الصابئة المندائية معتقدهم وعبادتهم

الصابئة المندائية
معتقدهم وعبادتهم

جمعه ورتبه
أبي أنس
ماجد البنكاني
المقدمة
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ،( )
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً.( )
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً.( )

أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله تعالى، وخير الهدى هدي محمد ، وإن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
ذكر الله سبحانه وتعالى الصابئة في كتابة الكريم ، وهم من القدماء، وهم الذين دعاهم إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وهم الذين ألقوه في النار ، وملكهم النمرود .
فأحببنا أن نعرف بهم ، ونتكلم على معتقدهم ، وعبادتهم ، وطوائفهم ، وهل هم من أهل الكتاب أم لا ، وأين موطنهم ،كل هذا ستجده في هذا الكتاب.
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يتقبل أعمالنا وأقوالنا ، كما أسأله سبحانه أن يجعل عملنا هذا خالصاً لوجهه الكريم ، وأن يكون حجةً لنا لا علينا ، وأن ينفعنا به في يوم الدين ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
اللهم آمين
وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

تمهيد
تعريف الصابئة:
في اللغة: صبأ الرجل إذا مال وزاغ، فبحكم ميل هؤلاء عن سنن الحق وزيغهم عن نهج الأنبياء قيل لهم: الصابئة.
وقد يقال: صبأ الرجل إذا عشق وهوى.
وهم يقولون: الصبوة هي الانحلال عن قيد الرجال.
وإنما مدار مذهبهم على التعصب للروحانيين، كما أن مدار مذهب الحنفاء هو التعصب للبشر الجسمانيين. ( )
وصَبَأَ من دين إلى دين، يَصْبَأُ مهموز بفتحتين خرج فهو صَابِئٌ، ثم جعل هذا اللقب علماً على طائفة من الكفار، يقال إنها تعبد الكواكب في الباطن وتنسب إلى النصرانية في الظاهر وهم الصَّابِئَةُ و الصَّابِئُونَ ويدعون أنهم على دين صابئ. ( )
وقال الطبري: والصابئون جمع صابىء وهو الـمستـحدث سوى دينه دينا كالـمرتدّ من أهل الإسلام عن دينه، وكل خارج من دين كان علـيه إلـى آخر غيره تسميه العرب صابئا، يقال منه: صَبَأ فلان يَصْبَأ صَبْأً، ويقال: صبأت النـجوم: إذا طلعت، وصبأ علـينا فلان موضع كذا وكذا يعنـي به طلع. ( )
وقال صاحب كتاب التحرير والتنوير: والأظهر عندي أن أصل كلمة الصابئ أو الصابئة أو ما تفرع منها هو لفظ قديم من لغة عربية أو سامية قديمة هي لغة عرب ما بين النهرين من العراق وفي دائرة المعارف الإسلامية أن اسم الصابئة مأخوذ من أصل عبري هو " ص ب ع " أي غطس عرفت به طائفة "المنديا" وهي طائفة يهودية نصرانية في العراق يقومون بالتعميد كالنصارى ويقال الصابئون بصيغة جمع صابئ والصابئة على أنه وصف لمقدر أي الأمة الصابئة وهم المتدينون بدين الصابئة ولا يعرف لهذا الدين إلا اسم الصابئة على تقدير مضاف أي دين الصابئة إضافة إلى وصف أتباعه ويقال دين الصابئة، وهذا الدين دين قديم ظهر في بلاد الكلدان في العراق وانتشر معظم أتباعه فيما بين الخابور ودجلة وفيما بين الخابور والفرات فكانوا في البطائح وكسكر في سواد واسط وفي حران من بلاد الجزيرة. ( )
وفي حديث غزوة خالد بن الوليد إلى جذيمة أنه عرض عليهم الإسلام أو السيف فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فقالوا صبأنا الحديث.
والصابئة قوم يزعمون أنهم على دين نوح عليه السلام وقبلتهم مهب الشمال عند منتصف النهار الصاحب الملازم إنسانا أو حيوانا أو مكانا أو زمانا ولا فرق بين كون مصاحبته بالبدن وهو الأصل والأكثر أو بالعناية والهمة ولا يقال عرفا إلا لمن كثرت ملازمته ويقال لمالك الشيء صاحبه وكذا لمن يملك التصرف فيه ويضاف الصاحب إلى مسوسه كصاحب الجيش وإلى سائسه كصاحب الأمير والمصاحبة والاصطحاب أبلغ من الاجتماع لأن المصاحبة تقتضي طول لبثه فكل اصطحاب اجتماع ولا عكس وفي المصباح الصاحب يطلق مجازا على من يذهب بمذاهب من مذاهب الأئمة فيقال أصحاب الشافعي وأصحاب أبي حنيفة وكل شيء لازم شيئا فقد استصحبه واستصحب الكتاب حمله صحبته ومن هنا استصحب الحال إذا تمسك بها كأنك جعلت تلك الحالة مصاحبة غير مفارقة. ( )
والصابئة المندائية هي طائفة الصابئة الوحيدة الباقية إلى اليوم والتي تعتبر يحيى عليه السلام نبيًّا لها، يقدّس أصحابها الكواكب والنجوم ويعظمونها، ويعتبر الاتجاه نحو نجم القطب الشمالي وكذلك التعميد في المياه الجارية من أهم معالم هذه الديانة التي يجيز أغلب فقهاء المسلمين أخذ الجزية من معتنقيها أسوة بالكتابيين من اليهود والنصارى. ( )
وأصبحت هذه الكلمة علماً لكل من أسلم وتبع النبي محمد $ حيث كان كفار قريش يسمون من أسلم بالصابئ.
ألا ترى أنه لما بعث محمد $ وصفه المشركون بالصابئ وربما دعوه بابن أبي كبشة الذي هو أحد أجداد آمنة الزهرية أم النبي $ كان أظهر عبادة الكواكب في قومه فزعموا أن النبي ورث ذلك منه وكذبوا.
وفي حديث عمران ابن حصين أنهم كانوا في سفر مع النبي $ ونفد ماؤهم فابتغوا الماء فلقوا امرأة بين مزادتين على بعير فقالوا لها انطلقي إلى رسول الله فقالت الذي يقال له الصابئ قالوا هو الذي تعنين، وساق حديث تكثير الماء.
وكانوا يسمون المسلمين الصباة كما ورد في خبر سعد بن معاذ أنه كان صديقا لأمية بن خلف وكان سعد إذا مر بمكة نزل على أمية فلما هاجر النبي $ إلى المدينة انطلق سعد ذات يوم معتمرا فنـزل على أمية بمكة وقال لأمية انظر لي ساعة خلوة لعلي أطوف بالبيت فخرج به فلقيهما أبو جهل فقال لأمية يا أبا صفوان من هذا معك قال سعد فقال له أبو جهل ألا أراك تطوف بمكة آمنا وقد أويتم الصباة.
وعن قتادة قال: تزوج أم كلثوم ابنة رسول الله $ عتيبة بن عبد العزى أبي لهب فلم يبن بها( ) حتى بعث النبي $ وكانت رقية ابنة النبي $ تحت عتبة أخي عتيبة فلما انزل الله (تبت يدا أبي لهب) قال أبو لهب لابنيه عتيبة وعتبة: رأسي من رأسكما حرام إن لم تطلقا ابنتي محمد وسأل النبي $ عتبة طلاق رقية وسألته رقية ذلك فقالت له أمه - وهي حمالة الحطب -: طلقها يا بني فإنها قد صبت .
فطلقها وطلق عتيبة أم كلثوم وجاء إلى النبي $ حيث فارق أم كلثوم وقال: كفرت بدينك وفارقت ابنتك لا تحبني ولا أحبك ثم سطا عليه فشق قميص النبي $ وهو خارج نحو الشام تاجرا فقال رسول الله $: أما أني أسأل الله أن يسلط عليك كلبه فخرج في نفر من قريش حتى نزلوا بمكان من الشام يقال له الزرقاء ليلا فأطاف بهم الأسد تلك الليلة فجعل عتيبة يقول : يا ويل أمي هو والله آكلي كما دعا محمد علي ألا قاتلي ابن أبي كبشة وهو بمكة وأنا بالشام فعدا عليه الأسد من بين القوم فأخذ برأسه فضغمه ( ) فمزعه ( ) ، فتزوج عثمان بن عفان رقية فتوفيت عنده ولم تلد له. ( )

نسبتهم
ينتسب الصابئة إلى دين النصارى أقرب منهم إلى اليهود، وهذا الذي هم يقولونه، وهم قوم إبراهيم عليه السلام الذين ناظرهم في بطلان الشرك وكسر حجتهم بعلمه وآلهتهم بيده فطلبوا تحريقه.
فهم يعتبرون صنفاً من النصارى وينتمون إلى النبي يحيى بن زكرياء، ولهم كتاب يزعمون أن الله أنزلها على شيث بن آدم ويسمونه " أغاثا ديمون " والنصارى يسمونهم يوحناسية " نسبة إلى يوحنا وهو يحيى ، ولهم الكنـزا ربا وهو من كتبهم المقدسة .
قال في المصباح: وينسب إلى النصرانية في الظاهر وهم الصابئة والصابئون، ويدعون أنهم على دين صابئ بن شيث بن آدم، ويجوز التخفيف فيقال: الصابون وقرأ به نافع . ( )
وقال ابن قيم الجوزية:
وهؤلاء كانوا قوم إبراهيم الخليل وهم أهل دعوته، وكانوا بحران فهي دار الصابئة وكانوا قسمين: صائبة حنفاء، وصابئة مشركين، والمشركون منهم يعظمون الكواكب السبعة والبروج الاثني عشر ويصورونها في هياكلهم ولتلك الكواكب عندهم هياكل مخصوصة وهي المتعبدات الكبار كالكنائس للنصارى والبيع لليهود فلهم هيكل كبير للشمس وهيكل للقمر وهيكل للزهرة وهيكل للمشتري وهيكل للمريخ وهيكل لعطارد وهيكل لزحل وهيكل للعلة الأولى، ولهذه الكواكب عندهم عبادات ودعوات مخصوصة ويصورونها في تلك الهياكل ويتخذون لها أصناما تخصها ويقربون لها القرابين، ولها صلوات خمس في اليوم والليلة نحو صلوات المسلمين.
وطوائف منهم يصومون شهر رمضان ويستقبلون في صلواتهم الكعبة ويعظمون مكة ويرون الحج إليها ويحرمون الميتة والدم ولحم الخنزير ويحرمون من القرابات في النكاح ما يحرمه المسلمون وعلى هذا المذهب كان جماعة من أعيان الدولة ببغداد منهم هلال بن المحسن الصابىء صاحب الديوان الإنشائي وصاحب الرسائل المشهورة وكان يصوم مع المسلمين ويعيد معهم ويزكي ويحرم المحرمات وكان الناس يعجبون من موافقته للمسلمين وليس على دينهم وأصل دين هؤلاء فيما زعموا أنهم يأخذون بمحاسن ديانات العالم ومذاهبهم ويخرجون من قبيح ما هم عليه قولا وعملا ولهذا سموا صابئة أي خارجين فقد خرجوا عن تقيدهم بجملة كل دين وتفصيله إلا ما رأوه فيه من الحق وكانت قريش تسمي $ الصابىء وأصحابه الصبأة يقال: صبأ الرجل بالهمز إذا خرج من شيء إلى شيء وصبا يصبو إذا مال ومنه قوله: وإلا تصرف عنى كيدهن أصب إليهن أي أمل والمهموز والمعتل يشتركان فالمهموز: ميل عن الشيء والمعتل: ميل إليه واسم الفاعل من المهموز: صابىء بوزن قارىء ومن المعتل: صاب بوزن قاض وجمع الأول: صابئون كقارئون وجمع الثاني: صابون كقاضون وقد قرىء بهما. ( )
وقال صاحب التحرير والتنوير:
وكان أهل هذا الدين نبطا في بلاد العراق فلما ظهر الفرس على إقليم العراق أزالوا مملكة الصابئين ومنعوهم من عبادة الأصنام فلم يجسروا بعد على عبادة أوثانهم.
وكذلك منع الروم أهل الشام والجزيرة من الصابئين فلما تنصر قسطنطين حملهم بالسيف على التنصر، فبطلت عبادة الأوثان منهم من ذلك الوقت وتظاهروا بالنصرانية، فلما ظهر الإسلام على بلادهم اعتبروا في جملة النصارى، وقد كانت صابئة بلاد كسكر والبطائح معتبرين صنفاً من النصارى ينتمون إلى النبي يحيى بن زكرياء، ومع ذلك لهم كتب يزعمون أن الله أنزلها على شيث بن آدم ويسمونه " أغاثا ديمون " والنصارى يسمونهم يوحناسية " نسبة إلى يوحنا وهو يحيى ". ( )
وقال صاحب مغني المحتاج:
والصابئون: وهي طائفة من النصارى سميت بذلك قيل لنسبتها إلى صابىء عم نوح عليه الصلاة والسلام.
وقيل لخروجها من دين إلى دين وكان الكفار يسمون الصحابة صابئة لخروجهم عن دينهم إلى الإسلام.
وأصول " دينهم حرمن " لكفرهم بكتابهم وإن وافقوهم في الفروع " وإلا " أي وإن لم يخالفوهم في ذلك بأن علمنا به وإن خالفوهم في الفروع " فلا " يحرمن لأنهم مبتدعة كما في أهل القبلة الصنفين، فإطلاق الصابئة على من ذكر هو المراد ويطلق أيضا على قوم أقدم من النصارى كانوا في زمن إبراهيم عليه السلام، قيل إنهم كانوا يقولون إن الفلك حي ناطق، ويقولون بأن الكواكب السبعة هي المدبرة فيضيفون الآثار إليها وينفون الصانع المختار، ووجدوا في زمن الاصطخري والمحاملي وأفتيا بقتلهم لما استفتى القاهر الفقهاء فيهم فبذلوا له أموالاً كثيرة فتركهم فالبلاء قديم. ( )
وقال ابن قيم الجوزية:
قال يحيى بن بشر: إن شريعة الهند وضعها لهم رجل يقال له برهمن ووضع لهم أصناما وجعل أعظم بيوتها بيتا بمدينة من مدائن السند وجعل فيه صنمهم الأعظم وزعم أنه بصورة الهيولى الأكبر وفتحت هذه المدينة في أيام الحجاج واسمها الملتان فأراد المسلمون قلع الصنم فقيل : إن تركتموه ولم تقلعوه جعلنا لكم ثلث ما يجتمع له من المال فأمر عبد الملك بن مروان بتركه فالهند تحج إليه من نحو ألفي فرسخ ولا بد لمن يحجه أن يحمل معه من النقد ما يمكنه من مائة إلى عشرة آلاف لا يكون أقل من هذا ولا أكثر فيلقيه في صندوق هناك عظيم ويطوف بالصنم فإذا ذهبوا ورجعوا إلى بلادهم قسم ذلك المال فثلثه للمسلمين وثلثه لعمارة المدينة وحصونها وثلثه لسدنة الصنم ومصالحه.
وأصل هذا المذهب من مشركي الصابئة وهم قوم إبراهيم عليه السلام الذين ناظرهم في بطلان الشرك وكسر حجتهم بعلمه وآلهتهم بيده فطلبوا تحريقه.
وهو مذهب قديم في العالم وأهله طوائف شتى فمنهم عباد الشمس زعموا أنها ملك من الملائكة لها نفس وعقل وهي أصل نور القمر والكواكب وتكون الموجودات السفلية كلها عندهم منها وهي عندهم ملك الفلك فيستحق التعظيم والسجود والدعاء ومن شريعتهم في عبادتها : أنهم اتخذوا لها صنما بيده جوهرة على لون النار وله بيت خاص قد بنوه باسمه وجعلوا له الوقوف الكثيرة من القرى والضياع وله سدنة وقوام وحجبة يأتون البيت ويصلون فيه لها ثلاث كرات في اليوم ويأتيه أصحاب العاهات فيصومون لذلك الصنم ويصلون ويدعون ويستسقون به وهم إذا طلعت الشمس سجدوا كلهم لها وإذا غربت وإذا توسطت الفلك ولهذا يقارنها الشيطان في هذه الأوقات الثلاثة لتقع عبادتهم وسجودهم له ولهذا نهى النبي $ عن تحري الصلاة في هذه الأوقات قطعاً لمشابهة الكفار ظاهرا وسداً لذريعة الشرك وعبادة الأصنام. ( )
وقال السيوطي: والصابئة تدعي أن مذهبها هو الاكتساب والحنفاء تدعي أن مذهبها هو الفطرة، فدعوة الصابئة إلى الاكتساب ودعوة الحنفاء إلى الفطرة. ( )
أبرز الشخصيات التي ينتسبون إليها:
يدّعى الصابئة المندائيون بأن دينهم يرجع إلى عهد آدم عليه السلام.
ينتسبون إلى سام بن نوح عليه السلام، فهم ساميون.
يزعمون أن يحيى عليه السلام هو نبيهم الذي أرسل إليهم.
كانوا يقيمون في القدس، وبعد الميلاد طردوا من فلسطين فهاجروا إلى مدينة حران فتأثروا هناك بمن حولهم وتأثروا بعبدة الكواكب والنجوم من الصابئة الحرانيين.
- ومن حران هاجروا إلى موطنهم الحالي في جنوبي العراق وإيران وما يزالون فيه، حيث يعرفون بصابئة البطائح.
منهم الكنـزبرا الشيخ عبد الله بن الشيخ سام الذي كان مقيماً في بغداد سنة 1969م وهو الرئيس الروحي لهم، وقد كان في عام 1954م يسكن في دار واقعة بجوار السفارة البريطانية في الكرخ ببغداد. ( )
ومنهم أبو إسحاق إبراهيم بن هلال بن إبراهيم ابن زهرون بن حبوب الحراني البغدادي الكاتب من الصابئة توفي سنة 384 أربع وثمانين وثلاثمائة . صنف أخبار النحاة . أخبار الوزراء . أخبار أهله وولد ابنه . التاجي في أخبار الدولة الديلمية . ديوان الرسائل . ديوان شعره " من وفيات الأعيان ".
ومنهم أبو الحسن هلال بن المحسن بن أبي إسحاق إبراهيم بن إبراهيم بن زهرون بن حيون الصابي الحراني . الكاتب البغدادي كان على مذهب الصابئة . ثم سالم في آخر عمره ولد سنة 359 وتوفي سنة 448 ثمان وأربعين وأربعمائة . من تأليفه الذيل على تاريخ ثابت بن قرة من وقائع سنة 364 إلى سنة 447 . كتاب الأماثل والأعيان ومنتدى العواطف والإحسان في الأخبار والنوادر. ( )
قد ذكرنا فيما تقدم أن الصبوة في مقابلة الحنيفية

كتبهم:
لديهم عدد من الكتب المقدسة مكتوبة بلغة سامية قريبة من السريانية وهي:
1- الكنـزاربّا: أي الكتاب العظيم ويعتقدون بأنه صحف آدم عليه السلام، فيه موضوعات كثيرة عن نظام تكوين العالم وحساب الخليقة وأدعية وقصص، وتوجد في خزانة المتحف العراقي نسخة كاملة منه. طبع في كوبنهاجن سنة 1815م، وطبع في لايبزيغ سنة 1867م.
2- دراشة إديهيا: أي تعاليم يحيى، وفيه تعاليم وحياة النبي يحيى عليه السلام.
3- الفلستا: أي كتاب عقد الزواج، ويتعلق بالاحتفالات والنكاح الشرعي والخطبة.
4- سدرة إدنشاماثا: يدور حول التعميد والدفن والحداد، وانتقال الروح من الجسد إلى الأرض ومن ثمّ إلى عالم الأنوار، وفي خزانة المتحف العراقي نسخة حديثة منه مكتوبة باللغة المندائية.
5- كتاب الديونان: فيه قصص وسير بعض الروحانيين مع صور لهم.
6- كتاب إسفر ملواشه: أي سفر البروج لمعرفة حوادث السنة المقبلة عن طريق علم الفلك والتنجيم.
7- كتاب النباتي: أي الأناشيد والأذكار الدينية، وتوجد نسخة منه في المتحف العراقي.
8- كتاب قماها ذهيقل زيوا: ويتألف من 200 سطر وهو عبارة عن حجاب يعتقدون بأن من يحمله لا يؤثر فيه سلاح أو نار.
9- تفسير بغره: يختص في علم تشريح جسم الإنسان وتركيبه والأطعمة المناسبة لكل طقس مما يجوز لأبناء الطائفة تناوله.
10- كتاب ترسسر ألف شياله: أي كتاب الأثنى عشر ألف سؤال.
11- ديوان طقوس التطهير: وهو كتاب يبين طرق التعميد بأنواعه على شكل ديوان.
12- كتاب كداواكدفيانا: أي كتاب العوذ. ( )

ملوكهم:
خلاصة ملوك السريان من الألقاب التي تصلح لكل من ينسب إلى بقايا السريانيين من الملوك والسريان أقدم الأمم في الخليقة وكانوا يدينون بدين الصابئة وينتسبون إلى صابيء بن إدريس عليه السلام قال ابن حزم ودينهم أقدم الأديان على وجه الأرض ومدار مذاهبهم على تعظيم الروحانيات والكواكب وكانت منازلهم أرض بابل من العراق قال المسعودي وهم أول. ( )
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقد ذكر الله قصتهم في القرآن في غير موضع وأولئك هم الصابئون المشركون الذين ملكهم نمروذ وعلماؤهم الفلاسفة من اليونانيين وغيرهم الذين كانوا بأرض الشام والجزيرة والعراق وغيرها وجزائر البحر قبل النصارى وكانوا بهذه البلاد في أيام بني إسرائيل وهم الذين كانوا يقاتلون بني إسرائيل فيغلبون تارة ويغلبون تارة وسنحاريب وبخت نصر ونحوهما هم ملوك الصابئة بعد الخليل والنمروذ الذي كان في زمانه . ( )
وقال: إن نمرود بن كنعان كان ملك هؤلاء وعلماء الصابئة هم المنجمون ونحوهم .
وقال: ونمرود هو ملك الصابئة الكلدانيين المشركين كما أن كسرى ملك الفرس والمجوس وفرعون ملك مصر والنجاشى ملك الحبشة وبطليموس ملك اليونان وقيصر ملك الروم فهو اسم جنس لا اسم علم.( )
وقال ابن حجر: ونمرود لملك الصابئة. ( )
طبقات رجال الدين :
يشترط في رجل الدين أن يكون سليم الجسم، صحيح الحواس، متزوجاً منجباً، غير مختون، وله كلمة نافذة في شؤون الطائفة كحالات الولادة والتسمية والتعميد والزواج والصلاة والذبح والجنازة، ورتبهم على النحو التالي:
1- الحلالي: ويسمى "الشماس" يسير في الجنازات، ويقيم سنن الذبح للعامة، ولا يتزوج إلا بكراً، فإذا تزوج ثيباً سقطت مرتبته ومنع من وظيفته إلا إذا تعمد هو وزوجته 360 مرة في ماء النهر الجاري.
2- الترميدة: إذا فقه الحلالي الكتابين المقدَّسين سدره إنشماثا والنياني أي كتابَيْ التعميد والأذكار فإنه يتعمد بالإرتماس في الماء الموجود في المندي ويبقى بعدها سبعة أيام مستيقظاً لا تغمض له عين حتى لا يحتلم، ويترقى بعدها هذا الحلالي إلى ترميدة، وتنحصر وظيفته في العقد على البنات الأبكار.
3- الأبيسق: الترميدة الذي يختص في العقد على الأرامل يتحول إلى أبيسق ولا ينتقل من مرتبته هذه.
4- الكنـزبرا: الترميدة الفاضل الذي لم يعقد على الثيبات مطلقاً يمكنه أن ينتقل إلى كنـزبرا وذلك إذا حفظ كتاب الكنـزاربّا فيصبح حينئذٍ مفسراً له، ويجوز له ما لا يجوز لغيره، فلو قتل واحداً من أفراد الطائفة لا يقتص منه لأنه وكيل الرئيس الإلهي عليها.
5- الريش أمه: أي رئيس الأمة، وصاحب الكلمة النافذة فيها ولا يوجد بين صابئة اليوم من بلغ هذه الدرجة لأنها تحتاج إلى علم وفير وقدرة فائقة.
6- الربّاني: وفق هذه الديانة لم يصل إلى هذه الدرجة إلا يحيي بن زكريا عليهما السلام كما أنه لا يجوز أن يوجد شخصان من هذه الدرجة في وقت واحد. والرباني يرتفع ليسكن في عالم الأنوار وينزل ليبلغ طائفته تعاليم الدين ثم يرتفع كرة أخرى إلى عالمه الرباني النوراني. ( )
موطنهم:
كان موطن الصابئة في القدس، ثم هاجروا إلى مدينة حران من قديم الزمان .
وقد اشتهر هذا الدين في حران من بلاد الجزيرة ولذلك تعرف الصابئة في كتب العقائد الإسلامية بالحرنانية " بنونين نسبة إلى حران على غير قياس كما في القاموس " .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وكانت حران إذ ذاك دار الصابئة الفلاسفة الباقين على ملة سلفهم أعداء إبراهيم الخليل فإن إبراهيم الخليل كان منهم ودعاهم إلى الحنيفية . ( )
وقال: فإن حران كانت دار هؤلاء الصابئة وفيها ولد إبراهيم أو انتقل إليها من العراق على اختلاف القولين، وكان بها هيكل العلة الأولى هيكل العقل الأول هيكل النفس الكلية هيكل زحل هيكل المشتري هيكل المريخ هيكل الشمس وكذلك الزهرة وعطارد والقمر . ( )
وقال صاحب معجم البلدان:
حران بتشديد الراء وآخره نون يجوز أن يكون فعالا من حرن الفرس إذا لم ينقد، ويجوز أن يكون فعلان من الحر يقال رجل حران أي عطشان ، وأصله من الحر وامرأة حرى، وهو حران يران والنسبة إليها حرناني بعد الراء الساكنة نون على غير قياس كما قالوا مناني في النسبة إلى ماني والقياس مانوي وحراني والعامة عليهما قال بطليموس طول حران اثنتان وسبعون درجة وثلاثون دقيقة وهي في الإقليم الرابع طالعها القوس ولها شركة في العواء تسع درج ولها النسر الواقع كله ولها بنات نعش كلها تحت ثلاث عشرة درجة من السرطان يقابلها مثلها من الجدي بيت ملكها مثلها من الحمل بيت عاقبتها مثلها من الميزان وقال أبو عون في زيجه طول حران سبع وسبعون درجة وعرضها سبع وثلاثون درجة وهي مدينة عظيمة مشهورة من جزيرة أقور وهي قصبة ديار مضر بينها وبين الرها يوم وبين الرقة يومان، وهي على طريق الموصل والشام والروم، قيل سميت بهاران أخي إبراهيم عليه السلام لأنه أول من بناها فعربت فقيل حران، وذكر قوم أنها أول مدينة بنيت على الأرض بعد الطوفان وكانت منازل الصابئة وهم الحرانيون الذين يذكرهم أصحاب كتب الملل والنحل، وقال المفسرون في قوله تعالى إني مهاجر إلى ربي إنه أراد حران وقالوا في قوله تعالى ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين هي حران وقول سديف بن ميمون قد كنت أحسبني جلدا فضعضعني قبر بحران فيه عصمة الدين يريد إبراهيم ابن الإمام محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وكان مروان بن محمد حبسه بحران حتى مات بها بعد شهرين في الطاعون وقيل بل قتل وذلك في سنة 232 .
حدثني أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد السرخسي النحوي قال حدثني ابن النبيه الشاعر المصري قال مررت مع الملك الأشرف بن العادل بن أيوب في يوم شديد الحر بظاهر حران على مقابرها ولها أهداف طوال على حجارة كأنها الرجال القيام وقال لي الأشرف بأي شيء تشبه هذه فقلت ارتجالا هواء حرانكم غليظ مكدر مفرط الحراره كأن أجداثها جحيم وقودها الناس والحجاره. ( )
أما في هذا العصر فإن الصابئة يسكنون في جنوب العراق وإيران، وبعد الحروب الأخيرة التي حدثت في العراق هاجرة كثير منهم إلى أوربا وأمريكا، وخصوصاً إلى السويد واستراليا.
الإنتشار ومواقع النفوذ:
الصابئة المندائيون الحاليون ينتشرون على الضفاف السفلى من نهري دجلة والفرات، ويسكنون في منطقة الأهوار وشط العرب، ويكثرون في مدن العمارة والناصرية والبصرة وقلعة صالح والحلفاية والزكية وسوق الشيوخ والقرنة وهي موضع اقتران دجلة بالفرات، وهم موزعون على عدد من الألوية مثل لواء بغداد، والحلة، والديوانية والكوت وكركوك والموصل. كما يوجد أعداد مختلفة منهم في ناصرية المنتفق والشرش ونهر صالح والجبابيش والسليمانية.
كذلك ينتشرون في إيران، وتحديداً على ضفاف نهر الكارون والدز ويسكنون في مدن إيران الساحلية، كالمحمرة، وناصرية الأهواز وششتر ودزبول.
تهدمت معابدهم في العراق، ولم يبق لهم إلا معبدان في قلعة صالح، وقد بنوا معبداً مندياً بجوار المصافي في بغداد( )، وذلك لكثرة الصابئين النازحين إلى هناك من أجل العمل. ( )
وأصبح لهم نفوذ ومكانة لقربهم من المسؤلين في الدولة .
عملهم
يعمل معظمهم في صياغة معدن الفضة( ) لتزيين الحلي والأواني والساعات وتكاد هذه الصناعة تنحصر فيهم لأنهم يحرصون على حفظ أسرارهما كما يجيدون صناعة القوارب الخشبية والحدادة وصناعة الخناجر.
مهاراتهم في صياغة الفضة دفعتهم إلى الرحيل للعمل في بيروت ودمشق والإسكندرية ووصل بعضهم إلى إيطاليا وفرنسا وأمريكا.
ليس لديهم أي طموح سياسي، وهم يتقربون إلى أصحاب الديانات الأخرى بنقاط التشابه الموجودة بينهم وبين الآخرين. ( )
ويتميزون بعمل السحر وقد أخذوه من اليهود، وهم بذلك يضحكون على الناس ويأخذون أموالهم بغير حق.
معتقدهم
الصابئة من أقدم الديانات التي تعتقد بأن الخالق واحد وقد جاء ذكر الصابئين في القرآن باعتبار أنهم أتباع دين كتابي، وقد اختلف الفقهاء حول مدى جواز أخذ الجزية منهم، إن كانوا أحدثوا في دينهم ما ليس منه، وقد أصبحت هذه الطائفة كأنها طائفة وثنية تشبه صابئة حران الذين وصفهم شيخ الإسلام ابن تيمية، وعموماً فالإسلام قد جب ما قبله ولم يعد لأي دين من الديانات السابقة مكان بعده. ( )
وقال ابن حزم في كتاب الفصل: كان الذي ينتحله الصابئون أقدم الأديان على وجه الدهر والغالب على الدنيا إلى أن أحدثوا فيه الحوادث فبعث الله إبراهيم عليه السلام بالحنيفية. اهـ.
ودين الصابئة كان معروفا للعرب في الجاهلية بسبب جوار بلاد الصابئة في العراق والشام لمنازل بعض قبائل العرب مثل ديار بكر وبلاد الأنباط المجاورة لبلاد تغلب وقضاعة.
تأثر الصابئة بكثير من الديانات والمعتقدات التي احتكوا بها.
أشهر فرق الصابئة قديماً أربعة هي: أصحاب الروحانيات، وأصحاب الهياكل، وأصحاب الأشخاص، والحلولية، لقد ورد ذكرهم في القرآن مقترناً باليهود والنصارى والمجوس والمشركين (انظر الآيات62/ البقرة - 69/ المائدة، 17/الحج)، ولهم أحكام خاصة بهم من حيث جواز أخذ الجزية منهم أو عدمها أسوة بالكتابيين من اليهود والنصارى.
عرف منهم الصابئة الحرانيون الذين انقرضوا والذين تختلف معتقداتهم بعض الشيء عن الصابئة المندائيين الحاليين، لم يبق من الصابئة اليوم إلا صابئة البطائح المنتشرون على ضفاف الأنهر الكبيرة في جنوب العراق وإيران.
تأثروا باليهودية، وبالمسيحية، وبالمجوسية لمجاورتهم لهم.
تأثروا بالحرانيين الذين ساكنوهم في حران عقب طردهم من فلسطين فنقلوا عنهم عبادة الكواكب والنجوم أو على الأقل تقديس هذه الكواكب وتعظيمها وتأثروا بهم في إتقان علم الفلك وحسابات النجوم.
تأثروا بالأفلاطونية الحديثة التي استقرت فلسفتها في سوريا مثل الاعتقاد بالفيض الروحي على العالم المادي.
تأثروا بالفلسفة الدينية التي ظهرت أيام إبراهيم الخليل - عليه السلام - فقد كان الناس حينها يعتقدون بقدرة الكواكب والنجوم على التأثير في حياة الناس.
تأثروا بالفلسفة اليونانية التي استقلت عن الدين، ويلاحظ أثر هذه الفلسفة اليونانية في كتبهم.
لدى الصابئة قسط وافر من الوثنية القديمة يتجلى في تعظيم الكواكب والنجوم على صورة من الصور. ( )
يعتقدون من حيث المبدأ – بوجود الإِله الخالق الواحد الأزلي الذي لاتناله الحواس ولايفضي إليه مخلوق، ولكنهم يجعلون بعد هذا الإله 360 شخصاً خلقوا ليفعلوا أفعال الإله، وهؤلاء الأشخاص ليسوا بآلهة ولا ملائكة، يعملون كل شيء من رعد وبرق ومطر وشمس وليل ونهار… وهؤلاء يعرفون الغيب، ولكل منهم مملكته في عالم الأنوار.
- هؤلاء الأشخاص الـ 360 ليسوا مخلوقين كبقية الكائنات الحية، ولكن الله ناداهم بأسمائهم فخلقوا وتزوجوا بنساء من صنفهم، ويتناسلون بأن يلفظ أحدهم كلمة فتحمل أمرأته فوراً وتلد واحداً منهم.
- يعتقدون بأن الكواكب مسكن للملائكة، ولذلك يعظمونها ويقدسونها. ( )
وقال ابن قيم الجوزية: والمقصود: أن هذه الأمة قد شاركت جميع الأمم وفارقتهم فالحنفاء منهم شاركوا أهل الإسلام في الحنيفية والمشركون منهم شاركوا عباد الأصنام ورأوا أنهم على صواب وأكثر هذه الأمة فلاسفة والفلاسفة يأخذون من كل دين بزعمهم محاسن ما دلت عليه العقول وعقلاؤهم يوجبون إتباع الأنبياء وشرائعهم وبعضهم لا يوجب ذلك ولا يحرمه وسفهاؤهم وسفلتهم يمنعون ذلك كما سيأتي ذكر تلاعب الشيطان بهم بعد هذا ولهذا لم يكن هؤلاء الفلاسفة ولا الصابئة من الأمم المستقلة التي لها كتاب ونبي وإن كانوا من أهل دعوة الرسل فما من أمة إلا وقد أقام الله سبحانه عليها حجته وقطع عنها حجتها لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وتكون حجته عليهم والمقصود : أن الصابئة فرق فصابئة حنفاء وصابئة مشركون وصابئة فلاسفة وصابئة يأخذون بمحاسن ما عليه أهل الملل والنحل من غير تقيد بملة ولا نحلة ثم منهم من يقر بالنبوات جملة ويتوقف في التفصيل ومنهم من يقر بها جملة وتفصيلا ومنهم من ينكرها جملة وتفصيلا.
وهم يقرون أن للعالم صانعاً فاطرا حكيما مقدسا عن العيوب والنقائص ثم قال المشركون منهم: لا سبيل لنا إلى الوصول إلى جلاله إلا بالوسائط فالواجب علينا أن نتقرب إليه بتوسطات الروحانيات القريبة منه وهم الروحانيون المقربون المقدسون عن المواد الجسمانية وعن القوى الجسدانية بل قد جبلوا على الطهارة فنحن نتقرب إليهم ونتقرب بهم إليه فهم أربابنا وا لهتنا وشفعاؤنا عند رب الأرباب وإله الا لهة فما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى فالواجب علينا أن نطهر نفوسنا عن الشهوات الطبيعية ونهذب أخلاقنا من علائق القوى الغضبية حتى تحصل المناسبة بيننا وبين الروحانيات وتتصل أرواحنا بهم فحينئذ نسأل حاجتنا منهم ونعرض أحوالنا عليهم ونصبوا في جميع أمورنا إليهم فيشفعون لنا إلى إلهنا وإلهكم. ( )
ولقد حقق شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الرد على المنطقيين ط6 (ص454 وما بعدها) حقيقة الصابئة كما وردت في القرآن الكريم فقال ما حاصله:
إن الصابئة نوعان: صابئة حنفاء وصابئة مشركون.
أما الصابئة الحنفاء فهم بمنـزلة من كان متبعاً لشريعة التوراة والإنجيل قبل النسخ والتحريف والتبديل من اليهود والنصارى. وهؤلاء حمدهم الله وأثنى عليهم. والثابت أن الصابئين قوم ليس لهم شريعة مأخوذة عن نبي، وهم قوم من المجوس واليهود والنصارى ليس لهم دين، ولكنهم عرفوا الله وحده، ولم يحدثوا كفراً، وهم متمسكون "بالإسلام المشترك" وهو عبادة الله وحده وإيجاب الصدق والعدل وتحريم الفواحش والظلم ونحو ذلك مما اتفقت الرسل على إيجابه وتحريمه وهم يقولون "لا إله إلا الله" فقط وليس لهم كتاب ولا نبي. والصحيح أنهم كانوا موجودين قبل إبراهيم عليه الصلاة والسلام بأرض اليمن.
وأما الصابئة المشركون فهم قوم يعبدون الملائكة ويقرؤون الزبور ويصلون، فهم يعبدون الروحانيات العلوية.
وعلى ذلك فمن دان من الصابئة بدين أهل الكتاب فهو من أهل الكتاب، ومن لم يدن بدين أهل الكتاب فهو مشرك ومثالهم من يعبد الكواكب. كمن كانوا بأرض حران عندما أدركهم الإسلام وهؤلاء لا يحل أكل ذبائحهم ولا نكاح نسائهم وإن أظهروا الإيمان بالنبيين وقد أفتى أبو سعيد الاصطخري بأن لا تقبل الجزية منهم، ونازعه في ذلك جماعة من الفقهاء. ( )
ومنهم قوم يقال لهم الصابئة وهؤلاء قوم ينتحلون مذهب أصحاب الهيولى كما وصفناه ومنهم قوم يقال لهم البراهمة ينكرون جميع الأنبياء ولكنهم يقولون بحدث العالم وتوحيد الصانع ومنهم قوم يقال لهم اليهود وقد ورد عن النبي أنهم يفترقون على إحدى وسبعين فرقة. ( )
فأما المسمون بالصابئة من أهل واسط وحران فما هم الصابئون المذكورون في القرآن وكان مع هذه الضلالة يتولى من شهد لمحمد بالنبوة من أهل الكتاب وان لم يدخل في دينه وسماهم بذلك مؤمنين وعلى هذا القول يجب أن يكون العيسوية والرعيانية من اليهود مؤمنين لأنهم أقروا بنبوة محمد عليه السلام ولم يدخلوا في دينه وليس بجائز ان يعد في فرق الإسلام من يعد اليهود من المسلمين وكيف يعد من فرق الإسلام من يقول بنسخ شريعة الإسلام. ( )
الصابئة والحنفاء.
فالصابئة كانت تقول : إنا نحتاج في معرفة الله تعالى ومعرفة طاعته وأوامره وأحكامه إلى متوسط لكن ذلك المتوسط يجب أن يكون روحانيا لا جسمانيا وذلك لزكاء الروحانيات وطهارتها وقربها من رب الأرباب.
والجسماني بشر مثلنا يأكل مما نأكل ويشرب مما نشرب يماثلنا في المادة والصورة
قالوا : ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون .
والحنفاء كانت تقول : إنا نحتاج في المعرفة والطاعة إلى متوسط من جنس البشر تكون درجته في الطهارة والعصمة والتأييد والحكمة فوق الروحانيات يماثلنا من حيث البشرية ويمايزنا من حيث الروحانية فيتلقى الوحي بطرف الروحانية ويلقي إلى نوع الإنسان بطرف البشرية وذلك قوله تعالى: قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد
وقال عز ذكره: قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا
ثم لما لم يتطرق للصابئة الاقتصار على الروحانيات البحتة والتقرب إليها بأعيانها والتلقي عنها بذواتها فزعت جماعة إلى هياكلها وهي السيارات السبع وبعض الثوابت فصابئة النبط والفرس والروم مفزعها السيارات وصابئة الهند مفزعها الثوابت
وسنذكر مذاهبهم على التفصيل على قدر الإمكان بتوفيق الله تعالى
وربما نزلوا عن الهياكل إلى الأشخاص التي لا تسمع ولا تبصر ولا تغني عنهم شيئا
والفرقة الأولى : هم عبدة الكواكب
والثانية : هم عبدة الأصنام، ولما كان الخليل عليه السلام مكلفا بكسر المذهبين على الفرقتين وتقرير الحنيفية السمحة السهلة احتج على عبدة الأصنام قولا وفعلا كسرا من حيث القول وكسرا من حيث الفعل فقال لأبيه آزر : (يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا) الآيات حتى بلغ: فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم وذلك إلزام من حيث الفعل وإفحام من حيث الكسر، ففزع من ذلك كما قال الله تعالى : وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم.
وابتدأ بإبطال مذاهب عبدة الكواكب على صيغة الموافقة كما قال تعالى: (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض) أي كما آتيناه الحجة كذلك نريه المحجة فساق الإلزام على أصحاب الهياكل مساق الموافقة في المبدأ والمخالفة في النهاية ليكون الإلزام أبلغ والإفحام أقوى وإلا فإبراهيم الخليل عليه السلام لم يكن في قوله: (هذا ربي) مشركا كما لم يكن فيقوله: (بل فعله كبيرهم هذا) كاذبا، وسوق الكلام من جهة الإلزام غبر سوقه على جهة الالتزام فلما أظهر الحجة وبين المحجة وقرر الحنيفية التي هي الملة الكبرى والشريعة العظمى وذلك هو الدين القيم
وكان الأنبياء من أولاده كلهم يقررون الحنيفية وبالخصوص صاحب شرعنا محمد صلوات الله عليه كان في تقريرها قد بلغ النهاية القصوى وأصاب المرمى وأصمى.
ومن العجب أن التوحيد من أخص أركان الحنيفية ولهذا يقترن نفي الشرك بكل موضع ذكر الحنيفية : (حنيفا وما كان من المشركين ) حنفاء لله غير مشركين به.
ثم إن التثنية اختصت بالمجوس حتى أثبتوا أصلين اثنين مدبرين قديمين يقتسمان الخير والشر والنفع والضر والصلاح والفساد يسمون أحدهما: النور والآخر: الظلمة وبالفارسية: يزدان وأهرمن ولهم في ذلك تفصيل مذهب.
ومسائل المجوس كلها تدور على قاعدتين اثنتين :
إحداهما : بيان سبب امتزاج النور بالظلمة
والثانية : بيان سبب خلاص النور من الظلمة وجعلوا الامتزاج مبدأ والخلاص معادا . ( )

أفكار ومعتقدات أخرى:
يعظمون يوم الأحد كالنصارى ويقدسونه ولا يعملون فيه أي شيء على الإطلاق.
السنة المندائية: 360 يوماً، في 12 شهراً، وفي كل شهر ثلاثون يوماً مع خمسة أيام كبيسة يقام فيها عيد البنجة.
يعتقدون بصحة التاريخ الهجري ويستعملونه، وذلك بسبب اختلاطهم بالمسلمين، ولأن ظهور النبي محمد $ كان مذكوراً في الكتب المقدسة الموجودة لديهم.
ينفرون من اللون الأزرق النيلي ولا يلامسونه مطلقاً.
ليس للرجل غير المتزوج من جنة لا في الدنيا ولا في الآخرة.
يتنبئون بحوادث المستقبل عن طريق التأمل في السماء والنجوم وبعض الحسابات الفلكية.
لكل مناسبة دينية ألبسة خاصة بها، ولكل مرتبة دينية لباس خاص بها يميزها عن غيرها.
إذا توفي شخص دون أن ينجب أولاداً فإنه يمرّ بالمطهر ليعود بعد إقامته في العالم الآخر إلى عالم الأنوار ثم يعود إلى حالته البدنية مرة أخرى حيث تتلبس روحه في جسم روحاني فيتزوج وينجب أطفالاً.
يؤمنون بالتناسخ ويعتقدون بتطبيقاته في بعض جوانب عقيدتهم.
للرجل أن يتزوج ما يشاء من النساء على قدر ما تسمح له به ظروفه.
يرفضون شرب الدواء، ولا يعترضون على الدهون والحقن الجلدية.
الشباب والشابات يأتون إلى الكهان ليخبروهم عن اليوم السعيد الذي يمكنهم أن يتزوجوا فيه، وكذلك يخبرون السائلين عن الوقت المناسب للتجارة أو السفر، وذلك عن طريق علم النجوم.
لا تؤكل الذبيحة إلا أن تذبح بيدي رجال الدين وبحضور الشهود، ويقوم الذابح – بعد أن يتوضأ بغمسها في الماء الجاري ثلاث مرات ثم يقرأ عليها أذكاراً دينية خاصة ثم يذبحها مستقبلاً الشمال، ويستنزف دمها حتى آخر قطرة، ويحرم الذبح بعد غروب الشمس أو قبل شروقها إلا في عيد البنجة.
تنص عقيدتهم على أن يكون الميراث محصوراً في الابن الأكبر، لكنهم لمجاورتهم المسلمين فقد أخذوا بقانون المواريث الإسلامي. ( )

عبادتهم
يُعد الصابئة من الطوائف المشركة، فهم يعبدون الملائكة ، وخصوصاً الملائكة الكبار، كجبريل وميكائيل وإسرافيل، ويعبدون كذاك الكواكب( )، فهم أشركوا بالله تعالى من جهة الكواكب والملائكة .
قال الطبري: حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد عن قتادة قوله: والصّابِئِين قال: الصابئون قوم يعبدون الـملائكة ويصلون إلـى القبلة ويقرؤن الزبور .
وقال: حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان عن أبـيه عن الـحسن قال: حدثنـي زياد: أن الصابئين يصلون إلـى القبلة ويصلون الـخمس، قال: فأراد أن يضع عنهم الـجزية، قال: فخُبّر بعد أنهم يعبدون الـملائكة.
وقال أبو جعفر الرازي: وبلغنـي أيضا أن الصابئين قوم يعبدون الـملائكة ويقرءون الزبور ويصلون إلـى القبلة. ( )
قال ابن قيم الجوزية: لكن شرك الصابئة كان من جهة الكواكب والعلويات، ولذلك ناظرهم إمام الحنفاء صلوات الله وسلامه عليه في بطلان إلهيتها بما حكاه الله سبحانه في سورة الأنعام أحسن مناظرة وأبينها ظهرت فيها حجته ودحضت حجتهم فقال بعد أن بين بطلان إلهية الكواكب والقمر والشمس بأفولها وأن الإله لا يليق به أن يغيب ويأفل بل لا يكون إلا شاهدا غير غائب كما لا يكون إلا غالبا قاهرا غير مغلوب ولا مقهور نافعا لعباده يملك لعابده الضر والنفع فيسمع كلامه ويرى مكانه ويهديه ويرشده ويدفع عنه كل ما يضره.( )
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : من عبد الملائكة والكواكب وأرواح البشر وأجسادهم اتخذ الأصنام على صورهم وطبائعهم فكان ذلك أعظم أسباب عبادة الأصنام.
ولهذا كان الخليل إمام الحنفاء مخاطباً لهؤلاء الذين عبدوا الكواكب والشمس والقمر والذين عبدوا الأصنام مع إشراكهم واعترافهم بأصل الجميع.
وقد ذكر الله قصتهم في القرآن في غير موضع وأولئك هم الصابئون المشركون الذين ملكهم نمروذ وعلماؤهم الفلاسفة من اليونانيين وغيرهم الذين كانوا بأرض الشام والجزيرة والعراق وغيرها وجزائر البحر قبل النصارى وكانوا بهذه البلاد في أيام بنى إسرائيل وهم الذين كانوا يقاتلون بنى إسرائيل فيغلبون تارة ويغلبون تارة وسنحاريب وبخت نصر ونحوهما هم ملوك الصابئة بعد الخليل والنمروذ الذي كان في زمانه، وبهذا وصف بعض السلف الصابئة بأنهم يعبدون الملائكة وكذلك في الكتب المعربة عن قدمائهم أنهم كانوا يسمونها الآلهة والأرباب الصغرى كما كانوا يعبدون الكواكب أيضاً. ( )
وقال: وكذلك تسمية الصابئة لعلومهم أو أعمالهم الحكمة أو الحكمة الحقيقية أو المعارف اليقينية مع إن فيها من الجهل والشبه والضلال مالا يحصيه إلا ذو الجلال.
وابن سينا كان من الملاحدة وكان أبوه من دعاتهم وذكر أنه بسبب ذلك اشتغل فيما اشتغل به من علوم الفلاسفة الصابئة الأوائل فإن أصول الملاحدة مبنية على ما أخذوه من هؤلاء الصابئة وما أخذوه من المجوس وهؤلاء الصابئة المبتدعون يقولون أن العالم متولد عن الله والمجوس يجعلون له شريكا في خلقه فالطائفتان كما قال تعالى وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وهو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فإن المجوس تجعل إبليس وهو أصل الظلمة هو شريك النور في التخليق فيجعلون الجن شركاءه وليس هذا موضع بسط ذلك ولكن ننبه على أن كتاب الله لما كان دعوة لجميع الخلق ففيه تفصيل كل شيء وهو الحاكم بين جميع الناس فيما اختلفوا فيه.
ولهذا أراد النصير الطوسى ونحوه من ملاحدة المسلمين واليهود على أن يضعوا للدولة الكافرة المشركة الجاهلة دولة هولاكو عقيدة واتفقوا على أن تكون عقيدة ابن سينا ولهذا كانت الملاحدة تميل إلى هؤلاء المشركين كثيرا وكان ملكهم هولاكو يقرب الملاحدة ويستعين بهم على المسلمين لما عرف مباينتهم في الباطن للإسلام وأهله مع منافقتهم لهم في الظاهر.( )
ومن دينهم صلوات ثلاث في كل يوم وقبلتهم نحو مهب ريح الشمال ويتطهرون قبل الصلاة وقراآتهم ودعواتهم تسمى الزمزمة بزايين كما ورد في ترجمة أبي إسحاق الصابئ
ولهم صيام ثلاثين يوما في السنة موزعة على ثلاثة مواقيت من العام
ويجب غسل الجنابة وغسل المرأة الحائض.
وتحرم العزوبة ويجوز للرجل تزوج ما شاء من النساء ولا يتزوج إلا امرأة صابئة على دينه ، فإذا تزوج غير صابئة أو تزوجت الصابئة غير صابئ خرجا من الدين ولا تقبل منهما توبة.
ويغسلون موتاهم ويكفنونهم ويدفنونهم في الأرض . ولهم رئيس للدين يسمونه الكمر " بكاف وميم وراء ".
وقال ابن كثير: وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن الحسن قال: أخبر زياد أن الصابئين يصلون إلى القبلة ويصلون الخمس قال: فأراد أن يضع عنهم الجزية قال: فخبر بعد أنهم يعبدون الملائكة وقال أبو جعفر الرازي: بلغني أن الصابئين قوم يعبدون الملائكة ويقرؤون الزبور ويصلون للقبلة وكذا قال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة وقال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أخبرني ابن أبي الزناد عن أبيه قال: الصابئون قوم مما يلي العراق وهم بكوثى وهم يؤمنون بالنبيين كلهم ويصومون من كل سنة ثلاثين يوماً ويصلون إلى اليمن كل يوم خمس صلوات وسئل وهب بن منبه عن الصابئين فقال: الذي يعرف الله وحده وليست له شريعة يعمل بها ولم يحدث كفراً وقال عبد الله بن وهب: قال عبد الرحمن بن زيد: الصابئون أهل دين من الأديان كانوا بجزيرة الموصل يقولون: لا إله إلا الله, وليس لهم عمل ولا كتاب ولا نبي إلا قول لا إله إلا الله, قال: ولم يؤمنوا برسول فمن أجل ذلك كان المشركون يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه هؤلاء الصابئون يشبهونهم بهم يعني في قول لا إله إلا الله وقال الخليل: هم قوم يشبه دينهم دين النصارى إلا أن قبلتهم نحو مهب الجنوب يزعمون أنهم على دين نوح عليه السلام وحكى القرطبي عن مجاهد والحسن وابن نجيح أنهم قوم تركب دينهم بين اليهود والمجوس ولا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم قال القرطبي: والذي تحصل من مذهبهم فيما ذكره بعض العلماء أنهم موحدون ويعتقدون تأثير النجوم وأنها فاعلة ولهذا أفتى أبو سعيد الإصطخري بكفرهم للقادر بالله حين سأله عنهم واختار الرازي أن الصابئين قوم يعبدون الكواكب بمعنى أن الله جعلها قبلة للعبادة والدعاء أو بمعنى أن الله فوض تدبير أمر هذا العالم إليها قال وهذا القول هو المنسوب إلى الكثرابنين الذين جاءهم إبراهيم عليه السلام راداً عليهم ومبطلاً لقولهم وأظهر الأقوال والله أعلم قول مجاهد ومتابعيه ووهب بن منبه: أنهم قوم ليسوا على دين اليهود ولا النصارى ولا المجوس ولا المشركين وإنما هم باقون على فطرتهم ولا دين مقرر لهم يتبعونه ويقتنونه, ولهذا كان المشركون ينبزون من أسلم بالصابئ أي أنه قد خرج عن سائر أديان أهل الأرض إذ ذلك. وقال بعض العلماء: الصابئون الذين لم تبلغهم دعوة نبي والله أعلم. ( )
وقال صاحب كتاب التنوير: وجامع أصل هذا الدين هو عبادة الكواكب السيارة والقمر وبعض النجوم مثل نجم القطب الشمالي وهم يؤمنون بخالق العالم وأنه واحد حكيم مقدس عن سمات الحوادث غير أنهم قالوا إن البشر عاجزون عن الوصول إلى جلال الخالق فلزم التقرب إليه بواسطة مخلوقات مقربين لديه وهي الأرواح المجردات الطاهرة المقدسة وزعموا أن هذه الأرواح ساكنة في الكواكب وأنها تنـزل إلى النفوس الإنسانية وتتصل بها بمقدار ما تقترب نفوس البشر من طبيعة الروحانيات فعبدوا الكواكب بقصد الاتجاه إلى روحانياتها ولأجل نزول تلك الروحانيات على النفوس البشرية يتعين تزكية النفس بتطهيرها من آثار القوى الشهوانية والغضبية بقدر الإمكان والإقبال على العبادة بالتضرع إلى الأرواح وبتطهير الجسم والصيام والصدقة والطيب وألزموا أنفسهم فضائل النفس الأربع الأصلية " وهي العفة والعدالة والحكمة والشجاعة " والأخذ بالفضائل الجزئية " المتشعبة عن الفضائل الأربع وهي الأعمال الصالحة " وتجنب الرذائل الجزئية " وهي أضداد الفضائل وهي الأعمال السيئة ".
ومن العلماء من يقول إنهم يقولون بعدم الحاجة إلى بعثة الرسل وأنهم يعللون ذلك بأن مدعي الرسالة من البشر فلا يمكن لهم أن يكونوا واسطة بين الناس والخالق، ومن العلماء من ينقل عنهم أنهم يدعون أنهم على دين نوح، وهم يقولون إن المعلمين الأولين لدين الصابئة هما أغاثا ديمون وهرمس وهما شيث بن آدم وإدريس وهم يأخذون من كلام الحكماء ما فيه عون على الكمال فلذلك يكثر في كلامهم المماثلة لأقوال حكماء اليونان وخاصة سولون وإفلاطون وإرسطاطاليس " ولا يبعد عندي أن يكون أولئك الحكماء اقتبسوا بعض الآراء من قدماء الصابئة في العراق فإن ثمة تشابها بينهم في عبادة الكواكب وجعلها آلهة وفي إثبات إلاه الآلهة.
وقد بنوا هياكل للكواكب لتكون مهابط لأرواح الكواكب وحرصوا على تطهيرها وتطييبها لكي تألفها الروحانيات وقد يجعلون للكواكب تماثيل من الصور يتوخون فيها محاكاة صور الروحانيات بحسب ظنهم.
وقد قيل إن قوما من تميم عبدوا نجم الدبران .
وأن قوما من لخم وخزاعة عبدوا الشعري العبور وهو من كواكب برج الجوزاء في دائرة السرطان . وأن قوما من كنانة عبدوا القمر فظن البعض أن هؤلاء كانوا صابئة وأحسب أنهم تلقفوا عبادة هذه الكواكب عن سوء تحقيق في حقائق دين الصابئة ولم يجزم الزمخشري بأن في العرب صابئة فإنه قال في الكشاف في تفسير سورة فصلت في قوله تعالى ( لا تسجدوا للشمس ولا للقمر ) قال لعل ناسا منهم كانوا يسجدون للشمس والقمر كالصابئين فنهوا عن ذلك. ( )
وقال الشيخ سليمان بن عبدالله بن عبدالوهاب: قوله تعالى عن إبراهيم فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم والجواب أن هذا من جنس استدلاله بالآية الأولى في الفساد فأين فيها ما يدل على صحة أحكام النجوم بوجه من وجوه الدلالات وهل إذا رفع إنسان بصره إلى النجوم فنظر إليها دل ذلك على صحة علم النجوم عنده وكل الناس ينظرون إلى النجوم فلا يدل ذلك على صحة علم أحكامها وكأن هذا ما شعر أن إبراهيم عليه السلام إنما بعث إلى الصابئة المنجمين مبطلا لقولهم مناظرا لهم على ذلك.( )
وقال الشيخ الحكمي: الصابئة وهم قوم إبراهيم عليه السلام الذين ناظرهم في بطلان الشرك وكسر حجتهم بعمله وآلهتهم بيده فطلبوا تحريفه وهذا مذهب قديم في العالم وأهله طوائف شتى فمنهم عباد الشمس زعموا أنها ملك من الملائكة لها نفس وعقل وهي أصل نور القمر والكواكب وتكون الموجودات السفلية كلها عندهم منها وهي عندهم ملك الفلك يستحق التعظيم والسجود والدعاء ومن شريعتهم في عبادتها أنهم أتخذوا لها صنما بيده جوهر على نوع النار وله بيت خاص قد بنوه.( )
ولهذا ذكر محمد بن كعب وغيره عن المجوس والصابئة أنهم قالوا عن الله لولا أولياؤه لذل فأنزل الله تعالى ولم يكن له ولي من الذل سورة الإسراء 111 فإنهم يجعلونه محتاجا إلى من يعاونه إذ كان مغلوبا من وجه مع القدماء معه كما هو غالب من وجه.
وقال: وكفر أولئك أعظم فإنهم لم يجعلوا له تأثيرا في الفلك ولا تصرفا بوجه من الوجوه فهؤلاء تنقصوه وسلبوه الربوبية والإلهية أعظم من أولئك وجعلوه مع الفلك مغلوبا من كل وجه لا بقدر أن يفعل فيه شيئا وكقول عبدة الأوثان هو أجل من أن نعبده بل نعبد الوسائط وهو أجل من أن يبعث بشرا رسولا فجحدوا توحيده ورسالته على وجه التعظيم له وكذلك المجوس الثنوية أثبتوا الظلمة تنزيها له عن فعل الشر والحرنانيون أثبتوا معه النفس والهبلوي قديمين تنزيها له عن إحداث العالم بلا سبب فالأمم كلهم يعظمونه لكن تعظيما يستلزم شبهة وسبة.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وكان فرعون وقومه من الصابئة المشركين الكفار ولهذا كان يعبد الهة من دون الله كما اخبر الله عنه بقوله ويذرك وآلهتك وان كان عالما بما جاء به موسى مستيقنا له لكنه كان جاحدا مثبورا كما اخبر الله بذلك فى قوله فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا الآية وقال تعالى ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات إلى قوله لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر الآية والكفار بالرسل من قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وشعيب وقوم إبراهيم وموسى ومشركى العرب والهند والروم والبربر والترك واليونان والكشدانيين وسائر الأمم المتقدمين والمستأخرين يتبعون ظنونهم واهواءهم ويعرضون عن ذكر الله الذى آتاهم من عنده كما قال لهم لما اهبط آدم من الجنة فاما يأتينكم منى هدى فمن تبع هداى فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون وفى موضع آخر فإما يأتينكم منى هدى فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكرى فان له معيشة ضنكا الآية وفى أخرى إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتى التفريق والتبعيض قد يكون في القدر تارة وقد يكون في الوصف إما في الكم و إما في الكيف كما قد يكون في التنـزيل تارة وفى التأويل أخرى فإن الموجود له حقيقة موصوفة وله مقدار محدود فما أنزل الله على رسله قد يقع التفريق والتبعيض في قدره وقد يقع في وصفه، فالأول مثل قول اليهود نؤمن بما أنزل على موسى دون ما أنزل على عيسى ومحمد وهكذا النصارى في إيمانهم بالمسيح دون محمد فمن آمن ببعض الرسل والكتب دون بعض فقد دخل في هذا فإنه لم يؤمن بجميع المنزل وكذلك من كان من المنتسبين إلى هذه الأمة يؤمن ببعض نصوص الكتاب والسنة دون بعض فان البدع مشتقة من الكفر وأما الوصف فمثل اختلاف اليهود والنصارى في المسيح هؤلاء قالوا إنه عبد مخلوق لكن جحدوا نبوته وقدحوا في نسبه وهؤلاء أقروا بنبوته ورسالته ولكن قالوا هو الله فاختلف الطائفتان في وصفه وصفته كل طائفة بحق وباطل.
ومثل الصابئة الفلاسفة الذين يصفون إنزال الله على رسله بوصف بعضه حق وبعضه باطل مثل أن يقولوا أن الرسل تجب طاعتهم ويجوز أن يسمى ما أتوا به كلام الله لكنه إنما أنزل على قلوبهم من الروح الذي هو العقل الفعال في السماء الدنيا لا من عند الله وهكذا ما ينزل على قلوب غيرهم أيضا كذلك وليس بكلام الله في الحقيقة وإنما هذا في الحقيقة كلام النبي وانه سمى كلام الله مجازا فهؤلاء أيضا مبعضين مفرقين حيث صدقوا ببعض صفات ما أنزل الله وبعض صفات رسله دون بعض وربما كان ما كفروا به من الصفات أكثر مما آمنوا به كما أن ما كفر به اليهود من الكتاب أكثر وأعظم مما آمنوا به لكن هؤلاء اكفر من اليهود من وجه وان كان اليهود أكفر منهم من وجه آخر . ( )
المندي:
هو معبد الصابئة، وفيه كتبهم المقدسة، ويجري فيه تعميد رجال الدين، يقام على الضفاف اليمنى من الأنهر الجارية، له باب واحد يقابل الجنوب بحيث يستقبل الداخل إليه نجم القطب الشمالي، لابدَّ من وجود قناة فيه متصلة بماء النهر، ولا يجوز دخوله من قبل النساء، ولا بدّ من وجود علم يحيى فوقه في ساعات العمل.
الصلاة:
تؤدى ثلاث مرات في اليوم: قبيل الشروق، وعند الزوال، وقبيل الغروب، وتستحبّ أن تكون جماعة في أيام الآحاد والأعياد، فيها وقوف وركوع وجلوس على الأرض من غير سجود، وهي تستغرق ساعة وربع الساعة تقريباً.
يتوجه المصلي خلالها إلى الجدي بلباسه الطاهر، حافي القدمين، يتلو سبع قراءات يمجد فيها الرب مستمداً منه العون طالباً منه تيسير اتصاله بعالم الأنوار.
الصوم :
صابئة اليوم يحرمون الصوم لأنه من باب تحريم ما أحل الله.
وقد كان الصوم عند الصابئة على نوعين: الصوم الكبير: ويشمل الصوم عن كبائر الذنوب والأخلاق الرديئة، والصوم الصغير الذي يمتنعون فيه عن أكل اللحوم المباحة لهم لمدة 32 يوماً متفرقة على طول أيام السنة.
قال ابن النديم المتوفى سنة 385هـ في فهرسته، وابن العبري المتوفى سنة 685هـ في تاريخ مختصر الدول ينصان على أن الصيام كان مفروضاً عليهم لمدة ثلاثين يوماً من كل سنة.
الطهارة:
الطهارة مفروضة على الذكر والأنثى سواء بلا تمييز.
تكون الطهارة في الماء الحي غير المنقطع عن مجراه الطبيعي.
الجنابة تحتاج إلى طهارة وذلك بالارتماس في الماء ثلاث دفعات مع استحضار نية الاغتسال من غير قراءة لأنها لا تجوز على جنب.
عقب الارتماس في الماء يجب الوضوء، وهو واجب لكل صلاة، حيث يتوضأ الشخص وهو متجه إلى نجم القطب، فيؤديه على هيئة تشبه وضوء المسلمين مصحوباً بأدعية خاصة.
مفسدات الوضوء: البول، الغائط، الريح، لمس الحائض والنفساء.
طقوسهم
للصابئة طقوس معينة تختلف عن بقية الديانات، من حيث العبادات والنكاح والطلاق وما شابه ذلك .
فهم يعيشون على ضفاف النهر وفيه تتم الطقوس، من مغفرة الذنوب والوضوء والنكاح إلى غير ذلك في شئون حياتهم.
التعميد وأنواعه( )
يعتبر التعميد من أبرز معالم هذه الديانة ولا يكون إلا في الماء الحي، ولا تتم الطقوس إلا بالارتماس في الماء سواء أكان الوقت صيفاً أم شتاءً، وقد أجاز لهم رجال دينهم مؤخراً الاغتسال في الحمامات وأجازوا لهم كذلك
ماء العيون النابعة لتحقيق الطهارة.
يجب أن يتم التعميد على أيدي رجال الدين.
يكون العماد في حالات الولادة، والزواج ( )، وعماد الجماعة ( )، وعماد
الأعياد، وهي على النحو التالي:
1- الولادة: يعمد المولود بعد 45 يوماً ليصبح طاهراً من دنس الولادة حيث يُدخل هذا الوليد في الماء الجاري إلى ركبتيه مع الإتجاه جهة نجم القطب، ويوضع في يده خاتم أخضر من الآس.
2- عماد الزواج: يتمّ في يوم الأحد وبحضور ترميدة وكنـزبرا، يتم بثلاث دفعات في الماء مع قراءة من كتاب الفلستا وبلباس خاص، ثم يشربان من قنينة ملئت بماء أُخذ من النهر يسمى (ممبوهة) ثم يطعمان (البهثة) ويدهن جبينهما بدهن السمسم، ويكون ذلك لكلا العروسين لكل واحد منهما على حدة، بعد ذلك لا يُلمسان لمدة سبعة أيام حيث يكونان نجسين وبعد الأيام السبعة من الزواج يعمدان من جديد، وتعمد معهما كافة القدور والأواني التي أكلا فيها أو شربا منها.
3- عماد الجماعة: يكون في كل عيد (بنجة) من كل سنة كبيسة لمدة خمسة أيام ويشمل أبناء الطائفة كافة رجالاً ونساءً كباراً وصغاراً، وذلك بالارتماس في الماء الجاري ثلاث دفعات قبل تناول الطعام في كل يوم من الأيام الخمسة. والمقصود منه هو التكفير عن الخطايا والذنوب المرتكبة في بحر السنة الماضية، كما يجوز التعميد في أيام البنجة ليلاً ونهاراً على حين أن التعميد في سائر المواسم لا يجوز إلا نهاراً وفي أيام الآحاد فقط.
4- عماد الأعياد: وهي:
أ‌- العيد الكبير: عيد ملك الأنوار حيث يعتكفون في بيوتهم 36 ساعة متتالية لا تغمض لهم عين خشية أن يتطرق الشيطان إليهم لأن الاحتلام يفسد فرحتهم، وبعد الاعتكاف مباشرة يرتسمون، ومدة العيد أربعة أيام، تنحر فيه الخراف ويذبح فيه الدجاج ولا يقومون خلاله بأي عمل دنيوي. ( )
ب‌- العيد الصغير: يوم واحد شرعاً، وقد يمتد لثلاثة أيام من أجل التزاور، ويكون بعد العيد الكبير بمائة وثمانية عشر يوماً.
ت‌- عيد البنجة: سبق الحديث عنه، وهو خمسة أيام تكبس بها السنة، ويأتي بعد العيد الصغير بأربعة أشهر.
ث‌- عيد يحيى: يوم واحد من أقدس الأيام، يأتي بعد عيد البنجة بستين يوماً وفيه كانت ولادة النبي يحيى عليه السلام الذي يعتبرونه نبيًّا خاصاً بهم، والذي جاء ليعيد إلى دين آدم صفاءه بعد أن دخله الانحراف بسبب تقادم الزمان.
تعميد المحتضر ودفنه:
ج‌- عندما يحتضر الصابيء يجب أن يؤخذ – وقبل زهوق روحه – إلى الماء الجاري ليتمّ تعميده.
ح‌- من مات من دون عماد نجس ويحرم لمسه.
خ‌- أثناء العماد يغسلونه متجهاً إلى نجم القطب الشمالي، ثم يعيدونه إلى بيته ويجلسونه في فراشه بحيث يواجه نجم القطب أيضاً حتى يوافيه الأجل.
د‌- بعد ثلاث ساعات من موته يغسل ويكفن ويدفن حيث يموت إذ لا يجوز نقله مطلقاً من بلد إلى بلد آخر.
ذ‌- من مات غيلة أو فجأة، فإنه لا يغسل ولا يلمس، ويقوم الكنزبرا بواجب العماد عنه.
ر‌- يدفن الصابيء بحيث يكون مستلقياً على ظهره ووجهه ورجلاه متجهة نحو الجدي حتى إذا بعث واجه الكوكب الثابت بالذات.
ز‌- يضعون في فم الميت قليلاً من تراب أول حفرة تحفر لقبره فيها.
س‌- يحرم على أهل الميت الندب والبكاء والعويل، والموت عندهم مدعاة للسرور، ويوم المأتم من أكثر الأيام فرحاً حسب وصية يحيى لزوجته.
ش‌- لا يوجد لديهم خلود في الجحيم، بل عندما يموت الإنسان إما أن ينتقل إلى الجنة أو المطهر حيث يعذب بدرجات متفاوتة حتى يطهر فتنتقل روحه بعدها إلى الملأ الأعلى، فالروح خالدة والجسد فان.
ومن طقوسهم عدم جواز الطلاق فهم يعددون ولا يطلقون، فلا يعترف دينهم بالطلاق إلا إذا كانت هناك انحرافات أخلاقية خطيرة فيتمّ التفريق عن طريق الكنـزبرا. ( )

حكمهم
اختلف العلماء في الصابئة هل هم من أهل الكتاب أم لا، وهل تحل ذبائحهم ومناكحتهم وفرض الجزية.
والظاهر وهو الصحيح والله أعلم أن هؤلاء لا تحل مناكحتهم، ولا ذبيحتهم، ولا يقرون بالجزية، لأنهم مشركون وليسوا من أهل الكتاب كاليهود والنصارى .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما الصابئة المشركون الذين يعبدون الكواكب والأوثان ونحوهم من الفلاسفة المشركين فهؤلاء كفار كسائر المشركين . ( )
قال الطبري: حدثنا مـحمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي وحدثنا الـحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق جميعا عن سفـيان عن لـيث عن مـجاهد قال: الصّابِئُونَ لـيسوا بـيهود ولا نصارى ولا دين لهم.
وعن الـحجاج عن مـجاهد, قال: الصابئون بـين الـمـجوس والـيهود لا تؤكل ذبـائحهم ولا تنكح نساؤهم.
وعن حجاج عن قتادة عن الـحسن مثل ذلك.
وعن ابن أبـي نـجيح: الصابئين بـين الـيهود والـمـجوس لا دين لهم.
وقال ابن جريج قال مـجاهد: الصابئين بـين الـمـجوس والـيهود لا دين لهم. ( )
وعن أبـي العالـية قال: الصابئون فرقة من أهل الكتاب يقرءون الزبور . ( )
وقال ابن قيم الجوزية: وقد اختلف الناس فيهم اختلافا كثيرا بحسب ما وصل إليهم من معرفة دينهم وهم منقسمون إلى مؤمن وكافر قال الله تعالى : إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. فذكرهم في الأمم الأربعة الذين تنقسم كل أمة منهم إلى ناج وهالك. وذكرهم أيضا في الأمم الستة الذين انقسمت جملتهم إلى ناج وهالك كما في قوله : إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة. فذكر الأمتين اللتين لا كتاب لهم ولا ينقسمون إلى شقي وسعيد وهما: المجوس والمشركون في آية الفصل ولم يذكرهما في آية الوعد بالجنة وذكر الصابئين فيهما فعلم أن فيهم الشقي والسعيد . ( )
وقال في أحكام أهل الذمة :
وقد اختلف الناس فيهم اختلافا كثيرا وأشكل أمرهم على الأئمة لعدم الإحاطة بمذهبهم ودينهم. فقال الشافعي رحمه الله تعالى هم صنف من النصارى وقال في موضع ينظر في أمرهم فإن كانوا يوافقون النصارى في أصل الدين ولكنهم يخالفونهم في الفروع فتؤخذ منهم الجزية وإن كانوا يخالفونهم في أصل الدين لم يقروا على دينهم ببذل الجزية
واختلف أصحابه فقال أبو سعيد الاصطخري ليسوا من النصارى ولا يجوز إقرارهم على دينهم قال لأنهم يقولون إن الفلك حي ناطق وإن الكواكب السبعة آلهة فهم في حكم عبدة الأوثان.
واستفتى القاهر بالله العباسي الفقهاء فيهم فأفتاه أبو سعيد أنهم لا يقرون فأمر بقتلهم فبذلوا مالا عظيما فتركهم.
وأما أقوال السلف فيهم فذكر سفيان عن ليث عن مجاهد قال هم قوم بين اليهود والمجوس ليس لهم دين.
وفي تفسير شيبان عن قتادة قال الصابئة قوم يعبدون الملائكة.
وقال محمد بن جرير واختلف أهل التأويل فيمن يلزمه هذا الاسم من أهل الملل فقال بعضهم يلزم كل خارج من دين إلى دين غير دينه.
وقالوا الذي عنى الله بهذا الاسم قوم لا دين لهم ثم ذكر عن عبدالرزاق عن سفيان عن ليث عن مجاهد قال الصابئون قوم ليسوا يهود ولا نصارى ولا دين لهم
وحكي عن حجاج عن مجاهد قال الصابئون بين المجوس واليهود لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم.
وقال ابن جريج قلت لعطاء الصابئون زعموا أنهم ليسوا بمجوس ولا يهود ولا نصارى قال قد سمعنا ذلك.
وقال ابن وهب قال ابن زيد الصابئون أهل دين من الأديان كانوا بجزيرة الموصل يقولون لا إله إلا الله وليس لهم عمل ولا كتاب ولا نبي إلا قول لا إله إلا الله قال ولم يؤمنوا برسول الله عز وجل فمن أجل ذلك كان المشركون يقولون للنبي وأصحابه هؤلاء الصابئون يشبهونهم بهم.
وقال سعيد عن قتادة هم يعبدون الملائكة ويصلون إلى القبلة ويقرؤون الزبور.
وقال سفيان عن السدي هم طائفة من أهل الكتاب.
وقال ابن جرير: الصابئ المستحدث سوى دينه دينا كالمرتد من أهل الإسلام عن دينه وكل خارج من دين كان عليه إلى آخر غيره تسميه العرب صابئا يقال منه صبأ فلان يصبأ صبأ ويقال صبأت النجوم إذا طلعت وصبأ علينا فلان إذا طلع.
قلت الصابئة أمة كبيرة فيهم السعيد والشقي وهي إحدى الأمم المنقسمة إلى مؤمن وكافر فإن الأمم قبل مبعث النبي نوعان:
نوع كفار أشقياء كلهم ليس فيهم سعيد كعبدة الأوثان والمجوس.
ونوع منقسمون إلى سعيد وشقي وهم اليهود والنصارى والصابئة.
وقد ذكر الله سبحانه النوعين في كتابه فقال إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن منهم بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
وكذلك قال في المائدة.
وقال في سورة الحج إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد فلم يقل ها هنا من آمن منهم بالله واليوم الآخر لأنه ذكر معهم المجوس والذين أشركوا فذكر ست أمم منهم اثنتان شقيتان وأربع منهم منقسمة إلى شقي وسعيد وحيث وعد أهل الإيمان والعمل الصالح منهم بالأجر ذكرهم أربع أمم ليس إلا.
ففي آية الفصل بين الأمم أدخل معهم الأمتين وفي آية الوعد بالجزاء لم يدخلها معهم فعلم أن الصابئين فيهم المؤمن والكافر والشقي والسعيد وهذه أمة قديمة قبل اليهود والنصارى وهم أنواع صابئة حنفاء وصابئة مشركون.
وكانت حران دار مملكة هؤلاء قبل المسيح ولهم كتب وتآليف. ( )
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وكذلك ما ذكرناه في تفاوت السيئات هو في الكفر والفسق والعصيان فالكفار بعضهم دون بعض ولهذا يذكر الفقهاء في باب الردة والإسلام انتقال الرجل كأحد الزوجين من دين إلى دين آخر انتقال إلى دين خير من دينه أو دون دينه أو مثل دينه فيقولون إذا صار الكتابي مجوسيا أو مشركا فقد انتقل إلى شر من دينه وإذا صار المشرك أو المجوسي كتابيا فقد انتقل إلى خير من دينه وإذا تهود النصراني أو بالعكس فقد انتقل إلى نظير دينه والتمجس يقر عليه بالاتفاق وأما الإشراك فلا يقر عليه إلا بعض الناس عند بعض العلماء، والصابئة نوعان عند المحققين وعلى قولين عند آخرين ومعرفة مراتب الأديان محتاج إليها في مواضع كثيرة لمعرفة مراتب الحسنات.
والفقهاء يذكرون ذلك لأجل معرفة أحكامهم وتناكحهم وذبائحهم وفي دمائهم و قتالهم وإقرارهم بالجزية المضروبة عليهم ونحو ذلك من الأحكام التي جاء بها الكتاب والسنة في أهل الملل والأحزاب. ( )
ويجوز نكاح السامرة فإنهم صنف من اليهود وإن كانوا فيهم بمنـزلة أهل البدع في المسلمين فإنهم يدينون بزعمهم بالتوراة ويسبتون مع اليهود.
وأما الصابئة فهل تجوز مناكحتهم قال القاضي ظاهر كلام أحمد يقتضي روايتين
إحداهما أنهم صنف من اليهود قال في رواية محمد بن موسى في الصابئين بلغني أنهم يسبتون فهؤلاء إذا سبتوا يشبهون اليهود
والثانية أنهم صنف من النصارى قال في رواية حنبل الصابئون جنس من النصارى إذا كان لهم كتاب أكل من طعامهم
قال القاضي فينظر في حالهم فإن وافقوا اليهود والنصارى في أصل دينهم وخالفوهم في الفروع جازت مناكحتهم وإن خالفوهم في أصل دينهم لم تجز مناكحتهم .
وقال ابن كثير:
وأما الصابئون فقد اختلف فيهم, فقال سفيان الثوري, عن ليث بن أبي سليم, عن مجاهد, قال: الصابئون قوم بين المجوس واليهود والنصارى و ليس لهم دين, وكذا رواه ابن أبي نجيح عنه, وروي عن عطاء وسعيد بن جبير نحو ذلك وقال أبو العالية والربيع بن أنس والسدي وأبو الشعثاء, جابر بن زيد, والضحاك وإسحاق بن راهويه: الصابئون فرقة من أهل الكتاب يقرؤون الزبور, ولهذا قال أبو حنيفة وإسحاق: لا بأس بذبائحم ومناكحتهم, وقال هشيم, عن مطرف: كنا عند الحكم بن عتبة, فحدثه رجل من أهل البصرة عن الحسن أنه كان يقول في الصابئين: إنهم كالمجوس فقال الحكم, ألم أخبركم بذلك, وقال عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن عبد الكريم: سمعت الحسن ذكر الصابئين فقال: هم قوم يعبدون الملائكة . ( )
وقال السيوطي: وأخرج وكيع وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : الصابئون قوم بين اليهود والمجوس والنصارى ليس لهم دين.
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال: الصابئون ليسوا بيهود ولا نصارى هم قوم من المشركين لا كتاب لهم. ( )
وتؤخذ الجزية من الصابئة عند أبي حنيفة خلافا لهما بحر. ( )
فأما الصابئ فينظر في فيه
قوله فأما الصابئ فينظر فيه فإن انتسب إلي أحد الكتابين فهو من أهله وإلا فلا
هذا اختيار المصنف والشارح وجماعة من الأصحاب وجزم به ابن البنا في عقوده و ابن منجا في شرحه
قال في الرعاية الكبرى : والصابئ إن وافق اليهود والنصارى في دينهم وكتابهم فهو منهم وإلا فهو كعابد وثن
وقيل : بل يقتل مطلقا إن قال : الفلك حتى ناطق والكواكب السبعة آلهة والصحيح من المذهب : أن حكمهم حكم من تدين بالتوراة والإنجيل مثل السامرة والفرج
قال الإمام أحمد : هم جنس من النصارى
وجزم به في الهداية وتذكرة ابن عقيل و المذهب و مسبوك الذهب و المحرر و النظم و الرعاية الصغرى و الحاويين و إدراك الغاية و تذكرة ابن عبدوس وغيرهم : أنهم يوافقون النصارى فحكمهم حكمهم لكن يخالفونهم في الفروع
قال في الحاوي وغيره - وجزم به في الخلاصة وغيرها - تؤخذ الجزية منهم وقدمه في الفروع
وقال الإمام أحمد أنضا - في موضع آخر - بلغني أنهم يسبتون فإذا أسبتوا فهم من اليهود
ونقل حنبل : من ذهب مذهب عمر فإنه قال : هم يسبتون جعلهم بمنزلة اليهود
وقال في الترغيب : في ذبيحة الصابئة روايتان مأخذهما : هل هم من النصارى أم لا ؟
فائدة : صفة عقد الذمة أن يقول أقررتكم بالجزية والاستسلام أو ما يؤدي ذلك فيقول أقررتكم على ذلك أو نحوهما هذا الصحيح من المذهب
وقيل : يعتبر فيه ذكر قدر الجزية وفي الاستسلام وجهان ذكرهما في الترغيب.
وقال في الترغيب في الصابئة روايتان
مأخذهما : هل هم فرقة من النصارى أم لا
ونقل حنبل من ذهب مذهب عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنه قال هم يسبتون جعلهم رضي الله عنه بمنزلة اليهود وكل من يصير إلى كتاب فلا بأس بذلك
وقيل : لا يصح أن يذبح اليهودي الإبل في الأصح
وعنه : لا تصح ذبيحة الأقلف الذي لا يخاف بختانه
ونقل حنبل في الأقلف لا صلاة له ولا حج وهي من تمام الإسلام
ونقل فيه الجماعة لا بأس
وقال في المستوعب : يكره من جنب ونحوه
ونقل صالح وغيره لا بأس
ونقل حنبل لا يذبح الجنب
ونقل أيضا في الحائض : لا بأس
وقال في الرعاية وعنه تكره ذبيحة الأقلف والجنب والحائض والنفساء. ( )
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : الذين هادوا : اليهود والصابئون : ليس لهم كتاب والمجوس : أصحاب الأصنام والمشركون : نصارى العرب. ( )
التحرير والتنوير (تفسير)
وقد اختلف علماء الإسلام في إجراء الأحكام على الصابئة فعن مجاهد والحسن أنهم طائفة بين اليهود والمجوس وقال البيضاوي : هم قوم بين النصارى والمجوس فمن العلماء من ألحقهم بأهل الكتاب ومن العلماء من ألحقهم بالمجوس وسبب هذا الاضطراب هو اشتباه أحوالهم وتكتمهم في دينهم وما دخل عليه من التخليط بسبب قهر الأمم التي تغلبت على بلادهم . فالقسم الذي تغلب عليهم الفرس اختلط دينهم بالمجوسية والذين غلب عليهم الروم اختلط دينهم بالنصرانية . قال ابن شاس في كتاب الجواهر الثمينة : قال الشيخ أبو الطاهر " يعني ابن بشير التنوخي القيرواني " منعوا ذبائح الصابئة لأنهم بين النصرانية والمجوسية " ولا شك أنه يعني صابئة العراق الذين كانوا قبل ظهور الإسلام على بلادهم على دين المجوسية "
وفي التوضيح على مختصر ابن الحاجب الفرعي في باب الذبائح " قال الطرطوشي: لا تؤكل ذبيحة الصابيء وليست بحرام كذبيحة المجوسي " وفيه في باب الصيد " قال مالك لا يؤكل صيد الصابئ ولا ذبيحته "
وفي شرح عبد الباقي علي خليل " إن أخذ الصابئ بالنصرانية ليس بقوي كما ذكره أبو إسحاق التونسي وعن مالك لا يتزوج المسلم المرأة الصائبة "
قال الجصاص في تفسير سورة العقود وسورة براءة روي عن أبي حنيفة أن الصابئة أهل الكتاب وقال أبو يوسف ومحمد ليسوا أهل كتاب . وكان أبو الحسن الكرخي يقول الصابئة الذين هم بناحية حران يعبدون الكواكب فليسوا أهل كتاب عندهم جميعا . قال الجصاص : الصابئة الذين يعرفون بهذا الاسم في هذا الوقت ليس فيهم أهل كتاب وانتحالهم في الأصل واحد أعني الذين هم بناحية حران والذين هم بناحية البطائح وكسكر في سواد واسط . وإنما الخلاف بين الذين بناحية حران والذين بناحية البطائح في شيء من شرائعهم وليس فيهم أهل كتاب فالذي يغلب على ظني في قول أبي حنيفة أنه شاهد قوما منهم يظهرون أنهم نصارى تقية وهم الذين كانوا بناحية البطائح وكسكر ويسميهم النصارى يوحنا سية وهم ينتمون إلى يحيى بن زكرياء وينتحلون كتبا يزعمون أنها التي أنزلها الله على شيث ويحيى . ومن كان اعتقاده من الصابئين على ما وصفنا وهم الحرانيون الذين بناحية حران وهم عبدة أوثان لا ينتمون إلى أحد من الأنبياء ولا ينتحلون شيئا من كتب الله فلا خلاف بين الفقهاء في أنهم ليسوا أهل كتاب وأنه لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم وأبو يوسف ومحمد قالا إن الصابئين ليسوا أهل كتاب ولم يفصلوا بين الفريقين وكذا قول الأوزاعي ومالك بن أنس ا ه . كلامه
ووجه الاقتصار في الآية على ذكر هذه الأديان الثلاثة مع الإسلام دون غيرها من نحو المجوسية والدهريين والزنادقة أن هذا مقام دعوتهم للدخول في الإسلام والمتاب عن أديانهم التي أبطلت لأنهم أرجي لقبول الإسلام من المجوس والدهريين لأنهم يثبتون الإله المتفرد بخلق العالم ويتبعون الفضائل على تفاوت بينهم في ذلك فلذلك اقتصر عليهم تقريبا لهم من الدخول في الإسلام . ألا ترى أنه ذكر المجوس معهم في قوله تعالى ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة لأن ذلك مقام تثبيت للنبي $ والمسلمين.
وقد اشتهر حران بأنه بلد الصابئة وفيه هيكل عظيم للصابئة وكان قوم إبراهيم صابئة يعبدون الكواكب ويجعلون لها صورا مجسمة، ولما جرى الاعتبار بالشمس والقمر وكان في الناس أقوام عبدوا الشمس والقمر وهم الصابئة ومنبعهم من العراق من زمن إبراهيم عليه السلام وقد قص الله خبرهم في سورة الأنعام في قوله ( فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي ) الآيات ثم ظهر هذا الدين في سبأ عبدوا الشمس كما قصه الله في سورة النمل.
وقد كان العرب يحسبون دين الإسلام دين الصابئة فكانوا يقولون لمن أسلم : صبأ وكانوا يصفون النبي $ بالصابئ فإذا لم يكن النهي في قوله ( لا تسجدوا للشمس ولا للقمر ) نهي إقلاع بالنسبة للذين يسجدون للشمس والقمر فهو نهي تحذير لمن لم يسجد لهما أن لا يتبعوا من يعبدونهما.
فالصحيح والله أعلم كما ذكرنا أن الصابئة ليسوا من أهل الكتاب إلا من دخل فيهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما من قال من السلف الصابئون فرقة من أهل الكتاب يقرؤن الزبور كما نقل ذلك عن أبي العالية والضحاك والسدي وجابر بن يزيد والربيع ابن انس فهؤلاء أرادوا من دخل في دين أهل الكتاب منهم وكذلك من قال هم صنف من النصارى كما يروى عن ابن عباس انه قال هم صنف من النصارى وهم السائحون المحلقة أوساط رؤسهم فهؤلاء عرفوا منهم من دخل في أهل الكتاب.
ومن قال أنهم يعبدون الملائكة كما يروي عن الحسن قال هم قوم يعبدون الملائكة وعن أبي جعفر الرازي قال بلغني إن الصابئين قوم يعبدون الملائكة ويقرؤن الزبور ويصلون فهذا أيضا صحيح وهم صنف منهم وهؤلاء كثير من الصابئين يعبدون الروحانيات العلوية لكن هؤلاء من المشركين منهم ليسوا من الحنفاء، وكذلك اختلاف الفقهاء في الصابئين هل هم من أهل الكتاب أم لا ويذكر فيه عن احمد روايتان وكذلك قولان للشافعي والذي عليه محققوا الفقهاء إنهم صنفان فمن دان بدين أهل الكتاب كان منهم وإلا فلا . ( )
وذكر الطبري في تفسيره الصابئة فقال :
قال ابن جريج: قلت لعطاء: «الصابئين» زعموا أنها قبـيـلة من نـحو السواد لـيسوا بـمـجوس ولا يهود ولا نصارى. قال: قد سمعنا ذلك, وقد قال الـمشركون للنبـي صلى الله عليه وسلم: قد صبأ.
وعن ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: الصّابِئُون قال: الصابئون: دين من الأديان, كانوا بجزيرة الـموصل يقولون: «لا إلَه إلاّ الله», ولـيس لهم عمل ولا كتاب ولا نبـيّ إلا قول لا إلَه إلاّ الله. قال: ولـم يؤمنوا برسول الله, فمن أجل ذلك كان الـمشركون يقولون للنبـيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه: هؤلاء الصابئون. يشبهونهم بهم.
وقال آخرون: بل هم طائفة من أهل الكتاب. ذكر من قال ذلك:
وسئل السديّ عن الصابئين فقال: هم طائفة من أهل الكتاب.

الإسلام واتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم

من المعلوم بالضرورة أن دين الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله تعالى له وكل الديانات سواه باطلة .
واعلم وفقك الله للخير أن طريق الجنة واحد وهو اتباع المصطفى ، وباقي الطرق لا تؤدي إليها، وأن كل من سمع بخاتم الأنبياء محمد § ولم يؤمن به فهو من الخاسرين ومن أهل النار والعياذ بالله .
من المعلوم بالضرورة أن دين الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله تعالى له وكل الديانات سواه باطلة .
والخير كل الخير في اتباع من سلف والشر كل الشر في اتباع من خلف .
قال الله تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (19) سورة آل عمران.
وقال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (3) سورة المائدة
وقال تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (85) سورة آل عمران
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: مَنْ آمَنَ بـاللّهِ وَالـيَوْمِ الاَخِرِ وعمِل صَالِـحا فَلَهُمْ أجْرُهُمْ عِنْدَ رَبّهمْ.
قال الطبري: يعنـي بقوله: مَنْ آمَنَ بِـاللّهِ وَالـيَوْمِ الاَخِرِ: من صدق وأقرّ بـالبعث بعد الـمـمات يوم القـيامة وعمل صالـحا فأطاع الله, فلهم أجرهم عند ربهم, يعنـي بقوله: فَلَهُمْ أجْرُهُمْ عِنْدَ رَبّهِمْ فلهم ثواب عملهم الصالـح عند ربهم.
فإن قال لنا قائل: فأين تـمام قوله: إن الّذينَ آمَنُوا والّذِين هادُوا وَالنّصَارَى والصّابِئين؟ قـيـل: تـمامه جملة قوله: مَنْ آمَنَ بـاللّهِ وَالـيَوْمِ الاَخِرِ لأن معناه: من آمن منهم بـالله والـيوم الاَخر فترك ذكر منهم لدلالة الكلام علـيه استغناء بـما ذكر عما ترك ذكره.
فإن قال: وما معنى هذا الكلام؟ قـيـل: إن معناه: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من يؤمن بـالله والـيوم الاَخر فلهم أجرهم عند ربهم...
وأما إيـمان الـيهود والنصارى والصابئين, فـالتصديق بـمـحمد صلى الله عليه وسلم, وبـما جاء به, فمن يؤمن منهم بـمـحمد, وبـما جاء به والـيوم الاَخر, ويعمل صالـحا, فلـم يبدّل ولـم يغير, حتـى توفـي علـى ذلك, فله ثواب عمله وأجره عند ربه, كما وصف جل ثناؤه.
فإن قال قائل: وكيف قال: فلهم أجرهم عند ربهم, وإنـما لفظ من لفظ واحد, والفعل معه موحد؟ قـيـل: «مَنْ» وإن كان الذي يـلـيه من الفعل موحدا, فإن له معنى الواحد والاثنـين والـجمع والتذكير والتأنـيث, لأنه فـي كل هذه الأحوال علـى هيئة واحدة وصورة واحدة لا يتغير, فـالعرب توحد معه الفعل وإن كان فـي معنى جمع للفظه, وتـجمع أخرى معه الفعل لـمعناه, كما قال جل ثناؤه: ومِنْهُمْ مَنْ يَسْتَـمِعُونَ إلَـيْكَ أفأنْتَ تُسْمع الصّمّ ولَوْ كانُوا لا يَعْقِلُون ومِنهم مَنْ يَنْظُرُ إلَـيْكَ أفأنْتَ تَهْدِي العُمْي وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ فجمع مرة مع من الفعل لـمعناه, ووحد أخرى معه الفعل لأنه فـي لفظ الواحد, كما قال الشاعر:
ألِـمّا بسَلْـمَى عَنْكما إنْ عَرَضْتُـماوَقُولا لَهَا عُوجي علـى مَنْ تَـخَـلّفُوا
فقال: تـخـلفوا, وجعل «من» بـمنزلة الذين. وقال الفرزدق:
تَعالَ فإنْ عاهَدْتَنِـي لا تـخُونُنِـينَكُنْ مِثْل مَنْ يا ذِئبُ يَصْطَحِبـانِ
فثنى يصطحبـان لـمعنى «من». فكذلك قوله: مَنْ آمَنَ بـاللّهِ والـيَوْمِ الاَخِرِ فَلَهُمْ أجْرُهُمْ عِنْدَ ربّهِمْ وحد آمن وعمل صالـحا للفظ من, وجمع ذكرهم فـي قوله: فَلَهُمْ أجْرُهُمْ لـمعناه, لأنه فـي معنى جمع.
وأما قوله: ولا خَوْفٌ عَلَـيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُون فإنه يعنـي به جل ذكره: ولا خوف علـيهم فـيـما قدموا علـيه من أهوال القـيامة, ولا هم يحزنون علـى ما خـلفوا وراءهم من الدنـيا وعيشها عند معاينتهم ما أعدّ الله لهم من الثواب والنعيـم الـمقـيـم عنده.
ذكر من قال عُنِـي بقوله: مَنْ آمَنَ بـاللّهِ: مؤمنوا أهل الكتاب الذين أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وكان إيـمان الـيهود أنه من تـمسك بـالتوراة وسنة موسى حتـى جاء عيسى, فلـما جاء عيسى كان من تـمسك بـالتوراة وأخذ بسنة موسى فلـم يدعها ولـم يتبع عيسى كان هالكا. وإيـمان النصارى أنه من تـمسك بـالإنـجيـل منهم وشرائع عيسى كان مؤمنا مقبولاً منه, حتـى جاء مـحمد صلى الله عليه وسلم, فمن لـم يتبع مـحمدا صلى الله عليه وسلم منهم ويدع ما كان علـيه من سنة عيسى والإنـجيـل كان هالكا.
وعن ابن جريج, عن مـجاهد قوله: إنّ الّذِينَ آمَنُوا وَالّذِينَ هادُوا الآية. قال سلـمان الفـارسي للنبـي صلى الله عليه وسلم عن أولئك النصارى وما رأى من أعمالهم, قال: لـم يـموتوا علـى الإسلام. قال سلـمان: فأظلـمت علـيّ الأرض. وذكر اجتهادهم, فنزلت هذه الآية, فدعا سلـمان فقال: «نزلت هذه الآية فـي أصحابك». ثم قال النبـي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ مَاتَ علـى دِينِ عِيسَى ومات علـى الإسْلامِ قَبْلَ أنْ يَسْمَعَ بِـي فَهُوَ علـى خَيْرٍ وَمَنْ سَمِعَ بِـي الـيَوْمَ وَلَـمْ يُؤْمِنْ بِـي فَقَدْ هَلَكَ».
وقال ابن عبـاس بـما:
وعن ابن عبـاس قوله: إنّ الّذِينَ آمَنُوا والذِين هادُوا وَالنّصَارَى وَالصّابِئِينَ إلـى قوله: ولا هُمْ يَحْزَنُونَ. فأنزل الله تعالـى بعد هذا: وَمَنْ يَبْتَغِ غيرَ الإسْلامِ دِينا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِـي الاَخِرَةِ مِنَ الـخَاسِرِينَ. وهذا الـخبر يدلّ علـى أن ابن عبـاس كان يرى أن الله جل ثناؤه كان قد وعد من عمل صالـحا من الـيهود والنصارى والصابئين علـى عمله فـي الاَخرة الـجنة, ثم نسخ ذلك بقوله: وَمَنْ يَبْتَغِ غيرَ الإسْلامِ دِينا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ.
فتأويـل الآية إذا علـى ما ذكرنا عن مـجاهد والسدي: إن الذين آمنوا من هذه الأمة, والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن من الـيهود والنصارى والصابئين بـالله والـيوم الاَخر, فلهُمْ أجرُهمْ عندَ ربهمْ ولاَ خَوْفٌ علـيهِمْ ولاَ هُمْ يحزَنُونَ.
والذي قلنا من التأويـل الأول أشبه بظاهر التنزيـل, لأن الله جل ثناؤه لـم يخصص بـالأجر علـى العمل الصالـح مع الإيـمان بعض خـلقه دون بعض منهم, والـخبر بقوله: مَنْ آمَنَ بـاللّهِ وَالـيَوْمِ الاَخِرِ عن جميع ما ذكر فـي أول الآية.

باب
توحيد الله تعالى وصرف العبادة له
على العبد أن يوحد الله تعالى في السر والعلن ولأجل هذا المقصد خلقنا الله سبحانه وتعالى، فقال:وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ .( )
وقال تعالى: وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون( ).
وعن أنس ، أن رسول الله  ومعاذ رديفه على الرحل قال: "يا معاذ بن جبل" قال: لبيك يا رسول الله وسعديك ثلاثاً قال: "ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صادقاً من قلبه إلا حَرَّمه الله على النار".( )
وعن عمرو  قال: سمعت رسول الله  يقول: "إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقاً من قلبه فيموت على ذلك إلا حَرُمَ على النار، لا إله إلا الله".( )

وعن رفاعة الجهني  قال: أقبلنا مع رسول الله  حتى إذا كنا بالكديد أو بقديد فحمد الله وقال: خيراً، وقال: "أشهد عند الله لا يموت عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله صدقاً من قلبه ثم يُسَدِّدُ إلا سلك في الجنة".( )
وفي رواية لمسلم: "من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حرم الله عليه النار".
وقال الله تعالى:وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء( )
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في قوله عز وجل :
وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء.
قال: وهذا هو حقيقة قول لا إله إلا الله وبذلك بعث جميع الرسل
قال تعالى: وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون( ). أ.هـ. ( )
وعن أبي هريرة  قال: كنا قعوداً حول رسول الله  ومعنا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما في نفر فقام رسول الله  من بين أظهرنا فأبطأ علينا وخشينا أن يقتطع دوننا وفزعنا فقمنا فكنت أول من فزع فخرجت أبتغي رسول الله  حتى أتيت حائطاً للأنصار لبني النجار فدرت به هل أجد له باباً فلم أجد فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجةٍ والربيع الجدول فاحتفزت كما يحتفز الثعلب فدخلت على رسول الله  فقال: "أبو هريرة؟" قلت: نعم يا رسول الله قال: "ما شأنك؟" قلت: كنت بين أظهرنا فقمت فأبطأت علينا فخشينا أن تقتطع دوننا ففزعنا فكنت أول ن فزع فأتيت هذا الحائط فاحتفزت كما يحتفز الثعلب وهؤلاء الناس ورائي فقال: "يا أبا هريرة!" وأعطاني نعليه وقال: "اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة". فكان أول من لقيت عمر فقال: ما هاتان النعلان يا أبا هريرة! فقلت: هاتين نعلا رسول الله  بعثني بهما من لقيت يشهد ان لا إله إلا الله مستيقناً بهما قلبه بشرته بالجنة قال: فضرب عمر بيده بين ثديي فخررت لاستي فقال: ارجع يا أبا هريرة فرجعت إلى رسول الله  فأجهشت بكاءً، وركبني عمر، وإذا هو على أثري فقال لي رسول الله : "مالك يا ابا هريرة؟" قلت: عمر فأخبرته بالذي بعثني به فضرب بين ثديي ضربةً خررت لاستي قال: ارجع، فقال له رسول الله : "يا عمر! ما حملك على ما فعلت؟" قال: يا رسول الله! بأبي وأمي أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة؟
قال: "نعم" قال: فلا تفعل فإني أخشى أن يتكلم الناس عليها فخلهم يعملون قال رسول الله : "فخلهم".( )
(وفزعنا فقمنا) قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: الفزع يكون بمعنى الروع وبمعنى الهبوب للشيء والاهتمام به، وبمعنى الإغاثة، قال: فتصح هذه المعاني الثلاثة أي ذعرا لاحتباس النبي  عنا.
"حائطا": بستاناً وسمي بذلك لأنه حائط لا سقف له.
(الجدول) بفتح الجيم وهو النهر الصغير.
(وخشينا أن يقتطع دوننا) أي: يصاب بمكروه من عدو إما بأسر وإما بغيره.
(فاحتفزت كما يحتفز الثعلب) معناه: تضامت ليسعني المدخل.
وقوله (لاستي) فهو اسم من أسماء الدبر.
فأجهشت: بالجيم والشين المعجمة والهمزة والهاء مفتوحتان قال القاضي عياض رحمه الله: وهو أن يفزع الإنسان إلى غيره وهو متغير الوجه متهيء للبكاء ولما يبك بعد.
قوله (ركبني عمر) فمعناه : تبعني ومشى خلفي في الحال بلا مهلة.
(بأبي وأمي) معناه : أنت مفدي أو أفديك بأبي وأمي.
وعن عبادة بن الصامت  قال: قال رسول الله : "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروحٌ منهُ، والجنة حقٌ، والنارَ حق، أدخله الله الجنة على ما كانَ من العمل"( ).
قال القرطبي في المفهم على صحيح مسلم: باب لا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين، بل لا بد من استيقان القلب -هذه الترجمة تنبيه على فساد مذهب غلاة المرجئة، القائلين بأن التلفظ بالشهادتين كاف في الإيمان. وأحاديث هذا الباب تدل على فساده. بل هو مذهب معلوم الفساد من الشريعة لمن وقف عليها. ولأنه يلزم منه تسويغ النفاق، والحكم للمنافق بالإيمان الصحيح. وهو باطل قطعاً. أ.هـ.
وقال القاضي عياض: ما ورد في حديث عبادة يكون مخصوصاً لمن قال ما ذكره  وقرن بالشهادتين حقيقة الإيمان والتوحيد الذي ورد في حديثه، فيكون له من الأجر ما يرجح على سيئاته ويوجب له المغفرة والرحمة ودخول الجنة لأول وهلة. أ.هـ.
وعن محمود بن الربيع قال : قدمت المدينة فلقيت عتبان فقلت له : حديث بلغني عنك قال : أصابني في بصري بعض الشيء فبعثت إلى رسول الله  أني أحب أن تأتيني تصلي في منـزلي فأتخذه مصلى قال فأتى النبي  ومن شاء الله من أصحابه فدخل فهو يصلي في منزلي وأصحابه يتحدثون بينهم ثم أسندوا عظم ذلك وكبره إلى مالك بن دخشم قال: ودوا أنه دعا عليه فهلك ودوا أنه أصابه شر فقضى رسول الله  الصلاة وقال: "اليس يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟"قالوا: إنه يقول ذلك وما هو في قلبه، قال "لا يشهد أحد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فيدخل النار أو تطعمه" قال أنس: فأعجبني هذا الحديث فقلت لابني: اكتبه فكتبه( ).
في الحديث جواز تمني هلاك أهل النفاق والشقاق ووقوع المكروه بهم، وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى: وفيه التبرك بآثار الصالحين.
قال العلامة ابن باز رحمه الله تعالى في تعليقه على فتح الباري (552/1) : (هذا فيه نظر - أي كلام النووي- والصواب أن مثل هذا خاص بالنبي  لما جعل الله فيه من البركة وغيره لا يقاس عليه لما بينهما من الفرق العظيم ولأن فتح هذا الباب قد يفضي إلى الغلو والشرك كما قد وقع من بعض الناس نسأل الله العافية. أ.هـ.
"فخط لي مسجداً" أي : أعلم لي على موضع لأتخذه مسجداً أي موضعاً أجعل صلاتي فيه متبركاً بآثارك والله أعلم.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رسول الله  قال: "إن الله يستخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً كل سجل مثل مد البصر ثم يقول أتنكر من هذا شيئاً؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب فيقول أفلك عذر؟ فقال: لا يا رب فيقول الله تعالى بلى إن لك عندنا حسنة فإنه لا ظلم عليك اليوم فيخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فيقول: أحضر وزنك فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فقال: فإنك لا تظلم فتوضع السجلات في كفةٍ والبطاقة في كفةٍ فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ولا يثقل مع اسم الله شيء"( ).
قال ابن القيم: فالتوحيد يفتح للعبد باب الخير والسرور واللذة والفرح والابتهاج والتوبة استفراغ للأخلاط والمواد الفاسدة التي هي سبب أسقامه وحمية له من التخليط فهي تغلق عنه باب الشرور فيفتح له باب السعادة والخير بالتوحيد ويغلق باب الشرور بالتوبة والاستغفار . ( )
باب
النهي عن الشرك بالله تعالى
قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ
لِمَنْ يَشَاءُ.( )
وقال تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ
وَمَأْوَاهُ النَّارُ.( )
وقال تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ.( )
والآيات في الباب كثيرة.
فالشرك هو أن تجعل لله نداً وهو خلقك وتعبد معه غيره وتصرف العبادة لغيره سبحانه وتعالى من شجر، أو حجر، أو بشر، أو قمر، أو نبي، أو شيخ، أو جني، أو نجم، أو مَلَكٍ وغير ذلك.
وسُئل : أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله نداً وهو خلقك".( )
و (الند) هو: المثل.
قال تعالى: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ.
وقال تعالى: وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَاداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: فمن جعل لله نداً من خلقه فيما يستحقه عز وجل من الإلهية والربوبية فقد كفر بإجماع المسلمين. ( ) أ.هـ
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى –في معرض كلامه على أنواع الشرك-: النوع الأول: شرك أكبر مخرج عن الملة؛ وهو: "كل شرك أطلقه الشارع وهو مناف للتوحيد منافاة مطلقة" مثل أن يصرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله؛ بأن يصلي لغير الله أو يذبح لغير الله، أو ينذر لغير الله، أو أن يدعو غير الله تعالى؛ مثل أن يدعو صاحب قبر، أو يدعو غائباً لإنقاذه من أمر لا يقدر عليه إلا الحاضر. ( ) أ.هـ
فالذي يموت مشركاً بالله تعالى والعياذ بالله فهو من أهل النار خالداً فيها.
وعن بن عباس رضي الله عنهما، قال : "شهدت الصلاة يوم الفطر مع رسول الله  وأبي بكر وعمر وعثمان، فكلهم يصليها قبل الخطبة ثم يخطب بعد، فنـزل نبي الله  فكأني أنظر إليه حين يجلس الرجال بيده ثم أقبل يشقهم حتى أتى النساء مع بلال، فقال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ . ( ) حتى فرغ من الآية كلها، ثم قال حين فرغ: "أنتن على ذلك"، وقالت امرأة واحدة لم يجبه غيرها: نعم يا رسول الله لا يدري الحسن من هي، قال: "فتصدقن، وبسط بلال ثوبه فجعلن يلقين الفتخ والخواتيم في ثوب بلال" . ( )
و عن أبي بكر  قال: قال رسول الله : "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وجلس وكان متكئاً فقال: ألا وقول الزور"، قال: فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت.( )
وعن أبي هريرة  عن النبي : "اجتنبوا السبع الموبقات" قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: "الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا، وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات".( )
قال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: ترك العمل لأجل الناس رياء والعمل لأجل الناس شرك والإخلاص يعافيك منها.
قال ابن مسعود  : "من الكبائر أربعة هي في القلب: الشرك بالله، والإصرار على معصيته، والقنوط من رحمته، والأمن من مكره".
وعن جابر  قال: قال رسول الله : "من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار".( )
ومن أنواع الشرك المنتشرة في كثير من بلاد المسلمين:
عبادة القبور: واعتقاد أن الأولياء الموتى يقضون الحاجات ويفرجون الكربات والاستعانة والاستغاثة بهم.
يقول الله عز وجل: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ.( )
وقال رسول الله : "من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار".( )
وعن أبي هريرة  قال: قال رسول الله : "الكبائر سبعٌ أولُهُنَّ الإشراك بالله، وقتل النفس بغير حقِّها، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وفرارُ يومِ الزحفِ، وقَذفُ المحصناتِ، والانتقالُ إلى الأعرابِ بعدَ هجرتِهِ".( )
وكذلك من أنواع الشرك الأكبر الذبح لغير الله.
قال النبي : "لعن الله من ذبح لغير الله".( )
وكذلك السحر والكهانة والعرافة.
قال الله تعالى: وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ.( )
فالسحر كفر، والساحر كافر وحكمه القتل وكسبه حرام.
وأما الكاهن والعراف فكلاهما كافر بالله العظيم إذا ادَّعيا علم الغيب ولا يعلم علم الغيب إلا الله تعالى.
قال النبي : "من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد".( )
وأما الذي يذهب إليهم غير مصدق بأنهم يعلمون الغيب لا يكفر ولكن لا تقبل له صلاة أربعين يوماً كفارة لما فعل.
قال النبي : "من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة
أربعين يوماً".( )
وقال النبي : "لا يدخل الجنة عاق ولا منان ولا مدمن خمر ولا مؤمن بسحر".( )
ومن أنواع الشرك: الاعتقاد في تأثير النجوم والكواكب في الحوادث وحياة الناس.
عن زيد بن خالد الجهني قال: صلى لنا رسول الله  صلاة الصبح بالحديبية على أثر سماء كانت من الليلة فلما انصرف أقبل على الناس فقال: "هل تدرون ماذا قال ربكم؟" قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكواكب، وأما من قال بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكواكب".( )
وهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة منه.
قال تعالى: قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف - الأنفال (32) - وهذا هو الذي قاتل عليه رسول الله  مشركي العرب لأنهم أشركوا في الإلهية. ( )أ.هـ.
فمن أشرك بربوبية الله فزعم أن شيئاً في الوجود يشارك الله في الخلق والتدبير، والحياة والموت والرزق، والنفع والضر، وغير ذلك من خصائص الرب الخالق، فهو كافرٌ ومن أشرك بألوهية الله فزعم أن أحداً غير الله يستحق أن يُعبد من دون الله، أو عَبَدَ مع الله إلهاً آخر، أو تقرب إلى غير الله عز وجل بالعبادة، فهو كافر.
وبعد أن تعرفنا على الصابئة وما هم عليه على المسلم أن يكون على بصيرة ليدعو إلى دين الله تعالى .
وهذه دعوة لكل من الصابئة أو اليهود أو النصارى وإلى كل من يدين بدين غير الإسلام ولم يوحد الله سبحانه وتعالى ، وإلى كل من يعتقد عقيدة خلاف على ما جاء بها النبي محمد § دعوة لهم أن يدينوا بدين الإسلام الذي ارتضاه الله سبحانه وتعالى حيث قال تعالى : { إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ } ، وقال تعالى : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ } ، وهو دين الأنبياء والرسل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة والأنبياء أخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد ".
قوله أخوة لعلات : هم الأخوة لأب واحد من أمهات مختلفة .
وقوله: "دينهم واحد" هو دين التوحيد وهذا يفيد أن النسب الحقيقي هو نسب العقيدة والإيمان وبه يكون التفاضل لا بالآباء.
ومعنى الحديث أصل إيمانهم واحد وشرائعهم مختلفة، فإنهم متفقون في أصول التوحيد وأما فروع الشرائع فوقع فيها الاختلاف .
اللهم إنا نسألك خير ما سألك منه نبيك محمد  ، ونعوذ بك من شرِّ ما استعاذك منه نبيك محمد  .
سبحان ربك رب العز عما يصفون ، وسلامٌ على المرسلين والحمد لله رب العالمين .

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك