الشيعة و السنة مسلمون

الشيعة و السنة مسلمون

 بقلم: الشيخ عبد الله حلاق

تسعى الصهيونية ومراكز الدراسات الفكرية والثقافية الغربية إلى تأجيج الفتنة بين المسلمين تحت عنوان المذهبية، من أجل إضعاف شوكة الأمة وقوتها، والسيطرة على مقدراتها وبترولها واقتصادها، وإلحاق الأمة بالغرب ثقافياً وسياسياً وحضارياً، وبمعنى آخر... العمل على إبعاد الأمة الإسلامية عن عقيدتها وثقافتها وحضارتها وأخلاقها، بواسطة كل الوسائل الممكنة، على المستوى الثقافي والفكري والاقتصادي والسياسي والاجتماعي والإعلامي.

 وقد ظهرت هذه التحديات بوضوح بعد احتلال أفغانستان والعراق من قِبل قوات التحالف الدولي، على رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، الذين ما برحوا يضربون على الأوتار المذهبية، ويسعون إلى بذر الفتنة بين السنة والشيعة، من خلال بعض التفجيرات الأمنية، التي تطال المساجد وبعض الرموز الدينية من السنة والشيعة، ويستغلون ويجيِّرون بعض الأقوال والتصريحات التي تصدر عن بعض المشايخ كردات فعل، تهاجم السنة والشيعة، من أجل جر الناس إلى التنابز والتصارع والتذابح، إلا أن الوعي الديني والثقافي الذي أظهرته النخبة الدينية والثقافية والسياسية العراقية قد أثلجت صدور المسلمين، وصدمت الأجهزة الأمنية الاستخباراتية لقوات التحالف، خاصة عندما تعرضت مدينة المساجد - الفلوجة - إلى محنة كبيرة من القوات الأمريكية، حيث قصفت المساجد والبيوت، واحتلت المستشفيات، وألقت القبض على الجرحى، وسيطرت على بعض المآذن، من أجل استخدامها للقنص على المواطنين العزل من السلاح... ونتج عن ذلك مذبحة كبيرة، ذهب ضحيتها ما يزيد عن الألف شهيد والآلاف من الجرحى...

لقد فوجئت القوات الأميركية والحاكم العسكري بريمر، بالآلاف من الشيعة يهرعون من المدن الأخرى لنجدة إخوانهم السنة في الفلوجة على كل المستويات، من أجل تقديم المساعدات المالية والعينية والطبية، والتبرع بالدم والدفاع عن المدينة، هذا الوضع دفع وزير الخارجية الأمريكية كولن باول إلى التعليق والقول (إن هذا التعاون السني الشيعي هو تعاون تكتيكي!!).

 ولذلك فإنني أرى أنه من الأهمية بمكان ضرورة العمل من أجل تحصين اللحمة الدينية والفكرية والسياسية لأُمتنا الإسلامية، خاصة على المستوى المذهبي، من خلال إبراز الحقائق القرآنية بأننا أمة واحدة جمع بيننا كتاب الله عزّ وجل وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومحبة آل البيت الكرام ومحبة الصحابة (رضي الله عنهم).. هذا هو الخط الفكري الذي يوحد الأمة الإسلامية، وعليها أن تعتصم به ﴿واعتصموا بحبل جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون﴾ (1).

ولا بد في هذا المجال أن نؤكد من الناحية الأصولية والعقدية ما هو ثابت لدى كبار فقهاء وعلماء هذه الأمة قديماً وحديثاً، على أن الشيعة الإمامية هم من المسلمين، لأنهم يؤمنون بالأصول التي يؤمن بها أهل السنة، من الإيمان بالله والنبوة واليوم الآخر.. حيث يقول الشيخ محمد جواد مغنية في هذا الصدد: (المسلم من صدق مقتنعاً بكل ما اعتبره الإسلام من الأصول والفروع، والأصول ثلاثة: التوحيد والنبوة والمعاد، فمن شك في أصل منها، أو ذهل عنه قاصراً أو مقصراً فليس بمسلم، ومن آمن بها جميعاً جازماً فهو مسلم.. ويكفي من التوحيد الإيمان بوحدانية الله تعالى وقدرته وعلمه وحكمته.. ويكفي من النبوة الإيمان بأن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم، رسول الله صادق فيما أخبر به معصوم في تبليغ الأحكام.. ويكفي من المعاد الاعتقاد بأن كل مكلف يُحاسب بعد الموت على ما أكتسبه في حياته، وأنه ملاق جزاء عمله، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.. فالتوحيد والنبوة والمعاد، دعائم ضرورية لدين الإسلام، فمن أنكر وجود واحداً منها.. فلا يعد مسلماً شيعياً ولا سنياً)(2).

 وعن عدم تكفير الشيعة للسنة لأنهم لا يؤمنون بالإمامة، يقول: (ضرورات المذهب عند الشيعة على نوعين: النوع الأول يعود إلى الأصول، وهي الإمامة، فيجب على كل شيعي إمامي أن يعتقد بإمامة الإثني عشر إماماً، ومن ترك التدين بإمامتهم عالماً كان أو جاهلاً، وأعتقد بالأصول الثلاثة، فهو عند الشيعة مسلم غير شيعي، له ما للمسلمين، وعليه ما عليهم)(3).

وعن موقف الشيعة من بعض الأحاديث التي يُهاجم بسببها المذهب الشيعي من قِبل أهل السنة، والمبثوثة في تضاعيف كتبهم (الكافي وأحكام الاستبصار والتهذيب ومن لا يحضره الفقيه)، يقول: (إن الشيعة تعتقد إن كتب الحديث الموجودة في مكتباتهم، ومنها الكافي، والاستبصار والتهذيب ومن لا يحضره الفقيه، فيها الصحيح والضعيف، وإن كتب الفقه التي ألفها علماؤهم فيها الخطأ والصواب، فليس عند الشيعة كتاب يؤمنون بأن كل ما فيه حق وصواب من أوله إلى أخره غير القرآن الكريم)(4).

وكنت قد سألت بعض المراجع الدينية الشيعية في العالم (السيد علي السيستاني والسيد محمد حسين فضل الله والسيد محمد سعيد الحكيم) عن الموقف الشرعي الشيعي من أهل السنة... فجاءتني الردود التالية:

 

 أولاً: أجابت لجنة استفتاء مكتب سماحة السيد علي السيستاني: (أهل السنة عند الشيعة مسلمون تجري عليهم جميع الأحكام الإسلامية، فيجوز التناكح معهم ويرثون من الشيعة كما يرث منهم الشيعة. ودماؤهم وأموالهم وأعراضهم محترمة ما عدا النواصب والخوارج ومن الكذب البّين إن ينسب إلى الشيعة تكفير أهل بدر وبيعة الرضوان والمؤمنين من المهاجرين والأنصار وأئمة المذاهب أو أتباعهم).

ثانياً: أجاب سماحة السيد محمد حسين فضل الله على السؤال بالتالي: (لما كان الإسلام مرتكزاً على الاعتقاد بوحدانية الله تعالى ونبوة رسوله محمد (ص) ومعاد الخلائق إليه عز وجل، فإن المؤمن بهذه الأصول الثلاثة يصير مسلماً محترم النفس والمال والعرض، والمنكر لواحد منها - بعد الإيمان بها - يصير كافراً مرتداً.

وفقاً لهذا، فإن المسلمين أمة واحدة يتساوى أفرادها في الحقوق والواجبات، مهما تعددت مذاهبهم، ولقد جرى أئمة أهل البيت المعصومون (عليهم السلام) ومعهم عامة الفقهاء المقتدين بهم، على مدى العصور وحتى عصرنا هذا، على الإفتاء والعمل سراً وعلناً، بما يناسب هذه الحقيقة ويؤكدها في علاقاتهم الثقافية والاجتماعية.

 

 بعامة المنتسبين إلى المذاهب الإسلامية كافة فتعايشوا معهم، وعلموهم وتعلموا منهم، وتوارثوا وتزاوجوا وتناصروا، وذلك دون أن ينقص من قوة هذا الموقف ونصاعته، اختلافهم في العديد من الأمور، وعلى رأسها مسألة الإمامة، ودون أن ينقص من ذلك تصريح بعضهم  شذوذاً بكفر المخالف لهم في المذهب، وبخاصة أنه أراد ب(الكفر) معنى لا يضر بأصل إسلامهم، وظل مجرد رأي نظري خال من كل أثر عملي.

 واعتقادنا هذا بإسلام وإيمان أهل القبلة يشمل صحابة النبي (ص) الذين تشرفوا بصحبته وتحملوا معه أعباء الدعوة، وأكرمهم الله تعالى بالنص على الرضى عنهم، رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، رغم أن لنا موقفاً من بعضهم بسبب ما جرى من فتن بعد وفاة النبي (ص)، وهو موقف لم يصل إلى حد التكفير لذلك البعض، وهكذا الأمر في التابعين وتابعي التابعين وعامة العلماء والفقهاء ومنهم أئمة المذاهب، والملوك وأجنادهم، فضلاً عن عامة المسلمين.

وعلى هذا الأساس فإننا ندعو إلى وجوب العمل لوحدة المسلمين بالسبل المتاحة كافة، ونحرم قول أو فعل ما يضر بالوحدة ويؤدي إلى التباغض والفرقة، ومن أهم ما ندعو إليه تعزيز الحوار للتعرف على الأمور التي يمكن التوافق عليها، وتفهم مرتكزات كل فريق في الأمور المختلف فيها، وتكثيف الدعوة إلى التعاون والتناصر والتوحد في جمهور الأمة، بهدف توعيتها وإزالة مظاهر التعصب من حياة ونفوس أبنائها.

ثالثاً: وعن السؤال نفسه أجابت لجنة الإفتاء في مكتب سماحة المرجع الديني السيد محمد سعيد الحكيم بالتالي: (ليس من رأي الشيعة تكفير الصحابة، بل ولا عامة المسلمين، على اختلاف طوائفهم، وذلك يبتني على حقيقة الإسلام وتحديد أركانه عندهم. ويعرف ذلك من أحاديثهم عن أئمتهم (عليهم السلام) ومن فتاوى علمائهم وتصريحاتهم.

معيار الإسلام والكفر عند الشيعة:

 ففي موثق سماعة: «قلت لأبي عبد الله: أخبرني عن الإسلام والإيمان أهما مختلفان؟ فقال: «إن الإيمان يشارك الإسلام، فقلت فصفهما لي. فقال: الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله، والتصديق برسول الله (ص). به حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث، وعلى ظاهره جماعة الناس. والإيمان الهدى...»(5).

 وفي حديث سفيان بن السمط: «سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الإسلام والإيمان ما الفرق بينهما؟ .. فقال: الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس شهادة: أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصيام شهر رمضان. فهذا الإسلام....»(6).

 وفي صحيح حمران بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) سمعته يقول: «الإيمان ما أستقر في القلب وأفضى به إلى عز وجل، وصدقه العمل بالطاعة لله والتسليم لأمره. والإسلام ما ظهر من قول أو فعل، وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها. وبه حقنت الدماء، وعليه جرت المواريث، وجاز النكاح، واجتمعوا على الصلاة والزكاة والصوم والحج، فخرجوا بذلك من الكفر..»(7).

 إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة.

 وهي تشهد بأنه يكفي في الإسلام الشهادتان والإقرار بالفرائض الضرورية في الدين، وبأن غير الشيعة من فرق المسلمين لا يخرجون عن الإسلام، وتجري عليهم أحكامه من حرمة المال والدم وغيرها إلا بحق. عدا النواصب، وهم الذين يناصبون أهل البيت (صلوات الله عليهم) العداء، على كلام وتفصيل لا يسعنا الحديث عنه، ولا يهمنا فعلاً، لأن الكلام في غيرهم. وعلى هذا جرت فتاوى علماء الشيعة في جميع العصور، دونوها في كتبهم المنشورة، والتي هي في متناول كل من يريد معرفة رأي الشيعة. تجد ذلك في مسائل الطهارة والنكاح والذباحة والمواريث والقصاص وغيرها.

 وليسوا في مقام التقية أو المجاملة، ولذا صرحوا في بعض الموارد الأخرى باشتراط الإيمان زائداً على الإسلام. فلتلحظ.

 ويحسن إثبات ما تضمنه مصدر واحد، وهو كتاب شرايع الإسلام، الذي هو من الكتب المعروفة. وقد شرحه كثير من الفقهاء، ويدرس في الحوزة.

 وعليه تقاس بقية المصادر. قال في مبحث تغسيل الميت: (وكل مظهر للشهادتين يجوز تغسيله عدا الخوارج والغلاة والشهيد..)(8).

 وقال في كتاب الحدود في مسائل حد المرتد: (كلمة الإسلام أن يقول أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. وقال مع ذلك: وأبرأ من كل دين غير الإسلام، كان تأكيداً)(9).

 وقال في فصل الصلاة على الميت: (الأول: من يصلي عليه، وهو كل من كان مظهراً للشهادتين، أو طفلاً له ست سنين من له حكم الإسلام)(10).

 وقال في عدد النجاسات: (العاشر: الكافر وضابطه كل من خرج عن الإسلام، أو من انتحله وجحد ما يعلم من الدين ضرورة، كالخوارج والغلاة)(11).

 وقال في كتاب النكاح، في مسائل لواحق العقد: (الأولى: الكفاءة شرط في النكاح، وهي التساوي في الإسلام، وهل يشترط التساوي في الإيمان؟ فيه روايتان، أظهرهما الاكتفاء بالإسلام، وإن تأكد استحباب الإيمان، وهو في طرف الزوجة أتم، لأن المرأة تأخذ من دين بعلها، نعم لا يصح نكاح الناصب المعلن بعداوة أهل البيت (عليهم السلام) لارتكابه ما يعلم بطلانه من دين الإسلام)(12).

 وقال في أول كتاب الذباحة: (أما الذابح فيشترط فيه الإسلام أو حكمه، فلا يتولاه الوثني... ولا يشترط الإيمان، وفيه قول بعيد باشتراطه، نعم لا يصح ذباحة المعلن بالعداوة لأهل البيت (عليهم السلام)  كالخارجي  وإن أظهر الإسلام)(13).

 وقال في مسائل اللواحق: (ما يباع في أسواق المسلمين من الذبائح واللحوم يجوز شراؤه ولا يلزم الفحص عن حاله)(14).

 وقال في كتاب الفرائض - وهي المواريث - عند الكلام في موانع الإرث: (الثالثة: المسلمون يتوارثون وإن اختلفوا في المذاهب، والكفار يتوارثون وإن اختلفوا في النحل)(15).

 وقال في كتاب القصاص عند التعرض لشروطه: (الشرط الثاني: التساوي في الدين، فلا يقتل مسلم بكافر ذمياً كان أو مستأمناً، أو حربياً...)(16) وقال في مبحث قصاص الطرف: (ويشترط في جواز الاقتصاص التساوي في الإسلام، والحرية، أو يكون المجني عليه أكمل)(17).

وعلى ذلك تبتني نظرة الشيعة وتعاملهم مع الصحابة عموماً  بما فيهم من سبق النص في السؤال عنهم  وغير الصحابة من المسلمين الذين يشهدون الشهادتين، ويعتنقون الإسلام ويعلنون دعوته، ويقيمون فرائضه، من دون نظر إلى فرقهم واختلافاتهم فيما زاد على أصول الإسلام، ومن دون نظر إلى بواطن نفوسهم وما تكنه صدورهم وتنطوي عليه ضمائرهم، فإن التعامل إنما يكون على الظاهر.

 

 وعلى ذلك جرت سيرة النبي (صلى الله عليه وآله و سلم) ثم سيرة أئمتنا (صلوات الله عليهم) في جميع عصورهم، وقد كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول عمن قاتله: إنهم إخواننا بغوا علينا، ولم يقل إنهم كفروا، ولم يسترق نساءهم ولا استحل أموالهم، لأنهم أهل القبلة، يعني: مسلمين. وعلى هذا جرى شيعته، بل الظاهر إن أكثر المسلمين على ذلك.

 نعم كثيراً ما يطلق الكفر في الكتاب المجيد والحديث الشريف وكلمات المسلمين عموماً على بعض من يشهد الشهادتين، ويعلن الإسلام التام المبتني  مع الشهادتين  على الاستقامة في العقيدة والعمل، والوفاء بجميع ما عهده الله تعالى إلى عباده وطلبه منهم.

وثالثة: بلحاظ عدم مطابقة دعوى الإسلام للعقيدة الباطنة، وهو ما يرجع لطعن الشخص بالنفاق.

 

 

وعلى أحد هذه الوجوه يجري قوله تعالى: ﴿ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون﴾.

 وقوله سبحانه: ﴿ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين﴾.

وقول النبي (صلى الله عليه وآله و سلم) المروي بطرق متعددة: ( لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)(18). وقول عائشة عن عثمان: (اقتلوا نعثلاً فقد كفر)(19) وقول عمر بن الخطاب عن حاطب بن أبي بلتعة: (يا رسول الله اضرب عنقه فقد كفر)(20).

 وقول حذيفة: (إنما كان النفاق على عهد النبي (صلى الله عليه وآله و سلم)، فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان)(21).

 وفي كلام لأبي شعيب: (إن حفص الفرد ناظر الشافعي، فقال حفص: القرآن مخلوق، فقال له الشافعي: كفرت بالله العظيم)(22).

 وفي حديث ياسر الخادم: (سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) يقول: (من شبه الله تعالى بخلقه فهو مشرك، ومن نسب إليه ما نهى عنه فهو كافر)(23).

 وفي حديث أبي الصلت الهروي عنه(عليه السلام): (قلت له: يا ابن رسول الله، فما معنى الخبر الذي رووه: أن ثواب لا إله إلا الله النظر إلى وجه الله؟ فقال (عليه السلام): يا أبا الصلت من وصف الله بوجه كالوجوه فقد كفر، ولكن وجه الله أنبياؤه ورسله وحججه (صلوات الله عليهم) هم الذين بهم يتوجه إلى الله وإلى دينه ومعرفته... فالنظر إلى أنبياء الله ورسله وحججه في درجاتهم ثواب عظيم للمؤمنين يوم القيامة، وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله و سلم): من أبغض أهل بيتي لم يرني ولم أره يوم القيامة، وقال (صلى الله عليه وآله و سلم) إن فيكم من لا يراني بعد أن يفارقني)(24).

 وغير ذلك مما هو كثير جداً. لكن ذلك كله لا يرجع إلى نفي الإسلام بالمعنى المتقدم، ولا إلى عدم ترتب أحكامه المتقدمة  من حرمة المال والدم وحل الذبائح والنكاح وثبوت الميراث ونحوها  كما هو المعلوم من مباني المسلمين عموماً في فقههم، وتعاملهم مع بعضهم، وسيرتهم فيما بينهم، إلا بعض فرق الخوارج أو نحوهم ممن عدّ من الشواذ وباينة المسلمون.

 ولا نعهد من عموم الشيعة الخروج عن ذلك في الصحابة، ولا في غيرهم من المسلمين.

 اللهم إلا أن يكون هناك شاذ لا يتيسر لنا فعلاً معرفته والوقوف على حديثه. ولو وجد فهو وحده يتحمل مسؤولية قوله وموقفه، من دون أن يتحمل عموم الشيعة مسؤولية ذلك، فضلاً عن أن ينسب إليهم ويحمل عليهم.

 الثاني: السب والطعن: ولا يتيسر لنا إعطاء موقف عملي عام للشيعة في ذلك، وتحديد ممارساتهم بنحو مسؤول، فإن الشيعة شعب، بل شعوب. وهو يختلفون فيما بينهم  كسائر الناس  في قوة الشخصية وتماسك الأعصاب، وفي ثقافتهم العامة والدينية، وتعرفهم على واقع الصحابة كأفراد وككل، وفي التزامهم الديني والخلقي، وفي تربيتهم وبيئتهم ومجتمعاتهم، وفي اندفاعاتهم العاطفية والانفعالية، ولكل ذلك أثر مهم في ممارساتهم العملية من هذه الجهة.

موقف علماء السنة من الشيعة:

 يشير الإمام أبو حامد محمد الغزالي إلى أن إيمان المسلم الشيعي بالإمامة لا يكفِّره بقوله: (إن الذي يعتقد استحقاق الإمامة في أهل البيت، وإن المستحق اليوم المتصدي لها منهم، وإن المستحق لها في العصر الأول كان علي (رضي الله عنه) فدُفع عنها بغير استحقاق، وزعم مع ذلك، إن الإمام معصوم عن الخطأ والزلل..

 ومع ذلك، لا يستحل دمائنا ولا يعتقد بكفرنا، ولكنه يعتقد فينا إنّا أهل البغي، زّلت بصائرنا عن درك الحق خطأ.. فهذا الشخص لا يستباح سفك دمه، ولا يحكم بكفره لهذه الأقاويل)(25).

 وعندما سُئل شيخ الأزهر محمود شلتوت عن مسألة التعبد على أساس مذهب الشيعة الإمامية، فأجاب:

 1- إن الإسلام لا يوجب على أحد من أتباعه إتباع مذهب معين، بل نقول: إن لكل مسلم الحق أن يقلد بادى ذي بدء، أي مذهب من المذاهب المنقولة نقلاً صحيحاً، والمدونة أحكامها في كتبها الخاصة، ولمن قلد مذهباً من المذاهب أن ينتقل إلى غيره  أي مذهب كان  ولا حرج عليه في شي‏ء من ذلك.

 إن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية، مذهب يجوز التعبد به شرعاً كسائر مذاهب أهل السنة.

 2- فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك، وأن يتخلصوا من العصبية بغير الحق لمذاهب معينة، فما كان دين الله وما كانت شريعته بتابعة لمذهب، أو مقصورة على مذهب، فالكل مجتهدون مقبولون عند الله تعالى، لمن ليس أهلاً للنظر والاجتهاد تقليدهم والعمل بما يقرونه في فقههم، ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات(26).

 ومن أجل السعي لتوحيد المسلمين على المستوى العلمي والشرعي فقد عمل الشيخ شلتوت على إدخال الفقه المقارن بين المذاهب الإسلامية في كلية الشريعة في الأزهر) من بين ما تُعنى به كلية الشريعة في منهجها الجديد: دراسة الفقه المقارن بين المذاهب الإسلامية على الأسس التالية:

 أولاً: تكون الدراسة على مختلف المذاهب لا فرق بين سنة وشيعة، ويعني بوجه خاص ببيان وجهة النظر الفقهي حكماً ودليلاً لكل مذاهب السنة، وهي الأربعة المعروفة والإمامية  الإثني عشرية  والزيدية.

 ثانياً: يستخلص الحكم الذي يرشد إليه الدليل دون التفات إلى كونه موافقاً أو مخالفاً لمذهب الأستاذ أو الطالب، حتى تتحقق الفائدة من المقارنة، وهي وضوح الرأي الراجح من بين الآراء المتعددة، وتبطل العصبيات المذمومة.. وفي أصول الفقه - يعني بوجه خاص ببيان المواضيع الأصولية التي وقع الاختلاف فيها بين المذاهب الستة السابقة الذكر، مع بيان أسباب الاختلاف.. وفي علم مصطلح الحديث ورجاله. تشمل الدراسة ما اصطلح عليه السنة وما اصطلح عليه الإمامية والزيدية، كما تشمل دراسة الرجال المشهورين وأصحاب المسانيد ومسانيدهم في كل من الفريقين، هذا بالإضافة إلى التوسع في هذه الدراسة تفصيلاً في الدراسات العليا بكلية الشريعة)(27).

 وقال الشيخ محمد أبو زهرة عن الشيعة الإمامية: (الشيعة أقدم المذاهب السياسية الإسلامية، وقد ذكرنا أنهم ظهروا بمذهبهم في آخر عصر عثمان (رضي الله عنه) ونما وترعرع في عهد علي (رضي الله عنه)، إذ كان كلما اختلط بالناس ازدادوا إعجاباً بمواهبه وقوة دينه وعلمه، فاستغل الدعاة ذلك الإعجاب، وأخذوا ينشرون آراءهم، ما بين رأي فيه مغالاة، ورأي فيه اعتدال.. لا شك أن الشيعة فرقة إسلامية إذا استبعدنا من الهّوا علياً ونحوهم، ولا شك أنها في كل ما تقول، تتعلق بنصوص قرآنية أو أحاديث نبوية منسوبة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم (صلى الله عليه و آله و سلم)(28).

 وعندما سأل الأستاذ عمر التلمساني الشيخ حسن البنا عن مدى الخلاف بين السنة والشيعة، عندما رأى السيد محمد تقي الدين القمي ينزل ضيفاً على الإخوان المسلمين في الأربعينات، فقال البنا: (اعلموا أن أهل السنة والشيعة مسلمون تجمعهم كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، وهذا أصل العقيدة، والسنة والشيعة فيه سواء وعلى التقاء، أما الخلاف بينهما فهو في أمور من الممكن التقريب فيها بينهما)(29).

 ويذكر الداعية الشيخ محمد الغزالي محاولات المستشرقين المستمرة في تأجيج الفرقة بين المسلمين: (لقد أحسست وخزاً في فؤادي، وأنا أقرأ كلمة الإسلام الشيعي، والإسلام السني، التي ترددت على لسان المستشرق المجري مراراً.. هل هناك إسلامان حقاً في أمتنا؟ إنه إسلام واحد، إسلام عارٍ عن هذه الأوصاف الزائدة، مجرد عن تلك الإضافات المحدثة، إن الله ارتضى لنا الإسلام ديناً ومن سبعين قرناً سمانا أبو الأنبياء إبراهيم بهذا الإسم الكريم، ثم جاء النبي الخاتم محمد بن عبد الله، فهدانا الصراط المستقيم وأتم النعمة..

 إذاً ما الذي حدث ؟ الحقيقة أن هناك أناس لا يتقون الله في دينهم ولا في أمتهم، أطلقوا غيوماً داكنة من الإشاعات والظنون كانت العلة الدفينة في تمزيق الشمل، ومل‏ء الرؤوس بطائفة من التصورات الباطلة..

 وجماهير العامة  للأسف الشديد  ضحايا لتكاذب متبادل لا أساس له، ويوم ينكشف الغطاء عن الحقيقة، فسيحزن كثيرون لما أرسلوا من أحكام، وأطلقوا من عبارات... جاءني رجل من العوام مغضباً، يتساءل: كيف أصدر شيخ الأزهر فتواه بأن الشيعة مذهب إسلامي كسائر المذاهب المعروفة؟ فقلت للرجل: ماذا تعرف عن الشيعة؟ فسكت قليلاً ثم أجاب:  ناس على غير ديننا!، فقلت له: لكنني رأيتهم يصلون ويصومون كما نصلي ونصوم!! فعجب الرجل، وقال: كيف هذا؟ قلت له والأغرب أنهم يقرأون القرآن مثلنا، ويعظمون الرسول، ويحجون البيت الحرام..!! قال: لقد بلغني أن لهم قرآناً آخر، وأنهم يذهبون إلى الكعبة كي يحقرونها، فنظرت للرجل راثياً.. وقلت له: أنت معذور، إن بعضنا يشيع عن البعض الآخر ما يحاول به هدمه وجرح كرامته.. ولكن الدور الآن للعلماء، كما قلت، فإن العلم تأثر بالحكم دهراً، وتلونت الدراسات الدينية بمآرب الحاكمين، ثم ذهب المنتفعون من ذوي السلطة، وبقي المخدوعون من أهل العلم، أعني العامة وأشباههم.. فعلينا نحن - حملة الإسلام - أن نصحح الأوضاع وأن نزيل الأوهام. واعتقد أن فتوى الأستاذ الأكبر الشيخ محمود شلتوت شوط واسع في هذا السبيل.. إن الظنون والخرافات تجتاح الجماهير من أهل السنة والشيعة، والتخلف البعيد يقعد بهم جميعاً عن حق الله وحق الحياة.. إن الجهل والفراغ يهزان أصول الاعتقاد، وتنشأ في ظليهما أجيال تافهة عابثة، فهل ندع الحريق يجتاح بيضتنا، وننشغل عنه بالتلاوم والتكاذب، إلا أن الأمر أجل مما يتوهم قصار النظر! وأرى أن الطريق لا تزال طويلة، لكننا عرفناها، وبدأنا المسير، ومن سار على الدرب وصل)(30).

 وقال شيخ الأزهر سماحة الشيخ محمد سيد طنطاوي رداً على استفتاء حول دعاوى تكفير أنصار بعض المذاهب مثل الإباضية والظاهرية والجعفرية والزيدية والأشعرية والصوفية: (لا يجوز أن ينسب إنسان إلى غيره الكفر إلا إذا كان هذا الغير ينكر ما جاءت به شريعة الإسلام من وجوب إخلاص العبادة لله والإيمان بملائكته وكتبه ورسله، وعليه فلا يجوز أن ينسب أحد الكفر إلى أي شخص ينتسب إلى واحد من المذاهب الإسلامية التي اتفقت جميعها على وجوب إخلاص العبادة لله تعالى.

 إن الإسلام الحقيقي عرفه الرسول (صلى الله عليه و آله و سلم) بقوله أن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم شهر رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً، كل إنسان يؤدي ذلك ولا ينكر معلوما من الدين بالضرورة فهم مسلم...

  وعليه فلا يمكن القول بأن أصحاب المذاهب المذكورة غير مسلمين لأنهم كما هو معلوم من ظاهر أحوالهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويعترفون بالأركان الخمسة ويؤدونها وإذا وجد خلاف بينهم في أداء هذه الأركان فهو خلاف في الفروع لا في الأركان والأصول)(13).

محطات التقريب بين المذاهب الإسلامية:

 

 سعى المخلصون من نُخب الأمة الإسلامية  الدينية والفكرية والثقافية  باتجاه الوحدة الإسلامية، لأنهم علموا بوجوبها استناداً للكتاب والسنة، ولضرورتها، من أجل مواجهة التحديات الخطيرة التي تواجه الأمة على كل المستويات، وكانت محطات عدة في هذا السبيل، منها:

 أولاً: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية:

 حيث أنشأ هذه الدار نخبة من علماء مصر وإيران عام (1948م) في القاهرة، وقد احتضن الأزهر الشريف هذه الدار، وشارك الكثير من العلماء السنة والشيعة في نشاطاتها الوحدوية، منهم شيخ الأزهر المراغي والشيخ مصطفى عبد الرزاق والشيخ محمد تقي القمي والشيخ عبد المجيد سليم والشيخ محمود شلتوت والشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء، والشيخ عبد الحسين شرف الدين، والسيد محمد حسين بروجردي، إضافة إلى الكثير من العلماء في الأمصار الإسلامية الذين أيدوا هذه الدعوة الوحدوية وناصروها وشاركوا في نشاطاتها(32). وبدأت تظهر ثمرات أعمال دار التقريب على مستوى المسلمين حيث أُعتُمِدَ المذهب الشيعي كمذهب خامس، وأدخل على برنامج التعليم في الأزهر في المجالات الشرعية والفقهية وعلوم الحديث، وأصدرت دار التقريب مجلة رسالة الإسلام، وقد كتب فيها كبار علماء الأمة، تأييداً وتوضيحاً لمسألة التقريب بين المسلمين وتلخصت أهدافها بالتالي:

 1- جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية لا تريد المساس بالفقه الإسلامي ولا أتباع مذاهبه بعضها ببعض، بل هي على النقيض من ذلك، ترى في هذا الاختلاف الفقهي معجزة للمسلمين لأنه دليل على خصوبة في التفكير وسعة في الأفق.

 2- ولن تمد الجماعة يدها إلا لأرباب المذاهب الإسلامية التي تعتقد العقائد الصحيحة التي يجب الإيمان بها.

 3- وهي ترى أن بعض المنتسبين إلى المذاهب الإسلامية يجعلون لبعض المعارف والآراء التي لا صلة لها بالعقائد الصحيحة أهمية طاغية تدفعهم إلى التخاصم والتقاطع والتنابز بالألقاب، ونسيان ما جمع الله عليه القلوب، وألف بين المسلمين، وترى أن أعداء الإسلام والطامعين في استعمار بلاده وإذلال أهله، يتخذون من هذه الخلافات أبواباً يلجون منها إلى مقاصدهم الباغية، ويعملون كل ما في استطاعتهم على إذكاء نيرانها ليضربوا بعض المسلمين ببعض ثم يضربونهم جميعاً.

 4- وتؤمن إيماناً عميقاً بأن من أهم الواجبات الدينية على كل ذي علم ورأي في شعوب المسلمين على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم الإسلامية العمل على تبصير المسلمين بدينهم، وقطع أسباب الخلاف والتفرقة بينهم، ببيان ما هو عقيدة يجب الإيمان به وما هو معارف لا يضر الخلاف فيه. فالغرض من جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية هو أن تكون مركزاً إسلامياً لهذه الفكرة، تتركز فيه جهود المقتنعين بها في أنحاء العالم شرقيّه وغربيّه، وتتجاوب لديه أصواتهم وأبحاثهم وآراؤهم في رفق وحُسن تقبل، فيتهيأ لها جو من البحث العلمي الخالص على ضوء القواعد الإسلامية الصحيحة.

 5- وحينئذ تتجلى أمام المسلمين أسباب الاختلاف فيما وراء العقائد الدينية والأحكام التشريعية فيعالجونها(33).

 ثانياً: تجمع العلماء المسلمين:

 أنشىء تجمع العلماء المسلمين عام (1982) في طهران، أبان الغزو الإسرائيلي للبنان، وقد تشكل من نخبة فاعلة من علماء لبنان من السنة والشيعة، حيث كان أول تجربة عملية وحدوية على المستوى العالمي، وسعى التجمع منذ عقدين من الزمن ولا يزال إلى تحقيق الأهداف التالية:

 أولاً: العمل على تقريب وجهات النظر بين المسلمين وتوحيد رؤياهم الشرعية والفكرية والثقافية.

 ثانياً: تبيان حقيقة أن الأمة الإسلامية هي أمة واحدة، جمع بينها الإسلام عقيدة وعبادة وشريعة، لا يفرق بينها اختلاف جنس أو لون أو لغة أو مذهب. ﴿ إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون﴾(34).

 ثالثاً: السعي إلى تبني القضايا الكبرى للأمة، وخاصة القضية الفلسطينية التي تعتبر لدى التجمع القضية المركزية، وهو يعمل على دعمها بكل الوسائل الشرعية الممكنة.

 رابعاً: ويعمل التجمع على إقامة علاقات إسلامية مع علماء المسلمين سنة وشيعة على مستوى لبنان والعالم الإسلامي، بهدف تركيز جهود العلماء باتجاه قضايا الأمة الإسلامية، على المستوى الثقافي والفكري والدعوي والسياسي.

 خامساً: ويقوم التجمع من الحين إلى الآخر بمعالجة قضايا شائكة تقع بين المسلمين محلياً وإقليمياً ودولياً، ويسعى لحلها، مستخدماً رصيده العلمي والشرعي والمعنوي.

 ثالثاً: مجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية:

 أنشىء هذا المجمع عام (1990) في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، من أجل السعي العلمي والشرعي للتقريب بين المسلمين باتجاه الوحدة الإسلامية، وهو يعتمد في طروحاته على أصول دينية وشرعية محددة بالتالي:

 1- إن الأصول الأساسية للإسلام لا خلاف فيها - والحمد لله - بين المسلمين فكلهم يعتقدون بتوحيد الرب وبنبوة محمد والأنبياء قبله (صلواته عليهم أجمعين) وأن كتابهم واحد وقبلتهم واحدة.

 2- إن دعوة الناس إلى وحدة الأمة لا يعني رفض المذاهب كلها أو بعضها، كما لا يراد بها إدغام المذاهب والمساومة عليها.. وإنما السبيل الوحيد الذي نتبناه إقتداء بالسلف الصالح من علماء الأمة المسلمين والنخبة من المصلحين في العالم الإسلامي.. هو التأكيد على المشتركات في حقل العقيدة والشريعة باعتبارها الأصول الأساسية للإسلام.

 3- لا بد من تعيين المشتركات والأصول الأساسية للإسلام - وإن كانت معلومة إجمالاً - من قِبل نخبة من علماء المذاهب الإسلامية في مؤتمر عام، وفي لجان تخصصية مهمتها تشخيص الأصول المتفق عليها.

4- ما دام لم يوضح ولم يحدد معيار (الكفر والإيمان) فليس لأحد رمي الآخر بالكفر، كما لا تجوز المسارعة في الحكم به على أهل القبلة وعلى كل من التزم بالأصول الإسلامية المتفق عليها.

 5- المسائل الخلافية يجب أن تبين على يد علماء المذاهب واعتماداً على المصادر المعتبرة عندهم، ولا يجوز الاستناد إلى الإشاعات والأقوال غير المسندة.

 6- ينبغي اتخاذ منطوق أقوال المذاهب ملاكاً للحكم عليها، ولا ينظر إلى مستلزمات تلك الأقوال مما يرفضها أصحاب المذاهب.

 7- أن لا نجعل المسائل الخلافية الجانبية في نفس درجة أهمية المسائل الأصولية المتفق عليها، مما قد يؤدي إلى سيطرة الفروع على الأصول في زحمة الاختلافات الفرعية.

 8- السعي لفتح باب الاجتهاد في كل المذاهب الإسلامية، وفي كل الأبعاد   بالنسبة إلى المسائل الخلافية غير الضرورية  لكي تكون أبواب البحث فيها مفتوحة على أساس الالتزام بالحق والاحتجاج بالدليل، وتكون النفوس مستعدة لقبول ما انتهى إليه البحث حسب الدليل، مهما كان، مع رعاية جانب الإنصاف، وأدب الجدال بالتي هي أحسن.

 9- السعي لإيقاظ المسلمين وإشعارهم بالأخطار والمؤامرات والمخططات التي يتخذها أعداء الإسلام ضدهم، سواء بإشعال الخلافات المذهبية أو القومية أو السياسية أو غيرها، ودعوتهم إلى اتخاذ موقف موحد أمام هذه المؤامرات.

 10- يلتزم المجمع باتخاذ مواقف حكيمة لحل ما يوحد أحياناً من الخلاف والاقتتال بين فئتين من المسلمين والإصلاح بينهما تلبية لقول الله تعالى: ﴿وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما﴾(35).. تلك عشرة كاملة(36).

إن خط الوحدة الإسلامية هو المعول عليه في عملية التغيير في واقع الأمة الإسلامية، وهو المتمثل بمرجعية الكتاب والسنة، ومحبة آل بيت النبوة الكرام، ومحبة الصحابة (رضي الله عنهم)، فإذا أرادت الأمة المنعة والقوة والعزة، فإن الإسلام هو الترياق، وإذا سعت إلى وحدة العقيدة والفكر فهي في الإسلام، وإذا أرادت وحدة الموقف السياسي فهو في الإسلام، وإذا بحثت عن النظام الاقتصادي الصحيح فهو في الإسلام، وإذا سعت إلى وحدة الهدف فهو في الإسلام، وإذا أرادت تحرير الأرض والمقدسات فالجهاد في سبيل الله هو الطريق لذلك، وإذا عملت على إعادة صياغة شخصيتها، فإن الإسلام هو الكفيل بذلك.. وإلا ستبقى هذه الأمة تعاني من ضياع فكري وفرقة سياسية، وتخبط اقتصادي وضياع أخلاقي، وذوبان حضاري، وارتهان للشرق والغرب، وخضوع لليهود وشروطهم، وضياع للأرض المباركة والمقدسات الإسلامية.

  الهوامش:

 

 (1) سورة آل عمران، الآية: 103.

  (2) منظمة الإعلام الإسلامي  حول الوحدة الإسلامية أفكار ودراسات  ص 157 - 158.

  (3) المرجع نفسه، ص 158.

  (4) منظمة الإعلام الإسلامي  حول الوحدة الإسلامية أفكار ودراسات، ص 159.

  (5) الكافي، ج 2، ص 25، كتاب الإيمان والكفر، باب إن لإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك الإيمان، حديث 1.

  (6) الكافي، ج 2، ص‏24، كتاب الإيمان والكفر، باب إن لإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك الإيمان، حديث 4.

  (7) الكافي، ج 2، ص 26، كتاب الإيمان والكفر، باب إن لإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك الإيمان، حديث 5.

  (8) شرايع الإسلام، ج‏1، ص 37.

  (9) شرايع الإسلام، ج‏4، ص 180 - 186.

 (10) شرايع الإسلام، ج‏1، ص 104 - 105.

  (11) شرايع الإسلام، ج‏1، ص 104 - 105.

  (12) شرايع الإسلام، ج‏2، ص 299.

  (13) شرايع الإسلام، ج‏3، ص 204.

  (14) شرايع الإسلام، ج‏3، ص 206.

  (15) شرايع الإسلام، ج‏4، ص 13.

  (16) شرايع الإسلام، ج‏4، ص 211.

  (17) شرايع الإسلام، ج‏4، ص 234.

  (18) صحيح البخاري، ج‏1، ص 65.

  (19) تاريخ الطبري، ج‏3، ص 12.

  (20) الأحاديث المختارة، ج‏1، ص 286.

  (21) صحيح البخاري، ج 6، ص 2604.

  (22) السنن الكبرى للبيهقي، ج‏10، ص‏43.

  (23) عيون أخبار الرضا، ج‏1، ص 93.

  (24) التوحيد للصدوق، ص 117 - 118.

  (25) الإمام محمد الغزالي، فضائح الباطنية، ص 146 - 147.

  (26) مجلة رسالة الإسلام، العدد (3)، السنة الحادية عشر، 1959م، ص 227.

  (27) المرجع السابق، ص 226.

  (28) الشيخ محمد أبو زهرة، تاريخ المذاهب الإسلامية، ص 33 - 37.

  (29) عمر التلمساني، ذكريات لا مذكرات، ص 249 - 250.

  (30) دفاع عن العقيدة والشريعة، القاهرة، 1975، ط 4، ص 255 - 258.

  (31) جريدة اللواء، بيروت: 7 - 6 - 2005م.

  (32) مجلة الإسلام، السنة الخامسة عشرة، العدد (85)، ص 60.

  (33) الشيخ مصطفى ملص، دور الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الوحدة الإسلامية، مركز دراسات الوحدة الإسلامية، ص 23 - 24.

  (34) سورة الأنبياء، الآية: 92.

  (35) سورة الحشر، الآية: 10.

  (36) المرجع السابق، ص 111 - 114، بتصرف واختصار.

المصدر: http://www.rohama.org/ar/content/703

الأكثر مشاركة في الفيس بوك