الصلة بين الحاكم والمحكوم، وحقوق المواطنة وواجباتها

الصلة بين الحاكم والمحكوم، وحقوق المواطنة وواجباتها

أ. د. عبدالله بن إبراهيم بن علي الطريقي
 

مقدمة

 

الحمد لله والثناء، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء.

 

أما بعد:

فإن العلاقات الإنسانية شديدة التعقيد، بالغة الدقة، حيث يتنازعها عوامل مختلفة، قد تكون متناقضة، كالدين، والعقل، والنفس، والعادة، كما يتجاذبها طرفان متقابلان، مثل:

الحق والواجب.

الأبوة والبنوة.

الكبر والصغر.

الأمير والمأمور.

مراد الشارع ومواد النفس.

 

وإذا لم تكن ثمة معايير دقيقة وواضحة يتعامل الناس على وفقها، فإن العلاقة بينهم سيسودها الاضطراب والصراع والتظالم، سواء بين الأفراد أنفسهم، أو بينهم وبين حكامهم ورؤسائهم.

 

والإسلام قد رسم خريطة العلاقات بدقة متناهية، فحدد الحقوق والواجبات لكل صنفين متقابلين، مثل:

الخالق والمخلوق.

الراعي والرعية.

الوالد والولد.

الزوجين.

الغني والفقير.

العالم والجاهل، أو الشيخ والطالب.

فأعطى كل صنفت حقه ونصيبه.

 

كما حدد الإسلام حقوق العناصر المتساوية، مثل:

الأخ وأخيه.

الزملاء والأصدقاء.

الجيران.

الأغنياء

فنساوى بينهم في الحقوق والواجبات.

 

ونحن في هذه الورقات نركز الحديث على نوع واحد هو (الحاكم والمحكوم)، لننظر في مدى عناية الإسلام واهتمامه بالعلاقة بينهما، ثم نعرج على حقوق المواطنة وواجباتها، بحسبان الوطن ركنا من أركان الدولة.

 

وبهذا تكون العناصر الرئيسة التي نتحدث عنها ثلاثة: الحاكم، والمحكوم، والوطن.

 

وهي الأركان الرئيسة للدولة، أي دولة.

 

والشكر لله أولاً ثم لأمانة مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، التي شجعتني على كتابة هذه الصفحات.

 

وأسأل الله التوفيق..

 

حرر في  1424 هـ

تمهيد في تحديد مصطلحات البحث:

بنظرة سريعة في عنوان البحث تبدو جملة من الألفاظ والمصطلحات التي تحتاج إلى تحديد وبيان، بحسبانها فقوات مهمة، عليها مدار البحث.

 

وهي:

1- الحاكم.

2- المحكوم.

3- الحقوق.

4- الواجهات.

5- المواطنة.

6- ا لغلو.

 

فدونك إيضاحًا لها في النقاط التالية:

أولا: الحاكم:

هو اسم فاعل من الفعل (حكم).

 

قال ابن فارس: (الحاء والكاف والميم، أصل واحد وهو المنع، وأول ذلك الحكام، وهو المنع من الظلم، وسميت حكمة الدابة لأنها تمنعها... وأحكمته: إذا أخذت على يديه، قاله جرير:

أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم
إني أخاف عليكم أن أغضبا [1]

 

وفي القاموس المحيط: "الحكم، بالضم: القضاء، جمعه أحكام، وقد حكم بالأمر حكما وحكومة، وحكم بينهم: كذلك، والحاكم: منفذ الحكم، كالحكم محركة.

 

جمعه: حكام، وحاكم إلى الحاكم: دعاه وخاصمه".

 

وبحسب المفهوم اللغوي، فالحاكم هو: القاضي وما في معناه، ومنفذ الحكم.

 

أما في الاصطلاح:

فإن له مفاهيم متعددة بحسب أهل الاصطلاح.

 

فعند الأصوليين: الحاكم هو الله [2]، لكونه تعالى هو المشرع وحده. كما قال سبحانه: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ﴾ [يوسف: 40].

 

وعند الفقهاء، هو القاضي وما في معناه.

 

جاء في مجلة الأحكام العدلية: "الحاكم هو الذات الذي نصب وعبن من قبل السلطان لأجل فصل وحسم الدعوى، والمخاصمة الواقعة بين الناس توفيقا لأحكامها المشروعة" المادة (1785).

 

أما في اصطلاح المفكرين وأصحاب الدراسات والأبحاث السياسية فقد اتسع مفهوم اللفظ ليشمل رئيس الدولة، ورئيس الوزراء والوزراء، ولذا قسموا السلطات القائمة على الدولة إلي ثلاث:

1- السلطة التشريعية.

2- السلطة التنفيذية.

3- السلطة القضائية.

 

والسلطة الأولى: تتمثل بالبرلمان [مجلس الشورى].

 

والثانية: تتمثل بالرئيس والوزراء [وتسمى الحكومة].

 

والثالثة: تتمثل بالقضاة.

 

وهكذا فالحاكم وفق هذا المفهوم هو رئيس الدولة ورئيس الوزراء والوزراء.

 

والذي أميل إليه - وسيجري البحث بمقتضاه- أن الحاكم يشمل كل من له ولاية أو سلطة عامة بدءا بالإمام [حسب التعبير الفقهي] ومن تحت ولايته من علماء وقضاة ووزراء.

 

فكل هؤلاء حكام، أو حسب التعبير الشرعي (أولو أمر) تجب طاعتهم في طاعة الله.

 

كما قال الحق تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: 59].

 

ثانيا: المحكوم:

وهو عند الأصوليين: المكلف.

 

لكنهم يقولون: المحكوم عليه، لأنه مكلف بامتثال الوحي الإلهي[3].

 

أما في اصطلاح الفكر السياسي المعاصر فيراد به في الغالب: الفرد من الشعب.

 

ولكنه اسم جنس يدخل فيه جميع أفراد الرعية أو الشعب.

 

ثالثًا: الحقوق:

جمع الحق. قال ابن فارس: "الحاء والقاف أصل واحد، وهو يدل على إحكام الشيء وصحته"[4].

 

وله استعمالات لغوية كثيرة، من أهمها:

الحق: اسم من أسماء الله، والأمر المقضي، وضد الباطل، والحظ، والعدل، والإسلام والصدق، والملك، والموجود الثابت[5]. وكل هذه المعاني مستعملة شرعًا.

 

أما في محالات الفقه والسياسة والقانون فأكثر استعمالات الحق تأتي بأحد معنيين:

الأول: ما كان فعله مطابقة لقاعدة محكمة، تقول حق الأمر حقا: أي ثبت ووجب، وحق على المرء أن يفعل كذا: وجب عليه، وحق لك أن تفعل كذا: أي كان فعله حقيقا بك، وكنت حقيقا بفعله.

 

الثاني: ما تسمح به القوانين والأنظمة بفعله سواء كان ذلك السماح صريحا، أو كان نتيجة مبدأ عام يسوغ كل فعل غير محظور، أو ما تسمح العادات والأخلاق بفعله[6].

 

ويعرفه بعض علماء القانون بأنه "سلطة يقررها القانون لشخص يستطيع بمقتضاها أن يجري عملا معينا أو أن يلزم آخر بأدائه له تحقيقا لمصلحة مشروعة"[7].

 

وإذا كان هذا التعريف يعبر عن ماهية الحق بغض النظر عن مصدر المشروعية له، فإنه يكون بإمكاننا أن نعرف بالحق بما يتناسب مع فلسفة التشريع الإسلامي.

 

فنقول: هو سلطة يقررها الشارع للإنسان يستطيع من خلالها أن يقول شيئا أو يفعله أو يتركه أو يجوزه.

 

هدا ويفرق القانونيون بين نوعين من الحق، هما الحق الطبيعي والحق الوضعي، فالحق الطبيعي هو مجموع الحقوق اللازمة عن طبيعة الإنسان من حيث هو إنسان، والحق الوضعي:

هو مجموع الحقوق المنصوصة في القوانين المكتوبة، والعادات الثابتة[8].

 

ولكن هذه التفرقة غير موجودة في التشريع الإسلامي، إذ الحق هو ما قرره الشارع الحكيم، إما بنص، أو باجتهاد وقياس.

 

رابعًا: الواجبات:

جمع الواجب، وهو فاعل من فعل (وجب) الشيء أي لزم وثبت، والوجوب: الثبوت.

 

ويقال: استوجبه: أي استحقه[9].

 

والواجب عند الفقهاء والأصوليين: ما أمر به الشارع على سبيل الإلزام.

 

وفي اصطلاح القانونيين هو قريب من المعنى اللغوي والشرعي.

 

جاء في المعجم الفلسفي:

"الحق والواجب إضافيان، فإذا كان الفعل واجبة على أحد الرجلين، كان حقا للآخر، مثال ذلك علاقة الدائن بالمدين، فإذا وجب على المدين أن يوفي الدائن حقه، حق للدائن أن يستوفي ذلك الدين"[10].

 

ومما هو معروف أن كل حق يقابله واجب على كل الناس باحترامه وعدم التعرض لصاحبه.

 

خامسًا: المواطنة:

مفاعلة من الاسم (الوطن) وهو منزل الإقامة وأصله من فعل (وطن) بالمكان: أقلم به.

 

ويقال: واطنه على الأمر: وافقه عليه، وواطن القوم: عاش معهم في وطن واحد[11].

 

وفي الاصطلاح المعاصر:

يطلق المواطن: على الشخص الذي يتمتع بالحقوق التي يتمتع بها أبناء دولته أو مدينته[12].

 

والوطنية: حب المرء لبلده، وهي مشاعر أكثر من كونها فكرة سياسية[13].

 

وعلى هذا فالمراد بالمواطنة وفق المفاهيم تلك، هي المعايشة الصادقة لأبناء البلد الذين لمجمعهم جنسية واحدة.

 

سادسًا: الغلو:

اسم من الفعل (غلا) يغلو: أي زاد وارتفع، يقال: غلا السعر، إذا ارتفع، وأصل الغلاء الارتفاع ومجاوزة القدر في كل شيء.

 

وغلا في الدين: جاوز حده، قال تعالى: ﴿ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ﴾ [النساء: 171].

 

وفي الحديث (إياكم والغلو في الدين)[14] أي التشدد فيه ومجاوزة الحد[15].

 

والمعنى الشرعي للغلو لا يخرج عن المعنى اللغوي فهو التشدد في غير موضع الشدة، وتجاوز الحد المشروع[16].

 

الفصل الأول

الصلة بين الحاكم والمحكوم

مدخل:

العلاقة بين الحاكم والمحكوم لها تاريخ حافل بالمتناقضات والمتجانسات، وبالاستقرار والاضطرابات، بحسبانها تقوم على فلسفة الأمة وثقافتها تارة، وعلى فلسفة الحاكم وطبيعته تارة أخري.

 

لقد مر على بعض الأمم فترات كان الحاكم فيها له السلطة المطلقة التي تجعله يتظاهر بأنه إله، أو يدعي الربوبية.

 

وقد لسجل القرآن العظيم شيئا من هذه السجلات السوداء.

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 258].

 

﴿ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى * فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى * فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى ﴾ [النازعات: 17 - 25].

 

وإذا ما انتقلنا إلى أوربا (العصور الوسطى) وجدنا أن نظريات غريبة استحكمت في عقول الحكام والمحكومين، مثل نظرية الحلق الإلهي، التي ترى أن الحاكم له سلطة مطلقة مستمدة من الله تعالى، يمارسها بحسب رغبته، وليس لأحد الاعتراض على شيء من تصرفاته، على اعتبار أن الله اختاره واصطفاه ليسوق الناس بعصاه.

 

وقريب من هذه النظرية نظرية التفويض الإلهي، التي تمنح الحاكم قداسة، وتعطيه سلطة يتصرف باسم الدين، أو (الكنيسة) لا يجوز لأحد الاعتراض على شيء من تصرفاته.

 

وفي القرن السادس عشر الميلادي  ظهرت (الماكيافيلية) المنسوبة إلى نيكولا ماكيادفيلي (الإيطالي) الذي قدم نصائحه للأمير بأن يعتمد على القوة والخداع، بحجة أن الغاية تبرر الوسيلة.

 

على أننا نجد في المقابل فترات تاريخية تخللها موجات من الفوضى والاضطرابات والمنازعات بين الشعوب والقبائل، لا تعرف قيادة موحدة، أو دولة ذات سيادة.

 

وكان للعرب في الجاهلية نصيب من ذلك.

 

قتال ابن التين- فيما حكاه عنه الإمام ابن حجر[17] "كانت قريش ومن يليها من العرب لا يعرفون الإمارة فكانوا يمتنعون على الأمراء، فقال هذا القول [18] يحثهم على طاعة من يؤمرهم عليهم والانقياد لهم".

 

فلما جاء الإسلام بنظمه المتكاملة، والشاملة لكل شؤون الحياة الفردية والاجتماعية، كان للجانب السياسي حظ وفير من التنظيم والتشريع.

 

المبحث الأول: الأساس الشرعي والنظامي للعلاقة بين الحاكم والمحكوم:

المطلب الأول: الأساس الشرعي:

لم يكن تأسيس العلاقة بين الحاكم والمحكوم في الفكر الإسلامي ناشئة من فراغ أو صادرا من بنيات أفكار العلماء، أو من محض الاجتهاد، بل جاءت بذلك التشريعات السماوية التي نزلت على محمد - صلى الله عليه وسلم- من خلال القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة.

 

بل إن النصوص المتعلقة بالموضوع كثيرة جدا يصعب على المتتبع حصرها، وبخاصة في السنة النبوية، والآثار الواردة عن علماء الملة.

 

وهنا نثبت بعضًا من تلك النصوص:

أولًا: من القرآن الكريم:

1- قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلً ﴾ [النساء: 58- 59].

 

وقد اختلف في الآية الأولى هل هي خطاب عام للمسلمين رؤساء ومرؤوسين، أو أنها خطاب خاص بولاة أمور المسلمين.

 

فذهب الطبري إلى أنها خاصة بالولاة[19].

 

وقال أبو بكر ابن الغريب: "هذه الآية في أداء الأمانة والحكم، عامة في الولاية والخلق، لأن كل مسلم عالم، بل كل مسلم حاكم ووال،... قال - صلى الله عليه وسلم- : (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)"[20]. واستظهر ذلك القرطبي[21].

 

وأما الآية الثانية: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾ [النساء: 59] فهي خطاب للرعية.

 

وقد اختلفت في المراد بأولي الأمر في الآية، فقيل الأمراء وقيل: العلماء، وقيل الأمراء والعلماء: ورجح كثير من أهل العلم القول الأخير. كابن كثير والشوكاني.

 

وأما قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ [النساء: 59].

 

قال الطبري: (يعني بذلك جل ثناؤه: فإن اختلفتم أيها المؤمنون في شيء من أمر دينكم، أنتم فيما بينكم، أو أنتم وولاة أمركم فاشتجرتم فيه فردوه إلى الله، يعني بذلك فارتادوا معرفة حكم ذلك الذي اشتجرتم أنتم بينكم أو أنتم وأولو أموكم فيه من عند الله، يعني بذلك من كتاب الله فاتبعوا ما وجدتم، وأما قوله: والرسول فإنه يقول: فإن لم تجدوا إلى علم ذلك في كتاب الله سبيلا فارتادوا معرفة ذلك أيضا من عند الرسول إن كان حيا، وإن كان ميتا فمن شنته)[22].

 

وجملة ما تضمنته الآيتان الكريمتان: إلزام الولاة والرعية بأداء الأمانات كلها، وعلى الحكام أن يحكموا بالعدل، ثم واجب على الرعية أن يطيعوا الحكام في طاعة الله، فإذن حصل بينهم نزاع فمرجعه كتاب الله وسنة رسوله  - صلى الله عليه وسلم-.

 

2- قال سبحانه: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65].

 

وفي ذلك ربط للراعي والرعية بالمصادر الشرعية المعتبرة.

 

3- قال سبحانه في صفات المؤمنين الصادقين: ﴿ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ * وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [الشورى: 37- 38].

 

وقال مثنيًا على رسول الله  - صلى الله عليه وسلم-: ﴿ فبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].

 

ففي هذه الآيات تشريع لمبدأ سياسي عظيم، هو الشورى.

 

يقول ابن عطية مفسرًا الآية من سورة آل عمران: "أمر الله تعالى رسوله هذه الأوامر التي هي بتدريج بليغ، وذلك أنه أمره بأن يعفو عليه السلام عنهم ما له في خاصته عليهم من تبعة وحق، فإذا صاروا في هذه الدرجة أمره أن يستغفر لهم فيما لله عليهم من تبعة، فإذا صاروا في هذه الدرجة كانوا أهلا للاستشارة في الأمور، والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام ومن لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب. وقد مدح الله المؤمنين بقوله: ﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾ [الشورى: 38][23].

 

ثانيًا: من السنة النبوية:

نظرًا إلى كثرة الأحاديث الواردة في هذا الموضوع، اختار للقارئ الكريم هذه الشذرات من صحيح مسلم[24].

1- عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (اللهم من ولى من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه ومن ولى من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به)[25].

 

2- دخل عائذ بن عمرو- وكان من أصحاب رسول الله  - صلى الله عليه وسلم-  على عبيد الله بن زياد فقال له: أي بني، إني سمعت رسول الله  - صلى الله عليه وسلم-  يقول: (إن شر الرعاء الحطمة[26]، فإياك أن تكون منهم، فقال له: اجلسي، فإنما أنت نخالة أصحاب محمد  - صلى الله عليه وسلم-، فقال: وهل كانت لهم نخالة؟ إنما كانت النخالة بعدهم، وفي غيرهم)[27].

 

3- عن أبي هريرة - رضي الله عنه-  عن النبي  - صلى الله عليه وسلم- قال: ( ن أطاعني فقد أطاع الله ومن يعصني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني)[28].

 

4- عن عبادة بن الصامت قال: بايعنا رسول الله  - صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى ألا ننازع الأمر أهله وعلى أن نقول بالحق أينما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم)[29].

 

5- عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي  - صلى الله عليه وسلم-  أنه قال: (إنه يستعمل عليكم أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا يا رسول الله: ألا نقاتلهم؟ قال: لا، ما صلوا)[30].

 

6- عن عوف بن مالك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: ((خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم، قيل: يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يدًا من طاعة)[31].

 

ومن الآثار:

1- قول أبى بكر الصديق في أول خطبة له بعد البيعة (أيها الناس: إني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني... أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم)[32].

 

2- وقال عمر بن الخطاب  - صلى الله عليه وسلم-: (من بايع رجلًا من غير مشورة من المسلمين فلا يبالغ هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا)[33].

 

3- ويوصي العباس بن عبد المطلب ابنه عبد الله بقوله: (يا بني إني أرى أمير المؤمنين [يعني عمر] يستشيرك ويقدمك على الأكابر من أصحاب رسول الله وإني أوصيك بخلال أربع: لا تفشين له سرا، ولا يجربن عليك كذبا، ولا تغتابن عنده أحدا، ولا تطو عنه نصيحة، قال الشعبي قلت لابن عباس: كل واحدة خير من ألف قال: إي والله، ومن عشرة آلاف)[34].

 

4- يقول معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما: (لو أن بيني وبين الناس شعرة مد انقطعت، قيل وكيف ذاك: قال: كنت إذا مدوها خليتها، وإذا خلوها مددتها)[35].

 

إن هذه النصوص نماذج يسيرة من كم هائل من النصوص التي تعد- بحق- أساسا لتنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وهي بجانب كونها تمثل أسسا دستورية فإنها كذلك تنطوي على وصايا وقواعد أخلاقية وفكرية ذات أهمية.

 

المطلب الثاني: الأساس النظامي للعلاقة بين الحاكم والمحكوم:

ربما يتساءل البعض الأساس النظامي للعلاقة بين الحاكم والمحكومين في هذه البلاد على وجه الخصوص، بحسبانها نموذجا من النماذج المتميزة في العصر الحاضر في مجال التنظيم والتقنين.

 

وأعتقد أن النظام الأساسي للحكم[36] قد رسم حدود هذه العلاقة، وأبان معالمها.

 

وهذه بعض المواد المنظمة للعلاقة بين الحاكم والمحكوم:

أ- يبايع المواطنون الملك على كتاب الله وسنة رسوله، وعلى السمع الطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره [م6].

 

ب- الدفاع عن العقيدة الإسلامية والمجتمع والوطن واجب على كل مواطن، ويبين النظام الخدمة العسكرية [م34].

 

ج- مجلس الملك ومجلس ولي العهد مفتوحان لكل مواطن ولكل من له شكوى أو مظلمة، ومن حق كل فرد مخاطبة السلطات العامة فيما يعرض له من الشؤود [م43].

 

د- حق التقاضي مكفول بالتساوي للمواطنين والمقيمين بالمملكة، ويبين النظام الإجراءات اللازمة لذلك [م47].

 

هـ- يقوم الملك بسياسة الأمة سياسة شرعية طبقا لأحكام الإسلام، ويشرف على تطبيق الشريعة الإسلامية والأنظمة، والسياسة العامة للدولة وحماية البلاد والدفاع [م55].

 

فهذه أمثلة من النصوص الواردة في النظام الأساسي للحكم بشأن العلاقة بين الحاكم و المحكوم.

 

على أن كثيرًا من الأنظمة السعودية لا تخلو من الإشارات المتعلقة بالصلة بين الحاكم و المحكوم.

 

المبحث الثاني: القواعد التي تبني عليها العلاقة بين الحاكم والمحكوم:

ليست العلاقة بين الحاكم والمحكوم معلقة في هواء أو فراغ أو أنها بنيت على أرض رخوة، بل هي  مؤسسة على قواعد متينة، بناها الشارع الحكيم وفرضها من خلال الوحي المطهر.

 

ومن يتأمل نصوص الشارع وقواعد الشريعة العامة يمكن أن يخرج بالقواعد الآتية:

أولًا: التزام العبودية لله تعالى:

فالناس كلهم، على اختلاف أشكالهم وأجناسهم وطبقاتهم ومسؤولياتهم مطالبون بعبادة الله تعالي، والخضوع لأمره وحكمه، مثلما كانوا خاضعين وتقديره وملكه.

 

كما قال الحق تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].

 

وقال: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البينة: 5].

 

وقال: ﴿ لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا ﴾ [النساء: 172].

 

ثانيًا: المساواة العامة بينهما في:

أ- القيمة الإنسانية:

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

 

وقال: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13].

 

ومما ينسب إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه- :

الناس من جهة التمثيل أكفاء
أبوهم آدم والأم حواء
نفس كنفس وأرواح مشاكلة
وأعظم خلقت فيهم وأعضاء
فإن يك لهم من أصلهم حسب
يفاخرون به فالطين والماء
ما الفضل إلا لأهل العلم إنهم
على الهدى لمن استهدى أدلاء
وقدر كل امرئ ما كان يحسنه
والجاهلون لأهل العلم أعداء [37]

 

ب- المساواة في التكاليف الشرعية والمسؤولية والجزاء والقضاء أي أن كل إنسان بالغ عاقل فهو مكلف بالحكم الشرعي، منذ بلوغه حتى يأتيه اليقين، فلا تسقط عنه التكاليف مهما بلغت به السن أو النسب، أو الجاه والمال، أو الرتب الدينية والدنيوية، لا فوق بين شريف ووضيع وحر وعبد، وذكر وأنثى، وأمير ومأمور.

 

وهذا أمر في غاية الوضوح في دين الإسلام.

 

وقد رد الله سبحانه على كل من يحاول أن يتخلى عن مسؤولية التكاليف ردًا بليغًا.

 

قال سبحانه: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ﴾ [المائدة: 18].

 

قال : ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ﴾ [التحريم: 10].

 

وفي الحديث: (أيها الناس إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريفة تركوه، وإذا سرقت فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)[38].

 

ويخاطب الله تعالى نبيه داود عليه السلام آمرا إياه بالعدل المطلق بين الناس: ﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ﴾ [ص: 26].

 

وكتب عمر بن الخطاب  - صلى الله عليه وسلم-  كتابا إلى أبي موسى الأشعري جاء فيه: "أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة، فافهم إذا أدلي إليك فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له. آس بين الناس في مجلسك ووجهك حتى لا يطمع شريف في حليفك ولا ييأس ضعيف من عدلك..."[39]

 

ثالثًا: القيم الحلقية العامة:

تبني العلاقة بين الحاكم والمحكوم على قيم عليا. ومن أهم هذه القيم:

1- العدل:

وهو قيمة جليلة تحكم العلاقة بين الناس كافة، سواء بين الأفراد والدولة، أو بين الأفراد بعضهم مع بعضهم، منع المسلمين وغير المسلمين.

 

قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾ [النحل: 90].

 

وقال: ﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 2].

 

وفي الحديث: (إن المقسطين عند الله على منابر من نور، عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون فيما حكمهم وذويهم وما ولوا)[40].

 

وكتب عامل لعمر بن عبد العزيز على حمص إلى عمر: "إن مدينة حمص قد تهدم حصنها، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في إصلاحه، فكتب إليه عمر:" أما بعد: فحصنها بالعدل، والسلام"[41].

 

"والعدل- كما يقول الطرطوشي- ميزان الله تعالى في الأرض، الذي به يؤخذ للضعيف من القوي وللمحق من المبطل، وليس موضع الميزان بين الرعية فقط، بل بين السلطان والرعية "[42].

 

2- النصح، أو النصيحة:

قال ابن الأثير: "وهي كلمة يعبر بها عن جملة، هي إرادة الخير للمنصوح له، وليس يمكن أن يعبر هذا المعنى بكلمة واحدة تجمع معناه غيرها، وأصل النصح: الخلوص"[43].

 

ولأهميتها كان  - صلى الله عليه وسلم-  يبايع أصحابه عليها.

 

يقول جرير بن عبد الله - رضي الله عنه- : (بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم[44].

 

بل قد جعل النبي  - صلى الله عليه وسلم-  الإسلام كله نصيحة فقال: (الدين النصيحة، ثلاثًا، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم)[45].

 

ومن النصح الصدق والمصارحة والمكاشفة بين الحكام والمحكومين، جاء في بعض الحكم: الكذب عدو الصدق، والجور مفسد للملك، فإذا استصحب الكذب استخف به، وإذا أظهر الجور فسد سلطانه"[46]. وأبلغ من ذلك ما جاء في الحديث الشريف (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم، شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر)[47].

 

3- الرفق واللطف:

وهو خلق رفيع لا يستغنى عنه مسلم، أيا كان مقامه، معلما كان، أو داعيا، أو مسؤولا أو غير ذلك.

 

ويضاده العنف والقسوة.

 

روت عائشة رضي الله عنها أن النبي  - صلى الله عليه وسلم- قال: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به)[48].

 

والمقصود بالرفق، معالجة كل قضية بما يناسبها بأسهل الطرق وأيسرها، وليس يقصد من ذلك التلاين في مواقف الحزم والشدة.

 

فقد سئل أحد الحكماء عن الرفق ما هو؟ فقال: أن تضع الأمور مواضعها، الشدة في موضعها، واللين في موضعه والسيف في موضعه، والسوط في موضعه.

 

ويعبر عن ذلك أبو الطيب المتنبي ببيته المشهور:

ووضع الندى في موضع السيف بالعلي
مضر، كوضع السيف في موضوع الندى[49]

 

رابعًا: المبادئ الدستورية:

ويقصد بها القواعد السياسية التي ينهض بها الحكم، بل التي لا ينهض إلا بتحقيقها.

 

وقد يختلف مفكرو السياسة وأربابها في تعداد هذه القواعد، وفي المصطلحات الخاصة بها والذي أراه أن أهم القواعد التي يقوم عليها الحكم، وتقوم عليها العلاقة بين الحكم و المحكوم:

1- البيعة.

2- الشورى.

3- الطاعة.

4- المسؤولية.

 

فأما البيعة فقد ثبتت بالنص الإجماع.

قال سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الفتح: 10].

 

وفي الحديث الصحيح: (فوا ببيعة الأول فالأول)[50].

 

وفي الحديث الآخر: (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)[51].

 

وقال عبد الرحمن بن عوف لعثمان بن عفان رضي الله عنهما بعد أن وقع الاختيار عليه: أبايعك على سنة الله وسنة رسوله، والخليفتين من بعده، فبايعه عبد الرحمن وبايعه الناس: المهاجرون والأنصار)[52].

 

وقد أجمعت الأمة على مشروعيتها، وأنها مبدأ مهم يقوم عليه الحكم.

 

يقول القرطبي: "إذا انعقدت الإمامة باتفاق أهل الحل والعقد... وجب على الناس كافة مبايعته على السمع والطاعة، وإقامة كتاب الله وسنة رسوله  - صلى الله عليه وسلم- ومن أبى عن البيعة لعذر عذر، ومن تأبى لغير عذر جبر وقهر لئلا تفترق كلمة المسلمين"[53].

 

ويقول ابن تيمية في معرض تقرير بيعة أبي بكر وأنها تمت بالاختيار المحض، وليس بالنص، ولا بالقهر: "ولو قدر أن عمر وطائفة معه بايعوه، وامتنع سائر الصحابة عن البيعة لم يصر إماما بذلك، وإنما صار إماما. بمبايعة جمهور الصحابة الذين هم أهل القدرة والشوكة، ولهذا لم يضر تخلف سعد بن عبادة لأن ذلك لا يقدح في مقصود الولاية"[54].

 

ويستفاد من ذلك أن البيعة عقد حقيقي بين الحاكم والمحكوم يجري فيه الاتفاق على تحكيم الشريعة والملة الحنيفية، مع السمع والطاعة بالمعروف وبرضا من الطرفين.

 

وأما الشورى- فهي مبدأ دستوري  ذو أهمية بالغة. وقد أودنا في المبحث الأول بعض النصوص التشريعية المتعلقة بها.

 

والذي يهمنا هنا أن نشير إلى أهمية الشورى وأثرها في توطيد العلاقة بين الحاكم و المحكوم.

 

يقول أبو بكر الطرطوشي: "وهي مما يعده الحكماء من أساس المملكة، وقواعد السلطنة، ويفتقر إليه الرئيس والمرؤوس"[55].

 

ويعلق ابن الأزرق على تلك الجمل الجميلة بقوله: "هو كذلك في الشريعة حرفا بحرف"[56].

 

ثم يعدد ابن الأزرق فوائدها، بل الحكمة من مشروعيتها بما ملخصه[57]:

1- الأمن من ندم الاستبداد بالرأي الظاهر خطؤه.

2- إحراز الصواب غالبًا.

3- ازدياد العقل بها واستحكامه.

4- الفوز بالمدح عند الصواب، وقبول العذر عند الخطأ.

5- استعانة التدبير بها عند التقصير عنه.

6- التجرد بها عن الهوى.

7- بناء التدبير بها على أرسخ أساس.

8- استمناح الرحمة والبركة.

9- دلالة العمل بها على الهداية والسداد.

 

ومما يؤكد أهمية الشورى كثرة استشارة الرسول  - صلى الله عليه وسلم-  لأصحابه، يقول أبو هريرة - رضي الله عنه- "ما رأيت أحدا أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله  - صلى الله عليه وسلم- [58].

 

وسار الخلفاء الراشدون على منهج نبيهم عليه السلام.

 

الأمر الذين يؤكد أهمية هذا المبدأ.

 

وإذا كان الإسلام قد جاء بالتشريع المجمل للشورى، فذلك من محاسنه، لأن التطبيق ذو وجوه مختلفة، تتعدد بتعدد الحالات، والأزمان، والإمكانات.

 

ولذلك شرعت بإطلاق في كل شأن من شؤون الأمة التي ليس فيها نص.

 

وأما الطاعة، فالمراد بها الانقياد والموافقة لأوامر الولاة، وعدم العصيان أو المنازعة.

 

وهذا مبدأ مهم، لا تستقيم الحياة الاجتماعية والسياسية إلا به.

 

وقد جاءت بذلك النصوص الكثيرة، وعرضنا في المبحث الأول بعضها.

 

إلا أن هذا المبدأ له ضوابط عديدة لابد من توافرها، وهذه الضوابط أنواع:

النوع الأول: ضوابط متعلقة بالآمر (الحاكم)، أهمها:

1- أن يكون من المسلمين.

كما قال تعالى في الآية: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: 59]. أي من جملتكم أيها المسلمون.

 

2- أن يكون حاكمًا فعليًا، وليس مجرد موظف عادي.

 

النوع الثاني: ضوابط متعلقة بالمأمور، أهمها:

1- الاستطاعة، لقول الله تعالي: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [التغابن: 16]. ولحديث  عبد الله بن عمرو بن العاص (... ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع)[59].

 

2- الصبر على المكروه، مثل كثرة الأوامر، وفسق الحاكم، ومماطلته في أداء الحقوق.

لحديث ابن عباس: (من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر، فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات، فميتة جاهلية)[60].

 

3- الإنكار على الحاكم ما يأتيه من منكر، بحسبان ذلك من قول الحق الذي يحاوله المسلم بقدر الاستطاعة.

 

لحديث عبادة بن الصامت: بايعنا رسول الله  - صلى الله عليه وسلم-  على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا، وعلى ألا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفوا بواحا عندكم فيه من الله برهان، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم)[61].

 

4- التثبت عند امتثال الأمر.

 

لأن المسارعة في امتثال الأمر لا تكون إلا لله ورسوله لأن طاعتهما مطلقة، أما طاعة المخلوقين كالوالدين والأستاذ، والأمير، فلابد من التأكد من كون المأمور له مشروعا.

 

"فليس لأحد إذا أمره الرسول بأمر أن ينظر هل أمر الله به أم لا، بخلاف أولى الأمر فإنهم قد يأمرون بمعصية الله، فليس كل من أطاعهم مطيعا لله، بل لابد فيما يأمرون به أن يعلم أنه ليس. بمعصية لله، وينظر هل أمر الله به أم لا"[62].

 

النوع الثالث: ضوابط متعلقة بالمأمور به، وهي تعود إلى شيء واحد، ألا يكون فيه معصية لله ورسوله، من كفر وشرك، وبدعة، وذنب عظيم، أو ذنب صغير.

 

فلا تجوز الموافقة فيه إلا إذا كان في عدمها مفسدة أكبر، كما في مسألة الإكراه.

 

وأما المسؤولية، فالمراد بها تحمل التبعة، في الدنيا والآخرة، وهذا قدر مشترك بين الناس أجمعين، حاكمهم ومحكومهم، لأن كل واحد قد تحمل الأمانة، وهو مسؤول عنها.

 

كما قال الحق تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72]

 

وفي الحديث الصحيح: (كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم...)[63].

 

والمسؤولية في الإسلام لها زمانان: دنيوي، وأخرون.

 

فأما المسؤولية الأخروية فيدل عليها نصوص كثيرة منها: قوله تعالى: ﴿ فوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الحجر: 92- 93]، وقوله: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾ [المدثر: 38].

 

وجاء في الحديث: ( ما من عبد يسترعيه رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلاحرم الله عليه الجنة)[64].

 

وأما المسؤولية في الدنيا فلها مظهران:

مسؤولية مدنية (ضمان) وهي مالية.

مسؤولية جنائية، وهي نوعان حدية وتعزيرية.

 

ولا فرق بين حاكم ومحكوم في شيء من ذلك.

 

إلا أن الحاكم أو الموظف العام غير مسؤول عما ينتج من ضرر أو تلف بسبب تنفيذ العقوبة المشروعة، حدية كانت أو تعزيرية، إذا نفذها على الوجه للشروع[65].

 

المبحث الثالث: خصائص العلاقة بين الحاكم والمحكوم:

لعل العرض المتقدم في المبحثين السابقين يكشف لنا- برغم إجماله الذي اقتضاه المقام- عن خصائص العلاقة فيها الحاكم والمحكوم وسماتها، والتي يمكن استنتاجها في النقاط الآتية:

أولاً: أنها ربانية.

 

أي أن أساس تشريعها من لدن العزيز الحكيم، وآية ذلك ما قدمناه من نصوص تشريعية كثيرة ذات صلة بالموضوع.

 

وإذا أخذنا بالاعتبار أن وتلك النصوص إن هي إلا نماذج من حشد كبير تزخر بها دواوين الإسلام، فإن هذا يعطي في دلالة أكيدة على اهتمام الإسلام بالجانب السياسي، أو العلاقة الاجتماعية بين الحاكم والمحكوم.

 

وبناء على ذلك فأساس التشريع ليس من صنع البشر، أو دهاقنة السياسة، بل هو تشرين أحكم الحاكمين، ورب السموت والأرضين.

 

ثانيًا: أنها جزء من العبادة.

 

فالمسلم وهو يتعامل مع السلطة الشرعية إنما يؤدي عبادة من العبادات، سواء في نصحه لأئمة المسلمين، أو في تنفيذه لأوامرهم وتعليماتهم، أو في توجيههم والأخذ بأيديهم إلى شاطئ السلامة.

 

كما أن الحاكم وهو يتعامل رعيته، فإنه يؤدي عبادة من أعظم العبادات، سواء في جلب المصالح لهم، أو درء المفاسد عنهم، وسواء في نصرة المظلوم والضعيف، أو في قهر الظالم والمعتدي، بل في كل تصرف يتصرفونه لمصلحة الرعية فهو عبادة محضة، ولذا يقول العز بن عبد السلام: "أجمع المسلمون على أن الولايات من أفضل الطباعات، فإن الولاة المقسطين أعظم أجرا وأجل قدرا من غيرهم، لكثرة ما يجري على أيديهم من إقامة الحق ودرء الباطل"[66].

 

وبهذا ينكشف عور نظرية (الفصل بين الدين والسياسة). أو اعتقاد أن السياسة مجرد ألاعيب وحيل على الشعوب والدول، وأنه بقدر هذه الألاعيب والحيل يكون تحقيق المصالح وبسط الهيمنة، الداخلية والخارجية.

 

ثالثًا: أنها علاقة تقوم على الاحترام المتبادل بين الحاكم والمحكوم، لأن كلأ منهما  عرف ماله من حقوق، وما عليه من واجبات.

 

وكل منهما يشعر أن الطرف لآخر أهل للاحترام والتقدير، لأنه يشاركه في المسؤولية، ويقوم بجزء منه، ولا يتأتى ذلك الأمر إلا بالتواضع كما قال الحق تعالى:

﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 215].

 

وفي الحديث: (إن الله أوحى إلي أن تواضعوا، حتى  يبغى أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد)[67].

 

رابعًا: أنها تقوم على الثقة بين الطرفين فكل منهما يأمن جانب الآخر، ولا يخشى منه غدراً أو ظلمًا أو تجاوزًا للحدود المشروعة والمنظمة.

 

ولذلك لا يكون لسوء الظن أو تبادل الاتهام مجال، حيث إن كلأ منهما أعطى للآخر ثمرة فؤاده. والإسلام حسم كل أسباب الشحناء والبغضاء.

 

وما أحسن وصية رسول الله  - صلى الله عليه وسلم-  لمعاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه- ، وكأنه يتخيل ما سيكون لمعاوية من ملك وسلطان- كما حصل بالفعل: (إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم، أو كدت أن تفسدهم).

 

ويعلق أبو الدرداء - رضي الله عنه-  على هذه الوصية البليغة بقوله: كلمة سمعها معاوية من رسول الله  - صلى الله عليه وسلم-  نفعه الله تعالى بها[68].

 

خامسًا: أن العلاقة بينهما مبنية على الأخوة الإسلامية، التي هي أقوى الروابط وأجلها، قلل الحق تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10]وقال تعالى: ﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾ [آل عمران: 103].

 

وفي حديث الصحيح: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه)[69].

 

وغنى عن البيان أن لهذه الأخوة آثارا وتبعات، مثل أن يحب لأخته مثل ما يجب لنفسه، وأن ينصر أخاه ظالما أو مظلوما، أما المظلوم فيدفع عنه الظلم، وأما الظالم فيردعه عن ظلمه.

 

ومثل ما جاء في الحديث (حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه)[70].

 

سادسًا: الاعتدال والتوازن في طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، فلا إفراط ولا تفريط، ولا وكس ولا شطط.

 

ومن يريد أن يتحقق من صحة هذه الدعوى فليقم بإجراء موازنة بين حقوق الحكام وحقوق المحكومين، ثم بين واجبات كل منهما، سواء على جهة الجمال، أو على جهة التفصيل.

 

ثم ليتأمل في طبيعة كل حق أو واجب وشروط كل منهما، ليرى بعد ذلك النتيجة.

 

ولتقريب الصورة إلى الذهن لا باس أن نستعرض بعض النماذج:

فمن حيث الموازنة الإجمالية:

فإن الحاكم له حقوق، تتمثل في:

أ‌- السمع والطاعة.

ب‌- النصرة.

ج- النصح له.

د- الاحترام والتقدير.

 

وهذه الحقوق هي مسؤوليات وواجبات على المحكومين، يجب عليهم أن يؤدوها نحو السلطة.

 

كما أن على الحاكم واجبات ومسئوليات، تتمتل في أمرين كبيرين، هما:

أ- إقامة الدين وحراسته.

ب- سياسة الدنيا بالدين.

 

وهما عند التدقيق من حقوق المحكومين.

 

هذا من حيث الإجمال، أما من حيث التفصيل فلنأخذ بعض الأمثلة:

1- فالسمع والطاعة، وهما حق للحاكم، قد عرفنا أن لذلك ضوابط تحكمه، بحيث تكون الطاعة منسجمة مع الطبيعة البشرية، ومع المقاصد الشرعية، لتؤتى ثمرتها  الوجه الصحيح، ولا يكون فيها سيء من معاني الذلة والعبودية الخاصة بالرب تعالى. فهي طاعة تابعة لطاعة الله ورسوله، وليست مستقلة.

 

2- ومن حقوق المحكومين أن يساسوا سياسة شرعية أو سياسة نبوية، وذلك بالحكم بالتتريل وما استنبط منه في كل شأن من الشؤون.

 

ولا شك أن هذا يقابل السمع والطاعة، فإنهما لا يكونان إلا  الحكم بما أنزل الله، وليسا (السمع والطاعة) مطلقين، ليكون الحاكم حرا في التصرف.

 

بل القاعدة المقررة شرعا أن (تصرفات الإمام على الرعية منوطة بالمصلحة)، وبناء عليها فلا ينفذ من أوامره وتصرفاته إلا ما كان موافقا للشرع[71].

 

سابعًا: أنها علاقة قائمة على نظرية (المساواة)، "فلا قيود ولا استثناءات، وإنما مساواة تامة بين الأفراد، ومساواة تامة بين الجماعات، ومساواة تامة بين الأجناس، ومساواة تامة بين الحاكمين والمحكومين، ومساواة تامة بين الرؤساء والمرؤوسين، لا فضل لرجل على رجل، ولا لأبيض على أسود، ولا لعربي على أعجمي، وذلك قول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ﴾ [الحجرات: 13][72].

 

المبحث الرابع: التكييف الشرعي للعلاقة:

إذا كانت العلاقة  تلك الصفة التي بدت من خلال المباحث السابقة، فكيف يمكن تكييفها فقهيا؟

 

لقد اختلفت وجهة آراء الفقهاء قديما وحديثا، فبعضهم يرى أن العلاقة بين الإمام والرعية هي علاقة وكالة، وقال آخرون: بل هي علاقة ولاية.

 

فمن قال: إن العلاقة بينهما علاقة وكالة، قال: إن الوالي راع وهو مسؤول عن رعيته  جاءت بذلك النصوص.

 

وهو كالأجير، كما قال أبو مسلم الخولاني دخل على معاوية بن أبي سفيان:

السلام عليك أيها الأجير، فقالوا: قل السلام عليك أيها الأمير، فقال السلام عليك أيها الأجير فقال معاوية: دعوا أبا مسلم، فإنه أعلم بما يقول"[73].

 

ولذلك كثيرا ما تتكرر عند الفقهاء مثل هذه العبارة (الإمام وكيل عن الأمة ونائب عنها).

 

وعلى هذا فسلطة الحاكم مسمدة من الأمة.

 

ومن قال: إن العلاقة بينهما هي علاقة ولأية[74]، اعتبر أن السلطة مستمدة من الشارع.

 

وولايته على الرعية، مثل ولاية الوصي  القصر، واليتيم، وولاية تزويج النساء.

 

ويوضح ابن رجب طبيعة كل من العلاقتين، والأثر المترتب على كل منهما، فيقول:

"المتصرف تصرفا عاما على الناس كلهم من غير ولاية أحد معين، وهو الإمام، هل يكون تصرفه عليهم بطريق الوكالة لهم،  بطريق الولاية؟ في ذلك وجهان، وخرج الآمدي روايتين إلى أن خطأه هل هو على عاقلته أو في بيت المال، لأنا إن جعلناه على عاقلته فهو متصرف بنفسه، وإن جعلناه في بيت المال فهو متصرف بوكالتهم لهم وعليهم فلا يضمن لهم، ولا يهدر خطؤه، فيجب في بيت المال، واختيار القاضي في خلافه أن متصرف لهم بالوكالة لعمومهم.."[75].

 

والذي يظهر أن العلاقة ليست وكالة محضة وليست ولاية محضة بل هي مركبة منهما.

 

وقد أشار الإمام ابن تيمية إلى هذا المفهوم، فقال بعد أن قرر أن الولاية امانو، وأنه يجب على الوالي أن يتصرف وفق الأصلح ثم ساق بعض النصوص التي تؤيد ذلك، ومنها حديث: (( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)) وقصة أبي مسلم الخولاني مع معاوية- وكلاهما تقدم في هذا البحث فقال: وهذا ظاهر في الاعتبار، فإن الخلق عباد الله، والولاة نواب الله على عباده[76]، وهم وكلاء العباد على نفوسهم بمنزلة أحد الشريكين مع الآخر، ففيهم معنى الولاية والوكالة، ثم الولي والوكيل متى استناب في أموره رجلا وترك من هو أصلح للتجارة أو العقار منه، وباع السلعة بثمن، وهو يجد ن يشتريها بخير من ذلك الثمن فقد خان صاحبه، لاسيما إن كان بين من حاباه وبينه مودة أو قرابة"[77].

 

المبحث الخامس: انحرافات في مفاهيم العلاقة:

لعل فيما قدمناه يرسم صورة صادقة عن حقيقة (العلاقة بينما الحاكم والمحكوم) تعبر عن منهج وسط، يتفرع من وسطية الإسلام كله، في جملة أحكامه وتشريعاته.

 

ولقد يطول بنا الحديث لو أخذنا بشرح هذه الوسطية، حق لو قصرناها على موضوعنا.

 

لكننا- هنا- محتاجون إلى إشارات بيانية لرسم حدود هذه الوسطية ومعالمها فيما يتعلق بموضوعنا لنعرف- من ثم- الانحرافات الطارئة، فبضدها تتميز الأشياء.

 

فهذه معالم الوسطية في جمل:

1- ما يتعلق بالولاية والحكم:

أ- أن الولاية أمانة عظيمة، سواء كانت ولاية عظمى، أو ولاية صغرى.

ب- وهي مسؤولية جسيمة في الدنيا والآخرة.

ج- أنها تقوم على مبادئ دستورية، من أهمها: البيعة، والطاعة بالمعروف، والشورى والمسؤولية.

د- وتقوم على قيم خلقية، من أهمها: العدل، النصح، الرفق.

 

2- أن الحكام والمحكومين يشتركون في:

أ- الاستخلاف.

ب- العبودية لله رب العالمين.

ج- المسؤولية.

 

3- أنه يجب على كل من الحاكم والمحكوم أن يؤدي الحق الذي عليه حق الآخر، كما أن له حق المطالبة بحقه بدون وكس ولا شطط.

 

وإذا كان الأمر على ما ذكرنا، فما الانحرافات التي طرأت عند المسلمين في قضية (العلاقة بلدين الحاكم والمحكوم)؟

 

الحق أن الانحرافات قديمة جديدة، كما أفا كثيرة جدا، لا يمكن تقصيها ومناقشتها في مثل هذا البحث.

 

لذا نشير إلى أهمها، مما له صلة بواقع الأمة المسلمة.

 

ويمكننا تصنيف هذه الانحرافات إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: انحرافات المحكومين:

وهي كثيرة، تمثل أحد طرفين:

أ- طرف الجفاء (تفريط).

ب- طرف التقديس (إفراط).

 

فأما انحرافات التفريط فمن أبرزها:

1- السلبية قي التعامل مع الحكام، وعدم التعاون معهم أو نصرتهم.

 

وهذا في حقيقته خذلان للحاكم، ولاسيما في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، مما يعرض السلطة للضعف والتخاذل أمام خصومها.

 

والإسلام يدعو إلى نصرة المسلم في كل المواقف، فكيف إذا كان إماما، أو قاضيا، أو أميرا، أو وزيرا، أو محتسبا أو نحوهم  أهل الولايات العامة.

 

2- عصيان الأوامر أو التلكؤ  تنفيذها، أو اتخاذ أساليب الحيل للتمرد على الأنظمة والتعليمات، ولاسيما في المجالات التي تكون فيها الأنظمة منسجمة مع المصالح العامة.

 

وهذا أمر يقع فيه كثير من الناس، تحت جملة من الذرائع، مثل: دعوى أن النظام لا يطبق  جميع الناس، بل منهم من يعد نفسه خارج المسؤولية، أو فوق النظام.

 

ومثل: دعوى أن النظام لا مصلحة ظاهرة منه.

 

ومثل: أن النظام ليس وحيا منزلا من السماء.. وهكذا.

 

3- الافتيات على الحكام، بتنفيذ شيء هو من اختصاصهم كاستيفاء القصاص بدون إذن الحاكم، أو قتل المرتد بدون إذنه، وأعظم من ذلك التزوير على الحاكم أو التقول عليه  لم يصدر منه[78].

 

4- التأليب  الحكام، وتهييج الرعية عليهم.

 

5- تتبع الزلات والأخطاء، وإشاعتها بين الناس.

 

6- الخروج المسلح عليهم، سواء كان الخروج من قبل أفراد أو مجموعات صغيرة، أو كان من قبل فئات أو طوائف كبيرة. وسواء كان الخروج بالقتال، أو بالتخريب والإفساد.

 

وأما انحرافات الإفراط، فمن صورها:

1- اعتقاد العصمة للإمام، كمذهب الشيعة الذين يرون أن أئمتهم معصومون، ويرون "أن الإمامة ليست من المصالح العامة التي تفوض إلى نظر الأمة، ويتعين القائم بها بتعيينهم، بل هي ركن الدين وقاعدة الإسلام، ولا يجوز لنبي إغفاله ولا تفويضه إلى الأمة، بل يجب عليه تعيين الإمام لهم، ويكون معصوما من الكبائر والصغائر..."[79].

 

2- المبالغة في تتريه الحاكم من النقص والقصور والجهل، حتى يظن ظان بأنه إنسان كامل، في شخصيته، وعقليته، وعلمه وفضله، وأنه ليس بحاجة إلى استشارة أحد، ولا مشورة أحد، ومن ذلك إضفاء الصفات الكمالية عليه، أو قياسه بالخلفاء الراشدين، بل ربما أسندت إليه صفات هي من خصائص الربوبية، كقول الشاعر:

ما شئت لا ما شاءت الأقدار
فاحكم فأنت الواحد القهار

 

أو قول الآخر:

لو الفلك الدوار أبغضت سعيه
لعوقه شيء عن الدوران

 

3- تبرير أخطاء الحكام الفادحة، أو تمحل المعاذير لهم في قضايا ذات شأن عظيم، مثل: سن القوانين الوضعية المخالفة لأصول الشريعة، وتنظيم البغاء والعهر، أو تنظيم التعامل بالربا، أو الركون إلى دول الغرب والثقة المطلقة بها، وتمكينها  الحل والعقد بلاد الإسلام، وإطلاعها  أسرار المسلمين، موافقتها الإدهان.

 

وقد قال  تعالى: ﴿ فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ * وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ﴾ [القلم: 8- 9].

 

القسم الثاني: انحرافات الحكام:

إذا كان بعض الرعية قد انحرف أو غلا في معاملته للرعاة، ففي المقابل نجد صورة مماثلة من قبل كثير من الحكام في هذا العصر الذي طغت فيه حضارة المادة والمدنية، على حضارة الإيمان والقيم.

 

مما جعل بعض الحكام يتأثر بتلك الحضارة المادية، أو يبالغ قي تعظيمها أو ينصهر بها، ليخرج على قومه في جملة من الانحرافات، مثل:

1- الحكم بغير ما أنزل الله، ويتمثل ذلك في:

أ- تشريع القوانين في جملة شؤون الدولة، وبمعزل عن التشريع الإسلامي.

ب- القضاء بالقوانين الوضعية الصرفة، وحصر القضاء الشرعي بالأحوال الشخصية.

ج- توجيه الفتوى وتسييسها بما ينسجم مع الأهواء أو التقلبات السياسية.

2- الاستبداد بالرأي، وعدم المشورة.

3- التصرف على الرعية بما لا يحقق المصالح.

4- استعمال العنف في سياسة الرعية.

 

القسم الثالث: انحرافات مشتركة:

هذا قسم يشترك فيه بعض الحكام وبعض المحكومين ممن تأثر بالفكر الغربي، أو تنكي لدينه وأمته وحضارته وعلى رغم أن الانحرافات في الأمة قد تنوعت وشملت معظم جوانب الحياة، إلا أن ما يهمنا هنا هو ما يتعلق بالصلة بين الحاكم والمحكوم.

 

وهذه صور منها:

1- سوء الفهم للدين الإسلامي، وقياسه على الأديان الوضعية الأخرى، التي تقوم على الخرافة والوثنية، بل على التعارض الذاتي، هذا فضلاً عن القصور التعاليم الحب تكاد تنحصر في طقوس شكلية.

 

ولا شك أن المقارنة بين في دين الإسلام وهذه الأديان- على وفق الأسلوب المتبع عند الغربيين (المستشرقين) يقلل من قيمة دين الإسلام ويوهنه، أو يجعله على قدم المساواة مع  تلك الأديان.

 

وإذا ما أخذت الدولة المسلمة بتلك المفاهيم وقررتها قي مناهجها التعليمية، وجعلتها مبدأ في التعامل مع الشعوب المسلمة، فذلك حتما سيولد النزاع والشقاق بين الدولة وشعبها بحسبانه منهجا شاذا عن فكر الأمة وآمالها.

 

2- ويقال مثل ذلك في الأخذ بالمبدأ العلماني الذي يفصل الدين عن الحياة، أو يفصل الخطاب الشرعي عن واقع المكلفين.

 

فهذا والذي قبله لابد أد يكونا سببا في وجود التيارات المضادة، التي ربما وصلت حدتها إلى استعمال العنف قي مواجهة ذلك الواقع.

 

الفصل الثاني:

حقوق المواطنة وواجباتها

مدخل:

مما ينبغي التنويه به قبيل البدء في بسط حقوق المواطنة أن الحقوق العامة على ثلاثة أنواع:

الأول: حقوق الإنسان.

الثاني: حقوق والإسلام.

الثالث: حقوق المواطنة.

 

والنوع الأول هو الأوسع دائرة، ثم يليها النوع الثاني، ثم ثالثها هو الأضيق.

 

والحقيقة أن هذه الأنواع متداخلة ومترابطة، ولذلك فإن البحث في نوع منها يقتضي البحث في الأنواع الأخرى، ليكون الحديث شاملا للدوائر كلها، بحسبان أن كل دائرة مرتبطة بالأخرى.

 

لكننا في هذه العجالة لن نتمكن من الحديث عن كل تلك الأنواع، بل حديثنا قاصر على النوع الثالث (حقوق المواطنة).

 

إلا أن أمرًا ينبغي ألا يغيب عن الناظر أو الباحث في هذه الحقوق عامة، وهو: أنه لابد من النظرة العادلة والمتوازنة بين تلك الأنواع، وأن يوضع كل نوع في موضعه الصحيح بدون وكس ولا شطط.

 

وأي مبالغة في نوع منها ستكون على حساب الأنواع الأخرى.

 

فلو أخذنا الحقوق الإنسانية وبالغنا في تعظيمها، لأدى بنا الأمر إلى الاندماج بمذهب (الإنسانية) أو العالمية، والذي يقوم على "فكرة الاكتفاء برابط وحدة الأصل الإنساني، والاشتراك في الصفات العامة التي يختص بها هذا النوع، مع نبذ أو إهمال كل الفوارق القومية والوطنية، والدينية، وغير ذلك، من اختلاف في المبادئ والمذاهب، والعقائد، والمصالح، ومناهج السلوك أو الترفع عنها والاستعلاء عاليها بنزعة إنسانية عالمية"[80].

 

ولو أخذنا الحقوق الوطنية، وبالغنا ما تعظيمها لأدى بنا الأمر إلى العزلة عن العالم، بل كرس في نفوس المواطنين مفاهيم العنصرية والإقليمية، وربما كان ذلك أيضا وسيلة إلى تجاهل الحقوق الإنسانية وعدم المبالاة بها، لكونها لا تعني المواطن من قبيل ولا دبير، الأمر الذي يجر إلى الاستخفاف بحقوق غير المواطنين، سواء كانوا من المقيمين في الوطن، أو من شعوب العالم.

 

ناهيك عما قد ينطبع في أذهان بعض المواطنين من تهميش للولاء الإيماني أو الإسلامي، أو ولاء للأمة المسلمة، وتعميق للولاء الوطني أرضا وشعبا، حتى يكونا غاية الحياة والممات. فكل هذه الأمور غير محمودة ولا مرضية.

 

أما بالنسبة للحقوق الإسلامية، فالأصل ألا مهيمنة على سائر الحقوق وقاضية عليها، إذا ما اعتبرنا جميع الحقوق الإنسانية والوطنية مندرجة تحت الحقوق الإسلامية، وذلك لكون الإسلام عامة وشاملاً.

 

أما إذا نظرنا إلى الحقوق الإنسانية من زاوية كونها مشتركة بين البشر عامة بغض النظر عن الدين، أو الوطن، فإنه يكون لمصطلح (الحقوق الإسلامية) مفهوم أخص من ذلك، وهو ما يشترك فيه المسلمون ويخصهم دون غيرهم.

 

ولذا فإن التركيز على الحقوق (الإسلامية) بهذا المعنى مع تجاهل الحقوق الأخرى، ربما أدى ذلك إلى نسيان الآخرين، وما قرره الإسلام لهم من حقوق.

 

والآن نشرع فيما عرض حقوق المواطنة وواجباتها في المبحثين التالين.

 

المبحث الأول: حقوق المواطنة:

يختلف علماء الحقوق والقانون قي تقسيم الحقوق. فيقسمها بعضهم إلى: حقوق سياسية، وحقوق عامة. ويقسمها بعضهم إلى: حقوق عامة، وحقوق خاصة. ويقسمها آخرون إلى: حقوق مالية، وحقوق غير مالية.

 

ولعل ما يناسب المقام هو التقسيم الأول، وهو تقسيم الحقوق إلى: حقوق سياسية، وحقوق عامة. فلنتوقف عنده هذه الوقوفات.

 

ولكننا ننبه ابتداء إلى أن هذه الحقوق منها ما هو خاص بالمواطن [الذي يحمل جنسية الدولة]، ومنها ما يشترك فيه عموم الناس، ومنها ما هو خاص بالمواطن المسلم، وسننبه على ذلك في مواضعه.

 

المطلب الأول: الحقوق السياسية:

ويعرفها بعضهم بأنها: "الحقوق التي يكتسبها الشخص باعتباره عضوا و هيئة سياسية، كحق تولي الوظائف العامة، وحق الانتخاب، وحق الترشيح، أو هي الحقوق التي يساهم الفرد بواسطتها في إدارة شؤون البلاد أو في حكمها"[81].

 

وهذا النوع من الحقوق هو وثيق الصلة بالمواطنة أكثر من غيره. وإليك بيان هذه الحقوق مع التعليق عليها.

أولاً: حق تولي الوظائف العامة. مثل: الوزارة، والإمارة، والقضاء، والحسبة، والإدارة العامة.

 

فمثل هذه الولايات يحق للمواطن- المتأهل- أن يتولاها، أو أن تناط به.

 

وهذا مبدأ تتفق القوانين عليه.

 

أما من الناحية الشرعية، فإن الأصل أن طالب الولاية لا يولى.

 

لقول رسول الله  - صلى الله عليه وسلم- : (إنا والله لا نولي على هذا العمل أحدا سأله، ولا أحدا حرص عليه)[82].

 

ومن هنا فيمكن اعتبار ذلك واجبا وتكليفا وليس حقا من الحقوق.

 

نعم هو من الاختصاصات التي يتمتع بها المواطن دون غيره، لكن ليس حقا مشلعا، يطلبه من شاء، بل لذلك شروط وصفات رئيسة، إذا توافرت في شخص جاز إسناد الولاية إليه.

 

ويأتي في مقدمة ذلك الإسلام، والعدالة، والعلم. ولا شك أن إسناد الولاية إلى من لا يستحقها نذير خطر كما في الحديث (إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)[83].

 

ثانيًا: حق الانتخاب وحق الترشيح.

إذا كانت الدولة تأخذ بمبدأ الانتخاب والترشيحات فإن لذلك شروطا وآدابا لأبد من مراعاتها.

 

فأما الانتخاب فإنه ينبغي أن يكون مقصورا على الفئات أو العناصر التي تدرك مقاصد التشريع، وتعرف الأشخاص المتميزين، فتضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وهذا يمكن توافره في ما يعرف فقهيا بأهل الحل والعقد من العلماء والقضاة والمفكرين وأهل الرأي والشوكة.

 

وأما الترشيح، فإن كان ترشيحا من الإنسان لنفسه فهدا غير لائق، لما في ذلك من طلب الولاية، وقد قدمنا أن ذلك غير مشروع، ولأن في ذلك تزكية للنفس لكن يجوز في حالات استثنائية، إذا تعين الأمر على الإنسان، ووجد في نفسه الكفاية.

 

وأما إذا كان الترشيح من قبل جهات أو مؤسسات فالأمر فيه سعة. وبناء على ذلك كله، فالانتخاب والترشيح ليسا حقا مطلقا، بل هو حق مقيد، له صفات وشروط محددة.

 

ثالثًا: حق إبداء الرأي:

سواء أكان شكوى من مسؤول، أو تنبيها إلى خطأ وتصويبا له، أو إبداء وجهة نظر. فكل ذلك ونظائره، هو حق مشروع لكل مواطن بل قد يتجاوز كونه حقا، إلى درجة الوجوب أو الندب، بحسب الحالات، والمواقف.

 

وذلك لكونه يندرج تحت قواعد عامة سبقت الإشارة إليها، منها: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصح أو النصيحة.

 

بيد أن لذلك ضوابط شرعية وعرفية لا بد من مراعاتها، من أهمها:

1- تحري الحق والصواب ابتغاء لمرضاة الله.

2- اختيار الكلم الطيب.

3- الرفق في الأمر كله.

4- عدم تجاوز الأنظمة والتعليمات.

 

المطلب الثاني: الحقوق العامة:

هذه الحقوق كثيرة جدًا، وقد يكون من غير الهين حصرها في مثل هذا البحث.

 

لذلك نحاول إجمالها مع شيء من التوضيح.

 

وقبل أن نبدأ بذكرها نشير إلا تعريف تقريبي لها حيث يعرفـها بعضهم بأنها:

"الحقوق اللازمة للإنسان باعتباره فردا في مجتمع، ولا يمكنه الاستغناء عنها، وهي حقوق مقررة لحماية الشخص في نفسه، وحريته، وماله"[84].

 

أولاً: الحقوق الشخصية:

ويراد بها حق الإنسان في الحياة، وحمايته من أي اعتداء، في حله وترحاله. بحيث يكون آمنا، لا يخاف إلا ربه، وآمنا من الظلم والتقييد والحبس إلا وفق الأنظمة.

 

وهذا حق لجميع من يقيم في دولة الإسلام، سواء أكان مسلما أم غير مسلم. ولا شك أن المواطن أحق من غيره بهذا الحق.

 

وقد جاء النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية ليؤكد على هذا الحق، ففي المادة السادسة والثلاثين جاء الآتي: "توفر الدولة الأمن لجميع مواطنيها، والمقيمين على إقليمها، ولا يجوز تقييد تصرفات أحد أو توقيفه أو حبسه إلا بموجب أحكام النظام".

 

وجاء في المادة الثانية من نظام الإجراءات الجزائية ما يعزز ذلك.

 

ثانيًا: حرمة المسكن

للمساكن- على اختلافها- حرمة عظيمة.

قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * إِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [النور:27- 28].

 

وهذا نص في عدم الدخول في المساكن إلا بإذن. بل الأمر يتجاوز تحريم الدخول إلى تحريم التجسس والتنصت والاطلاع على بيوت الغير.

 

ففي الحديث الصحيح: (لو أن رجلاً اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك من جناح)[85].

 

وقد جاء في المادة (37) من النظام الأساسي للحكم "للمساكن حرمتها، ولا يجوز دخولها بغير إذن صاحبها ولا تفتيشها، إلا في الحالات التي يبينها النظام".

 

وهذا حق للمواطن وغير المواطن.

 

ثالثًا: حق التعلم والتعليم:

وهو من أجل الحقوق وأهمها، لكونه ينسجم مع طبيعة الإنسان العاقل والمفكر، ولأنه الوسيلة إلى معرفة الحق وتمييزه عن الباطل، وهو وسيلة الرقي بالمجتمع المسلم.

 

وهو حق للمواطن، بل واجب عليه، لأن طلب العلم فريضة على كل مسلم، بحسب الحاجة إلى ذلك العلم.

 

ومعروف أن العلم الشرعي يحتاجه كل مسلم، وهو عبادة محضة، يوجب على صاحبها الإخلاص.

 

ولذا كان من واجبات الدولة أن تيسر طريق هذا العلم وتهيئ له كافة الأسباب.

 

وهذه البلاد قد التزمت بتوفير العلم ورعايته ففي المادة (30) من النظام الأساسي للحكم:

"توفر الدولة التعليم العام، وتلتزم بمكافحة الأمية".

 

وفي المادة التي قبلها: "ترعى الدولة العلوم والآداب والثقافة وتعني بتشجيع البحث العلمي وتصون التراث العربي والإسلامي وتسهم في الحضارة العربية والإسلامية والإنسانية".

 

رابعًا: حق الكفالة لمن عجز الجميع عن كفالته:

الأصل أن المجتمع المسلم متضامن متكافل، يرحم قويه- ضعيفه، ويعطف غنيه على فقيره، سواء من الزكاة، أو من الصدقات وأعمال البر المختلفة.

 

كما جاء في الحديث: (مثل المؤمنين كما توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)[86].

 

فإذا عجز المجتمع عن هذه الكفالة، أو لم  يقم بها، فإن على الدولة أد تكفل الضعفاء والفقراء، وأن تسدد الديون التي يعجزون عن تسديدها.

 

لحديث أبي هريرة أن النبي  - صلى الله عليه وسلم-  قال: (أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفى وعليه دين فعلى قضاؤه، ومن ترك مالاً فهو لورثته)[87].

 

خامسًا: حق التمتع بمرافق الدولة العامة.

مثل وسائل المواصلات، والماء، والكهرباء، والطرق وسائر الخدمات العامة.

لحديث: (المسلمون شركاء في ثلاث: الكلأ، والماء والنار)[88].

 

المبحث الثاني: واجبات المواطنة:

إذا كان المواطن له تلك الحقوق التي عرضناها في المبحث السابق، فإن مقتضى العقل والشرع أن يكون عليه في المقابل واجبات ومسؤوليات، تلزمه تجاه وطنه.

 

ولا شك أن هذه الواجبات كثيرة قد يصعب إحصاؤها، مثلما قلنا في الحقوق.

 

لذلك سأجتهد في لملمة هذه الواجبات، ولو بطريقة إجمالية.

 

وأظن أنه يمكن تصنيف الواجبات إلى نوعين:

الأول: واجبات تتوجه نحو بناء الوطن.

 

الثاني: واجبات تتوجه نحو حراسة الوطن.

 

وقبل أن نستعرض هذه الواجبات، تحسن الإشارة إلى أن مناط هذه الواجبات، ليس فقط الأفراد، بل الدولة، إذ عليها من المسؤوليات ما ليس على غيرها.

 

المطلب الأول: واجبات البناء:

المواطن عضو في جسم أمة الوطن، والعضو لابد أن يكون ذا فعالية، ولا يكون كذلك إلا إذا كان عضوا صالحا، ولا يكون صالحا إلا بأحد أمرين: أحدهما: صلاح الدين، وهذا يكون عادة في المسلم الذي يرجو الله واليوم الآخر.

 

الثاني: صلاح الدنيا، وهذا يستوي فيه المؤمن والكافر.

 

وهذا يقتضي أن المواطن (المسلم) تكون مسؤولياته مضاعفة، لأنها مركبة من الدين والدنيا. أما الكافر فلا يستشعر سوى المسؤولية الدنيوية.

 

والبناء المطلوب هنا هو تقديري نوعان:

النوع الأول: يتجه نحو الإنسان.

النوع الثاني: يتجه نحو العمران.

 

فأما النوع الأول، الذي يقصد به الإنسان، فالمراد به: كل عمل صالح يستفيد منه الإنسان، في عقله، أو نفسه، أو روحه، أو جسمه.

 

أما العقل فبالتعليم، وأما النفس والروح فبالتربية وأما الجسم فبالرياضة، والغذاء ونحوهما.

 

والواجب الوطني إنما يتمثل: باستصلاح الذات وبنائها أولاً، ثم باستصلاح الآخرين، بحسب القدرة، والناس يختلفون في قدراتهم ومواهبهم، ولا يكلف الله نفسه إلا وسعها.

 

لكن العلماء والمربين هم أجدر الناس بالقيام بواجب التربية والتعليم والدعوة.

 

ويليهم رجالات الفكر والأدب وأرباب الأقلام، والإعلاميون ونحوهم ممن يمتلك زمام الكلمة.

 

وهكذا بقية المواطنين يكون عليهم من هذه المسؤوليات بحسب الاستطاعة، ولاسيما قيم الأسرة، وربة البيت، وشيخ القبيلة، والوجيه والثري.

 

و من مقولات العرب: "بذل الجاه زكاة الشرف".

 

وقال حماد عجرد:

بث النواب ولا تمنعك قلته
فكل ما سد فقرا فهو محمود[89]

 

وأما النوع الثاني الذي يقصد به العمران، فهولا حقيقته مكمل للنوع الأول، وخادم له، نظرا إلى كون العمران لا يقصد بذاته، بل من أجل الإنسان. والمقصود بالعمران هنا، ما يعمر الأرض، من فلاحة وصناعة، وتجارة، وأعمال خدماتية ومهنية، وإدارية وتنظيمية.

 

قال الحق سبحانه: ﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ ﴾ [هود: 61]  وهذا خطاب من نبي الله صالح عليه السلام لقومه ثمود.

 

يقول إلكيا الهراس: "قوله تعالى: ﴿ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ [هود: 61] يدل على وجوب عمارة العرض، فإن الاستعمار طلب العمارة، والطلب المطلق من الله للوجوب"[90].

 

وإذا كان الأمر كذلك فإن مسؤولية المواطن تجاه وطنه، تتطلب منه أن يسهم في بناء وطنه، بكل ما يستطيع من جهد ذهني، أو مادي.

 

وأبواب المشاركة واسعة، فما يغرس غرسا من نخل وغيره فإنه مأجور عليه، (ما  من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة، إلا كان له به صدقة)[91].

 

ومن يبني بنيانا يستفاد منه فله أجر، (من بنى بنيانا في غير ظلم ولا اعتداء كان له أجر جار ما انتفع من خلق الرحمن)[92].

 

بل حتى إزالة الأذى عن الطرقات وأماكن الترفيه والاجتماعات يكتسب أهمية خاصة في الإسلام، يقول عليه الصلاة والسلام: (عرضت علي أعمال أمتي، حسنها وسيئها، فوجدت في محاسن أعمالها الأذى- يماط عن الطريق، ووجدت في مساوئ أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تدفن)[93].

 

وهذا يقتضي أن كل مواطن هو شريك لقومه قي بناء وطنه، وأن عليه أن يبذل وسعه في خدمة أمته ووطنه، سوءا بالكلمة، أو بالعمل.

 

وعلى المجتمع ممثلًا بالدولة أن تتيح له الفرص للمشاركة الفاعلة.

 

المطلب الثاني: واجبات الحراسة:

كل بناء مكتمل يتطلب عناية وحراسة،وإلا تداعى، وتعرض للخراب والدمار.

 

فإذا قام المواطنون الممثلون بالأفراد والدولة ببناء وطنهم، فلابد من أجل أن يبقى هذا البناء صحيحا ومكتملاً أن يقوموا على حراسته والمحافظة عليه من أن يجني عليه جان، بأي نوع من أنواع الجنايات، سواء كانت الجناية على الإنسان أو على العمران.

 

أولًا: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

فهو من الأهمية كما قال أبو حامد الغزالي: "القطب الأعظم من الدين، وهو المهم الذي ابتعت الله له النبيين أجمعين، ولو طوي بساطه، وأهمل علمه وعمله لتعطلت النبوة واضطمحلت الديانة، وعمت الفترة، وفشت الضلالة وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد،  واتسع الخرق وخربت البلاد، وهلك العباد، و لم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد"[94].

 

وقد أجمعت الأمة على أنه فريضة محكمة، قال سبحانه: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104].

 

وهو وسيلة المحافظة على كيان المجتمع، ففي الحديث الصحيح: ( ثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا لو أنا خرقنا و نصيبنا خرقا و لم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا)[95].

 

بل هو سبب البقاء والنجاة من العقاب، كما في قصة أصحاب السبت: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾ [الأعراف: 165].

 

وهو سبب النصر والتمكين، كما قال الحق تعالى: ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [الحج: 40- 41].

 

ومن محاسن الدولة في هذه البلاد الكريمة أنها ما زالت قائمة بهذه الشعيرة العظيمة.

 

بل إن النظام الأساسي للحكم نص على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من واجبات الدولة.

 

حيث به في المادة (23): (تحمي الدولة عقيدة الإسلام وتطبق شريعته، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقوم بواجب الدعوة إلى الله).

 

ثانيًا: الوقوف في وجه التيارات الفكرية المنحرفة، والسلوكيات الشاذة، بحيث لا يسمح لها بالنشر أو الانتشار داخل المجتمع، وسد المنافذ أو المعابر التي يمكن أن يستغلها دعاة السوء والضلالة، كوسائل الإعلام، ومناهج التعليم، ووسائل النشر المختلفة.

 

وهذا واجب ديني، ووطني على كل مواطن كما في الحديث: (ألا كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته). فكل شخص على ثغر من ثغور الإسلام، فليحذر أن يؤتى الإسلام من قبله.

 

ثالثًا: إقامة الحدود، والعقوبات المشروعة.

وهي علاج- لابد منه- لبعض القضايا والتصرفات التي لا يجدي فيها التوجيه والنصح. وهذا من واجبات الدولة، وليس على الأفراد منه إلا ما يتعلق بالتأديب، مما أنيط بالآباء والأمهات، والمعلمين، ونحوهم.

 

وقد جاء في فضيلة إقامة الحدود على الوجه المشروع نصوص عديدة، منها حديث أبي هريرة - رضي الله عنه-  أن النبي  - صلى الله عليه وسلم-  قال (حد يقام في الأرض، خير للناس من أن يمطروا ثلاثين أو أربعين صباحا)[96].

 

رابعًا: الجهاد في سبيل الله:

وهو فريضة إسلامية، تقررت بالكتاب والسنة والإجماع.

 

والغرض منه (إعلاء كلمة الله) وليس شيئا آخر، ويتفرع من هذا الغرض أغراض فرعية أخرى.

 

قال القرطبي عند قوله تعالى: ﴿ وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [النساء: 75] "حض على الجهاد، وهو يتضمن تخليص المستضعفين من أيدي الكفرة المشركين الذين يسومونهم سوء العذاب، ويفتنونهم عن الدين، فأوجب تعالى الجهاد لإعلاء كلمته، وإظهار دينه واستنقاذ المؤمنين الضعفاء من عباده"[97].

 

وللجهاد آداب وضوابط يتعين الأخذ بها. وهو كما قال أهل العلم من صلاحيات الدولة، وليس من صلاحيات الأفراد[98].

 

لكنه من الواجبات المهمة على الدولة، وإذا كان من فروض الكفايات- كما يقول الفقهاء، فإنه في حق الأئمة. بمثابة فروض الأعيان[99].

 

المبحث الثالث: انحرافات في حقوق المواطنة وواجباتها:

الحقيقة أن أي انحراف في فهم حقوق المواطنة وواجباتها فإنه قد يشطح بصاحبه، ويودي به في مهامه مظلمة، ولذلك فالأمر يقتضي سلوك المنهج الوسطى الذي شرع في ديننا الحنيف.

 

ولا شك أن الانحرافات هنا غير محصورة، فلهذا نكتفي بعرض الأمثلة والنماذج ليس إلا، وذلك في المطلبين الآتيين:

المطلب الأول: انحرافات في مجال الحقوق:

تقدم معنا نوعان من الحقوق هما:

أ‌- الحقوق السياسية.

ب‌- الحقوق العامة.

 

فأما الحقوق السياسية فإنه يتجاذبها طرفان:

أحدهما: الدولة.

الثاني:المواطن.

 

فحين تكون الدولة مستبدة، فإنها ستكون في طرف مقابل للمواطن الذي يريد الحصول على حقوقه السياسية. ومن ثم سيكون النزاع والشقاق.

 

وهكذا إذا كان المواطن يبالغ في مطالبه السياسية فيطلب شيئا ليس من حقوقه، أو مما يصعب تنفيذه، أو يترتب على تنفيذه مفاسد أكبر.

 

ومن صور الانحرافات هنا:

1- أن تعتقد الدولة بأن المواطن غير مؤهل للقيام بالأعباء والمصالح العامة، أو أنه غير أهل للاستشارة وأخذت الرأي، مما يترتب عليه تهميش المواطن وعدم الاكتراث به، ليكون في آخر الأمر عالة على وطنه.

 

2- أن تظن الدولة بأنها هي صاحبة المنة والفضل على الشعب، وأن الشعب لم يوجد إلا ليكون في خدمتها، وتحت قبضتها، الأمر الذي يجعلها تهتم بإصدار الأوامر والنواهي، دون مراعاة أو تلمس لحقوق الآخرين وحاجاتهم.

 

وما أحكم أبو حازم حينما قيام له مسلمة بن عبد الملك: ألستم أمرتم بطاعتنا في قوله تعالى: ﴿ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾[النساء: 59] فرد أبو حازم: أليس قد نزعت منكم إذا حالفتم الحق بقوله:

﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [النساء: 59][100].

 

وإذا كان في إجابة أبي حازم شيء من القسوة أو نوع من الغلو، فإن الجواب كان على قدر السؤال.

 

3- يرى بعض المواطنين الذين تأثروا بالفكر الغربي أن من حقوق المواطنة التوسع في باب (الحريات) وفق المفاهيم الغربية، ليكون الإنسان حرا في اعتقاد ما شاء، وأن يقول ما شاء كيف شاء، سواء في قضايا الدين والفكر، أو قضايا الدنيا والمدنية.

 

4- قد يظن البعض  بان من حق الوطن أن يعيش من أجله، ويحيا ويموت من أجله، ويضحي بكل ما يملك من أجله، وربما تطورت (رمزية الوطن) عند بعض منهم لتكون كالإله المعبود.

 

على حد قول الشاعر القروي:

بلادك قدمها على كل ملة
ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم

 

وهذه صنمية ممقوتة.

 

أو قول أحمد شوقي:

وطني لو شغلت بالخلد عنه
نازعتني إليه بالخلد نفسي

 

وهذا غلو مذموم.

 

المطلب الثاني: انحرافات في واجبات المواطنة:

إذا كان يوجد سوء فهم لحقوق المواطنة، فإنه بوجد كذلك سوء فهم لواجباتها.

 

ولعل من أهم الانحرافات هنا:

يظن بعض الناس أن المواطنة تتعارض مع مستلزمات الاعتقاد، فكيف يعمل من أجل الوطن، وكيف يكون الوطن هدفا يسعى إلى تحقيقه، حيث يصبح الوطن ند لله عز وجل.

 

والحق أن بعض هذا الظن في محله، إذا ما كان الوطن لذاته مقصدا وغاية، يحيا من أجله ويموت من أجله، حيث يصبح معبودا مع الله، أو من دونه.

 

وهذا إنما يتحقق فيما والإنسان إذا ما كان البعد الدين غائبا، فلا يستحضر كونه يعمل من أجل نصرة دينه ممثلاً بالأرض التي تقله وتقل أهله. ولا يستحضر كونه يعمل في خدمة أمته المسلمة، وفي سبيل نصرتها وتعزيزها.

 

بل ليس أمام ناظريه إلا الحياة الدنيا وزينتها فهي همه ومبلغ علمه.

 

فهذه النظرة هي من من أهل الجاهلية.

 

يقول عز وجل: ﴿ نَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [يونس: 7- 8].

 

ويقول: ﴿ فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى ﴾ [النجم: 29- 30].

 

أما إذا كان يقصد بخدمة وطنه، السعي  إلى تطويره والنهوض به، لأنه بلد إسلامي، وسكانه مسلمون فذلك مطلب شرعي لا غبار عليه.

 

وبناء على ذلك فمناط الحكم هو النية و( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوفى). والأمور بمقاصدها كما يقول الفقهاء.

 

2- ومن الانحرافات حصر الجهاد المشروع بالدفاع عن الوطن، وما سوي ذلك فلا مجال للجهاد فيه. وهذا خطأ من ناحيتين:

الأولى: تضييق مفهوم الجهاد ليكون وسيلة دفاع فقط، حساب المفهوم المعاصر لمعنى الدفاع.

 

الثانية: إلغاء غايات الجهاد الأخرى، التي يصعب تجاهلها ومن أهمها:

أ- درء الفتنة عن المسلمين المضطهدين في ديارهم ولاسيما (الأقليات المسلمة في البلدان غير المسلمة).

ب- صد عدوان المعتدين علي المسلمين به الأوطان الإسلامية.

ج- كسر الحواجز والعراقيل التي تحول بين الإسلام والباحثين عنه أو الراغبين فيه، من القوى الظالمة، والمذاهب المتعصبة ضد الإسلام.

 

3- السلبية والتواني في العطاء نحو العمران، وعدم الاهتمام بالجانب المدني، وهذا قد يكون له أسباب وذرائع متعددة، مثل:

أ- الزهد في الدنيا.

 

وهذا لا غبار عليه، ما دام سلوكا شخصيا لا يتجاوز حدود التصرفات الخاصة.

 

إذ لكل حريته في التعامل مع الدنيا، ما دام في نطاقي (الشرع المطهر).

 

وقد كان كثير من السلف يسلك هذا المنهج. إلا أنا ذلك مقيد بأن لا يكون فيه تجريم للحلال، وألا يكون منهجا عاما يدعو الناس إليه، أو يلزمهم به.

 

ب- اللبنانية والأثرة.

بمعنى أن يكون حرص الإنسان على الدنيا من أجل نفسه، دون النظر في مصالح الأمة، ويود لو جمعت له الدنيا بحذافيرها، ليباهي بها الآخرين، فهو جماع مناع، أو كما قال الحق تعالى: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ * وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ * وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ﴾ [العاديات: 5 - 8].

 

وكل ذلك مذموم سواء حصل من مسلم أو كافر. ولذلك جاء في الحديث الصحيح: (إن الله عز وجل حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعا وهات)[101].

 

4- ضعف الإخلاص أو قلة الجدية في أداء العمل الذي يوكل إلى الإنسان، سوءا في عمل حكومي أو في قطاع خاص، الأمر الذي يقلل الإنتاج، أو يضعفه.

 

وهذا خلاف توجيه الشارع الحكيم الذي يأمر بالإخلاص والإتقان والإحسان. (إن الله كتب الإحسان على كل شيء)[102].

 

خاتمة

خلال هذا البحث المختصر تمت معالجة موضوعين كبيرين:

الموضوع الأول: الصلة بين الحاكم والمحكوم.

الموضوع الثاني: حقوق المواطنة وواجباتها.

 

وهما موضوعان غير متمايزين، بل هما متشابكان ومتداخلان دون أدنى ريب.

 

فالدولة تتألف من عناصر رئيسة هي: الشعب، والإقليم، والسلطة.

 

وهذه العناصر هي محاور البحث الرئيسة وكانت الحقوق والواجبات لكل من هذه العناصر هي روح البحث ولبه.

 

ولعل من أهم النتائج التي يمكن تسجيلها هنا:

1- أن الصلة بين الحاكم والمحكوم في الإسلام قوية ومتينة، إذا ما عرف كل طرفة ما له من حقوق، وما عليه من واجبات ومسؤوليات، وأدى كلا منها على الوجه الصحيح.

 

2- أن الخلل الذي يحصل وما العلاقة بينهما سببه إما الجهل بالحقوق والواجبلت، أو الأنانية وحب الذات وسط السيطرة.

 

3- أن الناس في المواطنة طرفان ووسط:

أما أحد الطرفين: فالذي يغلو في مفهوم الوطنية فيعظمها، ويظل عليها عاكفة، حتى تكون غاية حياته ومماته.

 

وأما ثاني الطرفين: فالذي يجفو في حق وطنه، فلا يسعى إلى نفع فيه، ولا يعنيه أمر أمته في شيء، بل (أنا) هي أسمى غاياته.

 

وأما الوسط: فالذي يعرف للمواطنة قدرها بدون وكس ولا شطط.

 

فهو يبذل كل ما يستطيع من جهد ذهني ومادي نحو أمته وبلاده، يريد بذلك وجه الله والدار الآخرة.

 

والله ولي التوفيق،،

 

الفهرس

الموضوع

الصفحة

مقدمة

2

تمهيد في تحديد مصطلحات البحث

4

أولا: الحاكم

4

ثانيا: المحكوم

5

ثالثا: الحقوق

6

رابعا: الواجبات

7

خامسا: المواطنه

7

سادسا: الغلو:

9

الفصل الأول: الصلة بين الحكم والمحكوم

9

المبحث الأول: الاساس الشرعي والنظامي للعلاقة بين الحاكم والمحكوم

11

المطلب الأول: الأساس الشرعي

11

المطلب الثاني: الأساس النظامي للعلاقة بين الحاكم والمحكوم

15

المبحث الثاني

17

القواعد التي تبني عليها العلاقة بين الحاكم والمحكوم

17

أولا: التزام العبودية لله تعالى

17

ثانيا: المساواة العامة بينهما في

17

ثالثا: القيم الخلفية العامة

19

رابعا: المبادئ الدستورية

21

المبحث الثالث:

26

خصائص العلاقة بين الحاكم والمحكوم

26

المبحث الرابع

30

التكييف الشرعي للعلاقة

30

المبحث الخامس: انحرافات في مفاهيم العلاقة

32

القسم الأول:  انحرافات المحكومين

33

القسم الثاني: انحرافات الحكام

35

القسم الثالث: انحرافات مشتركة

35

الفصل الثاني: حقوق المواطنة وواجباتها

37

المبحث الأول: حقوق المواطنة

39

المطلب الأول: الحقوق السياسية

39

المطلب الثاني: الحقوق العامة

41

المبحث الثاني: واجبات المواطنة

44

المطلب الأول: واجبات الحراسة

46

المبحث الثالث: انحرافات في حقوق المواطنة وواجباتها

49

المطلب الأول: انحرافات في مجال الحقوق

49

المطلب الثاني: انحرافات في واجبات المواطنة

50

خاتمة

35

فهرس الموضوعات

55


[1] معجم مقاييس اللغة ص 277.

[2] ينظر: الإحكام في أصول الأحكام الآمدي 1/79.

[3] الإحكام الآمدي1/150 مرجع سابق.

[4] معجم مقاييس اللغة ص 244.

[5] ينظر: القاموس المحيط ص 1129.

[6] ينظر: المعجم الفلسفي، جميل صليبا 1/483.

[7] نظرية الحق، للدكتور عبد الفتاح عبد الباقي، ص 8

[8] ينظر: العجم الفلسفة 1/484 مرجع سابق.

[9] ينظر: تاج العروس4/333.

[10] جميل صليبا 1/483.

[11] المعجم الوسيط ص 1042.

[12] المعجم الفلسفي، صليبا 2/439.

[13]ينظر: قاموس الفكر السياسي، لمجموعه من المختصمين 2/413.

[14] رواه الإمام أحمد في المسند 1/215

[15] ينظر: لسان العرب15/131.

[16] ينظر: النهاية في غريب الحديث 3/382

[17] فتح الباري في 13/112.

[18] يعني حديث ( من أطاعني فقد أطاع الله.. " ومن أطاع أميري فقد أطاعه... الحديث) وما أشبهه

[19] تفسير الطبري 8/492 تحقيق محمود شاكر.

[20] أحكام القرآن لابن العربي 1/450 وسبق تخريج الحديث.

[21] الجامع لأحكام القرآن 5/256.

[22] تفسير الطبري 8/504 تحقيق محمود شاكر، وعبارة الطبري تفيد أن مرتبة السنة تأتي بعد القرآن، بحيث إذا وجد النص القرآني فلا يبحث في السنة، ولكن الأمر فيه نظر، فالسنة شارحة للقرآن، وتأتي بأحكام مستقلة، الأمر الذي يجعلها مع القرآن في مرتبة واحدة من حيث وجوب الإتباع، ووجوب النظر فيهما معا، لئلا تضطرب النصوص.

[23] المحرر الوجيز 3/280.

[24] لقد خصص الإمام مسلم كتابا كاملا من صحيحه لموضوعات السياسة عنونه ب(كتاب الإملوة) واشتمل على ما يزيد عن (180) حديثا وهو ما يكاد ينفرد به صحيح مسلم.

[25] كتاب الإمارة الحديث رقم 19.

[26] الحطمة: هو العنيف برعاية الإبل في السوق والإيراد والإصدار ويلقى بعضها على بعض " [ينظر النهاية في غريب الحديث1/402].

[27] الحديث رقم 23.

[28] الحديث رقم 32.

[29] الحديث رقم 41.

[30] الحديث رقم 63،

[31] الحديث رقم 65.

[32] الروض الأنف في شرح السيرة النبوية، للسهيلى 7/556 تحقيق عبد الرحمن الوكيل.

[33] رواه البخاري، كتاب الحدود الباب 31.

[34] عيون الأخبار لابن قريبة1/19.

[35] المرجع السابق 1/9.

[36] صدر هذا النظام بالأمر الملكي رقم أ / 90 في ما27/8/1412هـ

[37] جامع بيان العلم وفضله لابن عبدالبر 1/48

[38] متفق عليه (صحيح البخاري) برمق 3475، وصحيح مسلم برقم 1688)

[39] عيون والأخبار 1/66

[40] رواه مسلم برقم 1827.

[41] عيون الأخبار 1/13.

[42] سراج الملوك ص 213 تحقيقا محمد فتحي أبو بكر.

[43] النهاية في غريب الحديث 5/63.

[44] متفق عليه ( صحيح البخاري برقم 57 وصحيح مسلم برقم 97).

[45] رواه مسلم برقم 95.

[46] بدائع السلك 1/491

[47] رواه مسلم برقم 107.

[48] رواه مسلم برقم 1828

[49] ينظر: بدائع السلك في طبائع الملك لابن الأزرق 1/475.

[50] متفق عليه (صحيح البخاري برقم 3455 وصحيح مسلم 1842).

[51] رواه مسلم برقم 1850.

[52] رواه البخاري برقم 7207

[53] الجامع لأحكام القرآن 1/272.

[54] منهاج السنة النبوية لابن تيمية 1/530 تحقيق محمد رشاد سالم.

[55] سراج الملوك ص 319.

[56] بدائع السلك 1/302.

[57] المرجع نفسه 1/303.

[58] رواه الترمذي بصيغة التمريض برقم 1714.

[59] رواه مسلم برقم 1844.

[60] ومتفق عليه (صحيح البخاري برقم 7053 وصحيح مسلم برقم 1849).

[61] متفق عليه (صحيح البخاري برقم 7199 وصحيح مسلم 1709.

[62] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيميه هـ 10/267.

[63] متفق عليه ( صحيح البخاري برقم 2554 وصحيح مسلم برقم 1829).

[64] متفق عليه ( صحيح البخاري برقم 7150 وصحيح مسلم برقم 142).

[65] يراجع: التشريع الجنائي الإسلامي عبد القادر عودة 1/557- 560.

[66] قواعد الأحكام 1/120.

[67] رواه أبو داود في سننه برقم 4895.

[68] رواه أبو داود برقم 4888.

[69] متفق عليه (صحيح البخاري برقم 2442 وصحيح مسلم برقم 2580).

[70] رواه مسلم برقم 2162.

[71] ينظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم، ص 123.

[72] التشريع الجنائي الإسلامي،1/316.

[73] السياسة الشرعية لابن تيمية ص 17.

[74] الولاية في اضطلاح الفقهاء: عبارة عن سلطة شرعية تجعل له ثبتت له القدره على إنشاء التصرفات والعقود وتنفيذها [المدخل في التعريف بالفقه الإسلامي وقواعد المالكية والعقود فيه، محمد مصطفي شلبي، ص518]

[75] القواعد لابن رجب ص 113 القاعدة (61)

[76] قد نجد عند بعض الفقهاء أو غيرهم عبارات، مثل : الإمام نائب عن الله[ينظر: مثلا المغني مع الشرح الكبير9/510] أو سلطان الله[ينظر:  عيون الأخبار 1/23] وليست هذه العبارات على ظاهرها، أي أن الله فوض الحكام ليتصرفوا في العباد وفق ما تمليه إرادتهم، أو أن الله أعطاهم سوطا أو سيقا لقهر الناس واستعبادهم كما تذهب إلى ذالك النظريات الدينية( النصرانية) مما أشرنا إليه في أول البحث، بل المراد أن الله تعالى شرع نصب الحاكم، وأن يحكم بالتتريل، فإذا فعل ذلك كان محل التقدير، فيضاف إلى الله منا يقال، كعبة الله، والذي أراه أنه لا ينبغي استعمال مثل هذه الألفاظ، لأنها تضفي على الحاكم أشياء لا يدعيها لنفسه، فالتتره عنها أفضل [يراجع: نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم، للشيخ محمد الخضر حسين، ص 20 فما بعدها].

[77] السياسة الشرعبة، ص 17-18

[78] يراجع: الموسوعة الفقهية الكويتية 5/ 280

[79] مقدمة ابن خلدون ص196.

[80] كواشف زيوف، عبد الرحمن السيد الميداني، ص 276.

[81] أحكام الذميين والمستأمنين. للدكتور عبد الكريم زيدان ص 77.

[82] متفق عليه (صحيح البخاري برقم 7149 وصحيح مسلم برقم 1824)

[83] رواه البخاري برقم 59

[84] أحكام الذميين والمستأمنين، ص 86 مرجع سابق.

[85] متفق عليه ( صحيح البخاري برقم 6902 وصحيح مسلم برقم 2158)

[86] متفق عليه وصحيح البخاري برقم6011وصحيح مسلم برقم 2586)

[87] متفق عليه (صحيح البخاري برقم 2298 وصحيح مسلم برقم 1619).

[88] رواه أبو داود برقم 3477.

[89] ينظر: عيون الأخبار 8/178.

[90] أحكام القرآن ، للهراس 4/134

[91] متفق عليه (صحيح البخاري برمق 3320 وصحيح مسلم برقم 1553).

[92] قال في مجمع الزوائد: رواه أحمد والطبراني في الكبير، وفيه زياد بن فايد ضعفه أحمد وغيرها ووثقه

أبو حاتم (مجمع الزوائد للهيثمي4/70).

[93] رواه مسالم برقم 553

[94] إحياء علوم الدين 2/302.

[95] رواه البخاري برقم 2493

[96] رواه والإمام أحمد في المسند 2/362، وينظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة للشيخ الألباني، الحديث رقم 231.

[97] الجامع لأحكام القرآن 5/279.

[98] ينظر: غياث الأمم للجويني ص210 تحقيق عبدا لعظيم الديب.

[99] ينظر: المرجع السابق

[100] تفسير البحر والمحيط لأن حيان3/290.

[101] متفق عليه ( صحيح البخاري برقم 1477 وصحيح مسلم برقم 593)

[102] رواه مسلم برقم 1955

رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Web/triqi/10946/32066/#ixzz1m4r83CeK

 

 

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك