التفرّق بين المذاهب الإسلامية مخالف للإسلام

التفرّق بين المذاهب الإسلامية مخالف للإسلام

أ.د. محمد الطباطبائي

 

إن سبب ما نراه من تفرق قلوب كثير من المسلمين اليوم، ليس في الإسلام، ولكن المشكلة في مسلمي اليوم، فكلما ابتعد المسلمون عن تعاليم الإسلام حصل من الخلافات والافتراق بقدر ذلك الابتعاد عن الحق، وكذلك لما تدخلت المصالح السياسية والأهواء، وطلب الدنيا، والتنافس على مناصبها، حصل ما حصل في تاريخ الأمة الاسلامية، إلى يومنا هذا، على الرغم من أن الله تعالى قد أكرمنا بإكمال الدين، حيث قال تعالى: ﴿ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ﴾ ، وقد بعث الله رسوله (ص) رحمة للعالمين، فختم به الرسالة، وهدى به من الضلالة، وعلم به من الجهالة، وأشرقت برسالته الأرض بعد ظلماتها، وتألفت بها القلوب بعد شتاتها، قال تعالى: ﴿ واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا﴾ ، وأقام بها الملة العوجاء، وأوضح بها المحجة البيضاء، ليلها كنهارها.

ولم يتركنا الله تعالى في حالة نشوب الاختلاف والنزاع، فقد بين الله تعالى لنا السبيل في هذه الحالة، بقوله تعالى: ﴿ فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ﴾، يعني يكون الفصل فيه ما قاله الله تعالى، وما أرسل به رسوله (ص) فأوجب تعالى علينا التمسك بكتابه، وسنة نبيه، والرجوع إليهما عند الاختلاف، وأمرنا بالاجتماع على الاعتصام بالكتاب والسنة اعتقادا وعملاً، وذلك سبب اتفاق الكلمة، وانتظام الشتات الذي تتمّ به المصالح والسلامة من الاختلاف، وأمر بالاجتماع ونهى عن الافتراق الذي حصل لأهل الكتابين.

وهذا هو السبيل إلى الوحدة، الرجوع إلى الكتاب والسنة، وتحكيمهما في حياتنا. وهذا التفرق الموجود بين المذاهب الإسلامية مخالف للإسلام، فقد أمر الخالق سبحانه وتعالى الناس بالاعتصام بدينه، ونهى عن التفرق، حيث قال الله تعالى: ﴿ واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا﴾، وقال رسول الله (ص): « إن الله يرضى لكم ثلاثاً، ويكره لكم ثلاثا، يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أموركم، ويكره لكم ثلاثا: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال»، وقال ابن عباس لسماك الحنفي: يا حنفي الجماعة الجماعة، هلكت الأمم الخالية لتفرقها، أما سمعت الله عزّ وجل يقول:﴿واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا﴾،
فالخلافات في الدين تنقسم إلى قسمَيْن، خلافات معتبرة، تتعلق بفروع الشريعة، وخلافات غير معتبرة، وهي التي تخالف نصا صريحا صحيحا من الكتاب أو السنة أو تخالف الإجماع، فما كان من الأول فلا ينكر، وقد أورد السيوطي قاعدة جيدة: « لا ينكر المختلف فيه، وإنما ينكر المجمع عليه»، وأما الثاني فينكر، لمخالفته الشريعة، ويكون الإنكار بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، قال الله تعالى: ﴿ ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن﴾
ويكون الإنكار بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، قال الله تعالى: ﴿ ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن﴾ وللفقهاء لهم دور عظيم في المجتمع فهم يدعون من ضل من المسلمين إلى الهدى، ويحيون بكتاب الله تعالى من أغواه الشيطان وأضله، ويبصرون الناس الطريق لأحكام دينهم، فكم من ضال تائه قد هدوه، وينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عنان الفتنة، والفقهاء في الأرض بمنزلة النجوم في السماء، بهم يهتدي الحيران في الظلمات، وإن حاجة الناس اليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب، وطاعتهم أفرض عليهم من طاعة الأمهات والآباء، بنص القرآن، قال تعالى: ﴿ يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا﴾ وإن التحاور أفضل طريقة في حالة الاختلافات، وهو أسلوب الرسول الكريم(ص) مع من خالفه، ولكن لا بد أن ننظر إليه بحذر، فإنه يفيد - بإذن الله تعالى - إن كانت هناك رغبة صادقة لمعرفة الحق، والأخذ به، فلا بد من التجرّد، وأن يكون الذين يقومون به هم أهل العلم من الفريقين، وليس العوام الذين قد يغيب عليهم كثير من الأمور العلمية.

المصدر: http://www.rohama.org/ar/content/707

الأكثر مشاركة في الفيس بوك