى صريحة مدوية : (فالتفت يسوع ونظرهما يتبعان فقال لهما ماذا تطلبان فقالا ربي الذي تفسيره يا معلم اين تمكث) ، فقد كان المسيح يخاطب اثنين من تلاميذه
• أنها بمعنى المعلم : (لان داود لم يصعد الى السماوات وهو نفسه يقول قال الرب لربي اجلس عن يميني) ، وقد ادعى البعض أن فيي ذلك إشارة للتثليث ، وأن المتحدث هنا هو الأقنوم الأول للأقنوم الثاني ، وهو تأويل بعيد عن العقل ولا يرضاه النقل ، وفيه إهمال للأقنوم الثالث ، فأين كان هذا الأقنوم المظلوم في العهدين؟!
• بمعنى السيد : (قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى اضع اعداءك موطئا لقدميك) ، وأصل الترجمة "قال الرب لسيدي".
• أن المستقر عن الحواريين أن المسيح معلم وليس ربا أو إلها ، فها هو سمعان بطرس يصف المسيح بالمعلم في إنجيل لوقا : (فاجاب سمعان وقال له يا معلم قد تعبنا الليل كله ولم ناخذ شيئا ولكن على كلمتك القي الشبكة ) .
وبطرس هذا هو من جعله المسيح كالصخرة ، ما يجعله مربوطا كان مربوطا وما يكن محلولا يكون محلولا كما يرويه متى في إنجيله ، فهذه هي عقيدة الصخرة ، وإن شئت قلت : من إيمانه كالجبل ، فهل سيكون النصارى مثله؟!
أن المستقر عند اليهود أنهم كانوا يرفضون نبوته لا ألوهيته
• فكانوا يدعونه ملك اليهود وليس مالك الملك : (فاجاب بيلاطس ايضا وقال لهم فماذا تريدون أن افعل بالذي تدعونه ملك اليهود) .
• وكانوا يقولون ببشريته وأنه بار : (فلما راى قائد المئة ما كان مجد الله قائلا بالحقيقة كان هذا الانسان بارا) .
• قول الجموع فى يسوع أنه نبى : (و لما دخل اورشليم ارتجت المدينة كلها قائلة من هذا * فقالت الجموع هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل ) .
• وقد روى واقعة القيام وبها تفسير معنى كلمة الرب المتداول بين النصارى في عصرهم فقال : (اما مريم فكانت واقفة عند القبر خارجا تبكي وفيما هي تبكي انحنت الى القبر * فنظرت ملاكين بثياب بيض جالسين واحدا عند الراس والاخر عند الرجلين حيث كان جسد يسوع موضوعا * فقالا لها يا امراة لماذا تبكين قالت لهما انهم اخذوا سيدي ولست اعلم اين وضعوه * ولما قالت هذا التفتت الى الوراء فنظرت يسوع واقفا ولم تعلم انه يسوع * قال لها يسوع يا امراة لماذا تبكين من تطلبين فظنت تلك انه البستاني فقالت له يا سيد أن كنت انت قد حملته فقل لي اين وضعته وانا اخذه * قال لها يسوع يا مريم فالتفتت تلك وقالت له ربوني الذي تفسيره يا معلم ) . وهو ما أشار له المسيح بقوله : (واما انتم فلا تدعوا سيدي لان معلمكم واحد المسيح وانتم جميعا اخوة * ولا تدعوا لكم ابا على الارض لان اباكم واحد الذي في السماوات * ولا تدعوا معلمين لان معلمكم واحد المسيح ) .
ومعنى الجموع أنهم كل المعاصرين للمسيح ، كلهم يرون نبوته ، فمن أين أتى هؤلاء الهالكون بألوهيته؟!
4-قوله أنا والآب واحد
استدل النصارى على ربوبية المسيح بقوله : (انا والاب واحد ) .
ولا ينبغي الاغترار بمثل هذه الكلمات الصريحة ، وإظهار المفاجأة والدهشة عند سماعها ، فإننا لو فكرنا مليا لوجدنا أننا نستخدم هذه الكلمات في حياتنا اليومية للدلالة على قوة الصلة ، كقولك لأخيك : "أنا وأنت واحد" ، تريد ألا فرق بينكما في سداد حساب الطعام ، أو في أنك قضيت عنه دين ، أو غير ذلك.
ولفهم النص السابق نعود فنقرأ السياق من أوله ، فنرى بأن المسيح كان يتمشى في رواق سليمان أحاط به اليهود وقالوا له : "إلى متى تعلق أنفسنا؟ أن كنت أنت المسيح فقل لنا جهراً.
أجابهم يسوع: إني قلت لكم ولستم تؤمنون. الأعمال التي أنا أعملها باسم أبي هي تشهد لي، ولكنكم لستم تؤمنون، لأنكم لستم من خرافي كما قلت لكم: خرافي تسمع صوتي، وأنا أعرفها فتتبعني، وأنا أعطيها حياة أبدية، ولن تهلك إلى الأبد، ولا يخطفها أحد من يدي، أبي الذي أعطاني إياها هو أعظم من الكل، ولا يقدر أحد أن يخطف من يد أبي، أنا والآب واحد" .
فالنص من أوله يتحدث عن قضية معنوية مجازية، فخراف المسيح أي تلاميذه يتبعونه، فيعطيهم الحياة الأبدية، أي الجنة، ولن يستطيع أحد أن يخطفها منه (أي يبعدها عن طريقه وهدايته) لأنها هبة الله التي أعطاه إياها، ولا يستطيع أحد أن يسلبها من الله الذي هو أعظم من الكل، فالله والمسيح يريدان لها الخير، فالوحدة وحدة الهدف لا الجوهر.
وهو في كل هذه النصوص يفرق بينه وبين الآب ، فلم يقل أنا هو الله العلي القدير خالق السموات والأرض ، والمستحق للعبادة.
لكن اليهود في رواق سليمان كان فهمهم لكلام المسيح سقيماً - أشبه ما يكون بفهم النصارى له -، لذا " تناول اليهود أيضاً حجارة ليرجموه، …لسنا نرجمك لأجل عمل حسن، بل لأجل تجديف، فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً".
فعرف المسيح خطأ فهمهم لكلامه، واستغرب منهم كيف فهموا هذا الفهم وهم يهود يعرفون لغة الكتب المقدسة في التعبير المجازي فأجابهم: " أليس مكتوباً في ناموسكم: أنا قلت إنكم آلهة؟" ومقصده ما جاء في مزامير داود: "أنا قلت إنكم آلهة، وبنو العلي كلكم" (المزمور 82/6).
أي فكيف تستغربون بعد ذلك مثل هذه الاستعارات، وهي معهودة في كتابكم الذي جعل بني إسرائيل آلهة بالمعنى المجازي للكلمة؟! فالمسيح أولى بهذه الألوهية المجازية من سائر بني إسرائيل" أن قال: آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله.. فالذي قدسه الآب وأرسله إلى العالم، أتقولون له إنك تجدف لأني قلت: إني ابن الله، أن كنت لست أعمل أعمال أبي فلا تؤمنوا بي.." .
وهكذا صحح المسيح لليهود ثم للنصارى الفهم السيئ والحرفي لوحدته مع الآب ، وهذا أسلوب في التعبير عن وحدة الهدف والمشيئة معهود في النصوص خاصة في إنجيل يوحنا ، فهو يقول عن التلاميذ على لسان المسيح: "ليكون الجميع واحداً كما أنت أيها الآب فيّ، وأنا فيك، ليكونوا (أي التلاميذ) هم أيضاً واحداً فينا.. ليكونوا واحداً كما أننا نحن واحد... أنا فيهم وأنت فيّ" ، فالحلول في المسيح والتلاميذ حلول معنوي فحسب، وإلا لزم تأليه التلاميذ، فكما المسيح والآب واحد، فإن التلاميذ والمسيح والآب أيضاً واحد، أي وحدة الهدف والطريق، لا وحدة الذوات، فإن أحداً لا يقول باتحاد التلاميذ ببعضهم أو باتحاد المسيح فيهم بذاته.
وفي موضع آخر ذكر نفس المعنى فقال عن التلاميذ: " أيها الأب القدوس، احفظهم في اسمك الذي أعطيتني، ليكونوا واحداً كما نحن" .
ومثله قوله: "تعلمون أني أنا في أبي، وأنتم فيّ، وأنا فيكم" .
ومثله يقول بولس: "فإنكم أنتم هيكل الله الحي، كما قال الله: إني سأسكن فيهم، وأسير بينهم، وأكون لهم إلهاً، وهم يكونون لي شعباً" (كورنثوس (2) 6/16-17).
ومثله قوله: "إله وآب واحد للكل، الذي على الكل وبالكل، وفي كلكم" (أفسس 4/6).
ومثله قول المسيح لتلاميذه: " أنا الكرمة، وأنتم الأغصان، الذي يثبت في، وأنا فيه، هذا يأتي بثمر كثير" ، أي من يحبني ويطيعني ويؤمن بي فهذا يأتي بثمر كثير.
والمعنى الصحيح لقوله: "لكي تعرفوا وتؤمنوا أن الآب فيّ، وأنا فيه" أي أن الله يكون في المسيح، أي بمحبته وقداسته وإرشاده وتسديده، لا بذاته المقدسة التي لا تحل في الهياكل "العلي لا يسكن في هياكل مصنوعات الأيادي" (أعمال 7/48).
وقد تكرر هذا الأسلوب في التعبير عن وحدة الهدف والمشيئة في نصوص كثيرة، منها قول بولس: " أنا غرست، وأبلوس سقى، …الغارس والساقي هما واحد، فإننا نحن عاملان مع الله" (كورنثوس(1) 3/6-9)، فوحدة بولس مع أبلوس وحدة الهدف المشترك، لا الجوهر والذات.
ومثله جاء في التوراة في وصف الزوجين "يترك الرجل أباه وأمه، ويلتصق بامرأته، ويكونان جسداً واحداً" (التكوين 2/24).
ومثله قول لابان ليعقوب ابن أخته " فقال له لابان: إنما أنت عظمي ولحمي" (التكوين 29/14).
ومثله الرمز لوحدة الهدف والغاية بين التلاميذ باستعارة لفظ يدل ظاهره على وحدة الجسد، وليس مقصوداً ، وذلك في قوله: " هكذا نحن الكثيرين جسد واحد في المسيح وأعضاء بعضاً لبعض" (رومية 12/5)، (وانظر صموئيل 19/12)، وغير ذلك من أمثلة وحدة المشيئة والهدف والمحبة ، لا الذات.
ومثل هذا الاستخدام للوحدة المجازية، وحدة الهدف والمشيئة ورد في القرآن من غير أن يفهم منه أحد من المسلمين الوحدة الحقيقية، وحدة الذات، وذلك في قوله تعالى، وهو يخاطب نبيه: (إنّ الّذين يبايعونك إنّما يبايعون اللّه) ، فلم يقل أحد من المسلمين أن الله ونبيه ذات واحدة كما صنع النصارى في قول المسيح: "أنا والآب واحد".
وقد قالوا أن المسيح والآب واحد فى الجوهر والأصل وواحد فى كل حاجه ، لكن المسيح نفى ذلك بقوله : (و أن كنت انا ادين فدينونتي حق لاني لست وحدي بل انا والاب الذي ارسلني ) ، صرح بعظمة الآب عنه قائلا : (سمعتم اني قلت لكم انا اذهب ثم اتي اليكم لو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون لاني قلت امضي الى الاب لان ابي اعظم مني ) .
وقد كان المسيح يصرح لمعاصريه بنوته :
• يقول أنه نبي : (فقال لهم يسوع ليس نبي بلا كرامة الا في وطنه وبين اقربائه وفي بيته ) ؟
• وأنه مرسل من رب العالمين : (انا فيهم وانت في ليكونوا مكملين الى واحد وليعلم العالم انك ارسلتني واحببتهم كما احببتني ) .
5-قول المسيح : من رآني فقد رأى الآب
قالوا : لقد قال المسيح أن من رآه فقد رأى الآب ، يقول يوحنا : (قال له فيلبس يا سيد ارنا الاب وكفانا * قال له يسوع انا معكم زمانا هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس الذي راني فقد راى الاب فكيف تقول انت ارنا الاب * الست تؤمن اني انا في الاب والاب في الكلام الذي اكلمكم به لست اتكلم به من نفسي لكن الاب الحال في هو يعمل الاعمال * صدقوني اني في الاب والاب في والا فصدقوني لسبب الاعمال نفسها * الحق الحق اقول لكم من يؤمن بي فالاعمال التي انا اعملها يعملها هو ايضا ويعمل اعظم منها لاني ماض الى ابي ) .
والسياق هنا أن فيليبس لم يؤمن وأراد أن يرى الآب رغم معجزات المسيح وكلامه ، فقال له المسيح ذلك لأن معجزاته شاهدة على الرب ، وهو نفس الطلب الذي طلبه قوم موسى عليه السلام ، فليس المراد بالرؤية هنا رؤية البصر، بل المراد رؤية البصيرة ، بمعرفة طريق الهداية والحق.
كما أن المسيح لم يصف نفسه مطلقا بأنه الآب.
إن ما أراده المسيح من هذه العبارة هو : أنه من رأى هذه الأفعال التي أظهرها الله على يديه فقد رأى أفعال الله جل وعلا ، وهذا ما يقتضيه السياق الذي جاءت به هذه الفقرة.
كما أن الفقرة من أولها لآخرها تشتمل الحيث عن ذاتين مختلفتين ، ألا وهي الذات العلية ، ذات الرب ، وذات المسيح المبلغ عن هذا الرب ، المؤيد بالمعجزات من هذا الرب.
وهذا مثل ما ورد في القرآن (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا) ، فلم يفهم منه أحد من أمة الإسلام تأليه النبي ، وإنما فهموا أن من امتثل لكلام النبي فقد امتثل لكلام الله هز وجل ، وليس معناه المساواة الذاتية بين الله ورسوله ، فالرسول هو المبلغ عن رب العالمين.
4-قوله أنا في الآب والآب في
استدل النصارى على ألوهية المسيح بقوله في إنجيل يوحنا : (صدقوني اني في الاب والاب في والا فصدقوني لسبب الاعمال نفسها ) .
هذا النص واجب التأويل عندهم لأنهم يرون أن من الآب هو من حل في الابن وليس العكس.
ويرد هذا النص في الكتاب المقدس قول المسيح : (ليكون الجميع واحدا كما انك انت ايها الاب في وانا فيك ليكونوا هم ايضا واحدا فينا ليؤمن العالم انك ارسلتني) ، فالمسيح يشهد أن جميع المؤمنين في الآب والابن سويا ، وهذا لا ريب يدل على أن المراد وحدة العقيدة والهدف والاتباع ، وليس الاتحاد والحلول.
5-النصوص التي تقول بأزلية المسيح
هناك نصوص تقول بأزلية المسيح : (أن إبراهيم تشوق إلى أن يرى يومي هذا، فقد رآني وابتهج بي، من قبل أن يكون إبراهيم كنت أنا ) ، كما جاء في مقدمة يوحنا ما يفيد وجوداً أزلياً للمسيح قبل خلق العالم : (في البدء كانت الكلمة، الكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله، هذا كان في البدء عند الله) .
والرد على ذلك من أوجه :
• قول المسيح أن المراد هو المجد المعطى له من الله : (والآن مجدني أيها الآب عن ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم) ، فهو يتكلم عن المجد وليس الوجود الذاتي.
• قول المسيح أن الله أحبه منذ الأزل : (أيها الآب أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا لينظروا مجدي الذي أعطيتني لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم ) .
• ويخالف المحققون في النتيجة التي توصل إليها النصارى، إذ ليس المقصود من الوجود قبل إبراهيم الوجود الحقيقي للمسيح كشخص، بل المقصود الوجود القدري والاصطفائي، أي أن اختيار الله واصطفاؤه له قديم، كما في قول بولس عنه - حسب الرهبانية اليسوعية -: "وكان قبل اصطفي قبل إنشاء العالم" (بطرس (1) 1/20) ، ومثله قال بولس عن نفسه وأتباعه: " كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين" (أفسس 1/4) أي اختارنا بقَدَره القديم كما اختار المسيح واصطفاه، ولا يفيد أنهم وجدوا أو أنه وُجِد حينذاك.
كما لا يدل على وجوده في الأزل، وغاية ما يفيده النص - إذا أخذ على ظاهره - أن للمسيح وجوداً أرضياً يعود إلى زمن إبراهيم، وزمن إبراهيم لا يعني الأزل.
• هناك من شارك المسيح في هذه الأزلية المدعاة ، ألا وهو ملكي صادق كاهن ساليم في عهد إبراهيم ، فإن بولس يزعم أن لا أب له ولا أم، ويزعم أن لا بداية له ولا نهاية، أي هو أزلي أبدي، يقول بولس: "ملكي صادق هذا ملك ساليم كاهن الله العلي .. بلا أب، بلا أم، بلا نسب، لا بداءة أيام له، ولا نهاية حياة، بل هو مشبه بابن الله، هذا يبقى كاهناً إلى الأبد" (عبرانيين 7/1-3)، فلم لا يقول النصارى بألوهية ملكي صادق الذي يشبه بابن الله، لكثرة صور التشابه بينهما، بل هو متفوق على المسيح الذي يذكر النصارى أنه صلب ومات، وله أم بل وأب - حسب ما أورده متى ولوقا -، في حين أن ملكي صادق قد تنـزه عن ذلك كله!
• ومن هؤلاء الذين يستحقون الأزلية - لو فهمت النصوص على ظاهرها - النبي سليمان الحكيم حين قال عن نفسه وعن حكمة الله التي حلت فيه: "أنا الحكمة أسكن الذكاء، وأجد معرفة التدابير .. الرب قناني أول طريقه، من قبل أعماله منذ القديم، منذ الأزل مسحتُ، منذ البدء، منذ أوائل الأرض، إذ لم يكن ينابيع كثيرة المياه، ومن قبل أن تقرر الجبال أُبدئتُ، قبل التلال أُبدئتُ " (الأمثال 8/12-25)، فقد أضحى سليمان - وفقاً للفهم الظاهري الحرفي - مسيحاً للرب منذ الأزل.
• ولو لزم من كلامهم وجود أزليين لكان الشيطان ثالثهما وفق رؤيا يوحنا : (الوحش الذي رأيت، كان وليس الآن، وهو عتيد أن يصعد من الهاوية ويمضي إلى الهلاك. وسيتعجب الساكنون على الأرض الذين ليست أسماؤهم مكتوبة في سفر الحياة منذ تأسيس العالم، حينما يرون الوحش أنه كان وليس الآن، مع أنه كائن) .
فهل يقبل النصارى هذا التأويل وفقا للنصوص الواردة في الكتاب المقدس؟!
لا ريب أن المنصفين منهم يرفضون كل التأويلات التي تقول بهذه الأزلية حينما نقوم بجمع النصوص جنبا إلى جنب والنظر إليها وفق السياقات الواردة فيها.
6-قالوا أن المسيح قد حلت فيه روح الرب
واستدلوا بنصوص مثل أنا والآب واحد ، وأنا في الآب والآب في ، وحلول روح الرب عليه.
وليس معنى حلول روح الرب هي اتحاد الرب بالمخلوقين ، وإنما تدل على دلائل أخرى ، تختلف باختلاف السياق ، فتارة يكون المراد منها الوحي ، وتارة يكون المراد منها النصر والتأييد ، وتارة بالحمل بالأطهار ، كما ورد أيضا أن هناك كثير ورد ذكرهم في الكتاب المقدس رجالا ونساءا قد حل عليهم روح القدس ، ولم يقل أحد بألوهيتهم ، وبيان ذلك :
• حلت روح الرب على داود عليه السلام ، فهل هو إله : (فاخذ صموئيل قرن الدهن ومسحه في وسط اخوته وحل روح الرب على داود من ذلك اليوم فصاعدا ثم قام صموئيل وذهب الى الرامة * وذهب روح الرب من عند شاول وبغته روح رديء من قبل الرب) .
• أنها لبيان قوة الصلة والعلاقة : (لانه أن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير ايضا بقيامته ) .
• روح الرب تحل على أليصابت : (فلما سمعت اليصابات سلام مريم ارتكض الجنين في بطنها وامتلات اليصابات من الروح القدس ) .
• زكريا تحل عليه الروح القدس :(وامتلا زكريا ابوه من الروح القدس وتنبا قائلا) .
• سمعان تحل عليه الروح القدس : (و كان رجل في اورشليم اسمه سمعان وهذا الرجل كان بارا تقيا ينتظر تعزية اسرائيل والروح القدس كان عليه ) .
• أن روح الرب قد حلت على جدعون : (و لبس روح الرب جدعون فضرب بالبوق فاجتمع ابيعزر وراءه ) .
• أن روح الرب قد حلت على يفتاح : (فكان روح الرب على يفتاح فعبر جلعاد ومنسى وعبر مصفاة جلعاد ومن مصفاة جلعاد عبر الى بني عمون ) .
• أن روح الرب قد حلت على شمشون : (فنزل شمشون وابوه وامه التي تمنة واتوا الى كروم تمنة واذا بشبل اسد يزمجر للقائه * فحل عليه روح الرب فشقه كشق الجدي وليس في يده شيء ولم يخبر اباه وامه بما فعل ) .
• أنها للنصرة والتأييد ، وإلا للزم تأليه النصارى لحلول المسيح فيهم : (ليحل المسيح بالايمان في قلوبكم) ، وقول المسيح : (ليكون الجميع واحدا كما انك انت ايها الاب في وانا فيك ليكونوا هم ايضا واحدا فينا ليؤمن العالم انك ارسلتني) .
• شاول ملك اليهود يحل عليه روح الرب : (فحل روح الله على شاول عندما سمع هذا الكلام وحمي غضبه جدا) ، وأيضا : (و قال صموئيل لشاول اياي ارسل الرب لمسحك ملكا على شعبه اسرائيل والان فاسمع صوت كلام الرب) .
• يوشع بن نون يحل عليه روح الرب : (فقال الرب لموسى خذ يشوع بن نون رجلا فيه روح وضع يدك عليه) .
7-قول أحد الحواريين للمسيح ربي وإلهي
استدل النصارى على ربوبية المسيح بحوار دار بين المسيح وبثيثن أحد تلاميذه الذي يدعى توما ، يقول يوحنا : (اما توما احد الاثني عشر الذي يقال له التوام فلم يكن معهم حين جاء يسوع * فقال له التلاميذ الاخرون قد راينا الرب فقال لهم أن لم ابصر في يديه اثر المسامير واضع اصبعي في اثر المسامير واضع يدي في جنبه لا اؤمن * وبعد ثمانية ايام كان تلاميذه ايضا داخلا وتوما معهم فجاء يسوع والابواب مغلقة ووقف في الوسط وقال سلام لكم * ثم قال لتوما هات اصبعك الى هنا وابصر يدي وهات يدك وضعها في جنبي ولا تكن غير مؤمن بل مؤمنا * اجاب توما وقال له ربي والهي * قال له يسوع لانك رايتني يا توما امنت طوبى للذين امنوا ولم يروا) .
والرد على ذلك من أوجه :
• أن كلمة : ربي وإلهي تقال في اصطلاح الناس للتعجب ، ومثاله ما قاله توما : ربي إلهي تعجبا من قدرة الله ، وليس نداءا للمسيح ، لأنه رأى الآيات أن المسيح قد نجا من الصلب ، والتلاميذ يحدثونه أنه المسيح نجا فيقول لا أسلم لكم إلا أن أراه وأمسه.
وهذا ما يستخدمه الأجانب فيقولون : oh ,my God.
• كلمة رب وإله لم تكن تعنى عندهم الإله المستحق للعبادة :
(لان داود نفسه قال بالروح القدس قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى اضع اعداءك موطئا لقدميك) ، فهل هما ربان؟!
وقد مضى معنا دلالة هذه الألفاظ على السيادة والمعلم في الكتاب المقدس فلا نحتاج هنا للإطالة.
8-إسناد الملكوت للمسيح
استدل النصارى على ربوبية المسيح بأنه هو ملك الملكوت ، ويراد بالملكوت في العقيدة النصرانية المستقر في الآخرة ، وهي الجنان ، يقول يوحنا : (اجاب يسوع مملكتي ليست من هذا العالم لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا اسلم الى اليهود ولكن الان ليست مملكتي من هنا) .
والعجيب في هذا النص أنه لا يثبت أن المسيح هو مالك يوم الدين ، فمالك الآخرة هو مالك الدنيا أيضا ، ولو كان يريد أنه مالك الملكوت ، لقال أن ملك العالم والملكوت حسب هذا النص الذي معنا ، لكنه نفى ملكه للعالم وأثبت أن مملكته في مكان مختلف.
والرد على ذلك يسير جدا من وجهين :
• ورد في الكتاب المقدس نفيه في قصة ابني زبدي ، فقد طلبت أمهما من المسيح أن يجلس ولديها إلى جواره في ملكوته ، فأخبرها أن الأمر ليس بيده ، وهذا الرد صريح في نفي ملكية المسيح للملكوت ، يقول متى : (حينئذ تقدمت اليه ام ابني زبدي مع ابنيها وسجدت وطلبت منه شيئا * فقال لها ماذا تريدين قالت له قل أن يجلس ابناي هذان واحد عن يمينك والاخر عن اليسار في ملكوتك * فاجاب يسوع وقال لستما تعلمان ما تطلبان اتستطيعان أن تشربا الكاس التي سوف اشربها انا وأن تصطبغا بالصبغة التي اصطبغ بها انا قالا له نستطيع * فقال لهما اما كاسي فتشربانها وبالصبغة التي اصطبغ بها انا تصطبغان واما الجلوس عن يميني وعن يساري فليس لي أن اعطيه الا للذين اعد لهم من ابي ) .
• أنه أثبت الملكوت للآب وحده : (إني من الآن لا أشرب من نتاج الكرمة هذا إلى ذلك اليوم، حينما أشربه معكم جديداً في ملكوت أبي)(متى 26/29).
9-إسناد الخالقية لله بالمسيح
لقد أسندت بعض النصوص الخالقية لله بالمسيح، فتعلق النصارى بها، ورأوها دالة على ألوهيته ومنها قول بولس عن المسيح: "فإن فيه خلق الكل: ما في السماوات وما على الأرض، ما يرى وما لا يرى، سواء أن كان عروشاً أم رياسات أم سلاطين، الكل به وله قد خلق" (كولوسي 1/16-17)، وفي موضع آخر يقول: "الله خالق الجميع بيسوع المسيح" (أفسس 3/9)، ومثله ما جاء في مقدمة يوحنا "كان في العالم، وكون العالم به، ولم يعرفه العالم" (يوحنا 1/10)، ومثله في (عبرانيين 1/2).
ونلحظ ابتداءً أن الخلق في كافة النصوص الكتابية مسند لله تعالى فقط، فقد قال سفر التكوين "في البدء خلق الله السماوات والأرض" (التكوين 1/1)، ولم يذكر خالقاً شارك الله بالخلق أو كان واسطة تم الخلق من خلاله، وفي سفر إشعياء "هكذا يقول الله الرب خالق السموات" (إشعيا 42/5)، كما وقد قال بولس وبرنابا لأهل مدينة لسترة: "نبشركم أن ترجعوا من هذه الأباطيل إلى الإله الحي الذي خلق السماء والأرض والبحر وكل ما فيها" (أعمال 14/15)، فلم يذكروا خالقاً سوى الله العظيم.
وما بين أيدينا من أقوال بولس ويوحنا فإنها إنما تتحدث عن الله الذي خلق بيسوع، ولا تذكر أنه هو الخالق أبداً، فغاية ما تحتمله هذه النصوص - لو سلم بصحتها - أن يقال بأن الله خلق بالمسيح ما خلق من الكائنات والمخلوقات.
وهذا المعنى جد غريب لم تنطق به أنبياء العهد القديم، ولا ذكره المسيح عليه السلام، إنما ورد من كلام بولس ومقدمة يوحنا الفلسفية المستمدة من الفكر الوثني ، ولا يمكن أن يكون المسيح خالقاً للسماوات والأرض وما بينهما وهو مخلوق، وإن زعمت النصارى أنه أول المخلوقين، لكنه على كل حال مخلوق، والمخلوق غير الخالق " الذي هو صورة الله غير المنظور، بكر كل خليقة" (كولوسي 1/15).
ثم أن الذي عجز عن رد الحياة لنفسه عندما مات لهو أعجز من أن يكون خالقاً للسماوات والأرض، أو أن تخلق به "فيسوع هذا أقامه الله" (أعمال 2/32)، ولو لم يقمه الله لما عاد من الموتى، وفي موضع آخر: "ورئيس الحياة قتلتموه الذي أقامه الله من الأموات " (أعمال 3/15).
ويرى المحققون أن المقصود من هذه النصوص أن المسيح خلقت به الخلائق خلقة الهداية والإرشاد، لا الإيجاد والتكوين، فتلك خلقة الله فحسب، والخلقة التي خلقها الله بالمسيح عليه السلام هي الخلقة الجديدة، خلقة الهداية، التي تحدث عنها داود، وهو يدعو الله بقوله: "قلباً نقياً اخلق فيّ يا الله، وروحاً مستقيماً جدد في داخلي" (المزمور 51/10).
ومثله قال بولس عن المؤمنين بالمسيح: "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة" (كورنثوس (2) 5/17).
وقال: "لأنه في المسيح ليس الختان ينفع شيئاً ولا الغرلة، بل الخليقة الجديدة" (غلاطية 6/15).
وفي موضع آخر يقول: "تلبسوا الإنسان المخلوق الجديد بحسب الله في البر" (أفسس 4/24).
وعلى هذا الأساس اعتبر يعقوب التلاميذ باكورة المخلوقات فقال: "شاء فولدنا بكلمة الحق لكي نكون باكورة من خلائقه" (يعقوب 1/18) أي أوائل المهتدين الذين تلبسوا بالخليقة الجديدة.
وعليه فإن المقصود من خلق المسيح للبشر هو الخلق الروحي، إذ جعله الله محيياً لموات القلوب وقاسيها.
أما الذين اعتادوا على طريقة الأسفار في التعبير، فإنهم يرون في هذه النصوص مبالغة معهودة ، حملتها مراراً الأسفار التوراتية والإنجيلية، ومن ذلك وصف العهد الجديد المسيحَ والتلاميذ أنهم نور العالم، يقول يوحنا: "ثم كلمهم يسوع أيضاً قائلاً: أنا هو نور العالم، من يتبعني فلا يمشي في الظلمة، بل يكون له نور الحياة" (يوحنا 8/12)، وقال لتلاميذه: "أنتم نور العالم" (يوحنا 5/14).
ومن المعلوم أنهم جميعاً كانوا نوراً استنار به المؤمنون، وأعرض عنه غيرهم، فأظلمت قلوبهم، ولا يمكن أن يدعى ظهور النور في الجماد والحيوان الموجودين في العالم، فكما وصف النص يوحنا الإنجيلي المسيح وتلاميذه بنور العالم من غير أن يكون لهم أثر في إنارة غير قلوب المؤمنين من الكافرين أو الجمادات، فإنه وصف المسيح بأنه كان واسطة الخليقة الجديدة للعالم، والمقصود المؤمنون في العالم فحسب.
ومثل هذه المبالغات في التعبير - كما أسلفنا - معهودة ومألوفة في الكتاب، إذ يقول موسى لبني إسرائيل: "هوذا أنتم اليوم كنجوم السماء في الكثرة، الرب إلهكم يزيد عليكم مثلكم ألف مرة" (التثنية 1/10-11).
وتصل المبالغة عند يوحنا أقصاها حين قال: "وأشياء أُخر كثيرة صنعها يسوع، أن كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة" (يوحنا 21/25)، فهذه المبالغة في الحديث عن خلقة الكون بالمسيح إنما هي بعض ما تعودناه من كُتّاب الكتاب المقدس.
10-إسناد الدينونة للمسيح
تتحدث الأسفار عن المسيح أنه من يدين الخلائق يوم الدينونة والحساب-القيامة-، يقول بولس : (أنا أناشدك إذاً أمام الله والرب يسوع المسيح العتيد أن يدين الأحياء والأموات عند ظهوره وملكوته) ، فيرون في ذلك دليلاً على ألوهيته، لأن التوراة تقول: "الله هو الديان" (المزامير 50/6).
والرد على ذلك من أوجه:
• أن رسالة المسيح المثبتة في الكتاب المقدس إنما هي لخلاص العالم ، وليس ليدان به أحد ، يقول يوحنا : (لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم، بل ليخلّص به العالم، الذي يؤمن به لا يدان، والذي لا يؤمن قد دين، لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد) (يوحنا 3/17).
• أن المسيح نفي أن يكون هو الديان في قوله : (وإن سمع أحد كلامي ولم يؤمن فأنا لا أدينه، لأني لم آت لأدين العالم بل لأخلص العالم، من رذلني ولم يقبل كلامي فله من يدينه (أي الله وشرعه). الكلام الذي تكلمت به هو يدينه في اليوم الأخير)(يوحنا 12/47-48).
• أن المسيح لم يستطع أن يضمن الجنة لأبناء خالته وتلميذيه، ابني زبدي، لأن الله لم يأذن له بذلك، ومن كان هذا حاله فإنه عن الدينونة المطلقة أعجز، فقد جاءته أم ابني زبدي وكانا من تلاميذه " فسألها ما تريدين؟ قالت: أن يجلس ابناي هذان، واحد عن يمينك، والآخر عن اليسار في ملكوتك. فأجاب يسوع... وأما الجلوس عن يميني وعن يساري فليس لي أن أعطيه إلا للذين أعدّ لهم من أبي " (متى 20/20-22).
• أنه لو كان المراد بالدينونة هي حساب البشر فهناك من يشاركون المسيح فيها، وهم تلاميذه الاثنا عشر، بما فيهم الخائن يهوذا الأسخريوطي ، يقو متى :(فقال لهم يسوع: الحق أقول لكم: إنكم أنتم الذين تبعتموني في التجديد، متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده تجلسون أنتم أيضاً على اثني عشر كرسياً، تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر) (متى 19/28) ، وفي لوقا أنه قال لهم: ( لتأكلوا وتشربوا على مائدتي في ملكوتي وتجلسوا على كراسيّ، تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر) .
• بولس أيضاً وغيره من القديسين سيمارسون الدينونة حتى للملائكة، حيث يقول: "ألستم تعلمون أن القديسين سيدينون العالم؟…ألستم تعلمون أننا سندين ملائكة" (كورنثوس(1) 6/2-3). فهو وغيره من القديسين سيدينون الملائكة والعالم، وليسوا آلهة.
11-القيام بالمعجزات
استدل النصارى على ربوبية المسيح بأنه صاحب معجزات ، وهذه المعجزات إنما تدل على قدرة صاحبها ، وهذه القدرات الخارقة إنما هي من خصائص الله سبحانه وتعالى ، فينبغي إذن أن يكون المسيح إلها.
لكن الكتاب المقدس ينفي هذا الأمر ، فالمعجزات ليست دليل على الألوهية أو الربوبية ، بل هي تأييد من الله لأنبيائه من أجل إقامة الحجة على أقوامهم ، وهذا ما اعتراف به المسيح على الملأ أمام قومه ، المؤيدين له والمخالفين ، لأنه كان يدعو ربه في إحياء الموتى ، واعترف بأنه مؤيد من ربه ، والله عز وجل لا يؤيد بالمعجزات ، بل يأمر ونهى وكل شيئ تابع لقدرته ومشيئته.
وقد ورد بيان هذا في عدة نصوص نذكر منها :
• بيان المسيح أنه لا يفعل من نفسه شيئا ، وحينما أحيا لعاذر كان يتضرع لله ، (الحق الحق أقول لكم: لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئاً إلا ما ينظر الآب يعمل.لأن مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك) ، وقوله أيضا : (أَنَا لاَ أَقْدِرُ أن أَفْعَلَ مِنْ نَفْسِي شَيْئاً. كَمَا أَسْمَعُ أَدِينُ وَدَيْنُونَتِي عَادِلَةٌ لأَنِّي لاَ أَطْلُبُ مَشِيئَتِي بَلْ مَشِيئَةَ الآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي)
وحينما أحيا الله لعاذر ، توجه المسيح عليه السلام ببصره إلى السماء يدعو الله تعالى ويشكر الله تعالى على استجابته له وتأييده له بالمعجزات حتى يؤمنوا أنه أرسله ، يقول يوحنا : (فَرَفَعُوا الْحَجَرَ حَيْثُ كَانَ الْمَيْتُ مَوْضُوعاً وَرَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ إِلَى فَوْقُ وَقَالَ: «أَيُّهَا الآبُ أَشْكُرُكَ لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِي * وَأَنَا عَلِمْتُ أَنَّكَ فِي كُلِّ حِينٍ تَسْمَعُ لِي. وَلَكِنْ لأَجْلِ هَذَا الْجَمْعِ الْوَاقِفِ قُلْتُ لِيُؤْمِنُوا أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي». * وَلَمَّا قَالَ هَذَا صَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «لِعَازَرُ هَلُمَّ خَارِجاً» *فَخَرَجَ الْمَيْتُ وَيَدَاهُ وَرِجْلاَهُ مَرْبُوطَاتٌ بِأَقْمِطَةٍ وَوَجْهُهُ مَلْفُوفٌ بِمِنْدِيلٍ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «حُلُّوهُ وَدَعُوهُ يَذْهَبْ».)
وقد أكد المسيح في غير مرة أنه لا يستطيع فعل شيء بدون تأييد الله تعالى سلطته وقوته لله تعالى فقال: (فَتَقَدَّمَ يَسُوعُ وَكَلَّمَهُمْ قَائِلاً: «دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ ) ، فالذي دفع السلطان له هو الله جل وعلا.
• بيان أن أقنوم الابن عاجز عن التصرف فيما لا يقدر عليه إلا الله:
وفي نص آخر يقول لليهود: (الحق الحق أقول لكم: لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئاً إلا ما ينظر الآب يعمل.لأن مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك) .
• أن هذه المعجزات لم يختص المسيح بها وحده ، (فسمع الرب لصوت إيليا ، فرجعت نفس الولد إلى جوفه فعاش) .
• اليسع أيضاً أحيا ميتين أحدهما حال حياته، والآخر بعد وفاته، فقد أحيا ابن الإسرائيلية التي جاءته (دخل اليشع البيت، وإذا بالصبي ميت ومضطجع على سريره. فدخل وأغلق الباب على نفسيهما كليهما وصلّى إلى الرب * ثم صعد واضطجع فوق الصبي، ووضع فمه على فمه، وعينيه على عينيه، ويديه على يديه، وتمدّد عليه فسخن جسد الولد. ثم عاد وتمشى في البيت تارة إلى هنا وتارة إلى هناك وصعد وتمدّد عليه، فعطس الصبي سبع مرّات ثم فتح الصبي عينيه) .
• كما أحيا اليسع بقدرة الله بعد موته ميتاً وضعه أهله على قبر اليسع، فعاد حياً : ( فيما كانوا يدفنون رجلا إذا بهم قد رأوا الغزاة فطرحوا الرجل في قبر اليشع، فلما نزل الرجل ومس عظام اليشع عاش وقام على رجليه) ، وأيضا أحيا امرة : (وكلم اليشع المراة التي احيا ابنها قائلا قومي وانطلقي انت وبيتك وتغربي حيثما تتغربي لان الرب قد دعا بجوع فياتي ايضا على الارض سبع سنين) .
• وحزقيال النبي أحيا بشراً كثيراً إذ فر قومه وهم ألوف حذر الوباء، فأماتهم الله ثم جاءهم نبيهم، فقال لهم: " فقال لي تنبأ للروح تنبأ يا ابن آدم وقل للروح: (هكذا قال السيد الرب، هلم يا روح من الرياح الأربع، وهبّ على هؤلاء القتلى ليحيوا. فتنبأت كما أمرني، فدخل فيهم الروح، فحيوا وقاموا على أقدامهم جيش عظيم جداً جداً) .
والعجيب أن من أقامه من موته هو الله وليس المسيح ، " فيسوع هذا أقامه الله" (أعمال 2/32) ، ومنها "ورئيس الحياة قتلتموه الذي أقامه الله من الأموات " (أعمال 3/15)، وكذا "المسيح الناصري الذي صلبتموه أنتم، الذي أقامه الله" (أعمال 4/10).
فكيف نقول بعد كل ذلك أن المسيح إله لأنه أحيا الموتى وهو لم يستطع أن يقيم نفسه من بين الأموات؟! هل هذا إله؟!
• إن قلنا لأن ميلاده معجز فميلاد آدم أشد إعجازاً منه ، فقد خلق عيسى لأم وخلق آدم من غيرهما وخلقت حواء من ضلع آدم.
أحدها: لا من ذكر ولا أنثى، وهو خلق أبيهم وأصلهم آدم.
والثاني: من ذكر بلا أنثى، كخلق أمهم حواء من ضلع من أضلاع آدم، من غير أن تحمل بها أنثى، ويشتمل عليها بطن.
والثالث: خلقه من أنثى بلا ذكر، كخلق المسيح عيسى ابن مريم.
والرابع: خلق سائر النوع الإنساني من ذكر وأنثى.
• بل أن الكتاب المقدس يقول أن صنع المعجزات ليست شرطاً فى النبوة ، فكيف تكون فى الألوهية ، فقد ذكر متى أن المسيح قال: "ليس كل من يقول لي : يا رب يا رب، يدخل ملكوت السماوات، بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السماوات، كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم يا رب يا رب أليس باسمك تنبأنا، وباسمك أخرجنا شياطين، وباسمك صنعنا قوات كثيرة، فحينئذ أصرّح لهم: إني لم أعرفكم قط، اذهبوا عني يا فاعلي الإثم" (متى 7/21-23)، فهؤلاء المنافقون الكذبة قدروا على فعل المعجزات، ولم تدل على صلاحهم وإيمانهم، فضلاً عن نبوتهم وألوهيتهم.
إن قلتم أحيا الموتى فموسى أحق ، فقد حول العصا لحية تسعى ، فما كانت بها الروح أصلا؟ وأحيا سبعين من أصحابه بعد طلب الرؤية ؟
• إن قلتم لصعوده للسماء فقد أعرج بالنبى إلى سدرة المنتهى.
• وكذلك وردت لبطرس معجزات ولم يقل أحد بنبوته ولا ألوهيته ، ففي أعمال الرسل : (فقال بطرس ليس لي فضة ولا ذهب ولكن الذي لي فاياه اعطيك باسم يسوع المسيح الناصري قم وامش * وامسكه بيده اليمنى واقامه ففي الحال تشددت رجلاه وكعباه * فوثب ووقف وصار يمشي ودخل معهما الى الهيكل وهو يمشي ويطفر ويسبح الله ) .
12-قالوا لأن المسيح نزل من السماء وصعد إلى السماء
تعلق مؤلهو المسيح بما ذكرته الأناجيل عن المسيح الذي أتى من فوق أو من السماء، و"الذي يأتي من فوق هو فوق الجميع" ، وهم يرون صورة ألوهيته مشرقة في قوله: " أما أنا فمن فوق. أنتم من هذا العالم، أما أنا فلست من هذا العالم" ، فدل ذلك - وفق رأي النصارى - على أنه كائن إلهي فريد، وهو ابن لا كسائر الأبناء.
لكن المقصود من المجيء السماوي هو إتيان المواهب والشريعة لا إتيان الذات، وهو أمر يستوي به مع سائر الأنبياء، ومنهم يوحنا المعمدان فقد سأل المسيح اليهود: "معمودية يوحنا من أين كانت من السماء؟ أم من الناس؟ ففكروا في أنفسهم قائلين: أن قلنا من السماء، فيقولوا لنا: فلماذا لم تؤمنوا به؟ وإن قلنا: من الناس، نخاف من الشعب…" (متى 21/25-26).
وأما النازلون على الحقيقة من السماء فهم كثر، ولا تعتبر النصارى أيا منهم آلهة، وبيان ذلك :
• الملائكة، "لأن ملاك الرب نزل من السماء" (متى 28/2).
• وكذا صعد أخنوخ إلى السماء "وسار أخنوخ مع الله، ولم يوجد، لأن الله أخذه" (التكوين 5/24)، ومن المعلوم أن "ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء" ، فأخنوخ مثله، ولا يقولون بألوهيته.
• وكذا إيليا صعد إلى السماء "ففصلت بينهما فصعد إيليا في العاصفة إلى السماء" (الملوك (2) 2/11).
• كما تذكر الأناجيل أن التلاميذ، هم أيضاً مولودون من فوق أو من الله، أي هم مؤمنون به، ففي يوحنا: "وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنين باسمه" .
فالمقصود بالولاد، الولادة الروحية ، بحيث يتغير قلب الإنسان الخاطئ تغيراً عظيماً كاملاً مستمراً، كأنه ولد ثانية، ويحدث ذلك عند توبته وإيمانه.
وقول المسيح : " أما أنا فلست من هذا العالم " ليس دليلاً على الألوهية بحال، فمراده اختلافه عن سائر البشر باستعلائه على العالم المادي، بل هو من فوق ذلك الحطام الذي يلهث وراءه سائر الناس.
وقد قال مثل هذا القول في حق تلاميذه أيضاً بعد أن لمس فيهم حب الآخرة والإعراض عن الدنيا، فقال: ( لو كنتم من العالم لكان العالم يحب خاصته، لكن لأنكم لستم من العالم، بل أنا اخترتكم من العالم، لذلك يبغضكم العالم) .
وفي موضع آخر قال عنهم: ( أنا قد أعطيتهم كلامك، والعالم أبغضهم، لأنهم ليسوا من العالم، كما أني لست من العالم) ( 17/14-15)، فقال في حق تلاميذه ما قاله في حق نفسه من كونهم جميعاً ليسوا من هذا العالم، فلو كان هذا على ظاهره، وكان مستلزماً الألوهية، للزم أن يكون التلاميذ كلهم آلهة، لكن تعبيره في ذلك كله نوع من المجاز، كما يقال: فلان ليس من هذا العالم، يعني: هو لا يعيش للدنيا ولا يهتم بها، بل همُّـهُ دوماً رضا الله والدار الآخرة.
13-أن المسيح هو المخلص
لقد أسندت بعض النصوص للمسيح أنه المخلص للبشر ، فتعلق النصارى بها وجعلوها دليلا على ربوبيته ، والباحث في نصوص الكتب المقدسة السماوية والوضعية يجد كثرة المخلصين ، فكرشنا وبوذا في عقائد الهنود كانوا مخلصين.
وإذا تصفحنا الكتاب المقدس وجدنا عددا من المخلصين نذكر منهم :
• (وصرخ بنو اسرائيل الى الرب فاقام الرب مخلصا لبني اسرائيل فخلصهم عثنيئيل بن قناز اخا كالب الاصغر * فكان عليه روح الرب وقضى لاسرائيل وخرج للحرب فدفع الرب ليده كوشان رشعتايم ملك ارام واعتزت يده على كوشان رشعتايم ) .
• (وأعطى الرب إسرائيل مخلصا، فخرجوا من تحت يد الأراميين. وأقام بنو إسرائيل في خيامهم كأمس وما قبله) .
14-قالوا لأن المسيح بلا خطية
إن الله عز وجل قد اختار القديسين قبل خلق العالم بلا لوم، فهل هم آلهة؟! ، يقول بولس : (كما اختارنا فيه قبل تاسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة) ، فهل هم آلهة لأنهم لأنهم مختارون قبل تأسيس العالم؟!
وهل هم أرباب إذ كانوا بلا لوم ؟!
وقد ورد عصمة جمع من الأنبياء في الكتاب المقدس ولم يستدل أحد بذلك على ربوبيتهم ، فالعصمة من لوازم الأنبياء ، مثال ذلك :
• كمال نوح عليه السلام : (هذه مواليد نوح كان نوح رجلا بارا كاملا في اجياله وسار نوح مع الله)
• كمال يعقوب عليه السلام : (فكبر الغلامان وكان عيسو انسانا يعرف الصيد انسان البرية ويعقوب انسانا كاملا يسكن الخيام )
• كمال أيوب عليه السلام : (كان رجل في ارض عوص اسمه ايوب وكان هذا الرجل كاملا ومستقيما يتقي الله ويحيد عن الشر )
• كمال يحيى عليه السلام : (لانه يكون عظيما امام الرب وخمرا ومسكرا لا يشرب ومن بطن امه يمتلئ من الروح القدس)
15-قالوا أن المسيح قال : ( أنا هو)
وهو من الجهل بمكان ، فالسياق الذي قال فيه المسيح هذه الجملة لم يكن السؤال عن رب الأرباب والإله، فالسؤال كان عن المخلص الذي كانت تنتظره بنو إسرائيل ، يقول مرقس : (اما هو فكان ساكتا لم يجب بشيء فساله رئيس الكهنة ايضا وقال له اانت المسيح ابن المبارك * فقال يسوع انا هو وسوف تبصرون ابن الانسان جالسا عن يمين القوة واتيا في سحاب السماء ) ، فهو لم يقل "أنا هو" بمعنى أنا الله ، وإنما بمعنى أن هو من تظنون.
وكون المسيح يأتي فيجلس عن يمين الآب دليل على أنه لا اتحاد بينهما ، وإنما الأمر كان في البدء مجرد غلو في هذا النبي أن له مكانة عظمى عند الله ، وهذا ما اتقل للمتصوفة المسلمين الذين يقولون بعقيدة النور المحمدي ، وأن النبي محمد سوف يدين الناس يوم القيامة ، وفقالوا أن هذا هو المقام المحمود الذي سيناله محمد ، فأخرجوه من مقام العبودية لمقام الربوبية ، ووقعوا في الشرك الذي ضاهى شرك النصارى بل تخطاه ، فالنصارى يقولون يجلس عن يمين الرب والصوفية يقولون يجلس على عرش الرب.
تاريخ المسيح يشهد ببشريته
لقد ولد المسيح وعاش بين قومه ونشأ بينهم كإنسان ، لم يسمع أحد بمعجزاته أو رأوا شيئا من ربوبيته ، ثم بدأ دعوته عندما كان عمره ثلاثون عاما ، يقول لوقا (وَلَمَّا ابْتَدَأَ يَسُوعُ كَانَ لَهُ نَحْوُ ثَلاَثِينَ سَنَةً) ، أي أنه قبل أن يبلغ الثلاثين كان إنسانا عاديا يعمل ويدور في شوارع أورشليم ، وبعد أن بدأ رسالته في سن الثلاثين استمر معهم ما يزيد عن ثلاث سنوات.
ومن المشاهد أنهم في آخر هذه السنوات الثلاث لم يكتشفوا أنه رب الأرباب ، بل إن جل ما ورد في الكتاب المقدس أنه إنسان ، وأنه لا يملك لنفسه شيئا ، وأنه كان يتعبد لله رب العالمين ، ولم يدع لعبادته ، بل كان يدعو لعبادة الله وحده.
ثم جاء من بعد الجيل الأول الذين شهدوا المسيح جيل خالط الوثنيين وتأثروا بهم في أفكارهم ، فقاموا بتحريف العقيدة الصحيحة عن منهجها الأصيل ، ودسوا فيها عقائد الوثنيين كتجسد الإله والتعدد والصلب والفداء ، وهؤلاء هم من قال الله عز وجل فيهم : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) .
إن الفطرة السليمة لا تتصور أن يتجسد الإله العلي القدير الذي وسع كرسيه السموات والأرض في صورة المخلوق الضعيف ، ليس ذلك فحسب ، بل ما الذي يجعل الإله يستمر في العمل طيلة حياته كالمخلوق الضعيف ، لا يظهر شيئا من ربوبيته لخلقه الذين يزعمون أنه من محبته لهم جاء ليصلب مكانهم ليفتديهم ، فلو أحبهم لأظهر لهم شيئا من هذه الربوبية ليقيم الحجة عليهم حتى يؤمنوا به وبما جاء من أجله بما لا يدع مجالا للشك ، فليس من المنطق أن يكون الله أو الرب قضى مع خلقه دهرا ولم يتمكنوا أن يعرفوا أنه هو الرب الحق ،الخالق البارئ المصور المتصرف والمدبر لأمور الخلق.
لوازم الخلاف في ربوبية المسيح وألوهيته
إن الخلاف الحاصل في ربوبية المسيح وألوهيته يلزمنا بأمرين :
الأول : أن نثبت عجز الإله في أن يقيم الحجة على خلقه في ربوبيته بعدما تجسد وحل بينهم ، وتركهم يختلفون على كونه ربا أو إلها ، فلم يستطع طيلة هذه الفترة التي عاشها معهم أن يثبت لهم ذلك.
إن القول بصحة هذا الرأي يفتح وهل يكون اليهود معذورين بذلك إن قالوا أردنا اختبار قوة الله ، فإن لم يمت فهو الإله وإلا فهو مدع يستحق الموت ، فما وجدناه إلا أن مات ، والله لا يموت؟!
ولماذا يخفى الله نفسه عن اليهود ، ففى ذلك إضلال للبشرية ، فكيف يأتى الله لخلاصهم ثم يدينهم؟!
فنقول لا يمكن إن نثبت العجز لله عز وجل.
الثاني : أن نقول أن الله عز وجل لا يليق به التجسد في المخلوق الضعيف ، وأن الله لا يعجزه شيء ، وهذا هو الإجلال الحقيقي لقدرة الله وعظمته ، ومن ثم نفي هذه العقيدة وهدمها من أهم أصولها.
المبحث الرابع : القول بالتثليث وتعدد الأقانيم ومنافاته لتوحيد الذات الإلهية
1-التعريف
الأقانيم جمع أقنوم، وقد اختلف النصارى حول تعريفها:
فقال قوم: هي جواهر أي كل واحد منها كائن مستقل حسب اليونانية،
وقال آخرون : هي خواص ، وقال آخرون : هي صفات ، وقال آخرون : هي أشخاص.
والأقانيم عند النصارى ثلاثة :
الأقنوم الأول: ويراد به الله أو الآب ، وهو مصدر كل الأشياء ، الخالق للكائنات.
الأقنوم الثاني : ويراد به المسيح الذي الابن أو الكلمة ، وهو الواسطة بين الله وخلقه ، المرسل للفداء.
الأقنوم الثالث : ويراد به الروح القدس ، وهو روح الله العامل في خلقه لحثهم على الطاعة وتأييدهم على الثبات على العقيدة الصحيحة.
وعقيدتهم أن الإله جوهر واحد ، مثلث الأقانيم ، وهنا يحصل التناقض في محاولة الجمع بين التوحيد والتثليث بزعمهم أن الأقانين إنما هي خواص وصفات ذاتية للإله.
ويقولون : هي ليست ذوات مختلفة لكنها كلها في ذات الله ، جوهر واحد.
وقد سمعت القس عبد المسيح بسيط يقول : كلها واحد ، فالابن مولود من الآب ، والروح القدس منبثق من الآب ، فكلهم واحد ، والتمييز بينهم عقلي ، والله ليس مجزأ لثلاثة أجزاء.
وخلاصة قولهم في الأقانيم هي: (أن الله واحدٌ، أي: جوهر واحد، وأن في اللاهوت ثلاثة أقانيم، هم الآب والابن والروح القدس، غير أن الجوهر ليس مقسومًا، فليس لكل أقنوم جزءٌ خاص من الجوهر، بل لكل أقنوم كمال الجوهر، الواحد نظير الآخر).
ومن الثابت شرعا وعقلا عدم استقامة القول بالثليث مع التوحيد ، فالتوحيد والتثليث لا يلتقيان أبدا ، وهنا نقف أمام معضلة لا خروج منها إلا أن نقول أن هذه هي عين الوثنية الناتجة من التقليد أو أن الله قد كلف العقول بما لا تفهمه أو تدركه ، وهذا يوقع المرء في حيرة وشك تؤدي للكفر بهذا الإله المكلف لأمور مناقضة للعقل الذي قد وضعه فينا.
2-الأقانيم بين فرق النصارى
وترى الأرثوذكس أن الأقانيم مراحل لإله واحد في الجوهر، فالأب هو الابن، وهو روح القدس.
ويقول الأسقف سابليوس عن الله: "ظهر في العهد القديم بصفته آب، وفي العهد الجديد بصفته ابن، وفي تأسيس الكنيسة بصفته روح القدس".
أما الكاثوليك والأرثوذكس فيلخص محررو قاموس الكتاب المقدس عقيدة النصارى الكاثوليك والبرتستانت في التثليث، فيقولون: "الكتاب المقدس يقدم لنا ثلاث شخصيات يعتبرهم شخص الله…شخصيات متميزة الواحدة عن الأخرى..التثليث في طبيعة الله ليس مؤقتاً أو ظاهرياً، بل أبدي وحقيقي.. التثليث لا يعني ثلاثة آلهة، بل أن هذه الشخصيات الثلاث جوهر واحد…الشخصيات الثلاث متساوون".( )
والكاثوليك يعتبرون أركان الثالوث ثلاث شخصيات أو ثلاث ذوات، لكل منها مهام منفصلة، وترجع إلى ذات واحدة موجودة في الأزل، ويرون لكل أقنوم وظيفة واختصاصاً، فهم يسندون للأب خلق العالم والمحافظة عليه، وللابن كفارة الذنوب وتخليص البشر، وأما الروح القدس فيتولى تثبيت قلب الإنسان على الحق وتحقيق الولادة الروحية الجديدة.
3-نقض اعتبار الأقانيم أنها شيء واحد
وبافتراض أن النصوص الواردة في التوحيد إنما قصد بها توحيد الذات وليس وحدة الذات ، وشتان بينهما ، فالرد حينئذ بأمرين :
الأول : أن إهمال مثل هذه الآراء في العهد القديم محال ، لأن من لوازم الدعوة التعريف بالإله الحق ، والجهل بذات الإله ينفي الإلزام بالاعتقاد لكل من لم يؤمن من قبل العلم بالتثليث.
الثاني : أن الكتاب المقدس كما أثبت وحدانية الذات فقد أثبت وحدتها ، يقول المسيح : (لانه كما ان الاب له حياة في ذاته كذلك اعطى الابن ايضا ان تكون له حياة في ذاته )
الثالث : أنهم لو كانوا ذاتا واحدة لما حصل التفاضل بينهم ، يقول المسيح : (واما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما احد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن الا الاب ) .
4-نقض اعتبار الأقانيم أنها صفات للرب وليست ذوات منفصلة
إن القول بأن هذه الأقانيم خصائص باطل من أوجه :
الأول : أن هذا بخلاف ما أقرته الأناجيل المحرفة من أنهم ثلاثة ذوات متباينة كما في رسالة يوحنا الأولى (5: 7 فان الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة الاب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد ) ، ولا بد هنا أن من الإشارة إلى أن هذا الكلام ليس كلام المسيح ، فلم يخبر المسيح إليها ولا أشار بها.
الثاني : الأقانيم لفظا ومعنى لا يوجد في كلام أحد من الأنبياء، بل قيل فيها إنها لفظة رومية بمعنى شخص ، يفسرونها تارة بالأصل، وتارة بالشخص، وتارة بالذات مع الصفة، ويفسرونها تارة بالخاصة، وتارة بالصفة.
ثم جعلوا الأقنوم اسمًا للذات والصفة معا..
فالأب عندهم: الجوهر الجامع للأقانيم.. والابن هو الكلمة التي اتحدت عند مبدأ المسيح..وروح القدس هي صفة الحياة.
الأقنوم : شخص أو ذات
وهم 3 شخصيات ، وهي متمايزة عن غيرها.
لم ترد كلمة الثالوث في الكتاب المقدس ، وأن الله مثلث الأقانيم.
الثالث : أن قولهم أن كل أقنوم من هذه الأقانيم هو شخصية مستقلة منفردة كاملة الألوهية ، رغم تمايزها ، وهذا التمايز سوف نؤكد كيف أنه يؤدي إلى نقض القول بتعدد الآلهة في فصل مستقل إن شاء الله تعالى.
الرابع : أنه يلزم من ذلك تجسد كل صفة قد ثبتت للإله من قدرة وحياة وخالقية ومصورية ، وهذا ما لا يقوله النصارى أنفسهم.
الخامس : أن تجسد كل واحد منها باستقلال يؤكد أنها ذوات منفصلة.
السادس : أن حصول التمايز بينها يؤكد أنها ذوات منفصلة ، فهذا الأقانيم متمايزة باعترافهم ، فالآب غير الابن غير الروح القدس.
وإذا كانت هذه الأقانيم آلهة، وكل صفة هي إله ومن جوهر هذا الأقنوم- فيجب أن تكون كل صفة لكل واحد من الثلاثة الأقانيم إلهًا مثله؛ إذ هي من جوهره.. فيتسع الأمر في ذلك إلى ما لا نهاية من الآلهة..!
السابع : أنهم لو اقتصروا على وصف الله بأنه أحدي الذات لما أنكر عليهم المسلمون ذلك ، وإنما أنكر المسلمون عليهم مقولة أنه مثلث الأقانيم ، وأن هذه الأقانيم كل واحد منها يمثل جزء من الذات ، وأنها كاملة في كل صفاتها.
5-تاريخ فكرة الثالوث في الأديان السابقة
تعد فكرة الثالوث المسيحي تطورا لفكرة تعدد الآلهة في الأديان الوثنية القديمة ، خاصة الأديان التي تقول بالتثليث.
وقد كان هناك عدة نماذج للتثليث في الأديان الوثنية نذكر منها :
1- ثالوث قدماء المصريين : ويتمثل في "أوزيريس" الإله الآب ، و"إيزيس" وهي الإله الأم ، و"حورس" وهو الإله الابن ، وقد عبد هذا الثالوث في لاهوت عين شمس ، كما كانت كلمة الحياة فى المصرية القديمة يتم التعبير عنها رسما بالصليب. وكان للوثنية المصرية الأثر في تعاليم الكنيسة لأن غالب الآباء في القرنين الثالث والرابع كانوا منها.
2- وهي أيضا مأخوذة من فكرة الأبطال الذين يأتون بأعمال البطولة فيعبدون ، فحينما يتزوج أحدهم تتخذ زوجته مثله ، فحينما ينجب الولد يصير إلها ليتابع خطا أبيه.
والكلمة مساوية لكلمة الإله فى الإغريقية لأن الكلمات لا تفنى كما لا يفنى الإله.
3- ثالوث البراهما (الهنود) : وهم "براهما وفشنو وسيفا" ، ثلاثة أقانيم غير منفكة عن الوحدة، وهي الرب براهما الواجد الخالق (الآب) ، وفشنو الحافظ وهو المنقلب عن الحال الإلهية (الابن) ، وسيفا المهلك (الروح القدس) ، ومجموع هذه الأقانيم الثلاثة : إله واحد عندهم يدعونه كرشنا.
وكانوا يعتقدون أن الآلهة قد حلت فى الإنسان ، فعلى النصارى أن يبحثوا عن أصل دينهم.
4- وكان الفرس يدعون متروسا الكلمة والوسيط ومخلص الفرس .
5- وعند الفرس كان ثالوث أورمزد ، متراث ، أهرمان ، الأب الخلاق ، الابن المخلص ، أهرمان المهلك.
6- الأفلاطونية : فقد انتهى أفلوطين من خلال دراسته لما وراء الطبيعة ومنشأ الكون إلى أن العالم يرجع تكوينه وتدبيره إلى ثلاثة عناصر أو إلى ثالوث مقدس :
المنشئ الأول "الآب"، العقل المنبثق عنه "الابن" ، الروح الذي يتصل بكل حي ومنه الحياة "الروح القدس".
ويشرح أفلوطين نظريته الثلاثية، فيقول: (عن المنشئ الأول صَدَرَ العقل، وليس صدوره كالولادة، ولكنه انبثاق.. ومن العقل انبثقت الروح التي هي وحدة وأساس الأرواح كلها.. وهذه الثلاثة: المنشئ الأول، والعقل، والروح أساس لتوالد العالم وتواجده وتكوينه).
وهو ذاته الثالوث الذي طرحه «أثناسيوس السكندري» في مجمع نيقية، وفرضه قسطنطين بقوة سلطته ، فقد كانت الأفلاطونية منتشرة خاصة في مدرسة الإسكندرية التي كانت تعج بالنصارى.
وهذه النماذج توضح أن التثليث في المسيحية إنما هو صدى لأبحاث فلسفية تولدت من البيئة الرومانية الوثنية التي دخلت بخليطها الشعبي والثقافي في المسيحية ، إذ أن اللاحق يأخذ من السابق.
وبملاحظة أن اللاحق يأخذ من السابق ، وأن فكرة الثالوث لم تكن موجودة في العهد القديم ، وأن الثالوث المسيحي لم يكتمل إلا في عام 381م ، وأنه لم يكن هناك دليل واضح على التثليث في الأديان السماوية ، نجد أننا مضطرون للقول بأن التثليث في المسيحية الجديدة كان منبعه من الأديان الوثنية.
6-لماذا التثليث وليس رقما آخر؟ ولماذا التوحيد
لأن الفلاسفة في هذا الوقت كانوا منشغلين برقم ثلاثة ، فكانوا يقولون أن لكل شئ بداية ووسط ونهاية كما يقول الفيثاغورثيين ، ومن هنا أصبح الرقم ثلاثة مقدسا ، وكان أفلاطون يقول أن الله يملك كل شئ : بدايته ووسطه ونهايته ، بل وأنها تمثل الماضي والحاضر والمستقبل ، وهذا ما يردده يوحنا في رؤيته .
أما التوحيد فلأنه دين الأنبياء أجمعين وجاء فى كافة الكتب حتى فى التوراة والإنجيل ، وهذه المحاولة كانت فى صالح الوثنيين الذين نشأووا على تعدد الآلهة وأرادوا اعتناق المسيحية ، فتصرف فيها بولس بهذا الشكل ليكثر من سواد المسيحيين.
7-متى ظهر التثليث في العقيدة المسيحية
كما علمنا أنه لا أثر للتثليث في العهد القديم أو العهد الجديد ، بل أن بولس أيضا لم يكن يؤصل لهذا القول وكان غافلا عنه في غلب رسائله ، ومما يؤكد هذه الغفلة من بولس أنه في أحد رسائله أهل ترتيب عناصر التثليث المذكورين في النص، إذ يقدم المسيح على الأب، وهو ما تعتبره الفرق النصرانية هرطقة.
فالصحيح أن التثليث لا علاقة له ببولس ، فقد كان ظهوره في مرحلة متأخرة جداً عنه ، وأول من ذكره هو ترتليان (200م) ، وأصبح عقيدة رسمية عام 381م في مجمع القسطنطينية حينما تم تأليه الروح القدس كأقنوم ثالث ، بل أن هذا الثالوث المقدس لم يرد له ذكر حتى في قرارات مجمع نيقية (325م) والذي اقتصر فقط على تأليه المسيح.
وإذا كانت هذه العقيدة لم تأت دفعة واحدة ، بل وردت شيئاً فشيئاً ، فإن الخلاف لم يكن في إثبات حكم شرعي لم يرد به نص ، بل كان الخلاف في إثبات ألوهية أقنوم من الأقانيم ، وفى ذلك أكبر دليل على بطلانها.
8-الطريقة الحسابية في الاستدلال على التثليث والرد عليها
إن الجمع بين الأقانيم الثلاثة (1+1+1=3) لا يؤيد أن الثالوث واحد ، لذا قد يلجأ المسيحيين لتبرير ذلك، بضرب كل إله بالآخر حيث أن (1×1×1=1) ، وهذا فاسد وباطل من وجهين :
الأول : لأن الثالوث يقضي بتمايز واستقلال الأقانيم ، فليس أقنوم كل إله هو نفسه الآخر ، إذ لكل أقنوم دور خاص به وجميع الطوائف المسيحية تعتقد بأن كل أقنوم من الأقانيم الثلاثة متميز عن الأقنومين الآخرين وبالتالي عملية ضرب كل إله بنفسه فاسدة.
الثاني : أنه لا يمكن الاستشهاد على وحدانية الثالوث عن طريق ضرب الرقم بنفسه ثلاث مرات ( 1 × 1 × 1) لأنك إذا ضربت واحد في نفسه أكثر من ألف مرة يكون الناتج أيضاً واحد وإذا ضربت واحد في نفسه مليون مرة يكون الناتج واحد وبالتالي لا يصح للنصارى أن يبرهنوا على ثالوثهم بهذه الطريقة ، لأنهم يعطون الحجة لكل من قال بتعدد الآلهة أن يقيم الحجة عليهم والقول بأنهم أكثر من ذلك أو أقل.
9-هل يمكن للمسيحي أن يقنع الوثني بالجمع بين التوحيد والتثليث؟
وإذا كانت أصول المسيحية فوق العقل وأنها معقدة هذا التعقيد منذ بداية الفهم لحقيقة الإله ومسألة الأقانيم ، فكيف يمكن للمسيحيين محاربة الوثنية البسيطة ، فإن الوثني الذي يعتقد أن الحجر هو الله لأنه ينفعه ويضره ، لا يسهل عليه أن يترك دينه إذا قيل له أن الله قد دخل في رحم إمراة وخرج من فرجها في صورة طفل إلي أن علق على الصليب الذي لا يعلق عليه إلا الملعون .
لا ريب أن الوثني إذا خير بين دينه الذي عليه وبين المسيحية فإنه سوف يفضل دينه لأن الدين الذي لا يمكن لمعتنقه أن يدرك أصوله لأنها فوق العقل من جهة ، ولأنها كلها انتقاص للإله ولمن أرسلهم بأوامره ، فليس فيه ما يحمل الوثني على ترك دينه السهل البسيط الذي ليس فيه ذلك التعقيد.
فإذا كان أقنوم واحد هو الذي حل فى الجسد فكيف بقى الأقنومين الآخرين ؟َ وهل كانا منفصلين عنه أم متصلان به ؟!
يقولون أن الأب أقوى من الإبن والروح القدس وفى ذلك نلزمهم بالآتى:
فإما أن يقولوا بالتبعيض للإله وهو محض نقص فى تجزأة الإله أو أن الإبن والروح القدس ليسوا آلهة.
إنما حدث هذا الخلط لأنهم فهموا الإنجيل بأساطير الإغريق التي تقول بتعدد الآلهة.
10-لمن السيطرة من أقانيم الثالوث ؟
لو كانت الأقانيم متساوية القدرة حسب قوانين الإيمان, فلن يحتاج بعضهم إلى الآخر ولن يرسل واحد منهم الآخر ولن يعلم أحدهم علما" يجهله البقية ولكننا نجد:
أ- أقنوم أرسل الآخر! قال المسيح : " أنا هو الشاهد لنفسى ويشهد لى الآب الذي أرسلنى" .
ب- أقنوم لا يستطيع إلا بمساعدة الآخر! قال المسيح : "أنا لا أقدر أن أفعل من نفسى شيئًا" .
ت- أقنوم يعلم الساعة والآخرلا يعلم ! (مرقس 13: 32) :" وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين فى السماء ولا الابن إلا الآب".
فالتفاوت في المنزلة بين أقنوم وبين الأقنومين الآخرين يبين أن الإله واحد وينفي الألوهية عن الباقيين وينفي بكل وضوح وجود الثالوث ووحدة الأقانيم وألوهية المسيح .
وهو يشير أيضا إلى التفاوت بين هذه الأقانيم وضلال من قال بأنهم متساوون.
11-نصوص العهد الجديد الدالة على التثليث والرد عليها
ويرى النصارى أن ثمة أدلة على التثليث في أسفار العهد الجديد أصرح وأوضح من تلك التي وردت في التوراة منها :
• (لما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء، وإذا السماوات قد انفتحت له، فرأى روح الله نازلاً مثل حمامة، وآتياً عليه، وصوت من السماء قائلاً: هذا هو ابني الحبيب والروح الذي سررت به) (متى 3/16-17).
فقد جمع النص الآب والابن الحبيب والروح النازل مثل الحمامة. ومثله يقول بولس: "بنعمة ربنا يسوع المسيح، ومحبة الله، وشركة الروح القدس مع جميعكم. آمين" (كورنثوس (2)13/14).
لكن المتأمل في نص متى يرى ثلاث ذوات تمايزت بالأسماء والأعمال فكيف بعد ذلك يقال عنها بأنها وحدة واحدة.
• الاستدلال بنص الشهود الثلاثة على التثليث
وهو ما جاء في رسالة يوحنا الأولى في قول يوحنا: " فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة: الآب والكلمة والروح القدس. وهؤلاء الثلاثة هم الواحد" .
فهذا النص صريح في جعل الثلاثة إلهاً واحداً، غير أنه غير موجود في سائر المخطوطات القديمة للكتاب المقدس ، بل وغير موجود حتى في أول نص مطبوع، فقد أضيف لاحقاً، وقد اعترف بإضافته علماء النصرانية ومحققوها ومنهم هورن، وجامعو تفسير هنري واسكات، وآدم كلارك، وفندر، وخلت ردود القديس أكستاين (ق4) من هذا النص على الرغم من مناظرته لفرقة ايرين المنكرة للتثليث، كما قد كتب عشر رسائل في شرح رسالة يوحنا لم يذكر في أيها هذا النص.
ثم هل يصح الاستدلال بألوهية الماء والدم والروح : (والذين يشهدون في الارض هم ثلاثة الروح والماء والدم والثلاثة هم في الواحد)
• نقد الاستدلال بخاتمة متى على التثليث
وأما النص الثاني فهو ما جاء في خاتمة متى من أن المسيح قبيل صعوده إلى السماء " كلمهم قائلاً: دفع إلي كل سلطان في السماء وعلى الأرض، فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن وروح القدس، وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر. آمين" (متى 28/ 18-20).
وأول نقد يتوجه لهذه الفقرة أنها رغم أهميتها لم ترد في الأناجيل الثلاثة الأخرى التي اتفقت على إيراد قصة دخول المسيح أورشليم راكباً على جحش. فهل كان ركوبه على جحش أهم من ذكر التثليث فلم يذكره سوى متى.
هذه الفقرة دخيلة بدليل قول علماء الغرب أيضاً، يقول ويلز: ليس دليلاً على أن حواريي المسيح اعتنقوا التثليث".
ثم عند غض الطرف عن ذلك كله، فإنه ليس في النص ما يسلم بأنه حديث عن ثالوث أقدس اجتمع في ذات واحدة، فهو يتحدث عن ثلاث ذوات متغايرة، قرن بينها بواو عاطفة دلت على المغايرة، والمعنى الصحيح للنص : "اذهبوا باسم الله ورسوله عيسى والوحي المنزل عليه بتعاليم الله عز وجل".
ولهذه الصيغة مثل لا يصرفه النصارى للتثليث، فقد جاء في بعض رسالة بولس إلى تيموثاوس: "أناشدك أمام الله والرب يسوع المسيح والملائكة المختارين…" (تيموثاوس(1) 5/21) فإن أحداً لم يفهم من النص ألوهية الملائكة أو أنهم الأقنوم الثالث، ويقال في نص متى ما يقال في نص بولس.
والتوحيد معتقد تلاميذ المسيح وتلاميذهم، فهاهم عن بولس ينقلون " المبارك العزيز الوحيد ملك الملوك ورب الأرباب، الذي وحده له عدم الموت، ساكناً في نور، لا يدنى منه، الذي لم يره أحد من الناس، ولا يُقدر أن يراه، الذي له الكرامة والقدرة الأبدية." .
12-أسئلة تكفي إجابتها لنقض التثليث
1- كيف تكون آلهة وينبثق أحدها من الآخر ، فهل الله خالق لإله آخر؟! إن ذلك مستلزم لتسلسل الآلهة.
2- ما معنى أقنوم ؟ أهو جسد أم ماذا؟ إن قلتم شخص فهو متحيز وإن قلتم لا فهو متبعض؟!
3- هل إتحاد اللاهوت بالناسوت جزء بكل ؟ إن قلتم نعم فهو ثلاثة وليس واحد ، لأن كل منهم قائم بذاته ، وإن قلتم لا فهو تبعيض للإله.
4- هل كان المسيح يعبد ربه بالروح أم الجسد؟! إن قلتم كان يعبد ربه فهو عبد ، وإن قلتم لا فقد قلتم بتحريف الإنجيل الذي أثبت هذه العبادة.
5- هل هذه الأقانيم صفات أم ذوات ؟ فالأقنوم ذات فهو تبعيض للإله ، وإن قلتم صفات فلماذا تدعون كل واحد منها على حدة؟!
6- ثم لماذا لم تجعلوا القدرة أقنوما والرحمة أقنوما والمحبة أقنوم؟!
7- هل قصر المسيح والأنبياء من قبله فى بيان هذه العقيدة ، بل أثبتوا خلافها ، وجاء القرآن مؤكداً على ضلالها ومثبتاً لتحريفها؟!
8- إنك كلما حاولت فهم التثليث ازداد الأمر تعقيداً حتى انتشر فيهم : أؤمن ولا أفهم ، وهذا مخالف للإعتقاد الذي هو الإيمان الجازم ، فما ثمرة هذا الإيمان إذا؟
12-النصوص التى تثبت بشرية المسيح وليس ربوبيته
هو تلك النصوص التي تبين عجز المسيح، وقعوده عن مقام الألوهية والربوبية، وعليه فهو ليس بإنسان تام وإله تام كما يقول النصارى، إنما كان فقط إنساناً تاماً , وفي ذلك نصوص كثيرة منها:
1- جهل المسيح بأشياء كثيرة أهمها جهله بيوم القيامة، فقد قال: " أما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد، ولا الملائكة الذين في السماء، ولا الابن، إلا الآب." ، فكيف تدعي النصارى بعد ذلك ألوهيته، فالجهل بالغيب مبطل لها.
2- و ليس ما يجهله المسيح هو موعد القيامة فحسب ، بل كل ما غاب عنه فهو غيب يجهله إلا ما أطلعه الله عليه، ولذلك نجده عندما أراد إحياء لعاذر يسأله " فانزعج بالروح واضطرب وقال: أين وضعتموه؟ " .
3- ولما جاءه رجل يريد منه شفاء ابنه من الجنون " فسأل أباه كم من الزمان منذ أصابه هذا؟ فقال: منذ صباه."
4- ويؤكد هذا المعنى فيقول: " قال لهم يسوع: متى رفعتم ابن الإنسان فحينئذ تفهمون أني أنا هو، ولست أفعل شيئاً من نفسي، بل أتكلم بهذا كما علّمني أبي. والذي أرسلني هو معي، ولم يتركني الآب وحدي، لأني في كل حين أفعل ما يرضيه " .
5- كما وقد وصف المسيح نفسه بصفة العبودية، ومن ذلك ما جاء في متى في وصف المسيح "هذا هو عبدي" (متى 12/18)، وفي سفر أعمال الرسل "قد مجد عبده يسوع" (أعمال3/13)، " فإليكم أولاً أرسل الله عبده" (أعمال 3/26)، "عبدك القديس يسوع " (أعمال 4/30)
6- حياته البشرية : منذ بشارة أمه إلى حمله، وولادته في المزود، ثم لفّه بالخرق، ثم ختانه، ومن ثم نشأته وتعليمه مع الصبيان، ثم تعميده على يد المعمدان إلى أن ذكروا نهايته المزعومة على الصليب بعد أن جزع وتذلل لله ليصرف عنه هذا الأمر… فوجدوا أن لا يفترق في شيء عن سائر الناس، فقد ولد وكبر، وأكل وشرب، ومات. فما الذي يميزه بالألوهية عن غيره ؟
7- فقد ولد من فرج امرأة متلبطاً بدمها "وبينما هما هناك تمّت أيامها لتلد" .
8- ورضع من ثدييها "وفيما هو يتكلم بهذا رفعت امرأة صوتها من الجمع وقالت له: طوبى للبطن الذي حملك، والثديين اللذين رضعتهما" ، فهل علمت مريم أن طفلها الخارج من رحمها والذي كانت تتولى كافة شئونه من نظافة وتربية ورضاع، هل كانت تعلم ألوهيته، أم جهلت ما علمه النصارى بعد ذلك؟
وهل الرب يباشر ثدي امرأة من أجل أن يقيم صلبه ويتقوى في صغره؟!
9- وقد ختن المسيح عليه السلام في ثامن أيام ولادته "ولما تمت ثمانية أيام ليختنوا الصبي سمي يسوع " ، فهل كان الذي يختنه يدور في خلده أنه يختن إلهاً؟ وماذا عن القطعة التي بانت منه؟ هل غادرتها الإلهية بانفصالها عن الإله المتجسد؟ أم بقيت فيها الإلهية حيث ضاعت أو دفنت؟ وهل كانت من الفداء أم لا؟ وهل هذا الجسم الذي نما من الرضاع والطعام لا تشترك فيه صاحبة اللبن (أمه) والطعام الذي أكله والشراب الذي شربه؟!
10- والمسيح عليه السلام قد جاع أيضاً، وبحث عن طعام يأكله "وفي الصبح إذ كان راجعاً إلى المدينة جاع" (متى 18/21).
11- كما عطش " قال: أنا عطشان" .
12- وقد أكل وشرب، فسد جوعته، وروى ظمأه " فناولوه جزءاً من سمك مشوي وشيئاً من شهد عسل، فأخذ وأكل قدامهم" .
13- والطعام والشراب الذي كان يتقوى به، وينمو به جسمه طولاً وعرضاً " وكان الصبي ينمو " ، ونموه كان بالجسد والعقل " وأما يسوع فكان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس" ، فالطعام ينميه جسدياً، والتعلم في الهيكل من الشيوخ والمعلمين ينميه عقلياً " وجداه في الهيكل جالساً في وسط المعلمين يسمعهم ويسأله" ، وكل ذلك يقتضي خسيسة أخرى لا يليق أن تذكر في سياق الحديث عن مقام الألوهية وعظمته، ألا وهي التبول والتغوط، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وهو مفهوم قوله تعالى: (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) ، فكل من طعم وشرب احتاج لإخراج ما طعم، ولا يليق نسبة هذه المنقصة ولا غيرها إلى الله عز وجل الذي لا يشارك الناس هذه الدنايا.
14- ثم لما جزع ظهر له ملك من السماء ليقويه.
15- تصريحه ببشريته : (و لكنكم الان تطلبون ان تقتلوني وانا انسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله هذا لم يعمله ابراهيم ) ،
أفلا نقبل شهادته عليه الصلاة والسلام عن نفسه في أنه إنسان وليس إله أو ابن إله؟!
فلو كان إلهاً لما صح منه أن يعمي علينا هذه الحقيقة بمثل هذا القول الصريح الدال على إنسانيته.
لكن بولس هو من جعله ابنا حقيقيا يرث من أبيه كل شئ ، فقد قال : (كلمنا في هذه الايام الاخيرة في ابنه الذي جعله وارثا لكل شيء الذي به ايضا عمل العالمين )
فأين كمال الخالقية والقدرة والحياة اللذان ورثهما؟!
وجعله خالقا للأشياء : (لكن لنا اله واحد الاب الذي منه جميع الاشياء ونحن له ورب واحد يسوع المسيح الذي به جميع الاشياء ونحن به ) ، فحمع في الآية بين مفهوم التوحيد ومفهوم الشرك.
16- ذهول معاصريه من حوارييه وأعدائه عن فكرة ألوهيته وربوبيته، مما يدل على أن الفكرة لا علاقة لها بالمسيح ولا أتباعه. بل هي من مخترعات لاحقة لذلك العهد، وذلك يكفي للإعلان عن بطلانها.
وفي ذلك نصوص كثيرة منها:
17- جهل أمه العذراء البتول بألوهيته، إذ لما كان المسيح راجعاً مع والدته ويوسف النجار حصل ما يدل على جهل والدته بمقامه، فإن جهلت والدته الطاهرة ألوهيته، فمن ذا الذي يعلمها، فقد جاء في لوقا: "وبعدما أكملوا الأيام بقي عند رجوعهما الصبي يسوع في أورشليم، ويوسف وأمه لم يعلما، إذ ظناه بين الرفقة، ذهبا مسيرة يوم، وكانا يطلبانه بين الأقرباء والمعارف، ولما لم يجداه رجعا إلى أورشليم يطلبانه، وبعد ثلاثة أيام وجداه في الهيكل بين المعلمين يسمعهم ويسألهم … يا بني لماذا فعلت بنا هكذا؟ هوذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين " ، فلو كانت مريم تعلم أن ابنها هو الله أو ابنه لما كان لهذا الخوف على المسيح أي معنى.
ويجيب المسيح سؤال أمه ويوسف النجار بقوله: " لماذا كنتما تطلبانني! ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون فيما لأبي"، فهل فهمت البتول وزوجها من جوابه بأنه يتحدث عن ألوهيته وبنوته الحقيقية للآب؟ بالطبع: لا، فهما لا يعرفان شيئاً عن هذا المعتقد الغريب. يقول لوقا: " فلم يفهما الكلام الذي قاله لهما" .
18- ويذكر يوحنا أن المسيح لما صلب ذهبت والدته لتذرف عليه الدمع. ، أفلم تكن تعلم حين ذاك أن ولدها هو الله أو ابنه، وأن الموت لا يضيره؟
19- ولما عرض المسيح - متنكراً بعد الصلب المزعوم - لرجلين من أصحابه قد حزنا بسبب ما تردد عن صلبه، سألهما عن سبب حزنهما فقالا: " يسوع الناصري الذي كان إنساناً نبياً مقتدراً في الفعل والقول أمام الله وجميع الشعب، كيف أسلمه رؤساء الكهنة وحكامنا لقضاء الموت، وصلبوه. ونحن كنا نرجو أنه هو المزمع أن يفدي إسرائيل" ، فليس في قولهما حديث عن ناسوت مقتول، ولا عن لاهوت متجسد نجا من الموت، أن غاية ما كانوا يرقبونه فيه، أن يكون مخلص إسرائيل، أي المسيح المنتظر الذي بشرت به الأنبياء.
20- وهذا يوحنا المعمدان ( يحيى ) عليه السلام يرسل إلى المسيح رسلاً بعد أن عمده ليسألوه " أما يوحنا فلما سمع في السجن بأعمال المسيح؛ أرسل اثنين من تلاميذه. وقال له: أنت هو الآتي أم ننتظر آخر؟ فأجاب يسوع وقال لهما: اذهبا وأخبرا يوحنا بما تسمعان وتنظران، العمي يبصرون، والعرج يمشون، والبرص يطهرون، والصم يسمعون، والموتى يقومون، والمساكين يبشّرون. وطوبى لمن لا يعثر في" (متى 11/3-6).
فيحيى عليه السلام وو نبي لم يظن في المسيح أنه أكثر من النبي المنتظر الذي كانت تنتظره بنو إسرائيل.
وإجابة المسيح لا تدل بحال على ألوهيته، فقد أخبر بمعجزات نبوته، ثم عقب بالتحذير من الغلو فيه - كفعل النصارى -، أو التفريط كفعل اليهود الذين كذبوه وآذوه وهموا بقتله.
21- ولما جاءته المرأة السامرية ورأت قدراته وأعاجيبه: " قالت له المرأة: يا سيد أرى أنك نبي" ، وما زادت على ذلك، فما وبخها ولا صحح لها معتقدها، فكان هذا معتقداً يعتقده عامة الناس كما اعتقده تلاميذ المسيح وحواريوه.
22- وهو ما قاله عنه الأعمى الذي شفاه المسيح ورأى برهان الله على نبوة هذا المبارك "فقالوا له: كيف انفتحت عيناك؟ أجاب ذاك وقال: إنسان يقال له: يسوع" ، لكن النصارى اعتقدوا في هذه الحادثة ما لم يعتقده ذاك الذي شفاه المسيح، والذي شهد له بالإنسانية فحسب.
23- وكذا الجموع التي رأته كثيراً في أورشليم، وخرجت لاستقباله لما دخل أورشليم دخول الأبطال، هذه الجموع كانت تعتقد بشريته ونبوته " فقالت الجموع: هذا يسوع النبي" (متى 21/11).
24- وفيما أحد الفريسيين يرقب المسيح متشككاً بنبوته تقدمت إليه امرأة خاطئة باكية تمسح رجليه بشعرها، تقبلهما وتدهنهما بالطيب، "فلما رأى الفريسي الذي دعاه ذلك، تكلم في نفسه قائلاً: لو كان هذا نبياً لعلم من هذه المرأة التي تلمسه؟ وما هي؟ إنها خاطئة" .
لقد استنكر في نفسه نبوة - لا ألوهية – هذا الذي يجهل حال الخاطئة، مما يؤكد أن دعواه عليه السلام بينهم إنما كانت النبوة فحسب.
25- والشيطان أيضاً لم ير في المسيح أكثر من كونه بشراً، فاجترأ عليه محاولاً غوايته، لذلك فقد حصره في الجبل أربعين يوماً من غير طعام ولا شراب، وهو في ذلك يمتحنه ويمنيه بإعطائه الدنيا في مقابل سجدة واحدة له "أخذه أيضاً إبليس إلى جبل عال جداً، وأراه جميع ممالك العالم ومجدها. وقال له: أعطيك هذه جميعها، أن خررت وسجدت لي، حينئذ قال له يسوع: اذهب يا شيطان، لأنه مكتوب: للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد" (متى 4/9-10)، فهل كان الشيطان يعِد الرب العظيم - مالك كل شيء وواهبه - بالدنيا؟!!.
26- وأصاب المسيح ما يصيب كل البشر من أحوال وعوارض بشرية فقد نام" وكان هو نائماً". (متى 24/8)، وتعب كسائر البشر " كان يسوع قد تعب من السفر" ، واكتئب لما أصابه " وابتدأ يدهش ويكتئب" .
27- وأحياناً كان يبكي كسائر الناس "بكى يسوع" ، أحياناً يجتمع عليه الحزن والاكتئاب "وابتدأ يحزن ويكتئب " (متى 26/37).
28- كما تعرض لمكايد أعدائه فقد حاول الشيطان أن يغويه فلم يقدر " قال له: أعطيك هذه جميعها أن خررت وسجدت لي، حينئذ قال له يسوع :اذهب يا شيطان" (متى 4/9-10)، وتعرض للطم والشتم " ولما قال هذا، لطم يسوعَ واحد من الخدام كان واقفاً" ، فلم يستطع أن يدفع عن نفسه إلا بالكلام، لأنه كان موثقاً " قبضوا على يسوع وأوثقوه" .
29- والمسيح قد جاع أيضاً، وبحث عن طعام يأكله "وفي الصبح إذ كان راجعاً إلى المدينة جاع". (متى 18/21)، كما عطش " قال: أنا عطشان". .
30- وقد أكل وشرب، فسد جوعته وروى ظمأه " فناولوه جزءاً من سمك مشوي وشيئاً من شهد عسل. فأخذ وأكل قدامهم" .
31- والطعام والشراب الذي كان يتقوى به، وينمو به جسمه طولاً وعرضاً " وكان الصبي ينمو " ، ونموه كان بالجسد والعقل " وأما يسوع فكان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس" ، فالطعام ينميه جسدياً والتعلم في الهيكل من الشيوخ والمعلمين ينميه عقلياً " وجداه في الهيكل جالساً في وسط المعلمين يسمعهم ويسأله" .
32- كما يقتضي الطعام خسيسة أخرى لا يليق أن تنسب لمقام الألوهية، ألا وهي التبول والتغوط، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
33- وتذكر الأناجيل حزن المسيح ليلة الصلب وغيرها " أن نفسي حزينة حتى الموت " . ثم لما جزع من اليهود ظهر له ملك من السماء ليقويه.
34- ثم لما وضع – حسب الأناجيل - على الصليب جزع وقال: " إلهي إلهي لم تركتني " .
وهذا النداء في هذا الموقف مع ما سبقه من حزن يدل على الجهل بقضية الصلب والفداء لا محالة ، لأنه لا يمكن أن يجتمع الاعتقاد أنه جاء من أجل الصلب والفداء الذي يقتضي الموت على الصليب ، ثم يطلب النجاة على الصليب ، فنجن بين ثلاثة احتمالات :
الأول : أنه كان يجهل القضية وعلمتموها.
الثاني : أنه أراد نكس وعده مع الله بالقيام بهذه المهمة.
الثالث : أنها قضية موضوعة في الديانة المسيحية.
35- بل وتزعم الأناجيل أنه مات، فهل رب يموت؟ "فصرخ يسوع بصوت عظيم، وأسلم الروح" .