الإسلام وأهل الكتاب

الإسلام وأهل الكتاب

إعداد
رضا أحمد السيد حسين

« المقدمة »

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين ولا إله إلا الله إله الأولين والآخرين وقيوم السماوات والأرضين ومالك يوم الدين الذي لا فوز إلا في طاعته ولا عز إلا في التذلل لعظمته ولا غنى إلا في الافتقار إلى رحمته ولا هدى إلا في الاهتداء بنوره ولا حياة إلا في رضاه ولا نعيم إلا في قربه ولا صلاح للقلب ولا فلاح إلا في الإخلاص له

والحمد لله الذي شهدت له بالربوبية جميع مخلوقاته وأقرت له بالإلهية جميع مصنوعاته وشهدت بأنه الله الذي لا إله إلا هو بما أودعها من عجائب صنعته وبدائع آياته وسبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضي نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته ولا إله إلا الله وحده لا شريك له في إلهيته كما لا شريك له في ربوبيته ولا شبيه له في ذاته ولا في أفعاله ولا في صفاته ولا في أقواله والله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا وسبحان من سبحت له السماوات والأرض وسكانها والبحار وحيتانها والنجوم والجبال والشجر والدواب والآكام والرمال وكل رطب ويابس وكل حي وميت كما قال تعالي

﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً [الإسراء : 44]﴾

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كلمة قامت بها الأرض والسماوات وخلقت لأجلها جميع المخلوقات وبها أرسل الله تعالى رسله وأنزل كتبه وشرع شرائعه ولأجلها نصبت الموازين ووضعت الدواوين وقام سوق الجنة والنار وبها انقسمت الخليقة إلى المؤمنين والكفار والأبرار والفجار فهى منشأ الخلق والأمر والثواب والعقاب وهي الحق الذي خلقت له الخليقة وعنها وعن حقوقها السؤال والحساب وعليها يقع الثواب والعقاب وعليها نصبت القبلة وعليها أسست الملة ولأجلها جردت سيوف الجهاد وهي حق الله على جميع العباد فهي كلمة الإسلام ومفتاح دار السلام وعنها يسأل الأولون والآخرون

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث بالدين القويم والمنهج المستقيم أرسله الله رحمة للعالمين وإماما للمتقين وحجة على الخلائق أجمعين فالعزة لأهل طاعته قال تعالي

﴿ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ[آل عمران:139] ﴾

وقال تعالى﴿ ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين [ المناققون:8 ] ﴾

وقال تعالى﴿ فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم [ محمد:35 ] ﴾

والله وحده كافيك وكافي أتباعك فلا تحتاجون معه إلى أحدكما قال تعالى ﴿ يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين[ الأنفال:64] ﴾

وأثنى سبحانه على أهل التوحيد والتوكل من عباده فقال تعالى﴿ الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل [ آل عمران : 173 ] ﴾

فالله سبحانه علق سعادة الدارين بمتابعته وجعل شقاوة الدارين في مخالفته فلأتباعه الهدى والأمن والفلاح والعزة والكفاية والنصرة والولاية والتأييد وطيب العيش في الدنيا والآخرة ولمخالفيه الذلة والصغار والخوف والضلال والخذلان والشقاء في الدنيا والآخرة.وأقسم سبحانه وتعالي بأن لا يؤمنوا حتى يحكموه فيما شجر بينهم ثم يرضوا بحكمه كما قال تعالي

﴿ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً [النساء : 65] ﴾

ثم وضح سبحانه وتعالي أنه لا ينبغي لمؤمن ولا لمؤمنة إذا حكم الله ورسوله فيهم حُكمًا أن يخالفوه لقوله تعالى

﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً [الأحزاب : 36] ﴾

الإسلام وأهل الكتاب

مراتب الدين الإسلامي ثلاث هي : الإسلام و الإيمان والإحسان كما جاء في حديث جبريل عليه الصلاة والسلام حين سأل عن الإسلام ثم عن الإيمان ثم عن الإحسان فترقى من الأعم إلى الأخص ثم للأخص منه .

¤ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال يا محمد أخبرني عن الإسلام فقال أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا قال صدقت فعجبنا له يسأله ويصدقه قال فأخبرني عن الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره قال صدقت قال فأخبرني عن الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك قال فأخبرني عن الساعة قال ما المسؤول عنها بأعلم من السائل قال فأخبرني عن أماراتها قال أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطالون في البنيان قال فمضى فلبثنا مليا فقال يا عمر أتدري من السائل قلت الله ورسوله أعلم قال هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم

أولا الإسلام

معني الإسلام :الإسلام هو الاستسلام و الانقياد لله تعالى ظاهرا وباطنا والإخلاص له وأن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا

المسلم:من سلم المسلمون من لسانه ويده والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم والمهاجر من هجر السيئات والمجاهد من جاهد نفسه لله
الدين كله انقيادا لله

﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5]﴾

وما أمروا في سائر الشرائع إلا ليعبدوا الله وحده مخلصين له الدين بعيدا عن الشرك ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك هو دين الإسلام .

﴿ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام : 162] لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام : 163] ﴾

قل يا محمد للمشركين : إن صلاتي وذبحي لله وحده لا للأصنام ولا للأموات ولا للجن ولا لغير ذلك مما تذبحونه لغير الله وعلى غير اسمه كما تفعلون وحياتي وموتي لله تعالى رب العالمين.
﴿ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ[الزمر:11]وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ[الزمر : 12]﴾

قل يا محمد إن الله أمرني بإخلاص العبادة له وحده لا شريك له وأمرني بأن أكون أول من أسلم من أمتي وخضع له بالتوحيد وأخلص له العبادة .

﴿ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [النمل : 91] وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ [النمل : 92] ﴾

قل يا محمد للناس:إنما أُمرت أن أعبد رب هذه البلدة وهي "مكة" وإضافة الربوبية إلى البلدة تشريفا ورعاية لها الذي حَرَّمها على خلقه أن يسفكوا فيها دمًا حرامًا أو يظلموا فيها أحدًا أو يصيدوا صيدها أو يقطعوا شجرها وله سبحانه كل شيء وأُمرت أن أكون من الموحدين المخلصين المطيعين له وأُمرت أن أتلو القرآن على الناس فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضلَّ عن الحق فعليها وقل لهم إنما أنا نذير لكم من عذاب الله وحسابكم علي الله

﴿ قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [غافر : 66] ﴾

قل يا محمد للمشركين: إن الله عز وجل ينهى أن يعبد أحد سواه و إني نُهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله وأمرني أن أخضع وأنقاد له بالطاعة سبحانه وتعالي رب العالمين .

﴿ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام : 161] ﴾

يأمر تعالي نبيه محمد أن يخبر المشركين بما أنعمه الله عليه من هدايته إلى طريق الجنة المستقيم وهو دين الإسلام القائم بأمر الدنيا والآخرة وهو دين التوحيد دين إبراهيم عليه السلام وما كان إبراهيم عليه السلام من المشركين

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً [النساء : 125] ﴾

من أحسن دينا ممن أسلم لله بقلبه وخضع له بجوارحه وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا وهو محمد وأتباعه إلى يوم القيامة كما قال تعالي ﴿ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران : 68] ﴾ وقد اصطفى الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام واتخذه خليلا من بين سائر خلقه والاصطفاء هي أعلي درجات المحبة بسبب كثرة طاعته ربه كما وصفه تعالي ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [النحل : 120] ﴾

﴿ وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ [البقرة : 130] إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [البقرة : 131] ﴾

لا يُعرض عن دين إبراهيم إلا سفيه جاهل ظالم لنفسه ثم يخبر سبحانه أنه اصطفاه نبيا ورسولا في الدنيا وفي الآخرة في أعلي الدرجات من الجنة إذ أمره الله بالإسلام والانقياد لله وحده فأجابه سيدنا إبراهيم أسلمت لرب العالمين .

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران:102] وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران:103] ﴾

يا من أمنوا بالله ورسوله خافوا الله حق خوفه و عن ابن مسعود [ اتقوا الله حق تقاته ] بأن يطاع فلا يُعصى ويُشكَر فلا يكفر ويُذكَر فلا ينسى وقال ابن عباس [ اتقوا الله حق تقاته ] أن يجاهدوا في سبيله حق جهاده ولا تأخذهم في الله لومة لائم ويقوموا بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم وتمسكوا بإسلامكم إلى آخر حياتكم لتلقوا الله وأنتم عليه فمن عاش على شيء مات عليه ومن مات على شيء بعث عليه .

وتمسَّكوا بكتاب الله جميعا وهو القرآن وهدي نبيكم وهي السنة ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أيها المؤمنون قبل الإسلام أعداء فجمع الله قلوبكم على محبة الله ومحبة رسوله وألف بين قلوبكم فأصبحتم بفضل الله إخوانا متحابين كما قال تعالي { وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال : 63]وكنتم على حافة نار جهنم بكفركم فأنقذكم منها وهداكم للإسلام و يبيِّن الله لكم آياته لتهتدوا إلى سبيل الرشاد وتسلكوها فلا تضلوا عنها.

﴿ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ [الزمر : 54] ﴾

ارجعوا إلى ربكم بالطاعة والتوبة واخضعوا له وأخلصوا العمل من قبل أن يقع بكم عقابه ولا تجدون من ينقذكم من الله .

﴿ وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [لقمان : 22] وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [لقمان : 23] نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ [لقمان : 24] ﴾

من يُخْلص عبادته لله وهو محسن في أقواله متقن لأعماله فقد أخذ بأوثق سبب موصل إلى رضوان الله وجنته وإلى الله وحده تصير الأمور فيجازي المحسن على إحسانه والمسيء على إساءته . ومن كفر فلا تحزن عليه -أيها الرسول- إلينا مرجعهم يوم القيامة فنخبرهم بأعمالهم الخبيثة التي عملوها في الدنيا ثم نجازيهم عليها إن الله عليم بما تُكِنُّه صدورهم من الكفر بالله وإيثار طاعة الشيطان . نمتعهم في هذه الدنيا الفانية قليلا ثم يوم القيامة ندخلهم عذاب فظيع وهو عذاب جهنم .كما قال تعالي{ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ [الأنعام : 44]
ثانيا الإيمان

معني الإيمان :الإيمان هو التصديق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر كله خيره وشره .

لا إيمان إلا بالتصديق بالقلب

﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ [المائدة : 41] ﴾
يوضح سبحانه وتعالي حال المنافقين الذين أظهروا الإيمان بألسنتهم وقلوبهم خراب خاوية منه

﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [الحجرات : 14] ﴾

يوضح سبحانه حالة الأعراب[وهم البدو]الذين أول ما دخلوا في الإسلام ادعوا لأنفسهم مقام الإيمان ولم يتمكن الإيمان في قلوبهم بعد فقل لهم أيها النبي لا تدَّعوا لأنفسكم الإيمان الكامل ولكن قولوا أسلمنا ولم يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا ينقصكم من ثواب أعمالكم شيئًا إن الله غفور لمن تاب مِن ذنوبه رحيم به .

﴿ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ[التوبة:45]﴾

يوضح سبحانه حال الذين لا يؤمنون بالله فيقول لا يستأذن أحد يؤمن بالله ورسوله في القعود عن الغزو إنما يستأذنك في القعود الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر و شكت قلوبهم في صحة ما جئتهم به فهم في ريبهم يتحيرون يقدمون رجلا ويؤخرون أخرى

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال : 2] ﴾

وصف الله المؤمنين فقال إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله رقت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم تصديقا وعلى ربهم يعتمدون وفيه يثقون .

﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد : 28] ﴾

الذين آمنوا تطمئن قلوبهم وتسكن بذكر الله ألا بطاعة الله وذكره تسكن القلوب وتستأنس.

﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً [الفتح : 18] ﴾
لقد رضي الله عن المؤمنين حين بايعوا النبي تحت الشجرة فعلم الله ما في قلوب هؤلاء المؤمنين من الإيمان والصدق فأنزل الله الطمأنينة عليهم وثبَّت قلوبهم وأثابهم بفتح "خيبر".
ثالثا الإحسان

معني الإحسان : الإحسان وهو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك والدليل قوله تعالى

﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء [آل عمران : 5] ﴾

الله سبحانه وتعالي محيط علمه بالخلائق لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء قلَّ أو كثر.

﴿ إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ [النحل : 128] ﴾

إن الله سبحانه وتعالى مع الذين اتقوه ومع الذين يحسنون أداء فرائضه والقيام بحقوقه وطاعته بعونه وتوفيقه ونصره

﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ [الشعراء : 217] الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ [الشعراء : 218] وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ [الشعراء : 219] إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الشعراء : 220] ﴾

وتوكل على العزيز الرحيم في جميع أمورك فإنه مؤيدك وحافظك وناصرك الذي يراك حين تقوم للصلاة وحدك في جوف الليل ويرى تقلُّبك مع الساجدين في صلاتهم معك قائمًا وراكعًا وساجدًا وجالسًا إنه سبحانه السميع لتلاوتك وذكرك العليم بنيتك وعملك .

﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ [يونس : 61] ﴾

وما تكون -أيها الرسول- في أمر مِن أمورك وما تتلو من كتاب الله من آيات وما يعمل أحد من هذه الأمة عملا من خير أو شر إلا كنا عليكم شهودًا مُطَّلِعين عليه و لا يعزب عن علمه وبصره مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ولا أصغر منها ولا أكبر إلا في كتاب مبين .

﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المجادلة : 7] ﴾

ألم تر أن الله يعلم كل شيء في السموات والأرض؟ ما يتناجى ثلاثة مِن خلقه بحديث إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أقلُّ من ذلك ولا أكثرُ إلا هو معهم مطلع عليهم يسمع كلامهم وسرهم ونجواهم لا يخفى عليه شيء من أمرهم ثم يخبرهم تعالى يوم القيامة بما عملوا من خير وشر ويجازيهم عليه . إن الله بكل شيء عليم .

﴿ أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ [التوبة : 78] ﴾

ألم يعلم المنافقون أن الله يعلم ما يخفونه في أنفسهم وما يتحدثون به في مجالسهم من الكيد والمكر وأن الله علام الغيوب ؟

﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزخرف : 80] ﴾

أيظن المشركون بالله أنَّا لا نسمع ما يسرونه في أنفسهم ويتناجون به بينهم ؟ بلى نسمع ونعلم ورسلنا من الملائكة الكرام الحفظة يكتبون عليهم كل ما عملوا .

﴿ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ [الأنعام : 59] ﴾

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال[ مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله ]{ إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير}ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة من نبتة إلا يعلمها فكل حبة في خفايا الأرض وكل رطب ويابس مثبت في كتاب واضح لا لَبْس فيه وهو اللوح المحفوظ.

¤ عن عبد الله بن الحارث قال:ما في الأرض من شجرة ولا مغرز إبرة إلا وعليها ملك موكل يأتي الله بعلمها رطوبتها إذا رطبت ويبوستها إذا يبست ]

﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر : 19] ﴾

يعلم سبحانه وتعالي ما تختلسه العيون من نظرات وما يضمره الإنسان في نفسه من خير أو شر.

ما هو الدين عند الله ؟

﴿ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ [آل عمران:19] فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:20] ﴾

إن الدين الذي ارتضاه الله لخلقه وأرسل به رسله هو الإسلام ولن يَقْبَل غيره وهو الاستسلام له بالعبودية والانقياد له بالطاعة وكان أهل الكتاب من اليهود والنصارى مجتمعين علي صحة نبوة محمد قبل البعث . فتفرقوا شيعًا وأحزابًا بغيًا وحسدًا بينهم وطلبًا للدنيا بعد ما قامت عليهم الحجة بإرسال الرسل وإنزال الكتب ومن يجحد بآيات الله المنزلة و الدالة على ربوبيته وألوهيته فإن الله سريع الحساب . فان جادلوك يا محمد فقل لهم : إنني أخلصت عبادتي لله وحده لا شريك له كما أخلص من اتبعني من المؤمنين لله وانقادوا له . وقل لأهل الكتاب إن أسلمتم فأنتم على الطريق المستقيم وإن توليتم فحسابكم على الله وما عليَّ الرسول إلا البلاغ والله بصير بالعباد
﴿ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [البقرة : 132] ﴾

إن الله اختار لكم دين الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فتمسكوا به في حياتكم ولا يأتكم الموت إلا وأنتم عليه لآنه من عاش علي شيء مات عليه ومن مات علي شيء بعث عليه .

﴿ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً [المائدة : 3] ﴾

انقطع أمل الذين كفروا في أن يردوكم عن دينكم بعد أن نصركم الله عليهم فلا تخافوهم وخافوني اليوم أكملت لكم دينكم بتحقيق النصر وإتمام الشريعة وأتممت عليكم نعمتي بإخراجكم من ظلمات الجاهلية إلى نور الإيمان ورضيت لكم الإسلام دينًا فلازموه ولا تفارقوه .

﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ [الصف : 6] ﴾

قال عيسى ابن مريم لقومه إني رسول الله إليكم مصدِّقًا لما جاء قبلي من التوراة وشاهدًا بصدق رسول يأتي من بعدي اسمه "أحمد"وداعيًا إلى التصديق به فلما جاءهم الرسول بالآيات الواضحات قالوا هـذا سحر بيِّن .

¤ قال محمد بن جبير : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول[ إن لي أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب ] رواه البخاري ومسلم

﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ[آل عمران:81] فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [آل عمران:82] ﴾

قال ابن عباس:ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه العهد لئن بعث محمد وهو حي ليتبعنه وأخذ عليه أن يأخذ على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليتبعنه وينصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلك عهدي ؟ قالوا : أقررنا بذلك قال فليشهدْ بعضكم على بعض واشهدوا على أممكم بذلك وأنا معكم من الشاهدين عليكم وعليهم. فمن تولى بعد ذلك العهد والميثاق فأولئك هم الفاسقون .

﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ [الأنعام:20] ﴾

أهل التوراة والإنجيل يعرفون محمدًا صلى الله عليه وسلم بصفاته المكتوبة عندهم كمعرفتهم أبناءهم لدقة وصفه
في كتبهم ولكنهم اتبعوا أهواءهم فخسروا أنفسهم حين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به وبشرت بذلك الكتب المقدسة
هل يقبل دين غير الإسلام ؟

قال تعالي﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران : 85]﴾

إن الدين عند الله الإسلام ولا يجزى إلا به ومن يريد دينًا غير دين الإسلام فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين الذين خسروا كل شيء .

﴿ أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ[آل عمران:83] ﴾

أيريد أهل الكتاب دينا غير دين الإسلام ؟ ولهذا الدين أسلم من في السموات والأرض طواعية كالمؤمنين ورغمًا عنهم عند الشدائد وهم الكفار وإليه يرجعون يوم المعاد فيجازي كلا بعمله .

وقال تعالي﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ [الأنعام : 14] ﴾

قل يا محمد للمشركين أأتخذ وليا غير الله ؟ وهو خالق السموات والأرض وما فيهن وهو يرزق خلقه ولا يرزقه أحد ؟ قل لهم يا محمد إني أُمِرْتُ أن أكون أول مَن خضع له بالعبودية من هذه الأمة ونهيت أن أكون من المشركين

الإسلام دين جميع الرسل

﴿ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [البقرة : 132] أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة : 133] ﴾
¬
وصي سيدنا إبراهيمُ ويعقوبُ أبناءهما قائلين إن الله اختار لكم دين الإسلام فتمسكوا به واثبتوا عليه ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون فمن عاش علي شيء مات عليه ومن مات علي شيء بعث عليه .يقول سبحانه وتعالي محتجا علي المشركين هل كنتم يا معشر اليهود والنصارى حاضرين عند يعقوب حين جاءه الموت إذ جمع أبناءه وسألهم ما تعبدون من بعد موتى ؟ قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهًا واحدًا ونحن له مسلمون .

﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [آل عمران:67] ﴾

قالت اليهود إبراهيم على ديننا وقالت النصارى إبراهيم على ديننا فنزل قوله{ ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا}وما كان من المشركين الذين يعبدون الأصنام فكذبهم الله وبرأ سيدنا إبراهيم منهم ولكن كان متبعا لأمر الله خاشعا له بقلبه ومتذللا له بجوارحه .

﴿ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ [يوسف:37] وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ [يوسف:38] ﴾

تبرأ سيدنا يوسف من دين قوم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الأخر واتبعت دين آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب فعبدت الله وحده ومن سلك طريق الهدى واتبع المرسلين وأعرض عن الضالين فإن الله يهدي قلبه ويعلمه ما لم يكن يعلم ويجعله إماما يقتدي به في الخير وداعيا إلى سبيل الرشاد.وما ينبغي لنا أن نجعل لله شريكًا في عبادته ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون الله على نعمة الإيمان .

﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [يوسف:101] ﴾

دعا يوسف ربه قائلا ربِّ قد أعطيتني من ملك "مصر" وعلَّمتني من تفسير الرؤى وغير ذلك يا خالق السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلمًا وألحقني بالصالحين من الأنبياء الأبرار والأصفياء الأخيار.

﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ [الشورى:13] ﴾

شرع الله لكم أيها الناس من الدين ما جاءت به الرسل وهو عبادة الله وحده لا شريك له كما قال عز وجل{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25]والوصية التي وصي بها سبحانه وتعالي جميع أنبيائه هي الثبات علي الدين وعدم الاختلاف .

﴿ وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ [الأعراف:143] ﴾

طمع في موسي في رؤية ربه فطلب النظر إليه قال الله له :لن تراني أي لن تقدر على رؤيتي في الدنيا ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه إذا تجلَّيتُ له فسوف تراني فلما تجلَّى ربه للجبل جعله دكًّا مستويًا بالأرض وسقط موسى مغشيًّا عليه فلما أفاق قال : سبحانك إني تبت إليك وأنا أول المؤمنين بك من قومي.

﴿ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:52] ﴾

فلما وجد عيسى منهم الكفر نادي في أصحابه مَن يكون معي في نصرة دين الله ؟ قال أصفياء عيسى نحن أنصار
دين الله صدَّقنا بالله واتبعناك واشهد يا عيسى بأنا مستسلمون لله بالتوحيد والطاعة .

﴿ فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ[الذاريات:35] فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ[الذاريات:36]﴾
فأخرجنا مَن كان في قرية قوم لوط من أهل الإيمان . فما وجدنا في تلك القرية غير بيت من المسلمين وهو بيت لوط عليه السلام وهذا أكبر دليل علي أن أهل الإيمان في حفظ من الدمار والهلاك .

﴿ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [النمل : 44] ﴾

قيل لبلقيس ملكة سبأ:ادخلي القصر وكان صحنه مِن زجاج وتحته ماء فلما رأته ظنته ماء يتحرك وكشفت عن ساقيها لتخوض الماء فقال لها سليمان إنه صرح ممرد من زجاج صاف والماء تحته فأدركت أنه نبي كريم وعرفت عظمة ملك سليمان وقالت:رب إني ظلمت نفسي بما كنت عليه من الشرك وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين .

الإسلام دين الهداية

﴿ فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ [الأنعام:125] ﴾

فمن يشأ الله أن يوفقه لقَبول الحق يشرح صدره للإسلام ومن يشأ أن يضله يجعل صدره ضيقا لا يقبل الهدي كذلك يجعل العذاب على الذين لا يؤمنون

﴿ فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:20] ﴾

إن جادلوك يا محمد في الله فقل لهم : إنني أخلصت عبادتي لله وحده لا شريك له كما أخلص من اتبعني من المؤمنين لله وانقادوا له . وقل لأهل الكتاب إن أسلمتم فأنتم على الطريق المستقيم وإن توليتم فحسابكم على الله وما عليَّ الرسول إلا البلاغ والله بصير بالعباد لا يخفى عليه من أمرهم شيء .

﴿ وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [البقرة:135] قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة:136] فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة:137] ﴾

قالت اليهود لأمَّة محمد صلى الله عليه وسلم ادخلوا في دين اليهودية تجدوا الهداية وقالت النصارى ادخلوا في دين النصرانية تجدوا الهداية قل لهم - أيها الرسول- بل الهداية أن نتبع جميعًا ملة إبراهيم الذي ابتعد عن كل دين باطل إلى دين الحق وما كان من المشركين بالله تعالى . قولوا - أيها المؤمنون - لليهود والنَّصارى صدَّقنا بالله الواحد المعبود بحق وبما أنزل إلينا من القرآن الكريم وما أنزل إلى إبراهيم و إسماعيل وإسحاق و يعقوب والأسباط وما أُعطي موسى من التوراة وعيسى من الإنجيل وما أُعطي الأنبياء جميعًا من وحي ربهم لا نفرق بين أحد منهم في الإيمان ونحن خاضعون لله بالطاعة والعبادة فإنْ آمن الكفار المكذبين بمثل الذي آمنتم به مما جاء به الرسول فقد اهتدوا إلى الحق وإن أعرضوا فإنما هم في خلاف شديد فسيكفيك الله أيها الرسول شرَّهم وينصرك عليهم وهو السميع لأقوالكم العليم بأحوالكم .

﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ[الأعراف:158] ﴾

قل يا محمد للناس كلهم : إني رسول الله إليكم جميعًا لا إلى بعضكم دون بعض الذي له ملك السموات والأرض وما فيهما لا إله إلا هو الذي يحيي ويميت فصدَّقوا بالله وصدَّقوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم النبي الأميِّ الذي يؤمن بالله وما أنزل إليه من ربه وما أنزل على النبيين من قبله واتبعوا هذا الرسول والتزموا العمل بما أمركم به من طاعة الله لعلكم تهتدوا إلى الطريق المستقيم.

﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [النور : 54] ﴾

قل يا محمد للناس: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن أعرضوا فإنما عليه إبلاغ الرسالة وأداء الأمانة وعلى الجميع الطاعة و الامتثال وإن تطيعوه تهتدوا إلى الحق وليس على الرسول إلا أن يبلغ الرسالة بلاغا واضحا لا لبس فيه .

تمني الكفار لو كانوا مسلمين

﴿ رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ [الحجر:2] ﴾

سيتمنى الكفار حين يرون خروج عصاة المؤمنين من النار أن لو كانوا مسلمين ليخرجوا كما خرجوا.

﴿ فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء:102] ﴾

يتمنوا أن يردوا إلى الدنيا ليعملوا بطاعة ربهم ويكونوا من المؤمنين .والله يعلم أنه لو ردهم إلى الدنيا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون كما قال تعالي{وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الأنعام:28]

﴿ حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ [المؤمنون:99] لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:100] ﴾

يخبر تعالى عن حال المحتضر من الكافرين و المفرطين إذا أشرف على الموت وشاهد ما أُعِدَّ له من العذاب قال رب ردُّني إلى الدنيا لعلي أستدرك ما ضيَّعْتُ من الإيمان والطاعة فلا يجاب إلى ما طلب فإنما هي كلمة هو قائلها

﴿ وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنعام:27] بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الأنعام:28] ﴾
ولو ترى أيها الرسول هؤلاء المشركين يوم القيامة حين يُعرضون على النار ويشاهدون ما فيها من السلاسل والأغلال ورأوا بأعينهم الأهوال فيقولوا : ياليتنا نُعود إلى الحياة الدنيا فنصدق بآيات الله ونعمل بها ونكون من المؤمنين . والحقيقة إنهم ما طلبوا العودة إلى الدنيا رغبة في الإيمان بل خوفا من العذاب الذي عاينوه جزاء على ما كانوا عليه من الكفر فسألوا الرجعة إلى الدنيا ليتخلصوا مما شاهدوا ولو أعيدوا إلى الدنيا لرجعوا إلى العناد والكفر والتكذيب. وإنهم لكاذبون:

﴿ وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ [إبراهيم:44] ﴾

أنذر أيها الرسول الناس عذاب يوم القيامة عندما يري الذين ظلموا أنفسهم العذاب فيقولوا :ربنا أَمْهِلْنا إلى وقت قريب نؤمن بك ونصدق رسلك فيقال لهم:ألم تحلفون من قبل أنه لا زوال لكم عما أنتم فيه وأنه لا بعث ولا جزاء

﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ [الأعراف:53] ﴾

هل ينتظر الكفار إلا ما وُعِدوا به في القرآن من العذاب والعقاب والنكال الذي يؤول إليه أمرهم ؟ ويوم القيامة يقول الذين تركوا القرآن وكفروا به في الحياة الدنيا : قد تبيَّن لنا أنَّ رسل ربنا قد جاؤوا بالحق ونصحوا لنا فهل لنا من أصدقاء وشفعاء فيشفعوا لنا عند ربنا أو نعاد إلى الدنيا مرة أخرى فنعمل فيها بما يرضي الله عنا ؟ قد خسروا أنفسهم بدخولهم النار وخلودهم فيها وذهب عنهم ما كانوا يعبدونه من دون الله فلا يشفعون فيهم ولا ينصرونهم ولا ينقذونهم مما هم فيه

﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ [السجدة:12] ﴾

يخبر تعالي عن حال المجرمون الذين أنكروا البعث قد خفضوا رؤوسهم عند ربهم من الخزي والعار قائلين :ربنا أبصرنا وسمعنا حقيقة ما كانت رسلك تأمرنا به في الدنيا وقد تُبْنا إليك فارجعنا إلى الدنيا لنعمل فيها بطاعتك إنا أيقنا وتحققنا أن وعدك حق ولقاءك حق

﴿ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ [الشورى:44] ﴾

وترى الكافرين بالله يا محمد يوم القيامة لما عاينوا عذاب الله يقولون لربهم هل لنا يا رب إلى مرد من سبيل

﴿ قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ [غافر:11] ﴾

كانوا أمواتا في أصلاب أبائهم فأحياهم الله في الدنيا ثم أماتهم بانقضاء آجالهم ثم أحياهم للبعث يوم القيامة فاعترفنا بما عملنا من الذنوب في الدنيا فهل إلى خروج من النار من سبيل لنرجع إلى الدنيا فنعمل غير الذي كنا نعمل فيه
﴿ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ [فاطر:37] ﴾

الكفار يَصْرُخون من شدة العذاب في نار جهنم مستغيثين ربنا أخرجنا من نار جهنم وردَّنا إلى الدنيا نعمل صالحًا غير الذي كنا نعمله في حياتنا الدنيا فنؤمن بدل الكفر فيقول لهم أولم نُمْهلكم في الحياة قَدْرًا وافيًا من العُمُر يتعظ فيه من اتعظ وجاءكم النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لم تتذكروا ولم تتعظوا ؟ فذوقوا عذاب جهنم فليس للكافرين من ناصر ينصرهم من عذاب الله .
لا يستوي المسلم وغير المسلم

﴿ مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ [هود:24] ﴾

ضرب تعالى مثل الكافرين والمؤمنين فقال مثل الفريقين فالكافر أعمى عن الحق في الدنيا والآخرة لا يهتدي إلى الخير ولا يعرفه وأما المؤمن ففطن ذكي لبيب بصير بالحق يميز بينه وبين الباطل فيتبع الخير ويترك الشر فهل يستوي هذا وهذا ؟ أفلا تعتبرون فتفرقون بين هؤلاء وهؤلاء .

﴿ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ [الحشر:20] ﴾

لا يستوي أصحاب النار المعذَّبون وأصحاب الجنة المنعَّمون أصحاب الجنة هم الفائزون بالجنة .

﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ[فاطر:19]وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ[فاطر:20]وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ[فاطر:21]وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ [فاطر : 22] ﴾

كما أن هذه الأشياء لا تستوي فكذلك المؤمن والكافر لا يستويان أبدا فالمؤمن بصير سميع يمشي في النور على صراط مستقيم في الدنيا والآخرة حتى يستقر به الحال في الجنات ذات الظلال والعيون والكافر أعمى وأصم يمشي في الظلمات لا خروج له منها بل يته في الدنيا والآخرة حتى يفضي به ذلك إلى جهنم خالدا فيها.إن الله يسمع مَن يشاء سماع فَهْم وقَبول وما أنت أيها الرسول بمسمع الموتى فكذلك لا تُسمع هؤلاء الكفار لموت قلوبهم

﴿ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ [الرعد:16] ﴾

لا يستوي الأعمى والبصير وكذلك لا يستوي الكافر والمؤمن ولا تستوي الظلمات والنور وكذلك لا يستوي الكفر والإيمان .
﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ [الزمر:9] ﴾

هل يستوي من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يرجو رحمة ربه ومن جعل لله أندادا ليضل عن سبيله إنما يتذكر أصحاب العقول السليمة .
﴿ لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ [آل عمران:113] يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ [آل عمران:114] وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ [آل عمران:115] ﴾

لا يستوي من آمن من أهل الكتاب مع من كفر بآيات الله فمنهم جماعة مستقيمة على أمر الله مؤمنة بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم يقومون الليل يتلون آيات القرآن الكريم ويدعوا ربهم وهم ساجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالخير وينهون عن الشر ويبادرون إلى فعل الخيرات وأولئك مِن عباد الله الصالحين وما يفعلوا من خير فلن يضيع عند الله وسيجازيهم به أوفر الجزاء والله عليم بالمتقين ؟

﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [الزمر:29] ﴾

ضرب الله مثلا عبدًا مملوكًا لشركاء متنازعين فهو حيران في إرضائهم وعبدًا خالصًا لمالك واحد يعرف مراده وما يرضيه هل يستويان مثلا ؟ لا يستويان !! كذلك المشرك هو في حَيْرة وشك والمؤمن في راحة واطمئنان .

﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ[غافر:58]﴾

لا يستوي الأعمى والبصير كذلك لا يستوي المؤمنون الأبرار والكفرة الفجار قليلا ما يتذكر الناس

﴿ أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [الزمر : 22] ﴾

هل يستوي من شرح الله صدره للإسلام فهو على بصيرة من أمره ومن قلبه قاسي ؟ لا يستويان فويل للقاسية قلوبهم فلا تلين ولا تخشع ولا ترق لذكر الله أولئك في ضلال عظيم .

﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ [القلم:35]﴾

أنساوي بين هؤلاء وهؤلاء في الجزاء؟كلا ورب الأرض والسماء

﴿ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ[ص:28]﴾

أنجعل الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا بما أمر الله به وانتهوا عما نهاهم عنه كالذين يشركون بالله ويعصونه ويخالفون أمره ونهيه أم نجعل الذين اتقوا الله بطاعته وراقبوه فحذروا معاصيه كالكفار المنتهكين حرمات الله لا يساوي الله بين المؤمنين والكافرين

﴿ أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ [القصص : 61]﴾
أنساوي بين المؤمن الذي وعده الله على طاعته بالجنة فهو ملاقٍ ما وُعِدَ وصائر إليه و الكافر الذي متع نفسه في الحياة الدنيا أياما قلائل وهو يوم القيامة من المعذبين ؟ لا يستوي الفريقان فليختر العاقل لنفسه .

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [فصلت:40] ﴾

إن الذين يكفرون بالقرآن ويحرفونه لا يَخْفَون علينا أفمن يُلقى في النار خير أم الذي يأتي يوم القيامة آمنًا من عذاب الله ؟ اعملوا أيها الملحدون ما شئتم فإن الله بصير بأعمالكم لا يخفى عليه شيء منها وسيجازيكم عليها .

﴿ أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ [الجاثية:21] ﴾

أظنَّ الذين اكتسبوا السيئات وكذَّبوا رسل الله وخالفوا أمر ربهم وعبدوا غيره أن نجعلهم كالذين آمنوا بالله وصدقوا رسله وعملوا الصالحات وأخلصوا له العبادة ونساويَهم بهم في الدنيا والآخرة ؟ ساء ما ظنوا بنا وبعدلنا أن نساوي بين الأبرار والفجار في الدار الآخرة .

﴿ أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ [محمد:14] ﴾

أفمن كان على بصيرة ويقين من أمر الله ودينه وبما أنزل في كتابه من الهدى والعلم كمن زين له الشيطان سوء عمله واتبع ما دعته إليه نفسه من معصية الله وعبادة غيره مِن غير حجة ولا برهان ؟ لا يستوون.

﴿ أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [الملك : 22] ﴾

هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر فالكافر مثله فيما هو فيه كمثل من يمشي مكبا على وجهه أي يمشي منحنيا لا مستويا على وجهه أي لا يدري أين يسلك ولا كيف يذهب بل تائه حائر ضال .أما المؤمن فيمشي مستويًا منتصب القمة سالمًا على طريق واضح لا اعوجاج فيه ؟ و في الآخرة فالمؤمن يمشي سويا على صراط مستقيم مفض به إلى الجنة وأما الكافر فإنه يمشي على وجهه إلى نار جهنم .

« الواجب على المكلف للدخول في الإسلام »

أولا شهادة أن لا إله إلا الله

وهو أن يعلم أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله كما قال تعالي ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد : 19] ﴾

فاعلم أيها النبي أنت ومن تبعك من المؤمنين أنه لا معبود بحق إلا الله وحده لا شريك له.

﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي [طه : 14] ﴾

هذا أول واجب على المكلفين أن يعلموا أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له فاعبدني و صلي لتذكرني .

¤يقول الرسول صلي الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل لما بعثه لليمن إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادتي أن لا اله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد إلى فقرائهم فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب]رواه مسلم

¤يقول الرسول صلي الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ]

مقتضيات لا إله إلا الله

تقتضي لا إله إلا الله إفراد الله وحده بجميع أنواع العبادة من صلاة وصوم وزكاة وحج وجهاد وإفراده وحده بأفعال العباد التي يفعلوها علي وجه التقرب ومنها الدعاء والنذر والنحر والرجاء والخوف والتوكل والرغبة والرهبة والاستعانة والاستعاذة ومن أجلها خلق الخلق وأرسل الرسل وأنزل الكتب و هي أول واجب للدخول في الإسلام وآخر ما يخرج بها من الدنيا وفيها يفترق الناس إلي مؤمن وكافر وسعيد في الجنة وشقي في النار وهي دعوة جميع الرسل من أولهم إلي أخرهم كما قال تعالي

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء : 25] ﴾

يقول تعالى وما أرسلنا يا محمد من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا الله فاعبدوه وأخلصوا له العبادة .

﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [النحل : 36] ﴾

يوضح سبحانه وتعالي أنه أرسل في كل أمة برسول يدعوا إلي عبادة الله وحده ولا يشركوا به شيئا فلا يحق لأحد من المشركين أن يقول لو شاء الله ما عبدنا غيره فمنهم من هدى الله فآمن ومنهم من وجبت عليه الضلالة فلم يؤمن فسيروا في الأرض وانظروا بأعينكم كيف كانت نهاية المكذبين وماذا حلَّ بهم مِن دمار وهلاك لتعتبروا بهم ؟

﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الأعراف:59] ﴾

كان بين آدم ونوح عليهما السلام عشرة قرون كلهم على الإسلام وكان أول ما عبدت الأصنام أن قوما صالحين ماتوا فبني قومهم عليهم مساجد وصوروا صورة أولئك فيها ليتذكروا حالهم وعبادتهم فيتشبهوا بهم فلما طال الزمان جعلوا أجسادا على تلك الصور فلما طال الزمان عبدوا تلك الأصنام وسموها بأسماء أولئك الصالحين ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا فلما تفاقم الأمر بعث الله رسوله نوحا فأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له ومخوفا
لهم من عذاب يوم القيامة

﴿ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ [الأعراف:65]﴾

أرسل الله إلى قبيلة عاد أخاهم هودا وكانت مساكنهم في الأحقاف باليمن وكانوا من أشد الأمم تكذيبا للحق حين عبدوا الأوثان من دون الله فقال لهم اعبدوا الله وحده لا شريك له ليس لكم من إله غيره أفلا تخافون عذاب الله وسخطه عليكم ؟

﴿ وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [الأعراف : 73] ﴾

أرسل الله إلى قبيلة ثمود أخاهم صالحًا لـمَّا عبدوا الأوثان من دون الله تعالى وكانت ثمود بعد عاد ومساكنهم بين الحجاز والشام إلى وادي القرى وما حوله بالقرب من تبوك فقال صالح لهم يا قوم اعبدوا الله وحده لا شريك له ليس لكم من إله غيره . فطلبوا من نبي الله صالح أن يأتيهم بآية واقترحوا عليه بأن تخرج لهم ناقة من صخرة صماء عينوها بأنفسهم فأخذ عليهم صالح العهود والمواثيق لئن أجابهم الله إلى سؤالهم أن يؤمنوا به ويتبعوه فلما أعطوه على ذلك عهودهم ومواثيقهم قام صالح عليه السلام إلى صلاته ودعا الله عز وجل فتحركت تلك الصخرة ثم انصدعت عن ناقة جوفاء و يتحرك جنينها بين جنبيها وقد جئتكم بالدليل على صدق ما أدعوكم إليه فاتركوها تأكل في أرض الله من المراعي ولا تتعرضوا لها بأي أذى فيصيبكم عذاب أليم .

﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [الأعراف:85] ﴾

أرسل الله إلى قبيلة "مدين" أخاهم شعيبًا عليه السلام وهم قبيلة بالقرب من معان من أطراف الشام وكان أهل مدين كفارا يقطعون الطريق ويخيفون المارة ويعبدون شجرة الأيكة وكانوا من أسوأ الناس معاملة يبخسون المكيال والميزان ويطففون فيها ويأخذون بالزائد و يدفعون بالناقص فقال لهم شعيبا يا قوم اعبدوا الله وحده لا شريك له ليس لكم من إله غيره وأتموا الكيل والميزان ولا تنقصوا الناس حقهم ولا تفسدوا في الأرض بالكفر والظلم وقطع الطرق وأكل أموال الناس بالباطل بعد إصلاحها بشرائع الأنبياء السابقين عليهم السلام ذلك الذي دعوتكم إليه خير لكم في الدنيا والآخرة إن كنتم مصدقين .

أعظم شهادة من أعظم شاهد

﴿ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ [الأنعام:19]﴾
قل يا محمد للمشركين أي شيء أكبر وأعظم شهادة ثم أخبرهم بأن أعظم شاهد هو ( الله ) لأن شهادته لا يقع فيها كذب ولا سهو ولا خطأ وقد رضينا به حكما بيننا وبينكم .وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن يكفر به فالنار موعده يوم القيامة .ثم قل يا محمد للمشركين أتشهدون أن مع الله آلهة أخري من الأوثان والأصنام فإن شهدوا فلا تشهد معهم و قل إنما هو إله واحد لا شريك له وقل إنني بريء مما تشركون .

﴿ شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران : 18] ﴾
شهد سبحانه وتعالى وهو أصدق الشاهدين وأصدق القائلين { أنه لا إله إلا هو } وقَرَنَ شهادته بشهادة الملائكة وأولي العلم من الأنبياء والعلماء . قائما بالعدل العزيز في ملكه الحكيم في صنعه .

﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ[محمد : 19]﴾

فاعلم يا محمد أنت ومن تبعك من المؤمنين أنه لا معبود بحق إلا الله وحده لا شريك له واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم تصرفكم نهارًا ومستقركم ليلا لا يخفى عليه شيء وكان النبي يقول في آخر الصلاة [ اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت إلهي لا إله إلا أنت]

﴿وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ[القصص: 88]﴾

لا تعبد مع الله إله آخر فلا معبود بحق إلا الله كل شيء هالك إلا وجهه تموت الخلائق ويفني كل شيء ولا يموت سبحانه وتعالي كما قال تعالى{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ [الرحمن:26] وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن:27]
ويوم القيامة إليه ترجعون
أركان الشهادة

1- الركن الأول : النفي " لا إله " يبطل الشرك بجميع أنواعه ويوجب الكفر بكل ما يعبد من دون الله .

2- الركن الثاني : الإثبات " إلا الله " يثبت أنه لا يستحق العبادة إلا الله ويوجب العمل بذلك .

كما قال تعالي﴿ فمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة : 256] ﴾

[قوله فمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ هو معني الركن الأول " لا إله "وقوله وَيُؤْمِن بِاللّهِ هو معني الركن الثاني " إلا الله "]

شروط " لا إله إلا الله "

1- العلم :وهو العلم بمعناها المراد منها من نفي وإثبات كما في قوله تعالي﴿ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [الزخرف:86]﴾
أي شهد أن لا إله إلا الله و يعلمون بقلوبهم حقيقة ما أقروا وشهدوا به .فلو نطق بها وهو لا يعلم معناها فلن تنفعه

2- اليقين : أن يكون قائلها متيقنا بها كما في قوله تعالى

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحجرات:15] ﴾

وقال تعالي ﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [البقرة:3] والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [البقرة:4] أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة:5] ﴾

3- القبول : القبول لما تقتضيه هذه الكلمة من عبادة لله وحده فمن قالها ولم يقبل عبادة الله كان من الذين قال الله فيهم

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ [البقرة : 8] يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ [البقرة : 9] ﴾

وقال تعالي ﴿ وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ [البقرة : 14] اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [البقرة : 15] أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ [البقرة : 16] ﴾

4- الانقياد :الخضوع لما دلت عليه لا إله إلا الله كقوله تعالي

﴿ وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [لقمان : 22]يسلم وجه لله أي ينقاد ويخضع

وقال تعالي ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُواْ إِلَى رَبِّهِمْ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [هود : 23] ﴾

5- الصدق : أن يكون قلبه مصدقا بهذه الشهادة كقوله تعالي

﴿ وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [الزمر : 33] ﴾

الذي جاء بالصدق هو النبي محمد وصدق به المؤمنون قولا وعملا أولئك هم المتقون

6- الإخلاص : أن يخلص العمل لله فلا يقصد به رياء ولا سمعة ولا عرض من الحياة الدنيا كقوله تعالي

﴿ إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ [الزمر : 2] ﴾
إنا أنزلنا إليك يا محمد القرآن بالحق فاعبد الله وحده وأخلص له جميع دينك و عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال [ أخلص دينك يكفك القليل من العمل ]

﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ[البينة:5]﴾

وما أمروا في سائر الشرائع إلا ليعبدوا الله وحده مخلصين له الدين بعيدا عن الشرك وذلك هو دين الإسلام .

7- المحبة : محبة هذه الكلمة ومحبة أهلها العاملين بها كقوله تعالي ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ [البقرة:165] ﴾

¤[ قال صلى الله عليه وسلم من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ]حديث صحيح

¤[يقول الرسول صلي الله عليه وسلم أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصة من قبل نفسه]
ثانيا شهادة أن محمد رسول الله

هو الاعتراف باطنا وظاهرا أنه عبد الله ورسوله إلي الناس جميعا وطاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهي عنه

أركانها : لها ركنان هما عبده ورسوله وهما ينفيان الإفراط و التفريط في حقه مع عدم المغالاة فيه

1- عبده : أي أنه بشر مخلوق مما خلق منه البشر كما قال تعالي

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [الكهف : 110] ﴾

قل يا محمد للمشركين : إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليَّ من ربي أنما إلهكم إله واحد فمَن كان يرجو ثوابه يوم لقائه فليعمل عملا صالحًا ولا يشرك مع الله أحدًا غيره .

﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ[فصلت:6]﴾

قل يا محمد للمشركين إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد وليس كما تعبدون من الأصنام والأنداد والأرباب المتفرقين فأخلصوا له العبادة واستغفروه لذنوبكم والويل كل الويل للمشركين بالله .

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا [الكهف : 1] ﴾

الحمد لله الذي أنزل على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم القرآن ولم يجعل فيه اختلافا أو تناقضا

2- رسوله : أي أنه المبعوث إلي الناس جميعا بالدعوة إلي الله بشيرا ونذيرا لقوله تعالي

﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً [الأعراف : 158]﴾
قل يا محمد للناس إني رسول الله إليكم جميعا وهذا من شرفه صلى الله عليه وسلم أنه خاتم النبيين وأنه مبعوث إلى الناس كافة

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً [النساء:170]﴾

أيها الناس قد جاءكم محمد صلوات الله وسلامه عليه بالهدى ودين الحق من الله عز وجل فآمنوا بما جاءكم به واتبعوه يكن خيرا لكم وإن تكفروا فإنه غني عنكم وعن إيمانكم كما قال تعالي{وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ [إبراهيم:8] وكان الله عليمًا بأقوالكم وأفعالكم حكيمًا في تشريعه وأمره.

¤ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار] رواه مسلم

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً [النساء:174 ]﴾

يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وهو سيدنا محمد وأنزلنا إليكم القرآن هدًى ونورًا مبينًا

﴿ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [التغابن:8 ]﴾

فآمنوا بالله ورسوله وبالقرآن الذي أنزلناه والله بما تفعلون خبير لا يخفى عليه شيء من أعمالكم وأقوالكم وهو مجازيكم عليها يوم القيامة .
شروط شهادة أن محمد رسول الله

1- الاعتراف برسالته وتصديقه فيما أخبر

2- النطق بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله

3-طاعته وإتباعه فيما أمر وترك ما نهي عنه من الباطل.فطاعة الرسول طاعة لله وإتباع الرسول دليل علي محبة الله

طاعة الرسول طاعة لله

قال تعالي ﴿ مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً [النساء:80] ﴾

من أطاع الرسول فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصى الله لأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ومن أعرض عن طاعة الله ورسوله فما ما عليك منه إن عليك إلا البلاغ فمن اتبعك سعد ونجا وكان لك من الأجر نظير ما حصل له ومن تولى عنك خاب وخسر وليس عليك من أمره شيء كما جاء في الحديث[من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه ]

إتباع النبي دليل علي محبة الله

﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [آل عمران:31] ﴾

قل لهم يا محمد إن كنتم تحبون الله حقا فاتبعوني وآمنوا بي ظاهرًا وباطنًا وإن اتبعتموني يكون لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه وهو محبته إياكم ويغفر لكم ذنوبكم .

¤وفي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال [ من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ]

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء:59] ﴾

يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله أطيعوا الله وأطيعوا الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من الحق وأطيعوا ولاة أمركم في غير معصية الله فإن اختلفتم في شيء بينكم فأرجعوا الحكم فيه إلى كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم إن كنتم تؤمنون حق الإيمان بالله وبيوم الحساب. ذلك خير لكم وأحسن عاقبة .

¤بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية واستعمل عليهم رجلا من الأنصار فلما خرجوا قال لهم أليس قد أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني ؟ قالوا:بلى قال:اجمعوا لي حطبا ثم دعا بنار فأضرمها فيه ثم قال عزمت عليكم لتدخلنها قال:فهم القوم أن يدخلوها قال:فقال لهم شاب منهم:إنما فررتم إلى رسول الله من النار فلا تعجلوا حتى تلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوها قال:فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه فقال لهم [ لو دخلتموها ما خرجتم منها أبدا إنما الطاعة في المعروف ]

﴿ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ [المائدة:92]﴾

أيها المسلمون أطيعوا الله وأطيعوا رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وخافوا الله وراقبوه في ذلك فإن أعرضتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين.

﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [النور : 54] ﴾

قل يا محمد للناس: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن أعرضوا فإنما عليه إبلاغ الرسالة وأداء الأمانة وعلى الجميع الطاعة و الامتثال وإن تطيعوه تهتدوا إلى الحق وليس على الرسول إلا أن يبلغ الرسالة بلاغا واضحا لا لبس فيه .

﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النور : 56] ﴾

يأمر سبحانه عباده المؤمنين بإقامة الصلاة عبادة لله وحده لا شريك له وإيتاء الزكاة إلى الضعفاء والفقراء وأن يكونوا مطيعين للرسول فيما أمرهم به وترك ما نهاهم عنه ومن يفعل هذا سيرحمه الله كقوله تعالى﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71]﴾

4- تصديقه فيما أخبر به من الغيب وما هو آتي في المستقبل

5-العمل بالقرآن الكريم في العقائد و العبادات والأحكام والمعاملات ثم بسنته الشريفة .

6- محبة الرسول صلي الله عليه وسلم كما قال تعالي

﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب : 6]﴾

النبي محمد صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمنين وأقرب لهم من أنفسهم في أمور الدين والدنيا .

¤عن أنس رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال[ لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ] أخرجه البخاري ومسلم

¤قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شئ إلا من نفسي فقال:والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك فقال له عمر:فإنك الآن أحب إلي من نفسي فقال:الآن يا عمر ]رواه البخاري
¤عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف بالنار ]رواه البخاري ومسلم

ومحبة الله تعالى تستلزم طاعته فإنه يحب من عبده أن يطيعه والمحب لمن يحب مطيع ومن لوازم محبة الله أيضا محبة أهل طاعته كمحبة أنبيائه ورسله والصالحين من عباده فمحبة ما يحبه الله ومن يحبه الله من كمال الإيمان كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما[ من أحب في الله وأبغض في الله ووالى في الله وعادى في الله فإنما تنال ولاية الله بذلك ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك] رواه ابن جرير

منزلة الرسول عند الله

هو الذي شرح الله صدره ورفع له ذكره وهو صاحب المقام المحمود حين يشفع لأمته يوم القيامة كما قال تعالي

﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً [الإسراء:79] ﴾

وصلي الله وملائكته عليه وأمر عباده بالصلاة والتسليم عليه فقال

﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب : 56] ﴾

ومدح الله خلقه فقال ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم : 4] ﴾
وأمر المؤمنين بالأدب مع رسول الله

فقال تعالي ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً [الأحزاب:53]﴾

يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله لا تدخلوا بيوت النبي إلا بإذنه لتناول طعام غير منتظرين نضجه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا أكلتم فانصرفوا غير مستأنسين لحديث بينكم فإن انتظاركم واستئناسكم يؤذي النبي فيستحيي من إخراجكم من البيوت مع أن ذلك حق له والله لا يستحيي من بيان الحق وإظهاره وإذا سألتم نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة من أواني البيت ونحوها فاسألوهن من وراء ستر ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن من الخواطر التي تعرض للرجال في أمر النساء وللنساء في أمر الرجال فالرؤية سبب الفتنة وما ينبغي لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تتزوجوا أزواجه من بعد موته أبدًا لأنهن أمهاتكم ولا يحلُّ للرجل أن يتزوج أمَّه

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [النور:62] لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]﴾

المؤمنون حقًا هم الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه وإذا كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم على أمر جمعهم له في مصلحة المسلمين لم ينصرف أحد منهم حتى يستأذنه إن الذين يستأذنونك أيها النبي هم الذين يؤمنون بالله ورسوله حقًا فإذا استأذنوك لبعض حاجتهم فَأْذَن لمن شئت ممن طلب الإذن في الانصراف لعذر واطلب لهم المغفرة من الله إن الله غفور لذنوب عباده التائبين رحيم بهم .و لا تقولوا أيها المؤمنون عند ندائكم رسول الله:يا محمد ولا يا محمد بن عبد الله كما يقول بعضكم لبعض ولكن شرِّفوه وقولوا:يا نبي الله يا رسول الله قد يعلم الله المنافقين الذين يخرجون من مجلس النبي صلى الله عليه وسلم خفية بغير إذنه يلوذ بعضهم ببعض فليَحْذَر الذين يخالفون أمر رسول الله أن تنزل بهم محنة وشر أو يصيبهم عذاب أليم في الآخرة.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الحجرات:1] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ [الحجرات:2] إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ [الحجرات:3]﴾

يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله لا تقضوا أمرًا دون أمر الله ورسوله فتبتدعوا من شرائع دينكم ولا تسارعوا في
الأشياء قبل النبي بل كونوا تبعا له في جميع الأمور وخافوا الله في قولكم وفعلكم إن الله سميع لأقوالكم عليم بنياتكم وأفعالكم يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي عند مخاطبتكم له ولا تجهروا بمناداته كما يجهر بعضكم لبعض حتي لا تبطل أعمالكم وأنتم لا تشعرون . إن الذين يَخْفِضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين اختبر الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة لذنوبهم وثواب عظيم وهو الجنة .

الرسول قدوة للمؤمنين

﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21]﴾

لقد كان لكم أيها المؤمنون في رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة تقتدون بها فالتزموا سنته فإنما يسلكها ويتأسى بها مَن كان يرجو الله واليوم الآخر.
معرفة أهل الكتاب للنبي

﴿ وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ [البقرة:89] ﴾

حين جاءهم القرآن من عند الله مصدقا لما معهم من التوراة جحدوه وأنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وكانوا قبل بعثته يستنصرون به على مشركى العرب ويقولون قَرُبَ مبعث نبيِّ آخرِ الزمان وسنتبعه ونقاتلكم معه فلمَّا جاءهم الرسول الذي عرفوا صفاتِه وصِدْقَه كفروا به وكذبوه فلعنةُ الله على كل مَن كفر بنبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وكتابه الذي أوحاه الله إليه .

﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ[البقرة:146]﴾

الذين أعطيناهم التوراة والإنجيل من أحبار اليهود وعلماء النصارى يعرفون أنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم رسول الله بأوصافه المذكورة في كتبهم مثل معرفتهم بأبنائهم وإن فريقًا منهم ليكتمون ما في كتبهم من صفة النبي صلى الله عليه وسلم وهم يعلمون صِدْقه وأوصافه .

﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ[الأنعام:20]﴾

الذين آتيناهم التوراة والإنجيل يعرفون محمدًا صلى الله عليه وسلم بصفاته المكتوبة عندهم كمعرفتهم أبناءهم فكما أن أبناءهم لا يشتبهون أمامهم بغيرهم فكذلك محمد صلى الله عليه وسلم لا يشتبه بغيره لدقة وصفه في كتبهم ولكنهم اتبعوا أهواءهم فخسروا أنفسهم حين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به.

فضل الله علي المؤمنين

﴿ لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ [آل عمران:164]﴾

لقد أنعم الله على المؤمنين من العرب إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آيات القرآن ويطهرهم من الشرك والأخلاق الفاسدة ويعلمهم القرآن والسنة وإن كانوا من قبل هذا الرسول لفي غيٍّ وجهل كبير.

﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ [الجمعة : 2] ﴾

الله سبحانه هو الذي أرسل في العرب الذين لا يقرؤون ولا كتاب عندهم ولا أثر رسالة لديهم رسولا منهم إلى الناس جميعًا يقرأ عليهم القرآن ويطهرهم من العقائد الفاسدة والأخلاق السيئة ويعلِّمهم القرآن والسنة حيث كانوا من قبل بعثته لفي ضلال كبير .

﴿ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة : 231] ﴾

اذكروا نعمة الله عليكم بالإسلام وتفصيل الأحكام واذكروا ما أنزل الله عليكم من القرآن والسنة واشكروا له سبحانه على هذه النعم الجليلة يُذكِّركم الله بهذا ويخوفكم من المخالفة فخافوا الله وراقبوه واعلموا أن الله عليم بكل شيء لا يخفى عليه شيء وسيجازي كلا بما يستحق.

﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [الحجرات : 17] ﴾

يَمُنُّ الأعراب عليك أيها النبي بإسلامهم ومتابعتهم ونصرتهم لك قل لهم لا تَمُنُّوا عليَّ دخولكم في الإسلام فإنَّ نفع ذلك إنما يعود عليكم ولله المنة عليكم فيه أنْ وفقكم للإيمان به وبرسوله إن كنتم صادقين في إيمانكم .

﴿ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال : 63] ﴾

جَمَع الله بين قلوبهم بعد التفرق لو أنفقت مال الدنيا على جمع قلوبهم ما استطعت إلى ذلك سبيلا ولكن الله جمع بينها على الإيمان فأصبحوا إخوانًا متحابين إنه عزيز في مُلْكه حكيم في أمره وتدبيره .

َ﴿ واذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران:103] ﴾

اذكروا أيها المؤمنون نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء قبل الإسلام فجمع الله قلوبكم على محبته ومحبة رسوله وألقى في قلوبكم محبة بعضكم بعضا فأصبحتم بفضله إخوانا متحابين وكنتم على حافة نار جهنم فهداكم الله بالإسلام ونجَّاكم من النار وكما بيَّن الله لكم معالم الإيمان الصحيح فكذلك يبيِّن لكم كل ما فيه صلاحكم لتهتدوا إلى سبيل الرشاد وتسلكوها فلا تضلوا عنها.

﴿ وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم:34] ﴾

وأعطاكم من كل ما طلبتموه وإن تعدُّوا نِعَم الله عليكم لا تطيقوا عدها ولا إحصاءها ولا القيام بشكرها لكثرتها وتنوُّعها إن الإنسان لَكثير الظلم لنفسه كثير الجحود لنعم ربه .

﴿ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ [النحل:18] ﴾

وإن تحاولوا حَصْرَ نِعَم الله عليكم لا تَفُوا بحَصْرها لكثرتها وتنوعها إن الله لَغفور لكم رحيم بكم إذ يتجاوز عن تقصيركم في أداء شكر النعم ولا يقطعها عنكم لتفريطكم ولا يعاجلكم بالعقوبة.

حقيقة الإيمان

﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ[البقرة:3] والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ[البقرة:4] أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة:5]﴾
أهل الإيمان هم الذين يُصَدِّقون بالغيب الذي لا تدركه حواسُّهم ولا عقولهم وحدها لأنه لا يُعْرف إلا بوحي الله إلى رسله مثل الإيمان بالملائكة والجنة والنار وغير ذلك مما أخبر الله به أو أخبر به رسوله و يحافظون على أداء الصلاة في مواقيتها أداءً صحيحًا وَفْق ما شرع الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ومما أعطيناهم من المال ينفقون والذين يُصَدِّقون بما أُنزل إلي الرسول من القرآن و السنة و بما أُنزل مِن قبلك على الرسل وبالبعث والقيامة والجنة والنار والحساب والميزان هم يصدقون بقلوبهم ويظهر على ألسنتهم وجوارحهم وخص يوم الآخرة لأن الإيمان به من أعظم البواعث على فعل الطاعات واجتناب المحرمات ومحاسبة النفس.هؤلاء على نور وبيان وبصيرة من الله تعالى وأولئك هم المفلحون أي في الدنيا والآخرة

﴿ وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [البقرة:135]قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة:136] فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة:137] ﴾

قالت اليهود لأمَّة محمد صلى الله عليه وسلم ادخلوا في دين اليهودية تجدوا الهداية وقالت النصارى ادخلوا في دين النصرانية تجدوا الهداية قل لهم أيها الرسول بل الهداية أن نتبع جميعًا ملة إبراهيم الذي ابتعد عن كل دين باطل إلى دين الحق وما كان من المشركين بالله تعالى.قولوا أيها المؤمنون :صدَّقنا بالله الواحد المعبود بحق وبما أنزل إلينا من القرآن وما أنزل إلى إبراهيم و إسماعيل وإسحاق وإلى يعقوب والأسباط وما أُعطي موسى من التوراة وعيسى من الإنجيل وما أُعطي الأنبياء جميعًا من ربهم لا نفرق بين أحد منهم في الإيمان كاليهود والنَّصارى الذين يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض كما قال تعالي{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً [النساء:150] أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً [النساء:151]وَالَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُوْلَـئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً [النساء:152] فإنْ آمن اليهود والنصارى وغيرهم بمثل الذي آمنتم به مما جاء به الرسول فقد اهتدوا إلى الحق وإن أعرضوا فإنما هم في خلاف شديد فسيكفيك الله أيها الرسول شرَّهم وينصرك عليهم وهو السميع لأقوالكم العليم بأحوالكم.

﴿ لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة : 177] ﴾

أمر سبحانه وتعالي المؤمنين أولا بالتوجه إلى بيت المقدس ثم حولهم إلى الكعبة فشق ذلك على نفوس طائفة من أهل الكتاب وبعض المسلمين فأنزل الله تعالى بيان حكمته في ذلك وهو أن المراد هو طاعة الله عز وجل وامتثال أوامره والتوجه حيثما وجه وإتباع ما شرع فهذا هو البر والتقوى والإيمان الكامل ولا بر ولا طاعة إذا كان التوجه إلى المشرق أو المغرب لم يكن عن أمر الله . ولكن البر والخير من آمن بالله وحده لا شريك له وآمن بيوم البعث والجزاء وبالملائكة جميعًا وبالكتب المنزلة و النبيين وأعطى المال تطوُّعًا - مع شدة حبه- ذوي القربى واليتامى المحتاجين الذين مات آباؤهم وهم دون سن البلوغ والمساكين الذين أرهقهم الفقر والمسافرين المحتاجين الذين بَعُدوا عن أهلهم ومالهم والسائلين الذين اضطروا إلى السؤال لشدة حاجتهم وأنفق في تحرير الرقيق والأسرى وأقام الصلاة وأدى الزكاة المفروضة والذين يوفون بالعهود و الصابرين في الفقر والمرض وفي شدة القتال أولئك المتصفون بهذه الصفات هم الذين صدقوا في إيمانهم وأولئك هم المتقون .

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2] الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [الأنفال:3] أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال:4] ﴾

إنما المؤمنون بالله حقًا هم الذين إذا ذُكِر الله رقت قلوبهم وإذا تليت عليهم آيات القرآن زادتهم إيمانًا مع إيمانهم لتدبرهم لمعانيه وعلى الله تعالى يتوكلون فلا يرجون غيره ولا يرهبون سواه كقوله تعالي{وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [التوبة:124] .
¤ عن الحارث بن مالك الأنصاري أنه مر برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له[ كيف أصبحت يا حارث ؟ ] قال أصبحت مؤمنا حقا قال[لكل شيء حقيقة فما حقيقة إيمانك ؟ ] فقال:عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها فقال[ يا حارث عرفت فالزم ]

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحجرات:15] ﴾

إنما المؤمنون الذين صدَّقوا بالله وبرسوله ثم لم يشكوا ولم يتزلزلوا بل ثبتوا على التصديق بالله ورسوله وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون في إيمانهم

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [النور:62] ﴾

المؤمنون حقًا هم الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه وإذا كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم على أمر جمعهم له في مصلحة المسلمين لم ينصرف أحد منهم حتى يستأذنه إن الذين يستأذنونك - أيها النبي - هم الذين يؤمنون بالله ورسوله حقًا فإذا استأذنوك لبعض حاجتهم فَأْذَن لمن شئت ممن طلب الإذن في الانصراف لعذر واطلب لهم المغفرة من الله . إن الله غفور لذنوب عباده التائبين رحيم بهم .

﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [البقرة : 3] والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [البقرة : 4] ﴾

المؤمنين هم الذين يُصَدِّقون بالغيب الذي لا تدركه حواسُّهم ولا عقولهم وحدها لأنه لا يُعْرف إلا بوحي الله إلى رسله مثل الإيمان بالملائكة والجنة والنار والميزان والصراط وتصديق القول بالعمل فهم يحافظون على أداء الصلاة في مواقيتها أداءً صحيحًا و يخرجون صدقة أموالهم الواجبة والمستحبة.وهم الذين يُصَدِّقون بما أُنزل إلي الرسول من القرآن و السنة ويصدقون بما أنزل مِن قبلك على الرسل من الكتب كالتوراة والإنجيل وغيرهما ويُصَدِّقون بدار الحياة بعد الموت وما فيها من الحساب والجزاء تصديقا بقلوبهم يظهر على ألسنتهم وجوارحهم وخص يوم الآخرة لأن الإيمان به من أعظم البواعث على فعل الطاعات واجتناب المحرمات ومحاسبة النفس .

َ﴿ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ [الحج : 34]الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [الحج:35] ﴾

إلهكم أيها الناس إله واحد هو الله فانقادوا لأمره وبشِّر أيها النبي المتواضعين الخاضعين لربهم بخيرَي الدنيا والآخرة الذين إذا ذُكِر الله وحده رقت قلوبهم والصابرين علي ما أصابهم وأدَّوْا الصلاة و مما رزقهم الله ينفقون .
﴿ قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ[آل عمران:84]وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ[آل عمران:85]كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ[آل عمران:86]أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ[آل عمران:87]خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ[آل عمران:88]إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ[آل عمران:89]

قل لهم يا محمد آمنا بالله وما أنزل علينا من القرآن والسنة وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى ونؤمن بالنبيين جميعا لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين .كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم بالبينات الدالة علي صدق نبوته والله لا يهدي القوم الظالمين أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين في جهنم لا يخفف عنهم العذاب ساعة ولا هم يمهلون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وعملوا الصالحات فإن الله غفور رحيم .

﴿ فَقَدْ جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ [الأنعام:157] هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ [الأنعام:158]﴾

قد جاءكم كتاب بلسانكم عربي مبين وذلك حجة واضحة مِن ربكم وإرشاد إلى طريق الحق ورحمةٌ لهذه الأمة فلا أحد أشد ظلمًا وعدوانًا ممن كذَّب بحجج الله تعالى وأعرض عنها !! سنعاقب المعرضون عقابًا شديدًا في نار جهنم بسبب إعراضهم عن آياتنا . هل ينتظر الذين أعرضوا وصدوا عن سبيل الله حتى يأتيهم ملك الموت وأعوانه لقبض أرواحهم أو يأتي ربك أيها الرسول للفصل بين عباده يوم القيامة أو يأتي بعض علامات الساعة الدالة على مجيئها وهي طلوع الشمس من مغربها لكي يؤمنوا ؟ فحين يكون ذلك لا ينفع نفسا إيمانها إن لم تكن آمنت من قبل

¤ وعن أبي هريرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت آمن الناس كلهم وذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل ]ولا يُقبل منها عمل إن لم تكن عاملة به قبل ذلك كما قال تعالي{فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ [غافر:84] قل لهم يا محمد انتظروا مجيء هذه الأشياء إنا منتظرون ذلك .

﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً [الأحزاب:23]﴾
من المؤمنين رجال أوفوا بعهدهم مع الله تعالى وصبروا على البأساء والضراء وحين البأس: فمنهم من استشهد في سبيل الله و مات على الصدق ومنهم مَن ينتظر إحدى الحسنيين النصر أو الشهادة وما غيَّروا وما بدلوا عهد الله .

﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ[الأنفال:74]وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـئِكَ مِنكُمْ[الأنفال:75]﴾

الذين آمنوا بالله ورسوله وتركوا ديارهم قاصدين دار الإسلام أو بلدًا يتمكنون فيه من عبادة ربهم وجاهدوا لإعلاء كلمة الله والذين نصروا إخوانهم المهاجرين وآووهم وواسوهم بالمال والتأييد أولئك هم المؤمنون الصادقون حقًا لهم مغفرة لذنوبهم ورزق كريم في جنات النعيم والذين آمنوا مِن بعد هؤلاء المهاجرين والأنصار وهاجروا وجاهدوا معكم في سبيل الله فأولئك منكم -أيها المؤمنون- لهم ما لكم وعليهم ما عليكم .

﴿ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [التوبة:112] ﴾

من صفات المؤمنين الذين لهم البشارة بدخول الجنة أنهم التائبون عن المعاصي الراجعون إلى ما يحبه ويرضاه الذين أخلصوا العبادة لله وحده واجتهدوا في طاعته الذين يحمدون الله على كل ما امتحنهم به من خير أو شر الصائمون الراكعون في صلاتهم الساجدون فيها الذين يأمرون الناس بكل ما أمر الله ورسوله به وينهونهم عن كل ما نهى الله عنه ورسوله المؤدون فرائض الله المنتهون إلى أمره ونهيه القائمون على طاعته الواقفون عند حدوده. وبشِّر أيها النبي هؤلاء المؤمنين المتصفين بهذه الصفات برضوان الله وجنته .

﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [النور:51] وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [النور:52] ﴾

المؤمنون حقا هم الذين يتحاكموا إلي كتاب الله وسنة رسوله في كل أمورهم وأولئك هم المفلحون الفائزون بجنات النعيم كما قال تعالي{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء : 59] و قال تعالي { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً [الأحزاب:36]ويقبلوا الحكم ويقولوا سمعنا وأطعنا كما قال تعالي{ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً [النساء:65] ومن يطع الله ورسوله في الأمر والنهي ويخش الله فيما مضى من ذنوبه ويتقه فيما يستقبل فأولئك هم الفائزون في الدنيا والآخرة

﴿ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ[السجدة:15] تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [السجدة:16] ﴾
يقول تعالى : إنما يصدق بآياتنا الذين إذا ذكروا بها أو استمعوا لها خروا سجدا لربهم خاشعين مطيعين وسبحوا بحمده وهم لا يستكبرون عن عبادته وحده لا شريك له ثم قال تعالى: تتباعد جنوبهم عن فراش النوم لقيام الليل يدعون ربهم خوفا من عقابه وطمعا في ثوابه ومما رزقهم الله ينفقون في الطاعة

﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ[البينة:1]رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً[البينة:2]فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ[البينة:3]وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ[البينة:4]وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ[البينة:5]إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6]إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ[البينة:7]جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ[البينة:8]﴾

لن يترك الذين كفروا من اليهود والنصارى والمشركين كفرهم حتى تأتيهم الحجة الواضحة وهو النبي محمد صلي الله عليه وسلم يتلو عليهم القرآن الكريم الذي فيه أوامر وأحكام عادلة تهدي إلى الحق وإلى صراط مستقيم وكان أهل الكتاب من اليهود والنصارى مجتمعين علي صحة نبوة محمد قبل البعث فتفرقوا شيعًا وأحزابًا بغيًا وحسدًا بينهم وطلبًا للدنيا بعد ما قامت عليهم الحجة وما أمروا في سائر الشرائع إلا ليعبدوا الله وحده مخلصين له الدين بعيدا عن الشرك ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك هو دين الإسلام . إن الذين كفروا من اليهود والنصارى والمشركين عقابهم جهنم خالدين فيها وأولئك هم شر الخلق.و الذين صَدَّقوا الله واتبعوا رسوله وعملوا الصالحات أولئك هم خير الخلق . جزاؤهم عند ربهم يوم القيامة جنات تجري من تحت الأنهار خالدين فيها أبدًا رضي الله عنهم بطاعتهم ورضوا عنه بثوابه وبما أعدَّ لهم من الجزاء و ذلك الجزاء لمن خاف الله واجتنب معاصيه .

﴿ وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يونس:105] وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ [يونس:106] ﴾

أقم أيها الرسول نفسك على دين الإسلام مستقيمًا عليه غير مائل عنه إلى يهودية أو نصرانية ولا تكونن ممن يشرك في عبادة ربه الآلهة والأنداد التي لا تضر ولا تنفع فتكون من الهالكين وهذا وإن كان خطابًا للرسول صلى الله عليه وسلَّم فإنه موجَّه لعموم الأمة فالعبة في الإسلام بعموم اللفظ لا بخصوص السبب

﴿ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ [الزمر:17] الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ [الزمر:18] ﴾

الذين يعبدون الله وحده لا شريك له ويجتنبون ما يعبد من دون الله من الأصنام والشيطان والأنداد فهؤلاء لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة فبشِّر أيها النبي عبادي الذين يستمعون القول فيعقلوه ويفهموه فيتبعون أحسنه
و أولئك هم الذين هداهم الله في الدنيا والآخرة وأولئك هم أصحاب العقول السليمة .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً [الأحزاب:70] يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:71] ﴾

يأمر تعالى عباده المؤمنين بتقواه وأن يقولوا قولا صحيحا خاليا من الكذب والنفاق و إذا فعلوا ذلك يصلح لهم أعمالهم و يوفقهم للأعمال الصالحة و يغفر لهم ذنوبهم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما

ثمرة الإيمان بالله

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [النحل : 97]﴾

هذا وعد من الله تعالى لمن عمل عملا صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن بالله ورسوله بأن يحييه الله حياة سعيدة في الدنيا ولو كان قليل المال وأن يجزيه بأحسن ما عمله في الدار الآخرة .

¤وعن أنس بن مالك قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم[إن الله لا يظلم المؤمن حسنة يعطى بها في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة وأما الكافر فيطعم بحسناته في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يعطى بها خيرا]
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:55] ﴾

وعد من الله تعالى للرسول والذين آمنوا بالله وبرسوله وعملوا الصالحات بأن يورثهم أرض المشركين ويجعلهم خلفاء الأرض و أئمة الناس والولاة عليهم وبهم تصلح البلاد وتخضع لهم العباد وليبدلنهم من بعد خوفهم من الناس أمنا وحكما فيهم وقد فعله تبارك وتعالى وله الحمد فإنه صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى فتح الله عليه مكة وخيبر والبحرين وسائر جزيرة العرب وأرض اليمن بكمالها وأخذ الجزية من المجوس وهاداه هرقل ملك الروم وصاحب مصر وفي عهد الخلفاء الراشدين توسعت حدود الدولة الإسلامية حتى وصلت إلي بلاد الشام وقبرص والأندلس وبلاد فارس والصين و من خرج عن طاعتي بعد ذلك فقد خرج عن أمر ربه وكفى بذلك ذنبا عظيما.

¤وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال[ لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى يوم القيامة ]

﴿ وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:72] ﴾

وعد الله المؤمنين والمؤمنات بالله ورسوله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا لا يزول نعيمها ولا يبيد فيها مالا عينت رأت ولا أذن سمعت ولا خطر علي قلب بشر ومساكن حسنة البناء طيبة القرار في جنات إقامة
¤وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قلنا يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها ؟ قال[ لبنة ذهب ولبنة فضة وملاطها المسك وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وترابها الزعفران من يدخلها ينعم لا يبأس ويخلد لا يموت لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه ]ورضوان من الله أكبر وأعظم مما هم فيه من النعيم ذلك الوعد بثواب الآخرة هو الفلاح العظيم وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال[ إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة:يا أهل الجنة فيقولون:لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك فيقول : هل رضيتم ؟ فيقولون : وما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك فيقول:ألا أعطيكم أفضل من ذلك ؟ فيقولون يا رب وأي شيء أفضل من ذلك ؟ فيقول:أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا ]

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنعام:81] الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ [الأنعام:82]﴾

فريق المشركين وفريق الموحدين أي الفريقين أحق بالطمأنينة والأمن من عذاب الله إن كنتم تعلمون؟الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه ولم يخلطوا إيمانهم بشرك أولئك لهم الطمأنينة والسلامة وهم الموفقون إلى طريق الحق.

¤وعن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:قال موسى:يا رب علمني شيئا أذكرك وأدعوك به : قال:قل يا موسى:لا إله إلا الله:قال يا رب كل عبادك يقولون هذا قال يا موسى لو أن السموات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله فى كفة لمالت بهن لا إله إلا الله ] رواه ابن حبان والحاكم

¤ عن أنس:عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن رب العزة يقول : قال الله تعالى يا ابن آدم لو أتيتنى بقراب الأرض خطايا ثم لقيتنى لا تشرك بى شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة ]

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً [الكهف:30] أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً [الكهف:31]﴾

هم السعداء الذين آمنوا بالله وصدقوا المرسلين فيما جاؤوا به وعملوا الصالحات فلهم جنات دائمة تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها بأساور الذهب ويلبسون ثيابا خضرا من حرير متكئين فيها على الأرائك والأسرة المزينة بالستائر الجميلة نعم الثواب وهو الجنة ثوابا على أعمالهم و حسنت منزلا ومقاما كما قال تعالي{أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَاماً [الفرقان:75] خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً [الفرقان:76]

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً [الكهف:107] خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً [الكهف:108] ﴾

يخبر سبحانه عن عباده السعداء وهم الذين آمنوا بالله ورسوله وصدقوا المرسلين فيما جاءوا به أن لهم جنات الفردوس [ البستان ] وهي أعلى درجة في الجنة ومنها تفجر أنهار الجنة خالدين فيها لا يطلبون انتقالا إلي غيرها
﴿ وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْماً وَلَا هَضْماً [طه:112] ﴾

من يعمل من الصالحات وهو مؤمن بربه فلا يخاف ظلمًا بزيادة سيئاته ولا هضمًا بنقص حسناته .

﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً [النساء:175] ﴾
يقول تعالي أن الذين آمنوا بالله وصدقوا رسوله وتمسكوا بالله ربا وبالقرآن دستورا لهم سيرحمهم ويدخلهم الجنة ويهديهم إلى سلوك الطريق المستقيم المفضي إلى جنة الخلد .

﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ [الأنبياء:94] ﴾

من عمل عملا صالحا وهو مؤمن بالله فلن ينكر الله عمله ولهم أعظم المثوبة كما قال تعالي{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً [الكهف:30]و نحن نكتب أعماله كلها فلا نترك منها صغيرا أو كبيرا

﴿ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62] الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ[يونس:63]لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [يونس:64] ﴾

يخبر تعالى أن أولياءه هم الذين آمنوا وكانوا يتقون ولا خوف عليهم في الآخرة من عقاب الله ولا هم يحزنون على ما وراءهم في الدنيا ولهم البشارة من الله في الدنيا بما يسرُّهم وعن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله{لهم البشرى في الحياة الدنيا} قال[ الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له]وبشارتهم في الآخرة هي الجنة وذلك هو الفوز العظيم .

وقيل : المراد بذلك بشرى الملائكة للمؤمن عند احتضاره بالجنة والمغفرة كقوله تعالى{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ[فصلت:30]وأما البشري في الآخرة فكما قال تعالى{يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [الحديد:12]وقال تعالي{لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ[الأنبياء:103]وفي الآخرة لا تبديل لوعد الله كما قال تعالي{مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ [ق:29]

﴿ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً [النساء:69] ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيماً [النساء:70] ﴾

من يطع الله ورسوله فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين الذين صدقوا بما جاءت به الرسل اعتقادًا وقولا وعملا والشهداء في سبيل الله والصالحون الذين صلحت سرائرهم وعلانيتهم وحَسُنَ هؤلاء رفقاء في الجنة . ذلك العطاء الجزيل من الله وحده وكفى بالله عليما بأحوال عباده ومَن يَستحقُّ منهم هذا الثواب .

﴿ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ[السجدة:15] تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ[السجدة:16]فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[السجدة:17] ﴾

يقول تعالى:إنما يصدق بآياتنا الذين إذا ذكروا بها أو استمعوا لها خروا سجدا لربهم خاشعين مطيعين وسبحوا بحمده وهم لا يستكبرون عن عبادته وحده لا شريك له ثم قال تعالى: تتباعد جنوبهم عن فراش النوم لقيام الليل
يدعون ربهم خوفا من عقابه وطمعا في ثوابه .

¤ وعن معاذ بن جبل قال[ كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير فقلت يا نبي الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار قال:لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت ثم قال:ألا أدلك على أبواب الخير ؟ الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة وصلاة الرجل في جوف الليل ثم قرأ{ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ[السجدة:16] فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17] ثم قال ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه ؟ فقلت:بلى يا رسول الله فقال : رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروه سنامه الجهاد في سبيل الله ثم قال:ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ فقلت:بلى يا نبي الله فأخذ بلسانه ثم قال:كف عليك هذا فقلت:يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به فقال:ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال:على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ]

ثم قال{ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين } فلا يعلم أحد عظمة ما أخفى الله لهم في الجنات من النعيم المقيم واللذات التي لم يطلع على مثلها أحد لما أخفوا أعمالهم كذلك أخفى الله لهم من الثواب جزاء وفاقا فإن الجزاء من جنس العمل سأل موسى عليه السلام ربه عز وجل:ما أدنى أهل الجنة منزلة ؟ قال:هو رجل يجيء بعد ما أدخل أهل الجنة الجنة فيقال له:ادخل الجنة فيقول:أي رب كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم ؟ فيقال له:أترضى أن يكون لك مثل ملك من ملوك الدنيا ؟ فيقول:رضيت رب فيقول لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله فقال في الخامسة رضيت رضيت ربي فيقول:هذا لك وعشرة أمثاله ولك ما اشتهت ولذت عينك فيقول:رضيت رب قال:رب فأعلاهم منزلة ؟ قال:أولئك الذين غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر و حدثنا سهل بن موسى:أن الجنة مائة درجة أولها درجة فضة وأرضها فضة ومساكنها فضة وآنيتها فضة وترابها المسك والثانية ذهب وأرضها ذهب ومساكنها ذهب وآنيتها ذهب وترابها المسك والثالثة لؤلؤ وأرضها لؤلؤ ومساكنها اللؤلؤ وآنيتها اللؤلؤ وترابها المسك وسبع وتسعون بعد ذلك ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

¤عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال[ قال الله تعالى:أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر]

﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً[النساء:145]إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً[النساء:146] ﴾

أخبر تعالى إن المنافقين يوم القيامة في الدرك الأسفل من النار جزاء على كفرهم قال ابن عباس النار درجات كما أن الجنة درجات.ولن تجد من ينقذهم مما هم فيه ويخرجهم من العذاب ثم أخبر تعالى أن من تاب منهم في الدنيا تاب عليه وقبل ندمه إذا أخلص في توبته وأصلح عمله واعتصم بربه في جميع أمره وبدلوا الرياء بالإخلاص .

¤وعن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال[ أخلص دينك يكفك القليل من العمل ] فأولئك مع المؤمنين يوم القيامة وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما .

﴿ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التغابن:9] ﴾

من يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا وذلك الخلود في الجنات هو الفوز العظيم الذي لا فوز بعده .

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً [النساء:57] ﴾

الذين آمنوا بالله ورسوله واطمأنت قلوبهم واستقاموا على الطاعة سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا ولهم فيها أزواج مطهرة من الحيض والنفاس والأذى والأخلاق الرذيلة وندخلهم ظلا كثيفًا ممتدًا في الجنة

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُواْ إِلَى رَبِّهِمْ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[هود:23]﴾

إن الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا الأعمال الصالحة وخضعوا لله في كل ما أُمروا به ونُهوا عنه أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون .

﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28] الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ [الرعد:29]﴾

الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم وتركن إلى جانب الله وتسكن عند ذكره وترضى به مولى ونصيرا الذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا الصالحات هنيئا لهم إيمانهم وعملهم الصالح وهنيئا لهم جنة الخلد وقال الإمام أحمد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلا قال : يا رسول الله:طوبى لمن رآك وآمن بك قال[ طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبى ثم طوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني ] قال له رجل:وما طوبى ؟ قال[شجرة في الجنة مسيرتها مائة عام ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها ] فيأتون إلى الرحمن الرحيم فيكشف لهم عن وجهه الكريم حتى ينظروا إليه فإذا رأوه قالوا:اللهم أنت السلام ومنك السلام وحق لك الجلال والإكرام:فيقول تعالى عند ذلك:أنا السلام ومني السلام وعليكم حقت رحمتي ومحبتي مرحبا بعبادي الذين خشوني بغيب وأطاعوا أمري قال:فيقولون :ربنا لم نعبدك حق عبادتك ولم نقدرك حق قدرك فأذن لنا في السجود لجلاك:فيقول الله:إنها ليست بدار نصب ولا عبادة ولكنها دار ملك ونعيم فسلوني ما شئتم ثم يقول:اعرضوا على عبادي ما لم يبلغ أمانيهم ولم يخطر لهم على بال .

¤وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ إن من عباد الله عبادا يغبطهم الأنبياء والشهداء ] قيل من هم يا رسول الله لعلنا نحبهم ؟ قال[ هم قوم تحابوا في الله من غير أموال ولا أنساب وجوههم نور على منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس ] ثم قرأ { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون }

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً [مريم : 96]﴾

إن الذين آمنوا بالله وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن محبة ومودة في قلوب عباده .

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ [فصلت : 8]﴾

إن الذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا الصالحات لهم ثواب عظيم غير مقطوع

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَعْدَ اللّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً [النساء : 122] ﴾

يخبر تعالى عن حال السعداء الأتقياء ومالهم في مآلهم من الكرامة التامة فقال الذين صدقت قلوبهم وعملت جوارحهم بما أمروا به من الخيرات وتركوا ما نهوا عنه من المنكرات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا بلا زوال ولا انتقال و هذا وعد من الله ووعد الله حقا وهو آتي لا محالة و لا أحد أصدق منه قولا و فعلا لا إله هو ولا رب سواه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته[ إن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الصف:10] تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [الصف:11] يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [الصف:12] وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [الصف:13] ﴾

يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه هل أُرشِدكم إلى تجارة عظيمة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلك خير لكم فافعلوه إن كنتم تعلمون مضارَّ الأشياء ومنافعها . إن فعلتم ما أمرتكم أغفر لكم ذنوبكم وأدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن وذلك هو الفوز العظيم ونعمة أخرى لكم تحبونها أيها المؤمنون هي نصر من الله يأتيكم وفتح عاجل يتم على أيديكم وبشِّر المؤمنين بالنصر والفتح في الدنيا وبالجنة في الآخرة كما قال تعالي{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7] وقال تعالي{وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج:40]

﴿ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ [آل عمران:179] ﴾

آمنوا بالله ورسوله وإن تؤمنوا إيمانًا صادقًا وتتقوا ربكم وتحذروه فلكم أجر عظيم عند الله .

﴿ وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[البقرة:25]﴾

بشر يا محمد الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلَّما رزقهم الله فيها نوعًا من الفاكهة اللذيذة قالوا قد رَزَقَنا الله هذا النوع من قبل في الدنيا فإذا ذاقوه وجدوه شيئًا جديدًا في طعمه ولذته وإن تشابه مع سابقه في اللون والمنظر والاسم ولهم في الجنَّة أزواج مطهرة من الحيض والنفاس وسوء الخُلُق وهم في الجنة ونعيمها خالدون .

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:277] ﴾

إن الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا الأعمال الصالحة وأقاموا الصلاة كما أمر الله ورسوله وأدوا الزكاة لهم ثواب عظيم عند ربهم ولا خوف عليهم في يوم القيامة ولا هم يحزنون على ما فاتهم من حظوظ دنياهم.

﴿ وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ [المائدة : 9] ﴾

وعد الله الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا الصالحات لهم مغفرة لذنوبهم وأجر عظيم والله لا يخلف وعده .

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ [يونس:9] دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [يونس:10] ﴾
إن الذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا الصالحات يهديهم ربهم إلى طريق الجنة ويوفقهم إلى العمل الموصل إليه بسبب إيمانهم ثم يثيبهم بدخول جنات النعيم دعاؤهم في الجنة (سبحانك اللهم) وتحية الله وملائكته لهم وتحية بعضهم بعضًا في الجنة (سلام) وآخر دعائهم "الحمد لله رب العالمين"

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ [الحج:38] ﴾

يخبر تعالى أنه يدفع عن عباده الذين توكلوا عليه وأنابوا إليه شر الأشرار وكيد الفجار ويحفظهم ويرزقهم
وينصرهم كما قال تعالى{ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ [الزمر:36] وقال تعالي{ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً[الطلاق:2] وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً[الطلاق:3]

﴿ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الحج:50] ﴾

الذين آمنوا بالله ورسوله واستقر الإيمان في قلوبهم وعملوا الأعمال الصالحة لهم عند الله عفو عن ذنوبهم ومغفرة يستر بها ما صدر عنهم من معصية ورزق كريم وهو الجنة .

﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ [الأعراف:96] ﴾

لو أنَّ أهل القرى آمنوا وصدَّقوا رسلهم واتبعوهم واجتنبوا ما نهاهم الله عنه لفتح الله لهم أبواب الخير من كلِّ وجه ولكنهم كذَّبوا فعاقبهم الله وأهلكهم بسبب كفرهم ومعاصيهم .

﴿ مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ [الروم:44] لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ [الروم:45] ﴾

من كفر فجزائه الخلود في النار ومن آمن وعمل صالحًا فجزائه الجنة. ليجزي الله الذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا الصالحات من فضله وإحسانه إن الله لا يحب الكافرين .

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت:30] نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ [فصلت:31] نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ [فصلت:32] وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33] ﴾

إن الذين قالوا ربنا الله تعالى وحده لا شريك له ثم استقاموا على شريعته تتنزل عليهم الملائكة عند الموت قائلين لهم لا تخافوا من الموت وما بعده ولا تحزنوا على ما تركتم وراءكم من أمور الدنيا و أبشروا بالجنة التي كنتم توعدون بها وعن سفيان بن عبد الله الثقفي قال : قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك قال صلى الله عليه وسلم [ قل آمنت بالله ثم استقم ]

وتقول لهم الملائكة:نحن أنصاركم في الحياة الدنيا نحفظكم بأمر الله و نكون معكم في الآخرة ولكم في الجنة كل ما تشتهيه أنفسكم مما تختارونه وتَقَرُّ به أعينكم ومهما طلبتم من شيء تجدوه بين أيديكم إنعامًا لكم من غفور رحيم .

الله وملائكته يصلون علي المؤمنين

﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً[الأحزاب:43]﴾
الصلاة من الله هي الثناء عليكم وذكركم فيمن عنده من الملأ الأعلى ورحمته لكم كما قال تعالي{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ [البقرة:152] و[ يقول الله تعالى:من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه ]

والصلاة من الملائكة أن تستغفر و تدعو لكم ليخرجكم من ظلمات الجهل والضلال إلى نور الإسلام وكان بالمؤمنين رحيمًا في الدنيا والآخرة كما قال تعالي{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ [غافر:7] رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [غافر : 8] وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [غافر:9]

الإيمان بالقرآن الكريم

وهو التصديق بأن الله تعالي أنزل القرآن علي رسوله محمد صلي الله عليه وسلم إلي عباده جميعا وأن هذا القرآن هو كلام الله وأنه حق وما جاء فيه هو النور والهدي للناس أجمعين ويجب الإيمان به كما قال تعالي .

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً [النساء:136] ﴾

يا أيها الذين آمنوا صدَّقوا بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن الذي نزله عليه وبجميع الكتب التي أنزلها الله على الرسل ومن يكفر بالله تعالى وملائكته وكتبه التي أنزلها لهداية خلقه ورسله الذين اصطفاهم لتبليغ رسالته واليوم الآخر فقد خرج من الدين وبَعُدَ بعدًا كبيرًا عن طريق الحق.

﴿ وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ [البقرة:99] ﴾

لقد أنزلنا إليك أيها الرسول آيات واضحة تدل على أنّك رسول من الله حقا وما ينكر تلك الآيات إلا الفاسقون

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً [النساء:47] ﴾

يا أهل الكتاب صدِّقوا بما نزَّلنا من القرآن مصدقًا لما معكم من الكتب من قبل أن نأخذكم بسوء صنيعكم فنمحو الوجوه ونحولها قِبَلَ الظهور أو نلعن هؤلاء المفسدين بمسخهم قردة وخنازير كما لعنَّا اليهود مِن أصحاب السبت الذين نُهوا عن الصيد فيه فلم ينتهوا فغضب الله عليهم وطردهم من رحمته وكان أمر الله نافذًا في كل حال.

﴿ إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً [النساء:105] ﴾

إنا أنزلنا إليك أيها الرسول القرآن وهو حق من الله لتحكم بين الناس جميعًا بما أوحى الله إليك فلا تكن مدافعا للذين يكتمون الحق .
﴿ كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ[الأعراف:2]اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ [الأعراف:3] ﴾

هذا القرآن أنزله الله عليك -أيها الرسول- فلا تتحرج في إبلاغه والإنذار به لتنذر به الكافرين وتذكر به المؤمنين. اتبعوا أيها الناس ما أُنزل إليكم من ربكم من القرآن والسنة ولا تتبعوا من دون الله أولياء كالشياطين والأحبار والرهبان وأصدقاء السوء إنكم قليلا ما تتعظون وتعتبرون فترجعون إلى الحق.

﴿ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [التغابن:8] ﴾

أيها المشركون آمنوا بالله ورسوله وبالقرآن الذي أنزله على رسوله والله بما تفعلون خبير لا يخفى عليه شيء من أعمالكم وأقوالكم وهو مجازيكم عليها يوم القيامة.

﴿ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [الزخرف:43] وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ [الزخرف:44] ﴾

تمسك أيها الرسول بالقرآن الذي أوحي إليك إنك على طريق الحق وما يهدي إليه هو الحق المفضي إلى صراط الله المستقيم الموصل إلى جنات النعيم والخير الدائم المقيم و هذا القرآن شرف لك ولقومك لأنه نزل بلغتهم فينبغي أن يكونوا أقوم الناس به وأعملهم بمقتضاه وسوف تُسألون أنت ومَن معك عن الشكر لله عليه والعمل به.

﴿ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ [هود : 17] ﴾

اعلم يا محمد ومن تبعك من المؤمنين أن هذا القرآن هو الحق من ربك لا شك فيه ولكن أكثر الناس لا يصدِّقون

حقيقة القرآن

﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [الزمر:23] ﴾

الله تعالى هو الذي نزل أحسن الحديث وهو القرآن العظيم متشابهًا في حسنه وإحكامه وعدم اختلافه تثنى فيه القصص والأحكام والحجج والبينات تقشعر جلودهم وتبكي أعينهم مما عرفوا من الحق وتطمئن قلوبهم إلى ذكر الله كما قال تعالي { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2]والله يهدي بالقرآن من يشاء مِن عباده ومن يضلله الله عن الإيمان بهذا القرآن لكفره وعناده فما له مِن هاد يهديه ويوفقه

﴿ لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر : 21] ﴾

¤ عن علي بن أبي طالب قال أما إني قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:ألا إنها ستكون فتنة فقلت:فما المخرج منها يا رسول الله ؟ قال:كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم وهو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى فى غيره أضله الله وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم هو التى لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا يشبع منه العلماء ولا يخلق عن كثرة الرد ولا تنقضى عجائبه هو الذى لم تنته الجن إذا سمعته حتى قالوا{ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً[الجن:1] يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً [الجن:2]من قال به صدق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم

﴿ لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ [الأنبياء:10] ﴾

هذا القرآن الكريم فيه عزُّكم وشرفكم في الدنيا والآخرة إن تمسكتم به أفلا تعقلون ما فَضَّلْتكم به على غيركم؟

﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ [فصلت:41] لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:42] ﴾

إن هذا القرآن كتاب عزيز فلا يأتي أحد بمثله لا يأتيه الباطل من أي ناحية ولا يبطله شيء فقد أنزله الله وحفظه من كل تغيير أو تبديل كما قال تعالي { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] تنزيل من رب حكيم

﴿ المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ [الرعد:1]﴾

القرآن المنزل عليك أيها الرسول هو الحق من ربك لا شك فيه ومع ذلك أكثر الناس لا يصدِّقون ولا يعملون به كما قال تعالي{وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ[يوسف:103]وقال تعالي{وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا [الأنعام:25]

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ [الحاقة:38] وَمَا لَا تُبْصِرُونَ [الحاقة:39] إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ [الحاقة:40] وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ [الحاقة:41] وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ [الحاقة:42] تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ [الحاقة:43] وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ [الحاقة:44] لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ [الحاقة:45] ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ [الحاقة:46] فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ [الحاقة:47] وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ [الحاقة:48] وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ [الحاقة:49] وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ [الحاقة:50] وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ [الحاقة:51] ﴾

يقسم سبحانه تعالي لخلقه بما يشاهدونه في مخلوقاته من الآيات الدالة على قدرته وما غاب عنهم من علم الغيب إن القرآن كلامه ووحيه أنزله على عبده ورسوله محمد صلي الله عليه وسلم وليس بقول شاعر ولا بقول كاهن كما تزعمون.ولو ادَّعى محمد علينا شيئًا لم نقله لانتقمنا منه و لقطعنا منه عروق قلبه فلا يقدر أحد منكم أن يرد عنه عقابنا و هذا القرآن عظة للمتقين الذين يمتثلون أوامر الله ويجتنبون نواهيه ومع هذا البيان الوضوح سيوجد منكم مكذبين وإن التكذيب لحسرة على الكافرين حين يرون عذابهم ويرون نعيم المؤمنين وإنه حق لا شك فيه .
﴿ وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ[الطارق:11]وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ[الطارق:12]إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ[الطارق:13]وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ[الطارق:14] ﴾

أقسم سبحانه بالسموات والأرض إن القرآن قول فصل بَيْنَ الحق والباطل وما هو بالهزل .

﴿ قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً [الإسراء:107] وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً [الإسراء:108] وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً [الإسراء:109] ﴾

قل أيها الرسول للمكذبين : آمِنوا بالقرآن أو لا تؤمنوا فإن إيمانكم لا يزيده كمالا وتكذيبكم لا يُلْحِق به نقصًا إن العلماء الذين أوتوا الكتب السابقة مِن قبل القرآن وعرفوا حقيقة الوحي إذا قرئ عليهم القرآن يخشعون فيسجدون على وجوههم لله سبحانه وتعالى ويقولون عند سماع القرآن سبحانك إنك لا تخلف الميعاد الذي وعدهم على ألسنة الأنبياء المتقدمين عن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ويسجدون وأعيونهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق ويزيدهم سماع القرآن خضوعًا لأمر الله وعظيم قدرته.

﴿ إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ [الزمر:41] ﴾

إنا أنزلنا عليك أيها الرسول القرآن بالحق لهداية العالمين إلى طريق الرشاد فمن اهتدى بنوره وعمل بما فيه واستقام على منهجه فقد اهتدي لنفسه ومَن ضلَّ بعد ما تبين له الهدى فإنما يضر نفسه ولن يضرَّ الله شيئا وما أنت أيها الرسول عليهم بوكيل تحفظ أعمالهم وتحاسبهم عليها وتجبرهم على ما تشاء فما عليك إلا البلاغ .

﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ [يونس:108] ﴾

يأمر سبحانه محمد صلي الله عليه وسلم أن يخبر الناس أن الذي جاءهم به هو من عند الله وهو الحق الذي لا مرية ولا شك فيه فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل حتى تكونوا مؤمنين وإنما أنا نذير والله يهدي من يشاء .
الحكمة من تنزيل القرآن الكريم

﴿ طه طه:1] مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى [طه:2] إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى [طه:3] تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى [طه:4] ﴾

لما أنزل الله القرآن على رسوله صلى الله عليه وسلم قام به هو وأصحابه فقال المشركون من قريش ما أنزل هذا القرآن على محمد إلا ليشقى فأنزل الله تعالى{ طه [طه:1] مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى [طه:2] إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى [طه:3] فليس الأمر كما زعمه المبطلون لكن أنزلناه موعظة ليتذكر ذاكر وينتفع رجل بما سمع من كتاب الله من آتاه الله العلم فقد أراد به خيرا كثيرا كما ثبت في الصحيحين عن معاوية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ] وهذا القرآن تنزيل من الله الذي خلق الأرض والسموات العلى

﴿ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [النحل:64] ﴾

ما أنزلنا عليك يا محمد القرآن إلا لتبين للناس الذي اختلفوا فيه من أمر الدين وهدى ورحمة للمؤمنين

﴿ وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ[الشعراء:192]نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ[الشعراء:193]عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ [الشعراء:194] بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ[الشعراء:195] ﴾

هذا القرآن تنزيل رب العالمين نزل به جبريل الأمين فتلاه عليك أيها الرسول حتى وعيته بقلبك حفظًا وفهمًا لتكون مِن المنذرين الذين ينذرون قومهم نزل به جبريل عليك بلغة عربية واضحة المعنى فيما يحتاجون إليه في إصلاح شؤون دينهم ودنياهم.

﴿ هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ [آل عمران:138] ﴾

هذا القرآن بيان وإرشاد للناس إلى الطريق المستقيم وهدي يهتدون به وموعظة وعبرة للمتقين .

﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ[المائدة:15]يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ[المائدة:16]﴾

يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم من الله بقرآن عظيم ليبيِّن لكم كثيرًا مما كنتم تُخْفونه عن الناس مما في التوراة والإنجيل . يهدي الله بهذا القرآن من اتبع رضا الله تعالى طرق الأمن والسلامة ويخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان بإذنه ويوفقهم إلى دينه القويم.

﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ[الشورى:52] ﴾

يا محمدكما أوحينا إلى الأنبياء من قبلك أوحينا إليك قرآنًا من عندنا ما كنت تدري قبله ما الكتب السابقة ولا الإيمان ولا الشرائع الإلهية ؟ ولكن جعلنا القرآن ضياء للناس نهدي به مَن نشاء مِن عبادنا إلى الإسلام وإنك أيها الرسول تَدُلُّ وَتُرْشِدُ إلى الإسلام بإذن الله.

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ [يونس:57] قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58] ﴾

يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم تذكِّركم عقاب الله وتخوفكم وعيده وهي القرآن لإصلاح أخلاقكم وأعمالكم وشفاء لما في القلوب من الجهل والشرك وهدي ورحمة للمؤمنين كما قال تعالي{ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء [فصلت:44] قل لهم يا محمد بفضل الله وبرحمته وبما جاءهم من الإسلام والقرآن فليفرحوا فإن الإسلام الذي دعاهم الله إليه والقرآن الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم خير من الدنيا وما فيها .

﴿ إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً[الإسراء:9]﴾

إن هذا القرآن يرشد الناس إلى الطريق المستقيم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات بأن لهم ثوابًا عظيمًا

﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً [الإسراء : 82] ﴾

ننزل من القرآن العظيم ما يشفي القلوب مِنَ الأمراض كالشك والنفاق والجهل وما يشفي الأبدان برُقْيتها به وهو رحمة للمؤمنين ولا يزيد هذا القرآن الكافرين إلا كفرًا وضلالا لتكذيبهم به وعدم إيمانهم .والآفة من الكافر لا من القرآن كقوله تعالى{ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى[فصلت:44]وقال تعالى{وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [التوبة:124] وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة:125]

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً[النساء:174] فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً[النساء:175] ﴾

يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وهو رسولنا محمد صلي الله عليه وسلم وأنزلنا إليكم القرآن هدًى ونورًا كبيرا فأمَّا الذين صدَّقوا بالله اعتقادًا وقولا وعملا وتمسكوا بالقرآن الذي أُنزل إليهم فسيرحمهم الله في الدنيا ويوفقهم إلى سلوك الطريق المستقيم المفضي إلي الجنة ويزيدهم من فضله .

﴿ وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأنعام:155] أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ [الأنعام:156] ﴾

هذا القرآن فيه خير كثير فاتبعوا ما يأمركم به وانتهوا عما ينهاكم عنه وخافوا الله لعلكم ترحمون وتنجوا من عذابه وتظفروا بثوابه .وأنزلنا القرآن حتى لا تقولوا أن الكتاب نزل علي اليهود والنصارى وما كنا نفهم ما يقولون لأنهم ليسوا بلساننا . فقد جاءكم كتاب بلسانكم وهو حجة واضحة مِن ربكم وهدي ورحمةٌ لهذه الأمة

﴿ هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ [الجاثية:20] ﴾

هذا القرآن الذي أنزلناه إليك أيها الرسول بصائر يبصر به الناس الحق من الباطل ويعرفون به سبيل الرشاد وهدى ورحمةٌ لقوم يوقنون بحقيقة صحته وأنه تنزيل من الله العزيز الحكيم.

﴿ وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف:52] ﴾
لا عزر للمشركين فقد أرسل الله الرسول بالقرآن للناس كافة وفصلناه على علم للعالمين هاديًا من الضلالة إلى الرشد ورحمة لقوم يؤمنون بالله ويعملون بشرعه.

﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل : 89] ﴾

َنزَّلْنا عليك يا محمد القرآن توضيحًا لكل أمر كأحكام الحلال والحرام والثواب والعقاب والعقائد والعبادات وغير ذلك وهدي ورحمة وبشرى للمؤمنين في الدنيا والآخرة . .

﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ [فصلت:53] ﴾

سنظهر لهم آياتنا في أقطار السموات والأرض من الفتوحات وظهور الإسلام على الأقاليم وسائر الأديان حتى يتبين لهم أن القرآن الكريم هو الحق الذي لا شك فيه وأنه وحى من رب العالمين .

الجن يؤمنون بالقرآن

﴿ وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ[الأحقاف:29]قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ[الأحقاف:30]يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ[الأحقاف:31] ﴾

حضرت طائفة من الجن ليستمعوا القرآن فلما حضروا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ قال بعضهم لبعض أنصتوا لنستمع القرآن فلما فرغ الرسول من تلاوة القرآن وقد وعَوه وأثَّر فيهم رجعوا إلى قومهم منذرين ومحذرين لهم بأس الله إن لم يؤمنوا به قالوا: يا قومنا إنا سمعنا كتابًا أنزل من بعد موسى مصدقًا لما قبله من الكتب التي أنزلها الله على رسله يهدي إلى الحق والصواب وإلى طريق صحيح مستقيم يا قومنا أجيبوا رسول الله محمدًا إلى ما يدعوكم إليه وصدِّقوه واعملوا بما جاءكم به يغفر الله لكم من ذنوبكم وينقذكم من عذاب أليم .

﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً [الجن:1] يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً [الجن:2] ﴾

قل يا محمد لقومك أن الجن استمعوا القرآن فلما سمعوه قالوا لقومهم إنا سمعنا قرآنًا بديعًا في بلاغته وفصاحته وحكمه وأحكامه وأخباره يدعو إلى الحق والهدى فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدًا في عبادته.

إقرار أهل الكتاب بالقرآن

﴿ وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ [الأنعام:114] ﴾

الذين آتيناهم الكتاب من اليهود والنصارى يعلمون أنه منزل من ربك بالحق بما عندهم من البشارات بك من الأنبياء المتقدمين فلا تكونن من الشاكِّين في شيء مما أوحينا إليك
﴿ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ [يونس:94] وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الأنعام:115]﴾
إن كنت أيها الرسول في ريب من حقيقة ما أخبرناك به فاسأل الذين يقرؤون التوراة والإنجيل من قبلك من أهل الكتاب فإن ذلك ثابت في كتبهم لقد جاءك الحق من ربك بأنك رسول الله واليهود والنصارى يعلمون صحة ذلك ويجدون صفتك في كتبهم ولكنهم ينكرون مع علمهم به فلا تكوننَّ من الشاكِّين في حقيقته.وهذه الآية شرط والشرط لا يقتضي وقوعه.ولهذا جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال[ لا أشك ولا أسأل ]وتمت كلمة ربك صدقًا في الأخبار والأقوال وعدلا في الأحكام فلا يستطيع أحد أن يبدِّل كلماته الكاملة والله تعالى هو السميع لما يقول عباده العليم بظواهر أمورهم وبواطنها.

﴿ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ [الشعراء:196]أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيلَ [الشعراء:197] ﴾

يقول تعالى:إنه نوه بهذا القرآن في التوراة والإنجيل كما أخذ الله عليهم الميثاق بذلك أليس يكفيهم أن العلماء من بني إسرائيل يجدون ذكر هذا القرآن في كتبهم كما أخبر بذلك من آمن منهم كعبد الله بن سلام وسلمان الفارسي

﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ [الصف:6] ﴾

قال عيسى ابن مريم لقومه: إني رسول الله إليكم مصدِّقًا لما جاء قبلي من التوراة وشاهدًا بصدق رسول يأتي من بعدي اسمه "أحمد" وداعيًا إلى التصديق به فلما جاءهم الرسول بالآيات الواضحات قالوا:ما جئتنا به سحر كبير
¤قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول[ إن لي أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب ] رواه مسلم

﴿ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ[الأحقاف:10] ﴾

هذا القرآن شهدت بصدقه وصحته الكتب السابقة المنزلة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وشهد شاهد من بني إسرائيل كعبد الله بن سلام علي ما جاء في التوراة من التصديق بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم فآمن بالقرآن وجحدتم ذلك استكبارًا إن الله لا يهدي القوم الظالمين .

﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف:157] ﴾
الذين يتبعون الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف
وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات مما حرم في دينهم ويحرم عليهم الخبائث كالميتة ولحم الخنزير ويضع عنهم أثقالهم و الشدائد التي كانت عليهم كقطع موضع النجاسة من الثوب وإحراق الغنائم والقصاص من القاتل عمدًا كان القتل أم خطأ فالذين آمنوا به ووقروه ونصروه واتبعوا القرآن الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون .

﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ[البقرة:146]﴾

الذين أتيناهم التوراة والإنجيل من أحبار اليهود وعلماء النصارى يعرفون أنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم رسول الله بأوصافه المذكورة في كتبهم مثل معرفتهم بأبنائهم وإن فريقًا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون صِدْقه

﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ [الأنعام:20] ﴾

الذين آتيناهم التوراة والإنجيل يعرفون محمدًا صلى الله عليه وسلم بصفاته المكتوبة عندهم مثل معرفتهم بأبنائهم ولكنهم اتبعوا أهواءهم و كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به فخسروا أنفسهم .

﴿وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ[آل عمران:81]﴾

أخذ سبحانه وتعالي العهد المؤكد على جميع الأنبياء:لَئِنْ آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول من عندي مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنَّه فهل أقررتم واعترفتم بذلك وأخذتم على ذلك عهدي الموثق؟ قالوا:أقررنا بذلك قال: فليشهدْ بعضكم على بعض واشهدوا على أممكم بذلك وأنا معكم من الشاهدين عليكم وعليهم .

﴿ وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ [آل عمران:187] ﴾

أخذ الله العهد الموثق على أهل الكتاب من اليهود والنصارى ليعملوا بهما ويبينوا للناس ما فيهما ولا يكتموا ذلك ولا يخفوه فتركوا العهد ولم يلتزموا به وأخذوا ثمنا بخسًا مقابل كتمانهم الحق وتحريفهم الكتاب فبئس ما يشترون .

﴿ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [آل عمران:199] ﴾

من أهل الكتاب َمن يصدِّق بالله ربًّا واحدًا وإلهًا معبودًا وبما أُنزِل إليكم من القرآن وبما أُنزِل إليهم من التوراة والإنجيل متذللين لله خاضعين له لا يشترون بآيات الله ثمنًا قليلا ولا يكتمون ما أنزل الله أولئك لهم ثواب عظيم عند ربهم في الدنيا والآخرة إنَّ الله سريع الحساب.

﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ [القصص:52] وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ [القصص:53] أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [القصص:54] وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ [القصص:55] ﴾

يخبر تعالى عن العلماء من أهل الكتاب أنهم يؤمنون بالقرآن كما قال تعالى{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [البقرة:121] وإذا يتلى القرآن على أهل الكتاب قالوا صدَّقنا به وعملنا بما فيه إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبل نزوله مسلمين موحدين فدين الله واحد وهو الإسلام فقال الله تعالى أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا على الإيمان بكتابهم وعلى إيمانهم بالقرآن وبما صبروا على إتباع الحق لا يقابلون السيء بمثله ولكن يعفوا ويصفحوا ومما رزقهم الله ينفقون وإذا سمعوا لغوا من القول
أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نريد طريق الجاهلين وهذا ما يقوله الدعاة إلى الله.

¤عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم[ ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه ثم آمن بي وعبد مملوك أدى حق الله وحق مواليه ورجل كانت له أمة فأدبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها فتزوجها ]
عناد المشركين

﴿ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ [البقرة:145]﴾

لئن جئت أيها الرسول أهل الكتاب بكل حجة وبرهان على صحة ما جاءهم من الإسلام والقرآن و تحويل القبلة إلي الكعبة وأنه الحق من عند الله ما تبعوا قبلتك عنادًا واستكبارًا وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك حينئذ لمن الظالمين لأنفسهم.

﴿ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ [الأنعام:25] وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [الأنعام:26] ﴾

يخبر تعالي عن المشركين فيقول إن يروا الآيات الكثيرة الدالة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم لا يصدقوا بها فلا فهم عندهم ولا إنصاف حتى إذا جآؤوك أيها الرسول يجادلوك في الحق بالباطل و يقولون إن الذي جئت به مأخوذا من كتب الأوائل ومنقول عنهم و ينهون الناس عن إتباع الحق وتصديق الرسول والانقياد لله ويبعدون هم عنه فلا ينتفعون ولا يدعون أحدا ينتفع وما يهلكون بهذا الصنيع ولا يعود وباله إلا عليهم وهم لا يشعرون

﴿ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ [الأنعام:111]﴾
يقول تعالى لو أجبنا سؤال الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها فنزَّلنا إليهم الملائكة من السماء وأحيينا لهم الموتى فكلموهم وجمعنا لهم كل شيء طلبوه فعاينوه لم يصدِّقوا بما دعوتهم إليه أيها الرسول إلا من شاء الله له الهداية ولكن أكثر الكفار يجهلون الحق الذي جئت به من عند الله.

﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً[الإسراء:89]وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً[الإسراء:90]أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً[الإسراء:91]أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً[الإسراء:92]أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً[الإسراء:93]وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَراً رَّسُولاً[الإسراء:94]قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَّسُولاً[الإسراء:95]﴾

لقد بينا للناس في هذا القرآن الحجج والبراهين القاطعة ووضحنا لهم الحق وشرحناه فما زادهم ذلك إلا جحودا للحق وردا للصواب ولما أعجز القرآن المشركين وغلبهم أخذوا يطلبون معجزات وَفْق أهوائهم فقالوا لن نصدقك أيها الرسول ونعمل بما تقول حتى تفجر لنا من أرض "مكة" عينًا جارية . أو تكون لك حديقة فيها النخيل والأعناب وتجعل الأنهار تجري في وسطها بغزارة أو تسقط السماء علينا قطعًا كما زَعَمْتَ أو تأتي لنا بالله وملائكته فنشاهدهم عِيانًا أو يكون لك بيت من ذهب أو تصعد في درج إلى السماء ولن نصدِّقك في صعودك حتى تعود ومعك كتاب من الله منشور نقرأ فيه أنك رسول الله حقا قل:سبحان ربي!! إن شاء أجابكم إلى ما سألتم وإن شاء لم يجبكم وما أنا إلا رسول إليكم أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم ؟ ولو علم الله أنهم يسألون ذلك استرشادا لأجيبوا إليه ولكن علم أنهم يطلبون ذلك كفرا وعنادا له كما قال تعالي﴿ وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً [الإسراء:59] ﴾

[ فقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم:إن شئت أعطيناهم ما سألوا فإن كفروا عذبتهم عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين وإن شئت فتحت عليهم باب التوبة والرحمة ؟ فقال:بل تفتح عليهم باب التوبة والرحمة لعل أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئا ]وما منع الكفارَ من الإيمان بالله ورسوله حين جاءهم البيان من عند الله إلا قولهم أبعث الله رسولا من البشر ؟ قل أيها للمشركين لو كان في الأرض ملائكة يمشون عليها مطمئنين لأرسلنا إليهم ملكا من جنسهم و أهل الأرض بشر فرسولهم ينبغي أن يكون بشرا ليتمكنوا من مخاطبته وفَهْم كلامه.

﴿ وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ [الأنعام:7]وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ[الأنعام:8]وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ[الأنعام:9]وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم
مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ[الأنعام:10]قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ[الأنعام:11] ﴾
يخبر تعالى عن عناد المشركين فقال لو نزلنا عليك يا محمد كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم وعاينوه ورأوا نزوله وباشروا ذلك لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر واضح وقالوا لولا أنزل عليه ملك ليكون معه نذيرا قال الله لو نزلت الملائكة عليهم لجاءهم من الله العذاب ولو بعثنا إلى البشر رسولا من الملائكة لكان على هيئة الرجل ليمكنهم مخاطبته و الأخذ عنه كقوله تعالى{ قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَّسُولاً [الإسراء:95] فمن رحمته تعالى بخلقه أنه يرسل إلى كل صنف من الخلائق رسلا منهم ليدعو بعضهم بعضا وليخاطب بعضهم بعضا كما قال تعالى{ لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ[آل عمران:164]
¤عن ابن عباس قال:لو أتاهم ملك ما أتاهم إلا في صورة رجل لأنهم لا يستطيعون النظر إلى الملائكة من النور ولخلطنا عليهم وقوله {ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون} هذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم في تكذيب من كذبه من قومه ووعد له وللمؤمنين به بالنصرة والعاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة ثم قال تعالى سيروا في الأرض وانظروا إلي القرون الماضية الذين كذبوا الرسل وعاندوهم ما حل الله بهم من العذاب والنكال في الدنيا مع ما ادخر لهم من العذاب الأليم في الآخرة وكيف نجى رسله وعباده المؤمنين

﴿ وَإِذَا جَاءتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ اللّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ [الأنعام:124] ﴾

إذا جاءتهم آية وبرهان وحجة قاطعة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم قال بعض كبرائهم:لن نصدِّق بنبوته حتى يعطينا الله من النبوة والمعجزات مثل ما أعطى رسله السابقين فردَّ الله تعالى عليهم بقوله:الله أعلم بالذين هم أهل لحمل رسالته وتبليغها إلى الناس.وسينال هؤلاء الطغاة الذل ولهم عذاب شديد بسبب كيدهم للإسلام وأهله.

﴿ إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ[يونس:96]وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ [يونس:97] ﴾

الذين حقَّت عليهم كلمة ربك أيها الرسول بالعذاب لا يؤمنون بالله ولا يقرُّون بوحدانيته . ولو جاءتهم كل موعظة وعبرة حتى يعاينوا العذاب الموجع فحينئذ يؤمنون حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن أمنت من قبل .

﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ [الحجر:14] لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ [الحجر:15] ﴾

لو فتحنا على الكفار بابًا من السماء فاستمروا فيه صاعدين حتى يشاهدوا ما في السماء من عجائب ملكوت الله لما صدَّقوا ولقالوا سُحِرَتْ أبصارنا حتى رأينا ما لم نرَ وما نحن إلا مسحورون .

﴿ وَإِن يَرَوْا كِسْفاً مِّنَ السَّمَاءِ سَاقِطاً يَقُولُوا سَحَابٌ مَّرْكُومٌ [الطور:44] فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ [الطور:45] يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ [الطور:46] ﴾
وإن ير المشركون قطعًا من السماء ساقطًا عليهم عذابًا لهم لقالوا:هذا سحاب متراكم فوق بعض فدع المشركين حتى يوم القيامة يوم لا ينفعهم كيدهم ولا مكرهم الذي عملوه في الدنيا ولا ينصرهم ناصر من عذاب الله .

﴿ وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوّاً كَبِيراً [الفرقان:21] ﴾

يخبر تعالى عن تعنت الكفار وعنادهم فقال الذين لا يؤمنون بالبعث لولا أنزل علينا الملائكة فتُخْبِرنا بصدق محمد أو نرى ربنا عِيانًا فيخبرنا بصدقه في رسالته لقد تكبروا في أنفسهم و طغوا طغيانا كبيرا بطلبهم رؤية الله في الدنيا

﴿ فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِن قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ [القصص:48] ﴾

لما جاءهم محمد قالوا:هلا أوتي مثل ما أوتي موسى من معجزات مثل العصا واليد والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم وفلق البحر وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى وكتابٍ نزل جملة واحدة ! قل لهم:أولم يكفر اليهود بما أوتي موسى من قبل؟قالوا:في التوراة والقرآن سحران تعاونا في سحرهما وقالوا:نحن بكل منهما كافرون.
تحدي المنكرين

﴿ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء : 88]﴾
يوضح سبحانه وتعالى شرف هذا القرآن العظيم فقال لو اجتمعت الإنس والجن كلهم واتفقوا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو تعاونوا علي ذلك .

﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [هود:13] فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وَأَن لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ [هود:14]﴾
يقول المشركون إن محمدًا قد افترى هذا القرآن ؟ قل لهم إن كان الأمر كما تزعمون فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من خلق الله ليساعدوكم على ذلك إن كنتم صادقين في دعواكم . فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أن هذا القرآن أنزله الله بعلمه على رسوله و أن لا إله إلا الله فهل أنتم بعد قيام هذه الحجة عليكم مسلمون ؟
﴿ وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:23] فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:24]﴾
إن كنتم أيها الكافرون المعاندون في شَكٍّ من القرآن الذي نَزَّلناه على عبدنا محمد صلى الله عليه وسلم وتزعمون أنه ليس من عند الله فهاتوا سورة تماثل سورة من القرآن وادعوا آلهتكم التي تعبدونها من دون الله لتعينكم إن
كنتم صادقين فإن عجَزتم وستعجزون لا محالة فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أُعِدَّتْ للكافرين

﴿ وَمَا كَانَ هَـذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ[يونس:37]أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ[يونس:38]بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ[يونس:39] ﴾

يوضح سبحانه وتعالي أن مثل هذا القرآن لا يكون إلا من عند الله ولا يشبه هذا كلام البشر ولكن تصديق الذي بين يديه من الكتب السابقة ومهيمنا عليه ومبينا لما وقع فيها من التحريف والتأويل والتبديل وبيان لأحكام الحلال والحرام لا شك فيه من الله رب العالمين ففيه خبر ما قبلكم ونبأ ما بعدكم وفصل ما بينكم أيقول المشركون اختلقه محمد قل لهم يا محمد فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم ليساعدوكم إن كنتم صادقين . بل سارَعوا إلى التكذيب بالقرآن أول ما سمعوه قبل أن يتدبروا آياته وكفروا بما لم يحيطوا بعلمه وبما لم يأتهم تأويله من ذكر البعث والجزاء والجنة والنار وغير ذلك وكذلك كذَّبت الأمم السابقة فانظر أيها الرسول كيف كانت عاقبة الظالمين ؟

َ﴿ قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ[القصص:49]فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [القصص:50]﴾
قل يا محمد للمكذبين فأتوا بكتاب من عند الله هو أفضل من التوراة والقرآن أتبعه إن كنتم صادقين فإن لم يأتوا بكتاب لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم وليس أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الكافرين

محاججة المنكرين

﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ [الزخرف : 87] ﴾

لئن سألت المشركين بالله من خلقهم ليقولن الله فهم يعترفون أنه الخالق للأشياء وحده لا شريك له ومع هذا يعبدون معه غيره ممن لا يملك شيئا ولا يقدر على شيء فهم في غاية الجهل والسفاهة وسخافة العقل ولهذا قال تعالى فكيف يعبدون غيره .
﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ[العنكبوت:61]﴾
لئن سألت أيها الرسول المشركين من الذي خلق السموات والأرض على هذا النظام البديع وسخر الشمس والقمر ؟ ليقولُنَّ خلقهن الله وحده فكيف يعبدون غيره وهو خالق كل شيء ؟

﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ [الزخرف:9] ﴾

لئن سألت أيها الرسول المشركين مَن خلق السموات والأرض ؟ ليقولُنَّ خلقهنَّ العزيز في سلطانه العليم بهن
﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ[الزمر:38] ﴾

لئن سألت أيها الرسول المشركين مَن خلق السموات والأرض ؟ ليقولُنَّ الله فهم يُقِرُّون بالخالق. قل لهم هل تستطيع آلهتكم التي تعبدوها من دون الله أن تُبْعِدَ عني أذى قدَّره الله عليَّ ؟ وهل تستطيع أن تمنع نفعَا يسَّره الله لي ؟ سيقولون : لا تستطيع ذلك. قل لهم : حسبي الله وكفي عليه يعتمد المعتمدون ويثق فيه الواثقون .

¤عن ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم[ احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يضروك ولو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله لك لم ينفعوك جفت الصحف ورفعت الأقلام واعمل لله بالشكر في اليقين واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا وأن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا ]

﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [لقمان:25]﴾

لئن سألت أيها الرسول المشركين مَن خلق السموات والأرض؟ ليقولُنَّ الله فقل الحمد لله الذي أظهر الاستدلال عليكم من أنفسكم بل أكثر المشركين لا يتدبرون مَن الذي له الحمد والشكر فلذلك أشركوا معه غيره.

﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ [العنكبوت:63] ﴾

لئن سألت أيها الرسول المشركين مَنِ الذي نزَّل من السحاب ماء فأحيا به الأرض بعد جفافها ؟ليقولُنَّ الله قل الحمد لله الذي أظهر الحجة عليهم بل أكثرهم لا يعقلون ما ينفعهم ولا ما يضرهم ولو عَقَلوا ما أشركوا بالله .

﴿ قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ [يونس:31] فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ [يونس:32] ﴾

قل أيها الرسول للمشركين مَن الذي ينزل من السماء ماء المطر فيشق الأرض شقا بقدرته فيخرج منها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا ومن الذي وهبكم السمع والأبصار والأفئدة ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه وهو المتصرف الحاكم الذي لا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون فسيقولون الله فقل أفلا تخافون عقاب الله إن عبدتم معه غيره ؟ فذالكم الذي اعترفتم بأنه فاعل ذلك كله هو ربكم وإلهكم الحق الذي يستحق أن يفرد بالعبادة و كل معبود سواه باطل لا إله إلا الله وحده لا شريك له فكيف تعبدون غيره ؟
﴿ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [يونس:34] قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [يونس:35] ﴾

قل لهم أيها الرسول هل من آلهتكم مَن يبدأ خلق هذه السموات والأرض ثم ينشىء ما فيهما من الخلائق ثم يفنيها بعد إنشائها ثم يعيدها ؟ فلا يقدرون على ذلك الله وحده هو الذي ينشئ الخلق ثم يفنيه ثم يعيده فكيف تعبدون غيره ؟ قل لهم يا محمد هل مِن شركائكم مَن يرشد إلى الحق ؟ وقل الله يهدي إلى الحق فأيهما أحق بالإتباع مَن يهدي للحق أم من لا تَهدي ولا تَهتدي إلا أن تُهدَى؟ فكيف سوَّيتم بين الله وخلقه ؟ كما قال تعالى{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً [مريم:41] إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً [مريم:42] يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً [مريم:43]

﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ[آل عمران:70]يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ[آل عمران:71]﴾

يا أهل الكتاب لم تجحدون بآيات الله التي أنزلها على رسله وأنتم تعلمون صدقها ومنها أن محمدًا هو رسول الله وأن ما جاءكم به هو الحق ؟ يا أهل الكتاب لِمَ تخلطون الحق بالباطل في كتبكم بما حرفتموه وكتبتموه بأيديكم وتُخْفون ما فيهما من صفة محمد صلى الله عليه وسلم وأن دينه هو الحق وأنتم تعلمون ذلك ؟

﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَاللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ[آل عمران:98]قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنتُمْ شُهَدَاء وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ[آل عمران:99]﴾

يا أهل الكتاب لِمَ تجحدون بآيات الله الدالة علي أن الإسلام هو الحق من عند الله ؟ والله شهيد على ما تعملون ولِمَاذا تمنعون من يريد الدخول في الإسلام أتبغونها عوجا وأنتم تعلمون أن ما جئتُ به هو الحق ؟ وما الله بغافل عما تعملون من الكفر والتكذيب وإنما يؤخركم إلى وقتكم ليجازيكم

﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاءَ اللّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [البقرة:91] ﴾

إذا قيل لأهل الكتاب صدِّقوا بما أنزل الله من القرآن قالوا نصدِّق بما أنزل الله على أنبيائنا ويكذبون بما أنزل الله بعد ذلك وهم يعلمون أن ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق مصدقا لما معهم فلو كانوا يؤمنون بكتبهم حقًا لآمنوا بالقرآن قل لهم يا محمد إن كنتم مؤمنين بما أنزل إليكم فلماذا تقتلون أنبياء الله ؟

﴿ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ[آل عمران:183] ﴾
حين دُعُي اليهود إلى الإسلام قالوا إن الله أوصانا في التوراة ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بصدقة يتقرب بها إلى الله فتنزل نار من السماء فتحرقها قل لهم قد جاءكم رسل من قبلي بالمعجزات وبالذي قلتم مثل زكريا ويحيى فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين .

﴿ قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ[البقرة:94]وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ [البقرة:95] ﴾

قل لليهود إن كانت لكم الجنة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولن يتمنوه أبدًا لما يعرفونه من صدق النبي محمد ومن كذبهم وافترائهم وبسبب ما ارتكبوه من الكفر والمعاصي والله عليم بالظالمين

﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [الجمعة:6] وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [الجمعة:7] ﴾

قل لليهود إن زعمتم أنكم أولياء لله و أنكم على الحق من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولا يتمنونه أبدا بما يعملون من الكفر والظلم والفجور والله عليم بالظالمين لا يخفى عليه من ظلمهم شيء.

القرآن يصدق الكتب السابقة

﴿ وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ[البقرة:41]﴾

يا أهل الكتاب آمنوا بالقرآن مصدقا لما معكم من التوراة والإنجيل ولا تكونوا أول كافر به وعندكم فيه من العلم ما ليس عند غيركم ولا تستبدلوا بآياتي ثمنًا قليلا من حطام الدنيا الزائل وإياي وحدي فاعملوا بطاعتي واتركوا معصيتي.

﴿ وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ [البقرة:89] بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ اللّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ [البقرة:90]وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاءَ اللّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [البقرة:91] ﴾

حين جاءهم القرآن من عند الله مصدقا لما معهم من التوراة والإنجيل جحدوه وأنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وكانوا قبل بعثته يستنصرون به على المشركين ويقولون قَرُبَ مبعث نبيِّ آخرِ الزمان وسنتبعه ونقاتلكم معه فلمَّا جاءهم الرسول الذي عرفوا صفاتِه وصِدْقَه كفروا به وكذبوه فلعنةُ الله على الكافرين . بئس ما اختاره بنو إسرائيل لأنفسهم إذ استبدلوا الكفر بالإيمان ظلمًا وحسدًا لإنزال القرآن على نبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم فرجعوا بغضب من الله عليهم بسبب تكذيبهم النبي على غضب استحقوه من قبل بسبب تحريفهم
التوراة وللكافرين عذاب مهين يذلُّهم ويخزيهم .

﴿ وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ [البقرة : 101] ﴾

لما جاءهم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرآن مصدقا لما معهم من التوراة طرح فريق منهم التوراة وراء ظهورهم ولم يعملوا بما فيها من الإيمان بالرسول كأنهم لا يعلمون حقيقته .

﴿ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ [آل عمران : 3] مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ [آل عمران : 4] ﴾

الله نَزَّل عيك القرآن بالحق الذي لا شك فيه مصدِّقًا لما قبله من الكتب وأنزل التوراة على موسى علبه السلام والإنجيل على عيسى عليه السلام من قبل لإرشاد الناس في زمانهما وأنزل القرآن وهو الفارق بين الهدى والضلال والحق والباطل والغي والرشاد والذين كفروا بآيات الله لهم عذاب عظيم والله غالب فلا يمنعه شيء من إنجاز وعده ووعيده ذو انتقام بمن جحد حججه وأدلته .

﴿ وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ [الأنعام:92] ﴾

هذا القرآن كتاب أنزلناه إليك أيها الرسول عظيم النفع مصدق الكتب السماوية السابقة ولتنذر به أهل "مكة" ومن حولها من أقطار الأرض كما قال تعالي{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً[الأعراف:158] والذين يصدقون بالآخرة يصدقون بالقرآن وهم يقيمون الصلوات في أوقاتها

﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [المائدة:48]﴾

وأنزلنا إليك يا محمد القرآن بالحق الذي لا شك فيه أنه من عند الله مصدقا لما بين يديه من الكتب السابقة وشاهدا أمينا على الكتب السابقة فما وافقه منها فهو حق وما خالفه منها فهو باطل فاحكم يا محمد بين أهل الكتاب بما أنزل الله إليك في هذا القرآن ولا تتبع أهواءهم وتبعد عن الحق لكل أمة جعلنا شريعة وطريقة واضحة يعملون بها. ولو شاء الله لجعلكم علي شريعة واحدة ولكنه خالف بينها ليختبركم فيظهر المطيع من العاصي فسارعوا إلى الخير بالعمل بما في القرآن فإن مرجعكم إلى الله فيخبركم بما كنتم فيه تختلفون ويجزي كلا بعمله.

﴿ وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ [فاطر:31] ﴾

الذي أنزلناه إليك يا محمد من القرآن هو الحق المصدِّق للكتب التي أنزلها الله على رسله قبل. إن الله لخبير بشؤون عباده بصير بأعمالهم وسيجازيهم عليها.

﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [يوسف:111] ﴾

لقد كان في قصص الرسل الذي قصصناه عليك عظة وعبرة لأصحاب العقول السليمة ما كان هذا القرآن حديثًا مختلَقًا ولكن أنزلناه مصدقًا لما سبقه من الكتب السماوية وتفصيل كل شيء من أحكام الحلال والحرام والعقائد والعبادات وهدى ورحمة لأهل الإيمان تهتدي به قلوبهم من الغي إلى الرشاد ومن الضلال إلى السداد .

﴿ وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ [العنكبوت:47] ﴾

وأنزلنا إليك القرآن يا محمد كما أنزلنا الكتب على مَن قبلك من الرسل فالذين آتيناهم الكتاب من بني إسرائيل يؤمنون بالقرآن ومِن العرب وغيرهم مَن يؤمن به ولا ينكر القرآن أو يتشكك في دلائله البينة إلا الكافرون .

المقارنة بين المؤمن والكافر

﴿ أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ[السجدة:18]أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[السجدة:19]وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ[السجدة:20]وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ[السجدة:21]﴾

أفمن كان مطيعًا لله ورسوله مصدقًا بوعده ووعيده مثل من كفر بالله ورسله وكذب باليوم الآخر ؟ لا يستوون عند الله . الذين آمنوا بالله وعملوا بما أُمِروا به فجزاؤهم جنات يأوون إليها ويقيمون في نعيمها جزاءً لهم بما كانوا يعملون في الدنيا بطاعته .وأما الذين خرجوا عن الطاعة فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها كقوله {كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [الحج:22]

قال الفضيل بن عياض:والله إن الأيدي لموثقة وإن الأرجل لمقيدة وإن اللهب ليرفعهم والملائكة تقمعهم {وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون } ولنذيقن هؤلاء الفاسقين المكذبين من العذاب الأدنى من البلاء والمحن والمصائب في الدنيا قبل العذاب الأكبر يوم القيامة حيث يُعذَّبون في نار جهنم لعلهم يرجعون ويتوبون من ذنوبهم.

﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ [فاطر : 7] ﴾

الذين كذبوا الله ورسله لهم عذاب شديد في الآخرة لأنهم أطاعوا الشيطان وعصوا الرحمن والذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا الصالحات لهم مغفرة من ربهم وتجاوز عن ذنوبهم بعد سترها عليهم ولهم أجر كبير وهو الجنة.
﴿ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ [الحج:19] يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ [الحج:20] وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ [الحج:21] كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [الحج:22] إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ [الحج:23] وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ[الحج:24] ﴾

أهل الإيمان وأهل الكفر كل يدَّعي أنه محقٌّ فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يَلْبَسونها فتشوي أجسادهم ويُصبُّ على رؤوسهم الماء الذي يغلي من شدة الحر وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال[ إن الحميم ليصب على رؤوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه فيسلت ما في جوفه حتى يبلغ قدميه وهو الصهر ثم يعاد كما كان ] وتضربهم الملائكة على رؤوسهم بمطارق من حديد.كلما حاولوا الخروج من النار لشدة غمِّهم وكربهم أعيدوا للعذاب فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار.إن الله يدخل أهل الإيمان والعمل الصالح جنات تجري مِن تحتها الأنهار يُزَيَّنون فيها بأساور الذهب وباللؤلؤ ولباسهم فيها الحرير و هداهم الله في الدنيا إلى كلمة التوحيد كما هداهم من قبل إلى طريق الإسلام الموصل إلى الجنة.

﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ[محمد:1]وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ[محمد:2]ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ[محمد:3]﴾

الذين كفروا بآيات الله وصدوا غيرهم عن سبيل الله أبطل أعمالهم كقوله تعالى{ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً [الفرقان:23] والذين آمنت قلوبهم وسرائرهم وانقادت لشرع الله جوارحهم وبواطنهم وظواهرهم { وآمنوا بما نزل على محمد} عطف خاص على عام دليل على أنه شرط لصحة الإيمان .و وضح سبب الإضلال والهدى بأن الذين كفروا اتَّبَعوا الشيطان فأطاعوه وأن الذين آمنوا اتَّبَعوا الحق من ربهم .

﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ[الروم:14] فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ [الروم:15] وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الْآخِرَةِ فَأُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ [الروم:16] ﴾

يوم تقوم الساعة يفترق أهل الإيمان وأهل الكفر: قال قتادة : هي والله الفرقة التي لا اجتماع بعدها فإذا رفع هذا إلى عليين وخفض هذا إلى أسفل سافلين فذلك آخر العهد بينهما فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في الجنة ينعمون وأما الذين كفروا بالله و بما جاءت به الرسل وأنكروا البعث بعد الموت فأولئك في العذاب مقيمون.

﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً أَلُيماً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً [النساء:173] ﴾

يقول تعالي أن الذين آمنوا بالله وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله فيضاعف الحسنة بعشر
أمثالها إلى سبعمائة ضعف وزيادة عليها النظر إلى وجه الله تعالى الكريم في الجنة والمغفرةُ والرضوان وأما الذين امتنعوا عن طاعة الله وعبادته واستكبروا عن ذلك فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ينجيهم من العذاب ولا ناصرا ينصرهم من دون الله

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [الحديد:19] ﴾

الذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرِّقوا بين أحد منهم أولئك هم الصديقون بما جاءت به الرسل اعتقادًا وقولا وعملا والشهداء عند ربهم لهم ثوابهم الجزيل عند الله ونورهم العظيم يوم القيامة والذين كفروا وكذَّبوا بأدلتنا وحججنا أولئك أصحاب الجحيم .

﴿ اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:257]﴾

يخبر سبحانه وتعالى أنه يهدي الذين آمنوا فيخرجهم من ظلمات الكفر والشك والريب إلى نور الحق الواضح المنير
وأن الكافرين وليهم الشيطان يزين لهم الضلال فيخرجهم من طريق الحق إلى طريق الكفر أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ووحد النور وجمع الظلمات لأن الحق واحد والكفر أجناس كثيرة كما قال{ وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153]

﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ[آل عمران:106]وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[آل عمران:107]﴾

يوم القيامة تَبْيَضُّ وجوه أهل السعادة الذين آمنوا بالله ورسوله وامتثلوا أمره وتَسْوَدُّ وجوه أهل الشقاوة ممن كذبوا رسوله وعصوا أمره فأما الذين اسودَّت وجوههم فيقال لهم أكفرتم بعد إيمانكم ؟ فذوقوا العذاب بسبب كفركم وأما الذين ابيضَّتْ وجوهم فهم في جنة الخلد ونعيمها وهم باقون فيها لا يخرجون منها أبدًا.

﴿ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ[محمد:11] إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ[محمد: 12]﴾
الله وليُّ المؤمنين ونصيرهم و الكافرين لا وليَّ لهم ولا نصير إن الله يدخل الذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار ومثل الذين كفروا يتمتعون ويأكلون مثل البهائم والنار مأوي لهم .

﴿ إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى [طه:74] وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى [طه:75] جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ
جَزَاء مَن تَزَكَّى [طه:76] ﴾

من يأت ربه كافرًا فإن له جهنم لا يموت فيها فيستريح ولا يحيا حياة يتلذذ بها ومن يأت ربه مؤمنًا به قد عمل الصالحات فله المنازل العالية في الجنة تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا وذلك النعيم الدائم ثواب من الله لمن عبد الله وحده فأطاعه واجتنب معاصيه ولقي ربه لا يشرك بعبادته أحدًا من خلقه.

﴿ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الحج:50] وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [الحج:51] ﴾

فالذين آمنوا بالله ورسوله واستقر ذلك في قلوبهم وعملوا الأعمال الصالحة لهم عند الله عفو عن ذنوبهم ومغفرة يستر بها ما صدر عنهم من معصية ورزق حسن لا ينقطع وهو الجنة.والذين اجتهدوا للتكذيب بالقرآن وصد الناس عن دين الله أولئك أصحاب الجحيم كما قال تعالي{ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ [النحل:88]
وعيد الله للكافرين

﴿ وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ [التوبة : 68] ﴾
وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها عقابًا على كفرهم بالله وطردهم الله مِن رحمته ولهم عذاب دائم.

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ [الأعراف:40] لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [الأعراف:41] ﴾

إن الذين كذبوا بآيات الله لا تُفتَّح لهم أبواب السماء ولا يرفع لهم منها عمل صالح ولا دعاء و لا تفتح لأرواحهم
عند الممات ولا يدخلون الجنة إلا إذا دخل الجمل في ثقب الإبرة وهذا من المستحيل وهذا هوا جزاء المجرمين . لهم من جهنم فراش ومن فوقهم أغطية من جهنم وهم فيها خالدون وهذا عقاب الله للظالمين الذين كذبوا وكفروا بالله وبآياته .

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ [إبراهيم:28] جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ[إبراهيم:29] وَجَعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ [إبراهيم:30]﴾

ألم تر يا محمد كفار مكة بعثك الله منهم رحمة للناس ونعمة للعالمين فبدلوا نعمة كفرا وكذبا وبدلوا الجنة بالنار وأوردوا قومهم دار الهلاك جهنم يخلدون فيها و بئس المستقر و جعلوا لله شركاء عبدوهم معه ليضلوا الناس عن سبيل الله قل لهم يا محمد : تمتعوا في الحياة الدنيا فإنها إلي زوال ثم إلينا مرجعكم يوم القيامة ومصيركم هو النار
﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ [فاطر:36] وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ [فاطر:37] ﴾

الذين كفروا بالله ورسوله لهم نار جهنم لا يُقْضى عليهم بالموت فيموتوا ويستريحوا ولا يُخَفَّف عنهم مِن عذابها وهذا جزاء الكافرين ويَصْرُخون في نار جهنم مستغيثين من شدة العذاب : ربنا أخرجنا من نار جهنم وردَّنا إلى الدنيا نعمل صالحًا غير الذي كنا نعمله في حياتنا الدنيا فيقول لهم : أولم نُمْهلكم في الحياة قَدْرًا وافيًا من العُمُر وجاءكم النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لم تتذكروا ولم تتعظوا ؟ فذوقوا عذاب جهنم فما للكافرين ناصر ينصرهم من عذاب الله .

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً [النساء:56] ﴾

إن الذين جحدوا ما أنزل الله من آياته ووحي كتابه ودلائله وحججه سوف ندخلهم نارًا كلما احترقت جلودهم بدَّلْناهم جلودًا أخرى ليستمر عذابهم وألمهم إن الله عزيزًا لا يمتنع عليه شيء حكيمًا في تدبيره وقضائه.

﴿ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ [الحج:19] يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ [الحج:20] وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ [الحج:21] كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [الحج:22] ﴾

الذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يحيط بهم العذاب من كل جانب فتشوي أجسادهم ويُصبُّ على رؤوسهم الماء وهو يغلي يذاب به جلودهم وما في بطونهم وتضربهم الملائكة على رؤوسهم بمطارق من حديد .وكلما حاولوا الخروج من النار لشدة غمِّهم وكربهم أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار .

﴿ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاء مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً [الإسراء:97] ﴾

ومن يضلل فيخذلْه ويَكِلْه إلى نفسه فلا هادي له من دون الله ، ويحشرهم الله يوم القيامة على وجوههم لا يرون ولا ينطقون ولا يسمعون ومصيرهم نار جهنم كلما سكن لهيبها وخمدت نارها زدناهم نارًا ملتهبة متأججة.

﴿ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة:80] فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ [التوبة:81] فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ [التوبة:82] ﴾
يا محمد استغفر للمنافقين أو لا تستغفر لهم فلن يغفر الله لهم مهما تكرر استغفارك لهم لأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي الكافرين المنافقين . فرح الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بغزوة تبوك بقعودهم في المدينة وكرهوا أن يجاهدوا معه بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقال بعضهم لبعض لا تنفروا في الحرِّ قل لهم يا محمد نار جهنم أشد حرًا لو كانوا يعلمون . فليضحكوا قليلاً في الدنيا وليبكوا كثيرا في نار جهنم جزاءً بما كانوا يفعلون

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ [آل عمران:90] إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ [آل عمران:91] ﴾

يقول تعالى متوعدا ومهددا لمن كفر بعد إيمانه ثم استمر لن تقبل لهم توبة عند الممات كما قال تعالى{وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً [النساء : 18] ولهذا قال لن تقبل توبتهم وأولئك هم الخارجون عن المنهج الحق و الذين كذبوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وماتوا على الكفر بالله ورسوله فلن يُقبل من أحدهم يوم القيامة ملء الأرض ذهبًا ليفتدي به نفسه من عذاب الله وأولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ينقذهم من عذاب الله .

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً [النساء:137] بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً [النساء:138] ﴾

إن الذين آمنوا ثم رجعوا إلى الكفر ثم عادوا إلى الإيمان ثم رجعوا إلى الكفر ثم ازدادوا كفرا واستمروا عليه لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليدلهم على طريق الهداية.بشّر المنافقين الذين يظهروا الإيمان ويبطنون الكفر بأن لهم عذابًا أليما

﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ[النور:39] أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ [النور:40] ﴾

الذين كفروا بربهم وكذَّبوا رسله يجيء يوم القيامة وهو يحسب أنه عمل عملا نافعا في الدنيا فإذا كان يوم القيامة لم يجدوا شيئا ووجد الله قد جازاه عليه في الدنيا والله سريع المجازاة و عن أنس بن مالك قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ إن الله لا يظلم المؤمن حسنة يعطى بها في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة وأما الكافر فيطعم بحسناته في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يعطى بها خيرا ] والذين كفروا أعمالهم السيئة من كفر وضلال وفساد كظلمات في بحر عميق يعلوه موج من فوق الموج موج ومِن فوقه سحاب كثيف ظلمات شديدة بعضها فوق بعض إذا أخرج الناظر يده لم يراها ومن لم يهده الله لم يهتد .
﴿ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ [الأعراف:97] أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ [الأعراف:98] أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99] ﴾

يقول تعالي أفأمن أهل القرى الكافرة أن يأتيهم عذابنا ليلا وهم نائمون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم عذابنا نهارا وهم يلعبون أي في حال شغلهم وغفلتهم ؟ فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون .

﴿ قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ [الزمر:39] مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ [الزمر:40] ﴾

قل لهم يا محمد اعملوا علي طريقتكم وأنا عامل علي طريقتي وستعلمون عاقبة ذلك ومن يأتيه عذاب يخزيه في الدنيا ومن يخلد في جهنم .
ما الذي يقربنا إلي الله

﴿ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ [سبأ:37] ﴾

ليست أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا وترفع درجاتكم لكن مَن آمن بالله وعمل صالحًا فهؤلاء لهم ثواب الضعف من الحسنات فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف وهم في الجنة آمنون من العذاب والموت والأحزان . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال[ إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ] ورواه مسلم

﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ [المؤمنون:57] وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ [المؤمنون:58] وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ [المؤمنون:59] وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ [المؤمنون:60] أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [المؤمنون:61]﴾

الذين هم من خشية ربهم مشفقون وَجِلون والذين هم يصدِّقون بالقرآن ويعملون به والذين هم يعبدون الله وحده ولا يشركون به غيره والذين يجتهدون في أعمال الخير والبر وقلوبهم خائفة ألا تُقبل أعمالهم وألا تنجيهم من عذاب ربهم إذا رجعوا إليه للحساب أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون في علم الله

﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [التوبة:20] يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ [التوبة:21] خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً إِنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [التوبة:22] ﴾

الذين آمنوا بالله وتركوا دار الكفر قاصدين دار الإسلام وبذلوا أموالهم وأنفسهم في الجهاد لإعلاء كلمة الله هؤلاء أعظم درجه عند الله وأولئك هم الفائزون.و لهم البشرى من ربهم بالرحمة الواسعة والرضوان الذي لا سخط بعده وهم في الجنة خالدين.ثواب ما قدَّموه من الطاعات والعمل الصالح في الدنيا. إن الله عنده أجر عظيم لمن آمن وعمل صالحا .

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ شَيْئاً وَأُولَـئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ[آل عمران:10]﴾

إن الذين كفروا بآيات الله وكذبوا رسله وخالفوا كتابه ولم ينتفعوا بوحيه إلى أنبيائه لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك هم حطب النار الذي توقد به كقوله تعالي{ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ [الأنبياء : 98]وقال تعالي{ فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة : 55]

لا تعجبك أموال المنافقين ولا أولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الحياة الدنيا بالتعب في تحصيلها وبالمصائب التي تقع فيها و يموتوا وهم كافرون .كما قال تعالي{وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى[طه:131]وقال تعالي{ أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ [المؤمنون:55] نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ [المؤمنون:56]

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ شَيْئاً وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [آل عمران:116] ﴾

إن الذين كفروا بآيات الله وكذبوا رسله لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم شيئًا من عذاب الله في الدنيا ولا في الآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون .
الدين ليس بالتمني

﴿ لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً [النساء:123] وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً [النساء:124] وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً [النساء:125] ﴾

الدين ليس بالتمني ولكن ما وقر في القلوب وصدقه العمل كما ورد بالآية الكريمة من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ومن يعمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن بالله وبما أنزل من الحق فأولئك يدخلون الجنة ولا يُنْقَصون من ثواب أعمالهم شيئًا ولو كان مقدار النقرة في ظهر النواة .ثم قال سبحان لا أحد أحسن دينا ممن أسلم لله بقلبه وخضع له بجوارحه وهو محسن واتبع دين محمد وابتعد عن الشرك والعقائد الفاسدة

لا إيمان قد اضطروا إليه

﴿ فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ [غافر:84] فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ [غافر:85] ﴾

فلما رأوا عذابنا أقرُّوا حين لا ينفع الإقرار وقالوا: آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين في عبادة الله فلم يك ينفعهم إيمانهم هذا حين رأوا عذابنا وذلك لأنه إيمان قد اضطروا إليه لا إيمان اختيار ورغبة سنة الله وطريقته التي سنَّها في الأمم كلها أن لا ينفعها الإيمان إذا رأوا العذاب وهلك عند مجيء بأس الله الكافرون بربهم الجاحدون توحيده وطاعته وفي الحديث [ إن الله تعالى يقبل توبة العبد مالم يغرغر ] فإذا غرغر وبلغت الروح الحنجرة وعاين الملك فلا توبة حينئذ

﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ [الأنعام:158] ﴾

ينتظر الذين أعرضوا وصدوا عن سبيل الله حتى يأتيهم ملك الموت وأعوانه لقبض أرواحهم أو يأتي ربك أيها الرسول للفصل بين عباده يوم القيامة أو تأتي بعض علامات الساعة الدالة على مجيئها وهي طلوع الشمس من مغربها ؟ فحين ذلك لا ينفع نفسا إيمانها إن لم تكن آمنت من قبل ولا يُقبل منها إن لم تكن عاملة به قبل ذلك . قل لهم أيها الرسول انتظروا مجيء ذلك لتعلموا الحق من الباطل والمسيء من المحسن إنا منتظرون ذلك.

¤عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون وذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل ]

ماذا يريد الكافرون

﴿ يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [التوبة:32] هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:33] ﴾

يريد الكفار من المشركين وأهل الكتاب أن يبطلوا دين الإسلام ويأبى الله إلا أن يتم دينه ويظهره ويعلي كلمته ولو كره ذلك الكافرون . الله الذي أرسل رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم بالقرآن ودين الإسلام ليعليه على الأديان كلها ولو كره المشركون دين الحق و ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال[ إن الله زوى لي الأرض مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها ]و عن تميم الداري رضي الله عنه قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول [ ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين يعز عزيزا ويذل ذليلا عزا يعز الله به الإسلام وذلا يذل الله به الكفر ]

﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [الصف:8] ﴾
جزاء من يشاقق الرسول

﴿ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً [النساء:115] ﴾

من يخالف الرسول صلى الله عليه وسلم من بعد ما ظهر له الحق ويسلك طريقًا غير طريق المؤمنين وما هم عليه من الحق نتركه وما توجَّه إليه فلا نوفقه للخير وندخله نار جهنم وبئس المصير.

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ [محمد:32] ﴾

الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وخالفوا الرسول وارتدوا عن الإيمان من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئا وسيُبْطِل أعمالهم التي عملوها في الدنيا لأنهم لم يريدوا بها وجه الله تعالى وكان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يرون أنه لا يضر مع لا إله إلا الله ذنب ولا ينفع مع الشرك عمل كما قال تعالي{ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً [النساء:116]

﴿ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ [الأنفال : 12]ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الأنفال:13] ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ [الأنفال:14] ﴾

سألقي في قلوب الذين كفروا الخوف الشديد فاضربوا أيها المؤمنون رؤوس الكفار واضربوا منهم كل طرف ومِفْصل بسبب مخالفتهم لأمر الله ورسوله ومَن يخالف الله ورسوله فإن الله شديد العقاب له في الدنيا والآخرة هذا عذاب الدنيا ولكم في الآخرة عذاب النار

جزاء من اتخذوا دينهم لعبا ولهوا

﴿ وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ [الأنعام:70] ﴾

اترك يا محمد المشركين الذين جعلوا دين الإسلام لعبًا ولهوًا مستهزئين بآيات الله وغرَّتهم الحياة الدنيا بزينتها وذكّر المشركين وغيرهم بالقرآن كي لا ترتهن نفس بذنوبها كقوله تعالي{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ[المدّثر:38]وليس لها غير الله ناصر ينصرها من العذاب ولا شافع يشفع لها عنده وإن تَفْتَدِ بأي فداء لا يُقْبَل منها كما قال تعالي { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ و لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ[آل عمران:91] أولئك الذين ارتُهِنوا بذنوبهم لهم شراب شديد الحرارة وعذاب أليم بما كانوا يكفرون

﴿ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ [الأعراف:51] ﴾

الذين اتخذوا الدين لهوا ولعبا وخدعتهم الحياة الدنيا بزخارفها عن العمل للآخرة فيوم القيامة ينساهم الله تعالى ويتركهم في العذاب الموجع كما نسوا لقاء يومهم هذا وبما كانوا يجحدون بآيات الله وبراهينه .

﴿ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [الجمعة:11] ﴾

يعاتب سبحانه وتعالي بعض المسلمين الذين تركوا الرسول وهو علي المنبر يخطب يوم الجمعة حين رأى بعض المسلمين تجارة أو شيئًا مِن لهو الدنيا وزينتها فتفرَّقوا إليها وبقي اثنا عشر رجلا قل لهم يا محمد ما عند الله من الثواب خير للذين آمنوا من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين

جزاء من أعرض عن ذكر الله

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124] قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً [طه:125] قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى [طه:126] وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى [طه:127] ﴾

من يخالف أمري وما أنزلته على رسولي{ فإن له معيشة ضنكا } في الدنيا ولا طمأنينة ولا انشراح لصدره و صدره ضيق حرج لضلاله وإن تنعم ظاهره ولبس ما شاء وأكل ما شاء وسكن حيث شاء فإن قلبه ما لم يصل إلى اليقين والهدى فهو في قلق وحيرة وشك ونحشره يوم القيامة أعمى البصر والبصيرة فيقول{ رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا في الدنيا قال بلغك آيات الله فأعرضت عنها ونسيتها وكذلك اليوم تنسي كقوله تعالي{ َالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ [الأعراف:51] فإن الجزاء من جنس العمل يقول تعالى وهكذا نجازي المسرفين المكذبين بآيات الله في الدنيا والآخرة وعذاب الآخرة أشد ألما من عذاب الدنيا وأبقي

﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً [الكهف:57] ﴾

لا أحد أشد ظلمًا ممن ذكر بآيات الله فانصرف عنها ولم يلقي لها بالا ونسي ما قدَّمته يداه من الأعمال السيئة و الأفعال القبيحة ولم يرجع عنها إنَّا جعلنا على قلوبهم أغطية فلم يفهموا القرآن وجعلنا في آذانهم صمما فلم
يسمعوه ولم ينتفعوا به وإن تَدْعُهم إلى الإيمان فلن يستجيبوا لك ولن يهتدوا إليه أبدًا .

﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ [السجدة:22]﴾

لا أحد أشد ظلمًا لنفسه ممن ذكر بآيات الله ثم انصرف عنها ولهذا قال تعالي سأنتقم ممن فعل ذلك أشد الانتقام
جزاء من يرتد عن الإسلام

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [المائدة:54] ﴾

يقول سبحانه وتعالى مخبرا عن قدرته العظيمة فيقول من يرجع منكم دينه و يتولى عن نصرته فسيأتي الله بمن هو خير منه وأشد منعة وأقوم سبيلا كما قال تعالى{وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ[محمد:38] وقال تعالى{ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ [فاطر:16] وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ [فاطر:17]وقوله تعالى{ أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين }ومن صفات المؤمنين أن يكون أحدهم متواضعا لأخيه ووليه متعززا على خصمه وعدوه وقوله عز وجل{ يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم }ولا يردهم راد عما هم فيه من طاعة الله وإقامة حدوده وقتال أعدائه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يخافون لومة لائم

﴿ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:217] ﴾

لا يزال المشركين يقاتلونكم أيها المؤمنون حتى يفتنوكم ويردوكم عن دينكم إلي الكفر إن استطاعوا تحقيق ذلك ومن أطاعهم من المسلمين وارتدَّ عن دينه فيمت وهو كافر وأولئك بطلت أعمالهم الصالحة في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون .

وقال تعالي ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً [النساء:137] ﴾

إن الذين دخلوا في الإيمان ثم رجعوا عنه إلى الكفر ثم عادوا إلى الإيمان ثم رجعوا إلى الكفر مرة أخرى ثم أصرُّوا على كفرهم واستمروا عليه لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم على طريق الهداية التي ينجون بها من سوء العاقبة

هل من توبة

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ[الزمر:53] وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ[الزمر:54] وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ [الزمر:55] ﴾

قل يا محمد لعبادي الذين تمادَوا في المعاصي وأسرفوا على أنفسهم من الكفرة والعاصين لا تَيْئسوا من رحمة الله لكثرة ذنوبكم إن الله يغفر الذنوب جميعًا لمن تاب منها ورجع عنها وإن كانت مثل زبد البحر إنه هو الغفور الرحيم كقوله تعالي { أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ }وقال عز وجل{وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً [النساء:110] أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول[والذي نفسي بيده لو أخطأتم حتى تملأ خطاياكم ما بين السماء والأرض ثم استغفرتم الله تعالى لغفر لكم والذي نفس محمد صلى الله عليه وسلم بيده لو لم تخطئوا لجاء الله عز وجل بقوم يخطئون ثم يستغفرون الله فيغفر لهم ]واتبعوا أفضل ما أنزل إليكم من ربكم وهو القرآن الكريم من قبل أن يأتيكم العذاب فجأة وأنتم لا تشعرون .

﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [الشورى:25] ﴾

سبحانه هو الذي يقبل التوبة عن عباده إذا رجعوا إليه ويعفو عن السيئات السابقة ويعلم ما تصنعون من خير وشر كقوله تعالي{ وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً[النساء:110]

¤ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم[لله تعالى أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كانت راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح:اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح ]

﴿ وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [الأنعام:54] ﴾

إذا جاءك يا محمد المؤمنون بآيات الله ليسألوك عن التوبة من ذنوبهم السابقة فأكرِمْهم بردِّ السلام عليهم وبَشِّرهم برحمة الله الواسعة فإنه جلَّ وعلا قد كتب على نفسه الرحمة بعباده و أنه من اقترف ذنبًا بجهالة منه مخطئًا أو متعمدًا ثم تاب من بعده وعمل عملا صالحا فان الله غفور رحيم .

¤ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه] رواه مسلم

﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82]﴾

وإني لَغفار لمن تاب من ذنبه وآمن بي وعمل الأعمال الصالحة ثم اهتدى إلى الحق واستقام عليه.

﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31] ﴾

نزلت هذه الآية في سورة مدنية خاطب الله بها أهل الإيمان وخيار خلقه أن يتوبوا إليه بعد إيمانهم وصبرهم وهجرتهم وجهادهم ثم علق الفلاح بالتوبة تعليق المسبّب بسببه.أي أنكم إذا تبتم كنتم علي رجاء الفلاح فلا يرجو الفلاح إلا التائبون جعلنا الله منهم .
أهل الكتاب وحسدهم للمؤمنين

﴿ مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [البقرة:105]﴾

يبين سبحانه و تعالى شدة عداوة الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين فقال ما يحب الكفار من أهل الكتاب والمشركين أن يُنزَّل عليكم أدنى خير من ربكم قرآنًا أو علمًا أو نصرًا أو بشارة . والله يختص برحمته مَن يشاء مِن عباده بالنبوة والرسالة والله ذو الفضل العظيم .

﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:109] ﴾

تمنى كثير من أهل الكتاب أن يرجعوكم بعد إيمانكم كفارًا كما كنتم من قبلُ تعبدون الأصنام بسبب الحقد الذي امتلأت به نفوسهم من بعد ما تبيَّن لهم صدق نبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم فيما جاء به فتجاوزوا عمَّا كان منهم من إساءة وخطأ واصفحوا عن جهلهم حتى يأتي الله بحكمه فيهم بقتالهم (وقد جاء ووقع) وسيعاقبهم لسوء أفعالهم . إن الله على كل شيء قدير فلا يعجزه شيء .

﴿ وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [آل عمران:69] ﴾

تمنَّت جماعة من اليهود والنصارى لو يضلونكم أيها المسلمون عن الإسلام وما يضلون إلا أنفسهم وما يدرون

﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً [النساء : 54] ﴾

أيحسدون محمدًا صلى الله عليه وسلم على ما أعطاه الله من نعمة النبوة والرسالة ويحسدون أصحابه على نعمة التوفيق إلى الإيمان والتصديق بالرسالة وإتباع الرسول والتمكين في الأرض ويتمنون زوال هذا الفضل عنهم ؟ فقد أعطينا ذرية إبراهيم عليه السلام من قَبْلُ الكتاب والحكمة وأعطيناهم مع ذلك ملكا واسعا.

العلاقة مع أهل الكتاب

﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:64]

قل أيها الرسول لأهل الكتاب من اليهود والنصارى تعالَوْا إلى كلمة عدل وحق نلتزم بها جميعًا : وهي أن نَنعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا ولا يطيع بعضنا بعضا في معصية الله فإن أعرضوا عن هذه الدعوة الطيبة فقولوا لهم - أيها المؤمنون - اشهدوا علينا بأنا مسلمون منقادون لربنا بالعبودية والإخلاص.
﴿ وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ[آل عمران:72] وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [آل عمران:73] ﴾

قالت جماعة من أهل الكتاب من اليهود : صدِّقوا بالذي أُنزل على الذين آمنوا أول النهار واكفروا آخره لعلهم يتشككون في دينهم ويرجعون عنه ولا تصدِّقوا تصديقًا صحيحًا إلا لمَن تبع دينكم فكان يهودياً قل لهم -أيها الرسول- إن الهدى والتوفيق هدى الله . وقالوا لا تظهروا ما عندكم من العلم للمسلمين فيتعلمون منكم فيساووكم في العلم به وتكون لهم الأفضلية عليكم أو أن يتخذوه حجة عند ربكم يغلبونكم بها . قل لهم يا محمد إن الفضل والعطاء بيد الله يؤتيها من يشاء ممن آمن به وبرسوله والله واسع عليم يَسَعُ بعلمه وعطائه جميع مخلوقاته

﴿ وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران: 75] بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [آل عمران:76] ﴾

من أهل الكتاب من اليهود مَن إنْ تأمنه على كثير من المال يؤدِّه إليك من غير خيانة ومنهم مَن إنْ تأمنه على دينار واحد لا يؤدِّه إليك إلا إذا بذلت غاية الجهد في مطالبته . بسبب عقيدة فاسدة تجعلهم يستحلُّون أموال العرب بالباطل ويقولون : ليس علينا في أكل أموالهم إثم ولا حرج لأن الله أحلَّها لنا وهذا كذب على الله يقولونه بألسنتهم وهم يعلمون أنهم كاذبون. وليس الأمر كما زعم هؤلاء الكاذبون فإن المتقي حقاً هو من أوفى بما عاهد الله عليه من أداء الأمانة وآمن بالله ورسله والتزم هديه وشرعه وخاف الله عز وجل والله يحب المتقين .

﴿ هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [آل عمران : 119] ﴾

هذا الدليل على خطئكم فأنتم تحبونهم وتحسنون إليهم وهم لا يحبونكم ويحملون لكم العداوة والبغضاء وأنتم تؤمنون بكتابهم وهم لا يؤمنون بكتابكم فكيف تحبونهم ؟ وإذا لقوكم قالوا نفاقًا - آمنَّا وصدَّقْنا وإذا خلوا عَضُّوا أطراف أصابعهم من الغيظ حقدا وحسدا عليكم قل لهم – يا محمد- موتوا بغيظكم إن الله مطَّلِع على ما تخفي الصدور وسيجازيكم به .

﴿ يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَاناً مُّبِيناً [النساء : 153] ﴾

سأل اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل عليهم كتابا من السماء كما نزلت التوراة على موسى مكتوبة - فلا تعجب أيها الرسول- فقد سأل أسلافهم موسى أن يريهم الله علانيةً فَصُعِقوا بسبب ظلمهم وبغيهم وعنادهم حين سألوا أمرًا ليس من حقِّهم كما قال تعالي{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ [البقرة:55] ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:56] ثم أحياهم الله بعد الصعق وشاهدوا الآيات البينات القاطعة بنفي الشرك على يد موسى في مصر مثل إهلاك فرعون وجميع جنوده في اليم ثم عبدوا العجل من دون الله ثم تابوا فعَفونا عنهم وآتينا موسى حجة عظيمة تؤيِّد صِدق نُبُوَّتِه.

﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ [المائدة:15] يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [المائدة:16] ﴾

يا أهل الكتاب قد جاءكم من الله نور وهو سيدنا محمد ليبين لكم ما بدلوه وحرفوه وأولوه وافتروا على الله فيه ويسكت عن كثير مما غيروه مما لا فائدة في بيانه . قد جاءكم كتاب مبين وهو القرآن الكريم. يهدي الله به من اتبع رضا الله تعالى طرق الأمن والسلامة ويخرجهم بإذنه من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان ويوفقهم إلى دينه القويم.

﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [المائدة : 19] ﴾

يا أيها اليهود والنصارى قد جاءكم رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ليُبيِّن لكم الحق والهدى بعد مُدَّة طويلة من إرسال عيسى ابن مريم لئلا تقولوا : ما جاءنا من بشير ولا نذير فلا عُذرَ لكم بعد إرساله إليكم فقد جاءكم من الله رسولٌ يبشِّر مَن آمن به وينذر مَن عصاه والله على كل شيء قدير.

﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ [المائدة : 59] ﴾

أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من اليهود فسألوه عمن يؤمن به من الرسل ؟ قال أؤمن بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته وقالوا:لا نؤمن بمن آمن به !! فأنزل الله فيهم قل يا أهل الكتاب هل ترون إيماننا بالله وكتبه ورسله عيبا ونقصا في ديننا والحقيقة أن أكثركم فاسقون .

﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [المائدة : 68] ﴾

قل – يا محمد - لليهود والنصارى : لستم على شيء من الدين حتى تعملوا بما في التوراة والإنجيل وما جاءكم به محمد من القرآن الكريم وإن كثيرًا من أهل الكتاب لا يزيدهم إنزالُ القرآن إلا تجبُّرًا وجحودًا حسدا من عند أنفسهم فلا تحزن على تكذيبهم لك فقد كذبوا رسولهم من قبل .

﴿ أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الحشر : 11] ﴾

ألم تنظر إلى المنافقين يقولون لإخوانهم في الكفر من يهود بني النضير لئن أخرجكم محمد ومَن معه مِن منازلكم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدًا أبدًا ولئن قاتلوكم لننصرنكم عليهم ؟ والله يشهد إن المنافقين لكاذبون فيما وعدوا به يهود بني النضير.

﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ [البينة:1] ﴾

لم يكن الذين كفروا من اليهود والنصارى والمشركين تاركين كفرهم حتى تأتيهم العلامة التي وُعِدوا بها في الكتب السابقة .

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ[البينة:6] ﴾

إن الذين كفروا من اليهود والنصارى والمشركين عقابهم نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر الخليقة .

التحذير من موالاة المشركين والنهي عنه

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ[آل عمران:100]﴾

يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله إن تطيعوا جماعة من اليهود والنصارى يضلوكم ويلقوا إليكم الشُّبَه في دينكم لترجعوا جاحدين للحق بعد أن كنتم مؤمنين فلا تأمنوهم على دينكم ولا تقبلوا لهم رأيًا أو مشورة.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران:118] ﴾

يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين تُطْلعونهم على أسراركم فهؤلاء لا يَفْتُرون عن إفساد حالكم وهم يفرحون بما يصيبكم من ضرر ومكروه وقد ظهر البغض في كلامهم وما تخفي صدورهم من العداوة لكم أكبر وأعظم . قد بيَّنَّا لكم البراهين والحجج لتتعظوا وتحذروا إن كنتم تعقلون عن الله مواعظه وأمره ونهيه.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ[المائدة:51]فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ[المائدة:52]وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَـؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ[المائدة:53]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [المائدة:54]إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ[المائدة:55] وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ[المائدة:56]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [المائدة:57]﴾

ينهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن موالاة اليهود والنصارى الذين هم أعداء الإسلام وأهله ثم أخبر أن بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يوفق الظالمين الذين يتخذون الكافرين أولياء .و يخبر تعالى عن جماعة من المنافقين كانوا يبادرون في مودة اليهود لما في قلوبهم من الشكِّ والنفاق ويقولون إنما نوادُّهم خشية أن يظفروا بالمسلمين فيصيبونا معهم .فعسى الله أن يأتي بالفتح وينصر نَبِيَّه ويُظْهِر الإسلام والمسلمين على الكفار أو يُهيِّئ من الأمور ما تذهب به قوةُ اليهود والنَّصارى فيخضعوا للمسلمين فحينئذٍ يندم المنافقون على ما أضمروا في أنفسهم من موالاتهم. وحينئذ يقول المؤمنين لبعض أهؤلاء الذين أقسموا بأغلظ الأيمان إنهم لَمَعَنا !! بطلت أعمال المنافقين التي عملوها في الدنيا فلا ثواب لهم عليها .

يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله من يرجع منكم عن دينه ويستبدل به اليهودية أو النصرانية أو غير ذلك فلن يضرُّوا الله شيئًا وسوف يأتي الله بقوم خير منهم يُحِبُّهم ويحبونه رحماء بالمؤمنين أشدَّاء على الكافرين يجاهدون أعداء الله ولا يخافون في الله أحدًا ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع الفضل عليم بمن يستحقه من عباده . إنما ناصركم الله ورسوله والمؤمنون الذين يحافظون على الصلاة ويؤدون الزكاة عن وهم خاضعون لله . ومن تولي الله ورسوله والمؤمنين فهو من حزب الله وحزب الله هم المنتصرون.يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله لا تتخذوا الذين يستهزئون بدينكم من أهل الكتاب والكفارَ أولياءَ وخافوا الله إن كنتم مؤمنين .

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ [الممتحنة:1] إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ [الممتحنة:2] لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [الممتحنة:3] قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة:4]

يا أيها الذين أمنوا بالله ورسوله لا تتخذوا عدوي وعدوكم أحباء تُفْضون إليهم بالمودة فتخبرونهم بأخبار الرسول صلى الله عليه وسلم وسائر المسلمين و قد كفروا بما جاءكم من الحق من الإيمان بالله ورسوله وما نزل عليه من القرآن يخرجون الرسول ويخرجونكم من "مكة"؛ لأنكم تؤمنون بالله وتوحدونه . أيها المؤمنون إن كنتم هاجرتم مجاهدين في سبيلي طالبين مرضاتي عنكم فلا توالوا أعدائي وأعداءكم تُفْضون إليهم بالمودة سرًّا وأنا أعلم بما أخفيتم وما أظهرتم ومن يفعل ذلك منكم فقد أخطأ طريق الحق والصواب. إن يظفر بكم الذين تُسرُّون إليهم بالمودة يكونوا حربًا عليكم ويمدوا إليكم أيديهم بالقتل والسبي وألسنتهم بالسب و قد تمنَّوْا لو تكفرون مثلهم. لن تنفعكم قراباتكم ولا أولادكم شيئًا حين توالون الكفار مِن أجلهم ويوم القيامة يفرق الله بينكم فيُدْخل أهل طاعته الجنة وأهل معصيته النار.والله بما تعملون بصير لا يخفى عليه شيء من أقوالكم وأعمالكم . قد كانت لكم قدوة حسنة في إبراهيم عليه السلام والذين معه من المؤمنين حين قالوا لقومهم الكافرين إنا بريئون منكم وممَّا تعبدون من دون الله كفرنا بكم وظهر بيننا وبينكم العداوة والبغضاء ما دمتم على كفركم حتى تؤمنوا بالله وحده .

﴿ لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ [آل عمران:28] ﴾

نهى الله المؤمنين أن يتخذوا الكافرين أولياء وأحباء وأنصار يسرون إليهم بالمودة من دون المؤمنين فتخبرونهم بأخبار الرسول وأخبار المسلمين وقد كفروا بما جاءكم من الحق ومَن يتولهم فإن الله برِيء منه إلا أن تكونوا ضعافًا خائفين فقد رخَّص الله لكم في مهادنتهم بالظاهر وليس بالباطن وبالقول وليس بالفعل اتقاء لشرهم حتى تقوى شوكتكم ويحذركم الله نقمته وعذابه لمن والي الكافرين فاتقوه وإلى الله وحده رجوع الخلائق للحساب والجزاء .

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً [النساء:144]﴾

يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء وأحباء وأنصار تسرون إليهم بالمودة من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم حجة ظاهرة على عدم صدقكم في إيمانكم ؟

﴿ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً[النساء:139]﴾

الذين يتخذون الكافرين أولياء وأحباء وأنصار من دون المؤمنين أيطلبون بذلك النصرة والعزة عند الكافرين ؟ فأخبر سبحانه و تعالى بأن العزة كلها له وحده لا شريك له ولمن جعلها له كما قال تعالى{ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ [المنافقون:8]

﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [الجاثية:18] إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئاً وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ [الجاثية:19]﴾

ثم جعلناك يا محمد على شريعة واضحة فاتبع الشريعة التي جعلناك عليها ولا تتبع أهواء الجاهلين بشرع الله الذين لا يعلمون الحق . إن هؤلاء المشركين الذين يدعونك إلى إتباع أهوائهم لن يغنوا عنك من عقاب الله شيئًا إن اتبعت أهواءهم وإن الظالمين بعضهم أنصار بعض والله ناصر المتقين .

﴿ تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ [المائدة:80]وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ [المائدة:81]﴾

يا محمد كثير من المنافقين يتخذون المشركين أولياء لهم ساء ما فعلوه وغضب الله عليهم وفي العذاب خالدون ولو آمنوا حق الإيمان بالله والرسول والقرآن ما اتخذوا المشركين أولياء ولكن كثيرا منهم لا يطيعون الله ورسوله .

﴿ وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً [النساء : 89] ﴾

تمنَّى المنافقون لكم أيها المؤمنون لو تكفرون كما كفروا حتى تكونوا سواء فلا تتخذوا منهم أولياء وأحباء وأنصار حتى يهاجروا في سبيل الله برهانًا على صدق إيمانهم فإن أعرضوا عما دعوا إليه فخذوهم أينما كانوا واقتلوهم ولا تتخذوا منهم وليّاً من دون الله ولا نصيرًا تستنصرونه به .

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[التوبة:23]قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة:24]﴾

يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء تفشون إليهم أسرار المسلمين وتستشيرونهم في أموركم إذا كانوا غير مسلمين ومن يتخذهم أولياء ويُلْقِ إليهم المودة فأولئك من الظالمين. قل يا محمد للمؤمنين إن فَضَّلتم آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وزوجاتكم وأقاربكم وأموال جمعتموها وتجارة تخافون كسادها وبيوت تحبونها على حب الله ورسوله والجهاد في سبيله فانتظروا عقاب الله ونكاله بكم والله لا يوفق الفاسقين .

﴿لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [المجادلة:22]﴾

لا تجد أيها الرسول قومًا يصدِّقون بالله واليوم الآخر ويعملون بما شرع الله لهم يحبون ويوالون مَن عادى الله ورسوله وخالف أمرهما ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو أقرباءهم أولئك الموالون في الله والمعادون فيه ثَبَّتَ في قلوبهم الإيمان وقوَّاهم بنصر منه وتأييد على عدوهم في الدنيا ويدخلهم في الآخرة جنات تجري من تحت أشجارها الأنهار ماكثين فيها زمانًا ممتدًا لا ينقطع أحلَّ الله عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم ورضوا عن ربهم بما أعطاهم من الكرامات ورفيع الدرجات أولئك حزب الله وأولياؤه وأولئك هم الفائزون بسعادة الدنيا والآخرة.
﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً [الكهف:28] ﴾

لا تُطِعْ أيها الرسول من جعلنا قلبه غافلا عن ذكرنا وآثَرَ هواه على طاعة مولاه وصارت جميع أعماله ضياعًا وهلاكًا.
التساهل مع غير المحاربين

﴿ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:256] ﴾

لا تكرهوا أحدا على الدخول في دين الإسلام فإنه بين واضح جلي لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونور بصيرته دخل فيه علي بينة ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرها فمن يكفر بالأنداد والأوثان وما يدعو إليه الشيطان من عبادة كل ما يعبد من دون الله ووحد الله فعبده وشهد أنه لا إله إلا هو فقد ثبت في أمره واستقام على الطريق والصراط المستقيم

﴿ وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ [يونس:99] وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ [يونس:100]﴾

ولو شاء ربك يا محمد لآمن من في الأرض جميعا ولكن له حكمة فيما يفعله أفأنت تلزم الناس حتى يكونوا مؤمنين ؟ لا عليك ذلك بل الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء وما كان لنفس أن تؤمن بالله إلا بإذنه وتوفيقه فلا تُجهد نفسك في ذلك فإن أمرهم إلى الله . ويجعل الله العذاب والخزي على الذين لا يعقلون أمره ونهيه.

﴿ وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ [هود:118] إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [هود:119]﴾

ولو شاء ربك لجعل الناس كلهم جماعة واحدة على دين واحد وهو دين الإسلام ولكنه سبحانه لم يشأ ذلك فلا يزال الناس مختلفين في أديانهم واعتقاداتهم ومذاهبهم وآرائهم وذلك مقتضى حكمته إلا مَن رحم ربك فآمنوا به واتبعوا رسله فإنهم لا يختلفون في توحيد الله وما جاءت به الرسل من عند الله وقد اقتضت حكمته سبحانه وتعالى أنه خَلَقهم مختلفين فريق شقيٌّ وفريق سعيد وكل ميسر لما خُلِق له وبهذا يتحقق وعد ربك في قضائه وقدره أنه سبحانه سيملأ جهنم من الجن والإنس الذين اتبعوا إبليس وجنده ولم يهتدوا للإيمان .

﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاءُ اللّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ [الرعد:31]﴾

لو أن قرآنًا يقرأ فتزول به الجبال عن أماكنها أو تتشقق به الأرض أنهارًا أو يحيا به الموتى كما طلبوا منك لكان
هذا القرآن هو المتصف بذلك دون غيره ومع هذا لا يؤمنوا به بل لله الأمر جميعا ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ومن يضلل الله فلا هادي له ومن يهد الله فما له من مضل أفلم ييأس الذين آمنوا من إيمـان جميع الخلق ويعلموا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ؟ ولا يزال الكفار تنزل بهم مصيبة بسبب كفرهم كالقتل والأسر في غزوات المسلمين أو تنزل تلك المصيبة قريبًا من دارهم حتى يأتي وعد الله بالنصر عليهم إن الله لا يخلف الميعاد.

﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً [الكهف:29] ﴾

قل يا محمد للناس أن ما جئتكم به هو الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للكافرين نارًا شديدة أحاط بهم سورها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل شديد الحرارة يشوي الوجوه بئس الشراب الذي لا يروي ظمأهم وبئس النار منزلا ومقامًا وفي هذا وعيد وتهديد شديد لمن أعرض عن الحق فلم يؤمن برسالة محمد

﴿ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ [الشورى:8] ﴾

لو شاء الله أن يجمع خَلْقَه على الهدى ويجعلهم على ملة واحدة مهتدية لفعل ولكنه أراد أن يُدخل في رحمته مَن يشاء مِن خواص خلقه والذين ظلموا أنفسهم بالشرك ما لهم من وليٍّ ولا نصير ينصرهم من عقاب الله يوم القيامة

﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [القصص:56] ﴾

يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم إنك يا محمد لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي مَن يشاء أن يهديه للإيمان ويوفقه إليه وهو أعلم بمن يستحق الهداية فيهديه ممن يستحق الغواية كما قال تعالي{لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ [البقرة:272]

﴿ فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [فاطر:8] ﴾

إن الله يضل من يشاء من عباده ويهدي من يشاء فلا تُهْلك نفسك حزنًا على كفرهم لما في ذلك من الحكمة البالغة والعلم التام إن الله عليم بقبائحهم وسيجازيهم عليها أسوأ الجزاء .

﴿ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [الشعراء:3] ﴾

لا تهلك نفسك يا محمد عليهم حتى يكونوا مؤمنين لكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بمن يستحق الهداية .

﴿ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ [الغاشية:21] لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية:22] إِلَّا مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ [الغاشية:23] فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ [الغاشية:24] إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ [الغاشية:25] ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ [الغاشية:26] ﴾
ذكر أيها الرسول الناس بما أُرْسِلْتَ به إليهم ولا تحزن على إعراضهم إنما أنت مذكر لهم ليس عليك هداهم ومن أعرض عن التذكير والموعظة وأصرَّ على كفره فيعذبه الله العذاب الشديد إنَّ إلينا مرجعهم بعد الموت ثم إن علينا جزاءهم على ما عملوا .

﴿ فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:20] ﴾

إن جادلك أيها الرسول أهل الكتاب في التوحيد بعد أن أقمت الحجة عليهم فقل لهم إنني أخلصت لله وحده فلا أشرك به أحدًا وكذلك من اتبعني من المؤمنين أخلصوا لله وانقادوا له وقل لهم ولغيرهم إن أسلمتم فأنتم على الطريق المستقيم والهدى والحق وإن توليتم فحسابكم على الله وليس عليَّ إلا البلاغ وقد أبلغتكم وأقمت عليكم الحجة والله بصير بالعباد لا يخفى عليه من أمرهم شيء .

﴿ وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [آل عمران:72] وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [آل عمران:73] ﴾

قالت جماعة من اليهود صدِّقوا بالذي أُنزل على الذين آمنوا أول النهار واكفروا آخره لعلهم يتشككون في دينهم ويرجعون عنه ولا تصدِّقوا تصديقًا صحيحًا إلا لمَن تبع دينكم فكان يهودياً قل لهم أيها الرسول إن الهدى والتوفيق هدى الله.وقالوا:لا تظهروا ما عندكم من العلم للمسلمين فيتعلمون منكم فيساووكم في العلم وتكون لهم الأفضلية عليكم أو أن يتخذوه حجة عند ربكم يغلبونكم بها قل لهم أيها الرسول إن الفضل بيد الله وتحت تصرفه يؤتيه من يشاء ممن آمن به وبرسوله والله يَسَعُ بعلمه وعطائه جميع مخلوقاته عليم بمن يستحق فضله ونعمه .

﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [المائدة:48] ﴾

أنزلنا إليك يا محمد القرآن بالحق مصدقا لما في الكتب السابقة من صحة ومبيِّنًا لما فيها من تحريف وناسخًا لبعض شرائعها فاحكم بين أهل الكتاب بما أنزل الله في القرآن ولا تتبع أهواءهم وآرائهم وتبتعد عما جاءك من الحق لقد جعلنا لكل منكم شريعة و طريقا واضحا في الدين يمشون عليه ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة على شريعة واحدة ولكن فرقكم فرقا ليختبركم فيما آتاكم من الشرائع المختلفة لينظر المطيع منكم والعاصي فسارعوا إلي ما هو خير لكم في الدنيا والآخرة إلى الله مرجعكم جميعا يوم القيامة فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ويجزي كلا منكم بعمله

﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام:68] وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ
وَلَـكِن ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [الأنعام:69] ﴾

إذا رأيت أيها الرسول المشركين يتكلمون في آيات القرآن بالباطل والاستهزاء فابتعد عنهم حتى يأخذوا في حديث آخر وإن أنساك الشيطان هذا ثم تذكرت فلا تقعد بعد تذكرك مع المشركين الذين تكلموا في آيات الله بالباطل كما قال تعالي{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً[النساء:140]ولكن عليهم أن يعظوهم ليمسكوا عن ذلك الكلام الباطل لعلهم يتقون الله تعالى.

﴿ وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [الأنعام : 108] ﴾

لا تسبوا أيها المسلمون آله المشركين سدًّا للذريعة حتى لا يتسبب ذلك في سبهم الله جهلا واعتداءً بغير علم وكما حسَّنَّا لهؤلاء عملهم السيئ عقوبة لهم على سوء اختيارهم حسَّنَّا لكل أمة أعمالها ثم إلى ربهم معادهم جميعًا فيخبرهم بأعمالهم التي كانوا يعملونها في الدنيا ثم يجازيهم بها .

﴿ وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ فَاصْبِرُواْ حَتَّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ [الأعراف:87] ﴾

وإن كان جماعة منكم صدَّقوا بالذي أرسلني الله به وجماعة لم يصدِّقوا بذلك فانتظروا قضاء الله الفاصل بيننا وبينكم حين يحلُّ عليكم عذابه الذي أنذرتكم به والله خير الحاكمين بين عباده .

﴿ لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ[الحج:67]وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحج:68] اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [الحج:69] ﴾
لكل أمة من الأمم الماضية جعلنا شريعة وعبادة أمرناهم بها فهم عاملون بها فلا ينازعنك أحد منهم فيما يشرع لأمتك وما أمرك الله به وادع إلى توحيد ربك وإخلاص العبادة له وإتباع أمره إنك لعلى دين قويم لا اعوجاج فيه وإن جادلوك فيما تدعوهم إليه فلا تجادلهم و قل لهم الله أعلم بما تعملونه فيجازيكم عليه وهذا قبل الأمر بالقتال و الله تعالى يحكم بيننا وبينكم يوم القيامة في أمر اختلافهم في الدين.

﴿ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً [الأحزاب:48] ﴾

لا تطع أيها الرسول الكافرين والمنافقين واترك أذاهم ولا يمنعك ذلك من تبليغ الرسالة وثق بالله في كل أمورك واعتمد عليه فإنه يكفيك ما أهمَّك من كل أمور الدنيا والآخرة .

﴿ فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ[الشورى:15] ﴾
ادع أيها الرسول إلي ذلك الدين القيِّم الذي شرعه الله للأنبياء ووصَّاهم به واستقم كما أمرك الله ولا تتبع أهواء الذين شكُّوا في الحق وانحرفوا عن الدين وقل صدَّقت بجميع الكتب المنزلة من السماء على الأنبياء وأمرني ربي أن أعدل بينكم في الحكم الله ربنا وربكم لنا ثواب أعمالنا الصالحة ولكم جزاء أعمالكم السيئة لا خصومة ولا جدال بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وبينكم يوم القيامة فيقضي بيننا بالحق فيما اختلفنا فيه وإليه المرجع والمآب فيجازي كلا بما يستحق وكان هذا قبل أن يؤمر بالجهاد .

﴿ قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كَانُوا يَكْسِبُونَ [الجاثية:14] ﴾

قل أيها الرسول للذين صدَّقوا بالله واتَّبَعوا رسله يعفوا ويتجاوزوا عن الذين لا يرجون ثواب الله ولا يخافون بأسه إذا هم نالوا الذين آمنوا بالأذى والمكروه ليجزي الله هؤلاء المشركين بما كانوا يكسبون في الدنيا من الآثام وإيذاء المؤمنين هذا قبل الأمر بجهادهم .

﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً [المزّمِّل:10] ﴾

اصبر يا محمد على ما يقوله المشركون فيك وفي دينك وخالفهم في أفعالهم الباطلة مع الإعراض عنهم وترك الانتقام منهم هذا قبل الأمر بجهادهم .

﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1]لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ [الكافرون:2]وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ[الكافرون:3] وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ [الكافرون:4]وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ [الكافرون:5] لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ[الكافرون:6]﴾

دعي الكفار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبادة أوثانهم سنة ويعبدون معبوده سنة فأنزل الله هذه السورة وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فيها أن يتبرأ من دينهم بالكلية فقال لا أعبد ما تعبدون من الأصنام والأنداد ولا أنتم عابدون ما أعبد وهو الله وحده لا شريك له ولا أنا عابد ما عبدتم من الأصنام والآلهة الباطلة ولا أنتم عابدون مستقبلا ما أعبد لكم دينكم الذي أصررتم على إتباعه ولي ديني الذي لا أبغي غيره كما قال تعالي { وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ [يونس : 41]

التشدد مع الكفار المقاتلين

﴿ وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ [البقرة:190] وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ [البقرة:191] فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [البقرة:192] وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ [البقرة:193] الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [البقرة:194] وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195] ﴾
قاتلوا أيها المؤمنون الذين يقاتلونكم لنصرة دين الله ولا تعتدوا وتقتلوا من لا يحل قتله من النساء والصبيان والشيوخ إن الله لا يحب المعتدين واقتلوا الذين يقاتلونكم من المشركين حيث وجدتموهم وأخرجوهم من المكان الذي أخرجوكم منه وهو "مكة" والكفر والشرك والصد عن الإسلام أشد من قتلكم إياهم ولا تبدؤوهم بالقتال عند المسجد الحرام تعظيمًا لحرماته حتى يبدؤوكم بالقتال فيه فإن قاتلوكم في المسجد الحرام فاقتلوهم فيه مثل ذلك الجزاء الرادع يكون جزاء الكافرين فإن تركوا ما هم فيه من الكفر وقتالكم عند المسجد الحرام ودخلوا في الإيمان فإن الله غفور لعباده رحيم بهم واستمروا أيها المؤمنون في قتال المشركين المعتدين حتى لا تكون فتنة للمسلمين عن دينهم ويبقى الدين لله وحده خالصًا لا يُعْبَد معه غيره فإن كفُّوا عن الكفر والقتال فكُفُّوا عنهم فالعقوبة لا تكون إلا على المستمرين على كفرهم وعدوانهم . الشهر الحرام بالشهر الحرام فكما قاتلوكم فيه فاقتلوهم فيه ويكون الجزاء من جنس العمل فمن اعتدى عليكم بالقتال أو غيره فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدي عليكم وخافوا الله فلا تتجاوزوا في العقوبة واعلموا أن الله مع الذين يتقونه ويطيعونه بأداء فرائضه وتجنب محارمه واستمروا في إنفاق الأموال لنصرة دين الله تعالى والجهاد في سبيله ولا توقعوا أنفسكم في المهالك بترك الجهاد في سبيل الله وعدم الإنفاق فيه وأحسنوا واجعلوا عملكم كله خالصًا لله . إن الله يحب أهل الإخلاص والإحسان.

﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [البقرة:216] يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:217] إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَـئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [البقرة:218] ﴾

فرض الله عليكم قتال الكفار وهو مكروه لكم لمشقته وكثرة مخاطره وقد تكرهون شيئًا وهو خير لكم لأن القتال يعقبه النصر والظفر على الأعداء والاستيلاء على بلادهم وأموالهم وقد تحبون شيئًا لما فيه من الراحة أو اللذة العاجلة وهو شر لكم ومن ذلك القعود عن القتال فقد يعقبه استيلاء العدو على البلاد والعباد والثروات ويسبي النساء ويقتل الأطفال والله تعالى يعلم ما هو خير لكم وأنتم لا تعلمون فبادروا إلى الجهاد في سبيله.يسألك المشركون أيها الرسول عن الشهر الحرام:هل يحل فيه القتال ؟ قل لهم القتال في الشهر الحرام وسفك الدماء فيه عظيم عند الله ومَنْعكم الناس من دخول الإسلام بالتعذيب والتخويف وجحودكم بالله وبرسوله وبدينه ومَنْع المسلمين من دخول المسجد الحرام وإخراج النبي والمهاجرين منه وهم أهله وأولياؤه ذلك أكبر ذنبًا وأعظم جرمًا عند الله من القتال في الشهر الحرام والشرك الذي أنتم فيه أكبر وأشد من القتل في الشهر الحرام و الكفار لا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن الإسلام إلى الكفر إن استطاعوا تحقيق ذلك ومن يرتد منكم أيها المسلمون عن دينه فيمت وهو كافر وقد حبط عمله في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون .إن الذين آمنوا والذين تركوا ديارهم وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور لذنوب عباده المؤمنين رحيم بهم
﴿ وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 244] ﴾

وقاتلوا أيها المسلمون الكفار لنصرة دين الله واعلموا أن الله سميع لأقوالكم عليم بنيَّاتكم وأعمالكم .

﴿ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ[البقرة:251]﴾

لولا دفع الله الناس بعضهم من أهل الطاعة له والإيمان به لأهل المعصية لله والشرك به لفسدت الأرض بغلبة الكفر وتمكُّن الطغيان وأهل المعاصي ولكن الله ذو فضل على المخلوقين جميعًا.كما قال تعالي{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج:40]

﴿ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [آل عمران:139] إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [آل عمران:140] وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ [آل عمران:141] أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ [آل عمران:142] ﴾

لا تضْعُفوا أيها المؤمنون عن قتال عدوكم ولا تحزنوا لما أصابكم في "أُحد" وأنتم الغالبون والعاقبة لكم إن كنتم مصدقين بالله ورسوله متَّبعين شرعه . إن أصابتكم جراح أو قتل في غزوة "أُحد" فحزنتم لذلك فقد أصاب المشركين جراح وقتل مثل ذلك في غزوة "بدر" وتلك الأيام يُصَرِّفها الله بين الناس نصر مرة وهزيمة أخرى لما في ذلك من الحكمة ليميز الله المؤمن الصادق مِن غيره ويُكْرِمَ أقوامًا منكم بالشهادة والله لا يحب الذين ظلموا أنفسهم وقعدوا عن القتال في سبيله. ليختبر الذين آمنوا منكم و يهلك الكافرين أحسبتم أن تدخلوا الجنة ولم تبتلوا بالقتال والشدائد ؟
لا يحصل لكم دخول الجنة حتى تبتلوا ويرى الله منكم المجاهدين في سبيله والصابرين على مقاومة الأعداء كما قال تعالى{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ[البقرة:214] وقال تعالي{ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ [العنكبوت : 2]

﴿ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [آل عمران:146] وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [آل عمران:147] فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:148] ﴾

كثير من الأنبياء السابقين قاتل معهم جموع كثيرة من أصحابهم فما ضعفوا لِمَا نزل بهم من جروح أو قتل لأن ذلك في سبيل ربهم وما عَجَزوا ولا خضعوا لعدوهم إنما صبروا على ما أصابهم والله يحب الصابرين وما كان قول
هؤلاء الصابرين إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وما وقع منا مِن تجاوزٍ في أمر ديننا وثبِّت أقدامنا حتى لا نفرَّ من قتال عدونا وانصرنا على مَن جحد وحدانيتك ونبوة أنبيائك. فأعطاهم الله جزاءهم في الدنيا بالنصر على أعدائهم وبالتمكين لهم في الأرض وبالجزاء العظيم في الآخرة وهو جنات النعيم والله يحب كلَّ المحسنين .

﴿ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [آل عمران:154] ﴾

يُخْفون في أنفسهم من الحسرة على خروجهم للقتال ما لا يظهرونه لك يقولون:لو كان لنا أدنى اختيار ما قُتِلنا هاهنا قل لهم:إن الآجال بيد الله ولو كنتم في بيوتكم وقدَّر الله أنكم تموتون لخرج الذين كتب الله عليهم الموت إلى حيث يُقْتلون وما جعل الله ذلك إلا ليختبر ما في صدوركم من الشك والنفاق وليميز الخبيث من الطيب ويظهر أمر المؤمن من المنافق في الأقوال والأفعال والله عليم بما في صدور خلقه لا يخفى عليه شيء من أمورهم .

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200] ﴾

قال الحسن البصري رحمه الله:أمروا أن يصبروا على دينهم الذي ارتضاه الله لهم وهو الإسلام فلا يدعوه لسراء ولا لضراء ولا لشدة ولا لرخاء حتى يموتوا مسلمين وأن يصابروا الأعداء حتى لا يكونوا أشد صبرًا منكم ورابطوا في نحور العدو لحفظ ثغور الإسلام وحراستها عن دخول الأعداء إلى حوزة بلاد المسلمين

﴿ فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً[النساء:84]﴾
قاتل يا محمد في سبيل الله ولو وحدك فإنك موعود بالنصر لتكون كلمة الله هي العليا ولا تهتم بتخلفهم عنك وحرض المؤمنين وحثهم على القتال ورغبهم فيه عسى الله أن يمنع بك وبهم حرب الذين كفروا والله أشد منهم بأسا وأشد تعذيبا منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لأخرجن ولو وحدي" فخرج بسبعين راكبا إلى بدر الصغرى فكف الله بأس الكفار بإلقاء الرعب في قلوبهم

﴿ وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً [النساء:104] ﴾

لا تضعفوا في طلب عدوكم وقتاله بل جدوا فيهم وقاتلوهم واقعدوا لهم كل مرصد إن تكونوا تألمون من القتال وآثاره فأعداؤكم كذلك يتألمون منه أشد الألم ومع ذلك لا يكفون عن قتالكم فأنتم وإياهم سواء فيما يصيبكم من الجراح والآلام ولكنكم ترجون من الله المثوبة والنصر والتأييد كما وعدكم إياه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وهو وعد حق وخبر صدق وهم لا يرجون شيئا من ذلك فأنتم أولى بالجهاد منهم وأشد رغبة فيه وفي إقامة كلمة الله وإعلائها وكان الله عليمًا بكل أحوالكم حكيمًا في أمره وتدبيره.
﴿ إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة:33] ﴾

إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويبارزونه بالعداوة ويعتدون على أحكامه ويفسدون في الأرض بقتل الأنفس وسلب الأموال أن يُقَتَّلوا أو يُصَلَّبوا فالقتل لمن قتل والصلب مع القتل لمن قتل وأخذ المال والقطع لمن أخذ المال ولم يقتل والنفي لمن أخاف فقط أو تُقْطَع يدُه اليمنى ورجله اليسرى فإن لم يَتُبْ تُقطعْ يدُه اليسرى ورجلُه اليمنى أو يُنفَوا إلى بلد غير بلدهم ويُحبسوا في سجن ذلك البلد حتى تَظهر توبتُهم وهذا الجزاء ذلّ في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب شديد إن لم يتوبوا.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ [الأنفال:15] وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الأنفال:16] ﴾

يا أيها الذين صَدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه إذا قابلتم الذين كفروا في القتال فلا تُوَلُّوهم ظهوركم فتهزموا ولكن اثبتوا لهم فإن الله معكم وناصركم عليهم ومن يُوَلِّهم منكم ظهره وقت الزحف إلا لمكيدة أو منحازًا إلى جماعة المسلمين حاضري الحرب حيث كانوا فقد استحق الغضب من الله ومقامه جهنم وبئس المصير .

﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [الأنفال:39] وَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ [الأنفال:40] ﴾

أيها المؤمنون قاتلوا المشركين حتى لا يُعْبَدَ إلا الله وحده لا شريك له فيرتفع البلاء عن العباد وحتى يكون الدين والطاعة والعبادة خالصة لله دون غيره فإن انتهوا عن الكفر فإن الله بما يعملون بصير فيجازيهم به وإن أعرض المشركون عمَّا دعوتموهم إليه من الإيمان بالله ورسوله وترك قتالكم وأصروا على الكفر وقتالكم فاعلموا أن الله معينكم وناصركم عليهم. فهو نعم المولي ونعم النصير .

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ [الأنفال:45] وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46] ﴾

يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه إذا لقيتم جماعة من أهل الكفر قد استعدوا لقتالكم فاثبتوا واذكروا الله كثيرًا داعين مبتهلين لإنزال النصر عليكم والظَّفَر بعدوكم لعلكم تفلحون وأطيعوا الله ورسوله في كل أحوالكم ولا تختلفوا فتتفرق كلمتكم وتختلف قلوبكم فتضعفوا وتذهب قوتكم ونصركم واصبروا عند لقاه العدو إن الله مع الصابرين بالعون والنصر والتأييد.

¤قال رسول الله صلي الله عليه وسلم[يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف]ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم وقال[اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم ]
﴿ الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ [الأنفال:56]فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ [الأنفال:57] ﴾

يخبر تعالي عن اليهود أنهم كلما عاهدوا عهدا نقضوه وكلما أكدوه بالأيمان نكثوه وهم لا يتقون لا يخافون من الله في شيء إن واجهت هؤلاء اليهود في المعركة فأنزِلْ بهم من العذاب ما يُدْخل الرعب في قلوب الآخرين ويشتت جموعهم لعلهم يذّكرون فلا يجترئون على مثل الذي أقدم عليه السابقون.

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال:64] يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ[الأنفال:65] ﴾

يا أيها النبي إن الله كافيك وكافي الذين معك من المؤمنين شرَّ أعدائكم يا أيها النبي حُثَّ المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون عند لقاء العدو يغلبوا مائتين منهم فإن يكن منكم مائة مجاهدة صابرة يغلبوا ألفًا من الكفار لأنهم قوم لا عِلْم لما أعدَّ الله للمجاهدين في سبيله فهم يقاتلون من أجل العلو في الأرض والفساد فيها.

﴿ فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [التوبة:5]﴾

إذا انقضت الأشهر الأربعة التي أمَّنتم فيها المشركين فأعلنوا الحرب على أعداء الله حيث كانوا واقصدوهم بالحصار في معاقلهم وترصدوا لهم في طرقهم فإن رجعوا عن كفرهم ودخلوا الإسلام والتزموا شرائعه من إقام
الصلاة وإخراج الزكاة فاتركوهم فقد أصبحوا إخوانكم في الإسلام إن الله غفور رحيم لمن تاب وأناب .

﴿ قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة:29]﴾

أيها المسلمون قاتلوا الكفار الذين لا يؤمنون بالله ولا يؤمنون بالبعث والجزاء ولا يجتنبون ما نهى الله عنه ورسوله ولا يلتزمون أحكام شريعة الإسلام من اليهود والنصارى حتى يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون .

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [التوبة:73]﴾

أيها النبي جاهد الكفار بالسيف والمنافقين باللسان والحجة واشدد على كلا الفريقين ومقرُّهم جهنم وبئس المصير.

﴿ إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:111] ﴾
إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله لإعلاء كلمته وإظهار دينه فيَقْتلون ويُقتَلون وعدًا عليه حقًا في التوراة والإنجيل والقرآن ولا أحد أوفى بعهده من الله لمن وفَّى بما عاهد الله عليه فأظهِروا السرور أيها المؤمنون ببيعكم الذي بايعتم الله به وبما وعدكم به من الجنة وذلك هو الفوز العظيم.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التوبة:123] ﴾

يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله ابدؤوا بقتال الأقرب فالأقرب إلى ديار الإسلام من الكفار وليجد الكفار فيكم غِلْظة وشدة فإن المؤمن الحق هو الذي يكون رفيقا لأخيه المؤمن غليظا على عدوه الكافر كقوله تعالى { فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [المائدة:54]وقال تعالي{ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ [الفتح:29] واعلموا أن الله مع المتقين بتأييده ونصره .

﴿ فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ [محمد:4]﴾

فإذا لقيتم أيها المؤمنون الذين كفروا في ساحات الحرب اضربوا منهم الأعناق حتى إذا أضعفتموهم بكثرة القتل وكسرتم شوكتهم فأحكموا قيد الأسرى ولكم أن تختاروا فإما أن تَمُنُّوا عليهم بفك أسرهم بغير عوض وإما أن يفدوا أنفسهم بالمال أو غيره وإما أن يُسْتَرَقُّوا أو يُقْتَلوا واستمِرُّوا على ذلك حتى تنتهي الحرب ذلك الحكم المذكور في ابتلاء المؤمنين بالكافرين ومداولة الأيام بينهم لو يشاء الله لانتصر للمؤمنين من الكافرين بغير قتال ولكن جعل عقوبتهم على أيديكم فشرع الجهاد ليختبركم بهم ولينصر بكم دينه والذين قُتلوا في سبيل الله من المؤمنين فلن يُبْطِل الله ثواب أعمالهم .

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [التحريم:9] ﴾

يا أيها النبي قاتل الذين كفروا بالسلاح وجاهد المنافقين الذين أظهروا الإسلام و أبطنوا الكفر بالحجة وإقامة الحدود وشعائر الدين واستعمل مع الفريقين الشدة والخشونة في جهادهما مأواهم جهنم وبئس المصير.

الأحبار والرهبان

﴿ إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة : 44]﴾

إنا أنزلنا التوراة فيها هدي من الضلالة وبيان للأحكام يحكم بها النبيُّون من بني إسرائيل الذين انقادوا وخضعوا
لحكم الله للعلماء والفقهاء بما استحفظوا من كتاب الله لأن أنبياءهم قد استأمنوهم على تبليغ التوراة والعمل به ثم يقول تعالي لعلماء اليهود وفقهائهم :لا تخشوا الناس في تنفيذ حكمي فإنهم لا يقدرون على نفعكم ولا ضَرِّكم و اخشوني فأنا النافع الضار ولا تستبدلوا ما أنزلتُ ثمنا حقيرًا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون .

﴿وَتَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ[المائدة:62]لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ [المائدة:63] ﴾

ترى أيها الرسول كثيرًا من اليهود يبادرون إلى المعاصي و قول الكذب والزور والاعتداء على أحكام الله وأكْل أموال الناس بالباطل لقد ساء عملهم . هلا ينهاهم العلماء عن قول الكذب والزور وأكل أموال الناس بالباطل لقد ساء صنيعهم حين تركوا النهي عن المنكر.

﴿ اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة:31] ﴾

اتخذ اليهودُ والنصارى العلماءَ والعُبَّادَ أربابًا يُشَرِّعون لهم الأحكام فيلتزمون بها ويتركون شرائع الله واتخذوا عيسى ابن مريم إلهًا فعبدوه وقد أمرهم الله بعبادته وحده دون غيره فهو الإله الحق لا إله إلا هو تنزَّه وتقدَّس عما يفتريه أهل الشرك والضلال.

قدم عدي ابن حاتم الطائي إلى المدينة وكان نصرانيا فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ هذه الآية { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله } فقال عدي إنهم لم يعبدوهم فقال الرسول[ بلى إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم ]وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم[ يا عدي ما تقول ؟ أيضرك أن يقال الله أكبر ؟ فهل تعلم شيئا أكبر من الله ؟ أيضرك أن يقال لا إله إلا الله فهل تعلم إلها غير الله ؟]ثم دعاه إلى الإسلام فأسلم وشهد شهادة الحق قال فلقد رأيت وجهه استبشر ثم قال[ إن اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون ]

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [التوبة:34] ﴾

يا أيها الذين صَدَّقوا الله ورسوله إن كثيرًا من علماء أهل الكتاب وعُبَّادهم ليأخذون أموال الناس بغير حق ويمنعون الناس من الدخول في الإسلام ويصدون عن سبيل الله.والذين يمسكون الأموال ولا يؤدون زكاتها ولا يُخْرجون منها الحقوق الواجبة فبشِّرهم بعذاب أليم .

وفي الآية تحذير من علماء السوء وعباد الضلال كان لأحبار اليهود على أهل الجاهلية شرف ولهم عندهم خرج وهدايا وضرائب تجيء إليهم فلما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم استمروا على ضلالهم وكفرهم وعنادهم طمعا منهم أن تبقى لهم تلك الرياسة فأطفأها الله بنور النبوة وسلبهم إياها وأبدلهم الذل والصغار وباءوا بغضب من الله تعالى ويصدون الناس عن إتباع الحق ويلبسون الحق بالباطل ويظهرون لمن اتبعهم من الجهلة أنهم يدعونه إلى الخير وليسوا كما يزعمون بل هم دعاة إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون .
قال عمر بن الخطاب أيما مال أديت زكاته فليس بكنز وإن كان مدفونا في الأرض و أيما مال لم تؤد زكاته فهو كنز يكوى به صاحبه وإن كان على وجه الأرض .

﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24] ﴾

كان منهم أئمة يهدون إلى الحق بأمر الله ويدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ونالوا هذه الدرجة العالية حين صبروا على طاعة الله وكانوا بآيات الله يوقنون.و لما بدلوا وحرفوا وأولوا سلبوا ذلك المقام وصارت قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه فلا عملا صالحا ولا اعتقادا صحيحا

﴿ وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ[الحديد:27] ﴾
وجعلنا لعيس بن مريم النبوة وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رقة ورحمة بالخلق ورهبانية (هي رفض النساء واتخاذ الصوامع ) ابتدعها النصارى ما أمرناهم بها لكن فعلوها ابتغاء مرضاة الله فما رعوها حق رعايتها بل تركوها فآتينا الذين آمنوا منهم بالله ورسله أجرهم وكثير منهم خارجون عن طاعة الله مكذبون بنيه محمد .

الحواريون

﴿ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:52] ﴾

فلما استشعر عيسى منهم التصميم على الكفر نادي في أصحابه: مَن يكون معي في نصرة دين الله ؟ قال أصفياء عيسى: نحن أنصار دين الله والداعون إليه صدَّقنا بالله واتبعناك واشهد أنت يا عيسى بأنا مستسلمون لله بالطاعة

﴿ وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ [المائدة:111] إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [المائدة:112] قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ [المائدة:113] ﴾
واذكر نعمتي عليك إذ أوحيت إلي الحواريين أن آمنوا بوحدانية الله تعالى وبرسولي فقالوا :آمنا بالله واشهد بأننا مسلمون . واذكر حين قال الحواريون: هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة طعام من السماء ؟ فكان جوابه أن
اتقوا الله إن كنتم مؤمنين حقَّ الإيمان . قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا بزيادة اليقين و نزداد علما أنك قد صدقتنا في ادعاء النبوة ونكون عليها من الشاهدين
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ [الصف:14] ﴾

يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه كونوا أنصارًا لدين الله كما كان أصفياء عيسى أنصارًا لدين الله حين قال لهم عيسى: مَن يتولى منكم نصري وإعانتي فيما يُقرِّب إلى الله ؟ قالوا : نحن أنصار دين الله فاهتدت طائفة من بني إسرائيل وضلَّت طائفة فأيدنا الذين آمنوا بالله ورسوله ونصرناهم على مَن عاداهم مِن فرق النصارى فأصبحوا ظاهرين عليهم وذلك ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم.

أخذ الميثاق عليهم

﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[البقرة:63] ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ [البقرة:64]﴾

اذكروا يا بني إسرائيل حين أَخَذْنا العهد المؤكَّد منكم بالإيمان بالله وحده ورفعنا جبل الطور فوقكم وقلنا لكم خذوا التوراة بجدٍ واجتهاد واقرؤوا ما في التوراة واعملوا به وإلا أطبقنا عليكم الجبل ولا تنسوا التوراة قولا وعملا كي تتقوني وتخافوا عقابي.كما قال تعالي{وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[الأعراف:171] ثم خالفتم وعصيتم مرة أخرى بعد أَخْذِ الميثاق كشأنكم دائمًا فلولا فَضْلُ الله عليكم ورحمته بالتوبة والتجاوز عن خطاياكم لصرتم من الخاسرين في الدنيا والآخرة .

¤ عن ابن عباس أنهم لما امتنعوا عن الطاعة رفع عليهم الجبل ليسمعوا:فلما أبوا أن يسجدوا أمر الله الجبل أن يقع عليهم فنظروا إليه وقد غشيهم فسقطوا سجدا فسجدوا على شق ونظروا بالشق الآخر فرحمهم الله فكشفه عنهم فقالوا والله ما سجدة أحب إلى الله من سجدة كشف بها العذاب عنهم فهم يسجدون كذلك

﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ[البقرة:83]وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ[البقرة:84] ثُمَّ أَنتُمْ هَـؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة:85] أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ [البقرة:86] ﴾

اذكروا يا بني إسرائيل حين أخَذْنا عليكم عهدًا مؤكدًا بأن تعبدوا الله وحده لا شريك له وأن تحسنوا للوالدين وللأقربين وللأولاد الذين مات آباؤهم وهم دون بلوغ الحلم وللمساكين الذين لا يجدون ما ينفقون على أنفسهم وأهليهم وأن تقولوا للناس قولا طيب وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم أَعْرَضْتم ونقضتم العهد إلا قليلا منكم ثبت عليه وأنتم مستمرون في إعراضكم .وفي الصحيحين[ عن ابن مسعود قلت:يا رسول الله أي العمل أفضل ؟ قال الصلاة على وقتها قلت:ثم أي ؟ قال بر الوالدين قلت:ثم أي ؟ قال الجهاد في سبيل الله ]

¤وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال[ لا تحقرن من المعروف شيئا وإن لم تجد فالق أخاك بوجه منطلق ]رواه مسلم

واذكروا يا بني إسرائيل حين أَخَذْنا عليكم عهدًا مؤكدًا في التوراة:يحرم سفك بعضكم دم بعض وإخراج بعضكم بعضًا من دياركم ثم اعترفتم بذلك وأنتم تشهدون على صحته كان يهود المدينة ثلاث قبائل:بنو قينقاع وبنو النضير حلفاء الخزرج:وبنو قريظة حلفاء الأوس فكانت الحرب إذا نشبت بينهم قاتل كل فريق مع حلفائه فيقتل اليهودي أعداءه و يقتل اليهودي أخاه اليهودي من الفريق الأخر وذلك حرام عليهم في دينهم ونص كتابهم ويخرجونهم من بيوتهم وينهبون ما فيها من الأثاث والأمتعة والأموال ثم إذا وضعت الحرب أوزارها افتدوا الأسرى من الفريق المغلوب عملا بحكم التوراة ولهذا قال تعالى{ أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض } فجزاء مَن يفعل ذلك منكم الخزي والذل في الدنيا. ويوم القيامة يردُّهم الله إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون . أولئك هم الذين آثروا الدنيا على الآخرة فلا يخفف عنهم العذاب وليس لهم ناصر ينصرهم مِن عذاب الله.

﴿ وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ [آل عمران:187] ﴾

أخذ الله العهد على أهل الكتاب من اليهود والنصارى أن يعملوا بهما ويبينوا للناس ما فيهما ولا يكتموا ذلك ولا يخفوه فتركوا العهد ولم يلتزموا به وكتموا الحق وحرفوا التوراة والإنجيل ليصدوا الناس عن الدخول في الإسلام طمعا في استمرار تدفق الخراج والهدايا والضرائب التي تجيء إليهم من عامة الناس فبئس ما يشترون .

¤ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال[ من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار ]

﴿ وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً [النساء:154] فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً [النساء:155] ﴾

رفع الله فوق رؤوسهم جبل الطور حين امتنعوا عن الالتزام بالعهد المؤكد الذي أعطوه بالعمل بأحكام التوراة وأمرناهم أن يدخلوا باب "بيت المقدس" سُجَّدًا فدخلوا يزحفون على أستاههم وأمرناهم ألا يَعْتَدُوا بالصيد في يوم السبت فاعتدَوا وصادوا وأخذنا عليهم عهدًا مؤكدًا فنقضوه فلعنَّاهم بسبب نقضهم للعهود وكفرهم بآيات الله الدالة على صدق رسله وقتلهم للأنبياء ظلمًا واعتداءً وقولهم : قلوبنا عليها أغطية فلا تفقه ما تقول بل طمس الله عليها بسبب كفرهم فلا يؤمنون إلا إيمانًا قليلا لا ينفعهم .
﴿ وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ [المائدة:12] ﴾

أخذ الله العهد المؤكَّد على بني إسرائيل أن يخلصوا له العبادة وحده وأمر الله موسى أن يجعل عليهم اثني عشر عريفًا بعدد فروعهم يأخذون عليهم العهد بالسمع والطاعة لله ولرسوله ولكتابه وقال الله لبني إسرائيل: إني معكم بحفظي ونصري . إن أقمتم الصلاة وأعطيتم الزكاة المفروضة مستحقيها وصدَّقتم برسلي فيما أخبروكم به ونصرتموهم وأنفقتم في سبيلي لأكفِّرنَّ عنكم سيئاتكم ولأدْخِلَنَّكُم جناتٍ تجري من تحت الأنهار فمن جحد هذا الميثاق منكم فقد عدل عن طريق الحق إلى طريق الضلال.

﴿ وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ [المائدة:14] ﴾

أخذ الله على الذين ادَّعوا أنهم أتباع المسيح عيسى العهد المؤكد بأن يُتابعوا رسولهم وينصروه ويؤازروه فبدَّلوا دينهم ونقضوا الميثاق كما صنع اليهود فألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كل فرقة تكفر الأخرى وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون يوم الحساب وسيعاقبهم على صنيعهم.

﴿ لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ [المائدة:70] ﴾

أخذ الله العهد المؤكَّد على بني إسرائيل في التوراة بالسمع والطاعة وأرسلنا إليهم بذلك رسلنا فَنَقَضوا العهد واتبعوا أهواءهم وكانوا كلما جاءهم رسول من الرسل بما لا تشتهيه أنفسهم ففريقا كذبوا وفريقا يقتلون .

أصحاب السبت

﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ [البقرة:65] فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ [البقرة:66] ﴾

لقد علمتم أيها اليهود ما حلَّ من البأس بأهل القرية التي عصت الله فيما أخذه عليهم من تعظيم السبت فاحتالوا لاصطياد السمك في يوم السبت بوضع الشِّباك وحفر البِرَك ثم اصطادوا السمك يوم الأحد فلما فعلوا ذلك مسخهم الله قردة منبوذين وجعلنا هذه القرية عبرة لمن بجوارها من القرى يبلغهم خبرها وما حلَّ بها وعبرة لمن يعمل بعدها مثل تلك الذُّنوب وجعلناها تذكرة للصالحين ليعلموا أنهم على الحق فيثبتوا عليه.

﴿ واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [الأعراف:163] ﴾
اسأل أيها الرسول اليهود عن خبر أهل القرية التي كانت بقرب البحر إذ يعتدي أهلها في يوم السبت على حرمات الله حيث أمرهم أن يعظموا يوم السبت ولا يصيدوا فيه سمكًا فابتلاهم الله وامتحنهم فكانت حيتانهم تأتيهم يوم السبت كثيرة طافية على وجه البحر وإذا ذهب يوم السبت تذهب الحيتان في البحر ولا يرون منها شيئًا فكانوا يحتالون على حبسها في يوم السبت في حفائر ويصطادونها بعده وكما وصفنا لكم من الاختبار والابتلاء لإظهار السمك على ظهر الماء في اليوم المحرم عليهم صيده فيه وإخفائه عليهم في اليوم المحلل لهم فيه صيده كذلك نختبرهم بسبب فسقهم عن طاعة الله وخروجهم عنها.

﴿ إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [النحل:124]﴾

إن الله شرع في كل ملة يوما من الأسبوع يجتمع الناس فيه للعبادة فشرع يوم الجمعة لبني إسرائيل على لسان موسى فقالوا لا نريده اختاروا السبت فشدد عليهم فيه وإن ربك يا محمد ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون من أمره بأن يثيب الطائع ويعذب العاصي .
تحذير أهل الكتاب

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً [النساء:47] ﴾

يا أهل الكتاب صدِّقوا بما نزَّلنا من القرآن مصدقًا لما معكم من الكتب من قبل أن نأخذكم بسوء صنيعكم فنمحو الوجوه ونحولها قِبَلَ الظهور أو نلعن المفسدين بمسخهم قردة وخنازير كما لعنَّا اليهود مِن أصحاب السبت الذين نُهوا عن الصيد فيه فلم ينتهوا فغضب الله عليهم وطردهم من رحمته وكان أمر الله نافذًا .

إفساد بني إسرائيل في الأرض

﴿ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً [الإسراء:4] فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً [الإسراء:5] ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً [الإسراء:6] إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً [الإسراء:7] عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً [الإسراء:8]﴾

يخبر تعالى بني إسرائيل في التوراة أنهم سيفسدون في الأرض مرتين و يتجبرون ويطغون ويفجرون على الناس وقد أفسدوا الأولى بقتل ذكريا فبعث عليهم جالوت وجنوده فقتلوهم وسبوا أولادهم وخربوا بيت المقدس ثم رَدَدْنا لبني إسرائيل الغلبة والظهور على أعدائكم بعد مائة سنة عندما قتل داود - عليه السلام - جالوتَ قائدَ الجبابرة وأكثرنا أرزاقكم وأولادكم وقَوَّيناكم وجعلناكم أكثر عددًا من عدوكم بسبب توبتكم وخضوعكم لله إن أحسنتم أفعالكم وأقوالكم فقد أحسنتم لأنفسكم لأن الثواب عائد إليكم وإن أسأتم فالعقاب عليكم فإذا حان موعد الإفساد الثاني سَلَّطْنا عليكم أعداءكم مرة أخرى ليذلوكم ويغلبوكم فتظهر آثار الإهانة والمذلة على وجوهكم وليدخلوا عليكم "بيت المقدس" فيخرِّبوه كما خرَّبوه أول مرة وليدمروا كل ما وقع تحت أيديهم تدميرًا كاملا وقد أفسدوا ثانيا بقتل يحيى فبعث عليهم بختنصر فقتل منهم ألوفا وسبى ذريتهم وخرب بيت المقدس . عسى ربكم أن يرحمكم بعد المرة الثانية إن تبتم وأصلحتم وإن عدتم إلى الإفساد والظلم عُدْنا إلى عقابكم ومذلَّتكم وجعلنا جهنم لكم وللكافرين سجنًا لا خروج منه أبدا وفي هذه الآية وما قبلها تحذير لهذه الأمة من العمل بالمعاصي لئلا يصيبها مثل ما أصاب بني إسرائيل فسنن الله واحدة لا تتبدل ولا تتغير .

جرأتهم علي الله

﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ [المائدة:64] ﴾

قالت اليهود يد الله محبوسة عن فعل الخيرات بَخِيلَ علينا بالرزق والتوسعة وذلك حين لحقهم جَدْب وقحط فرد الله عليهم وقال غُلَّتْ أيديهم أي حبست أيديهم هم عن فِعْلِ الخيرات وطردهم الله من رحمته بسبب قولهم والحقيقة أن اليهود هم يبخلون بما أتوا ويحسدون الناس علي ما أتاهم الله كما قال تعالي{ أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً [النساء:53] أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ [النساء:54] وليس الأمر كما يفترونه على ربهم بل يداه مبسوطتان لا حَجْرَ عليه ولا مانع يمنعه من الإنفاق فإنه الجواد الكريم ينفق على مقتضى الحكمة وما فيه مصلحة العباد وفي الآية إثبات لصفة اليدين لله سبحانه وتعالى كما يليق به من غير تشبيه ولا تكييف لكنهم سوف يزدادون طغيانًا وكفرًا بسبب حقدهم وحسدهم لأن الله قد اصطفاك بالرسالة ويخبر تعالى أن طوائف اليهود سيظلون إلى يوم القيامة يعادي بعضهم بعضًا وينفر بعضهم من بعض كلما تآمروا على الكيد للمسلمين بإثارة الفتن وإشعال نار الحرب ردَّ الله كيدهم وفرَّق شملهم ولا يزال اليهود يعملون بمعاصي الله مما ينشأ عنها الفساد والاضطراب في الأرض. والله تعالى لا يحب المفسدين.

¤وعن أبو هريرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ إن يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه قال:وعرشه على الماء وفي يده الأخرى الفيض يرفع ويخفض وقال:يقول الله تعالى:أنفق أنفق عليك ] أخرجاه في الصحيحين البخاري ومسلم

﴿ لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ [آل عمران:181] ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ[آل عمران:182] ﴾
قال سعيد بن جبير عن ابن عباس:لما نزل قوله تعالى{ مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة:245] قالت اليهود:يا محمد افتقر ربك فسأل عباده القرض ؟ فأنزل الله لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء فهذا قولهم في الله وهذه معاملتهم لرسل الله وسيجزيهم الله على ذلك شر الجزاء ولهذا قال تعالى{ونقول ذوقوا عذاب الحريق ¤ ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد}

﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [التوبة:30] اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة:31] يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [التوبة:32] ﴾

أشرك اليهود بالله عندما زعموا أن عزيرًا ابن الله . وأشرك النصارى بالله عندما ادَّعوا أن المسيح ابن الله وهذا القول اختلقوه من عند أنفسهم وهم بذلك لا يشابهون قول المشركين من قبلهم قَاتَلَ الله المشركين جميعًا كيف يعدلون عن الحق إلى الباطل ؟ اتخذ اليهودُ والنصارى العلماءَ والعُبَّادَ أربابًا يُشَرِّعون لهم الأحكام فيلتزمون بها ويتركون شرائع الله واتخذوا المسيح عيسى ابن مريم إلهًا فعبدوه وقد أمرهم الله بعبادته وحده دون غيره فهو الإله الحق لا إله إلا هو تنزَّه وتقدَّس عما يفتريه أهل الشرك والضلال يريد الكفار بتكذيبهم أن يبطلوا دين الإسلام ويبطلوا حجج الله وبراهينه على توحيده الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ويأبى الله إلا أن يتم دينه ويظهره ويعلي كلمته ولو كره ذلك الكافرون .

﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ[المائدة:18] ﴾

زعم اليهود والنصارى أنهم أبناء الله وأحباؤه قل لهم أيها الرسول فَلأيِّ شيء يعذِّبكم بذنوبكم ؟ فلو كنتم أحبابه ما عذبكم فالله لا يحب إلا من أطاعه وقل لهم بل أنتم خلقٌ مثلُ سائر بني آدم إن أحسنتُم جوزيتم بإحسانكم خيرا وإن أسَأْتُم جوزيتم بإساءتكم شرًّا فالله يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وهو مالك الملك يُصَرِّفه كما يشاء وإليه المرجع فيحكم بين عباده ويجازي كلا بما يستحق.

﴿ إِنَّ هَؤُلَاء لَيَقُولُونَ [الدخان:34] إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ [الدخان:35] فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [الدخان:36] ﴾

يخبر تعالي عن المشركين الذين أنكروا البعث حين قالوا لا حياة بعد الموت ولا بعث ولا نشور فقالوا إن كان البعث حقا{ فاتوا بآبائنا إن كنتم صادقين } وهذه حجة باطلة فإن المعاد بعد انقضاء الدنيا وفنائها يعيد الله العالمين خلقا جديدا ويجعل الظالمين لنار جهنم وقودا يوم تكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا
﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [الجمعة:6] وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [الجمعة:7] قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الجمعة:8] ﴾

قل أيها الرسول لليهود إن ادَّعيتم أنكم أحباء الله من دون الناس فتمنَّوا الموت إن كنتم صادقين في ادِّعائكم ولا يتمنى اليهود الموت أبدًا إيثارًا للحياة الدنيا على الآخرة وخوفًا من عقاب الله لهم بسبب ما قدَّموه من الكفر وسوء الفعال والله عليم بالظالمين لا يخفى عليه من ظلمهم شيء قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه آتٍ إليكم عند مجيء آجالكم ثم ترجعون يوم البعث إلى الله العالم بما غاب وما حضر فيخبركم بأعمالكم وسيجازيكم عليها.

تكذيب أهل الكتاب لبعضهم

﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ[البقرة:113]﴾

قالت اليهود:ليست النصارى على شيء من الدين الصحيح و قالت النصارى:ليست اليهود علي شيء وهم يقرؤون التوراة والإنجيل وفيهما وجوب الإيمان بالأنبياء جميعًا وهذا يبين تناقضهم وتباغضهم وتعاديهم وتعاندهم كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم أي قالوا لكل ذي دين لست على شيء فالله يفصل بينهم يوم القيامة فيما اختلفوا فيه مِن أمر الدين ويجازي كلا بعمله.

﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [المائدة : 68] ﴾

قل يا محمد يا أهل الكتاب لستم على شيء من الدين حتى تؤمنوا بجميع ما بأيديكم من الكتب المنزلة من الله على الأنبياء وتعملوا بما فيها ومما فيها الأمر بإتباع محمد صلى الله عليه وسلم والإيمان بمبعثه والاقتداء بشريعته وما أنزل إليكم من ربكم وهو القرآن الكريم وإن كثيرًا من أهل الكتاب لا يزيدهم إنزالُ القرآن إليك إلا تجبُّرًا وجحودًا وحسدا من عند أنفسهم فلا تحزن ولا تهتم أيها الرسول على القوم الكافرين لم يؤمنوا بك

﴿ وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ [المائدة:64] ﴾

يخبر تعالى أن طوائف اليهود سيظلون إلى يوم القيامة يعادي بعضهم بعضًا وينفر بعضهم من بعض ولا تجتمع قلوبهم لأنهم لا يجتمعون على حق وكلما تآمروا على الكيد للمسلمين بإثارة الفتن وإشعال نار الحرب ردَّ الله كيدهم وفرَّق شملهم وتسعي اليهود لنشر الفساد في الأرض وإثارة الفتن بين الشعوب والله تعالى لا يحبهم لأنهم مفسدين.
عداوة أهل الكتاب لله وملائكته والمؤمنين

﴿ قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ [البقرة:97] مَن كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ [البقرة:98] ﴾

سأل اليهود النبي صلى الله عليه وسلم عن صاحبه الذي ينزل عليه بالوحي فقال:جبريل عليه السلام : فقالوا إنه عدو لنا لأنه لا يأتي إلا بالحرب والشدة والقتال فنزلت هذه الآية قل يا محمد لليهود من كان عدوًا لجبريل فإنه نزَّل القرآن على قلبك بإذن الله تعالى مصدِّقًا لما سبقه من الكتب وهاديًا إلى الحق ومبشرًا للمؤمنين بخير الدنيا والآخرة . من عادى الله وملائكته ورسله وبخاصة المَلَكان جبريلُ وميكالُ لأن اليهود زعموا أن جبريل عدوهم وميكال وليُّهم فإن الله عدو للكافرين وأن من عادى واحدًا منهما فقد عادى الآخر وقد عادى الله أيضًا

﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ [المائدة:82] وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ [المائدة:83] ﴾

أيها الرسول لتجدن أشدَّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهودَ لعنادهم وجحودهم والذين أشركوا مع الله غيره كعبدة الأوثان وغيرهم ولتجدنَّ أقربهم مودة للمسلمين الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم علماء وعبَّادًا وأنهم لا يستكبرون عن قَبول الحق وهؤلاء هم الذين قبلوا رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وآمنوا بها حين قدموا مع جعفر بن أبي طالب من الحبشة فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم القرآن فأيقنوا أنه حقٌّ منزل من عند الله تعالى فآمنوا به وفاضت أعينهم وتضرعوا إلى الله أن يكرمهم بشرف الشهادة مع أمَّة محمد عليه السلام على الأمم يوم القيامة.فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم[ لعلكم إذا رجعتم إلى أرضكم انتقلتم إلى دينكم فقالوا:لن ننتقل عن ديننا ]

فنزل قوله تعالي{وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبَّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ[المائدة:84] وهم المذكورون في قوله تعالى{ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [آل عمران:199]

وهم الذين قال الله فيهم { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ [القصص:52] وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ [القصص:53] أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [القصص:54] وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ [القصص:55] ولهذا قال تعالى{ فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ [المائدة:85]
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران:118]﴾

يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين تُطْلعونهم على أسراركم فهؤلاء لا يَفْتُرون عن إفساد حالكم وهم يفرحون بما يصيبكم من ضرر ومكروه وقد ظهرت شدة البغض في كلامهم وما تخفي صدورهم من العداوة لكم أكبر وأعظم. قد بيَّنَّا لكم البراهين والحجج لتتعظوا وتحذروا إن كنتم تعقلون عن الله مواعظه وأمره ونهيه.

﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الحج:72] ﴾

وإذا تتلى آيات القرآن على المشركين ترى الكراهة ظاهرة على وجوههم يكادون يبطشون بالمؤمنين الذين يدعونهم إلى الله تعالى ويتلون عليهم آياته قل لهم أيها الرسول أفلا أخبركم بما هو أشد كراهة إليكم من سماع الحق ورؤية من يدعون إليه ؟ النار أعدَّها الله للكافرين في الآخرة وبئس المصير.

﴿ مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [البقرة:105]﴾

لا يحب الكفار من أهل الكتاب والمشركين أن يُنزَّل عليكم أدنى خير من ربكم قرآنًا أو علمًا أو نصرًا أو بشارة. والله يختص برحمته مَن يشاء مِن عباده بالنبوة والرسالة . والله ذو العطاء الكثير.

﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:109]﴾

تمنى كثير من أهل الكتاب أن يرجعوكم بعد إيمانكم كفارًا كما كنتم من قبلُ تعبدون الأصنام بسبب الحقد الذي امتلأت به نفوسهم من بعد ما تبيَّن لهم صدق نبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم فيما جاء به فتجاوزوا عمَّا كان منهم من إساءة وخطأ واصفحوا عن جهلهم حتى يأتي الله بحكمه فيهم بقتالهم (وقد جاء ووقع) وسيعاقبهم لسوء أفعالهم إن الله على كل شيء قدير لا يعجزه شيء.

﴿ هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [آل عمران:119] ﴾

هذا الدليل على خطئكم فأنتم تحبونهم وتحسنون إليهم وهم لا يحبونكم ويحملون لكم العداوة والبغضاء وأنتم تؤمنون بالكتب المنزلة كلها ومنها كتابهم وهم لا يؤمنون بكتابكم ؟ وإذا لقوكم قالوا نفاقًا آمنَّا وصدَّقْنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض بدا عليهم الغم والحزن فعَضُّوا أطراف أصابعهم من شدة الغضب لما يرون من ألفة المسلمين واجتماع كلمتهم وإعزاز الإسلام وإذلالهم به قل لهم أيها الرسول موتوا بشدة غضبكم إن الله مطَّلِع على ما تخفي الصدور وسيجازي كلا على ما قدَّم مِن خير أو شر.

﴿ إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [آل عمران:120] ﴾

إن نزل بالمؤمنين أمرٌ حسن مِن نصر أوغنيمة ظهرت عليهم الكآبة والحزن وإن وقع بالمؤمنين مكروه من هزيمة أو نقص في الأموال والأنفس والثمرات فرحوا بذلك وإن تصبروا على ما أصابكم وتتقوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه لا يضركم أذى مكرهم والله بما يعملون محيط وسيجازيهم على ذلك.

﴿ كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ [التوبة:8] اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [التوبة:9] لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ [التوبة:10]﴾

المشركين يلتزموا بالعهود ما دامت الغلبة لغيرهم أما إذا شعروا بالقوة على المؤمنين فإنهم لا يراعون القرابة ولا العهد فلا يغرنكم منهم ما يعاملونكم به وقت الخوف منكم فإنهم يقولون لكم كلامًا بألسنتهم لترضوا عنهم ولكن قلوبهم تأبى ذلك وأكثرهم متمردون على الإسلام ناقضون للعهد.

﴿ إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ[الممتحنة:2]﴾

إن يظفر بكم المشركين الذين تُسرُّون إليهم بالمودة يكونوا حربًا عليكم ويمدوا إليكم أيديهم بالقتل والسبي وألسنتهم بالسب والشتم و قد تمنَّوْا لو تكفرون مثلهم.

تحريفهم كلام الله

﴿ أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:75]﴾
أتطمعون أيها المؤمنون أن يؤمن اليهودُ بدينكم ؟ وقد كان علماؤهم يسمعون كلام الله من التوراة ثم يحرفونه فيجعلون الحلال فيها حراما والحرام فيها حلالا والحق فيها باطلا والباطل فيها حقا بعد ما عقلوا حقيقته وهم يعلمون أنهم يحرفون كلام رب العالمين عمدًا وكذبًا

﴿ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ [البقرة:79]﴾

الهلاك لأحبار اليهود الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون : هذا من عند الله وهو مخالف لما أنزل الله على نبيِّه موسى عليه الصلاة والسلام ليأخذوا في مقابل هذا عرض الدنيا فلهم عقوبة مهلكة بسبب كتابتهم الباطل بأيديهم
وويل لهم بسبب ما يأخذونه في المقابل من المال الحرام.

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ [البقرة:159] إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:160] ﴾

إن الذين يُخْفون ما أنزلنا من الآيات الواضحات الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به وهم أحبار اليهود وعلماء النصارى وغيرهم ممن يكتم ما أنزل الله من بعد ما بيناه للناس في التوراة والإنجيل أولئك يطردهم الله من رحمته ويلعنهم اللاعنون من الناس إلا الذين رجعوا مستغفرين الله من خطاياهم وأصلحوا ما أفسدوه وبَيَّنوا ما كتموه فأولئك أقبل توبتهم وأجازيهم بالمغفرة وأنا التواب الرحيم على من تاب من عبادي.

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَـئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة:174] أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ [البقرة:175] ﴾

إن الذين يُخْفون ما أنزل الله في كتبه من صفة محمد صلى الله عليه وسلم وبدلوا كلام الله ويأخذون ثمنا قليلا من عرض الحياة الدنيا مقابل هذا التحريف أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يطهرهم من دنس ذنوبهم وكفرهم ولهم عذاب أليم. أولئك الذين استبدلوا الضلالة بالهدى وعذاب الله بمغفرته فما أشد جراءتهم و صبرهم على النار !!

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [آل عمران:77] وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:78] ﴾

إن الذين يستبدلون بعهد الله وأيمانهم عوضًا خسيسًا من عرض الدنيا وحطامها أولئك لا نصيب لهم من الثواب في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة بعين الرحمة ولا يطهرهم من دنس الذنوب والكفر ولهم عذاب أليم وإن مِن اليهود فريقا يحرفون الكلام عن مواضعه ويبدلون كلام الله لتحسبوه من التوراة وما هو منها في شيء ويقولون هذا من عند الله وما هو من عند الله و يقولون على الله الكذب وهم يعلمون أنهم كاذبون.

﴿ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً [النساء:46] ﴾
من اليهود فريق يبدلون ويغيرون ويؤولون كلام الله عمَّا هو عليه افتراء على الله ويقولون للرسول صلى الله عليه وسلم : سمعنا قولك وعصينا أمرك وهذا أبلغ في كفرهم وعنادهم وأنهم يتولون عن كتاب الله بعدما عقلوه وهم يعلمون ما عليهم في ذلك من الإثم والعقوبة ويقولون : واسمع غير مسمع أي لا سمعت و يصفونه بالرعونة تحريفا بألسنتهم وطعنا في الإسلام ولو أنهم قالوا : سمعنا وأطعنا بدل "عصينا" واسمع بدل "غير مسمع" وانظرنا بدل "راعنا" لكان ذلك خيرًا لهم عند الله وأعدل قولا ولكن الله طردهم من رحمته بسبب كفرهم وجحودهم نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فلا يصدقون بالحق إلا تصديقًا قليلا لا ينفعهم.

﴿ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[المائدة:13]﴾

بسبب نقض اليهود لعهودهم المؤكَّدة طردناهم من رحمتنا وجعلنا قلوبهم غليظة لا تلين للإيمان ففسد فهمهم وساء تصرفهم فبدلوا كلام الله الذي أنزله في التوراة وتركوا ما أمروا به في التوراة من إتباع محمد ولا تزال أيها الرسول تجد من اليهود خيانةً وغَدرًا كأسلافهم إلا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح فإن الله يحب المحسنين .

﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة:41] ﴾

يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في جحود نبوتك من المنافقين الذين أظهروا الإسلام وقلوبهم خالية منه فإني ناصرك عليهم ولا يحزنك تسرُّع اليهود إلى إنكار نبوتك فإنهم قوم يستمعون للكذب ويقبلون ما يَفْتَريه أحبارُهم ويستجيبون لقوم لا يحضرون مجلسك و يُبَدِّلون كلام الله من بعد ما عَقَلوه ويقولون : إن جاءكم من محمد ما يوافق الذي بدَّلناه وحرَّفناه من أحكام التوراة فاعملوا به وإن جاءكم منه ما يخالفه فاحذروا قبوله والعمل به . ومن يشأ الله ضلالته فلن تستطيع أيها الرسول دَفْعَ ذلك عنه ولا تقدر على هدايته وإنَّ المنافقين واليهود لم يُرِدِ الله أن يطهِّر قلوبهم من دنس الكفر لهم الذلُّ والفضيحة في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم.

﴿ وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ [الأنعام:91] ﴾

يقول الله تعالى وما عظموا الله حق تعظيمه إذ كذبوا رسله إليهم قل لهم أيها الرسول إذا كان الأمر كما تزعمون فمن الذي أنزل الكتاب الذي جاء به موسى إلى قومه نورًا للناس وهداية لهم ؟ تكتبونه من الكتاب الأصلي الذي بأيديكم في دفاتر أخري وتحرفون منها ما تحرفون وتبدلون وتتأولون وتقولون هذا من عند الله وما هو من عند الله ومما كتموه الإخبار عن صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته وعلمتم أيها اليهود في القرآن ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم من التوراة ببيان ما التبس عليكم واختلفتم فيه قل: الله الذي أنزله ودعهم في حديثهم الباطل يلعبون .

جزآؤهم لو أمنوا

﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ [المائدة:65] وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ [المائدة:66] ﴾

لو أن اليهود والنصارى صدَّقوا الله ورسوله وامتثلوا أوامر الله واجتنبوا نواهيه لكفَّرنا عنهم ذنوبهم ولأدخلناهم جنات النعيم في الدار الآخرة ولو أنَّهم عملوا بما في التوراة والإنجيل وبما أُنْزِل عليك أيها الرسول وهو القرآن الكريم لرُزِقوا من كلِّ سبيلٍ فأنزلنا عليهم المطر وأنبتنا لهم الثمر وهذا جزاء الدنيا وإنَّ مِن أهل الكتاب فريقًا معتدلا ثابتًا على الحق وهم الذين دخلوا في الإسلام وكثير منهم ساء عملُه وضل عن سواء السبيل.

﴿ وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ[المائدة:12] ﴾

أخذ الله العهد المؤكَّد على بني إسرائيل أن يخلصوا له العبادة وحده وأمر الله موسى أن يجعل عليهم اثني عشر عريفًا بعدد قبائلهم ليأخذون عليهم العهد بالسمع والطاعة لله ولرسوله ولكتابه وقال الله لبني إسرائيل: إني معكم بحفظي ونصري لئن أقمتم الصلاة وأخرجتم الزكاة وصدَّقتم برسلي فيما أخبروكم به ونصرتموهم وأنفقتم في سبيلي لأكفِّرنَّ عنكم سيئاتكم ولأدْخِلَنَّكُم جناتٍ تجري من تحت الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل عن طريق الحق إلى طريق الضلال.

﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ [البقرة:103] ﴾

لو أن اليهود آمنوا وخافوا الله لأيقنوا أن ثواب الله خير لهم من السِّحر ومما اكتسبوه به لو كانوا يعلمون ما يحصل بالإيمان والتقوى من الثواب والجزاء علما حقيقيا لآمنوا.

﴿ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ [آل عمران:110] ﴾

لو آمن أهل الكتاب بمحمد صلى الله عليه وسلم وما جاءهم به من عند الله كما آمنتم لكان خيرا لهم في الدنيا والآخرة منهم المؤمنون المصدقون برسالة محمد العاملون بها وهم قليل وأكثرهم الخارجون عن دين الله وطاعته.

﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً [النساء:46] ﴾

لو أنهم قالوا : سمعنا وأطعنا بدل و"عصينا" واسمع بدل "غير مسمع" وانظرنا بدل "راعنا" لكان ذلك خيرًا لهم عند الله وأعدل قولا ولكن الله طردهم من رحمته بسبب كفرهم وجحودهم نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فلا يصدقون بالحق إلا تصديقًا قليلا لا ينفعهم.

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً [النساء:64] ﴾

ما بعَثْنَا رسول من رسلنا إلا ليستجاب له بأمر الله تعالى وقضائه ولو أن الذين ظلموا أنفسهم باقتراف السيئات جاؤوك أيها الرسول تائبين سائلين الله أن يغفر لهم ذنوبهم واستغفرت لهم لوجدوا الله توابًا رحيمًا.

﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً[النساء:66]وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيماً[النساء:67] وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً[النساء:68]﴾

لو أوجبنا على المنافقين أن يقتل بعضهم بعضًا أو أن يخرجوا من ديارهم ما استجاب لذلك إلا عدد قليل منهم ولو أنهم استجابوا لما يُنصحون به لكان ذلك خيرا لهم وأقوى لإيمانهم ولأعطيناهم من عندنا ثوابًا عظيمًا في الدنيا والآخرة ولأرشدناهم و وفقناهم إلى طريق الله القويم.

حرصهم علي الحياة

﴿ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ [البقرة:96] ﴾

اليهود أشد الناس رغبة في طول الحياة من المشركين أيًّا كانت هذه الحياة من الذلَّة والمهانة يتمنى اليهودي أن يعيش ألف سنة ولا يُبْعده هذا العمر الطويل إن حصل من عذاب الله والله تعالى لا يخفى عليه شيء من أعمالهم وسيجازيهم عليها بما يستحقون من العذاب.

عدم رضاهم عن من لم يتبع ملتهم

﴿ وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ [البقرة:120] ﴾

لن ترضى عنك أيها الرسول اليهود ولا النصارى إلا إذا تركت دينك واتبعتَ دينهم : قل لهم إن الإسلام هو الدين الصحيح ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من الوحي ما لك عند الله مِن وليٍّ ينفعك ولا نصير ينصرك. هذا موجه إلى الأمّة عامة وإن كان خطابًا للنبي صلى الله عليه وسلم.

أماني أهل الكتاب

﴿ وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة : 111] بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة : 112] ﴾
قالت اليهود:لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا وقالت النصارى:لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانياكما زعموا أنهم أبناء الله وأحباؤه {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ[المائدة:18]فكذبهم الله بقوله لهم فلم يعذبكم بذنوبكم فلو كنتم أحبابه ما عذبكم بل أنتم بشر من بني آدم يغفر لمن يشاء من أهل الإيمان به ويعذب من يشاء من أهل الكفر والنفاق ولله ملك السموات والأرض وما بينهما وإليه المرجع يوم القيامة .
ثم فضحهم سبحانه وتعالي بقوله تلك أمانيهم وأوهامهم الفاسدة قل لهم يا محمد هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين في دعواكم . وإنما يدخل الجنَّة مَن أخلص لله وحده لا شريك له واتبع الرسول في كل أقواله وأفعاله ومن يفعل ذلك فله أجره عند ربه يوم القيامة ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون .

﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة : 109] ﴾

تمنى كثير من أهل الكتاب أن يرجعوكم بعد إيمانكم كفارًا كما كنتم تعبدون الأصنام بسبب الحقد والحسد الذي امتلأت به نفوسهم من بعد ما تبيَّن لهم صدق نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم فيما جاء به فتجاوزوا عمَّا كان منهم من إساءة وخطأ واصفحوا عن جهلهم حتى يأتي الله بحكمه فيهم إن الله على كل شيء قدير .

﴿ وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [البقرة:135] قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة:136] ﴾

قالت اليهود لأمَّة محمد صلى الله عليه وسلم ادخلوا في دين اليهودية تجدوا الهداية وقالت النصارى ادخلوا في دين النصرانية تجدوا الهداية . قل لهم - أيها الرسول- بل الهداية أن نتبع جميعًا ملة إبراهيم الذي ابتعد عن كل دين باطل إلى دين الحق وما كان من المشركين بالله تعالى. قولوا أيها المؤمنون :صدَّقنا بالله الواحد المعبود بحق وبما أنزل إلينا من القرآن الذي أوحاه الله إلى نبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل من الصحف إلى إبراهيم و إسماعيل وإسحاق وإلى يعقوب والأسباط وما أُعطي موسى من التوراة وعيسى من الإنجيل وما أُعطي الأنبياء جميعًا من ربهم لا نفرق بين أحد منهم في الإيمان كاليهود والنَّصارى الذين يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض كما قال تعالي{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً [النساء : 150] أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً [النساء : 151]وَالَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُوْلَـئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً [النساء : 152]

﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ [المائدة:18] ﴾

قالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل لهم - أيها الرسول- فَلأيِّ شيء يعذِّبكم بذنوبكم ؟ فلو كنتم أحبابه ما عذبكم فالله لا يحب إلا من أطاعه وقل لهم بل أنتم خلقٌ مثلُ سائر بني آدم إن أحسنتُم جوزيتم بإحسانكم خيرا وإن أسَأْتُم جوزيتم بإساءتكم شرًّا فالله يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وهو مالك الملك يُصَرِّفه كما يشاء وإليه المرجع فيحكم بين عباده ويجازي كلا بما يستحق.

﴿ قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:94] وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ [البقرة:95]﴾

قل أيها الرسول لليهود الذين يدَّعون أن الجنة خاصة بهم لزعمهم أنهم أولياء الله من دون الناس وأنهم أبناؤه وأحباؤه إن كان الأمر كذلك فتمنوا الموت إن كنتم صادقين في دعواكم . ولن يفعلوا ذلك أبدًا بسبب ما ارتكبوه من الكفر والعصيان المؤَدِّيَيْن إلى حرمانهم من الجنة ودخول النار ولما يعرفونه من صدق النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومن كذبهم وافترائهم والله تعالى عليم بالظالمين من عباده وسيجازيهم على ذلك .

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ [آل عمران:23]ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ [آل عمران:24] ﴾

أرأيت أيها الرسول أعجب من حال اليهود الذين أتاهم الله التوراة والإنجيل فعلموا أن ما جئت به هو الحق كما قال تعالي{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:146]وقال تعالي{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ[الأنعام:20]وإذا دعوا إلى ما جاء في القرآن وإتباع محمد صلي الله عليه وسلم تولوا عنه وهم معرضون والذي حملهم علي ذلك هو اعتقاد فاسد لدى أهل الكتاب بأنهم لن يعذَّبوا في النار إلا أيامًا قليلة وهذا الاعتقاد أدى إلى جرأتهم على الله واستهانتهم بدينه وهم الذين افتروا هذا من تلقاء أنفسهم ولم ينزل الله به سلطانا

﴿ وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [آل عمران:69] يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ [آل عمران:70] يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [آل عمران:71] وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [آل عمران:72] وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [آل عمران:73]﴾

تمنَّت جماعة من اليهود والنصارى لو يضلونكم عن الإسلام وما يضلون إلا أنفسهم وأتباعهم وما يدرون .يا أهل التوراة والإنجيل لم تجحدون آيات الله التي أنزلها في كتبكم وفيها أن محمدًا صلى الله عليه وسلم هو رسول الله وأن ما جاءكم به هو الحق وأنتم تشهدون بذلك و تنكرونه ؟ يا أهل التوراة والإنجيل لِمَ تخلطون الحق بالباطل في كتبكم وتُخْفون ما فيهما من صفة محمد صلى الله عليه وسلم وأنتم تعلمون أن دينه هو الحق ؟ وقالت جماعة من من اليهود آمنوا بالقرآن الذي أُنزل على المؤمنين أول النهار واكفروا به آخره لعلهم يتشككون في دينهم ويرجعون عنه.ولا تطمئنوا أو تظهروا سركم إلا لمَن تبع دينكم فكان يهودياً قل لهم يا محمد إن الهدى هدى الله هو الذي يهدي قلوب المؤمنين إلى الإيمان .وقالوا لا تظهروا ما عندكم من العلم للمسلمين فيتعلمون منكم فيساووكم في العلم به وتكون لهم الأفضلية عليكم أو أن يتخذوه حجة عند ربكم يغلبونكم بها. قل لهم يا محمد إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء. والله واسع عليم يَسَعُ بعلمه وعطائه جميع مخلوقاته ممن يستحق فضله ونعمه .

﴿ وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ الْنَّارَ وَأَنَّهُم مُّفْرَطُونَ [النحل : 62] ﴾

يجعلون لله ما يكرهونه لأنفسهم من البنات وتقول ألسنتهم كذبًا إن لهم حسن العاقبة فقال تعالي حقًا أن لهم النار وأنهم فيها مَتْروكون .
مجادلة أهل الكتاب

﴿ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [العنكبوت:46] ﴾

أيها المؤمنون لا تجادلوا اليهودَ والنصارى إلا بالقول الحسن وانصح لهم نصحًا حسنًا يرغبهم في الخير وينفرهم من الشر وجادلهم بالرفق واللين فما عليك إلا البلاغ و على الله الهداية فهو أعلم بمن ضلَّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين إلا الذين حادوا عن الحق وعاندوا وكابروا وأعلنوا الحرب عليكم فقاتلوهم حتى يؤمنوا أو يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون وقولوا آمنا بالقرآن الذي أُنزل إلينا وآمنا بالتوراة والإنجيل اللذَيْن أُنزلا إليكم وإلهنا وإلهكم واحد لا شريك له ونحن له مسلمون .
¤عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون ]رواه البخاري
﴿ ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [النحل:125] ﴾

ادعُ أيها الرسول أنت ومَنِ اتبعك إلى دين الله بالحكمة وبما أنزل إليك في القرآن الكريم والسنة وخاطِب الناس بالين وانصحهم نصحًا حسنًا يرغبهم في الخير وينفرهم من الشر كما قال تعالي{اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى [طه:43] فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى[طه:44]وجادلهم بالحسنى فما عليك إلا البلاغ أما هدايتهم فعلى الله وحده فهو أعلم بمن ضلَّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين

معاندتهم الأنبياء وقتلهم

﴿ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ [البقرة:61] ﴾

اذكروا حين أنزلنا عليكم الطعام الحلو والطير الشهي فبطِرتم النعمة كعادتكم وأصابكم الضيق والملل فقلتم:يا موسى لن نصبر على طعام ثابت لا يتغير مع الأيام فادع لنا ربك يخرج لنا من نبات الأرض طعامًا من البقول والخُضَر والقثاء والحبوب التي تؤكل والعدس والبصل. قال موسى مستنكرًا عليهم أتطلبون هذه الأطعمة التي هي أقل قدرًا وتتركون هذا الرزق النافع الذي اختاره الله لكم ؟ اهبطوا إلى أي مدينة تجدوا ما اشتهيتم كثيرًا في الحقول والأسواق ولما هبطوا تبيَّن لهم أنهم يُقَدِّمون اختيارهم في كل موطن على اختيار الله ويُؤْثِرون شهواتهم على ما اختاره الله لهم لذلك لزمتهم صِفَةُ الذل وفقر النفوس وانصرفوا ورجعوا بغضب من الله لإعراضهم عن دين الله ولأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين ظلمًا وعدوانًا بسبب عصيانهم وتجاوزهم حدود ربهم.

﴿ أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:75]وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ[البقرة:76]أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ[البقرة:77] وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ[البقرة:78]فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ[البقرة:79] وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ[البقرة:80]بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[البقرة:81]﴾

أتطمعون أيها المؤمنون أن يؤمن اليهودُ بدينكم ؟ وقد كان علماؤهم يسمعون كلام الله من التوراة ثم يحرفونه
فيجعلون الحلال فيها حراما والحرام فيها حلالا والحق فيها باطلا والباطل فيها حقا بعد ما عقلوا حقيقته وهم يعلمون أنهم يحرفون كلام رب العالمين عمدًا وكذبًا و إذا لقوا الذين آمنوا قالوا بلسانهم : آمنَّا بدينكم ورسولكم المبشَّر به في التوراة وإذا خلا بعض المنافقين من اليهود إلى بعض قالوا في إنكار أتحدِّثون المؤمنين بما بيَّن الله لكم في التوراة من أمر محمد لتكون لهم الحجة عليكم عند ربكم يوم القيامة ؟ أفلا تفقهون فاحذروا ؟ ألا يعلمون أن الله يعلم جميع ما يخفونه وما يظهرونه ؟
ومن اليهود جماعة يجهلون القراءة والكتابة ولا يعلمون التوراة وما فيها من صفات نبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وما عندهم من ذلك إلا أكاذيبُ وظنون فاسدة فالهلاك والوعيد لأحبار السوء من اليهود الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله وهو مخالف لما أنزل الله على نبيِّه موسى عليه الصلاة والسلام ليأخذوا في مقابل هذا عرض الدنيا. فلهم عقوبة مهلكة بسبب كتابة الباطل بأيديهم ولهم عقوبة مهلكة بسبب ما يأخذونه في المقابل من المال الحرام
وقالت بنو إسرائيل: لن تصيبنا النار في الآخرة إلا أيامًا قليلة العدد فقل لهم أيها الرسول أعندكم عهد من الله بهذا فإن الله لا يخلف عهده ؟ بل إنكم تقولون على الله ما لا تعلمون بافترائكم الكذب . ليس الأمر كما تمنيتم ولا كما تشتهون بل الأمر أنه من عمل سيئة وأحاطت به فأولئك أهل النار وهم فيها خالدون . والذين آمنوا وعملوا الصالحات فأولئك أهل الجنة وهم فيها خالدون كما قال تعالي{لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً [النساء:123] وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً [النساء:124]

﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ[البقرة:84]ثُمَّ أَنتُمْ هَـؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ[البقرة:85]﴾

تذكروا يا بني إسرائيل حين أَخَذْنا عليكم عهدًا مؤكدًا في التوراة أن لا يقتل بعضكم بعضا ولا يخرجه من دياره ولا يظاهر عليه ثم اعترفتم بذلك وأنتم تشهدون على صحته. كانت يهود المدينة ثلاث قبائل : بنو قينقاع وبنو النضير : حلفاء الخزرج وبنو قريظة : حلفاء الأوس فكانت الحرب إذا نشبت بينهم قاتل كل فريق مع حلفائه فيقتل اليهودي أعداءه وقد يقتل اليهودي الآخر من الفريق الآخر وذلك حرام عليهم في دينهم ونص كتابهم ويخرجونهم من بيوتهم وينهبوا ما فيها من الأمتعة والأموال ثم إذا وضعت الحرب أوزارها افتدوا الأسرى من الفريق المغلوب عملا بحكم التوراة ولهذا قال تعالى{ أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض } وجزاء مَن يفعل ذلك منكم الذل والفضيحة في الدنيا ويوم القيامة يردُّهم الله إلى أشد العذاب في النار وما الله بغافل عما تعملون.

﴿ وَلَقَدْ جَاءكُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ [البقرة : 92] ﴾
لقد جاءكم موسى بالآيات الواضحات والدلائل القاطعة على أنه رسول الله وأنه لا إله إلا الله مثل الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والعصا واليد وفرق البحر وتظليلهم بالغمام والمن والسلوى والحجر وغير ذلك من الايات التي شاهدوها ثم اتخذتم العجل معبودا من دون الله في زمان موسى وأيامه وقوله : من بعد ما ذهب عنكم إلى الطور لمناجاة الله عز وجل

﴿ وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ [البقرة:99] أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ[البقرة:100] وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ [البقرة:101] وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ [البقرة:102] وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ [البقرة:103] ﴾

لقد أنزلنا إليك أيها الرسول آيات واضحات تدل على أنّك رسول من الله صدقا وحقا وما ينكر تلك الآيات إلا الفاسقون .كلما عاهدوا عهدًا نقضه فريق منهم فيُبْرِمون العهد اليوم وينقضونه غدًا بل أكثرهم لا يصدِّقون بما جاء به نبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم. ولما جاءهم محمد رسول الله بالقرآن مصدقا لما معهم من التوراة نبذ فريق منهم كتاب الله وجعلوه وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون ما فيها من نبوة محمد أو أنه كتاب الله واتبع اليهود ما تُحَدِّث الشياطينُ به السحرةَ على عهد ملك سليمان بن داود. وما كفر سليمان وما تَعَلَّم السِّحر ولكنَّ الشياطين هم الذين كفروا بالله حين علَّموا الناس السحر إفسادًا لدينهم. و اتبع اليهود السِّحر الذي أُنزل على الملَكَين هاروت وماروت بأرض "بابل" في "العراق" امتحانًا وابتلاء من الله لعباده وما يعلِّم الملكان من أحد حتى ينصحاه ويحذِّراه من تعلم السحر ويقولا له لا تكفر بتعلم السِّحر وطاعة الشياطين فيتعلم الناس من الملكين ما يُحْدِثون به الكراهية بين الزوجين حتى يتفرقا ولا يستطيع السحرة أن يضروا به أحدًا إلا بإذن الله وقضائه وما يتعلم السحرة إلا شرًا يضرهم ولا ينفعهم وقد نقلته الشياطين إلى اليهود فشاع فيهم حتى فضَّلوه على كتاب الله وقد علم اليهود أن من اختار السِّحر وترك الحق ما له في الآخرة من نصيب في الخير ولبئس ما باعوا به أنفسهم لو كان يعلمون ولو أن اليهود آمنوا بالله ورسوله وخافوا عقاب الله وتركوا المعاصي لأثيبوا عليه مثوبة خير

﴿ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ [آل عمران:19] ﴾

إن الدين الذي ارتضاه الله لخلقه وأرسل به رسله ولا يَقْبَل غيره هو الإسلام وهو الانقياد لله وحده بالطاعة والاستسلام له بالعبودية وإتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين حتى خُتموا بمحمد صلى الله عليه وسلم الذي لا يقبل الله مِن أحد بعد بعثته دينًا سوى الإسلام الذي أُرسل به. وما وقع الخلاف بين أهل الكتاب من اليهود والنصارى فتفرقوا شيعًا وأحزابًا إلا من بعد ما قامت الحجة عليهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب بغيًا وحسدًا طلبًا للدنيا ومن يجحد آيات الله المنزلة وآياته الدالة على ربوبيته وألوهيته فإن الله سريع الحساب وسيجزيهم بما كانوا يعملون.

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ [آل عمران:23] ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ [آل عمران:24] ﴾

أرأيت أيها الرسول أعجب من حال اليهود الذين أتاهم الله التوراة والإنجيل فعلموا أن ما جئت به هو الحق كما قال تعالي{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:146]وقال تعالي{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ[الأنعام:20]وإذا دعوا إلى ما جاء في القرآن وإتباع محمد صلي الله عليه وسلم تولوا عنه وهم معرضون والذي حملهم علي ذلك هو اعتقاد فاسد لدى أهل الكتاب بأنهم لن يعذَّبوا في النار إلا أيامًا قليلة وهذا الاعتقاد أدى إلى جرأتهم على الله واستهانتهم بدينه وهم الذين افتروا هذا من تلقاء أنفسهم ولم ينزل الله به سلطانا

﴿ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ [آل عمران:110] لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ [آل عمران:111] ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ [آل عمران:112] ﴾

لو آمن أهل الكتاب بمحمد صلى الله عليه وسلم وما جاءهم به من عند الله لكان خيرا لهم في الدنيا والآخرة منهم المؤمنون المصدقون برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وهم قليل وأكثرهم خارجون عن دين الله وطاعته لن يضركم الفاسقون من أهل الكتاب إلا ما يؤذي أسماعكم من ألفاظ الشرك والكفر فإن يقاتلوكم يُهْزَموا ويهربوا مولِّين الأدبار ثم لا ينصرون عليكم بأي حال وجعل الله الهوان والصغار أمرًا لازمًا لا يفارق اليهود فهم أذلاء محتقرون أينما وُجِدوا إلا بعهد من الله وعهد من الناس يأمنون به على أنفسهم وأموالهم واستحقوا الغضب من الله وضُربت عليهم الذلَّة والمسكنة فلا ترى اليهوديَّ إلا وعليه الخوف والرعب من أهل الإيمان بسبب كفرهم بالله وقَتْلهم الأنبياء ظلمًا واعتداء وما جرَّأهم على هذا إلا ارتكابهم للمعاصي وتجاوزهم حدود الله

﴿ لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ[آل عمران:181]ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ[آل عمران:182] الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [آل عمران:183] ﴾
لقد سمع الله قول اليهود الذين قالوا إن الله فقير إلينا يطلب منا أن نقرضه أموالا ونحن أغنياء سنكتب هذا القول الذي قالوه وسنكتب أنهم راضون بما كان مِن قَتْل آبائهم لأنبياء الله ظلمًا وعدوانًا وسوف نؤاخذهم بذلك في الآخرة ونقول لهم وهم في النار ذوقوا عذاب النار بسبب ما قدَّمتموه في الدنيا من المعاصي والذنوب وأن الله ليس بظلام للعبيد . وحين دعي اليهود إلي الإسلام قالوا إن الله أوصانا في التوراة ألا نصدِّق مَن جاءنا يقول إنه رسول من الله حتى يأتينا بصدقة يتقرب بها إلى الله فتنزل نار من السماء فتحرقها قل لهم أيها الرسول قد جاءكم رسلٌ من قِبلي بالمعجزات والدلائل على صدقهم وبالذي قلتم من الإتيان بالقربان الذي تأكله النار فَلِمَاذا قَتَلتم الأنبياء إن كنتم صادقين ؟

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً [النساء:51] أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً [النساء:52] ﴾

ألم تعلم أيها الرسول أن علماء اليهود يؤمنون بالأصنام والشياطين ويقولون للذين كفروا أنتم أقْومُ وأعدلُ طريقًا من الذين آمنوا بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم ؟ أولئك الذين كَثُرَ فسادهم وعمَّ ضلالهم فطردهم الله من رحمته ومَن يطرده الله من رحمته فلن تجد له من ينصره من سوء العذاب.

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً[النساء:60]وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً[النساء:61] ﴾

ألم تعلم أيها الرسول أمر المنافقين الذين يدَّعون الإيمان بما أُنزل إليك وهو القرآن وبما أُنزل إلى الرسل من قبلك وهم يريدون أن يتحاكموا في فَصْل الخصومات بينهم إلى غير ما شرع الله وقد أُمروا أن يكفروا بالباطل ؟ ويريد الشيطان أن يبعدهم عن طريق الحق بعدًا كبيرا وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم رأيت المنافقين يعرضون عنك إعراضًا.

﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً [النساء:66] ﴾

لو كتبنا على المنافقين المتحاكمين إلى الطاغوت أن يقتل بعضهم بعضًا أو أن يخرجوا من ديارهم ما استجاب لذلك إلا عدد قليل منهم ولو أنهم استجابوا لما يُنصحون به لكان ذلك نافعًا لهم وأقوى لإيمانهم

﴿ يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَاناً مُّبِيناً[النساء:153] وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً[النساء:154] فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً[النساء:155] وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً[النساء:156] وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً[النساء:157] ﴾

يسأل اليهود محمد صلي الله عليه وسلم معجزة مثل معجزة موسى تشهد لك بالصدق:بأن تنزل عليهم صُحُفًا من الله مكتوبةً مثل مجيء موسى بالألواح من عند الله فلا تعجب فقد سأل أسلافهم موسى أن يريهم الله علانيةً فَصُعِقوا بسبب ظلمهم أنفسهم حين سألوا أمرًا ليس من حقِّهم وبعد أن أحياهم الله بعد الصعق وشاهدوا الآيات البينات على يد موسى عبدوا العجل من دون الله ثم تابوا فعَفونا عنهم وآتينا موسى حجة عظيمة تؤيِّد صِدق نُبُوَّتِه . ورفعنا فوق رؤوسهم جبل الطور حين امتنعوا عن الالتزام بالعهد الذي أعطوه بالعمل بالتوراة وأمرناهم أن يدخلوا باب "بيت المقدس" سُجَّدًا فدخلوا يزحفون على أستاههم وأمرناهم ألا يَعْتَدُوا بالصيد في يوم السبت فاعتدَوا وأخذنا عليهم عهدًا مؤكدًا فنقضوه. فلعنَّاهم لنقضهم العهود وكفرهم بآيات الله الدالة على صدق رسله وقتلهم للأنبياء ظلمًا واعتداءً وقولهم قلوبنا عليها أغطية فلا تفقه ما تقول بل طمس الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا إيمانًا قليلا لا ينفعهم بسبب كفرهم وافترائهم على مريم بما نسبوه إليها من الفاحشة وهي بريئة منه وبسبب زعمهم قتل المسيح وما قتلوا عيسى وما صلبوه بل صلبوا رجلا شبيهًا به ظنًّا منهم أنه عيسى وما قتلوه يقينا .

﴿يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ[المائدة:21] قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ[المائدة:22]﴾

يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة (المطهرة ) وهي "بيت المقدس" وما حولها التي وعد الله أن تدخلوها وتقاتلوا مَن فيها من الكفار ولا ترجعوا عن قتال الجبارين فتخسروا خير الدنيا وخير الآخرة . قالوا يا موسى إن فيها قومًا أشداء أقوياء لا طاقة لنا بحربهم وإنَّا لن نستطيع دخولها وهم فيها فإن يخرجوا منها فإنَّا داخلون.

﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ [المائدة:32]﴾

من أجل قتل قبيل لآخاه هابيل ظلما وعدوانا كتبنا علي بني إسرائيل من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض بلا سبب فكأنما قتل الناس جميعا ومن حرم قتلها عن عقيدة فقد سلم الناس كلهم منه فكأنما أحيا الناس جميعا فالحفاظ على حرمة إنسان واحد حفاظ على حرمات الناس كلهم ولقد أتت بني إسرائيل رسلُنا بالحجج والدلائل على صحة ما دعَوهم إليه من الإيمان بربهم وأداء ما فُرِضَ عليهم ثم إن كثيرًا منهم بعد مجيء الرسل إليهم لمسرفون بارتكاب محارم الله وترك أوامره .
﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة:41]﴾

يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في جحود نبوتك من المنافقين الذين أظهروا الإسلام وقلوبهم خالية منه فإني ناصرك عليهم ولا يحزنك تسرُّع اليهود إلى إنكار نبوتك فإنهم قوم يستمعون للكذب ويقبلون ما يَفْتَريه أحبارُهم ويستجيبون لقوم لا يحضرون مجلسك و يُبَدِّلون كلام الله من بعد ما عَقَلوه ويقولون : إن جاءكم من محمد ما يوافق الذي بدَّلناه وحرَّفناه من أحكام التوراة فاعملوا به وإن جاءكم منه ما يخالفه فاحذروا قبوله والعمل به . ومن يشأ الله ضلالته فلن تستطيع أيها الرسول دَفْعَ ذلك عنه ولا تقدر على هدايته وإنَّ المنافقين واليهود لم يُرِدِ الله أن يطهِّر قلوبهم من دنس الكفر لهم الذلُّ والفضيحة في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم.

﴿وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَـئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ[المائدة:43]﴾

إنَّ أمر اليهود عجيب فهم يحتكمون إليك وهم لا يؤمنون بك ولا بكتابك وعندهم التوراة و فيها حكم الله ثم يتولَّون مِن بعد حكمك إذا لم يُرضهم فجمعوا بين الكفر بشرعهم والإعراض عن حكمك وما أولئك بالمؤمنين.

﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ [المائدة:59]قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ[المائدة:60]وَإِذَا جَآؤُوكُمْ قَالُوَاْ آمَنَّا وَقَد دَّخَلُواْ بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ[المائدة:61]وَتَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ[المائدة:62]لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ[المائدة:63]وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ[المائدة:64]﴾

قل أيها الرسول للمستهزئين من أهل الكتاب هل تعيبونا علينا أن آمنا بالله وبالقرآن وبالكتب السابقة والحقيقة أن أكثركم فاسقون قل أيها النبي للمؤمنين : هل أخبركم بمن يُجازَى يوم القيامة جزاءً أشدَّ مِن جزاء هؤلاء الفاسقين؟ إنهم أسلافهم الذين طردهم الله من رحمته وغَضِب عليهم ومَسَخَهم فجعل منهم القردة والخنازير بعصيانهم وافترائهم وتكبرهم و عُبَّادتهم الطاغوت بئس مكانهم في الآخرة وضلَّ سَعْيُهم في الدنيا عن الطريق الصحيح. وإذا جاءكم منافقو اليهود قالوا آمنَّا و قد دخلوا عليكم بكفرهم الذي يعتقدونه بقلوبهم ثم خرجوا وهم مصرُّون عليه والله أعلم بسرائرهم وإن أظهروا خلاف ذلك. وترى كثيرًا من اليهود يبادرون إلى المعاصي من قول الكذب والزور والاعتداء على أحكام الله وأكْل أموال الناس بالباطل لقد ساء ما كانوا يعملون . هلا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الكذب وأكلهم السحت لقد ساء صنيعهم حين تركوا النهي عن المنكر. قالت اليهود يد الله محبوسة عن فعل الخيرات بَخِيلَ علينا بالرزق والتوسعة وذلك حين لحقهم جَدْب وقحط فرد الله عليهم وقال غُلَّتْ أيديهم أي حبست أيديهم هم عن فِعْلِ الخيرات وطردهم الله من رحمته بسبب قولهم والحقيقة أن اليهود هم يبخلون بما أتوا ويحسدون الناس علي ما أتاهم الله كما قال تعالي{ أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً [النساء:53] أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ [النساء:54] وليس الأمر كما يفترونه على ربهم بل يداه مبسوطتان لا حَجْرَ عليه ولا مانع يمنعه من الإنفاق فإنه الجواد الكريم ينفق على مقتضى الحكمة وما فيه مصلحة العباد وفي الآية إثبات لصفة اليدين لله سبحانه وتعالى كما يليق به من غير تشبيه ولا تكييف لكنهم سوف يزدادون طغيانًا وكفرًا بسبب حقدهم وحسدهم لأن الله قد اصطفاك بالرسالة ويخبر تعالى أن طوائف اليهود سيظلون إلى يوم القيامة يعادي بعضهم بعضًا وينفر بعضهم من بعض كلما تآمروا على الكيد للمسلمين بإثارة الفتن وإشعال نار الحرب ردَّ الله كيدهم وفرَّق شملهم ولا يزال اليهود يعملون بمعاصي الله مما ينشأ عنها الفساد والاضطراب في الأرض. والله تعالى لا يحب المفسدين.

﴿ لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ[المائدة:70]وَحَسِبُواْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ثُمَّ تَابَ اللّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ[المائدة:71]﴾

لقد أخذنا العهد المؤكَّد على بني إسرائيل في التوراة بالسمع والطاعة وأرسلنا إليهم رسلنا فَنَقَضوا العهد واتبعوا أهواءهم وكلما جاءهم رسول من الرسل بما لا تشتهيه أنفسهم عادَوْه فكذبوا فريقًا وفريقا يقتلون.وظنَّ العُصاة أن الله لن يأخذهم بالعذاب جزاء عصيانهم فعمُوا عن الهدى فلم يبصروه وصَمُّوا عن سماع الحقِّ فلم ينتفعوا به فأنزل الله بهم بأسه فتابوا فتاب الله عليهم ثم عَمِي كثيرٌ منهم وصمُّوا بعدما تبين لهم الحقُّ والله بصير بأعمالهم خيرها وشرها وسيجازيهم عليها.

﴿ إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ [المائدة:110] ﴾

يقول الله يوم القيامة:يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك إذ خلقتك من غير أب وعلى والدتك حيث اصطفيتها على نساء العالمين وبرأتها مما نُسِب إليها ومن هذه النعم على عيسى أنه قوَّاه وأعانه بجبريل عليه السلام يكلم الناس وهو رضيع ويدعوهم إلى الله وهو كبير بما أوحاه الله إليه من التوحيد ومنها أن الله تعالى علَّمه الكتابة والخط بدون معلم ووهبه قوة الفهم والإدراك وعَلَّمه التوراة التي أنزلها على موسى عليه السلام والإنجيل الذي أنزل عليه هداية للناس ومن هذه النعم أنه يصوِّر من الطين كهيئة الطير فينفخ في تلك الهيئة فتكون طيرًا بإذن الله ومنها أنه يشفي الذي وُلِد أعمى فيبصر ويشفي الأبرص فيعود جلده سليمًا بإذن الله ومنها أنه يدعو الله أن يحييَ الموتى فيقومون من قبورهم أحياء وذلك كله بإرادة الله تعالى وإذنه وهي معجزات باهرة تؤيد نبوة عيسى عليه السلام ثم يذكِّره الله جل وعلا نعمته عليه إذ منع بني إسرائيل حين همُّوا بقتله وقد جاءهم بالمعجزات الواضحة الدالة على نبوته فقال الذين كفروا منهم إنَّ ما جاء به عيسى من البينات سحر ظاهر.

﴿ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ [الأعراف:162] واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [الأعراف:163] ﴾

غيَّر الذين كفروا ما أمرهم الله به من القول ودخلوا الباب يزحفون على أستاههم وقالوا حبة في شعرة فأرسلنا عليهم عذابًا من السماء أهلكناهم به بسبب ظلمهم وعصيانهم . واسأل اليهود عن أهل القرية التي كانت بقرب البحر إذ يعتدي أهلها في يوم السبت على حرمات الله حيث أمرهم أن يعظموا يوم السبت ولا يصيدوا فيه سمكًا فابتلاهم الله وامتحنهم فكانت حيتانهم تأتيهم يوم السبت كثيرة طافية على وجه البحر وإذا ذهب يوم السبت تذهب الحيتان في البحر ولا يرون منها شيئًا فكانوا يحتالون على حبسها في يوم السبت في حفائر ويصطادونها بعده وكما وصفنا لكم من الاختبار والابتلاء لإظهار السمك على ظهر الماء في اليوم المحرم عليهم صيده فيه وإخفائه عليهم في اليوم المحلل لهم فيه صيده كذلك نختبرهم بسبب فسقهم عن طاعة الله وخروجهم عنها.

﴿ وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [الجاثية:17] ﴾

وآتينا بني إسرائيل بيان بالحلال والحرام و الحق والباطل فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم وقامت الحجة عليهم وإنما حَمَلهم على ذلك بَغْيُ بعضهم على بعض طلبًا للرفعة والرئاسة إن ربك أيها الرسول يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون في الدنيا..

﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [الصف : 5] ﴾

قال موسى عليه السلام لقومه لِمَ تؤذونني وأنتم تعلمون أني رسول الله إليكم ؟ فلما زاغوا عن الحق أزاغ الله قلوبهم عن قَبول الهداية عقوبة لهم على زيغهم الذي اختاروه لأنفسهم والله لا يهدي القوم الفاسقين

نعم الله علي بني إسرائيل

﴿ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ[الأعراف:137]وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [الأعراف:138] إِنَّ هَـؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ[الأعراف:139]قَالَ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ[الأعراف:140]وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ[الأعراف:141] ﴾

يذكر تعالى ما كان من أمر فرعون وجنوده لما عتوا وتمردوا مع ابتلائه إياهم بالآيات المتواترة واحدة بعد واحدة حتى قالوا { مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ [الأعراف:132]فأغرقهم في البحر وكيف سلبهم عزهم ومالهم وأنفسهم بسبب تكذيبهم بالمعجزات التي ظهرت على يد موسى وكانوا عن هذه المعجزات غافلين وأورث بني إسرائيل جميع أموالهم وأملاكهم وأررثنا بني إسرائيل الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها وهي "بلاد الشام" التي باركنا فيها بإخراج الزروع والثمار والأنهار وتمت كلمة ربك على بني إسرائيل بالتمكين لهم في الأرض بسبب صبرهم على أذى فرعون وقومه ودمَّرنا ما كان يصنع فرعون وقومه من العمارات والمزارع وما كانوا يبنون من الأبنية والقصور ثم يخبر تعالى عما قاله جهلة بني إسرائيل لموسى عليه السلام حين جاوزوا البحر بعد أن رأوا من آيات الله وعظيم سلطانه ما رأوا فمروا على قوم يعبدون أصنام لهم وكانت على هيئة البقر فسألوهم لم يعبدونها ؟ فزعموا لهم أنها تنفعهم وتضرهم ويسترزقون بها عند الضرورات فقالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون عظمة الله وجلاله ولا تعلمون أن العبادة لا تنبغي إلا لله الواحد القهار وإن ما يفعله هؤلاء هالك وباطل و إنهم لا يعقلون ولا يهتدون. قال موسى لقومه : أغير الله أطلب لكم إلها تعبدونه من دون الله وهو الذي خلقكم وفضَّلكم على عالمي زمانهم بكثرة الأنبياء فيهم وإهلاك عدوهم ؟ و اذكروا إذ أنقذناكم من أَسْر فرعون وآله وما كنتم فيه من الذل و الهوان من ذبح أبنائكم واستبقاء نسائكم و يذيقونكم أشد العذاب وهذه النجاة نعمة عظيمة من الله واختبار لكم.

﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن الْعَالَمِينَ[المائدة:20]يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ[المائدة:21]قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ[المائدة:22]قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ[المائدة:23]قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [المائدة:24] قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ [المائدة:25] قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ[المائدة:26]﴾

يذكرهم موسي بنعمة الله عليهم وإحسانه إليهم بالنعم الدينية والدنيوية ويأمرهم بالجهاد في سبيل الله ومقاتلة أعدائه فقال يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة المطهرة وهي "بيت المقدس" وقاتلوا مَن فيها من الكفار ولا ترجعوا عن قتال الجبارين فتخسروا خير الدنيا و الآخرة . قالوا يا موسى إن فيها قومًا أشداء أقوياء لا طاقة لنا بحربهم خافوا من الجبارين وقد عاينوا هلاك فرعون وهو أجبر من هؤلاء وأشد بأسا وأكثر جمعا وأعظم جندا وهذا يدل علي أنهم ملومون لعدم مقاومة الأعداء وإنَّا لن نستطيع دخولها وهم فيها فإن يخرجوا منها فإنَّا داخلون . قال رجلان من الذين يخشون الله تعالى أنعم الله عليهما بطاعته وطاعة نبيِّه موسي ادخلوا على هؤلاء الجبارين باب مدينتهم أخْذًا بالأسباب فإذا دخلتم الباب غلبتموهم وعلى الله وحده فتوكَّلوا إن كنتم مُصدِّقين رسوله فإذا توكلتم على الله واستعنتم به ولجأتم إليه نصركم على عدوكم وأيدكم عليهم . قالوا يا موسى إنا لن ندخل المدينة أبدًا ما دام الجبارون فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا أما نحن فقاعدون توجَّه موسى إلى ربه داعيًا إني لا أقدر إلا على نفسي وأخي فاحكم بيننا وبين القوم الفاسقين فحرَّم الله على اليهود دخول الأرض المقدسة أربعين سنة يتيهون في الأرض حائرين يسيروا إلى غير مقصد ليلا ونهارا وصباحا ومساء فلا تأسف يا موسى على القوم الخارجين عن طاعتي.

ونزل بنو إسرائيل حول طور سيناء وصعد موسى الجبل فكلمه ربه وأمره أن يأمر بني إسرائيل بأن يتطهروا ويغتسلوا ويغسلوا ثيابهم و أمره حينئذ بعشر كلمات وهي الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له والنهي عن الحلف بالله كاذبا والأمر بالمحافظة على السبت ومعناه تفرغ يوم من الأسبوع للعبادة أكرم أباك وأمك ليطول عمرك في الأرض الذي يعطيك ربك لا تقتل لا تزن لا تسرق لا نشهد على صاحبك شهادة زور لا تعمد عينك إلي بيت صاحبك ولا تشته امرأة صاحبك ولا عبده ولا أمته ولا ثوره ولا حماره ولا شيئا من الذي لصاحبك ومعناه النهي عن الحسد وقال كثير من علماء السلف وغيرهم : مضمون هذه العشر كلمات في آيتين من القرآن وهما .

﴿ قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الأنعام:151] وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الأنعام:152] وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153]﴾

﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى[طه:80] كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى [طه:81] وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82] ﴾

يذكر تعالى نعمه علي بني إسرائيل بما أنجاهم من أعدائهم ووعدهم صحبة نبيهم إلى جانب الطور الأيمن لينزل عليه التوراة فيها مصلحة لهم في دنياهم وأخراهم وأنزل عليهم في شدتهم وسفرهم في الأرض التي ليس بها زرع ولا ضرع منا من السماء يصبحون فيجدونه خلال بيوتهم فيأخذون منه قدر حاجتهم في ذلك اليوم إلى مثله من الغد ومن ادخر منه لأكثر من ذلك فسد ومن أخذ منه قليلا كفاه فيصنعون منه مثل الخبز وهو في غاية البياض والحلاوة فإذا كان من آخر النهار غشيهم طير السلوى فيقتنصون منها بلا كلفة ما يحتاجون إليه حسب كفايتهم لعشائهم وإذا كان فصل الصيف ظلل الله عليهم الغمام وهو السحاب الذي يستر عنهم حر الشمس كما قال

تعالى ﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [البقرة:40] وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ [البقرة:41] وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:42] وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43] أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ [البقرة:44] وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45] الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:46] يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ [البقرة:47] وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ [البقرة:48] وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ [البقرة:49] وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ [البقرة:50] وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ [البقرة:51] ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُمِ مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:52] وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [البقرة:53]﴾

﴿ وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَـذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:58] فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ [البقرة:59] وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ [البقرة:60] وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ [البقرة:61] ﴾

ذكر تعالى إنعامه عليهم وإحسانه إليهم بما يسر لهم من المن والسلوى طعاما شهيا بلا كلفة ولا سعي ينزل الله المن باكرا ويرسل عليهم طير السلوى عشيا وأنبع الماء لهم بضرب موسى عليه السلام حجرا كانوا يحملونه معهم بالعصا فتفجر منه اثنتا عشرة عينا لكل سبط عين تنفجر منه ماء زلالا فيشربون ويسقون دوابهم ويدخرون كفايتهم وظلل عليهم الغمام من الحر ثم ضجر كثير منهم وتبرموا وسألوا أن يستبدلوها بما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها

﴿ وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ[الأعراف:142]وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ[الأعراف:143] قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ [الأعراف:144]وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ[الأعراف:145]سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ[الأعراف:146]وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [الأعراف:147] ﴾

عزم موسي على الذهاب لمناجاة ربه فاستخلف على بني إسرائيل أخاه هارون وقال له كن خليفتي في قومي حتى أرجع وأحمِلَهم على طاعة الله وعبادته ولا تسلكْ طريق الذين يفسدون في الأرض. ولما جاء موسى في الوقت المحدد وهو تمام أربعين ليلة وكلَّمه ربه طمع في رؤية الله فطلب النظر إليه قال الله له لن تقدر على رؤيتي في الدنيا ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلَّى ربه للجبل جعله دكًّا مستويًا بالأرض وسقط موسى مغشيًّا عليه فلما أفاق قال سبحانك إني تبت إليك وأنا أول المؤمنين بك من قومي قال الله يا موسى: فخذ ما أعطيتك وتمسَّك واعمل به وكن من الشاكرين لله تعالى على ما آتاك وكتبنا لموسى في التوراة كل ما يحتاج إليه في دينه من الأحكام وتفصيلا للحلال والحرام والأمر والنهي والقصص والعقائد والأخبار والغيبيات للموعظة والاعتبار و قال الله خذ التوراة بجد واجتهاد وأمر قومك يعملوا بما فيها فإن مَن أشرك منهم ومِن غيرهم فإني سأريه في الآخرة دار الفاسقين .النار أعدَّها الله للعاصين وسأصرف قلوب المتكبرين عن طاعتي و عن فَهْم الحجج والأدلة الدالة على عظمتي وشريعتي وأحكامي فلا يتبعون نبيًا ولا يصغون إليه لتكبرهم وإنْ يَرَ المتكبرون كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا طريق الصلاح لا يتخذوه طريقًا وإن يروا طريق الضلال و الكفر يتخذوه طريقًا ودينًا بسبب تكذيبهم بآيات الله وعدم التفكر في دلالاتها . والذين كذَّبوا بآيات الله واليوم الآخر حبطت أعملهم وما يجزون في الآخرة إلا جزاء ما كانوا يعملونه في الدنيا من الكفر والمعاصي وهو الخلود في النار.

﴿ وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ [الأعراف:148] وَلَمَّا سُقِطَ فَي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:149] وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأعراف:150] قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [الأعراف:151] ﴾
وقال تعالي ﴿ وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى[طه:83] قَالَ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى[طه:84] قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ [طه:85] فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي[طه:86] قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ [طه:87] فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ[طه:88] أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلَا نَفْعاً [طه:89] وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي [طه:90] قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى [طه:91] قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا [طه:92] أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي [طه:93] قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي [طه:94] قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ [طه:95] قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي [طه:96] قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً [طه:97] إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً [طه:98]﴾
يذكر تعالى ما كان من أمر بني إسرائيل حين ذهب موسى عليه السلام إلى ميقات ربه فمكث على الطور يناجي ربه ويسأله موسى عليه السلام عن أشياء كثيرة فعمد رجل منهم يقال له هارون السامري فأخذ ما كان معهم من الحلي فصاغ منه عجلا فقال هذا إلهكم وإله موسى قال الله تعالى مبينا بطلان ما ذهبوا إليه أن هذا الحيوان لا يتكلم ولا يرد جوابا ولا يملك ضرا ولا نفعا ولا يهدى إلى رشد اتخذوه وهم ظالمون لأنفسهم عالمون في أنفسم بطلان ما هم عليه من الجهل والضلال و قال هارون لبني إسرائيل من قبل رجوع موسى إليهم: يا قوم إنما اختُبرتم بهذا العجل ليظهر المؤمن منكم من الكافر وإن ربكم الرحمن لا غيره فاتبعوني فيما أدعوكم إليه من عبادة الله وأطيعوا أمري في إتباع شرعه قال عُبَّاد العجل منهم :لن نزال مقيمين على عبادة العجل حتى يرجع إلينا موسى ولما رجع موسى عليه السلام إليهم ورأى ما هم عليهم من عبادة العجل ومعه الألواح المتضمنة التوراة ألقاها ثم أقبل عليهم فعنفهم ووبخهم في صنيعهم القبيح قالوا : يا موسى ما أخلفنا موعدك باختيارنا ولكنَّا حُمِّلنا أثقالا مِن حليِّ قوم فرعون فألقيناها في حفرة فيها نار بأمر السامري فكذلك ألقى السامري ما كان معه من تربة حافر فرس جبريل عليه السلام قال موسى لأخيه هارون: ما منعك أن تلحق بي حين رأيتهم ضلُّوا عن دينهم ؟ أفعصيت أمري فيما أمرتك به من خلافتي والإصلاح بعدي؟ ثم أخذ موسى بلحية هارون ورأسه يجرُّه إليه فقال له هارون : يا ابن أمي لا تمسك بلحيتي ولا بشعر رأسي إني خفتُ إن تركتهم ولحقت بك أن تقول : فرَّقت بين بني إسرائيل ولم تحفظ وصيتي . ثم أقبل موسى على السامري قال ما حملك على ما صنعت ؟ قال السامري: رأيت ما لم يروه وهو جبريل عليه السلام على فرس وقت خروجهم من البحر وغرق فرعون وجنوده فأخذتُ بكفي ترابا من أثر حافر فرس جبريل فألقيته على الحليِّ الذي صنعت منه العجل فكان عجلا جسدًا له خوار بلاء وفتنة وكذلك زيَّنت لي نفسي الأمَّارة بالسوء هذا الصنيع . قال موسى للسامري: فاذهب فإن لك في حياتك أن تعيش منبوذا : لا يمس أحد ولا أحد يمسه وإن لك موعدا لعذابك وعقابك لن يُخْلفك الله إياه وسوف تلقاه وانظر إلى معبودك الذي أقمت على عبادته لنُحرقنَّه بالنار ثم لنُذرينَّه في اليمِّ تذرية ثم قال موسى لهم إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما ثم وضح سبحانه غضبه علي الذين عبدوا العجل فقال تعالي{ إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ [الأعراف:152]

ثم أخبر تعالى عن حلمه ورحمته بخلقه وإحسانه على عبيده وأنه من تاب إلي الله تاب عليه فقال تعالي{وَالَّذِينَ عَمِلُواْ السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وَآمَنُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ [الأعراف:153]

لكن لم يقبل الله توبة عابدي العجل إلا بالقتل كما قال تعالى{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:54]فأصبحوا وقد أخذ من لم يعبد العجل في أيديهم السيوف وألقى الله عليهم ضبابا حتى لا يعرف القريب قريبه ثم مالوا على من عبدوا العجل فقتلوهم و حصدوهم فيقال إنهم قتلوا في صبيحة واحدة سبعين ألفا

ثم قال تعالى﴿ وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ[الأعراف:154]وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ[الأعراف:155]وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ[الأعراف:156]﴾

لما هدأ موسى أخذ الألواح وفيها بيان للحق ورحمة للذين يخافون الله ويخشون عقابه واختار موسى من قومه سبعين رجلا مِن خيارهم وخرج بهم إلى طور "سيناء" للوقت الذي واعده الله أن يلقاه فيه بهم للتوبة مما كان من سفهاء بني إسرائيل من عبادة العجل فلما أتوا ذلك المكان قالوا لن نؤمن لك يا موسى حتى نرى الله جهرة {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ [البقرة:55] فماتوا فقام موسى يتضرع إلى الله ويقول رب ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتُهم وقد أهلكتَ خيارهم ؟ لو شئت أهلكتهم جميعًا من قبل هذا الحال وأنا معهم فإن ذلك أخف عليَّ أتهلكنا بما فعله السفهاء منا ؟ ما هذه الفعلة التي فعلها قومي من عبادتهم العجل إلا ابتلاءٌ واختبارٌ تضلُّ بها مَن تشاء وتهدي بها من تشاء أنت وليُّنا وناصرنا فاغفر ذنوبنا وارحمنا برحمتك وأنت خير الراحمين وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وإهدنا إليك قال تعالى لموسى: عذابي أصيب به مَن أشاء مِن خلقي كما أصبتُ هؤلاء الذين أصبتهم من قومك ورحمتي وسعت كل خلقي فسأكتبها للذين يخافون الله ويخشون عقابه فيؤدون فرائضه ويجتنبون معاصيه والذين هم بالله يصدقون.

﴿ ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:56] وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [البقرة:57]﴾
ثم أحييناكم مِن بعد موتكم لتشكروا نعمة الله عليكم وجعلنا عليكم السحاب ظللا من حَرِّ الشمس حين كنتم تتيهون في الأرض وأنزلنا عليكم المنَّ وهو شيء يشبه الصَّمغ طعمه كالعسل و السَّلوى وهو طير يشبه السُّمانَ لتأكلوا من طيِّبات ما رزقناكم وما ظلمونا بكفران النعم ولكن كانوا يظلمون أنفسهم بكفرهم

وجاءهم موسى بالألواح فيها التوراة وأمرهم بقبولها والأخذ بها بجد واهتمام فقالوا:أنشرها علينا فإن كانت أوامرها سهلة قبلناها فقال:بل اقبلوها بما فيها فراجعوه مرارا فأمر الله الملائكة فرفعوا الجبل على رءوسهم حتى صار كأنه غمامة على رءوسهم وقيل لهم إن لم تقبلوها بما فيها وإلا سقط هذا الجبل عليكم فقبلوا ذلك وأمروا بالسجود فسجدوا فجعلوا ينظرون إلى الجبل بشق وجوههم كما قال تعالي{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:63] ثم أعرضتم من بعد ذلك الميثاق عن الطاعة فلولا فضل الله عليكم ورحمته بالتوبة وتأخير العذاب لكنتم من الهالكين كما قال تعالي{ ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ [البقرة:64]

اختلاف بني إسرائيل في عيسى ابن مريم

﴿ فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ [مريم:37] أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ [مريم:38] وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ [مريم:39] ﴾

اجتمع بنو إسرائيل فانقسموا إلي أربعة فرق فقال بعضهم :هو الله هبط إلى الأرض فأحيا من أحيا وأمات من أمات ثم صعد إلى السماء وهم اليعقوبية فقال الثلاثة :كذبت ثم قال الفريق الثاني : هو ابن الله وهم النسطورية فقال الاثنان : كذبت ثم قال الفريق الثالث : هو ثالث ثلاثة : الله إله وهو إله وأمه إله وهم الإسرائيلية ملوك النصارى وقال الرابع :كذبت بل هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته وهم المسلمون فكان لكل فريق منهم أتباع على ما قالوا فاقتتلوا وظهروا على المسلمين فقتلوها لقوله تعالى{ ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس[آل عمران:21] وطمس الإسلام حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم ثم جاء قسطنطين بعد ثلاثمائة سنة ( ملك ذلك الزمان ) وجمعهم في محفل كبير من مجامعهم الثلاثة المشهورة عندهم فكان عدد الأساقفة ألفين ومائة وسبعين أسقفا فاختلفوا في عيسى ابن مريم عليه السلام اختلافا متباينا جدا فقال كل فريق فيه قولا فمائة تقول فيه شيئا وسبعون تقول فيه قولا آخر وخمسون تقول شيئا آخر ومائة وستون تقول شيئا ولم يجتمع على مقالة واحدة أكثر من ثلاثمائة وثمانية منهم اتفقوا على قول وصمموا عليه فمال إليهم الملك وكان فيلسوفا فقدمهم ونصرهم وأغدق عليهم من العطايا والهدايا والهبات وطرد من عداهم فوضعوا له كتب القوانين وشرعوا له أشياء وابتدعوا بدعا كثيرة وحرفوا دين المسيح وغيروه فبني لهم الكنائس الكبيرة في مملكته في بلاد الشام والجزيرة والروم فبلغ عدد الكنائس في أيامه ما يقارب اثنتي عشرة ألف كنيسة

مغالاة النصارى في عيسى ابن مريم

﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً [النساء:171] لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعاً [النساء:172] فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً أَلُيماً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً [النساء:173]﴾

الرد علي النصارى في خلق عيسى ابن مريم بدون أب

﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ [آل عمران:59] الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ [آل عمران:60] فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ [آل عمران:61] إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ اللّهُ وَإِنَّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:62]﴾

الحكم بتكفير أهل الكتاب

﴿ لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [المائدة:17]﴾

﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ[المائدة:72] لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[المائدة : 73] أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [المائدة:74] مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المائدة:75] ﴾

﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ [المائدة:78] كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ [المائدة:79] تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ [المائدة:80] وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ [المائدة:81] لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ [المائدة:82] وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ [المائدة:83] وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبَّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ [المائدة:84] فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ [المائدة:85]﴾
توبيخ النصارى

﴿ وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ [المائدة:116] مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [المائدة:117] إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:118] ﴾

﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً [مريم:88] لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً [مريم:89] تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً [مريم:90] أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً [مريم:91] وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً [مريم:92] إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً [مريم:93] ﴾

﴿ وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً [الكهف:4] مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً [الكهف:5] ﴾

¤ يقول الرسول صلي الله عليه وسلم فيما يرويه عن رب العزة[يا ابن أدم لا تخف من ذي سلطان مادام سلطاني وملكي لا يزول.لا تخف من فوات الرزق ما دامت خزائني مملؤة لا تنفذ.خلقت الأشياء كلها من أجلك وخلقتك من أجلي.فسر في طاعتي يطعك كل شيء.لي عليك فريضة.ولك علي رزق فإن خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك.إن رضيت بما قسمته لك أرحت قلبك وإن لم ترضي بما قسمته لك . فوعزتي وجلالي.لأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحوش في البرية ولا ينالك منها إلا ما قسمته لك وكنت عندي مذموما ]

أموال أهل الكتاب

﴿ فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [الأنعام:43] فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ [الأنعام:44] ﴾

فهلا إذ ابتليناهم بالفقر والضيق في العيش و الأمراض والآلام تضرعوا إلينا لكن قست قلوبهم فلا رقت ولا خشعت وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون من الشرك والمعاصي فلما تركوا ما وعظوا وذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء فأبدلناهم بالبأساء رخاءً في العيش وبالضراء صحة في الأجسام استدراجا لهم حتى إذا فرحوا بما أعطيناهم من الأموال والأولاد والأرزاق والخير والنعمة أخذناهم فجأة و على غفلة فإذا هم آيسون من كل خير
﴿ وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ [آل عمران:178] ﴾

لا يظننَّ الجاحدون أننا إذا أَطَلْنا أعمارهم ومتعناهم بمُتع الدنيا ولم تؤاخذهم بكفرهم وذنوبهم أنهم قد نالوا بذلك خيرًا لأنفسهم إنما نمهلهم ليزدادوا ظلمًا وطغيانًا ولهم عذاب يهينهم ويذلُّهم.

﴿ وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلَاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ [سبأ:35] قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [سبأ:36] وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ [سبأ:37] ﴾

يخبر تبارك وتعالى عن المترفين المكذبين أنهم افتخروا بكثرة الأموال والأولاد واعتقدوا أن ذلك دليل على محبة الله تعالى لهم واعتنائه بهم وأنه ما كان ليعطيهم هذا في الدنيا ثم يعذبهم في الآخرة قال تعالى{أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ[المؤمنون:55] نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ[المؤمنون:56] وقال تعالي{ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً[المدّثر:11]وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً[المدّثر:12]وَبَنِينَ شُهُوداً[المدّثر:13]وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً[المدّثر:14] ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ[المدّثر:15]كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيداً[المدّثر:16]سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً[المدّثر:17]

وقد أخبر سبحانه وتعالي عن صاحب الجنتين أنه كان ذا مال وثمر وولد ولم يغن ذلك عنه شيئا و سلب كل ذلك في الدنيا قبل الآخرة إن الله يعطي المال لمن يحب ومن لا يحب فيفقر من يشاء ويغني من يشاء وله الحكمة التامة البالغة والحجة القاطعة الدامغة ولكن أكثر الناس لا يعلمون وليست أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا وترفع درجاتكم إنما يقربكم عندنا الإيمان والعمل الصالح فأولئك تضاعف لهم الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما يشاء الله من الزيادة وهم في الجنة آمنون من العذاب والأحزان والموت

¤ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال[ إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ] ورواه مسلم

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ شَيْئاً وَأُولَـئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ[آل عمران: 10] كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ[آل عمران: 11] ﴾
إن الذين كفروا بآيات الله وكذبوا رسله وخالفوا كتابه لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك هم وقود النار الذي توقد به جهنم . وشأن الكافرين في تكذيبهم كشأن آل فرعون والذين من قبلهم من الكافرين أنكروا آيات الله الواضحة فعاجلهم بالعقوبة بسبب تكذيبهم وعنادهم والله شديد العقاب للكافرين .

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ شَيْئاً وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [آل عمران:116] ﴾
إن الذين كفروا بآيات الله وكذبوا رسله لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من عذاب الله في الدنيا ولا في الآخرة وأولئك أصحاب النار خالدون .

﴿ فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة:55]﴾

فلا تعجبك أموال المنافقين ولا أولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا بالتعب في تحصيلها وبالمصائب التي تقع فيها حيث لا يحتسبون ذلك عند الله وتخرج أنفسهم وهم كافرون بالله ورسوله .كما قال تعالي{وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى[طه:131]

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [الأنفال:36] ﴾

إن الذين كفروا ينفقون أموالهم علي المشركين وأهل الضلال ليصدوا عن سبيل الله ويمنعوا المؤمنين عن الإيمان بالله ورسوله فسينفقون أموالهم في ذلك ثم تكون عاقبة ذلك حسرة عليهم لأن أموالهم تذهب و يهزمهم المؤمنون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون فيعذبون فيها.كما قال تعالي{مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِـذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَـكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [آل عمران:117]

﴿ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ [التوبة:81]﴾

فرح الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقعودهم في (المدينة) مخالفين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقال بعضهم لبعض لا تخرجوا إلى الجهاد في وقت الحر قل لهم أيها الرسول نار جهنم أشد حرًا لو كانوا يعلمون ذلك.

¤ وفي الحديث الصحيح [ لو أن الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة لما سقى كافرا منها شربة ماء ]

عاقبة الشرك

﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً [النساء:48] ﴾

﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً [النساء:116] ﴾

﴿ لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَـهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً [الإسراء:22] ﴾

﴿ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً [الإسراء:39] ﴾
التوحيد هو مبدأ الأمر ومنتهاه وأن عاقبة الشرك هو الإبعاد من رحمة الله تعالى والخلود في النار

﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ [الشعراء:213]﴾

لا تعبد مع الله معبودا غيره فينزل بك من العذاب ما نزل بهؤلاء الذين خالفوا أمرنا وعبدوا غيرنا.

﴿ الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ [ق:26] ﴾

الذي أشرك بالله فعبد معه معبودا آخر فألقياه في العذاب الشديد يوم القيامة وهو فيه من الخالدين .

﴿ وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117] ﴾

من يعبد مع الله إلهًا آخر لا حجة له على ذلك فإنما جزاؤه عند ربه في الآخرة إنه لا يفلح الكافرين يوم القيامة

﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً [الفرقان:68] يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً [الفرقان:69] ﴾

من يفعل شيئًا من الكبائر مثل عبادة غير الله وقتل النفس التي حرَّم الله قتلها إلا بما يحق قتلها به : من كفر بعد إيمان أو زنى بعد زواج أو قتل نفس عدوانًا وظلما ويزنون يُضاعَفْ له العذاب يوم القيامة ويَخْلُدْ فيه ذليلا حقيرًا

﴿ وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ[القصص:87] وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ[القصص:88]﴾

لا يصرفَك المشركون عن تبليغ آيات ربك بعد أن أنزلها إليك وبلِّغ رسالة ربك ولا تكونن من المشركين ولا تعبد مع الله إلها أخر فلا معبود بحق إلا الله كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون للحساب والجزاء .

براءة الله ورسوله من المشركين

﴿ بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ [التوبة:1] فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَأَنَّ اللّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ [التوبة:2] وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [التوبة:3]﴾

براءة من الله ورسوله وإعلان بالتخلي عن العهود التي كانت بين المسلمين والمشركين وإعلام من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر وهو يوم النحر الذي هو أفضل أيام المناسك وأظهرها وأكثرها جمعا أن الله ورسوله بريء من المشركين ثم قال إن تبتم من الشرك والضلال فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم لن تفلتوا من عذاب الله بل الله قادر عليكم وأنتم في قبضته وتحت قهره ومشيئته وبشر الذين كفروا بعذاب أليم في الدنيا والآخرة .
من هم المفلحون

﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [البقرة:3] والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [البقرة:4] أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة:5] ﴾
الإيمان بالغيب هو الإقرار بالله وكتبه ورسله واليوم الأخر وبالقدر خيره وشره وأن الجنة حق والنار حق والصراط حق وتؤمن بالبعث بعد الموت وتصدق ذلك بالعمل.ويقيمون الصلاة ويحافظون عليها في أوقاتها ويحسن وضوئها ويتم ركوعها وسجودها .ومما رزقناهم ينفقون من زكاة وصدقات والنفقة علي الأهل والأقارب والذين يؤمنون بما أنزل إليك من القرآن والسنة وما أنزل من قبلك من التوراة والإنجيل وما جاء به قبلك من الرسل لا يفرقون بينهم ولا يجحدون ما جاؤوهم به من ربهم وبالبعث والقيامة والجنة والنار والحساب والميزان هم يوقنون .

¤ وعن أبي موسي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال[ ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين رجل من أهل الكتاب آمن بي ورجل مملوك أدى حق الله وحق مواليه ورجل أدب جاريته فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها ]

و المتصفون بما تقدم من الإيمان بالغيب وإقامة الصلاة والإنفاق من رزق الله والإيمان بما أنزل إلى الرسول وبما أنزل إلي الرسل من قبله والإيمان بالدار الآخرة و الاستعداد لها بالأعمال الصالحة وترك المحرمات أولئك على نور وبيان وبصيرة من الله تعالى وأولئك هم الفائزون في الدنيا والآخرة .

﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104] ﴾

الذين يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر أولئك هم الفائزون بجنات النعيم.

﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف:8] وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ [الأعراف:9] ﴾

الوزن للأعمال يوم القيامة بالحق لا يظلم أحدا كقوله تعالي{ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47] فمن ثقلت موازينه بالحسنات فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه لكثرة سيئاته فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآيات الله يكذبون .

﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف:157] ﴾

عن عبد الله بن مسعود قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ونحن نحو من ثمانين رجلا منهم عبد
الله بن مسعود وجعفر وعبد الله بن رواحة وعثمان بن مظعون وأبو موسى فأتوا النجاشي وبعثت قريش عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد بهدية فلما دخلا على النجاشي سجدا له ثم ابتدراه عن يمينه وعن شماله ثم قالا له:إن نفرا من بني عمنا نزلوا أرضك ورغبوا عنا وعن ملتنا قال:فأين هم ؟ قالا هم في أرضك فابعث إليهم فبعث إليهم فقال جعفر:أنا خطيبكم اليوم فاتبعوه فسلم ولم يسجد فقالوا له:ما لك لا تسجد للملك قال:إنا لا نسجد إلا لله عز وجل قال:وما ذاك ؟ قال إن الله بعث إلينا رسوله فأمرنا أن لا نسجد لأحد إلا لله عز وجل وأمرنا بالصلاة والزكاة قال عمرو بن العاص:فإنهم يخالفوك في عيسى ابن مريم قال:ما تقولون في عيسى ابن مريم وأمه قال:نقول كما قال الله عز وجل هو كلمة الله وروحه ألقاها إلى العذراء البتول التي لم يمسها بشر ولم يعترضها ولد قال: فرفع عودا من الأرض ثم قال:يا معشر الحبشة والقسيسين والرهبان والله ما يزيدون على الذي نقول فيه ما يساوي هذا مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده أشهد أنه رسول الله وأنه الذي نجد في الإنجيل وأنه الذي بشر به عيسى ابن مريم انزلوا حيث شئتم والله لولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أكون أنا أحمل نعليه وأوضئه وأمر بهدية الآخرين .

﴿لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[التوبة:88]أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي من تَحْتِها الأَنْهَارُ خَالدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[التوبة:89]﴾

جاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم النصر والغنيمة في الدنيا والجنة والكرامة في الآخرة وأولئك هم الفائزون. أعدَّ الله لهم يوم القيامة جنات تجري مِن تحت الأنهار خالدين فيها أبدًا وذلك هو الفلاح العظيم.

﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون:1] الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:2] وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون:3] وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ [المؤمنون:4] وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ [المؤمنون:5] إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المؤمنون:6] فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون:7] وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المؤمنون:8] وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المؤمنون:9] أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ [المؤمنون:10] الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المؤمنون:11]﴾

قال عمر بن الخطاب إذا نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي يسمع عند وجهه كدوي النحل فلبثنا ساعة فاستقبل القبلة ورفع يديه وقال [ اللهم زدنا ولا تنقصنا وأكرمنا ولا تهنا وأعطنا ولا تحرمنا وآثرنا ولا تؤثر علينا وارض عنا وأرضنا ثم قال لقد أنزل علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة ]ثم قرأ{ قد أفلح المؤمنون} حتى قوله تعالي الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون }

¤وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ خلق الله جنة عدن بيده:لبنة من درة بيضاء ولبنة من يا قوتة حمراء ولبنة من زبرجدة خضراء ملاطها المسك وحصباؤها اللؤلؤ وحشيشها الزعفران ثم قال لها انطقي قالت{ قد أفلح المؤمنون } فقال الله:وعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل]ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم{ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}
و الذين يطهرون أموالهم وأنفسهم بأداء الزكاة والذين لفروجهم حافظون إلا علي أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ومن ابتغى غير الأزواج والإماء فأولئك هم المعتدون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون فإذا اؤتمنوا أدوا الأمانة إلي أهلها وإذا عاهدوا أوفوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ آية المنافق ثلاث:إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان ]والذين هم على صلواتهم يحافظون عليها في مواقيتها كما قال ابن مسعود [ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت:يا رسول الله أي العمل أحب إلى الله ؟ قال الصلاة على وقتها قلت:ثم أي ؟ قال بر الوالدين قلت:ثم أي ؟ قال:الجهاد في سبيل الله ] فكان جزائهم أن قال أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون وثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال [ إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة ومنه تفجر أنهار الجنة وفوقه عرش الرحمن ]

﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [النور:51] وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [النور:52]﴾

من صفات المؤمنين أنهم إذا دعوا إلى التحاكم في خصوماتهم إلى كتاب الله وحكم رسوله أن يقبلوا الحكم ويقولوا
سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون الفائزون قال أبا الدرداء : لا إسلام إلا بطاعة الله ولا خير إلا في جماعة والنصيحة لله ولرسوله وللخليفة وللمؤمنين عامة . ومن يطع الله ورسوله فيما ونهي ويخش الله فيما مضى من ذنوبه ويتقه فيما يستقبل فأولئك الذين فازوا بكل خير وأمنوا من كل شر في الدنيا والآخرة .

﴿ فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الروم : 38] ﴾

أعط أيها المؤمن أقاربك حقهم من الصلة والصدقة وسائر أعمال البر وأعط الفقير والمحتاج الذي انقطع به السبيل من الزكاة والصدقة ذلك العطاء خير للذين يريدون وجه الله والذين يعملون هذه الأعمال وغيرها من أعمال الخير أولئك هم الفائزون بثواب الله الناجون مِن عقابه.

﴿ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [لقمان:4] أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [لقمان:5] ﴾

المحسنين الذين يؤدون الصلاة كاملة في أوقاتها ويؤتون الزكاة المفروضة عليهم لمستحقيها وهم بالبعث والجزاء في الآخرة يصدقون المتصفون بهذه الصفات على هدي مِن ربهم ونور وأولئك هم الفائزون في الدنيا والآخرة .

﴿ لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [المجادلة:22] ﴾

لا تجد قومًا يصدِّقون بالله واليوم الآخر يحبون مَن عادى الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو
أقرباءهم أولئك ثَبَّتَ الإيمان في قلوبهم وأيدهم بنصره ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله وأولئك هم الفائزون بسعادة الدنيا والآخرة.كما في قوله تعالي { قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة:24]

﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9] ﴾

مدح الله الأنصار وبين فضلهم وشرفهم وكرمهم وعدم حسدهم وإيثارهم مع الحاجة فقال والذين استوطنوا "المدينة" وآمنوا من قبل هجرة المهاجرين يحبون المهاجرين ويواسونهم بأموالهم ولا يجدون في أنفسهم حسدًا لهم مما أُعْطوا من مال الفيء وغيره ويُقَدِّمون المهاجرين وذوي الحاجة على أنفسهم ولو كان بهم حاجة وفقر ومن سَلِم من البخل ومَنْعِ الفضل من المال فأولئك هم الفائزون

¤ عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال[إياكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم ]رواه مسلم

¤ عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الفحش فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش وإياكم والشح فإنه أهلك من كان قبلكم أمرهم بالظلم فظلموا وأمرهم بالفجور ففجروا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا ] رواه أحمد

﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [التغابن:16] ﴾

فاتقوا الله ما استطعتم ناسخة لقوله اتقوا الله حق تقاته واسمعوا لرسوله صلى الله عليه وسلم سماع تدبُّر وتفكر وأطيعوا الله واجتنبوا نواهيه وأنفقوا في الطاعة يكن خيرًا لكم ومن سَلِم من البخل فأولئك هم الفائزون .

﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى [الأعلى:14] وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى:15] ﴾

فاز مَن طهر نفسه من الأخلاق السيئة وذكر الله فوحَّده ودعاه وعمل بما يرضيه وأقام الصلاة في أوقاتها ابتغاء رضوان الله وامتثالا لشرعه .

﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [التوبة:20] يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ [التوبة:21] خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً إِنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [التوبة:22] ﴾
الذين آمنوا بالله وتركوا دار الكفر قاصدين دار الإسلام وبذلوا أموالهم وأنفسهم في الجهاد لإعلاء كلمة الله هؤلاء أعظم درجه عند الله وأولئك هم الفائزون برضوانه . لهم البشرى من ربهم بالرحمة الواسعة والرضوان الذي لا سخط بعده ومصيرهم إلى جنات الخلد والنعيم الدائم.خالدين فيها ثواب لما قدَّموه من الطاعة والعمل الصالح في الدنيا. إن الله عنده أجر عظيم لمن آمن وعمل صالحا .

﴿ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ [المؤمنون:109] فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ [المؤمنون:110]إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ [المؤمنون:111] ﴾

كان فريق من المؤمنون يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وارحمنا وأنت خير الراحمين. فسخرتم منهم حتى نسيتم ذكري وكنتم من عبادتهم تضحكون سخرية واستهزاء.كماقال تعالي{إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ [المطففين:29] وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ [المطففين:30]ثم يقول تعالي إني جزيتهم اليوم بما صبروا على أذاكم لهم واستهزائكم بهم أنهم هم الفائزون بالسعادة والسلامة والجنة والنجاة من النار

﴿ إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:111] ﴾

إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة جهاد لأعدائه وإعلاء لكلمته وإظهار لدينه فيَقْتلون ويُقتَلون وعدًا عليه حقًا في التوراة والإنجيل والقرآن ولا أحد أوفى بعهده من الله لمن وفَّى بما عاهد الله عليه فأظهِروا السرور أيها المؤمنون ببيعكم الذي بايعتم الله به وبما وعدكم به من الجنة وذلك هو الفلاح العظيم.

﴿ وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:72] ﴾

وعد الله المؤمنين والمؤمنات بالله ورسوله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا ومساكن حسنة البناء طيبة القرار في جنات ورضوان من الله أكبر وأعظم مما هم فيه من النعيم .ذلك هو الفلاح العظيم .

﴿ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:100] ﴾

السابقون من المهاجرين الذين هجروا قومهم وانتقلوا إلى دار الإسلام والأنصار الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعدائه والذين اتبعوهم بإحسان في الأقوال والأعمال طلبًا لمرضاة الله سبحانه وتعالى أولئك الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدَّ لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا ذلك هو الفلاح العظيم .

من هم الخاسرون

﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ[آل عمران:85]كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ[آل عمران:86] أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ[آل عمران:87]خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ[آل عمران:88]إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ[آل عمران:89] إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ [آل عمران:90] إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ [آل عمران:91] ﴾

ومن يطلب غير الإسلام دينا فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين .كيف بوفق الله للإيمان به وبرسوله قومًا جحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم به وشهدوا أن محمدًا صلى الله علبه وسلم حق وما جاء به هو الحق وجاءهم الحجج من عند الله بصحة ذلك ؟ والله لا يوفق للحق والصواب الظالمين وهم الذين عدلوا عن الحق إلى الباطل فاختاروا الكفر على الإيمان . أولئك جزاؤهم أنَّ عليهم لعنة الله والملائكة والناسِ أجمعين فهم مطرودون من رحمة الله . خالدين في النار لا يُرفع عنهم العذاب قليلا ليستريحوا ولا يُؤخر عنهم لمعذرة يعتذرون بها. إلا الذين رجعوا إلى ربهم بالتوبة النصوح من بعد كفرهم وظلمهم وأصلحوا ما أفسدوه بتوبتهم فإن الله يقبلها فهو غفور لذنوب عباده رحيم بهم . إن الذين كفروا بعد إيمانهم واستمروا على الكفر إلى الممات لن تُقبل لهم توبة عند حضور الموت وأولئك هم الضالون كما قال تعالي{وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً [النساء:18] إن الذين جحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وماتوا على الكفر بالله ورسوله فلن يُقبل من أحدهم يوم القيامة ملء الأرض ذهبًا ليفتدي به نفسه من عذاب الله وأولئك لهم عذاب أليم وما لهم من أحد ينقذهم من عذاب الله .

﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[الزمر:65] بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ [الزمر:66] ﴾

لقد أوحي إليك أيها الرسول وإلى من قبلك من الرسل لئن أشركت بالله ليبطلنَّ عملك ولتكوننَّ من الخاسرين دينك وآخرتك لأنه لا يُقبل مع الشرك عمل صالح. بل الله وحده فاعبد وكن من الشاكرين لنعمه عليك .

﴿ الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [البقرة:27] كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة:28] ﴾
من صفات الكفار نقض العهد و قطع الأرحام ونشر الفساد في الأرض أولئك هم الخاسرون في الدنيا والآخرة وهذه الصفات عكس صفات المؤمنين كما قال تعالي{الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ[الرعد:20]
وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ [الرعد:21]

َ﴿ مَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [المائدة:5] ﴾

من يرتد عن الإيمان فقد حبط عمله الصالح الذي عمله قبل ذلك فلا يعتد به ولا يثاب عليه وهو في الآخرة من الخاسرين إذا مات عليه

﴿ أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99] ﴾

أفأمن أهل القرى المكذبة مَكْرَ الله وإمهاله لهم استدراجًا لهم بما أنعم عليهم في دنياهم عقوبة لمكرهم ؟ فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون .

﴿ مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:178] وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ[الأعراف:179]﴾

يقول تعالى من هداه الله فلا مضل له ومن أضله فقد خاب وخسر لا محالة فإن الله ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ولهذا جاء في حديث ابن مسعود [ إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ]ثم يقول تعالي ولقد جعلنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس وبعمل أهلها يعملون لما أراد الله أن يخلق الخلق علم ما هم عاملون فكتب ذلك عنده في كتاب قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة كما ورد في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال[ إن الله قدر مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء]

﴿ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ اللّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ [يونس:95] ﴾

لا تكونوا من الذين كذَّبوا بحجج الله وأدلته فتكونوا من الخاسرين الذين سخِطَ الله عليهم .

﴿ وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ [فصلت:19] حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [فصلت:20] وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [فصلت:21] وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ [فصلت:22]وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ [فصلت:23] ﴾

يوم يُحشر أعداء الله إلى نار جهنم يسوقهم زبانية العذاب حتى إذا جاؤوا النار أنكروا جرائمهم فيشهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون في الدنيا من الذنوب والآثام . قال الذين يُحْشرون إلى النار لأعضائهم لِمَ شهدتم علينا ؟ قالوا : أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو الذي خلقكم أول مرة ولم تكونوا شيئًا وإليه مصيركم بعد الموت وكنتم تجاهرون الله بالكفر والمعاصي ولا تبالون لاعتقادكم بأن الله لا يعلم كثيرًا من أعمالكم وذلكم ظنكم السيِّئ الذي ظننتموه بربكم فأوردكم النار فأصبحتم من الخاسرين الذين خسروا أنفسهم

¤قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ قال الله تعالى أنا مع عبدي عند ظنه بي وأنا معه إذا دعاني]ثم قال الحسن: ألا إنما عمل الناس على قدر ظنونهم بربهم فأما المؤمن فأحسن الظن بربه فأحسن العمل وأما الكافر والمنافق فأساءا الظن بالله فأساءا العمل

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ[الأنفال:36]لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [الأنفال:37] ﴾

إن الذين كفروا بالله ورسوله ينفقون أموالهم ليمنعوا الناس عن الإيمان بالله ورسوله فسينفقون أموالهم ثم تكون حسرة عليهم لأن أموالهم تذهب ثم يهزمهم المؤمنون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون ليميز أهل السعادة من أهل الشقاء و يميز المؤمن من الكافر ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون .

﴿ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [التوبة:67] وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ [التوبة:68] كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً فَاسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُواْ أُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الُّدنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [التوبة:69] ﴾

المنافقون والمنافقات صنف واحد يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويمسكون أيديهم عن النفقة في سبيل الله نسوا الله فلا يذكرونه فنسيهم من رحمته فلم يوفقهم إلى خير. إن المنافقين هم الفاسقون وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها أبدًا عقابًا على كفرهم بالله وطردهم الله مِن رحمته, ولهم عذاب دائم . إن أفعال المنافقين من الاستهزاء والكفر كأفعال الأمم السابقة التي كانت أشد قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا في الحياة الدنيا فاستمعتم كالذين من قبلكم وخضتم بالكذب على الله كخوض تلك الأمم قبلكم أولئك هم الذين بطلت حسناتهم في الدنيا وأولئك هم الخاسرون في الآخرة .

﴿ مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النحل:106] ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [النحل:107] أُولَـئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [النحل:108] لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرونَ [النحل:109]﴾
من نطق بالكفر واطمأن قلبه إليه فعليهم غضب شديد من الله ولهم عذاب عظيم في الآخرة بسبب حب الدنيا وتفضيلها على الآخرة وأن الله لا يهدي الكافرين ولا يوفقهم للحق والصواب. أولئك الذين ختم الله على قلوبهم وأصم سمعهم عن آيات الله فلا يسمعونها سماع تدبُّر وأعمى أبصارهم فلا يرون البراهين الدالة على ألوهية الله وأولئك هم الغافلون الذين صرفوا حياتهم إلى ما فيه هلاكهم و عذابهم و إنهم في الآخرة هم الخاسرون .

﴿ َالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [العنكبوت:52] ﴾

الذين صدقوا بالباطل وكفروا بالله مع وجود الدلائل والبراهين الواضحة أولئك هم الخاسرون في الدنيا والآخرة .

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [المجادلة:14] أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [المجادلة:15] اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ [المجادلة:16] لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئاً أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المجادلة:17] يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ [المجادلة:18] اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ [المجادلة:19] إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ [المجادلة:20] ﴾

ألم تر المنافقين الذين اتخذوا اليهود أولياء؟والمنافقون ليسوا من المسلمين ولا من اليهود كما قال تعالي{ مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً [النساء:143] إنهم كانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا جاؤوا الرسول حلفوا له بالله إنهم مؤمنون وهم في ذلك يعلمون أنهم كاذبون فيما حلفوا به لأنهم لا يعتقدون صدق ما قالوه أعد الله لهم عذاب شديد جزاء موالاة الكافرين ونصحهم ومعاداة المؤمنين وغشهم واتخذ المنافقون أيمانهم الكاذبة وقاية لهم من القتل بسبب كفرهم ولمنع المسلمين عن قتالهم وأخذ أموالهم فبسبب ذلك صدُّوا أنفسهم وغيرهم عن الإسلام فلهم عذاب مهين لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم مِن عذاب الله شيئًا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.يوم القيامة يبعثهم الله جميعًا من قبورهم أحياء فيحلفون له أنهم كانوا مؤمنين كما كانوا يحلفون لكم أيها المؤمنون في الدنيا ويعتقدون أن ذلك ينفعهم عند الله كما كان ينفعهم في الدنيا عند المسلمين والحقيقة أنهم هم الكاذبون غلب عليهم الشيطان واستحوذ على قلوبهم حتى أنساهم أن يذكروا الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون في الدنيا والآخرة . إن الذين يخالفون أمر الله ورسوله أولئك من الأذلاء المغلوبين المهانين في الدنيا والآخرة .

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [المنافقون:9] ﴾

يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه لا تَشْغَلْكم أموالكم ولا أولادكم عن عبادة الله وطاعته ومن تشغَله أمواله وأولاده عن ذلك فأولئك هم الخاسرون .

﴿ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ [الأنعام:12] ﴾

الذين خسروا أنفسهم خسروا لأنهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يصدقون بوعده ووعيده ولا يقرون بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم .

﴿ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ [الأعراف:9] ﴾

من خَفَّتْ موازين أعماله لكثرة سيئاته فأولئك هم الذين خسروا أنفسهم بما كانوا يجحدون بآيات الله تعالى .

﴿ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ [المؤمنون:103] تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ [المؤمنون:104] ﴾

من قَلَّتْ حسناته في الميزان ورجحت سيئاته فأولئك هم الذين خابوا وخسروا أنفسهم وفي نار جهنم خالدون. تَحْرقُ وجوههم النار وهم فيها عابسون تَقَلَّصَتْ شفاههم وبرزت أسنانهم.

﴿ فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الزمر:15] لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ [الزمر:16]﴾

اعبدوا أيها المشركون ما شئتم من دون الله من الأوثان والأصنام وغير ذلك من مخلوقاته فلا يضرني ذلك شيئًا. قل لهم أيها الرسول إن الخاسرين حقًا هم الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة تفرقوا فلا التقاء لهم أبدا سواء ذهب أهلوهم إلى الجنة وقد ذهبوا هم إلى النار أو أن الجميع دخلوا النار فلا اجتماع لهم ولا سرور وهذا هو الخسران الواضح.ثم وصف حالهم في النار فقال لهم من فوقهم ومن تحتهم فراش من نار كما قال تعالي{يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [العنكبوت:55] ذلك العذاب يخوِّف الله به عباده ليحْذَروه يا عباد فاتقوني بامتثال أوامري واجتناب معاصيَّ.

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الحج:11] يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ [الحج:12] يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ [الحج:13]﴾

من الناس مَن يدخل في الإسلام على ضعف وشكٍّ فيعبد الله على تردد كالذي يقف على طرف جبل أو حائط لا يتماسك في وقفته ويربط إيمانه بدنياه فإن عاش في صحة وسَعَة استمر على عبادته وإن حصل له ابتلاء وشدة عزا ذلك إلى دينه فرجع عنه كمن ينقلب على وجهه بعد استقامة فهو بذلك قد خسر الدنيا بضياع أمله منها وخسر الآخرة بدخوله النار وذلك هو الخسران الواضح.يدعو من دون الله الأصنام والأنداد ويستغيث بها ويستنصرها ويسترزقها وهي لا تنفعه ولا تضره ذلك هو الضلال.يدعو مَن ضررُه أقرب من نفعه قبح ذلك المعبود وليا ونصيرًا .

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [آل عمران:21] أُولَـئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ[آل عمران:22]﴾

الذين يجحدون الدلائل والبراهين الواضحة التي جاء به المرسلون استكبارا عليهم وعنادا لهم وتعاظما على الحق ويقتلون أنبياء الله ظلمًا بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالعدل وإتباع الأنبياء فبشِّرهم بعذاب أليم أولئك الذين بطلت أعمالهم في الدنيا والآخرة فلا يُقبل لهم عمل وما لهم من ناصرٍ ينصرهم من عذاب الله .

خاتمة

نسأل الله عز وجل أن ينصر دينه ويعلي كلمته ويخذل أعدائه وأن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي وينفع به المسلمين ويهدي به المشركين فإنه تعالي خير مسؤول وأكرم مأمول وصلي الله علي عبده ورسوله نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله وعلي أله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك