بهذه الأخلاقية انتصر المسلمون على الروم
بهذه الأخلاقية انتصر المسلمون على الروم
بقلم : شريف محمد هاشم
(لقد كان للظلم الذي مارسه الروم على رعاياهم ,والتنكيل الوحشي الطائفي، الذي كان يتم تحت ستار الدفاع عن الدين والمسيح، وخصوصاً ذلك الذي مورس ضد النساطرة واليعاقبة , دور فعال في هزيمة الروم أمام المسلمين، إذ تبين من مجريات الأمور، أن الشعب كان ينتظر من يتقدم لإنقاذه من هذا الظلم والجور، حتى يمد له يد التعاون ,ويقدم الدعم والمساعدة. )
ولكن الفضل الأكبر، والدور الأهم في انتصار المسلمين على الروم،يبقى للإيمان الروحي العظيم, والمعنويات العالية التي كان يتمتع بها القاند، والمقاتل المسلم.
وما يهمنا من الأمر، ليس الإنتصار العسكري الذي حققه العرب بحد ذاته, وإنما الممارسة الخلقية , والمسلكية الحضارية العالية، التي اختطهما المسلمون لأنفسهم، بعد انتصارهم، وصاروا عليهما، فعاملوا عدوهم المغلوب ضمن ضوابطهما ونهجهما , ونستطيع القول بثقة: أن انتصار المسلمين الحقيقي الكبير، انما كان بعد الصراع, بعد المعركة العسكرية من خلال التزامهم الرائع بالقواعد الخلقية , والمناقب النبيلة، والنهج القويم، الذي ميزهم عن كل فاتح مننتصر آخر.
كان انتصارهم العظيم بتطبيق سياسة العقل,والحكمة, والتسامح تجاه. سكان البلاد التي افتتحوها، فلم يضع بريق الإنتصار صوابهم، ولا أفقدتهم نشوة النجاح بصيرتهم، فتركوا للتاريخ والأجيال مبادىء وقيماً عاملوا الناس على أساسها وهي:
1- احترام حرية الآخرين في القول، والتعبد، و العمل،أياً كان دينهم ومعتقدهم، شرط عدم المساس بالخير والمصلحة العامين.
2- مساواة الناس جميعاً بالحقوق والواجبات أمام القانون والعدل الإسلاميين.
3- منع الاضطهاد، و التنكيل، و الإرهاب، بكافة أشكالها بحق أي مواطن، بغض النظر عن انتمائه الديني.
4- البعد عن تطبيق سياسة الغالب و المغلوب بين المواطنين، في كافة الوجوه و المجالات.
5- تمكين العديد من أهل الكتاب، من العمل في وظائف الدولة الإسلامية، وفي مراكز حساسة كل حسب كفاءته واختصاصه.
6- اتباع سياسة الإعمار والإصلاح- لا النهب والسرقة- للبلاد التي فتحوها، مما مكنها من أن تنعم بالازدهار و العمران, للذين لم تعهدهما من قبل.
هذه هي المبادىء السامية، التي طبقها المسلمون عملياً في كل أماكن فتوحاتهم، والتي لا زالت دروساً، وعبراً مضيئة، في تاريخ الإنسانية.
وقد يكون المؤلف قس ونبي وهو أبو موسى الحريري عذر أن يطلب شهود عدل على ذلك.. فلنترك الدكتور غوستاف لوبون يدلي بشهادته.
فيقول:
كان محمد كثير المسامحة لليهود و النصارى، خلافاً لما يظن.
وإن القوة لم تكن عاملاً بانتشار القرآن، فقد ترك العرب المغلوبين أحراراً في أديانهم ولم ينتشر الإسلام بالسيف، بل بالدعوة وحدها.
وقال أيضاً:
كانت الطريق التي يجب على الخلفاء أن يسلكوها واضحة فعرفوا كيف يحجمون عن حمل أحد بالقوة على ترك دينه، وعرفوا كيف يبتعدون، خلافاً لمزاعم الكثيرين، عن أعمال السيف فيمن لم يسلم.
وقال: يثبت لنا سلوك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في مدينة القدس، مقدار الرمق العظيم، الذي كان يعامل به العرب الفاتحون الأمم المغلولة.
وقال أيضاً: لم يكن سلوك عمرو بن العاص بمصر,أقل رفقاً من ذلك، فقد عرض على المصريين حرية دينية تامة، وعدلاً مطلقاً، واحتراماً للأموال، فأقبلوا على اعتناق دين العرب و لغتهم أيما اقبال .
وقال:
كانت المساواة في عهد الخلفاء الراشدين تامة، وكانت الشريعة للجميع على السواء.
ومن حق الحريري أن يطلب مزيداً من الشهود، فليسمع شهادة الراهب ميشو، في كتابه "رحلة دينية في الشرق" قال:
من المؤسف أن تقتبس الشعوب النصرانية من المسلمين،التسامح الذي هوآية الإحساس بين الأمم، واحترام عقائد الآخرين، وعدم فرض أي معتقد عليهم بالقوة .
وقال ميشو في كتابه "تاريخ الحروب الصليبية ".
إن الاسلام، الذي أمر بالجهاد، متسامح نحو أتباع الأديان الأخرى، فقد أعفى البطاركة والرهبان وخدمهم من الضرائب، وحرم محمد قتل الرهبان على الخصوص،لعكوفهم على العبادات، ولم يمس عمر بن الخطاب النصارى بسوء، حين فتح القدس.
وقال روبرتسون في كتابه "تاريخ شاركلن ":
إن المسلمين وحدهم، هم الذين جمعوا بين الغيرة لدينهم، وروح التسامح نحو أتباع الأديان الأخرى، فهم مع امتشاقهم الحسام نشراً لدينهم، تركوا من لم يرغبوا فيه أحراراً في التمسك بتعاليمهم الدينية.
وقال ول ديورانت صاحب قصة الحضارة:
لم يكن أعداء الإسلأم من أهل الكتاب, يخيرون بين الإسلام و السيف، بل كان الخيار بين الإسلام و الجزية.
وقال:
أصبح المسيحيون الخارجون على كنيسة الدولة البيزنطية،والذين كانوا يلقون صوراً من الإضطهاد على يد بطاركة القسطنطينية,وأورشليم, والإسكندرية,و أنطاكية,أصبح هؤلاء أحراراً آمنين تحت حكم المسلمين.
وقال:
بلغت العلاقة بين الدينين في وقت من الأوقات درجة من المودة,تبيح للمسيحيين الذين يضعون الصلبان على صدورهم,أن يؤموا المساجد,ويتحدثوا فيها أصدقائهم المسلمين.
وقال:
كانت طوائف الموظفين الرسميين في البلاد الإسلامية,تضم مئات من المسيحيين,وقد بلغ عدد الذين رقوا إلى المناصب العالية في الدولة من الكثرة,درجة أثارت شكوى المسلمين.
وقال:
كان المسيحيون في بلاد الشرق,يرون أن حكم المسلمين,أخف وطأة من حكم بيزنطية وكنيستها.
وقال:
إن المسلمين كانوا رجالاً أكمل من المسيحيين,أحفظ منهم للعهد,وأكثر منهم رحمة بالمغلوبين, وقلما ارتكبوا في تاريخهم من الوحشية ما ارتكبه المسيحيون.
وهذا دانيال روبس في كتابه "تاريخ الكنيسة" يشهد على حقيقة الخلقية الإسلامية ونهجها المتسامي,فيقول:
إن أعمال التخريب الكبرى التي نسبوها للإسلام كتخريب مكتبة الإسكندرية,ليس لها أي أساس تاريخي,وفي بعض المناطق يبدو ثابتاً,إن ملوكاً مسلمين ساعدوا في إعادة بناء كنائس. وهذا المطران ناوفيطوس يقول:
لم يدر في خلد النبي قط,أن يفرض شريعته على أمة أخرى,وذلك إجلالاً منه للوحي المتقدم النزول, وتوقيراً لمشيئة الله الذي أراد أن تتنوع الأديان.