الجذور الوثنية في عقيدة الصلب والفداء عند النصارى
الجذور الوثنية في عقيدة الصلب والفداء عند النصارى
جمع وترتيب
أبو عبدالرحمن الغريب
المقدمة
إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
من العقائد التي ضل بها النصارى ؛ عقيدتهم في الصلب والفداء التي كذبها الله في { وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ } [النِّسَاءِ: 157] .
والمتأمل لهذه العقيدة التي هي من صلب اعتقاد النصارى بل يتوقف عليها إيمان الإنسان لديهم ؛ يجدها عقيدة وثنية في جملتها وتفصيلها ؛ باعتراف كبار علماء ومفكري الغرب كما سيأتي بيانه ؛ ونحن يكفينا كتاب الله الذي أشار إلى بعض معتقداتهم وأرجعها إلى وثنية الأمم السابقة بقوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } [التوبة :30] .
ولأهمية هذا الموضوع حيث أنه يتعلق بمسألة هي من صلب الاعتقاد أحببت أن أبين وجه الصلة بين العقائد الوثنية، وبين عقيدة الصلب الفداء عند النصارى، ومدى التشابه الكبير في تلك العقائد .
وثانيا: لما لهذا الموضوع من فوائد منها :
أ- إبراز مدى ما نحن فيه من فضل وعافية ونعم تحت مظلة الإسلام .
ب- إبراز جوانب الخلل في تلك العقيدة التي ابتعدت عن نبراس النبوة .
وقد قال عمر رضي الله عنه كما في الأثر المشهور عنه : تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية ( ).
وقال القائل :
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه .
ومن هذا المنطلق قمت بدراسة هذا الموضوع ؛ والبحث في الجذور التاريخية لعقيدة الصلب والفداء في الديانة النصرانية ؛وبيان أن هذه العقيدة مقتبسة من معتقدات الديانات الهندية والفارسية وغيرها .
وقد قمت بتقسيم البحث إلى عدة فصول :
الفصل الأول : التعريف بعقيدة الصلب والفداء .
الفصل الثاني : القرآن يشير إلى بعض الجذور والأصول الوثنية للعقيدة النصرانية .
الفصل الثالث : عصر المسيحية وأثر الاضطهاد الوثني على ديانتهم .
الفصل الرابع : اعتراف كثير من علماء الغرب بتسرب الوثنية للعقيدة النصرانية .
الفصل الخامس :المقارنة بين العقائد الوثنية والعقيدة النصرانية بوجه عام.
الفصل السادس : كيف انتقلت هذه الوثنية للديانة النصرانية ؟
الفصل السابع :المقارنة بين العقائد الوثنية وعقيدة الصلب والفداء .
ثم الخاتمة وأهم النتائج .
والله سبحانه نسأله أن يحيينا على الإسلام والسنة ،وأن يتوفانا على الإيمان ،وأن يرزقنا حسن الختام والسداد والتوفيق على الدوام .
الفصل الأول : التعريف بعقيدة الصلب والفداء .
أ- تعريف الصلب والفداء لغة
كلمة الصلب والفداء من الكلمات المشهورة التي تكلمت بها العرب ،وذكرت في أشعارهم ،وذكرها الله في القرآن ؛ فكلمة الصلب تدور على القتل على شاخص أو مرتفع كجذع نخلة أو عمود .
قال ابن منظور : الصَّلْبُ: مَصْدَرُ صَلَبَه يَصْلُبه، صَلْباً وأَصله مِنَ الصَّلِيب وَهُوَ الوَدَكُ. وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: أَنه اسْتُفْتِيَ فِي اسْتِعْمَالِ صَلِيبِ المَوْتَى فِي الدِّلاءِ والسُّفُن، فَأَبى عَلَيْهِمْ، وَبِهِ سُمِّي المَصْلُوب لِمَا يَسِيلُ مِنْ وَدَكه. والصَّلْبُ، هَذِهِ القِتْلة الْمَعْرُوفَةُ، مُشْتَقٌّ مِنْ ذَلِكَ، لأَن وَدَكه وَصَدِيدَهُ يَسِيل. وَقَدْ صَلَبه يَصْلِبُه صَلْباً، وصَلَّبه، شُدِّدَ لِلتَّكْثِيرِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ. وَفِيهِ: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} ؛ أَي عَلَى جُذُوعِ النَّخْلِ. والصَّلِيبُ: المَصْلُوبُ. والصَّليب الَّذِي يَتَّخِذُهُ النَّصَارَى عَلَى ذَلِكَ الشَّكْل. وَقَالَ اللَّيْثُ: الصَّلِيبُ مَا يَتَّخِذُهُ النَّصَارَى قِبْلَةً، والجَمْعُ صُلْبان وصُلُبٌ ( ).
وكذلك كلمة الفداء يراد بها الإنقاذ من العقوبة ؛ كالقتل، والفداء يكون بالنفس ،ويكون بغير ذلك كالمال .
قال ابن منظور : يُقَالُ: فَدَاه يَفْدِيه فِدَاءً وفَدًى وفَادَاهُ يُفَادِيه مُفَادَاةً إِذا أَعطى فِداءه وأَنقذه. وَيُقَالُ: فَدَاه وفَادَاه إِذا أَعطى فِداءَه فأَنْقَذه، وفَدَاه بِنَفْسِهِ وفَدَّاهُ يُفَدِّيه إِذا قَالَ لَهُ جُعِلت فَداك. وتَفَادَوا أَي فَدى بَعْضُهُمْ بعْضاً( ).
ب- تعريف الصلب والفداء اصطلاحا
تقدم أن الصلب من الكلمات المشهورة ،وأن القرآن أشار إليها كعقوبة كانت معروفة لدا الأمم ؛ كما قال تعالى على لسان فرعون :{ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ } [الأعراف :124]
وورد في سفر التثنية (21/22) : وإذا كان على إنسان خطيئة حقها الموت ؛ فقتل وعلقته على خشبة ؛ فلا تبت جثته على الخشبة بل تدفنها في ذلك اليوم؛ لأن المعلق ملعون من الله"( ).
وأما هذه العقيدة كمعتقد عند النصارى فهي كما يلي :
قال أبو البقاء الهاشمي : زعموا بأجمعهم – أي النصارى - أن آدم لما تخطى ما أُمر به وزلّ استحقّ العقاب، فلما توجه عليه العتاب أشفق من ذنبه ، وتقطع أسفاً على مخالفة ربّه، فرحمه الله ،ولطف له ،وفداه بابنه المسيح، فكان كلّ ما نزل بالمسيح من ضربٍ وإذلالٍ وصلبٍ وموتٍ إنما هو فداء وقضاء عن آدم، فضرب عوضاً من رفاهية آدم، وأهين بدلاً من عزّه الذي أمله بالخلود في الجنة، وصلب على خشبة لتناوله الشجرة، وسُمِّرت يداه لامتداد يد آدم إلى الثمرة، وسقي المرَّ والخل عند عطشه لاستطعام آدم حلاوة ما أكله، ومات بدلاً عن موت المعصية الذي كان آدم يتوقعه لولا قتل المسيح، فاقتضت حكمة الله الأزلية أن لا يعذب عبده آدم لوجود التوبة النصوح الصادرة منه، وأن لا يُهمل مجاناً فيقع الخُلف في خبره، وذلك رحمة من الله ولطف لآدم وبنيه ،وإظهار الشرف للمسيح، إذ جعله كبش قربان العالم بأسره ؛ فصبر المسيح ولم ينازع، واستسلم ولم يدافع، فهذه هي الحكمة في قتل المسيح وصلبه( ) .
وقال الشيخ محمد رشيد رضا : تقرير هذه العقيدة هي أن آدم لما عصى الله تعالى بالأكل من الشجرة التي نهاه عن الأكل منها ؛ صار هو وجميع أفراد ذريته خطاه مستحقين للعقاب في الآخرة بالهلاك الأبدي ثم إن جميع ذريته جاؤوا خطاه مذنبين ؛ فكانوا مستحقين للعقاب أيضا بذنوبهم كما أنهم مستحقين له بذنب أبيهم الذي هو الأصل لذنوبهم ،ولما كان الله تعالى متصفا بالعدل والرحمة جميعا ؛ طرأ عليه سبحانه تعالى عن ذلك مشكلة منذ عصى آدم ،وهو أنه إذا عاقبه هو وذريته كان ذلك منافيا لرحمته ؛ فلا يكون رحيما ،وإذا لم يعاقبه كان ذلك منافيا لعدله ؛ فلا يكون عادلا فكأنه منذ عصى آدم كان يفكر في وسيلة ليجمع بها بين العدل والرحمة فلم يهتد إلى ذلك سبيلا .. وذلك بأن يحل .. في بطن امرأة من ذرية آدم ويتحد بجنين في رحمها ؛ ويولد منها فيكون ولدها إنسانا كاملا من حيث أنه ابنها وإلها كاملا من حيث هو ابن الله ،ويكون معصوما من جميع معاصي بني آدم ثم بعد ذلك يعيش زمنا معهم يأكل مما يأكلون ،ويشرب مما يشربون ،ويتلذذ كما يتلذذون ،ويتألم كما يتألمون ،يسخر أعداءه لقتله أفظع قتلة ،وهي قتلة الصلب التي لعن صاحبها في الكتاب الإلهي ؛ فيتحمل اللعن والصلب لأجل فداء البشر وخلاصهم من خطاياهم كما قال يوحنا في رسالته الأولى ،وهو كفارة لخطايانا ليس لخطايانا فقط ؛ بل لخطايا كل العالم( ) .
وجاء في كتاب الموسوعة الميسرة : إن المسيح في نظر النصارى مات مصلوباً فداءً عن الخليقة، لشدة حب الله للبشر ولعدالته، فهو وحيد الله – تعالى الله عن كفرهم – الذي أرسله ليخلص العالم من إثم خطيئة أبيهم آدم وخطاياهم، وأنه دفن بعد صلبه، وقام بعد ثلاثة أيام متغلباً على الموت ليرتفع إلى السماء.
قال تعالى مبيناً حقيقة ما حدث وزيف ما ادعوه: {وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا إتباع الظن وما قتلوه يقيناً بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً}. [النساء: 157، 158] ( ).
قصة الصلب والفداء كما وردت في الأناجيل
يعتقد النصارى كما سبق بيانه أن المسيح مات مصلوباً. وقصة الصلب كما وردت في الأناجيل باختصار هي: أن المسيح عليه السلام طلبه اليهود ليقتلوه لأنه في زعمهم كفر بالله، فدلهم على مكانه أحد أتباعه وهو يهوذا الإسخريوطي بعد أن أغروه بالمال، فقبضوا عليه ليلة الجمعة بعد أن كان قد فرغ من صلاة طويلة تضرع وتوسل فيها إلى الله عز وجل أن لا يذيقه هذه الكأس، ثم ساقوه إلى دار رئيس كهنة اليهود الذي تحقق من أنه مستحق للقتل، ثم حمل إلى دار الوالي الروماني الذي حكم عليه بالصلب بناءا على رغبة اليهود، فصلب الساعة الثالثة صباحاً من يوم الجمعة ومات على الصليب الساعة التاسعة مساءا أي وقت العصر بعد أن صاح "إلهي إلهي لماذا تركتني".
ثم أُنِزْل من الصليب في تلك الليلة، وأُدِخْل قبرا بقي فيه تلك الليلة ثم نهار السبت ثم ليلة الأحد، ولما جاؤا إليه صباح الأحد وجدوا القبر خاليا وقيل لهم : إنه قام من قبره ثم إنه ظهر لهم في الجليل وكلمهم وبقي معهم أربعين يوماً ثم ارتفع إلى السماء. وهم ينظرون إليه، هذا ما ورد في الأناجيل عن قصة الصلب اجمالاً ( ).
وأما الفداء فكما ورد في كتب النصارى على لسان المسيح وغيره :
1) "أنا هو الراعي الصالح، الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف". يوحنا (10/11) .
2) "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية". يوحنا (3/16) .
3) " إن ابن الإنسان لم يأت ليُخْدَمْ بل ليَخْدِمْ وليبذل نفسه فدية عن كثيرين". مرقص (10/45) .
4) قال بولس في رسالته لكورنثوس (1/15/3): "مات من أجل خطايانا حسب الكتب ".
5) وأيضاً في كورنثوس (5/21) " إن الله جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه ".
وقال في رسالته لأهل أفسس (2/16) " أسلم نفسه لأجلنا قربانا وذبيحة لله رائحة طيبة " ( ).
وجه العلاقة بين الصلب والفداء
آدم عصى الله بأكله من الشجرة ؛ فاستحق العقوبة الإلهية، وترتب على ذلك عقوبة أبنائه ؛ ولكن الله أرحم الراحمين أراد أن يرحم عباده ويعفو عنهم وعن أبيهم آدم ؛ ففدا آدم وذريته بابنه المسيح ،وعاقبه بالصلب ليفتدي آدم وذريته من اللعن الأبدي والعقوبة الإلهية بل ومن جميع خطايا بني آدم بشرط الإيمان بهذا المعتقد وغيرها من معتقدات النصارى . فالصلب كان للفداء .
قال الشيخ سعود الخلف : أما النصارى فهم يعتقدون كذلك أن المسيح مات مصلوبا إلا أنهم يعللون ذلك بأنه: صلب فداءاً للبشر لتخليصهم من خطيئة أبيهم آدم عليه السلام، وهي أكله من الشجرة التي نهي عنها، فانتقلت تلك الخطيئة إلى أبنائه، وأغضبت الله عليهم أيضاً، فكان لابد من وسيط يتحمل هذا الإثم ويرضى بأن يموت على الصليب، وهذا الوسيط المخلص في زعمهم لابد أن يكون ذا وضع متميز خال من الإثم والخطأ، ولا يكون هذا إلا ابن الله - الذي هو الله في زعمهم - ثم لابد أن يكتسب الخطيئة عن طريق الجسد فهذا ما جعله يتجسد في صورة عيسى، ويخرج من بطن مريم ثم يموت على الصليب فداءاً للبشر، فيرضى الله بذلك عن بني آدم وترتفع عنهم تلك الخطيئة ( ).
الرد على هذا المعتقد
لا شك أن هذه العقيدة الفاسدة هي من وحي الشيطان أفسد بها دين النصارى ؛ وهي قدح في مقام الرب سبحانه القوي العزيز ؛ وفيها فتح باب شر لاقتراف الذنوب والمعاصي بشتى أنواعها وأبشع أشكالها ما دام الرب فدى نفسه لخلاص وتخليص البشرية من شؤم المعصية ؛ وبيان فساد هذه العقيدة أوضح من أن يبين أو يفسر ؛ وقد رد العلماء قديما وحديثا على هذه الفرية الجائرة ؛ وهنا نورد بعض الرد عليها .
قال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله :
أ- لا يمكن أن يقبل هذه القصة من يؤمن بالدليل العقلي أن خالق العالم لا بد أن يكن بكل شيء عليما ،وفي كل صنعه حكيما لأنها تستلزم الجهل والبداء على الباري ؛ كأنه حيث خلق آ دم ما كان يعلم ما يقتضيه العدل والرحمة في شأنه حتى اهتدى إلى ذلك بعد ألفا من السنين مرت على خلقه .
ب- يلزم من يقبل هذه القصة أن يسلم ما يحيله كل عقل مستقل من أن خالق الكون يمكن أن يحل في رحم امرأة في هذه الأرض التي نسبتها إلى سائر ملكه أقل من نسبة الذرة إليها، وإلى سماواتها التي ترى منها ثم يكون بشرا يأكل ويشرب ،ويتعب ويعتريه غير ذلك مما يعتري البشر .. ثم يأخذه أعداؤه بالقهر والإهانة ؛ فيصلبوه مع اللصوص ويحيلوه ملعونا بمقتضى حكم كتابه لبعض رسله .
ت- تقتضي هذه القصة أن يكن الخالق العليم الحكيم قد أراد شيئا بعد التفكر فيه ألوفا من السنين ؛ فلم يتم له ذلك بل عجز عنه ؛ذلك أن البشر لم يخلصوا وينجوا من العذاب بوقوع هذا الصلب؛ فإنهم يقولون إن خلاصهم متوقف على الإيمان بهذه القصة .
ث- يلزم من هذه القصة شيء أعظم من عجز الخالق عن إتمام مراده بالجمع بين عدله ورحمته في صلب المسيح ؛ لأنه عذبه من حيث هو بشر ؛ وهو لا يستحق العذاب لأنه لم يذنب قط ؛ فتعذيبه بالصلب والطعن بالحراب على ما زعموا لا يصدر من عادل ،ولا من رحيم بالأحرى .
ج- إذا كان كل من يقول بهذه العقيدة أو القصة ينجو من عذاب الآخرة كيفما كانت أخلاقه وأعماله لزم من ذلك أن يكون أهلها إباحيين ،وأن يكون الشرير المبطل الذي يعتدي على أموال الناس وأنفسهم وأراضيهم ويفسد في الأرض ويهلك الحرث والنسل من أهل الملكوت .
ح- مارأينا أحدا من العقلاء ،ولا من علماء الشرائع والقوانين يقول إن عفو الإنسان عمن يذنب إليه أو عفو السيد عن عبده الذي يعصيه ينافي العدل والكمال؛ بل يعدون العفو من أعظم الفضائل ،ونرى المؤمنين بالله من الأمم المختلفة يصفونه بالعفو والغفور ويقولون أنه أهل للمغفرة فدعوى الصليبيين أن العفو المغفرة مما ينافي العدل مردود ( ).
وقال الشيخ سعود الخلف في بيان الرد على هذه العقيدة :
1- إن آدم عليه السلام الذي يزعمون أن الصلب والفداء كان لأجل خطيئته قد تاب من خطيئته بقوله عز وجل {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} طه (122) وقد قبل الله توبته. كما أنه عوقب عليه السلام بإخراجه من الجنة وتأثر أبناؤه بالعقوبة، وإن لم يكونوا مقصودين بها.
كما أورد اليهود في كتابهم أن الله قال لآدم " لأنك يوم تأكل من الشجرة موتا تموت" سفر التكوين (2/17) .
وقد وقع هذا لآدم بعد الأكل من الشجرة بإخراجه وزوجته من الجنة إلى الأرض ثم موتهم فيها، فقد عوقبا بذلك، كما ينص اليهود على إخراجهما من الجنة إلى الأرض التي فيها الكد والتعب. فمن أين أتى النصارى بفرية خطيئة آدم، وأحيوها هذا الأحياء، وألبسوها هذا اللبوس.
2- إن ما وقع من آدم عليه السلام هو أكله من الشجرة بإغواء الشيطان له وهذا ذنب منه في حق الله عز وجل الذي نهاه عن الأكل منها، فالذنب بهذا لم يكن يلزم للتكفير عنه أن ينزل الرب جل وعلا ليصلب على الصليب، بعد أن يُهان ويُذل من أجل أن يرضي نفسه، بل الأمر يكفي فيه قبول التوبة ومغفرة الذنب فقط، وهذا الذي وقع كما نص على ذلك القرآن الكريم.
3- إن ما وقع من آدم عليه السلام يعتبر يسيرا بالنسبة لما فعله كثير من أبنائه من سب الله عز وجل والاستهزاء به، وعبادة غيره جل وعلا، والإفساد في الأرض بالقتل، ونشر الفساد والفتن، وقتل أنبيائه ومحاربة أوليائه إلى غير ذلك، فهذه أعظم بكثير من خطيئة آدم عليه السلام. فعلى كلام النصارى أن الله لابد أن ينزل كل وقت ليصلب حتى يجمع بين عدله ورحمته في زعمهم.
4- إن صلب المسيح الذي هو الله في زعمهم تعالى الله عن قولهم قد تم بلا فائدة تذكر، فإن خطيئة آدم ليست على بال بنيه ولا تقض مضاجعهم إنما ما يقلق الإنسان ويخيفه ذنوبه وجرائمه، وهذه لا تدخل في كفارة المسيح في زعمهم
5- إن الأنبياء السابقين ليس فيهم من ذكر خطيئة آدم وسأل الله أن يغفرها له، مما يدل على أنها من مخترعات النصارى.
6- إن الأنبياء السابقين والدعاة والصالحين قبل المسيح بناءاً على كلامهم هذا كانوا يدعون إلى ضلالة، وقد أخطأوا الطريق إذ لم يرشدوا الناس إلى حقيقة تلك الخطيئة ويوعوهم بخطورتها كما يفهمها النصارى.
7- إن الأنبياء السابقين وعباد الله الصالحين كلهم هالكون إذ لم تكفر عنهم تلك الخطيئة، لأنه لا يتم تكفيرها إلا عن طريق المسيح المصلوب في زعم النصارى.
8- إن بين آدم وعيسى عليهما السلام زمناً طويلاً، فمعنى ذلك أن الله بقي متحيراً كل هذه المدة إلى أن اهتدى إلى الوسيلة التي يعقد المصالحة فيها بين الناس ونفسه.
9- إن الخطيئة وقعت من آدم عليه السلام فلا تنتقل إلى أبنائه ولا يستحقون هم العقوبة عليها، لأنه لا أحد يعاقب بذنب غيره بل هذا ينافي قواعد العدل وقد نص الله عز وجل على هذا في القرآن الكريم بقوله: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} النجم آية (38) وكذلك ورد في التوراة "لا يقتل الآباء عن الأولاد ولا يقتل الأولاد عن الآباء كل إنسان بخطيئته يقتل" سفر التثنية (24/16) .
10- هل من العدل أن يعاقب غير المذنب؟ والمسيح في زعم النصارى ابن الله، فهو ليس من جنس بني آدم فكيف يعاقب بدلاً عن آدم وذريته ودعواهم أنه تقمص الجسد البشري لا يزيل هذه الحقيقة لأنه ليس من جنس البشر حسب كلامهم.
11- إن المسيح في زعم النصارى ابن الله ؛ ين الرحمة التي جعلت الله في زعمهم يشفق على عبيده وخلقه ويترك ابنه للعذاب والبلاء والإهانة واللعن والموتة الشنيعة؟!
12- في زعم النصارى أن المسيح هو ابن الله وهو الله وأن المصلوب المهان الملعون. تعالى الله عن قولهم وتقدس هو الله جل جلاله وتقدست أسماؤه، فهل يوجد كفر أعظم من هذا وافتراء على الله أكبر من هذا {سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} الأنعام آية (139) .
13- هل يليق أو يعقل أن ينزل الله جل جلاله وتقدست أسماؤه من عليائه وعرشه ويسمح لأبغض أعدائه إليه اليهود قتلة الأنبياء، والرومان الوثنين أن يهينوه ويعذبوه ويصلبوه؟ ثم هو يفعل هذا لماذا؟ لأجل أن يرضي نفسه؟ لأجل من؟ من أجل عبيده؟
هذا مما لا يمكن أن يقال ويقبل بحال من الأحوال، بل يجب أن يستعاذ بالله من الشيطان الرجيم عند مرور مثل هذا الخاطر والوسواس ويقال سبحانك هذا بهتان عظيم!
14- حسب عقيدة الفداء لدى النصارى يكون أعظم الناس براً وفضلاً على النصارى والبشرية عموماً اليهود والرومان والواشي بالمسيح، لأنهم الذين تحقق على أيديهم في زعم النصارى الهدف الأسمى الذي جاء من أجله المسيح وهو الموت على الصليب.
15- إن جميع تحركات المسيح ودعوته وفق اعتقاد النصارى في الصلب والفداء لم تكن إلا تمثيلاً أحسن المسيح أداء الدور فيه، مما جعل اليهود يغضبون عليه، فيعلقونه على الصليب.
16- بناءاً على دعوى النصارى في أن المسيح فدى البشر بدمه، فمعنى ذلك أنه لا حاجة إلى الإيمان به واعتقاد صلبه وألوهيته وما إلى ذلك، لأن الخطيئة قد ارتفعت عن جميع البشر ببذله نفسه، مثل من كان عليه دين فجاء أحد ن الناس فقضى ذلك الدين عنه، فالمطالبة تسقط عنه بمجرد القضاء وهذا ما لا يقول به النصارى مخالفين في ذلك دليل العقل.
17- إن دعوى النصارى بأن الصلب وقع على الجسد البشري الذي حمل الخطيئة وأن هذا الجسد مات. دعوى تنقضها وتبطلها قصة قيامة المسيح عندهم، فلو كان تجسد لأجل تحمل الخطيئة فالواجب أن يفني ذلك الجسد بعد حلول العقوبة عليه.
18- إن دعوى أن المسيح قام من قبره ولمسوه وتأكدوا منه، ثم ارتفع إلى السماء تنقض دعوى أنه ابن الله وأنه تجسد بالصورة البشرية لأن الدور الذي تجسد من أجله قد أداه وانتهى، ثم إن الجسد البشري لا حاجة إليه حيث يذهب المسيح في زعمهم عن يمين أبيه، وهذا من أوضح القضايا لو كانوا يعقلون ( ).
الفصل الثاني : القرآن يشير إلى بعض الجذور والأصول الوثنية للعقيدة النصرانية .
من الإعجاز القرآني أنه أشار إلى الجذور الأصلية لبعض عقائد النصارى قبل أن يقارن العلماء ذلك وقبل أن يبحث في ذلك بآلاف السنين .
قال الله عزَّ وجلَّ: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } [التوبة :30]
وهنا نورد شيئا مما أشار إليه المفسرون في معنى مضاهاة الذين كفروا
قال الماوردي رحمه الله : {يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ من قبلُ} أي يشابهون , مأخوذ من قولهم امرأة ضهياء إذا لم تحض – من الحيض - تشبيهاً بالرجال .. وفيهم ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن قولهم ذلك يضاهي قول عبدة الأوثان في اللات والعزى ومناة وأن الملائكة بنات الله قاله ابن عباس وقتادة.
والثاني: أن قول النصارى المسيح ابن الله يضاهي قول اليهود عزير ابن الله قاله الطبري.
والثالث: أنهم في تقليد أسلافهم يضاهون قول من تقدمهم قاله الزجاج( ).
وَقَالَ الْحَسَنُ رحمه الله : شَبَّهَ كُفْرَهُمْ بِكُفْرِ الَّذِينَ مَضَوْا مِنَ الْأُمَمِ الْكَافِرَةِ كَمَا قَالَ فِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ: {كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ } ( ).
وقال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله : وَالْمُخْتَارُ فِي مضاهاتهم لِلَّذِينِ كَفَرُوا مِنْ قَبْلِهِمْ يَصْدُقُ فِي كُلِّ مَنْ وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُمْ ؛وَاللهُ أَعْلَمُ بِهِمْ، وَقَدْ عَلِمْنَا مِنْ تَارِيخِ قُدَمَاءِ الْوَثَنِيِّينَ فِي الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ أَنَّ عَقِيدَةَ الِابْنُ اللهُ، وَالْحُلُولِ، وَالتَّثْلِيثِ، كَانَتْ مَعْرُوفَةً عِنْدَ الْبَرَاهِمَةِ فِي الْهِنْدِ وَالْبُوذِيِّينَ فِيهَا ؛وَفِي الصِّينِ وَالْيَابَانِ ،وَقُدَمَاءِ الْفُرْسِ وَالْمِصْرِيِّينَ وَالْيُونَانِ وَالرُّومَانِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي تَفْسِيرِ الآية الَّتِي تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهَا آنِفًا ؛وَهَذَا الْبَيَانُ لِهَذِهِ الْحَقِيقَةِ مِنْ مُعْجِزَاتِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهَا أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ، وَلَا مِمَّنْ حَوْلَهُمْ، بَلْ لَمْ تَظْهَرْ إِلَّا فِي هَذَا الزَّمَانِ( ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وَكَانَ الرُّومُ وَالْيُونَانُ وَغَيْرُهُمْ مُشْرِكِينَ يَعْبُدُونَ الْهَيَاكِلَ الْعُلْوِيَّةَ وَالْأَصْنَامَ الْأَرْضِيَّةَ ؛ فَبَعَثَ الْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رُسُلَهُ يَدْعُونَهُمْ إِلَى دِينِ اللَّهِ تَعَالَى، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ فِي حَيَاتِهِ فِي الْأَرْضِ، وَبَعْضُهُمْ بَعْدَ رَفْعِهِ إِلَى السَّمَاءِ، فَدَعَوْهُمْ إِلَى دِينِ اللَّهِ تَعَالَى، فَدَخَلَ مَنْ دَخَلَ فِي دِينِ اللَّهِ، وَأَقَامُوا عَلَى ذَلِكَ مُدَّةً ثُمَّ زَيَّنَ الشَّيْطَانُ لِمَنْ زَيَّنَ لَهُ أَنْ يُغَيِّرَ دِينَ الْمَسِيحِ فَابْتَدَعُوا دِينًا مُرَكَّبًا مِنْ دِينِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ: دِينَ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمِنْ دِينِ الْمُشْرِكِينَ.
وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ الْمُجَسَّدَةَ الَّتِي لَهَا ظِلٌّ، وَهَذَا كَانَ دِينَ الرُّومِ وَالْيُونَانِ( ) .
ويربط شيخ الإسلام بين النصارى والفرس فيقول : وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ سَرَى إِلَى النَّصَارَى مِنَ الْمَجُوسِ لِهَذَا لَا يَنْقُلُونَ هَذَا الْقَوْلَ فِي كِتَابٍ مُنَزَّلٍ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ ،وَلِهَذَا كَانَ الْمَانَوِيَّةُ دِينُهُمْ مُرَكَّبًا مِنْ دِينِ النَّصَارَى وَالْمَجُوسِ، وَكَانَ رَأْسُهُمْ مَانِيُّ نَصْرَانِيًّا مَجُوسِيًّا فَالنَّسَبُ بَيْنَ النَّصَارَى وَالْمَجُوسِ بَلْ وَسَائِرِ الْمُشْرِكِينَ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ( ) .
ويقول محمد بن طاهر البيروتي : ومما ذكر هنا أن القرآن الكريم قد نص على ذلك منذ أربعة عشر قرناً ، حيث قال الله تعالى تعليقاً على تبديل النصارى العقائد وتغييرها: {ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ } [سورة التوبة : 30] أي : ذلك قولهم هم ، وليس ما جاء به الوحي ، وأبلغه لهم عيسى عليه السلام ، وهم يقلدون ويتشبهون بالأمم الوثنية الكافرة التي سبقتهم : الوثنية المصرية القديمة ، والوثنية الهندية البوذية والبرهمية ، والوثنية البابلية والفارسية والرومانية واليونانية ... الخ.
إنه الوحي !! فما كان لمحمد أن يقول هذا من عند نفسه ، فلم يكن دارسا ً للديانات السابقة ، ولا باحثاً في آثارها ووثائقها ..وما كان للغربيين أن يقطعوا بذلك إلا في العصر الحديث بعد تلك الحفائر ، والتنقيبات ، والموازنات العميقة ، والبحوث المضنية ( ).
الفصل الثالث : عصر المسيحية وأثر الاضطهاد الوثني على ديانتهم
من الأمور التي كان لها دور في إدخال الوثنية للديانة النصرانية ؛ الاضطهاد الوثني لأتباع المسيحية لفترات طويلة ،وفي هذا الباب نوضح الجوانب في ذلك من ثلاثة أوجه :
أ- تنكيل الوثنين بالمسيحيين الأوائل وشدة اضطهادهم
قال الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله : اتفقت المصادر شرقية وغربية، دينية وغير دينية: على أن المسيحيين نزل بهم بعد المسيح بلايا وكوارث، جعلتهم يستخفون بديانتهم، ويفرون بها أحياناً ،ويصمدون للمضطهدين مستشهدين أحياناً أخرى، وهم في كلتا الحالين لا شوكة لهم، ولا قوة تحميهم، وتحمي ديانتهم وكتبهم، وإنه في وسط هذه الاضطهادات يذكرون إنه دونت أناجيلهم الأربعة التي يؤمنون بها، ودونت رسائلهم!.
وأول اضطهاد نزل بالمسيحيين كان في عهد المسيح، وانتهى بالخاتمة التي بيناها( )، ولقد نزلت من بعده الشدائد بالمسيحيين بما يتفق مع هذا الابتداء. فلقد جاء قيصران بعد طيباروس الذي عاصر المسيح، كانا شديدين على تلاميذه، وقتلا منهم قتلا ذريعاً، وفي زمن ثانيهما دون متى إنجيله بالعبرية، وترجمه يوحنا صاحب الإنجيل إلى اليونانية، على رواية ابن البطريق كما سنبين، ولم يكن الاضطهاد في عهد هذين القيصرين من الرومان فقط، بل كان من اليهود أيضاً، وإذا هم أمكن وتنقيبهم عن العقيدة أدخل. لأنهم من الشعب ومخالطوهم ومعاشروهم، فهم بداخلهم أعرف.
وأشد ما نزل من أذى كان في عهد شيرون وتراجان وديسيون ودقلديانوس ، فنيرون هاج الشر عليهم، وأنزل البلاء والعذاب بهم. واتهمهم بأنهم الذين أحرقوا روما، فأخذهم بجريرتها. وكانت السنوات الأربع الأخيرة عذاباً أليماً لهم. فقد تفنن هو وأشياعه في هذا العذاب، حتى لقد كانوا يضعون بعضهم في جلود الحيوانات ويطرحونهم للكلاب فتنهشهم، وصلبوا بعضهم، وألبسوا بعضهم ثياباً مطلية بالقار، وجعلوها مشاعل يستضاء بها، وكان هو نفسه يسير في ضوء تلك المشاعل الإنسانية.
وفي عصر نيرون هذا دون إنجيل مرقس على رواية، وكان بمصر وقد كتبه عنه بطرس وهو برومة ،وكتب أيضاً لوقا إنجيله في عهد هذا القيصر، وفي ابتداء هذا الإنجيل نص على إنه راسل به تاوفيلس، ليؤكد له صحة الكلام، وتاوفيلس هذا رجل من عظماء الروم وأشرافهم، وفي عصر هذا القيصر أو بعده دون يوحنا إنجيله.
وفي عهد تراجان نزلت بهم آلم، لأنهم قد جرت عادتهم بالصلاة في الخفاء وهربا من الاضطهاد، وقد آمر تراجان بمنع الاجتماعات السرية، فأنزل بهم الذل والعذاب لذلك، ولأنهم مسيحيون لا يدينون بدين القيصر( ).
ب- أثر الاضطهادات في الديانة:
يقول الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله: هذه هي الاضطهادات التي قارنت المسيحية في نشأتها ،وفي تكوينها وليداً وفي تدرجها، وفي عصر تدوينها ورواية كتبها، وهي مع أسباب أخرى جعلت بعض العلماء يبحثون عن قيمة هذه الكتب، وجعلت بعض علماء المسيحيين أنفسهم يعتذرون عن بعض الاضطراب في الأناجيل بأنها دونت في عصور اضطهاد المسيحية الأولى، بل أن مناظريهم يقررون بأن تلك الاضطهادات كانت سبباً في عقد سندها المتصل بصاحب الشريعة.
يقول الشيخ - رحمة الله - الهندي في كتابه إظهار الحق: "طلبنا مراراً من علمائهم التحول إلى السند المتصل ؛ فما قدروا عليه، وأعتذر بعض القسيسين في محفل المناظرة التي كانت بيني وبينهم، فقال: إن سبب فقدان السند عندنا وقوع المصائب والفتن على المسيحيين إلى مدة ثلاثمائة وثلاث عشرة سنة، وتفحصنا كتب الإسناد لهم، فما رأينا فيها شيئاً غير الظن، يقولون بالظن، ويتمسكون ببعض القرائن.
وقد قلت أن الظن في هذا الباب لا يغني شيئاً، فما داموا لم يأتوا بدليل شاف، وسند متصل فمجرد المنع يكفينا, وإيراد الدليل في ذمتهم لا في ذمتنا". وفي الحق أن تلك الاضطهادات جعلت كل عمل يقومون به في شئونهم الدينية - وخاصة ما كان متصلاً ببيان الشريعة يقومون به سراً لا جهراً، وفي خفية من العيون المتربصة، والأعداء المترقبين، والسرية يحدث في ظلمتها ما يجعل العقل غير مطمئن إلى ما يحكى عما يحدث فيها، فيتظنن في كل ما يروى عنها، ولا مانع من أن يدس على اجتماعاتها ما لم يجر فيها، وينقل عن أشخاصهم ما لم يقولوه، ويتسامع الجمهور أموراً ما حدثت في تلك الاجتماعات، ولا قالها حاضروها، فإذا جرى الشك والريب فيما دون من كتب المسيحية التي فقدت سندها بسبب هذا الاضطهاد، والتي كتبت في ظلمة السرية، يكون قد وقع حيث وجدت دواعيه، وقامت شواهده( ) .
ويقول الشيخ عبدالرحمن حبنكة الميداني : إن هذا الاضطهاد قد جعل المسيحيين في هذه الأحقاب يستخفون بدعوتهم، ويفقدون كثيراً من كتبهم، ويجعل ديانتهم عرضة للضياع والتحريف، لا سيما ما كان من قِبَلِ أعدائهم اليهود الذين كانوا يدخلون في المسيحية نفاقاً.
وبسبب الاستخفاء والسرية ودسائس المنافقين من يهود وغيرهم، وجهل كثير من المنتمين إلى المسيحية، انقسم المسيحيون إلى طوائف متعددة، وفرق متباينة في مذاهبها الاعتقادية. فمنهم الموحدون، ومنهم اعتقدوا ألوهية المسيح عيسى، وآخرون اعتقدوا أن المسيح ابن الله، ومنهم من لفق فكرة الأقانيم الثلاثة: "الأب والابن وروح القدس" وجعلها إلهاً واحداً. إلى غير ذلك من معتقدات. ولكن ظروف الاضطهاد الذي كان ينزل بهم جميعاً لم يسمح لطوائفهم بأن تتصارع فيما بينها تصارعاً سافراً( ) .
ج- أثر قسطنطين الوثني في إفساد الديانة النصرانية :
قال الشيخ عبدالرحمن الميداني : ثمّ جاء الإمبراطور الروماني "قسطنطين الأول الأكبر" الذي وصل إلى عرش الإمبراطورية على جسر من أشلاء النصارى الذين بذلوا دماءهم من أجل إيصاله إلى الحكم ليظفروا بعطفه على النصرانية متى صار إمبراطوراً، وقد حكم الإمبراطورية من سنة (306) إلى سنة (337) ميلادية، فبدا له بعد ست سنوات من حكمه، أي: في سنة (313م) أن يعتنق المسيحية، دون أن يبتعد كثيراً عن وثنية روما التي كانت دين أسلافه، وهي عقيدة وثنية قائمة على التثليث، وكان هذا ثمرة تأييد النصارى له.
فأصدر مرسوماً بذلك، ولبست الوثنية الرومانية منذ ذلك الحين ثوب المسيحية، وثم ثمّ عطف الإمبراطور على المسيحيين، وسمح لهم بإعلان طقوسهم وعباداتهم، وربما دفعه إلى ذلك أيضاً خوفه على عرش الإمبراطورية من أن يسقط في أيدي المسيحيين، الذين تكاثروا تكاثراً عظيماً في مختلف أنحاء الإمبراطورية الرومانية، رغم أنواع الاضطهاد الذي كان قد سُلّط عليهم فيما سبق.
ولما شعر المسيحيون بأنهم ملكوا حريتهم الدينية، وحرية التبشير بالمسيحية، ظهرت خلافات طوائفهم المختلفة، وبدأت الصراعات المذهبية تظهر بينهم، ولما رأى الإمبراطور "قسطنطين" طوائفهم المختلفة، وأخذت تظهر صراعاتهم المذهبية، أراد أن يتدخل في شؤون الكنيسة، ليعتمد مذهب إحدى الطوائف المتصارعة المختصمة فيما بينها، والتي يكفر بعضها بعضاً، فدعا إلى مجمع كنسي عالمي، وهو ما يعرف باسم "مجمع مسكوني". فانعقد هذا المجمع المسكوني الأول بأمره في "نيقية" سنة (325) ميلادية فكان يُعرف هذا المجمع في التاريخ المسيحي بمجمع نيقية . وفد إلى مجمع "نيقية" الذي دعا إليه "قسطنطين" من مختلف البلدان (2048) من البطارقة والأساقفة، ودار النقاش فيه حول شخص المسيح عيسى عليه السلام.
فطائفة تقول: إن المسيح عيسى عليه السلام رسول من عند الله كسائر الرسل، وهو ابن الإنسان، وعبد من عباد الله اصطفاه الله بالرسالة، وزعيم هذه الطائفة "أريوس". وقد انضم إلى رأيه ممن حضر المجمع أكثر من سبعمائة بطرق وأسقف.
وطائفة تقول: إن المسيح من الأب بمنزلة شعلة من نار انفصلت من شعلة نار، فلم تنقص الأولى بانفصال الثانية منها، وزعيم هذه الطائفة "سابليوس".
وطائفة تقول: إن المسيح إله، وهم الملتزمون بأقوال "بولس شاول" الذي سبق الحديث عنه.
إلى غير ذلك من مذاهب ولدها الغلو في عيسى عليه السلام، ولفقتها الأوهام المنبثقة من كون عيسى قد وُلد من أم فقط بلا أب على خلاف المعتاد، ومن تعليق صلبه مع أنه إله أو جزء من الإله أو ابن الله كما صوره لهم الغلو فيه. وهكذا الأوهام يجر بعضها بعضاً وتتولد الخرافات
الكثيرة، وتتراكب الأخطاء، والأغاليط، والعقائد الباطلة، والمفاهيم الفاسدة.
وسمع "قسطنطين" مقالة كل طائفة، فعجب من هذا الخلاف، وأمرهم أن يتناظروا، وقد أخلى داراً للمناظرة.
ولما كان القائلون بألوهية المسيح وبفكرة التثليث ملتقين مع فكرة "قسطنطين" الوثنية السابقة، فقد صادف هواه، وربما كان للقائلين بالتثليث من أتباع "بولس شاول" صاحب التحريف الأول في النصرانية، تأثير على الإمبراطور، فقد يكون بعضهم قد صار من المقربين إليه، ومن حاشيته ومستشاريه، فزين له اعتماد مذهب أهل التثليث.
فأحصى "قسطنطين" القائلين بالتثليث في هذا المجمع المسكوني الأول، فوجدهم (318) فجمعهم في مجلس خاص بهم، وجلس في وسطهم، وأخذ خاتمه وسيفه وقضيبه، فدفعها إليهم، وقال لهم: "قد سلطتكم على مملكتي، لتصنعوا ما ينبغي لكم أن تصنعوه، مما فيه قوام الدين , وصلاح المؤمنين ".
فبارك هؤلاء الملك، وقلدوه سيفه، وقالوا له " أظهر دين النصرانية، وذب عنه".
وأمر "قسطنطين" بأن تكون هذه العقيدة هي الدين العام، ومن ثمّ ولدت "الكاثوليكية" ديناً رسمياً للدولة الرومانية، وترجمة هذه اللفظة "الدين العام".
وسلط الإمبراطور "قسطنطين" معتنقي هذا الدين على مخالفيهم، مع العلم بأن المخالفين كانوا هم الكثرة الكاثرة التي لم تتأثر بدسائس بولس، وأقر هؤلاء أربع مخطوطات هي التي تعرف بالأناجيل الأربعة، من ضمن نحو مئة مخطوطة أمر الإمبراطور بتحريقها، وهذه المخطوطات قد أحضرها إلى المجمع كبار البطارقة المدعوين إليه، باعتبارها وثائق دينية تؤيد مذاهبهم ( ).
الفصل الرابع : اعتراف كثير من علماء الغرب بتسرب الوثنية للعقيدة النصرانية .
في هذا الباب نورد من باب الاستئناس ما سطره علماء الغرب من التأكيد على أن الديانة النصرانية تسربت إليها الوثنية ،وكما يقال: الحق ما شهدت به الأعداء .
يقول عبد الراضي محمد " لم تعد الأصول الوثنية للعقائد النصرانية الحالية فرضا علميا أو تخمينا أو استنتاجا لكنها بعد تقدم العلوم النقدية واكتشاف الوثائق وقراءة المخطوطات النقوش قطع علماء الأديان الغربيون بأن هذه العقائد النصرانية إن هي في حقيقة الأمر وواقع الحال إلا خرافات وأساطير عرفتها الأمم الوثنية القديمة وسجلتها في آثارها ثم استمدتها النصرانية ونقلتها نقلا حرفيا ( ).
يقول أرنست ذي بولس الألماني : "إن جميع ما يختص بمسائل الصلب والفداء هو من مبتكرات ومخترعات بولس ومن شابهه من الذين لم يروا المسيح، لا من أصول النصرانية الأصلية"( ).
ويضيف المؤرخ ول ديورانت( ) بأن عوامل عديدة قد أوحت إلى بولس بتلك العقيدة، منها: انقباض نفس بولس وندمه بالصورة التي استحال إليها المسيح في خياله، وتأثره بالفلسفة الأفلاطونية والرواقية التي تنبذ المادة والجسم واعتبارهما شرّاً وخبثاً. وتأثره كذلك بالطقوس الوثنية في التضحية الفدائية للتكفير عن خطايا الناس، وتلك عقيدة موجودة عند الوثنيين في مصر وآسيا الصغرى وبلاد اليونان التي تؤمن بالآلهة التي ماتت لتفتدي بموتها بني الإنسان( ) .
و يقول الأمريكي "درابر" كما جاء في كتاب "تاريخ الصراع بين الدين والعلم":( ) : "دخلت الوثنية والشرك في النصرانية، بتأثير المنافقين الذين تقلدوا وظائف خطيرة، ومناصب عالية في الدولة الرومانية بتظاهرهم بالنصرانية، ولم يكونوا يحتفلون بأمر الدين، ولم يخلصوا له يوماً من الأيام، وكذلك كان قسطنطين، فقد قضى عمره في الظلم والفجور، ولم يتقيد بأوامر الكنيسة الدينية إلا قليلاً في آخر عمره سنة (337م) .
إن الجماعة النصرانية وإن كانت قد بلغت من القوة بحيث ولت قسطنطين الملك، ولكنها لم تتمكن من أن تقطع دابر الوثنية وتقتلع جرثومتها، وكان نتيجة كفاحها أن اختلطت بمبادئها، ونشأ من ذلك دين جديد، تتجلى فيه النصرانية والوثنية سواء بسواء - هنالك يختلف الإسلام عن النصرانية، إذ قضى الإسلام على منافسته الوثنية قضاءً باتاً، ونشر عقائده خالصة بغير غبش.
وإن هذا الإمبراطور الذي كان عبداً للدنيا ،ولم تكن عقائده الدينية تساوي شيئاً، رأى لمصلحته الشخصية ولمصلحة الحزبين المتنافسين (النصراني والوثني) أن يوحدهما، ويؤلف بينهما، حتى إن النصارى الراسخين أيضاً لم ينكروا عليه هذه الخطة، ولعلهم كانوا يعتقدون أن الديانة الجديدة ستزدهر إذا طعمت ولقحت بالعقائد الوثنية القديمة، وسيخلص الدين النصراني في عاقبة الأمر من أدناس الوثنية وأرجاسها "( ) .
ويقول "جرين برنتن" كما جاء في كتابه "أفكار ورجال": "إن المسيحية الظافرة في مجمع "نيقية" - وهي العقيدة الرسمية في أعظم إمبراطورية في العالم - مخالفة كل المخالفة لمسيحية المسيحيين في الجليل "( ) .
ويقول الكاتب أندريه نايتون في كتابه :الأصول الوثنية للمسيحية ( ): قدمت لنا الاكتشافات الأثرية فهماً عميقاً جداً للعلاقة الوثيقة بين القداس المسيحي وبين الأسرار في الديانات الوثنية القديمة ؛ ومن بين الآثار المكتشفة في بلاد فارس والموجودة حالياً في متحف اللوفر تمثال لأتباع الإله ميترا نراهم فيه يتناولون الخبز والنبيذ .
ويصف الكاتب الفرنسي فرانز كومون في مجلة علم الآثار لعام 1946 (193) هذا الأثر قائلاً : نظراً لأن لحم الثور كان صعب المنال أحياناً فقد اضطر أتباع الإله ميترا إلى استخدام الخبز والنبيذ مكان اللحم . وكانوا يرمزون بذلك إلى لحم معبودهم ميترا ودمه (تماماً كما يرمز المسيحيون اليوم إلى لحم المسيح ودمه بالخبز والخمر).
وقد ورد في إنجيل متى على لسان المسيح : " خذوا كلوا . هذا هو جسدي . وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلاً اشربوا منها كلكم لأن هذا هو دمي ..." (26/26-28) .
ويقال إن بعض أتباعه تخلوا عنه عندما قال هذا الكلام ، (كما يقال في الإنجيل الذي بين أيدينا) وقالوا على ما ورد في إنجيل يوحنا (6/53-66) : " فخاصم اليهود بعضهم بعضاً كيف يقدر هذا أن يعطينا جسده لنأكل .
فقال لهم يسوع : الحق الحق أقول لكم إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه ؛ فليس لكم حياة فيكم . من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير ، لأن جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق . من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت في وأنا فيه . كما أرسلني الأب وأنا حي بالأب ؛ فمن يأكلني فهو يحيا بي . هذا هو الخبز الذي نزل من السماء . ليس كما أكل آباؤكم المن وماتوا . من يأكل هذا الخبز فإنه يحيا إلى الأبد ... فقال كثير من تلاميذه إذ سمعوا : إن هذا الكلام صعب . من يقدر أن يسمعه .
فعلم يسوع في نسفه أن تلاميذه يتذمرون على هذا فقال لهم : أهذا بعثركم ، فإن رأيتم الإنسان صاعداً إلى حيث كان أولاً ، الروح هو الذي يحيي أما الجسد فلا يفيد شيئاً . الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة . ولكن منكم قوم لا يؤمنون" . وعندما قام الإصلاح البروتستانتي قامت ثورته على رفض هذه العبارات التي تترد في القداس الكاثوليكي.
وكان الخلاف يدور حول الإجابة عن السؤال التالي : ما هي طبيعة القربان تماماً ، هل يجب اعتباره مادياً أم يجب اعتباره روحياً خالصاً ؟
غير أن نصوص الأناجيل الأربعة الرسمية ورسائل القديس بولس تدل على أن هذا الطقس أقيم على أساس حسي مادي ليتماشى مع الطقوس الوثنية القديمة ( ).
ثم ظهرت النزعة إلى إعطائه بعداً روحياً كما يدل على ذلك إنجيل يوحنا ، وهو أكثر الأناجيل عمقاً وغنوصية . إن إنجيل يوحنا يتجاهل الكلام المنسوب إلى المسيح في العشاء الأخير ( حول أكل لحمه وشرب دمه) لكنه في المقابل تضمن خطاباً بالغ الأهمية في اليوم التالي لتوزيعه الخبز الذي تكاثر بين يديه بأعجوبة. وكلام المسيح المنسوب إليه في هذا الخطاب يمزج الواقع بالمجاز بأسلوب لبق ، كما يوائم بين القيم المادية والروحية للخبز مما يجعل سامعيه يذهلون . غير أن بعض المقاطع تثير التساؤل حول المعنى الأساسي لخطابه : "الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية . أنا هو خبز الحياة . آباؤكم أكلوا المن في البرية وماتوا . هذا هو الخبز النازل من السماء لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت . أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء . إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد . والخبز الذي أنا أعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم " (يوحنا 6/47 - 51) .
وهنا أيضاً لا بد من التذكير بأن اليهود كانوا يلجئون إلى رموز مماثلة حيث نجد رب البيت يبارك الخبز والنبيذ عند تناول الطعام . وكان الكاهن الآسيني يفعل ذلك . غير أن القداس بجملة تعقيداته الطقسية لا ينتمي إلى اليهودية بل تضرب جذوره في أعماق التاريخ الوثني القديم . لقد كان لكل قبيلة طوطمها الحيواني (معبود حيواني) ، وكانت تعتبره إلها . وكان أفراد القبيلة يضحون بهذا الحيوان ويلتهمونه لحماً ودماً ، اعتقاداً منهم بأن ذلك سيكسبهم فضائل سماوية ( كما تعتقد المسيحية الحالية أن التهام لحم المسيح ودمه سيكسب المؤمنين فضائل غير بشرية خالدة).
لكن علماء التاريخ والأديان الذين يرفضون المقارنة بين الوثنية والمسيحية هم قلة بين العلماء . ومعظمهم يرى أن أكل اللحم النيئ وشرب الخمر في أسرار ديونيزوس مثلاً لم يكن رمزاً بل كان مناولة حقيقية . ويقول الكاتب الوثني أرنوب في كتابه (ضد الوثنيين) إن هؤلاء حين كانوا يتناولون اللحم النيئ إنما يعتقدون أنهم يمتلئون بالفضيلة الإلهية . وفي هذا الصدد يقول الأب لاغرانج في كتابه عن أورفيوس : " إن أكل اللحم النيئ كان يهدف إلى التوغل في الحياة الإلهية وذلك بالتهام الحيوان الإلهي لحماً ودماً " . أما فرانز كومون فيذهب إلى أبعد من ذلك عندما يقول إن نبيذ القربان المسيحي هو بديل للنبيذ الذي كان يقدم في أعياد باخوس وإنه شراب يضمن الخلود في العالم الآخر ( من بحث حول رموز الدفن عند الرومان).
ويقول العالم الفرنسي شارل غينيبير في كتابه عن المسيح (ص 373) أن علماء الآثار وجدوا نصوصاً على ورق البردى من مصر القديمة تدل على أن دم الإله أوزيرس كان يتحول إلى خمر . وكذلك يقول فرانز كومون في كتابه عن الأديان الشرقية القديمة " أن أتباع أتارغاتيس ( المعبودة السورية القديمة) كانوا يلتهمون السمك الذي يقدمونه لها ثم ينشدون أنهم بذلك يتناولون لحم معبودتهم . (وهذا ما يفعله المسيحيون في القداس أيضاً) ( ).
ويقول أندريه نايتون : لم يعد يكفي دارس تاريخ الأديان أن يشير إلى العلاقة الوثيقة بين الوثنية والمسيحية ، بل ينبغي عليه القول : إننا لا نستطيع أن نفهم مسيحيتنا حق الفهم إذا لم نعرف جذورها الوثنية ، فقد كان للوثنية قسط وافر في تطور الدين المسيحي ، وهو قسط غير مباشر ولا منظور ، وإذا صح أن لليهودية تأثيراً على المسيحية وكانت أساساً جوهرياً للنظرة المسيحية ؛ فإن علينا أن ننبه إلى أن اليهودية نفسها أصيبت بالتأثيرات الوثنية من فارس وبابل وخضعت لنفوذهما عندما كان اليهود في المنفى . غير أن هناك تأثيراً خاصاً مباشراً أصاب المسيحية ، وهو جوهر موضوعنا . لقد كان للوثنية اليونانية والفارسية هيمنة على المسيحية ، وكذلك كان للوثنية في عموم الشرق . وهكذا تألف دين جديد لملم أشتاته من هنا وهناك ، وكان كمن يصب خمراً عتيقاً في جرار جديدة . ولـربما أننا نحرف هنا قول إنجيل لوقا (5-39) : "ليس أحد إذا شرب العتيق يريد للوقت الجديد لأنه يقول العتيق أطيب".
وكان مؤرخ الأديان العلامة ارنست رينان قد قال : "إن الدراسات التاريخية للمسيحية وأصولها تثبت أن كل ما ليس له أصل في الإنجيل مقتبس من أسرار الوثنية". ونحن لا نبالغ إذا قلنا أن ما يعرف بالأسرار الدينية في المسيحية مستوحى من الأديان الوثنية القديمة.
وعلينا أن نقبل بواقع هذا التأثير الوثني كما نقبل _ على الأقل _ بما يقوله المبشرون المسيحيون عن أديان وميثولوجيات الشعوب البدائية في أميركا وأوقيانوسيا . ودراسة المسيحية تثبت أن الآلهة الوثنية لم تمت بعد . ولا شك في أن العلامة البلجيكي "فرانز كومون" قد عنى ذلك حين عنون كتابه الشهير حول تاريخ المسيحية بعنوان : " لا جديد تحت الشمس".
وينبغي لنا الآن توضيح السبل التي سلكتها المسيحية والتي أتاحت للوثنية بأن تساهم هذه المساهمة الكبيرة في تأسيس أركانها . إن أصحاب النقل المباشر وغير المباشر عن الوثنية معروفون . ويجب علينا أن نتذكر دائماً أن معظم الذين آمنوا بالمسيحية في بداياتها لم يكونوا يهوداً بل كانوا عبدة أصنام . ولا بد من الإشارة أيضاً إلى أن هؤلاء المؤمنين شهدوا فترة عصيبة محتدمة تساعد على تلفيقات كثيرة . ومما لا شك فيه أن هذه المسيحية وضعت المؤمنين بها على دروب الوثنية القديمة . ولعل أهم هذه الدروب الوثنية يتمثل بالاهتمام بالخلاص عن طريق مخلص أو وسيط . أما الذين لفقوا عقيدة الخلاص فليسوا أولئك الكتاب أو واضعي النظريات الدينية والآراء المجردة المعقدة بل هم سواد الناس من أصحاب الفطنة المتوقدة والمفاهيم البسيطة الساذجة التي كانت توحد بعفوية وصدق غريزي بين مجمل التيارات الدينية في تلك الأيام . إن الخيال الشعبي هو الذي أقام هذا الصرح . أما العلم الديني فقد جارى وداهن وغير أركان الدين وعقائده . وهنا أيضاً نستشهد لما قاله " ألفرد لوازي" مؤرخ المسيحية : " إن الأديان تعيش في أعماق الناس ، وإن حياتهم الخاصة الصاخبة هي التي تعطي هذه الأديان شكلها".
وهنا أقدم( ) لمحة سريعة لبعض التأثيرات الوثنية الأساسية التي ساهمت في تشكيل هذه الظاهرة الدينية الكبيرة . لقد جاء التأثير الإيراني من الديانة المزدكية الوثنية ومن أسرار معبودهم ميترا . وكان المؤرخ الديني الفرنسي ارنست رينان يرى أن هذا الدين الإيراني كان منافساً خطيراً للمسيحية في أيامها . وهناك أيضاً التأثير الفرعوني ، خاصة أسرار إيزيس التي كانت حميدة الخصال رفيعة الأخلاق ؛والتي رأى فيها ألكسندر موريه مقدمة للدين المسيحي الذي جاء بعدها . ويأتي بعد ذلك التأثير اليوناني ، وخاصة منه الأورفية التي تشابه روح المسيحية تشابها كبيراً كما ذكر ذلك الكاتب المؤرخ أندريه بولانجيه، ويضاف إلى الأورفية ديانة ديونيزوس وأسرارها ، والفيثاغورية التي ركز بعض العلماء مثل إيزيدور ليفي على تشبيه فيثاغورس بما آلت إليه شخصية المسيح [علية السلام] . ثم هناك الأفلاطونية التي يعترف بتأثيرها آباء الكنيسة أنفسهم مثل القديس أوغسطين . والمعروف أن الأفلاطونية هي جوهر الميتافيزيقا اليونانية المصرية التي ازدهرت في الإسكندرية ، ثم صارت جوهر الميتافيزيقا المسيحية . بعد ذلك نجد الغنوصية الملفقة أصلاً . وقد كانت الغنوصية هي التي أدخلت إلى المسيحية كثيراً من الأديان الوثنية الشرقية . وهنا لا بد من القول _ على عكس ما يشاع أو ما يكتبه بعض الكتاب المسيحيين _ أن الغنوصية ليست تياراً مسيحياً مهرطقاً ، فهي أقدم من المسيحية ، وليست بالتالي تياراً منها ، أو هرطقة . بل إن العكس صحيح ، فإنجيل يوحنا أصلاً هو نقل للفكر الغنوصي ، بل هو غنوصية ذات وجه مزدكي إيراني ، خاصة حين يتحدث عن صراع نور الكلمة مع الظلمات ، أو صراع الحق مع الكذب . ثم إن بولس نفسه استعار واستخدم الكثير من اللغة الغنوصية ، وإن كان قد صاغها بطريقة مغايرة .
في المقابل ، لا بد لنا نحن المؤرخين من أن نقول ما قد يثير اعتراض المعترضين ونعترف بأن الكنيسة لم تظهر عدائها التام للوثنية، فقد كانت الكنائس تقام على أنقاض المعابد الوثنية ، بل كثيراً ما نجد المسيحيين يكتفون "بتطهير" المعابد القديمة أو إضافة بعض اللمسات عليها من أجل تحويلها إلى كنائس . ومع أن هذا كان يعني انتصاراً مسيحياً فقد كان أيضاً يشكل شعوراً واعياً تقريباً بأن جذور الدين الجديد تشتبك مع جذور الدين الوثني الذي سبقه . وإننا لنرى بعض كتّاب المسيحية في تلك الفترة مثل أوزيب يكثرون من الاستشهاد بالكتّاب الوثنيين القدامى لمثل تلك الأسباب الواعية تقريباً . وسنرى لاحقاً كيف أن الكنيسة ابتلعت بعض العناصر الوثنية ، لكنها أضفت عليها طابعها الخاص ، وذلك لاستقطاب ما يمكن استقطابه من عبده الأصنام ، وكذلك أرادت تعزيز نفسها وابتلاع العقائد القديمة المترسخة ، وهذا ما أدى إلى دخول عناصر وثنية جديدة على المسيحية . غير أن نتائج هذه السياسة كانت خطيرة جداً ، وكانت وراء ظهور حركة الإصلاح البروتستانتي.
وأخيراً نجد هذه الوثنية في الفن ، كتزيين المقابر بالطواويس والدلافين وشتى أنواع الطيور والأسماك . وقد كانت هذه جميعاً رموزاً وثنية كمثل رموز أورفيوس الذي ذكر غناؤه الساحر بتبشير المسيح أو كرمة ديونينزوس التي تزين القبور . إننا نجد على الأضرحة الحجرية صورة المسيح الذي يظهر بصورة معبود . ولقد ظلت مثل هذه النزعة منتصرة سائدة إلى وقتٍ متأخر كما نجد في عصر النهضة رسوماً لميكائيل انجلو الفنان الإيطالي الشهير ، وخاصة ما رسمه على سقف كنيسة السستين كالعرافات الوثنيات اللواتي جئن يتنبأن بظهور المسيح ، وفي كاتدرائية " إكس آن بروفانس" نجد صنم المسيح منحوتاً ومحاطاً برموز وثنية كالقمر والشمس ، وهو واقف بينهما ( )..
ويقول العالم النفسي " كارل يونج "( ) في كتابه علم النفس والأديان الغربية : إن جذور المسيحية والتثليث تعود إلى الأديان الوثنية القديمة في بابل ومصر وفارس والهند واليونان، إن التثليث ليس فكرة مسيحية، وإنما جاء من الأديان الوثنية القديمة، إن آباء الكنيسة لم يشعروا بالراحة إلى أن أعادوا بناء عمارة التثليث على غرار نموذجها المصري الأصيل.
ويقول الباحث الديني " لو كليرك "( ): طبعا استعار المسيحيون المؤمنون من هنا وهناك بعض التفاصيل الوثنية أنى وجدوها .
ويقول الآب دولا هاي: إن الطبيعة البشرية التي تتصرف وفقاً لمشاعرها الدينية، كافية لتفسير تشابه الشعائر المسيحية وشعائر عبادة مثرا الفارسية .
ويقول الأستاذ " ميخائيل جولدر " المحاضر في اللاهوت بجامعة برمنجهام ببريطانيا: هناك شيء أكيد وهو أن يسوع نفسه لم يكن يظن أنه الأقنوم الثاني في ثلاثية التثليث! ( ).
و تقول دائرة المعارف البريطانية عن المسيحيين الأوائل : كانت عقيدة التثليث تبدو لهم ضد التوحيد الإلهي الذي تعلمه الكتب المقدسة , فلذلك أنكروها ولم يعتبروا يسوع المسيح إلهًا مجسدًا , بل اعتبروه أشرف خلق الله كلهم( ).
هذه بعض النقول ولو أردنا استقصاء ما سطره الغربيون في ذلك لجاء ذلك في كتاب كبير ؛ والمهم بيان أن هذه الحقيقة وهي الجذور الوثنية للعقيدة النصرانية جاء إثباتها من الموافق والمخالف .
الفصل الخامس :المقارنة بين العقائد الوثنية والعقائد النصرانية بوجه عام .
يعتقد المسيحيون في المسيح ما يعتقده الهنود في كريشنة الهندوسي ، وما يعتقد البوذيون في بوذا . ومن خلال مقارنة أقوالهم يظهر التشابه في أصولهم الثلاثة ومعتقداتهم ونورد بعض الأقوال هنا لمعرفة ذلك.
يقول الهنود الوثنيون في كريشنة ((ابن الله)):
1- كريشنة : هو المخلص والفادي والمعزي والراعي الصالح والوسيط , وابن الله والأقنوم الثاني من الثالوث المقدس , وهو الأب والابن وروح القدس..
2- لقد مجد الملائكة "ديفاكي" والدة كريشنة ابن الله ، قالوا : يحق للكون بأن يفاخر بابن هذه الطاهرة...
ويقول النصارى في يسوع "ابن الله" القول نفسه :
1- يسوع المسيح : " هو المخلص والفادي والمعزي والراعي الصالح والوسيط ، وابن الله ، والأقنوم الثاني من الثالثوث المقدس ، وهو الأب والابن وروح القدس ...".
2- دخل الملاك على مريم العذراء والدة يسوع ، وقال لها سلام لك أيها المنعم عليها ، الرب معك .
ويقول الهنود في بوذا "ابن الله":
1- كان تجسد بوذا بوساطة حلول روح القدس على العذراء "مايا" .
2- لما نزل بوذا من مقعد الأرواح ، ودخل في جسد العذراء مايا صار رحمها كالبلور الشفاف النقي ، وظهر بوذا فيه كزهرة جميلة ..
ويقول المسيحيون في المسيح ابن الله القول نفسه :
1- كان تجسد يسوع المسيح بوساطة حلول الروح القدس على العذراء "مريم" .
2- لما نزل يسوع المسيح من مقعدة السماوي ، ودخل في جسد مريم العذراء صار رحمها كالبلور الشفاف النقي ، وظهر فيها يسوع كزهرة جميلة ... وإذا عدنا إلى تاريخ كل من البرهمية والبوذية لوجدناهما أسبق من النصرانية بكثير . فمن الأصل ؟ ومن الفرع ؟ ومن المشتق ؟ ومن المشتق منه( ) .
وجاء في الموسوعة الميسرة : لقد أدخل أمنيوس المتوفى سنة 242م أفكاراً وثنية إلى النصرانية بعد أن اعتنقها وارتدَّ عنها إلى الوثنية الرومانية.
- عندما دخل الرومان في الديانة النصرانية نقلوا معهم إليها أبحاثهم الفلسفية وثقافتهم الوثنية، ومزجوها بالمسيحية التي صارت خليطاً من كل ذلك.
- لقد كانت فكرة التثليث التي أقرَّها مجمع نيقية 325م انعكاساً للأفلوطونية الحديثة التي جلبت معظم أفكارها من الفلسفة الشرقية، وكان لأفلوطين المتوفى سنة 270م أثر بارز على معتقداتها، فأفلوطين هذا تتلمذ في الإسكندرية، ثم رحل إلى فارس والهند، وعاد بعدها وفي جعبته مزيج من ألوان الثقافات، فمن ذلك قوله بأن العالم في تدبيره وتحركه يخضع لثلاثة أمور:
1- المُنشئ الأزلي الأول.
2- العقل .
3- الروح التي هي مصدر تتشعب منه الأرواح جميعاً.
بذلك يضع أساساً للتثليث إذ أن المنشئ هو الله، والعقل هو الابن، والروح هو الروح القدس .
- تأثرت النصرانية بديانة متراس التي كانت موجودة في بلاد فارس قبل الميلاد بحوالي ستة قرون التي تتضمن قصة مثيلة لقصة العشاء الرباني .
- في الهندوسية تثليث، وأقانيم ، وصلب للتكفير عن الخطيئة، وزهد ورهبنة ، وتخلُّص من المال للدخول في ملكوت السموات، والإله لديهم له ثلاثة أسماء فهو فشنو أي الحافظ وسيفا المهلك وبرهما المُوجِد. وكل ذلك انتقل إلى النصرانية بعد تحريفها.
- انتقلت بعض معتقدات وأفكار البوذية التي سبقت النصرانية بخمسة قرون إلى النصرانية المحرَّفة، وإن علم مقارنة الأديان يكشف تطابقاً عجيباً بين شخصية بوذا وشخصية المسيح عليه السلام .
- خالطت عقيدة البابليين القديمة النصرانية إذ أن هناك محاكمة لبعل إله الشمس تُماثِل وتطابق محاكمة المسيح عليه السلام.
وبالجملة فإن النصرانية قد أخذت من معظم الديانات والمعتقدات التي كانت موجودة قبلها، مما أفقدها شكلها وجوهرها الأساسي الذي جاء به عيسى عليه السلام من لدن رب العالمين ( ).
وقال الشيخ الدكتور أحمد شلبي رحمه الله ( ): قبل ظهور المسيح كانت هناك معابد كثيرة تقدس عدداً كبيراً من الآلهة ؛ فهناك مثلا آيلو الذي كان يقدسه الإغريق ، وهيركوليس معبود الرومان ، ومثرا معبود الفرس ، وأدونيس معبود السوريين ، وأوزيريس وإيزيس وحورس معبودات المصريين ، وبعل البابليين ، وسواهم كثيرون، وكانت هذه الآلهة تعتبر كلها من نسل الشمس ، وفى هذه الأديان أو أكثرها كانت توجد المعتقدات الآتية :
- كل هذه الآلهة ينسب لها أنها ولدت في نفس الفترة [ الشهرأو الموسم] التي ينسب لعيسى أنه ولد فيها .
- كل هؤلاء ولدوا في كهف أو حجرة تحت الأرض.
- كلهم عاشوا حياة فيها عناء من أجل الجنس البشرى.
- كلهم قهروا بقوى الشر والظلام.
- ألقى بهم هزيمتهم في المدافن أو النيران السفلى.
- هبوا جميعاً من مدافنهم بعد الموت وصعدوا إلى عالم السماء.
- أسسوا جميعاً خلفاء لهم ورسلا و معابد.
ويتضح من هذا أن المسيحية اقتبست كل هذه المعتقدات ، ويمكن أن نعطى تفاصيل أوسع عن أحد المعتقدات السابقة لنرى مدى صلة المسيحية بها :
متراس : هذه الديانة فارسية الأصل ، وقد ازدهرت في بلاد فارس قبل الميلاد نحو إلى ستة قرون ، ثم نزحت إلى روما حوالي سنة 70 ق . م ، وانتشرت في بلاد الرومان ، وصعدت إلى الشمال حتى وصلت بريطانيا ، وقد اكتشفت بعض آثارها في مدينة يورك ومدينة شتر وغيرهما من مدن انجلترا وتذكر هذه الديانة أن :
- مثرا كان وسيطاً بين الله والبشر.
- وأن مولده كان في كهف أو زاوية من الأرض .
- وأنه ولد في الخامس والعشرين من ديسمبر.
- كان له اثنا عشر حواريا.
- مات ليخلص البشر من خطاياهم.
- دفن ولكنه عاد للحياة وقام من قبره.
- صعد إلى السماء أمام تلاميذه وهم يبتهلون له ويركعون.
- كان يدعى مخلصاً ومنقذاً .
- ومن أوصافة أنه كان كالحمل الوديع.
- كان أتباعه يعمدون باسمه.
- وفي ذكراه كل عام يقام عشاء مقدس.
ويقول Robertson إن ديانة متراس لم تنته في روما إلا بعد أن انتقلت عناصرها الأساسية إلى المسيحية .
مقارنة بين محاكمة بعل ومحاكمة عيسى( ):
وإذا كانت ديانة متراس قد أمدت المسيحية بهذه التعاليم ؛ فإن ديانة بعل إله البابليين كانت معيناً للمسيحية في موضوع هام من موضوعاتها العاطفية ذلك هو قصة محاكمة عيسى وصلبه ،وقد وضع البابليون قصة محاكمة بعل في تمثيلية مؤثرة ؛ كانت تمثل كل عام قبل مولد المسيح بقرون عديدة ، وكانت تمثيلية حافلة بالغموض والحزن ، وقد اكتشفت في مطلع هذا القران بأرض بابل لوحتان يرجع تاريخهما إلى القرن التاسع قبل الميلاد ، وسجلت عليهما قصة محاكمة بعل ونهايته .
وقد أخذ اليهود إلى السجن بابل منذ عهد بختنصر ،وهناك رأوا هذه التمثيلية تعرض كل مطلع ربيع ، وعندما عاد اليهود إلى ديارهم كانت هذه القصة عالقة بأذهانهم ومؤثرة في حياتهم ، فانعكست على آدابهم وعلى حياتهم العامة ، وعقب نهاية المسيح ظهرت تمثيلية بعل بنفس عناصرها مع اسم جديد وضع مكان بعل ؛وهذا الأسم هو المسيح ، حتى يمكن القول إن قصة صلب المسيح كما توردها الأناجيل هي قصة منتحلة تماماً وفيما يلي بعض عناصر التشابه بين القصتين:
محاكمة عيسى محاكمة بعل
أخذ عيسى أسيرا 1. أخذ بعل أسيرا
وكذلك حوكم عيسى 2. حوكم بعل علنا
اعتدى على عيسى بعد المحاكمة 3. جرح بعل بعد المحاكمة
اقتيد عيسى لصلبه على الجبل 4.اقتيد بعل لتنفيذ الحكم على الجبل
وكان مع عيسى قاتل اسمه باراباس محكوم عليه بالإعدام ، ورشح بيلاطس عيسى ليعفى عنه كالعادة كل عام ، ولكن اليهود طلبوا العفو عن باراباس وإعدام عيسى 5. كان مع بعل مذنب حكم عليه بالإعدام ، وجرت العادة أن يعفى كل عام عن شخص حكم عليه بالموت ، وقد طلب الشعب إعدام بعل والعفو عن المذنب الآخر.
عقب تنفيذ الحكم على عيسى زلزلت الأرض وغامت السماء 6. بعد تنفيذ الحكم على بعل؛ عم الظلام وانطلق الرعد واضطرب الناس
وحرس الجنود مقبرة عيسى حتى لا يسرق حواريوه جثمانه 7. حرس بعل في قبره حتى لا يسرق أتباعه جثمانه
مريم المجدلية ومريم أخرى جلستا عند مقبرة عيسى تنتجان عليه 8. إلاهات جلسن حول مقبرة بعل يبكينه
قام عيسى من مقبرته في يوم أحد وفي مطلع الربيع أيضاً وصعد إلى السماء 9. قام بعل من الموت وعاد إلى الحياة مع مطلع الربيع وصعد إلى السماء
مقارنة بين حياة بوذا وحياة عيسى( )
وهناك مقارنة أخرى ، وهذه المرة بين بوذا وعيسى :
عيسى بوذا
وعند مولد عيسى ظهر هذا النجم أيضاً يبشر بمولد المخلص وفاد جماعات المجوس نحو مكان ولادته فرأوا الطفل وسجدوا له . 1. عند مولد بوذا ظهر نجم في السماء يبشر به ، وقد رئي هذا النجم يسير نحو مكان مولده ، وتبعه من رآه ليسجدوا للوليد .
ولد عيسى في الخامس والعشرين من ديسمبر أيضاً . 2. ولد بوذا في اليوم الخامس والعشرين من ديسمبر كما تذكر الأساطير الهندية .
وعند مولد عيسى ظهرت الملائكة في الجو مسبحة في الحقول بالقرب من بيت لحم ، وكانت تسبح بحمد (المبارك) وتقول : للناس المسرة وعلى الأرض السلام . 3. عند مولد بوذا احتفلت الملائكة بولادته وسبحت بحمده قائلة إن المبارك قد ولد اليوم ليمنح السلام للناس والمسرة للأرض .
وكان عيسى خطرا كذلك على ملك هيرودوس ولذلك و لذلك أراد هيرودوس قتله لولا أنه فر إلى مصر مع أمه. 4. كان مولد بوذا خطرا على الملك والسلطان فهدده ملك بنباسارا وأراد قتله ، حتى لا يكون سبباً في القضاء على سلطانه.
وعند بدء دعوة عيسى ظهر له الشيطان محاولا تضليله . 5. وعندما كان بوذا على وشك أن يبدأ (دعوته ظهر له الشيطان(مارا ليحاول تضليله.
وقال الشيطان لعيسى : إذا عبدتني سأجعلك ملكا على العالم كله .
6. قال مارا لبوذا : ابتعد عن الدعوة الدينية وتصبح إمبراطور العالم.
ولم يسمع عيسى لكلمات الشيطان وصاح به: اخسأ أيها الشيطان. 7. ولم يهتم بوذا بمارا وصاح به :ابتعد عنى.
وبعد أن انتصر عيسى على الشيطان هبطت الملائكة لعيسى وكرمته . 8. وبعد أن انتصر بوذا على مارا أمطرت السماء زهورا وعبق الهواء بعبير طيب
وصام عيسى أربعين يوما بلياليها . 9. وصام بوذا فترة طويلة.
وعمد يحيى عيسى في نهر الأردن وكان ذلك أيضاً في حضرة روح الله وروح القدس. 10. وتعمد بوذا بالماء المقدس ، وفي أثناء تعميده كانت روح الله حاضرة وكذلك روح القدس .
وتقبل صلاة المسيحيين ما دامت باسم عيسى وينالون بسببها الفردوس . 11. وتقبل صلاة البوذيين وتقودهم إلى الفردوس ما دامت تقدم باسم بوذا .
وعندما مات عيسى ودان أزاحت قوة من قوى ما فوق الطبيعة بالحجارة عن قبره وعاد عيسى إلى الحياة. 12. وعندما مات بوذا ودفن شرق قبره بقوة من قوى ما فوق الطبيعة وعاد للحياة .
وصعد عيسى كذلك بعد انتهاء دعوته على الأرض. 13. وصعد بوذا إلى السماء بعد أن أتم دعوته على الأرض .
وسيعود عيسى كذلك ليحكم الأرض من جديد وينشر دعوته ويملاً الأرض بالخير والسلام. 14. وسيعود بوذا إلى الأرض في آخر الزمان ليواصل دعوته ويستعيد مجده ويملاً الأرض سعادة ونعيما.
وسيوكل لعيسى أيضاً أن يحاسب الناس في الدار الآخرة. 15. وسيوكل حساب الناس إلى بوذا بعد البعث.
وعيسى لا أول له ولا نهاية وهو خالد كالأب. 16. وبوذا لا أول له ولا نهاية وهو خالد .
وعيسى مخلص البشر الذي قدم نفسه فداء ليكفر عن خطيئة أبيهم آدم . 17. ويروى عن بوذا أنه قال : إنني أحمل سيئات البشر عنهم ليصلوا إلى السلامة .
ومما علمه عيسى لأصحابه أن يخفوا أعمالهم الطيبة ويعلنوا مساوئهم وخطاياهم. 18. ويروى عن بوذا قوله له : أخف أعمالك الطيبة وأعلن على الناس سيئاتك التي ترتكبها .
وقال عيسى لأتباعه : أحبوا أعداءكم وباركوا لاعنيكم وأحسنوا لمن يبغضكم. 19. وأوصى بوذا أتباعه بالشفقة والحب حتى مع أعدائهم.
واشترط عيسى على من يريد دخوله الدعوة أن يتصدق بماله ويؤثر الفقر ليدخل ملكوت الله . 20. ونصح بوذا حوارييه وأتباعه أن يطرحوا الدنيا جانباً ويتنازلوا عن غناهم ويؤثروا الفقر ليقبلوا في الدعوة.
ودعا عيسى منذ مطلع رسالته أتباعه ليدخلوا ملكوت السماء. 21. وكان هدف بوذا الأسمى أن يكون ما سمته الفلسفة البوذية ملكوت السماء.
ويقرر الفكر المسيحي أنه من الأفضل للرجل ألا يمس امرأة ولكن إذا خاف الزنا جاز له أن يتزوج فالزواج خير من الاحتراق بالنار . 22. ونادي بوذا بعدم الزواج وشبه الزواج بالاحتراق في الفحم ، ولم يجزه إلا عند خوف الزنا .
ولم تكتف المسيحية باقتباس الأحداث وإنما اقتبست أبضا الأيام والتواريخ ، فمولد عيسى وصلبه وعودته للحياة تقع في أيام تتفق تماما مع أحداث وثنية ترتبط بمثل هذه الأيام كما سبق القول .
أما حادثة العشاء الرباني التي سبق أن أوردناها فهي بتفاصيلها الدقيقة واردة في ديانة متراس حذو النحل بالنعل كما يقولون ( ) .
مقارنة بين المسيح عليه السلام وبين كرشنة الهندي
ما يقوله النصارى عن المسيح .. ما يقوله الهنود عن إلههم...( )
المسيح كرشنة
ولد كرشنة من العذراء ديفاكي التي اختاراها الله والدة لابنه كذا بسب طهارتها.
كتاب خرافات التوراة والإنجيل وما يماثلها من الديانات الأخرى للعلامة دوان 278 ولد يسوع من العذراء مريم التي اختارها الله والدة لابنه بسبب طهارتها وعفتها.
(إنجيل مريم الإصحاح السابع)
قد مجد الملائكة ديفاكي والدة كرشنة بن الله وقالوا : يحق للكون أن يفاخر بابن هذه الطاهرة.
كتاب تاريخ الهند المجلد الثاني ص 329 فدخل إليها الملاك وقال سلام لك أيها المنعم عليها الرب معك.
(لوقا الإصحاح الثالث الفقرة 28 و29.)
عرف الناس ولادة كرشنة من نجمه الذي ظهر في السماء .
(تاريخ الهند , المجلد الثاني, ص317و236) لما ولد يسوع ظهر نجمه في المشرق وبواسطة ظهور نجمه عرف الناس محل ولادته.
(متى الإصحاح الثاني , العدد 3)
لما ولد كرشنة سبحت الأرض وأنارها القمر بنوره وترنمت الأرواح وهامت ملائكة السماء فرحا وطربا ورتل السحاب بأنغام مطربة.
كتاب فشنوا بوراناص502 (وهو كتاب الهنود الوثنيين المقدس)
لما ولد يسوع المسيح رتل الملائكة فرحا وسوروا وظهر من السحاب أنغام مطربة.
(لوقا الإصحاح الثاني العدد 13)
كان كرشنة من سلالة ملوكانية ولكنه ولد في غار بحال الذل والفقر.
(كتاب دوان السابق ص279) كان يسوع المسيح من سلالة ملوكانية ويدعونه ملك اليهود ولكنه ولد في حالة الذل والفقر بغار
وعرفت البقرة أن كرشنة إله وسجدت له .
(دوان ص 279)
وعرف الرعاة يسوع وسجدوا له.
(إنجيل لوقا الإصحاح الثاني من عدد 8 إلى 10)
وآمن الناس بكرشنة واعترفوا بلاهوته وقدموا له هدايا من صندل وطيب.
(الديانات الشرقية ص500, وكتاب الديانات القديمة المجلد الثاني ص353)
وآمن الناس بيسوع المسيح وقالوا بلاهوته وأعطوه هدايا من طيب ومر.
(متى الإصحاح الثاني العدد 2)
وسمع نبي الهنود نارد بمولد الطفل الإلهي كرشنة فذهب وزراءه في كوكول وفحص النجوم فتبين له من فحصها أنه مولود إلهي يعبد.
(تاريخ الهند , المجلد الثاني, ص317) ولما ولد يسوع في بيت لحم اليهودية في أيام هيرودس الملك إذ المجوس من المشرق قد جاؤوا إلى أورشليم قائلين أين هو المولود ملك اليهود.
(متى الإصحاح الثاني عدد 1و2)
لما ولد كرشنة كان ناندا خطيب أمه ديفاكي غائبا عن البيت حيث أتى إلى المدينة كي يدفع ما عليه من الخراج للملك.
(كتاب فشنو بورانا, الفصل الثاني,من الكتاب الخامس) ولما ولد يسوع كان خطيب أمه غائبا عن البيت وأتى كي يدفع ما عليه من الخراج للملك.
(لوقا الإصحاح الثاني عدد 1إلى 17)
ولد كرشنة بحال الذل والفقر مع أنه من عائلة ملوكانية. كتاب تاريخ الهند , المجلد الثاني , ص310)
ولد يسوع بحالة الذل والفقر من أنه من سلالة ملوكانية.
(انظر تعداد نسبه في إنجيل متى ولوقا وبأي حال ولد)
وسمع ناندا خطيب ديفاكي والدة كرشنه نداء من السماء يقول له قم وخذ الصبي وأمه فهربهما إلى كاكول واقطع نهر جمنة لأن الملك طلب إهلاكه.
(كتاب فشنو بورانا, الفصل الثالث)
وأنذر يوسف النجار خطيب مريم يسوع بحلم كي يأخذ الصبي وأمه ويفر بهما إلى مصر لأن الملك طلب إهلاكه.
(متى الإصحاح الثاني, عدد 13)
وسمع حاكم البلاد بولادة كرشنة الطفل الإلهي وطلب قتل الولد وكي يتوصل إلى أمنيته أمر بقتل كافة الأولاد الذكور الذين ولدوا في الليلة التي ولد فيها كرشنة.
(دوان ص280) وسمع حاكم البلاد بولادة يسوع الطفل الإلهي وطلب قتله وكي يتوصل إلى أمنيته أمر بقتل كافة الأولاد الذكور الذين ولدوا في الليلة التي ولد فيها يسوع المسيح.
(متى الإصحاح الثاني)
واسم المدينة التي ولد فيها كرشنة , مطرا, وفيها عمل الآيات العجيبة.
(تاريخ الهند, المجلد الثاني, ص318, والتنقيبات الآسيوية , المجلد الأول ص 259) واسم المدينة التي هاجر إليها يسوع المسيح في مصر لما ترك اليهودية هي , المطرية, ويقال أنه عمل فيها آيات وقوات عديدة.
(المقدمة على إنجيل الطفولية , تأليف هيجين, وكذلك الرحلات المصرية لسفاري, ص136)
وأتى إلى كرشنة بامرأة فقيرة مقعدة ومعها إناء فيه طيب وزيت وصندل وزعفران وذباج وغير ذلك من أنواع الطيب فدهنت منه جبين كرشنة بعلامة خصوصية وسكبت الباقي على رأسه.
(تاريخ الهند , ج2, ص320) وفيما كان يسوع في بيت عتيا في بيت سمعان الأبرص تقدمت إليه امرأة معها قارورة طيب كثير الثمن فسكبته على رأسه وهو متكئ.
(متى الإصحاح 26,عدد 6و7)
كرشنة صلب ومات على الصليب.
(ذكره دوان في كتابه وأيضا كوينيو في كتاب الديانات القديمة) المسيح صلب ومات على الصليب
لما مات كرشنة حدثت مصائب وعلامات شر عظيم وأحيط بالقمر هالة سوداء وأظلمت الشمس في وسط النهار وأمطرت السماء نارا ورمادا وتأججت نار حامية وصار الشياطين يفسدون في الأرض وشاهد الناس ألوفا من الأرواح في جو السماء يتحاربون صباحا ومساء وكان ظهورها في كل مكان.
(كتاب ترقي التصورات الدينية,ج1,ص71)
لما مات يسوع حدثت مصائب متنوعة وانشق حجاب الهيكل من فوق إلى تحت وأظلمت الشمس من الساعة السادسة إلى التاسعة وفتحت القبور وقام كثيرون من القديسين وخرجوا من قبورهم.
(متى الإصحاح 22 )
وثقب جنب كرشنة بحربة .
(دوان, ص282)
وثقب جنب يسوع بحربة.
(أيضا من كتاب دوان السابق,ص282)
وقال كرشنة للصياد الذي رماه بالنبلة وهو مصلوب اذهب أيها الصياد محفوفا برحمتي إلى السماء مسكن الآلهة.
(كتاب فشنو برونا ص612) وقال يسوع لأحد اللصين الذين صلبا معه : الحق أقول لك إنك اليوم تكون معي في الفردوس.
(لوقا , الإصحاح 23,عدد43)
ومات كرشنة ثم قام بين الأموات.
(كتاب العلامة دوان ,ص282)
ومات يسوع ثم قام من بين الأموات.
(إنجيل متى , الإصحاح 28)
ونزل كرشنة إلى الجحيم.
(دوان ص282)
ونزل يسوع إلى الجحيم.
(دوان 282, وكذلك كتاب إيمان المسيحيين وغيره)
وصعد كرشنة بجسده إلى السماء وكثيرون شاهدوا الصعود.
(دوان ص282)
وصعد يسوع بجسده إلى السماء وكثيرون شاهدوا الصعود.
(متى الإصحاح 24)
ولسوف يأتي كرشنة إلى الأرض في اليوم الأخير ويكون ظهوره كفارس مدجج بالسلاح وراكب على جواد أشهب والقمر وتزلزل الأرض وتهتز وتتساقط النجوم من السماء.
(دوان ,ص282)
ولسوف يأتي يسوع إلى الأرض في اليوم الأخير كفارس مدجج بالسلاح وراكب جواد أشهب وعند مجيئه تظلم الشمس والقمر أيضا وتزلزل الأرض وتهتز وتتساقط النجوم من السماء.
(متى الإصحاح 24)
وهو (أي كرشنة) يدين الأموات في اليوم الأخير.
(دوان 283) ويدين يسوع الأموات في اليوم الأخير.
(متى الإصحاح 24, العدد 31, ورسالة الرومانيين, الإصحاح 14, العدد 10)
ويقولون عن كرشنة أنه الخالق لكل شئ ولولاه لما كان شئ مما كان فهو الصانع الأبدي.
(دوان 282)
ويقولون عن يسوع المسيح أنه الخالق لكل شئ ولولاه لما كان شئ مما كان فهو الصانع الأبدي.
(يوحنا الإصحاح الأول من عدد 1 إلى 3 ورسالة كورنوس الأولى الإصحاح الثامن العدد 6 ورسالة أفسس الإصحاح الثالث , العدد 9)
كرشنة الألف والياء وهو الأول والوسط وآخر كل شئ.
كتاب دوان يسوع الألف والياء والوسط وآخر كل شئ.
(سفر الرؤيا الإصحاح الأول العدد 8 والإصحاح 23 العدد 13 والإصحاح 31 العدد 6)
كان كرشنة يحب تلميذه أرجونا أكثر من بقية التلاميذ.
(كتاب بها كافات كيتا)
كان يسوع يحب تلميذه يوحنا أكثر من بقية التلاميذ.
(يوحنا الإصحاح 13 العدد 23)
وفي حضور أرجونا بدلت هيئة كرشنة وأضاء وجهه كالشمس ومجد العلي اجتمع في كرشنة إله الآلهة فأحنى أرجونا رأسه تذللا ومهابة تواضعا وقال باحترام الآن رأيت حقيقتك كما أنت وإني أرجو رحمتك يا رب الأرباب فعد واظهر علي في ناسوتك ثانية أنت المحيط بالملكوت.
(كتاب دين الهنود, لمؤلفه مورس ولميس, ص215)
وبعد ستة أيام أخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا أخاه وصعد بهم إلى جبل عال منفردين وتغيرت هيئته قدامهم وأضاء وجهه كالشمس وصارت ثيابه بيضاء كالثلج وفيما هو يتكلم إذا سحابة ظللتهم وصوت من السحابة قائل هذا هو ابني الحبيب الذي سررت له اسمعوا ولما سمع التلاميذ سقطوا على وجوههم وخافوا جدا.
(متى الإصحاح 17 من عدد 1 إلى 9)
وكان كرشنة خير الناس خلقا وعلم وإخلاص ونصح وهو الطاهر العفيف مثال الإنسانية وقد تنازل رحمة ووداعة وغسل أرجل البرهميين وهو الكاهن العظيم برهما وهو العزيز القادر ظهر لنا بالناسوت.
(دين الهنود لمؤلفه مورس ولميس , ص144)
كان يسوع خير الناس خلقا وعلم وإخلاص وغيره وهو الطاهر العفيف مكمل الإنسانية ومثالها وقد تنازل رحمة ووداعة وغسل أرجل التلاميذ وهو الكاهن العظيم القادر ظهر لنا بالناسوت.
(يوحنا الإصحاح 13)
كرشنة هو برهما العظيم القدوس وظهوره بالناسوت سر من أسراره العجيبة.
(كتاب فشنو بورانا, ص492, عند شرح حاشية عدد3)
يسوع هو يهوه العظيم القدوس وظهوره في الناسوت سر من أسراره العظيمة الإلهية.
(رسالة تيموثاوس الأولى الإصحاح الثالث)
كرشنة الأقنوم الثاني من الثالوث عند الهنود الوثنيين القائلين بألوهيته.
(موريس ولميس في كتابه المدعو العقائد الهندية الوثنية, ص10) يسوع المسيح الأقنوم الثاني من الثالوث المقدس عند النصارى.
(انظر كافة كتبهم الدينية وكذلك الأناجيل والرسائل, فهذه العقيدة الوثنية أحدى ركائز النصرانية اليوم)
وأمر كرشنة كل من يطلب الإيمان بإخلاص أن يترك أملاكه وكافة ما يشتهيه ويحبه من مجد هذا العالم ويذهب إلى مكان خال من الناس ويجعل تصوره في الله فقط.
(ديانة الهنود الوثنية ص211)
وأمر يسوع كل من يطلب الإيمان بإخلاص أن يفعل كما يأتي : وأما أنت فمتى صلبت فادخل إلى مخدعك وأغلق بابك وصل إلى أبيك الذي في الخفاء فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية.
(متى الإصحاح 6 العدد 6)
وقال كرشنة لتلميذه الحبيب أرجونا إنه مهما عملت ومهما أعطيت الفقير ومهما فعلت من الفعال المقدسة الصالحة فليكن جميعه بإخلاص لي أنا الحكيم والعليم ليس لي ابتداء وأنا الحاكم المسيطر والحافظ.
(موريس ولميس في كتابه ديانة الهنود الوثنيين ص212)
فإذا كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئا فافعلوا كل شئ لمجد الله.
(رسالة كورنسوس الأولى الإصحاح العاشر عدد31)
قال كرشنة أنا علة وجود الكائنات؛ في كانت ؛وفي تحل وعلي جميع ما في الكون يتكل وفي يتعلق كاللؤلؤ المنظوم في خيط.
(موريس ولميس , ديانة الهنود الوثنيين, ص212) من يسوع في يسوع وليسوع كل شئ في كل شئ كان به وغيره لم يكن شئ مما كان.
(يوحنا الإصحاح الأول من عدد 1 إلى 3)
وقال كرشنة أنا النور الكائن في الشمس والقمر وأنا النور الكائن في اللهب وأنا نور كل ما يضيء ونور الأنوار ليس في ظلمة.
(موريس ولميس في ديانة الهنود الوثنيين, ص213)
ثم كلمهم يسوع قائلا أنا هو نور العالم من يتبعني فلا يمشي في الظلمة.
(يوحنا الإصحاح 8, العدد 12)
قال كرشنة أنا الحافظ للعالم وربه وملجئه وطريقه.
(دوان, ص 283)
قال له يسوع أنا هو الطريق والحق والحياة ليس أحد يأتي الأب الأبي.
(يوحنا الإصحاح 14 العدد6)
وقال كرشنة أنا صلاح الصالح وأنا الابتداء والوسط والأخير والبدي وخالق كل شئ وأنا فناؤه ومهلكه.
(موريس ولميس وكتابه ديانة الهنود الوثنيي, ص213)
وقال يسوع أنا هو الأول والآخر ولي مفاتيح الهاوية والموت.
(رؤيا يوحنا الإصحاح الأول من عدد 17 إلى 18)
وقال كرشنة لتلميذه الحبيب لا تحزن يا أرجونا من كثرة ذنوبك أنا أخلصك منها فقط ثق بي وتوكل علي واعبدني واسجد لي ولا تتصور أحدا سواي لأنك هكذا تأتي إلى المسكن العظيم الذي لا حاجة فيه لضوء الشمس والقمر الذين نورهما مني.
(موريس ولميس وكتابه ديانة الهنود الوثنيين,ص213) وقال يسوع للمفلوج ثق يا بني مغفورة لك خطاياك , يا بني أعطني قلبك والمدينة لا تحتاج إلى شمس ولا إلى قمر ليضيء فيهما الخروف سراجهما.
(متى الإصحاح 9 عدد 2 وسفر الأمثال الإصحاح 23 عدد 26 وسفر الرؤيا الإصحاح 12 العدد23)
الفصل السادس : كيف انتقلت هذه الوثنية للديانة النصرانية
1- دور اليهود في إفساد الديانة النصرانية
لا شك أن لليهود أكبر الأثر في نقل الوثنية وتلك المعتقدات للديانة النصرانية ؛ وأكبر دليل على ذلك الأثر الكبير الذي مارسه بولس:
الشهير بـ (بولس القديس) في إفساد النصرانية .
بولس: هذا اسمه الروماني ؛ أما اسمه العبراني الأصلي فهو شاءول .
ولد بعد مولد المسيح بقرابة عشر سنين، وختن في اليوم الثامن على طريقة اليهود، وكان مولده في طرطوس التي كانت تنتشر فيها بذلك الوقت الثقافة اليونانية ومدارسها الفلسفية. وكان أبوه يهودياً متعصباً على مذهب الفريسيين وكان من أتباع الدولة الرومانية.
وهكذا نشأ بولس نشأة يهودية مشوبة بثقافة يونانية في الوقت الذي كان فيه مواطناً رومانياً؛ فشب يضطهد المسيحيين الأوائل اضطهاداً شديداً، ويتعقبهم ويلاحقهم ويقتلهم، ويبرر النصارى عداءه هذا لهم بأنه كان يعد كفراً قولهم أن يسوع الناصري هو المسيح ابن الله .
قال ابن القيم رحمه الله عن بولس : يُسَمَّى بُولُسَ الشِّمْشَاطِيَّ وَهُوَ أَوَّلُ مَنِ ابْتَدَعَ فِي شَأْنِ الْمَسِيحِ اللَّاهُوتَ وَالنَّاسُوتَ وَكَانَتِ النَّصَارَى قَبْلَهُ كَلِمَتُهُمْ وَاحِدَةٌ أَنَّهُ عَبْدٌ رَسُولٌ مَخْلُوقٌ وَمَرْبُوبٌ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ اثْنَانِ مِنْهُمْ، فَقَالَ: بُولُسُ هَذَا - وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَفْسَدَ النَّصَارَى وَأَفْسَدَ دِينَهُمْ - إِنَّ سَيِّدَنَا عِيسَى خُلِقَ مِنَ اللَّاهُوتِ إِنْسَانًا كَوَاحِدٍ مِنَّا فِي جَوْهَرِهِ، أَنَّ ابْتِدَاءَ الِابْنِ مِنْ مَرْيَمَ، وَأَنَّهُ اصْطُفِيَ لِيَكُونَ مُخَلِّصًا لِلْجَوْهَرِ الْإِنْسِيِّ، وَصَحِبَتْهُ النِّعْمَةُ الْإِلَهِيَّةُ فَحَلَّتْ فِيهِ بِالْمَحَبَّةِ وَالْمَشِيئَةِ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ ابْنَ اللَّهِ، وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَوْهَرٌ وَاحِدٌ وَأُقْنُومٌ وَاحِدٌ ( ).
ويذكرون حكاية انقلابه فجأة إلى النصرانية بقصة ملخصها أنه كان متوجهاً إلى دمشق ليسجن المسيحيين الذين فيها .. إذ نور من السماء قد سطع حوله فسقط إلى الأرض وسمع هاتفاً يناديه يقول: شاءول، شاءول، لم تضطهدني؟ فقال: من أنت؟ فأجابه الصوت: أنا يسوع الذي تضطهده! .
ويقولون إنه صار بعد ذلك من أنشط دعاة المسيحية وأنه رافق برنابا أحد أنشط أتباع المسيح مدة، ثم اختلف معه خلافاً شديداً وفارقه . ( ) . ورسائله تدل على أنه انتحل العقيدة الكفرية التي تقول بأن المسيح هو ابن الله، قبل أن يكون ذلك قد عرف في النصارى وانتشر.
يقول ابن القيم في إغاثة اللهفان: " ثم أخذ دين المسيح فى التبديل والتغيير، حتى تناسخ واضمحل، ولم يبق بأيدى النصارى منه شيء، بل ركبوا دينا بين دين المسيح ودين الفلاسفة عباد الأصنام وراموا بذلك أن يتلطفوا للأمم حتى يدخلوهم فى النصرانية، فنقلوهم من عبادة الأصنام المجسدة إلى عبادة الصور التى لا ظل لها، ونقلوهم من السجود للشمس إلى السجود إلى جهة المشرق، ونقلوهم من القول باتحاد العاقل والمعقول والعقل إلى القول باتحاد الأب والابن وروح القدس( ).
ولا شك أن الرسائل المكتوبة المنسوبة إليه هي من أعظم أسباب فساد المسيحية، فقد أدخلت إليها التثليث، وأحلت الخمر، ودعت إلى إهمال وترك الختان، وخرجت عن شريعة موسى التي هي شريعة عيسى.. وما وصل النصارى من تلك الرسائل وألحقوه بكتابهم المقدس ثلاثة عشر رسالة .
وقد ثار اليهود ضدّه، وقُبض عليه في أورشليم، وسيق إلى روما في حوالي سنة 64م حيث صلب وقطع رأسه بالسيف ، فمات ولم يتزوج ؛فكان لذلك أثراً في ابتداع الرهبانية والعزوف عن الزواج عند رؤساء النصارى.
وفي أعمال الرسل (11/26) إن أوّل مرة سُمي بها النصارى بالمسيحيين كان في أنطاكية بعد دخول بولس إلى النصرانية.
والسؤال الذي لا يستطيع النصارى الإجابة عليه هو: على يد من تعلم وتتلمذ بولس هذا أصول المسيحية ؛حتى يصير بهذه المرتبة عندهم ؟
فهم يقرون بأنه لم يلزم المسيح !! ولا تتلمذ على يديه ! ولا حتى على أيدي تلامذته ،إلا ما يذكر من أنه صحب برنابا ،وهذه الصحبة حجة عليهم ؛لأنهم يقرون بأن برنابا اختلف معه، وفارقه على إثر ذلك الاختلاف. ويترجح لدينا أن ذلك الاختلاف مرجعه إلى شذوذات بولس وآرائه الشركية التي خالف بها صراحة دين المسيح.
ويدل على ذلك إشارات بولس نفسه إلى شيء من ذلك الخلاف في رسالته إلى أهل غلاطية ؛حيث اتهم برنابا بمداهنة ومراءاة أهل الختان العاملين بشريعة موسى في دعوته إلى العمل بالشريعة ، وعدم مؤاكلته أو مجالسته للوثنيين (2/11-14) .
وفي أعمال الرسل (15/39 : ( فوقع بينهما خلاف شديد حتى فارق أحدهما الآخر؛ فاستصحب برنابا مرقس وأبحر إلى قبرس، وأما بولس فاختار سيلا ومضى .
وكذلك الأمر بالنسبة لبطرس أو صخر، وهو عندهم من أقرب التلاميذ وأحظاهم عند المسيح. فإنه قد خالفه في أهم المسائل التي أفسد فيها بولس النصرانية وهي دعوته للاستغناء بعقيدة الفداء والخلاص عن التمسك بشريعة موسى والعمل بها؛ فإن بولس نفسه يذكر في رسالته لأهل غلاطية (2/11-14) أن بطرس قدم إلى أنطاكية، وأن بولس واجهه هناك وغضب عليه وخالفه في هذه المسألة، وهي الالتزام بشريعة موسى، لأن بطرس لم يكن يؤاكل المسيحيين الذين هم من أصل وثني لعدم التزامهم بالختان والشريعة.
وفيها أنه كان قد أقام عنده قبل ذلك في أورشليم خمسة عشر يوماً، قال: ولم أر غيره من الرسل سوى يعقوب أخي الرب!
فلم يكن لقاؤه إذن لمن لقيه من تلاميذ المسيح ؛إلا لقاء محدوداً اتسم بالخلاف والمواجهة في أخطر مسائل الدين!
ويقول المؤرخ ول ديورانت بأن عوامل عديدة قد أوحت إلى بولس بتلك العقيدة، منها: انقباض نفس بولس وندمه بالصورة التي استحال إليها المسيح في خياله، وتأثره بالفلسفة الأفلاطونية والرواقية التي تنبذ المادة والجسم واعتبارهما شرّاً وخبثاً. وتأثره كذلك بالطقوس الوثنية في التضحية الفدائية للتكفير عن خطايا الناس، وتلك عقيدة موجودة عند الوثنيين في مصر وآسيا الصغرى وبلاد اليونان التي تؤمن بالآلهة التي ماتت لتفتدي بموتها بني الإنسان( ) .
2- أثر الفكر اليوناني الوثني المعاصر للمسيحية
ولا شك كذلك أن اليونان والذين كانت لهم السلطة في ذلك الوقت الأثر الكبير في إدخال المعتقدات الوثنية في الديانة النصرانية ؛ وقد تقدم أثر قسطنطين الوثني الذي سام المسيحيين أشد أنواع العذاب ثم تستر بدخوله في النصرانية وعقد مجمع نيقية ونصر فيه الوثنية على التوحيد .
قال الشيخ عبدالرحمن الميداني : ثمّ جاء الإمبراطور الروماني "قسطنطين الأول الأكبر" الذي وصل إلى عرش الإمبراطورية على جسر من أشلاء النصارى الذين بذلوا دماءهم من أجل إيصاله إلى الحكم ليظفروا بعطفه على النصرانية متى صار إمبراطوراً، وقد حكم الإمبراطورية من سنة (306) إلى سنة (337) ميلادية، فبدا له بعد ست سنوات من حكمه، أي: في سنة (313م) أن يعتنق المسيحية، دون أن يبتعد كثيراً عن وثنية روما التي كانت دين أسلافه، وهي عقيدة وثنية قائمة على التثليث، وكان هذا ثمرة تأييد النصارى له.
فأصدر مرسوماً بذلك، ولبست الوثنية الرومانية منذ ذلك الحين ثوب المسيحية ( ).
3-أهواء أحبار النصارى وعلمائهم .
ومما كان له الأثر في نقل الوثنية للديانة النصرانية أحبار النصارى وعلمائهم ؛ وقد أشار القرآن إلى ذلك مجملا بقوله تعالى {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [التَّوْبَةَ:31]
4-أثر الفلاسفة اليونانيين في نقل هذه العقائد الوثنية
جاء في الموسوعة الميسرة : لقد أدخل أمنيوس المتوفى سنة 242م أفكاراً وثنية إلى النصرانية بعد أن اعتنقها وارتدَّ عنها إلى الوثنية الرومانية.
- عندما دخل الرومان في الديانة النصرانية نقلوا معهم إليها أبحاثهم الفلسفية وثقافتهم الوثنية، ومزجوها بالمسيحية التي صارت خليطاً من كل ذلك.
- لقد كانت فكرة التثليث التي أقرَّها مجمع نيقية 325م انعكاساً للأفلوطونية الحديثة التي جلبت معظم أفكارها من الفلسفة الشرقية، وكان لأفلوطين المتوفى سنة 270م أثر بارز على معتقداتها، فأفلوطين هذا تتلمذ في الإسكندرية، ثم رحل إلى فارس والهند، وعاد بعدها وفي جعبته مزيج من ألوان الثقافات، فمن ذلك قوله بأن العالم في تدبيره وتحركه يخضع لثلاثة أمور:
1- المُنشئ الأزلي الأول.
2- العقل .
3- الروح التي هي مصدر تتشعب منه الأرواح جميعاً.
بذلك يضع أساساً للتثليث إذ أن المنشئ هو الله، والعقل هو الابن، والروح هو الروح القدس ( ).
الفصل السابع : مقارنة بين عقيدة الصلب والفداء عند النصارى وبين العقائد الوثنية .
الصلب عند النصارى :
مسألة صلب المسيح والاعتقاد بالفداء _ عند النصارى_ رأس الإيمان.
وقد جاء ذكر الصلب في إنجيل متّى : الإصحاح 27 . وإنجيل مرقس الإصحاح وإنجيل لوقا الإصحاح 23. وإنجيل يوحنا الإصحاح 19 ، فلا حاجة للنقل من هذه الإصحاحات لشهرتها ، ولكن نذكر آية واحدة مثالاً لما أتى في الأناجيل عن الصلب (غلاطية الإصحاح الثالث عدد13) : "المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا ، لأنه مكتوب معلون كل من علق على خشبة ". وقد جاء ذكر الصلب أيضاً في كافة الرسائل( ).
الصلب عند الوثنيين( ):
قال العلامة دوان :" إن تصور الخلاص بواسطة تقديم أحد الآلهة ذبيحة ، فداء عن الخطيئة ، قديم العهد جداً عند الهنود الوثنيين وغيرهم ، وذكر هذه التقدمة عند الهنود سابق لعصر الفديك Vedic . وكتاب الركفدا يمثل الآلهة يقدمون (بروشا) _ أي : الذكر الأول _ قرباناً ، ويعدونه مساوياً للخالق.
وجاء في كتاب (التزيا برهمانا) ما نصه : " وسيد المخلوقات (برجاباتي) قدم نفسه ذبيحة للآلهة ".
وجاء في كتاب (استباتا برهمانا) ما نصه : "والعالم كهذه الذبيحة (بروشا ميدا) _ أي ضحية الذكر الأول _ يصير كل شيء".
وكان الوثنيون يقدمون البشر ذبيحة أيضاً ،والغالب عندهم تقديم الأرقاء والأسارى ذبيحة فداء عن الخطيئة ، وليس هذا فقط ، بل ونفس أولادهم.
وكان الرومانيون واليونان يقدمون أنفسهم ذبيحة للآلهة استرضاءً لها .
وكانوا في مصر يقدمون من البشر ذبيحة ، تمكنت بهم هذه العادة الشريرة حتى صاروا يقدمون الابن البكر من أحد العائلات الأتانية ذبيحة ، يأخذونه إلى هيكل في (فستات في عالوس) ، ويضعون على رأسه إكليلاً ثم يذبحونه قرباناً للإله ، كما تذبح الأنعام.
وقال العلامة : M. William : "...يعتقد الهنود الوثنيون بالخطيئة الأصلية ، ومما يدل على ذلك ما جاء في تضرعاتهم التي يتوسلون بها بعد (الكياترى) وهي : إني مذنب . ومرتكب الخطيئة ، وطبيعتي شريرة ، وحملتني أمي بالإثم ، فخلصني ياذا العين الحندقوقية . يا مخلص الخاطئين ، يا مزيل الآثام والذنوب".
وقال العلامة (دوان) ما نصه : " ويعتقد الهنود بأن كرشنا المولود البكر الذي هو نفس الإله فشنو ،الذي لا ابتداء له ، ولا انتهاء ، على رأيهم ، قد تحرك _شفقة وحنواً_ كي يخلص الأرض من ثقل حملها فأتاها وخلص الإنسان بتقديم نفسه ذبيحة عنه".
وقال العلامة هوك : " ويعتقد الهنود (الوثنيون) بتجسد أحد الآلهة وتقديم نفسه ذبيحة فداءً عن الناس والخطيئة".
وقال العلامة القس جورج كوكس: "ويصفون (أي الهنود) كرشنا بالبطل الوديع المملوء لاهوتاً ؛ لأنه قدم نفسه ذبيحة ، ويقولون : إن عمله هذا لا يقدر عليه أحد سواه".
ويذكر المسيو كوبنيو : يذكر الهنود موت كرشنا بأشكال متعددة أهمها أنه مات معلقاً على شجرة ؛ سمر بها بضربة حربة.
وقال العلامة دوان : والمقصود من الشجرة : "خشبة الصليب" ، وأن السيد (مور) قد صور كرشنا مصلوباً ، كما هو مصور في كتب الهنود ، مثقوب اليدين والرجلين ، ومعلق بقميصه قلب الإنسان.
"ومن تعاليم الفشنو بورانا نعلم أنه بعدما رمى الصياد كرشنا بالحربة ندم ، وتضرع إليه بقوله : ارحمني أنا الذي أهلكتني ذنوبي ، وأنت القادر على إهلاكي ، فأجابه كرشنا : لا تخف . اذهب إلى السماء مسكن الآلهة ، ولما قال له هذا الكلام ظهرت مركبة حملته إلى السماء".
ومن الألقاب التي يدعى بها كرشنا : الغافر من الخطايا ، والمخلص من أفعى الموت.
وقد صور الراهب جورجيوس الإله (أندرا) الذي يعبده أهالى النيبال مصلوباً ، كما يصورونه يوم عيدهم الذي يقع في شهر آب .
قال العلامة هيجين نقلاً عما كتبه (اندرادا الكروزيوس) _ وهو أول أوربي دخل بلاد التبت والنيبال _: وقال عند تكلمه عن الإله (أندار) الذي يعبدونه، ويقولون : إنه سفك دمه بالصلب ، وثقب المسامير كي يخلص البشر من ذنوبهم وإن صورة الصلب موجودة في كتبهم.
وقال دوان : في جنوب الهند وتنجور ، وفي أيونديا ، يعبدون إلها صلب اسمه (بالي) ويعتقدون بأنه (فشنو) تجسد : (أي ظهر بالناسوت) ويصورونه مثقوب الجنب واليدين .
وجاء في ترنيمة لـ (بوذا) ما يلي :
"عاينت الاضطهاد والامتحان والسجن والموت والقتل بصبر ، وحب عظيم لجلب السعادة للناس ، وسامحت المسيئين إليك".
ويدعون (بوذا) الطبيب العظيم ، ومخلص العالم والممسوح ، والمسيح المولود الوحيد ، وغير ذلك ، وأنه قدم نفسه ذبيحة ليكفّر آثام البشر ، ويجعلهم ورثة ملكوت السموات ، وبولادته ترك كافة مجده في العالم ليخلص الناس من الشقاء والعذاب كما نذر" .
وقال العلامة (بيل) : قال (بوجانا) : سأتخذ جسداً ناسوتياً ، وأنزل فأولد بين الناس ؛ لأمنحهم السلام وراحة الجسد ، وأمحو أحزان وأتراح العالم . وأن عملى هذا لا أبغي به اكتساب شيء من الغنى والسرور".
وقال لبي هوك : إن بوذا في _ نظر البوذيين_ إنسان وإله معاً ، وأنه تجسد بالناسوت في هذا العالم ليهدي الناس ويفديهم ، ويبين لهم طريق الأمان وهذا التجسد اللاهوتي بعتقده كافة البوذيين ، كما يعقدون أن بوذا هو ، مخلص الناس.
وقال مكس مولر : " البوذيون يزعمون أن بوذا قال : دعوا كل الآثام التي ارتكبت في هذا العالم تقع علي : كي يخلص العالم .
وقال العلامة وليامز :"..الهنود تقول : ومن رحمته ( أي بوذا) تركه للفردوس ، ومجيئه إلى الدنيا ، من أجل خطايا بني الإنسان وشقائهم ؛ كي يبررهم من ذنوبهم ، ويزيل عنهم القصاص الذي يستحقونه".
وقال دوان : كان الفداء بواسطة التألم والموت لمخلص إلهي قديم العهد جداً عند الصينيين ، وأن أحد كتبهم المقدسة المدعو (بيكنيك) يقول عن (تيان) أنه القدوس الواحد ، ذو الفضائل السماوية والأرضية ، وأنه يعيد الكون إلى البر، وأنه يعمل ويتألم كثيراً ، ولا بد له من اجتياز تيار عظيم تدخل أمواجه إلى نفسه ، وأنه الوحيد القادر على أن يقدم ذبيحة للرب تليق به ... فالناس يقدمون أنفسهم ذبيحة من أجل اكتساب قوتهم ، والفلاسفة من أجل اكتساب جاه وشهرة ، والأمراء لتثبيت عيالهم ، أما القدوس (تيان) فلأجل الناس يموت ، كي يخلص الصالح ، ويقولون عنه أيضاً : إنه واحد مع الله منذ الأزل قبل كل شيء".
وقال Bonwick : " يعبد المصريون أوزيريس أحد مخلصي الناس وأنه بسبب جده لعمل الصلاح يلاقي اضطهاداً ، وبمقاومته للخطايا يقهر ويقتل .
قال العلامة موري : " يحترم المصريون أوزيريس ، ويعدونه أعظم مثال لتقديم النفس ذبيحة لينال الناس الحياة" .
وقال العلامة (دوان) نقلاً عن السر ولكنسون : " إن تألم وموت أوزيريس هما السر العظيم في ديانة المصريين وبعض آثار هذه العقيدة ظاهر في ديانات الأمم (الأخرى) .
ويعدونه (أي أوزيريس): الصلاح الإلهي ، وجالب الفكر الصالح . وكيفية ظهوره على الأرض ، وموته ، وقيامه من بين الأموات ، وأنه سيكون ديان الأموات في اليوم الأخير _ تشابه آلهة الهنود".
"وكان حوريس يدعى المخلص والفادي وإله الحياة والواحد الأبدي والمولود الوحيد . ويدعى (أتيس) أيضاً الولد الوحيد المخلص ؛ فقد كان يعبده الفريجيون (وهم سكان آسيا الصغرى) ويمثلونه برجل مقيد على شجرة وتحت رجليه حل شبيه أبولو الذي كان يعبده الميلتيون ، فإنهم يقولون : إنه مات بالجسد ، وأنه حكيم عمل العجائب ، وقد قبض عليه جنود الكلدانيين وقتلوه وسمروه كي يزداد تألماً ، وأنه صلب لأجل خلاصهم".
وقالت السيدة Jameson : كان الميليتيون يمثلون الإله إنساناً مصلوباً مقيد اليدين والرجلين بحبل على خشبة ، وتحت رجليه صورة حمل .
والسوريون يقولون : إن تموز الإله المولود البكر ، من عذراء ، تألم من أجل الناس . ويدعونه : المخلص ، الفادي ، المصلوب ، وكانوا يحتفلون في يوم مخصوص من السنة تذكاراً لموته ، فيصنعون صنماً على أنه هو ، ويضعونه على فراش ، ويندبونه ، الكهنة ترتل قائلة : ثقوا بربكم فإن الآلام التي قاساها قد جلبت لنا الخلاص .
قال دوان : " وكان الوثنيون يدعون (بروميسيون) مخلصاً ، كما يدعونه أيضاً ، الإله الحي ، صديق البشير ، المقدم نفسه ذبيحة لخلاص الناس".
"ورواية صلب القراسيوس الهائلة التي كتبها أسيوس في أثينا قبل المسيح عليه السلام بخمس مائة عام هي أقدم شعر باق إلى هذا الحين بخصوص الصلب .
أما الحيل والخدع المذكورة فيها فمأخوذة عن روايات قديمة العهد جداً ، وليس لها مثيل لإحداث التأثير على إحساس الناظرين ، ولا يوجد من سبقه إلى بيان ووصف ما قد قاساه ذاك الإله من الآلام ، ولا يتمالك الناظر إلى تمثيل روايته من الانفعال العظيم ، وكيف كان تأثر أولئك الذين كانوا يعتقدون بألوهية بطل هذه الرواية الذي هو : (خليلهم وخالقهم ونافعهم ومخلصهم) .
وخصامهم جلب عليهم الآثام والآلام التي احتملها ، والأحزان التي قاساها كلها من أجل خلاصهم .
وبسبب ذنوبهم جرح ، وبداعي طغيانهم سحق وتحمل القصاص لنجاتهم ، وبضربه وجلده شفوا ، وأنه أضطهد ، وتألم وامتهن ولم يتململ . وصبره العظيم ظهر حينما كانت كهنة إله الشر تسمر يديه ورجليه بجبل قوقاسوس ، وليس له شبيه أو مثيل إلا الكمال الذي أجراه وهو معلق ويداه ممدوتان بشكل الصليب خدمة للناس وحباً فيهم وهذه الخدمة جلبت عليه هذا الصلب المخيف .
وحينما كان يقاسي عذاب وعناء تلك المكيدة اعترف صديقه أوسينوس الصياد أنه لم يقدر على إقناعه لمصالحة المشتري وترك خلاص الناس ، ثم تركه أوسينوس الصياد وفر هارباً ، ولم يبق معه أحد يعاين سكرات موته إلا جماعة من المرتلين الأحباب المخلصين الذين ناحوا عليه واستطاعوا أن يزيلوا من قبله حب البشر" .
قال العلامة دوان : "وكان الوثنيون يدعون (بوخص) ابن المشتري من العذراء : المخلص ، الابن الوحيد ، الذبيح حامل الخطايا ، الفادي، وكانوا يقولون: ولما كثر الشر في الأرض طلب بندوراً وتوسل إلى المشتري سيد الألهة كي يأتي ويخلص الناس من الآثام والخطايا فاستجاب المشتري لهم وجعل ابنه مخلصاً للمذنبين في العالم . وتعهد بوخص الفادي بتحرير الأرض من الأوزار ، وأنه سيعبده الناس ويرتلون التسابيح تمجيداً لاسمه ، ومن أجل تتميم هذا العمل حل الإله المشتري (سميل) العذراء البديعة ، فحملت ودعيت والدة الإله . وقال بوخص الفادي للأمم : أنا مرشدكم وحاميكم وفاديكم ، أنا الألف والاميكا" .
وكان هير كلوس بن زنيس يدعى : "المخلص" وكانوا يدعونه أيضاً _ الابن الوحيد _ والكلمة ، وأنه عاد واتحد مع الإله ، وأنه مكون كل شيء وهو أبو الزمان ، واسكولابيوس يدعى أيضاً "المخلص" و الهيكل المشاد تذكاراً على اسمه يدعى هيكل "المخلص" وأبولو يدعى : " المخلص " وكان هدريان امبراطور الرومان (138 ب . م ) يقول عن سيربيس أنه إله . وقد وجد صليب بإحدى الهياكل الخربة في الإسكندرية وعليه صورة هذا المخلص المصري".
وكان الفرس يدعون مترا "الوسيط بين الله والناس ، والمخلص الذي بتألمه خلص الناس ففداهم " ويدعونه : "الكلمة" و "الفادي" ، ويعتقدون أيضاً بأن زروستر المتشرع مرسل إلهي أرسل ليخلص الناس من الطريق الشريرة ، وإلى هذا الحين نرى أتباعه يدعونه زروستر "الحي المبارك المولود البكر الواحد الأبدي" وما شاكل ذلك من الألقاب ، وأنه لما ولد أضاء الغرفة التي ولد فيها ، وأنه ضحك على أمه من حين ولادته ويدعونه :النور الشعشعاني البارز من شجرة المعرفة الذي علق على شجرة" .
قال أريان في تاريخه عن رموز الإسكندر : " إن جيوش بورس يوجد على علمها صورة إنسان مصلوب".
وقال هيجين : إن تلك الصورة تمثل إما (أوستروبات أو سيلفاهنا) فإنهما يظهران للرائي كأنهما صورة إنسان كان يحملها الرومانيون على رؤوس أعلامهم ، وهي تشابه رمز الحمامة التي كان يضعها الأشوريون على رؤوس أعلامهم ، ولا بد من أن تكون تلك الصورة هي صورة "ابن الله المصلوب" .
وعبد المكسيكيون إلها مصلوباً دعوه المخلص والفادي ويدعون ابن الله بلغتهم "باكوب" و "أوبوكو" . ولو لم يحرق الإسبانيون كتب سكان المكسيك والبيرو ويخربون هياكلهم وينحتون تصاويرهم ورسومهم ، لعلمنا عنهم أكثر مما نعلم الآن بكثير ، لولا النزر القليل الذي سلم من يد الإسبانيين الظالمين لما علمنا أنهم كانوا يعبدون إلها صلب فداءً عن الخطيئة وأنهم كانوا يدعونه : ابن الله الفادي . وسكان اليوكاتان عبدوا إلهاً مصلوباً فداءً عن الخطيئة ويدعونه ابن الله .وقد وجدت جملة صلبان عليها صورة هذا الابن المصلوب فداءً عن الخطيئة".
قال نيت : "كان الوثنيون يدعو أبولو : "الراعي الصالح". وكذلك دعوا عطارد "الراعي الصالح" ، وكرشنا مخلص الهنود دعوه : "الراعي الملوكاني الصالح " وهكذا غيرهم . وحباً في الاختصار نكتفي بما أوردناه ( ).
الخاتمة وأهم النتائج
وهنا نأتي إلى خاتمة البحث وبيان أهم النقاط والنتائج والفوائد المستفادة والمستخلصة من هذا البحث :
1- كلمة الصلب في لغة العرب تطلق على القتل على شاخص أو مرتفع كجذع نخلة أو عمود .
2- كلمة الفداء يراد بها الإنقاذ من العقوبة والجزاء كالقتل والفداء يكون بالنفس ويكون بغير ذلك كالمال .
3-تقرير عقيدة الصلب والفداء عند النصارى أن المسيح في نظر- النصارى - مات مصلوباً فداءً عن الخليقة، لشدة حب الله للبشر ولعدالته، فهو وحيد الله – تعالى الله عن كفرهم – الذي أرسله ليخلص العالم من إثم خطيئة أبيهم آدم وخطاياهم، وأنه دفن بعد صلبه، وقام بعد ثلاثة أيام متغلباً على الموت ليرتفع إلى السماء.
4-هذه العقيدة الفاسدة هي من وحي الشيطان أفسد بها دين النصارى ؛ وهي قدح في مقام الرب سبحانه القوي العزيز ؛ وفيها فتح باب شر لاقتراف الذنوب والمعاصي بشتى أنواعها وأبشع أشكالها.
5- وقد رد العلماء على هذه الفرية من عدة أوجه منها:
أ- لأنها تستلزم الجهل والبداء على الباري ؛ كأنه حيث خلق آ دم ما كان يعلم ما يقتضيه العدل والرحمة في شأنه حتى اهتدى إلى ذلك بعد آلاف السنين .
ب- يلزم من يقبل هذه القصة أن يسلم ما يحيله كل عقل مستقل من أن خالق الكون يمكن أن يحل في رحم امرأة في هذه الأرض التي نسبتها إلى سائر ملكه أقل من نسبة الذرة إليها.
ت- البشر لم يخلصوا وينجوا من العذاب بوقوع هذا الصلب في اعتقاد النصارى ؛ فإنهم يقولون إن خلاصهم متوقف على الإيمان بهذه القصة .
ث- يلزم من هذه القصة شيء أعظم من عجز الخالق عن إتمام مراده بالجمع بين عدله ورحمته في صلب المسيح ؛ لأنه عذبه من حيث هو بشر ؛ وهو لا يستحق العذاب .
ج- لزم من ذلك أن يكون أهل هذه العقيدة إباحيين ،ويلزم أن يكون الشرير المبطل الذي يعتدي على أموال الناس وأنفسهم وأراضيهم ويفسد في الأرض ويهلك الحرث والنسل من أهل الملكوت .
ح- عفو الإنسان عمن يذنب إليه أو عفو السيد عن عبده الذي يعصيه لا ينافي العدل والكمال كما هو مقرر عند العقلاء خلافا لمعتقد النصارى في عقيدة الصلب الفداء .
6-القرآن يشير إلى الجذور والأصول الوثنية لبعض المعتقدات النصرانية .
كما في قوله تعالى عزَّ وجلَّ: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } [التوبة :30]
7- اعتراف كثير من علماء الغرب بتسرب الوثنية للعقيدة النصرانية .
وعلى رأس هؤلاء : أرنست ذي بولس الألماني - المؤرخ ول ديورانت- الأمريكي "درابر- الكاتب "جرين برنتن- الكاتب أندريه نايتون - الكاتب الفرنسي فرانز كومون - العالم الفرنسي شارل غينيبير – وغيرهم كثير .
8- من الأمور التي كان لها دور في إدخال الوثنية للديانة النصرانية ؛ الاضطهاد الوثني لأتباع المسيحية لفترات طويلة وتضمن ذلك :
أ- تنكيل الوثنين بالمسيحيين الأوائل وشدة اضطهادهم
ب- إن هذا الاضطهاد قد جعل المسيحيين في هذه الأحقاب يستخفون بدعوتهم، ويفقدون كثيراً من كتبهم، ويجعل ديانتهم عرضة للضياع والتحريف، لا سيما ما كان من قِبَلِ أعدائهم اليهود الذين كانوا يدخلون في المسيحية نفاقاً.
ج- أثر قسطنطين الوثني الواضح في إفساد الديانة النصرانية ويتجلى ذلك في مجمع (نيقية ) .
9- عند المقارنة بين العقائد الوثنية والعقائد النصرانية بوجه عام .
نجد تشابها كبيرا بين تلك الديانات يصل إلى حد الأمور الدقيقة التي يستحيل أن تكون بمحض الصدفة ؛ ومن أمثلة ذلك :
أ- يقول الهنود الوثنيون في كريشنة ((ابن الله)):هو المخلص والفادي والمعزي والراعي الصالح والوسيط , وابن الله, والأقنوم الثاني من الثالوث المقدس , وهو الأب والابن وروح القدس
ويقول النصارى في يسوع "ابن الله" القول نفسه : " هو المخلص والفادي والمعزي والراعي الصالح والوسيط ، وابن الله ، والأقنوم الثاني من الثالثوث المقدس ، وهو الأب والابن وروح القدس .
ب- ويقول الهنود في بوذا "ابن الله":
- كان تجسد بوذا بوساطة حلول روح القدس على العذراء "مايا" .
- لما نزل بوذا من مقعد الأرواح ، ودخل في جسد العذراء مايا صار رحمها كالبلور الشفاف النقي ، وظهر بوذا فيه كزهرة جميلة ..
ويقول المسيحيون في المسيح ابن الله القول نفسه :
- كان تجسد يسوع المسيح بوساطة حلول الروح القدس على العذراء "مريم" .
- لما نزل يسوع المسيح من مقعدة السماوي ، ودخل في جسد مريم العذراء صار رحمها كالبلور الشفاف النقي ، وظهر فيها يسوع كزهرة جميلة .
ج- متراس : هذه الديانة فارسية الأصل ، وقد ازدهرت في بلاد فارس قبل الميلاد نحو إلى ستة قرون ، ثم نزحت إلى روما حوالي سنة 70 ق . م ، وانتشرت في بلاد الرومان ، وصعدت إلى الشمال حتى وصلت بريطانيا ؛ ومن اعتقادهم :
- مثرا كان وسيطاً بين الله والبشر.
- وأن مولده كان في كهف أو زاوية من الأرض .
- وأنه ولد في الخامس والعشرين من ديسمبر.
- كان له اثناعشر حواريا.
- مات ليخلص البشر من خطاياهم.
- دفن ولكنه عاد للحياة وقام من قبره.
- صعد إلى السماء أمام تلاميذه وهم يبتهلون له ويركعون.
- كان يدعى مخلصاً ومنقذاً .
- ومن أوصافة أنه كان كالحمل الوديع.
- كان أتباعه يعمدون باسمه.
وهذه نفسها بتفاصيلها نجدها عند النصارى .
د-ديانة بعل إله البابليين كانت معيناً للمسيحية في موضوع قصة محاكمة عيسى وصلبه ،وقد وضع البابليون قصة محاكمة بعل في تمثيلية مؤثرة ؛ كانت تمثل كل عام قبل مولد المسيح بقرون عديدة ، وكانت تمثيلية حافلة بالغموض والحزن ، وقد أخذ اليهود إلى السجن بابل منذ عهد بختنصر ،وهناك رأوا هذه التمثيلية تعرض كل مطلع ربيع ، وعندما عاد اليهود إلى ديارهم كانت هذه القصة عالقة بأذهانهم ومؤثرة في حياتهم ، فانعكست على آدابهم وعلى حياتهم العامة ، وعقب نهايتة المسيح ظهرت تمثيلية بعل بنفس عناصرها مع اسم جديد وضع مكان بعل ؛وهذا الأسم هو المسيح ، حتى يمكن القول إن قصة صلب المسيح كما توردها الأناجيل هي قصة منتحلة تماماً.
هـ- وكذلك الأمر بالنسبة لحياة بوذا عند الهنود وحياة المسيح عند النصارى .
ز- وكذلك الأمر بالنسبة لحياة كرشنة عند الهنود وحياة المسيح عند النصارى .
10- مقارنة بين عقيدة الصلب والفداء عند النصارى وبين العقائد الوثنية .
- مسألة صلب المسيح والاعتقاد بالفداء _ عند النصارى_ رأس الإيمان عندهم .
- الصلب عند الوثنيين : هي تصور الخلاص بواسطة تقديم أحد الآلهة ذبيحة ، فداء عن الخطيئة ، قديم العهد جداً عند الهنود الوثنيين وغيرهم وهنا ملخص أوجه التشابه بين أهم معبودات الوثنيين :
أ- كان الرومانيون واليونان يقدمون أنفسهم ذبيحة للآلهة استرضاءً لها .
ب- وفي مصر يقدمون من البشر ذبيحة ، فكانوا يقدموا الابن البكر من أحد العائلات الأتانية ذبيحة ، يأخذونه إلى هيكل في (فستات في عالوس) ، ويضعون على رأسه إكليلاً ثم يذبحونه قرباناً للإله ، كما تذبح الأنعام .
ت- ويعتقد الهنود بأن كرشنا المولود البكر الذي هو نفس الإله فشنو ،الذي لا ابتداء له ، ولا انتهاء ، على رأيهم ، قد تحرك _شفقة وحنواً_ كي يخلص الأرض من ثقل حملها فأتاها وخلص الإنسان بتقديم نفسه ذبيحة عنه".
ث- ويعتقد الهنود (الوثنيون) بتجسد أحد الآلهة وتقديم نفسه ذبيحة فداءً عن الناس والخطيئة .
ج-وفي بلاد التبت والنيبال _: يعتقدون في معبودهم الإله (أندار) الذي يعبدونه : إنه سفك دمه بالصلب ، وثقب المسامير كي يخلص البشر من ذنوبهم وإن صورة الصلب موجودة في كتبهم.
ح- وفي جنوب الهند وتنجور ، وفي أيونديا ، يعبدون إلها صلب اسمه (بالي) ويعتقدون بأنه (فشنو) تجسد : (أي ظهر بالناسوت) ويصورونه مثقوب الجنب واليدين .
خ- وبوذا في _ نظر البوذيين_ إنسان وإله معاً ، وأنه تجسد بالناسوت في هذا العالم ليهدي الناس ويفديهم ، ويبين لهم طريق الأمان وهذا التجسد اللاهوتي بعتقده كافة البوذيين ، كما يعقدون أن بوذا هو ، مخلص الناس.
د-و يعبد المصريون أوزيريس أحد مخلصي الناس وأنه بسبب جده لعمل الصلاح يلاقي اضطهاداً ، وبمقاومته للخطايا يقهر ويقتل .
ذ- وحوريس عند المصريين يدعى المخلص والفادي وإله الحياة والواحد الأبدي والمولود الوحيد .
ر- ويدعى (أتيس) أيضاً الولد الوحيد المخلص ؛ الذي كان يعبده الفريجيون (وهم سكان آسيا الصغرى) ويمثلونه برجل مقيد على شجرة وتحت رجليه حل شبيه أبولو الذي كان يعبده الميلتيون ، فإنهم يقولون : إنه مات بالجسد ، وأنه حكيم عمل العجائب ، وقد قبض عليه جنود الكلدانيين وقتلوه وسمروه كي يزداد تألماً ، وأنه صلب لأجل خلاصهم .
ز- والميليتيون يمثلون الإله إنساناً مصلوباً مقيد اليدين والرجلين بحبل على خشبة ، وتحت رجليه صورة حمل .
س- والسوريون يقولون : إن تموز الإله المولود البكر ، من عذراء ، تألم من أجل الناس . ويدعونه : المخلص ، الفادي ، المصلوب ، وكانوا يحتفلون في يوم مخصوص من السنة تذكاراً لموته ، فيصنعون صنماً على أنه هو ، ويضعونه على فراش ، ويندبونه ، الكهنة ترتل قائلة : ثقوا بربكم فإن الآلام التي قاساها قد جلبت لنا الخلاص .
ش- والوثنيون يدعون (بوخص) ابن المشتري من العذراء : المخلص ، الابن الوحيد ، الذبيح حامل الخطايا ، الفادي، وكانوا يقولون: ولما كثر الشر في الأرض طلب بندوراً وتوسل إلى المشتري سيد الألهة كي يأتي ويخلص الناس من الآثام والخطايا فاستجاب المشتري لهم وجعل ابنه مخلصاً للمذنبين في العالم .
ص- والفرس يدعون مترا "الوسيط بين الله والناس ، والمخلص الذي بتألمه خلص الناس ففداهم " ويدعونه : "الكلمة" و "الفادي" ، ويعتقدون أيضاً بأن زروستر المتشرع مرسل إلهي أرسل ليخلص الناس من الطريق الشريرة ، وإلى هذا الحين نرى أتباعه يدعونه زروستر "الحي المبارك المولود البكر الواحد الأبدي" وما شاكل ذلك من الألقاب .
ض- وقال أريان في تاريخه عن رموز الإسكندر : " إن جيوش بورس يوجد على علمها صورة إنسان مصلوب.
ط- وعبد المكسيكيون إلها مصلوباً دعوه المخلص والفادي ويدعون ابن الله بلغتهم "باكوب" و "أوبوكو" . و كانوا يدعونه : ابن الله الفادي .
ظ- وسكان اليوكاتان عبدوا إلهاً مصلوباً فداءً عن الخطيئة ويدعونه ابن الله .وقد وجدت جملة صلبان عليها صورة هذا الابن المصلوب فداءً عن الخطيئة".
هذا ملخص لأهم أوجه التشابه بين آلهة الوثنيين وما يعتقدونه فيها وبين المسيح في اعتقاد النصارى وهذا التشابه الكبير بتفاصيله لا يمكن أن يكون جاء اتفاقا ؛ وإنما هو في الحقيقة أخذ واقتباس اللاحق للسابق ؛ وأن الله قد صدق في قوله سبحانه { يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } [التوبة : 30]
هذا آخر ما سطره القلم نسأل الله سبحانه أن ينفع بما كتبنا وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم والحمد لله رب العالمين .