مفتاح دعوة الرسل

مفتاح دعوة الرسل
عبد الملك القاسم
المقدمة
الحمد لله وحده لا شريك له، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فإن تربية النفوس وتزكيتها أمر مهم غفل عنه أمة من الناس، ومع انتشار الخير وكثرة من يسلك طريق الاستقامة إلا أن البعض يروم الصواب ولا يجده وينشد الجادة ويتيه عنها، وقد انبرى لهم الشيطان فاتخذ هؤلاء مطية ومركبًا يسير بهم في لجة الرياء والسمعة والعجب.
ولخطورة الأمر وعظمه وردت الجم وأدليت بدلوي ونزعت نزعًا لا أدعي كماله وحسبي منه اجتهاد مقصر ومحبة الخير لي وللمسلمين.
وهذا هو الجزء [السابع عشر] من سلسلة [أين نحن من هؤلاء؟!] تحت عنوان: (مفتاح دعوة الرسل).
رزقنا الله الإخلاص في القول والعمل، وجعل أعمالنا صوابًا خالصة لوجهه الكريم لا رياء فيها ولا سمعة.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عبد الملك بن محمد بن عبد الرحمن القاسم

مدخل
إن الإخلاص هو حقيقة الدين، ومفتاح دعوة الرسل عليهم السلام قال الله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ( ).
وقال جل وعلا: أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ( )، وقال تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا( ).
قال الفضيل بن عياض: هو أخلصه وأصوبه. قالوا: يا أبا علي، ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: إن العمل إذا كن خالصًا ولم يكن صوابًا لم يقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يقبل حتى يكون خالصًا وصوابًا، والخالص: أن يكون لله، والصواب: أن يكون على السنة، ثم قرأ قوله تعالى: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا( ).
وقال الله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ( ).
قال ابن كثير: أي أخلص العمل لربه عز وجل فعمل إيمانًا واحتسابًا( ).
فإسلام الوجه: إخلاص القصد والعمل لله.
والإحسان فيه: متابعة رسوله  وسنته.
أما حال من قصد غير وجه الله عز وجل فقد قال عنهم جل وعلا في محكم كتابه: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا( )، وهي الأعمال التي كانت على غير السنة أو أريد بها غير وجه الله( ).
وعن أبي هريرة مرفوعًا: «قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه»( ).
وقال : «من صلى يرائي فقد أشرك، من صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدق يرائي فقد أشرك»( ).
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله  يقول: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فجرته إلى ما هاجر إليه»( ).
أخي المسلم:
إن الإخلاص أهم أعمال القلوب المندرجة في تعريف الإيمان، وأعظمها قدرًا وشأنًا، بل إن أعمال القلوب عمومًا آكد وأهم من أعمال الجوارح.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن الأعمال القلبية: وهي من أصول الإيمان وقواعد الدين، مثل محبة الله ورسوله، والتوكل على الله، وإخلاص الدين لله، والشكر له، والصبر علىحكمه، والخوف منه، والرجاء له، وهذه الأعمال جميعها واجبة على جميع الخلق باتفاق أئمة الدين( ).
ولأهمية ذلك وعظم أمره قال أحد العلماء: وودت أنه لو كان من الفقهاء من ليس له شغل إلا أن يعلم الناس مقاصدهم في أعمالهم، ويقعد للتدريس في أعمال النيات ليس إلا، فإنه ما أتى على كثير من الناس إلا من تضييع ذلك.
وحتى هذا العلم الذي ينفع الله به البلاد والعباد إذا لم يكن صاحبه صادق الإخلاص لله عز وجل في طلبه ثم في بذله فإنه متوعد يوم القيامة على لسان رسوله  حيث قال: «من تعلم علمًا مما يبتغى به وجه الله عزوجل، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضًا من الدنيا لم يجد عرف الجنة -يعني ريحها- يوم القيامة»( ).
والله عز وجل مطلع على السرائر وما تخفي الأنفس، لا ينظر إلى الصور، وما ملكت اليد؛ فهو صاحب الفضل ومسدي النعم، ولكنه ينظر إلى ما في داخل الصدور من الإيمان به والتصديق برسالاته والعمل بمقتضى ذلك.
عن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه قال: قال رسول الله : «إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم»( ).
والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وبالجملة كل حظ من حظوظ الدنيا تستريح إليه النفس ويميل إليه القلب –قل أم كثر- إذا تطرق إلى العمل تكدر به صفوه وزال به إخلاصه.
والإنسان مرتبط في حظوظه منغمس في شهواته قلما ينفك فعل من أفعاله وعبادة من عباداته عن حظوظ وأغراض عاجلة من هذه الأجناس( ).
والرياء: هو أن يري الناس أنه يعمل عملاً على صفة وهو يضمر في قلبه صفة أخرى، فهو مستحق للذم والعقاب، ولا ثواب له إلا فيما خلصت فيه النية لله تعالى.
قال الحافظ: الرياء إظهار العبادة لقصد رؤية الناس لها فيحمدونه عليها.
والفرق بينه وبين السمعة، أن الرياء لما يرى من العمل، كالصلاة والصدقة، والسمعة لما يسمع كالقراءة والوعظ والذكر، ويدخل في ذلك التحدث به، وهو البحر الذي لا ساحل له وقل أن ينجو منه، فمن أراد بعلمه غير وجه الله، أو نوى شيئًا إلى غير الله وطلب الجزاء منه فقد أشرك في نيته وإرداته، والإخلاص أن يخلص لله في أقواله وأفعاله وإرادته ونياته( ).
واعلم أن كل شيء يتصور أن يشوبه غيره، فإذا صفا عن شوبه وخلص عنه سمي خالصًا ويسمى الفعل المصفى المخلص: إخلاصًا( ).
وقيل: الإخلاص استواء أعمال العبد في الظاهر والباطن.
والرياء: أن يكون ظاهره خيرًا من باطنه.
والصدق في الإخلاص: أن يكون باطنه أعمر من ظاهره.
وقيل: الإخلاص: نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق، ومن تزين للناس بما ليس فيه سقط من عين الله( ).
وتجمع المرائي به خمسة أقسام، وهي مجامع ما يتزين به العبد للناس:
القسم الأول: الرياء في الدين بالبدن: وذلك بإظهار النحول والصفار ليوهم بذلك شدة الاجتهاد وعظم الحزن على أمر الدين وغلبة خوف الآخرة، وليدل بالنحول على قلة الأكل، وبالصفار على سهر الليل وكثرة الاجتهاد وعظم الحزن على الدين، وكذلك يرائي بتشعيث الشعر ليدل به على استغراق الهم بالدين، وعدم التفرغ لتسريح الشعر، ويقرب من هذا خفض الصوت وإغارة العينين وذبول الشفتين، ليستدل بذلك على أنه مواظب على الصوم، وأن وقار الشرع هو الذي خفض من صوته أو الجوع هو الذي ضعف قوته.
الثاني: الرياء بالهيئة والزي: أما الهيئة فبتشعيث شعر الرأس وإطراق الرأس في المشي والهدوء في الحركة وإبقاء أثر السجود على الوجه.
والمراءون بالزي على طبقات: فمنهم من يطلب المنزلة عند أهل الصلاح بإظهار الزهد فيلبس الثياب الخرقة الوسخة القصيرة الغليظة ليرائي بغلظها ووسخها وقصرها وتخرقها أنه غير مكترث بالدنيا.
وأما أهل الدنيا، فمراءاتهم بالتبختر والاحتيال وتحريك اليدين وتقريب الخطى والأخذ بأطراف الذيل وإدرادة العطفين ليدلوا بذلك على الجاه والحشمة.
الثالث: الرياء بالقول: ورياء أهل الدين بالوعظ والتذكير والنطق بالحكمة وحفظ الأخبار والآثار لأجل الاستعمال في المحاورة، وإظهار لغزارة العلم، ودلالة على شدة العناية بأحوال السلف، وتحريك الشفتين بالذكر في محضر الناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمشهد الخلق، وإظهار الغضب للمنكرات وإظهار الأسف على مقارفة الناس للمعاصي، وتضعيف الصوت في الكلام وترقيق الصوت بقراءة القرآن، ليدل بذلك على الخوف والحزن، وادعاء حفظ الحديث ولقاء الشيوخ والدق على من يروي الحديث ببيان خلل في لفظه، ليعرف أنه بصير بالأحاديث، والمبادرة إلى أن الحديث صحيح أو غير صحيح لإظهار الفضل فيه، والمجادلة على قصد إفحام الخصم يظهر للناس قوته في علم الدين، والرياء بالقول كثير وأنواعه لا تنحصر.
وأما أهل الدنيا، فمراءاتهم بالقول بحفظ الأشعار والأمثال والتفاصح في العبارات وحفظ النحو الغريب للأغراب على أهل الفضل وإظهار التودد إلى الناس لاستمالة القلوب.
الرابع: الرياء بالعمل: كمراءاة المصلي بطول القيام ومد الظهر وطول السجود والركوع وإطراق الرأس، وترك الالتفات وإظهار الهدوء والسكون وتسوية القدمين واليدين، وكذلك بالصوم والغزو والحج وبالصدقة وبإطعام الطعام، وبالإخبات في المشي عند اللقاء كإرخاء الجفون وتنكيس الرأس والوقار في الكلام حتى أن المرائي قد يسرع في المشي إلى حاجته فإذا اطلع عليه أحد من أهل الدين رجع إلى الوقار وإطراق الرأس خوفًا من أن ينسبه إلى العجلة وقلة الوقار، فإن غاب الرجل عاد إلى عجلته، فإذا رآه عاد إلى خشوعه ولم يحضره ذكر الله حتى يكون يجدد الخشوع له، بل هو لاطلاع إنسان عليه يخشى أن لا يعتقد فيه أنه من العباد والصلحاء الصالحين.
الخامس: المراءاة بالأصحاب والزائرين والمخالطين:
كالذي يتكلف أن يستزير عالمًا من العلماء ليقال إن فلانًا قد زار فلانًا، وكالذي ذكر الشيوخ ليرى أنه لقي شيوخًا كثيرة واستفاد منهم فيباهي بشيوخه، وبماهاته ومراءاته تترشح منه عند مخاصمته، فيقول لغيره: من لقيت من الشيوخ؟ وأنا قد لقيت فلانًا ودرت البلاد وخدمت الشيوخ وما يجري مجراه.
فهذه مجامع ما يرائي به المراءون، وكلهم يطلبون بذلك الجاه والمنزلة في قلوب العباد. ومنهم من يقنع بحسن الاعتقادات فيه، فكم من راهب انزوى إلى ديرة سنين كثيرة وكم من عابد اعتزال إلى قمة جبل مدة مديدة، وإنما خبأته من حيث علمه بقيام جاهه في قلوب الخلق، ولو عرف أنهم نسبوه إلى جريمة في ديره أو صومعته لتشوش قلبه ولم يقنع بعلم الله ببراءة ساحته، بل يشتد لذلك غمه ويسعى بكل حيلة في إزالة ذلك من قلوبهم مع أنه قد قطع طمعه من أموالهم ولكنه يحب مجرد الجاه فإنه نوع قدرة وكمال في الحال وإن كان سريع الزوال لا يغتر به إلا الجهال ولكن أكثر الناس جهال.
ومن المرائين من لا يقنع بقيام منزلته بل يلتمس من ذلك إطلاق اللسان بالثناء والحمد.
ومنهم من يريد انتشار الصيت في البلاد لتكثر الرحلة إليه.
ومنهم: من يريد الاشتهار عند الملوك لقبل شفاعته وتنجز الحوائج على يده فيقوم له بذلك جاه عند العامة.
ومنهم من يقصد التوصل بذلك إلى جمع حطام وكسب مال ولو من الأوقاف وأموال اليتامى وغير ذلك من الحرام، وهؤلاء شر طبقات المرائين الذين يراءون بالأسباب التي ذكرناها، فهذه حقيقة الرياء وما به يقع الرياء( ).
وقد توعد الله عز وجل المرائين فقال تعالى: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ( )... وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ( ).
وأسباب الرياء وبواعثه ترجع إلى ثلاثة أصول هي:
الأول: حب لذة الحمد والثناء من الناس.
الثاني: الفرار من الذم.
الثالث: الطمع فيما في أيدي الناس من مال وجاه وغيره.
ولأن هذه البواعث تطرق الإنسان وتأخذ بيد من وافقها فقد حذرالنبي  من الرياء لخفائه وعدم ظهوره، بل وجهل بعض الناس بأمره. عن أبي سعيد مرفوعًا: «ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «الشرك الخفي».
وقد سماه خفيًا لأنه عمل قلب لا يعلمه إلا الله، ولأن صاحبه يظهر أن عمله لله، وقد يقصد به غيره، أو شكه فيه بتزيين صلاته لأجله.
وعن شداد بن أوس قال: كنا نعد الرياء على عهد رسول الله  الشرك الأصغر( ).
قال ابن القيم: وأما الشرك الأصغر فكيسير الرياء، والتصنع للخلق والحلف بغير الله وقول الرجل ما شاء الله وشئت وهذا من الله ومنك، وما لي إلا الله وأنت، وأنا متوكل على الله وعليك، ولولا الله وأنت، وقد يكون هذا أكبر بحسب حال قائله ومقصده، ولا خلاف أن الإخلاص شرط لصحة العمل وقبوله( ).
وقال رحمه الله تعالى: فالسجود، والعبادة، والتوكل، والإنابة، والتقوى، والخشية، والتحسب، والتوبة، والنذر، والحلف، والتسبيح، والتكبير، والتهليل، والتحميد، والاستغفار، وحلق الرأس خضوعًا وتعبدًا، والطواف بالبيت، والدعاء، كل ذلك محض حق الله، ولا ينبغي لسواه من ملك مقرب ولا نبي مرسل( ).
هذا إذا كان لا يجوز لملك مقرب ولا نبي مرسل فما بالك بمن يصرف بعضًا من ذلك أو يسيره رياء لمن يرى من رؤسائه ومدرائه!! وسمعة لمن يسمع من أقاربه أو معارفه وجيرانه؟!
أخي المسلم:
للمرائي علامات ذكرها علي بن أبي طالب رضي الله عنه بقوله: للمرائي ثلاث علامات: يكسل إذا كان وحده، وينشط إذا كان في الناس، ويزيد في العمل إذا أثنى عليه وينقص إذا ذم( ).
إذا السر والإعلان في المؤمن استوى
فقد عز في الدارين وستوجب الثنا
فإن خالف الإعلان سرًا فما له
على سعيه فضل سوى الكد العنا
وسأل رجل شقيق بن إبراهيم فقال: إن الناس يسمونني صالحًا فكيف أعلم أني صالح أو غير صالح؟ فقال شقيق:
أولاً: أظهر سرك عند الصالحين فإن رضوا به فاعلم أنك صالح، وإلا فلا.
ثانيًا: أعرض الدنيا على قلبك، فإن ردها فاعلم أنك صالح.
ثالثًا: اعرض الموت على نفسك، فإن تمنيته فاعلم أنك صالح، وإلا فلا.
فإذا اجتمعت فيك هذه الثلاثة فتضرع إلى الله تعالى لكي لا يدخل الرياء في عملك فيفسد عليك أعمالك( ).
وكثر حديث النفس في المجالس مباهاة ورياء.. فهذا سعى لبناء مسجد: فتراه يذكر قصته من أول يوم وما واجهه من عقبات وصعوبات وكيف تعب وشقي حتى أتم الأمر كله ؟!
والآخر يتحدث عن صدقته وأنه يوصلها للأيتام بنفسه ويحكي ما رأى على سبيل حظ النفس وأنه ذهب في الحر الشديد ودخل أحياء موحشة!!
وتلك تتحدث عن جهدها في الدعوة وكم شريطًا اشترت وكم كتابًا وزعت!!
وهكذا يكن اللسان في كثير من المجالس وبالاً على صاحبه!!
وأما من ابتلي بأعمال ظاهرة للناس فتراه يتصنع التعب وضيق الوقت وكثرة الداخلين والخارجين وأن هموم الإسلام على ظهره!! فسبحان الله ما أجهله..ولقد قارب الفلاح ولكن الشيطان أبى!!
يهوى الثناء مبرز ومقصر
حب الثناء طبيعة الإنسان
قال بعضهم: آفة العبد رضاه عن نفسه، ومن نظر إلى نفسه باستحسان شيء منها فقد أهلكها، ومن لم يتهم نفسه على دوام الأوقات فهو مغرور( ).
قال ابن القيم: لا شيء أفسد للأعمال من العجب ورؤية النفس ولا شيء أصلح لها من شهود العبد منة الله وتوفيقه والاستعانة به والافتقار إليه وإخلاص العمل له( ).
أخي الحبيب:
إن العمل بغير إخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملأ جرابه رملاً يثقله ولا ينفعه( ).
وفي العمل القليل الخالص لوجه الله عز وجل بركة وأجر عظيم.
قال سري السقطي: لأن تصلي ركعتين في خلوة تخلصهما خير لك من أن تكتب سبعين حديثًا أو سبعمائة بعلو.
وقال بعضهم: في إخلاص ساعة نجاة الأبد ولكن الإخلاص عزيز.
ويقال: العلم بذر والعمل زرع وماؤه الإخلاص( ).
ومن ثمرات الإخلاص وصدق التوجه إلى الله عز وجل ما نراه في حال السلف رحمهم الله.
قال سفيان بن عيينة: ما أخلص عبد لله أربعين يومًا إلا أنبت الله الحكمة في قلبه نباتًا، وأنطق لسانه بها، وبصره عيوب الدنيا داءها ودواءها( ).
هذا إذا كان هدفه من هذا الإخلاص وجه الله عز وجل وليس لهدف أن ينبت الله في قلبه الحكمة أو غيرها. فإنها حينئذ تنصرف إلى الجهة والقصد.. ومن قصد الله وجده، ومن يمم نحو هدف كالحكمة أو هدف آخر فإن إخلاصه ينثلم!!
ومن جاهد نفسه يومًا بعد آخر وشهرًا بعد شهر فإن الله عز وجل ييسر له أمر الإخلاص والانقطاع له ويجعل له نفعًا ولعمله قبولاً.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والمأمور به أمران: عمل باطن وهو إخلاص الدين لله، وعمل ظاهر وهو ما شرعه الله لنا من واجب ومستحب، وخلق كثير يعبدون غير الله، وخلق كثير يبتدعون عبادة لم يأذن بها الله، وكثير من الناس عملهم ليس خالصًا لله، ولا موافقًا لشريعة الله، مبتدعة ضلال يشرعون دينًا لم يأذن به الله.
سئل حمدون القصار: ما بال كلام السلف أنفع من كلامنا؟ قال: لأنهم تكلموا لعز الإسلام، ونجاة النفوس، ورضا الرحمن، ونحن نتكلم لعز النفوس، وطلب الدنيا ورضا الخلق( ).
استعدوا للآخرة وتجهزوا لها وعملوا للإسلام وبذلوا له فكان لهم النفع والقبول، ثم طوت الأيام صفحتها وقل نظيرهم وندر جنسهم، فالهوى والنفس الأمارة والشيطان كل يجاذب الإنسان في طريق!! وها هو الشيطان في خداع مع الإنسان يبحث له عن مدخل ويطرق عليه جميع الأبواب.
قال الحسين بن زياد: لا يترك الشيطان الإنسان حتى يحتال له بكل وجه، فيستخرج منه ما يخبر من عمله، لعله يكون كثير الطواف، فيقول: ما كان أحلى الطواف الليلة، أو يكون صائمًا فيقول: ما أثقل السحور، وما أشد العطش، فإن استطعت أن لا تكون محدثًا ولا متكلمًا ولا قارئًا، إن كنت بليغًا قالوا: ما أبلغه وأحسن حديثه وأحسن صوته، فيعجبك ذلك فتنتفخ وإن لم تكن بليغًا قالوا: ليس يحسن يحدث، وليس صوته بحسن، أحزنك وشق عليك، فتكون مرائيًا، إذا جلست فتكلمت ولم تبال من ذمك ومن مدحك من الله فتكلم( ).
وعليك بإخلاص النية وصدق الالتجاء إلى الله عز وجل فإن في ذلك فلاح الدارين، حكي عن بعض السلف أنه قال لتلميذه: ما تصنع بالشيطان إذا سول لك الخطايا؟ قال: أجاهده، قال: فإن عاد، قال: أجاهده، قال: فإن عاد.. قال: أجاهده.. قال: هذا يطول. أرأيت إن مررت بغنم فنبحك كلبها أو منعك من العبور ما تصنع؟ قال: أكابده، وأرده جهدي، قال: هذا يطول عليك، ولكن استعن بصاحب الغنم يكفه عنك( ).
أخي الحبيب:
من مداخل الشيطان العجب وهو الدرجة الأولى في سلم الكبر والعياذ بالله، والعجب هو استعظام النعمة والركون إليها مع نسيان إضافتها إلى المنعم.
والعجب أنواع: فمن الناس من يعجب بصحته وقوته وتناسب إعضائه وحسن صورته، فليعلم أن ذلك من نصيب الدود وأن كل من عليها فان، وقد قال سليمان عليه السلام: «لأطوفن الليلة على مائة امرأة كل منهن تنجب فارسًا يجاهد في سبيل الله» ولم يقل إن شاء الله، فلم تنجب منهن إلا واحدة ولدت نصف طفل، قال رسول الله : «لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله»( ).
ومن الناس من يعجب بعقله واستكشافه لبطائن الأمور الدينية والدنيوية، وثمرة هذا العجب أن تجده مستبدًا برأيه مستجهلاً لغيره معرضًا عن سماع آراء الآخرين، فليفكر هذا العاقل فيما لو ابتلاه الله بمرض في دماغه لجن عقله وطار لبه.
وذهب فكره، فليحمده الله على العافية وليشكره على النعمة، ومن الناس من يعجب بنسبه ويظن أنه ناج لا محالة، أليس هو ابن فلان؟ فليعلم هذا الغافل أن من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه، وأن النبي  نادى أقرب الناس إليه «يا فاطمة: اعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئًا»( ).
ومن الناس من يعجب بكثرة أولاده وأهله وعشيرته، وهذا يكفيه قول الله تعالى: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ( )...
فأي عجب بمن يتركك في أشد أحوالك، ويهرب منك في أحرج أوقاتك؟
ومن الناس من يعجب بماله وغناه، فليقرأ قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ( ).. وقول رسوله : «بينما رجل يتبخر في حلة قد أعجبته نفسه إذ أمر الله الأرض فأخذته، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة»( ).
ومن الناس من يعجب بعبادته، وهذا إنما أوتى من جهله، لأنه لا يدري أقبلت عبادته أم لا؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما الإخلاص فهو حقيقة الإسلام إذ [الإسلام] هو الاستلام لله لا لغيره كما قال تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا( ).
فمن لم يستلم لله فقد استكبر ومن استسلم لله ولغيره فقد أشرك، وكل من الكبر والشرك ضد الإسلام، والإسلام ضد الشرك والكبر( ).
قال مسروق: كفى بالمرء علمًا أن يخشى الله، وكفى بالمرء جهلاً أن يعجب بعمله( ).
بل لله الحمد في الأولى والآخرة، فله الحمد على نعمة الإسلام، وله الحمد على نعمة الهداية والتوفيق، وله الحمد أن يسر لنا العمل الصالح، وندعوه عز وجل كما يسر لنا ذلك وفقنا له أن يوفقنا إلى قبول العمل الصالح الخالص لوجهه الكريم، وأن يتجاوز عن تقصيرنا فهو صاحب الإحسان العظيم يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ( ).
عن عمر رضي الله عنه قال: إن من صلاح توبتك أن تعرف ذنبك، ومن صلاح عملك أن ترفض عجبك، ومن صلاح شكرك أن تعرف تقصرك.
وتأمل فقههم في الدين وعلمهم بعظمة الله عز وجل على العباد وحقوقه علىعباده، قال مطرف بن عبد الله: لأن أبيت نائمًا وأصبح نادمًا أحب إليَّ من أن أبيت قائمًا وأصبح معجبًا( ).
وروي عن عائشة -رضي الله عنها- أن رجلاً سألها فقال: متى أعلم أني محسن؟ قالت: إذا علمت أنك مسيئ، قال: ومتى أعلم أني مسيئ؟ قالت: إذا علمت أنك محسن.
قال ابن القيم: كثر الخلق إذا نالوا الرئاسات تغيرت أخلاقهم ومالوا إلا الكبر وسرعة الانفعال، فمن الغلط أن تطالبه بالأخلاق التي كان يعامل بها قبل الرئاسة؛ ومخاطبة الرؤساء بالقول اللين مطلوب شرعًا وعقلاً وهكذا كان  يخاطب العشائر والقبائل( ).
ولخوف سلف الأمة على أنفسهم ومهابتهم من الله عز وجل قال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من صحابة رسول الله ، كلهم يخاف النفاق على نفسه( ).
ولهذا قال سهل بن عبد الله: نظر الأكياس في تفسير الإخلاص، فلم يجدوا غير هذا: أن تكون حركته وسكونه في سره وعلانيته لله تعالى، لا يمازجه شيء لا نفس ولا هوى، ولادنيا.
والعجب إحدى الآفات التي تفسد الأعمال، وتهلك العباد، وهو أحد العوارض التي تعرض للعالمين أثناء سيرهم إلى الله تعالى، فمنهم من يباهي بنفسه أنه تصدق بكذا وكذا، وآخر أنه صلى كذا وكذا، والثالث: أنه يدعو إلى الله منذ عشر سنين، وكل ذلك عجب ومباهاة!!
والعجب داء ينافي الإخلاص ويضاده، ويجافي الذل والافتقار لله تعالى، فهو سوء أدب مع الله جل جلاله كما أن العجب يجانب محاسبة النفس، ويعمي عن معرفة أدواء النفس وعيوبها.
قال أبو الليث السمرقندي: من أراد أن يكسر العجب فعليه بأربعة أشياء:
أولها: أن يرى التوفيق من الله تعالى، فإذا رأى التفويق من الله تعالى فإنه يشغل بالشكر ولم يعجب بنفسه.
الثاني: أن ينظر إلى النعماء التي أنعم الله بها عليه فإذا نظر في نعمائه اشتغل بالشكر عليها واستقل عمله ولم يعجب به.
الثالث: أن يخاف أن لا يتقبل منه، فإذا اشتغل بخوف القبول لا يعجب بنفسه.
الرابع: أن ينظر في ذنوبه التي أذنب قبل ذلك، فإن خاف أن ترجح سيئاته على حسناته فقد قل عجبه، وكيف يعجب المرء بعمله ولا يدري ماذا يخرج من كتابه يوم القيامة؟ وإنما يتبين عجبه وسروره بعد قراءة الكتاب( ).
قال عبد الله بن المبارك: العجب أن ترى عندك شيئًا عند غيرك( ).
وهذا أصل مرض إبليس حيث قال الله تعالى قاصًا اعتراضه على السجود لآدم عليه الصلاة والسلام: قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ( )، فأعجبت المسكين نفسه حيث ظن أن النار خير من الطين، فأورثه ذلك العجب خسران الأبد، والعياذ بالله.
وهذا قارون أعجب بنفسه وماله فقال: إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي( )، فأهلكه الله تعالى حيث خسف به الأرض.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: وكثيرًا ما يقرن الناس بين الرياء والعجب، فالرياء من باب الإشراك بالخلق والعجب من باب الإشراك بالنفس، وهذا حال المستكبر فالمرائي لا يحقق قوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُوالمعجب لا يحقق قوله: وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُفمن حقق قوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ خرج عن الرياء، ومن حقق قوله: وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ خرج عن الإعجاب( ).
قال المحاسبي: يجمع العجب خصالاً شتى: يعمى عليه كثير من ذنوبه، وينسى مما لم يعم عليه منها أكثر، وما ذكر منها كان له مستصغرًا وتعمى عليه أخطاؤه، وقوله بغير الحق، ويخرجه ذلك إلى الكبر والتعظيم على العباد، ويغتر بالله عز وجل ويدل عليه بعلمه وعمله، حتى كأن له منة على ربه عز وجل فحينئذ ينقطع عن الله عز وجل عصمته، ويكله إلى نفسه فيرى أنه من المحسنين وهو عند الله من الظالمين الفاسقين( ).
قال النووي: وطريقه في نفي الإعجاب: أن يعلم أن العلم فضل من الله تعالى، ومنة عارية فإن لله تعالى ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فينبغي أن لا يعجب بشيء لم يخترعه وليس مالكًا له، ولا على يقين من دوامه( ).
أخي المسلم:
كل عملك الذي تقدمه قليل في جنب الله وإن ظهر لك مثل الجبال.. فأجمع على قلبك الخوف والرجاء، وتذكر قول ابن عون: لا تثق بكثرة العمل فإنك لا تدري أيقبل منك أم لا؟! ولا تأمن ذنوبك فإنك لا تدري أكفرت عنك أم لا؟! إن عملك مغيب عنك كله( ).
قال ابن بطال: في تغييب خاتمة العمل عن العبد حكمة بالغة وتدبير لطيف، لأنه لو علم وكان ناجيًا أعجب وكسل، وإن كان هالكًا ازداد عتوًا، فحجب عنه( ).
وكان الحسن يروي أن عائشة رضي الله عنها رأت رجلاً متماوتًا فقالت: ما بال هذا؟ فقالوا: إنه صالح، فقالت: لا أبعد الله غيره، كان عمر رضي الله عنه أصلح منه، وكان إذا مشى أسرع، وإذا ضرب أوجع، وإذا أطعم أشبع، فدعوا التصنع فإن الله لا يقبل من متصنع عملاً.
وروي عن بعض الصالحين أنه كان يقول: أفضل الزهد، إخفاء الزهد، وكان يقول: من تزين للناس بما لا يعلمه الله منه شانه ذلك( ).
وداء الرياء ليس في الحياة فحسب بل قد يصاحب أناسًا بعد الموت.
قال بشر بن الحارث: قد يكون الرجل مرائيًا بعد موته، يحب أن يكثر الخلق في جنازته( ).
بل وبعضهم يحب أن يكون طاغوتًا يعبد بعد موته من دون الله؛ فهو يسارع في آخر حياته إلى بناء [ضريحه] وتجميله واختيار الصناع المهرة لبنائه مخالفًا أمر الله عز وجل وأمر رسوله  في التحذير من ذلك والنهي عنه!!
وما أحسن قول سهل بن عبد الله: ليس على النفس شيء أشق من الإخلاص لأنه ليس لها فيه نصيب( ).
وهاك أيها القارئ جوهرة من جواهر شيخ الإسلام ابن تيمية وهو يصور للمرائي سقوط ما يسعى إليه وتهافت ما يبحث عنه حيث قال:رضا الناس غير مقدور وتحصيله غير مطلوب...!
ومن ذا الذي يقدر على إرضاء الناس!! وهل له كتاب الله ورسنة رسوله  ما يحث على السعي لتحصيل هذا الرضا والقبول؟! بل إن أكثر الناس كما قال الله تعالى عنهم: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ( )، وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ( ).
وهذا بحد ذاته يجعل الإنسان يركن إلى عزيز جبار ويلجأ إلى فاطر السموات والأرض بعيدًا عن تحصيل رضا فلان وعلان.. فإن رضي الله عنك فأنت في خير وإلى خير.
قال الفضيل بن عياض: تزينت لهم بالصوم فلم ترهم يرفعون بك رأسًا تزينت لهم باقرآن فلم ترهم يرفعون بك رأسًا تزينت لهم بشيء بعد شيء، إنما هو لحب الدنيا( ).
وقال الحسن: إن كان الرجل جمع القرآن وما يشعر به جاره، وإن كان الرجل لقد فقه الفقه الكثير وما يشعر به الناس، وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعنده الزوار وما يشعر به، ولقد أدركنا أقوامًا ما كان على ظهر الأرض من عمل يقدرون على أن يعملوه في سر فيكون علانية أبدًا ولقد كان المسلمون يجتهدون الدعاء وما يسمع لهم صوت، إن كان إلا همسًا بينهم وبين ربهم ذلك أن الله -عز وجل- يقول: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً( ) وذلك أن الله تعالى ذكر عبدًا صالحًا ورضي قوله فقال: إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا( ).
قال يعقوب: المخلص من يكتم حسناته كما يكتم سيئاته( ).
وانظر إلى كرم الله عز وجل وجوده لمن أخلص له عمله وصدق في توجهه واستقبل الآخرة وخلف الدنيا وأهلها وراءه!!
يقول ابن تيمية: إذا كان العبد مخلصًا له اجتباه ربه، فيحيي قلبه، واجتذبه إليه، فيتصرف عنه ما يضاد ذلك من السوء والفحشاء، ويخاف من حصول ضد ذلك، بخلاف القلب الذي لم يخلص لله، فإنه في طلب وإرداة وحب مطلق، فيهوى ما يسنح له، ويتشبث بما يهواه، كالغصن أي نسيم مر بعطفه( ) آماله، فتارة تيجتذبه الصور المحرمة وغير المحرمة، فيبقى أسيرًا عبدًا لمن لو اتخذه هو عبدًا له لكان ذلك عيبًا ونقصًا وذمًا، وتارة يجتذبه الشرف والرئاسة، فترضيه الكلمة، وتغضبه الكلمة، ويستعبده الدرهم والدينار، وأمثال ذلك من الأمور التي تستعبد القلوب.
ومن لم يكن خالصًا لله عبدًا له، قد صار قلبه معبًا لربه وحده لا شريك له، بحيث يكون الله أحب إليه من كل من سواه، ويكون ذليلاً له خاضعًا وإلا استعبدته الكائنات، واستولت على قلبه الشياطين، وكان من الغاوين، وصار فيه من السوء والفحشاء ما لا يعلمه إلا الله، وهذا أمر ضروري لا حيلة فيه( ).
وتأمل في حال من أخلص لله قلبه وتوجه بقلبه لله عز وجل، يقول العلامة ابن القيم: وقد جرت عادة الله التي لا تبدل وسنته التي لا تحول أن يلبس المخلص من المهابة والنور والمحبة في قلوب الخلق وإقبال قلوبهم إليه ما هو بحسب إخلاصه ونيته ومعاملته لربه، ويلبس المرائي اللابس ثوبي الزور من المقت والمهانة والبغضة ما هو اللائق به.
فالمخلص لهالمهابة والمحبة وللآخر المقت والبغضاء،وقد شرط الله لقبول العبادات وصحتها أن تكون خالصة له سبحانه وأن ينوي بها العبد التقرب إلى الله وإلا كانت عادة وليس عبادة، يقول الله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ( ).
وثبت في الصحيحين وغيرهما، قال : «إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم»( ).
وفساد النية في الغالب مرجعه إلى الشبهات والسهوات فإذا كثرت الشكوك والشبهات سبب ذلك الانحراف وكذلك إذا كثر ورود شهوات على القلب أشرب حبها وأخذ يسعى في تحقيقها، وصدق الله العظيم: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ( ).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن الذين يدفعون وزكاة أموالهم إلى السلطان خشية أن تضرب أعناقهم، أو تنتقص حرماتهم، أو تؤخذ أموالهم، وعن الذين يقومون يصلون خوفًا على دمائهم أو أموالهم أو أعراضهم. تحدث عنهم واصفًا إياهم بالنفاق والرياء ثم قال: عندنا وعند أكثر العلماء أن هذه العبادة فاسدة، لا يسقط الفرض بهذه النية( ).
عليك أخي الحبيب بجهادالنفس وإلزامها الجادة وترك الرياء والتصنع للناس فإنك يا ابن آدم كما قال الحسن: رحم الله رجلاً لم يغره كثرة ما يرى من الناس.
ابن آدم: إنك تموت وحدك، وتدخل القبر وحدك، وتبعث وحدك، وتحاسب وحدك!!!( ).
واعلم أخي الحبيب أن من علامات السعادة والفلاح أن العبد كلما زيد في عمله زيد في تواضعه ورحمته،وكلما زيد في عمله زيد في خوفه وحذره،وكلما زيد في عمره ونقص من حرصه، وكلما زيد في ماله زيد في سخائه وبذله، وكلما زيد في قدره وجاهه زيد في قربه من الناس وقضاء حوائجهم والتواضع لهم( ).
قال الحسن: السجود يذهب بالكبر ، والتوحيد يذهب بالرياء( ).
وقال بعضهم: إذا أبغض الله عبدًا أعطاه ثلاثًا ومنعه ثلاثًا، أعطاه صحبة الصالحين ومنعه القبول منه، وأعطاه الأعمال الصالحة ومنعه الإخلاص فيها، وأعطاه الحكمة ومنعه الصدق فيها( ).
والشهرة التي يسعى إليها البعض من أهل الدنيا تنافي الإخلاص إذا كان الهدف منها الجاه وإبراز النفس والتيه على الآخرين، أما إذا أتت طائعة مرغمة فإنها من أنواع الابتلاء الذي يحتاج إلى جهاد ومدافعة لحظوظ النفس!!
قال إبراهيم بن أدهم:ما صدق الله عبد أحب الشهرة( ).
يقول ابن الجوزي: واعلم أن المؤمن لا يريد بعمله إلا الله سبحانه وتعالى، وإنما يدخل عليه خفي الرياء فيلبس الأمر فنجاته منه صعبة، وفي الحديث مرفوعًا عن يسار قال لي يوسف بن أسباط: تعلموا صحة العمل من سقمه فإني تعلمته في اثنين وعشرين سنة.
وفي الحديث مرفوعًا عن إبراهيم الحنظلي قال: سمعت بقية بن الوليد يقول: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: تعلمت المعرفة من راهب يقال له سمعان، ودخلت عليه في صومعته فقلت له: يا سمعان، منذ كم أنت في صومعتك هذه؟ قال: منذ سبعين سنة.. قلت: ما طعامك؟ قال: يا حنيفي، وما دعاك إلى هذا؟ قالت: أحببت أن أعلم.
قال: في كل ليلة حمصة.. قلت: فما الذي يهيج من قلبك حتى تكفيك هذه الحمصة؟ قال: ترى الذي بحذائك؟ قلت: نعم، قال: إنهم يأتونني في كل سنة يومًا واحدًا فيزينون صومعتي ويطوفون حولها يعظمونني بذاك، وكلما تثاقلت نفسي عن العبادة ذكرتها تلك الساعة، فأنا أحتمل جهد سنة لعز ساعة، فاحتمل يا حنيفي جهد ساعة لعز الأبد.. فوقر في قلبي المعرفة، فقال: أزيدك؟ قلت: نعم، قال: انزل عن الصومعة. فنزلت، فأدلى إلي ركوة فيها عشرون حمصة.. فقال لي: ادخل الدير فقد رأوا ما أدليت إليك، فلما دخلت الدير اجتمعت النصارى، فقالوا: يا حنيفي، ما الذي أدلى إليك الشيخ ؟ قلت: من قوته، قالوا: وما تصنع به ونحن أحق؟ ساوم. قلت: عشرين دينارًا، فأعطوني عشرين دينارًا فرجعت إلى الشيخ فقال: أخطأت، لو ساومتهم عشرين ألفًا لأعطوك، هذا عز من لا يعبده، فانظر كيف تكون بعز من تعبده؟ يا حنيفي: أقبل على ربك( ).
أخي المسلم:
لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماء والنار والضب والحوت، فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص فأقبل على الطمع فاذبحه بسكين اليأس، وأقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة، فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الإخلاص( ).
عن يحيى بن أبي كثير قال: تعلموا النية فإنها أبلغ من العمل( ).
قال ابن تيمية -رحمه الله-: النية المجردة عن العمل يثاب عليها، والعمل المجرد عن النية لا يثاب عليه، ومن نوى الخير وعمل منه مقدوره وعجز عن إكماله كان له أجر عامل.
ومع كثرة مشاغل الحياة وجهل البعض ترى من لا يستحضر النية الصالحة في نومه وأكله وشربه ليؤجر عليها!!
ومما ينبغي التذكير به في هذا الموضع هو أن الإخلاص إذا تمكن من طاعة ما فكانت هذه الطاعة خالصة لوجه الله تعالى، فإننا نشاهد أن الله تعالى يجزي الجزاء الكبير والعطاء العظيم لهؤلاء المخلصين، وإن كانت الطاعة في ظاهرها يسيرة أو قليلة.
يقول ابن تيمية في هذا الشأن: والنوع الواحد من العمل قد يفعله الإنسان على وجه يكمل فيه إخلاصه وعبوديته لله، فيغفر الله به كبائر كما في حديث البطاقة، فهذه حال من قالها بإخلاص وصدق، كما قالها هذا الشخص، وإلا فأهل الكبائر الذين دخلوا النار كلهم يقولون التوحيد، ولم يترجح قولهم على سيئاتهم كما ترجح قول صاحب البطاقة.
ثم ذكر ابن تيمية حديث البغي التي سقت كلبًا فغفر الله لها.. والرجل الذي أماط الأذى عن الطريق فغفر الله له، ثم قال: فهذه سقت الكلب بإيمان خالص كان في قلبها فغفر لها، وإلا فليس كل بغي سقت كلبًا يغفر لها. فالأعمال تتافضل بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإجلال( ).
وفي المقابل نجد أن أداء الطاعة بدون إخلاص وصدق مع الله، لا قيمة لها ولا ثواب، بل صاحبها متعرض للوعيد الشديد، وإن كانت هذه الطاعة من الأعمال العظام كالإنفاق في وجوه الخير، وقتال الكفار، ونيل العلم الشرعي كما جاء في حديث أبي هريرة قال: سمعت رسول الله  يقول: «إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتي به، فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت ليقال: جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكن ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه، وأعطاه من صنوف المال، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: ما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال: جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار»( ).
ومن الخوف العظيم من تسلط الرياء على الإنسان وخسران العمل وضياع الجهد..
قال محمد بن أسلم: لو قدرت أن أتطوع حيث لا يراني ملكاي لفعلت خوفًا من الرياء( ).
يقل ابن القيم في بيان عظم أعمال القلوب: أعمال القلوب هي الأصل، وأعمال الجوارح تبع ومكملة، وإن النية بمنزلة الروح، والعمل بمنزلة الجسد للأعضاء الذي إذا فارق الروح فموات، فمعرفة أحكام القلوب أهم من معرفة أحكام الجوراح( ).
ويقول رحمه الله: ومن تأمل الشريعة، في مصادرها ومواردها، علم ارتباط أعمال الجوارح بأعمال القلوب، وإنما أعمال القلوب أفرض على العبد من أعمال الجوارح، وهل يميز المؤمن عن المنافق إلا بما في قلب كل واحد من الأعمال التي ميزت بينهما؟ وعبودية القلب أعظم من عبودية الجوراح وأكثر وأدوم فهي واجبة في كل وقت( ).
ومن فوائد الإخلاص لله عز وجل وابتغاء مرضاته ما قاله أبو سليمان الداراني: إذا أخلص العبد انقطعت عنه كثرة الوساوس والرياء( ).
قال مورق العجلي: ما أحب أن يعرفني بطاعته غيره( ).
أخي الحبيب أين نحن من هؤلاء؟
كان محمد بن يوسف الأصبهاني لا يشتري زاده من خباز واحد، وقال: لعلهم يعرفوني فيحابوني، فأكون ممن أعيش بديني( ).
ومر حمزة الزيات برجل فاستسقى، ثم قال: أنت ممن يحضرنا في القراءة، قال: نعم، قال حمزة: لا حاجة لنا في مائك( ).
ودخل عبد الله بن محيريز حانوتًا وهو يريد أن يشتري ثوبًا، فقال رجل لصاحب الحانوت: هذا ابن محيريز فأحسن بيعه، فغضب ابن محيريز وخرج، وقال: إنما نشتري بأموالنا لسنا نشتري بديننا( ).
واليوم – والله المستعان- كثرة المشترون بدينهم!!
أخي المسلم:
السنة شجرة، ولاشهور فروعها، والأيام أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمرها، فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرته شجرة طيبة، ومن كانت في معصية فثمرتها حنظل، وإنما يكون الجداد يوم المعاد، فعند الجداد يتبين حلو الثمار من مرها.
والإخلاص والتوحيد شجرة في القلب، فروعها الأعمال، وثمرها طيب الحياة في الدنيا والنعيم في المقيم في الآخرة، وكما أن ثمار الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة، فثمرة التوحيد والإخلاص في الدنيا كذلك( ).
قال مالك بن دينار: الخوف على العمل أن لا يتقبل، أشد من العمل( ).
وصدق، فإن الكثير تحولت لديه العبادة إلى عادة يجريها بلا روح وبدون حضور قلب!!
وقد أوصى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، بوصية جامعة مانعة فقال للعاملين: كونوا بقبول العمل أشد اهتمامًا منكم بالعمل، فإنه لن يقل عمل مع التقوى، وكيف يقل عمل يتقبل؟( ).
ولهذا كانوا يحرصون على تخليص العمل من الرياء والسمعة، فأخفوه حتى عن أقرب الأقرباء وأصفى الأصفياء.
قال محمد بن واسع: إن كان الرجل ليبكي عشرين سنة وامرأته معه لا تعلم به( ).
وقال بعضهم: الإخلاص سر بين الله وبين العبد، لا يعلمه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده، ولا هوى فيميله( ).
أما وهب بن منبه فإنه يذكر لنا قصة رجل من أفضل أهل زمانه، وكان يزار فيعظم، فاجتمعوا إليه ذات يوم فقال: إنا قد خرجنا من الدنيا وفارقنا الأهل والأموال مخافة الطغيان، وقد خفت أن يكون قد دخل علينا في هذه حالة من الطغيان أكثر مما يدخل على أهل الأموال في أموالهم، أرانا يحب أحدنا أن تقضى له حاجته، وإن اشترى بيعًا أن يقارب لمكانه دينه، وإن لقي حُيَّ ووقر لمكان دينه، فشاع ذلك الكلام حتى بلغ الملك فعجب به فركب إليه ليسلم عليه وينظر إليه، فلما رآه الرجل قيل له: هذا الملك قد أتاك ليسلم عليك، فقال: وما يصنع؟ قال: للكلام الذي وعظت به، فسأل غلامه: هل عندك طعام؟ فقال: شيء من ثمر الشجر مما كنت تفطر به، فأمر به ، فأتي على مسح فوضع بين يديه، فأخذ يأخذ منه، وكان يصوم النهار ولا يفطر، فوقف عليه الملك فسلم عليه فأجابه بإجابة خفيفة، وأقبل على طعامه يأكله، فقال الملك: أين الرجل؟ فقيل له: هو هذا!!! قال: هذا الذي يأكل؟ قالوا: نعم، قال: فما عند هذا من خير، فأدبر، فقال الرجل: الحمد لله الذي صرفك عني بما صرفك به( ).
وقيل:كان الحسن يقول: روي أنه من قَبِلَ الله تعالى من عمله حسنة واحدة أدخله بها الجنة، قيل: يا أبا سعد، فأين تذهب حسنات العباد؟ فقال: إن الله عز وجل إنما يقبل الخالص الطيب المجانب للعجب والرياء، فمن سلمت له حسنة واحدة فهو من المفلحين( ).
وعندما جاء سائل إلى ابن عمر رضي الله عنه قال لابنه: أعطه دينارًا، فلما انصرف قال ابنه: تقبل الله منك يا أبتاه، فقال: لو علمت أن الله يتقبل مني سجدة واحدة وصدقة درهم لم يكن غائب أحب إلي من الموت، أتدري ممن يتقبل؟ إنما يتقبل الله من المتقين.
ويقول ابن الجوزي: ما أقل من يعمل لله تعالى خالصًا، لأن أكثر الناس يحبون ظهور عباداتهم، واعلم أن ترك النظر إلى الخلق، ومحو الجاه من قلوبهم بالتعمل وإخلاص القصد وستر الحال، هو الذي رفع من رفع.
فقد كان أحمد بن حنبل يمشي حافيًا في وقت، ويحمل نعليه في يديه، ويخرج للقاط، وبشر يمشي حافيًا على الدوام وحده، ومعروف الكرخي يلتقط النوى، واليوم صارت الرياسات من كل جانب، وما تتمكن الرياسات حتى يتمكن من القلب الغفلة، ورؤية الخلق ونسيان الحق فحينئذ تطلب الرياسة على أهل الدنيا.
ولقد رأيت من الناس عجبًا حتى من يتزيا بالعلم، إن رآني أمشي وحدي أنكر علي، وإن رآني أزور فقيرًا عظم ذلك، فقلت: فواعجبًا هذه كانت طريق الرسول  والصحابة رضي الله عنهم، فصارت أحوال الخلق نواميس لإقامة الجاه، لا جرم والله سقطتم من عين الحق، فأسقطكم من عين الخلق.
فالتفوا إخواني إلى إصلاح النيات، وترك التزين للخلق، ولتكن عمدتكم الاستقامة مع الحق، فبذلك صعد السلف وسعدوا( ).
وللحائرين الذين لم يجدوا الجادة.. ها هو قول الفضيل يرسم لهم منارات لهذه الحيرة وعلامات لما خفي من علم الشريعة: ترك العمل من أجل الناس رياء والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص: أن يعافيك الله منهما( ).
وتأمل في حال السؤال يوم القيامة عن كل كبيرة وصغيرة زانها الإخلاص أو شانها الرياء، وهل هي صواب على الجادة أم تفرقت بها السبل؟!!
قال الثوري: يسألون والله عن كل شيء، حتى التبسم، فيم تبسمت يوم كذا وكذا؟( )
وعن سفيان بن عيينة قال: قال رجل من العلماء: اثنتان أنا أعالجهما منذ ثلاثين سنة: ترك الطمع فيما بيني وبين الناس، وإخلاص العمل لله عز وجل( ).
ويروى عن بعضهم قال: غزوت في البحر فعرض بعضنا مخلاة، فقلت أشتريها فأنتفع بها في غزوي فإذا دخلت مدينة كذا بعتها فربحت، فاشتريتها فرأيت تلك الليلة في النوم كأن شخصين قد نزلا من السماء فقال أحدهما لصاحبه: اكتب الغزاة فأملى عليه: خرج فلان متنزهًا وفلان مرائيًا وفلان تاجرًا وفلان في سبيل الله، ثم نظر إلي وقال: اكتب: فلان خرج تاجرًا، فقلت: الله الله في أمري!! ما خرجت أتجر وما معي تجارة أتجر فيها، ماخرجت إلا للغزو، فقال: شيخ، قد اشتريت أمس مخلاة تريد أن تربح فيها، فبكيت وقلت: لا تكتبوني تاجرًا فنظر إلى صاحبه وقال: ما ترى؟ فقال: اكتب: خرج فلان غازيًا إلا أنه اشترى في طريقه مخلاة ليربح فيها حتى يحكم الله عز وجل فيه بما يرى( ).
وتأمل أخي الكريم في قول الحسن: ما ضربت ببصري ولا نطقت بلساني ولا بطشت بيدي ولا نهضت على قدمي، حتى أنظر أعلى طاعة أو على معصية، فإن كانت طاعة تقدمت وإن كانت معصية تأخرت( ).
قال ابن تيمية رحمه الله: فإن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما أريد به وجهه، كما ثبت في الصحيح عن النبي  أنه قال: «يقول الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، فمن عمل عملاً فأشرك فيه غيري فأنا منه بريء، وهو كله للذي أشرك» وثبت في الصحيح حديث الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار، والقارئ المرائي، والمجاهد المرائي والمتصدق المرائي، بل إخلاص الدين لله هو الدين الذي لا يقبل الله سواه، وهو الذي بعث به الأولين والآخرين من الرسل، وأنزل به جميع الكتب، واتفق عليه أئمة أهل الإيمان، وهذا هو خلاصة الدعوة النبوية، وهو قطب القرآن الذي تدور عليه رحاه( ).
وقال رجل لعبادة بن الصامت: أقاتل بسيفي في سبيل الله أريد به وجه الله تعالى ومحمدة الناس، قال: لا شيء لك، فسأله ثلاث مرات، كل ذلك يقول: لا شيء لك، ثم قال في الثالثة: إن الله يقول: «أنا أغنى الأغنياء عن الشرك...»( ).. الحديث.
وكان عبد الله بن المبارك يضع اللثام على وجهه عند قتاله في سبيل الله، ولذا قال عنه الإمام أحمد بن حنبل: ما رفع الله ابن المبارك إلا بخبيئة كانت له( ).
قال عون بن عبدالله في نصحية للمتصدقين والمنفقين: إذا أعطيت المسكين شيئًا فقال: بارك الله فيك، فقل أنت: بارك الله فيك، حتى تخلص لك صدقتك( ).
لأنه يريد بهذه الوصية أن تكون صدقتك خالصة لله عز وجل وليس فيها حظ من حظوط النفس.. وقد روي مثل ذلك عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
وهذا الحسين بن زياد وكأنه يخاطب أحدنا على ضعفنا وقصورنا وتفريطنا وتسويفنا فيقول: تريد الجنة مع النبيين والصديقين، وتريد أن تقف المواقف مع نوح وإبراهيم ومحمد عليهم الصلاة والسلام، بأي عمل؟! وبأي شهوة تركتها لله عز وجل ؟! وأي قريب بعدته في الله وأي قريب قربته في الله ؟
قال ابن رجب: العمل لغير الله أقسام: فتارة يكون رياء مخضًا كحال المنافقين، قال تعالى: وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا( ).
وهذا الرياء المحض لا يكاد يصدر عن مؤمن في فرض الصلاة والصيام، وقد يصدر في الصدقة أو الحج أو غيرهما من الأعمال الظاهرة، أو التي يتعدى نفعها، فإن الإخلاص فيها عزيز، وهذا العمل لا يشك مسلم أنه حابط وأن صاحبه يستحق المقت من الله والعقوبة.
وتارة يكون العمل لله ويشاركه الرياء، فإن شاركه من أصله فالنصوص الصحيحة تدل على بطلانه، وإن كان أصله لله ثم طرأ عليه نية الرياء، فإن كان خاطرًا ثم دفعه فلا يضره بغير خلاف، وإن استرسل معه فهل يحبط عمله أو لا؟ فيجازى على أصل نيته، فيه خلاف رجح أحمد وغيره لا يبطل بذلك، وأنه يجازى بنيته
الأولى.
ولا يظن الظان أنه يكتفي فيه بحبوط عمله فلا له ولا عليه، قال الشيخ: بل هو مستحق للذم والعقاب، وقد دل الكتاب والسنة على حبوط العمل بالرياء، وجاء الوعيد عليه.
وأما إذا عمل العمل لله خالصًا، ثم ألقى الله الثناء الحسن في قلوب المؤمنين، ففرح بفضل الله ورحمته واستبشر بذلك لم يضره، وفي حديث أبي ذر عن النبي  أنه سئل عن الرجل يعمل العمل من الخير يحمده الناس عليه، فقال: «تلك عاجل بشرى المؤمن»( )، وفي حديث أبي هريرة: يدخل علي الرجل في بيتي وأنا أصلي فيسرني ذلك، فقال: «يرحمك الله لك أجران، أجر السر وأجر العلانية» لأنه لم يقصد رؤية أحد عند الشروع، ولا قام بقلبه أن يراه أحد( ).
وسأورد لك أخي القارئ بعضًا من دقائق الرياء التي لا تخفى على كثير من الناس وخفاياه على النحو التالي:
أولها: ما ذكره أبو حامد الغزالي في إحيائه حيث قال أثناء ذكره للرياء الخفي: وأخفى من ذلك أن يختفي [العامل بطاعته] بحيث لا يريد الاطلاع، ولا يسر بظهور طاعته، ولكنه مع ذلك إذا رأى الناس أحب أن يبدءوه بالسلام، وأن يقابلوه بالبشاشة والتوقير، وأن يثنوا عليه، وأن يوسعوا له في المكان، فإن قصر فيه مقصر ثقل ذلك على قلبه، ووجد لذلك استبعادًا في نفسه، كأنه يتقاضى الاحترام مع الطاعة التي أخفاها مع أنه لم يطلع عليه، ولو لم يكن قد سبق منه تلك الطاعة لما كان يستبعد تقصير الناس في حقه، ومهما لم يكن وجود العبادة كعدمها في كل ما يتعلق بالخلق لم يكن قد قنع بعلم الله، ولم يكن خاليًا عن شوب خفي من الرياء أخفى من دبيب النمل، وكل ذلك يوشك أن يحبط الأجر، ولا يسلم منه إلا الصديقون( ).
ثانيها: فهو أن يجعل الإخلاص لله وسيلة -لا غاية وقصدًا- لأحد المطالب الدنيوية.
وقد نبه شيخ الإسلام على تلك الآفة الخفية فكان مما قال رحمه الله: حكي أن أبا حامد الغزالي بلغه أن من أخلص لله أربعين يومًا تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسان، قال: فأخلصت أربعين يومًا فلم يتفجر شيء، فذكر ذلك لبعض العارفين، فقال لي: إنك إنما أخلصت للحكمة، ولم تخلص الله تعالى.
ثم قال ابن تيمية: وذلك لأن الإنسان قد يكون مقصوده نيل العلم والحكمة، أو نيل المكاشفات والتأثيرات، أو نيل تعظيم الناس له ومدحهم إياه، أو غير ذلك من المطالب، وقد عرف أن يحصل ذلك بالإخلاص لله وإرادة وجهه، فإذا قصد أن يطلب ذلك بالإخلاص لله وإرادة وجهه كان متناقضًا لأن من أراد شيئًا لغيره فالثاني هو المراد المقصود بذاته، والأول يراد لكونه وسيلة إليه. فإذا قصد أن يخلص لله ليصير عالمًا أو عارفًا أو ذا حكمة أو صاحب مكاشفات وتصرفات ونحو ذلك، فهو هنا لم يرد الله، بل جعل الله وسيلة له إلى ذلك المطلوب الأدنى( ).
ولذا يقول الشاطبي رحمه الله: إن الفاعل للسبب عالمًا بأن المسبب ليس إليه، إذا وكله إلى فاعله وصرف نظره عنه كان أقرب إلى الإخلاص، فالمكلف إذا لبى الأمر والنهي في السبب من غير نظر إلى ما سوى الأمر والنهي، خارج عن حظوظه، قائم بحقوق ربه، واقف موقف العبودية، بخلاف ما إذا التفت إلى المسبب وراعاه، فإنه عند الالتفات إليه متوجه شطره، فصار توجهه إلى ربه بالسبب، بواسطة التوجه إلى المسبب، ولا شك في تفاوت ما بين الرتبتين في الإخلاص( ).
ولما ذكر الشاطبي حكاية من أخلص أربعين يومًا قال رحمه الله: وهذا واقع كثيرًا من ملاحظة المسببات [النتائج والعواقب] في الأسباب، وربما غطت ملاحظاتها فحالت بين المتسبب وبين مراعاة الأسباب، وبذلك يصير العابد مستكثرًا لعبادته، والعالم مغترًا بعلمه، إلى غير ذلك( ).
ومن دقائق الرياء وهو ثالثها.. ما أشار إليه ابن رجب رحمه الله بقوله: وها هنا نكتة دقيقة، وهي أن الإنسان قد يذم نفسه بين الناس، يريد بذلك أن يرى الناس أنه متواضع عند نفسه؛ فيرتفع بذلك عندهم ويمدحونه به، وهذا من دقائق أبواب الرياء، وقد نبه عليه السلف الصالح، قال مطرف بن عبد الله بن الشخير: كفى بالنفس إطراء أن تذمها على الملأ كأنك تريد بذمها زينتها، وذلك عند الله سفه( ).
أخي المسلم:
الإخلاص وإخفاء العمل عن الناس عزيز وصعب المنال!! فما بالك وأنت في دارك بل وفي وسط بيتك وبين أهلك؟!
قال الخريبي: كانوا يستحبون أن يكون للرجل خبيئة من عمل صالح لا تعلم بها زوجته ولا غيرها( ).
أخي الحبيب.. أين نحن من هؤلاء؟!
كان عمل الربيع بن حثيم كله سرًا، إن كان ليجيء الرجل وقد نشر المصحف فيغطيه بثوبه( ).
ولهذا قال الزبير بن العوام رضي الله عنه: أيكم استطاع أن يكون له خبيئة من عمل صالح فليفعل( ).
وقال سهل بن منصور: كان بشر (ابن منصور) يصلي فيطول، ورجل وراءه ينظر، ففطن له، فلما انصرف قال: لا يعجبك ما رأيت مني، فإن إبليس قد عبد الله دهرًا مع الملائكة( ).
وروي عن يحيى بن كثير أنه شرب الدواء فقالت له امرأته: لو تمشيت في الدار قليلاً حتى يعمل الدواء، فقال: هذه مشية لا أعرفها، وأنا أحاسب نفسي منذ ثلاثين سنة، فكأنه لم تحضره في هذه المشية تعلق بالدين فلم يجز الإقدام عليها( ).
قال ابن المبارك: رب عمل صغير تعظمه النية( ).
قال الفضيل بن عياض: كانوا يراءون بما يعملون وصاروا اليوم يراءون بما لا يعملون.
وهؤلا كثروا في هذا الزمن وينطبق عليهم وعيد الله عز وجل: لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ( ).
فما أكثر المدعين لأعمال غيرهم، خاصة إذا كانوا في الواجهة من مدراء أو كبراء أو غيرهم، فترى الواحد منهم ينسب عمل من تحت يده إليه ويباهي بذلك، ولا يستحيي من الله ولا من الخلق!!
أما استصحاب النية في عمل فإن الكثير مفرط فيه، وقليل من ينوي تحويل العادة كالأكل والنوم إلى عبادة بنية صادقة.
وقد أوضح شيخ الإسلام ابن تيمية تفصيلاً دقيقًا في هذا الأمر فيقول: ينبغي ألا يفعل من المباحات إلا ما يستعين به على الطاعة، ويقصد الاستعانة بها على الطاعة( ).
فالمسلم إذا قصد بنومه وأكله وشربه أن يتقوى بها على طاعة الله، كي يتمكن من قيام الليل والجهاد في سبيل الله، فهذا مثاب على هذه الأعمال بهذه النية، وقد صح عن رسول الله  أنه قال لسعد بن أبي وقاص: «إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فيِّ امرأتك»( ).
قال النووي: وضع اللقمة في فيّ الزوجة يقع غالبًا في حال المداعبة ولشهوة النفس في ذلك مدخل ظاهر، وعلى ذلك إذا وجه القصد في تلك الحالة إلى ابتغاء الثواب حصل له بفضل الله( ).
وقد حث العلماء ورغبوا في استحضار النية عند المباحات والعادات، ليثات عليها ثواب العبادات مع أنه لا مشقة علينا في القيام بها، بل هي مألوفة لنفسه مستلذة، وهذا من عظيم سعة رحمة الله، أن أباح لعبده الطيبات التي يشتهيها ثم مع ذلك يثيبه عليها بحسن نيته( ).
قال يحيى بن كثير: تعلموا النية، فإنها أبلغ من العمل( ) .
وقال زبيد: أحب أن يكون لي في كل شيء نية، حتى في طعامي وشرابي( ).
وعن سفيان الثوري قال: ما عالجت شيئًا أشد عليَّ من نيتي، لأنها تتقلب عليّ( ).
قال مطرف بن عبد الله: صلاح القلب بصلاح العمل، وصلاح العمل بصلاح النية( ).
وقال عكرمة: إن الله يعطي العبد على نيته ما لا يعطيه على عمله لأن النية لا رياء فيها( ).
يقول ابن القيم رحمه الله: على قدر نية العبد وهمته ومراده ورغبته في معالي الأمور يكون توفيقه سبحانه وإعانته فالمعونة من الله تنزل على العباد على قدر هممهم ونياتهم ورغبتهم ورهبتهم، والخذلان ينزل عليهم على حسب عكس ذلك، فالله سبحانه أحكم الحاكمين وأعلم العالمين يضع التوفيق في مواضعه اللائقة به ويضع الخذلان في مواضعه اللائقة به، وهو العليم الحكيم؛وما أوتي من أوتي إلا من قبل إضاعة الشكر وإهمال الافتقار والدعاء،ولا ظفر من ظفر بمشيئة الله وعونه إلا بقيامه بالشكر وصدق الافتقار والدعاء.. وملاك ذلك كله الصبر.
أخي الحبيب أين نحن من هؤلاء؟!
كان عمرو بن قيس الملائي إذا حضرته الرقة يحول وجهه إلى الحائط ويقول لجلسائه: هذا الزكام( ).
وقيل: وعظ يومًا فتنفس رجل الصعداء فقال: يا ابن أخي، ما عساك أردت بما صنعت؟ إن كنت صادقًا فقد شهرت نفسك، وإن كنت كاذبًا فقد أهلكتها، ولقد كان الناس يجتهدون في الخفاء وما يسمع لأحدهم صوت، ولقد كان الرجل ممن كان قبلكم يستكمل القرآن فلا يشعر به جاره،ولقدكان الآخر يتفقه في الدين ولا يطلع عليه صديقه، ولقد قيل لبعضهم: ما أقل التفاتك في الصلاة وأحسن خشوعك؟ فقال: يا ابن أخي، وما يدريك أين كان قلبي؟( ).
وكان أيوب السختياني يقوم الليل كله، فيخفي ذلك، فإذا كان عند الصبح رفع صوته كأنه قام تلك الساعة( ).
أما سلمة بن دينار فإنه يحث على أمر عظيم غفل عنه كثير من الناس وذلك في نصيحة صادقة حيث قال: اكتم حسناتك أشد مما تكتم سيئاتك( ).
ومن يستطيع ذلك؟! إلا من جاهد نفسه ووفقه الله جل وعلا وأعانه وسدده !!
قال الحسن: إن كان الرجل ليجلس المجلس فتجيئه عبرته فيردها فإذا خشي أن تسبقه قام( ).
وقال جرير بن عمرو بن ثابت: لما مات علي بن الحسين فغسلوه جعلوا ينظرون إلى آثار سواد بظهره، فقالوا: ما هذا؟ فقيل: كان يحمل جرب الدقيق ليلاً على ظهره يعطيه فقراء أهل المدينة( ).
وفي صورة من صور حفظ العمل.. إخفاء الدمعة الصغيرة حتى لا ترى قال حماد بن زيد: كان أيوب (السختياني) في مجلس، فجاءته عبرة، فجعل يتمخط ويقول: ماأشد الزكام( ).
وقال محمد بن واسع: لقد أدركت رجالاً كان الرجل يكون رأسه مع رأس امرأته على وسادة واحدة، قد بل ما تحت خده من دموعه، لا تشعر به امرأته، ولقد أدركت رجالاً يقوم أحدهم في الصف، فتسيل دمعوعه على خده ولا يشعر به الذي إلى جنبه( ).
وحالهم في إخفاء الصيام والصدقة عجيب، وقد جمع بين هاتين العبادتين أبو الحسين النووي الذي مكث عشرين سنة يأخذ من بيته رغيفين، ويخرج ليمضي إلى السوق، فيتصدق بالرغيفين ويدخل المسجد، فلا يزال يركع حتى يجيء وقت سوقه، فإذا جاء الوقت مضى إلى السوق، فيظن أنه تغدى في بيته، ومن في يبته عندهم أنه قد أخذ معه غذاءه، وهو صائم( ).
هؤلاء قوم صبروا على أعظم أنواع الصبر وأشقها وأعصاها على النفس وهو الصبر على الطاعة، فجاهدوا أنفسهم ودربوها فذلت لهم وأطاعتهم حتى أتت صاغرة نحو الحق والجد في الطاعة!!
إني رأيت وفي الأيام تجربة
للصبر عاقبة محمودة الأثر
وقل من جد في أمر يحاوله
فاستصحب الصبر إلا فاز بالظفر
صام داود الطائي أربعين سنة ما علم به أحد، وكان خزازًا، وكان يحمل غذاءه معه ويتصدق به في الطريق، ويرجع إلى أهله يفطر عشاء لا يعلمون أنه صائم( ).
قال رسول الله : «بشر هذه الأمة بالسنا والدين والرفعة والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا،لم يكن له في الآخرة من نصيب».
التقى سفيان والفضيل فتذاكرا، فبكيا، فقال سفيان: إني لأرجو أن يكون مجلسنا هذا أعظم مجلس جلسناه بركة، فقال له الفضيل: لكني أخاف أن يكون أعظم مجلس جلسناه شؤمًا. أليس نظرت إلى أحسن ما عندك، فتزينت به لي، وتزينت لك، فعبدتني وعبدتك؟ فبكى سفيان حتى علا نحيبة، ثم قال: أحييتني أحياك الله.
أخي المسلم:
صام منصور بن المعتمر أربعين سنة، وقام ليلها، وكان يبكي الليل كله فإذا أصبح كحل عينيه وبرق شفتيه ودهن رأسه، فتقول له أمه: أقتلت قتيلاً؟ فيقول: أنا أعلم بما صنعت نفسي( ).
وفي الإسرائيليات أن عابدًا كان يعبد الله دهرًا طويلاً فجاءه قوم فقالوا: إن ههنا قومًا يعبدون شجرة من دون الله تعالى، فغضب لذلك وأخذ فأسه على عاتقه وقصد الشجرة ليقطعها، فاستقبله إبليس في صورة شيخ فقال: أين تريد رحمك الله؟ قال: أريد أن أقطع هذه الشجرة، قال: وما أنت وذاك!! تركت عبادتك واشتغالك بنفسك وتفرغت لغير ذلك! فقال: إن هذا من عبادتي، قال: فإني لا أترك أن تقطعها، فقاتله فأخذه العابد فطرحه إلى الأرض وقعد على صدره، فقال له إبليس: أطلقني حتى أكلمك، فقام عنه فقال إبليس: يا هذا، إن الله تعالى قد أسقط عنك هذا ولم يفرضه عليك! وما تعبدها أنت وما عليك من غرك، ولله تعالى أنبياء في أقاليم الأرض ولو شاء لبعثهم إلى أهلها وأمرهم بقطعها!! فقال العابد: لابد لي من قطعها، فنابذه للقتال فغلبه العابد وصرعه وقعد على صدره فعجز إبليس فقال له: هل لك في أمر فصل بيني وبينك وهو خير لك وأنفع؟ قال: وما هو؟ قال: أطلقني حتى أقول لك، فأطلقه فقال إبليس: أنت رجل فقير لا شيء لك إنما أنت كل على الناس يعولونك، ولعلك تحب أن تتفضل على إخوانك وتواسي جيرانك وتشبع وتستغني عن الناس!! قال: نعم، قال: فارجع عن هذا الأمر ولك علي أن أجعل عند رأسك في كل ليلة دينارين إذا أصبحت أخذتها فأنفقت علىنفسك عيالك وتصدقت على إخوانك، فيكون ذلك أنفع لك وللمسلمين من قطع الشجرة التي يغرس مكانها ولا يضرهم قطعها شيئًا ولا ينفع إخوانك المؤمنين قطعك إياها!! فتفكر العابد فيما قال، وقال: صدق الشيخ! لست بنبي فيلزمني قطع الشجرة ولا أمرني الله أن أقطعها فأكون عاصيًا بتركها، وما ذكره أكثر منفعة، فعاهده على الوفاء بذلك وحلف له، فرجع العابد إلى متعبده فبات، فلما أصبح رأى دينارين عند رأسه فأخذهما وكذلك الغد، ثم أصبح اليوم الثالث وما بعده فلم ير شيئًا، فغضب وأخذ فأسه على عاتقه فاستقبله إبليس في صورة شيخ فقال له: إلى أين؟ قال: أقطع تلك الشجرة، فقال: هيهات، فأخذه إبليس وصرعه، فإذا هو كالعصفور بين رجليه وقعد إبليس على صدره، وقال: لتنتهين عن هذا الأمر أو لأذبحنك؛ فنظر العابد فإذا لا طاقة له به، قال: يا هذا غلبتني فخل عني وأخبرني كيف غلبتك أولاً وغلبتني الآن؟ فقال: لأنك غضبت أول مرة لله وكانت نيتك الآخرة فسخرني الله لك، وهذه المرة غضبت لنفسك وللدنيا فصرعتك( ).
قال بشر بن الحارث يوصي الكثير منا في نصيحة صادقة ومحبة ظاهرة: لا تعمل لتذكر، اكتم الحسنة كما تكتم السيئة( ).
ومصارعة الرياء عجيبة، ولكن من أعانه الله صرعه مرة بعد الأخرى، وإن عاد فله مثل الأولى!!
قال يوسف بن الحسين: أعز شيء في الدنيا: الإخلاص، وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي، فكأنه ينبت على لون آخر( ).
وقا بعضهم: الإخلاص أن لا تطلب لعملك شاهدًا غير الله، ولا مجازيًا سواه( ).
كان العالم العابد عبد الله بن المبارك كثير الاختلاف إلى طرطوس، وكان ينزل الرقة في خان، فكان شاب يختلف إليه، ويقوم بحوائجه ويسمع منه الحديث، قال: فقدم عبد الله الرقة مرة فلم يرد ذلك الشاب، وكان مستعجلاً فخرج غازيًا في سبيل الله فلما قفل من عزوته ورجع إلى الرقة، سأل عن الشاب، فقالوا: إنه محبوس لدين ركبه، فقال عبد الله: وكم مبلغ دينه؟ قالوا: عشرة آلاف درهم، فلم يزل يستقصي حتى دل على صاحب المال، فدعا به ليلاً ووزن له عشرة آلاف درهم، وحلفه أن لا يخبر أحدًا ما دام عبد الله حيًّا، وقال: إذا أصبحت فأخرج الرجل من الحبس( ).
أخي المسلم:
لما حرض أولئك الأولياء على الإخلاص التام وإخفاء الطاعات في سبيل تحقيق كمال التجرد لله وحده لا شريك له، فإن الله تعالى جازاهم في العاجلة بالقبول والثناء الحسن، وجعل الله لهم لسان صدق لأنهم سعوا إلى تحقيق مرضاة الله فرضي الله عنهم، وأرضى عنه الناس.
(ولقد جعلوا الإخلاص غاية ومقصدًا، فلم يتوسلوا به إلى تحقيق رضى الناس عنهم، فمن أخلص الله تعالى ليصير له قبول وثناء حسن فهو لم يرد الله تعالى، بل جعل الله وسيلة له) أما غير المخلصين من المرائين وأهل العجب وأصحاب (العقل المعيشي) فما نالوا إلا ذم الناس وسخطهم، عقوبة لهم على نقيض قصدهم والوعيد الشديد لهم في الآخرة( ).
خرج داود الطائي إلى السوق فرأى الرطب، فاشتهته نفسه فجاء إلى البائع فقال له: أطعني بدرهم إلى الغد، فقال له: اذهب إلى عملك، فرآه بعض من يعرفه فأخرج له صرة فيها مائة درهم، وقال: اذهب فإنه آخذ منك بدرهم فالمائة لك، فلحقه البائع وقال له: ارجع خذ حاجتك، فقال: لا حاجة لي منه إنما جربت هذه النفس فلم أرها تساوي في هذه الدنيا درهًا وهي تريد الجنة( ).
قالت امرأة هشام بن حسان: كنا نزولاً مع محمد بن سيرين في داره، وكنا نسمع بكاءه في الليل وضحكه بالنهار( ).
بكاؤهم في الليل خوفًا وطمعًا يرجون رحمة ربهم، وضحكهم بالنهار إخفاء لحالهم وإظهارًا للإخلاص وعدم إبداء التعب والحزن وآثار الجهد من قيام الليل.
روي عن بعض الحكماء أنه قال: مثل من يعمل الطاعات للرياء والسمعة كمثل رجل خرج إلى السوق وملأ كيسه حصاة، فيقول الناس: ما أملأ كيس هذا الرجل، فلا منفعة له سوى مقالة الناس، ولو أراد أن يشتري له شيئًا لا يعطى به شيئًا، كذلك الذي عمل للرياء والسمعة لا منفعة له سوى مقالة الناس، ولا ثواب له في الآخرة، كما قال الله تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا( )، يعني الأعمال التي عملوها لغير وجه الله تعالى أبطلنا ثوابها، وجعلناها كالهباء المنثور، وهو الغبار الذي يرى في شعاع الشمس( ).
ذكر الإمام أحمد عن أبي الدرداء أنه لما احتضر جعل يغمى عليه ثم يفيق ويقرأ: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ( ). فمن هذا خاف السلف من الذنوب أن تكون حجابًا بينهم وبين الخاتمة الحسنى.
قال: واعلم أن سوء الخاتمة – أعاذنا الله تعالى منها- لا تكون لمن استقام ظاهره وصلح باطنه. ما سمع بهذا ولا علم به ولله الحمد، إنما تكون لمن له فساد في العقيدة أو إصرار على الكبيرة، وإقدام على العظائم، فربما غلب ذلك عليه حتى نزل به الإنابة، فيظفر به الشيطان عند تلك الصدمة، ويختطفه عند تلك الدهشة والعياذ بالله( ).

علاج الرياء
حيث إن لكل داء دواء علمه من علمه، وجهله من جهله، ولعظم أمر الرياء وخطورته على عمل المسلم، فإن لداء الرياء وكذا غيره مما يضاد الإخلاص أنواعًا من العلاج والدواء فمنها:
1- أن يعلم المكلف علمًا يقينًا بأنه عبد محض، والعبد لا يستحق على خدمته لسيده عوضًا ولا أجرة، إذ هو يخدمه بمقتضى عبوديته، فما يناله من سيده الأجر والثواب تفضل منه وإحسان إليه لا معاوضة.
2- مشاهدته لمنة الله عليه وفضله وتوفيقه، وأنه بالله لا بنفسه وأنه إنما أوجب عمله مشيئة الله لا مشيئته هو. فكل خير فهو مجرد فضل الله ومنته.
3- مطالعة عيوبه وآفاته وتقصيره، وما فيه من حظ النفس ونصيب الشيطان، فكل عمل من الأعمال إلا وللشيطان فيه نصيب وإن قل، وللنفس فيه حظ، سئل النبي  عن التفات الرجل في صلاته، فقال: «هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد» فإذا كان هذا الالتفات طرفة فكيف التفات قلبه إلى ما سوى الله؟!
4- تذكير النفس بما أمر الله تعالى به من إصلاح القلب وإخلاصه وحرمان المرائي من التوفيق.
5- خوف مقت الله تعالى إذا اطلع على قلبه وهو منطو على الرياء.
6- الإكثار من العبادات غير المشاهدة وإخفاءها؛ كقيام الليل وصدقة السر والبكاء خاليًا من خشية الله.
7- تحقيق تعظيم الله تعالى، وذلك بتحقيق التوحيد والتعبد لله بأسمائه وصفاته العلا.
8- تذكر الموت وسكراته والقبر وأهواله واليوم الآخر بأحواله التي تشيب لها الولدان.
9- معرفة الرياء ومداخله وخفاياه حتى يتم الاحتراز منه.
10- النظر في عاقبة الرياء في الدنيا والآخرة.
فيعلم العبد أن الناس لو اجتمعوا على أن ينفعوه بشيء لم ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له، كما جاء في وصية رسول الله  لابن عباس، ولذا قال بعض السلف: من عرف أسباب الرياء واستراح، واحرص على أن يكون الناس عندك كالبهائم والصبيان، ولا نفرق في عبادتك بين وجودهم وعدمهم وعلمهم بها أو غفلتهم عنها واقنع بعلم الله وحده.
ورضي الله عن الفاروق عمر القائل: فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزين بما ليس فيه شانه الله.
يقول ابن القيم معلقًا على عبارة أمير المؤمنين: «ومن تزين بما ليس فيه شانه الله قال: لما كان المتزين بما ليس فيه ضد المخلص فإنه يظهر للناس أمرًا وهو مبطن بخلافه -عامله الله بنقيض قصده، فإن المعاقبة بنقيض القصد ثابتة شرعًا وقدرًا، ولما كان المخلص يعجل له من ثواب إخلاصه الحلاوة والمحبة والمهابة في قلوب الناس، عجل للمتزين بما ليس فيه عقوبته أن شانه الله بين الناس، لأنه شان باطنه عند الله، وهذا موجب أسماء الرب الحسنى وصفاته العليا.
وأما عاقبة الرياء في الآخرة فكما قال : «من سمع سمع الله به، ومن يرائي يرائي الله به»( ) .
كما أن المرائي من أوائل الذين تسعر بهم نار جهنم.
11- الاستعانة بالله على الإخلاص والتعوذ به من الرياء؛ فعلى المسلم أن يكثر من الدعاء والتضرع إلى الله بأن يقيه الرياء ودواعيه، كما جاء في الحديث عن رسول الله : «الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل، وسأدلك على شيء إذا فعلته أذهب عنك صغار الشرك وكباره، تقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم»( ).
وأنواع الرياء كثيرة نسأل الله الإعانة في تحقيقها والتداوي بها( ).
أخي المسلم:
هناك أمور قد تخطر في ذهنك وهي أمور لا تعد من الرياء ومنها:
1- حمد الناس للعبد على عمل الخير دون قصد منه، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: يا رسول الله! أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير يحمد الناس عليه؟ قال : «تلك عاجل بشرى المؤمن»( ). وهكذا يفر المخلص من الشهرة ويكرهها ولكن الله يضع له القبول في الأرض، فيسر العبد بفضل الله، وأما المرائي فإنه يركب الصعب والذلول ليحظى بالقبول.
2- نشاط العبد في عمل الخير عند رؤية العابدين، ومجالسة أهل الإخلاص والصالحين فإنها تبعث في نفسه الهمة والنشاط وتقوي عزمه.
3- كتمان الذنوب: يجب على المسلم أن يستتر ولا يجاهر بذنوبه، فمن تاب تاب الله عليه. ونشر الذنوب والتحدث بها من إشاعة الفاحشة ويؤدي إلى الاستخاف بحدود الله تعالى.
قال رسول الله : «كل أمتي معافى إلا المجاهرون، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول: يا فلان! عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه»( ).
4- تجميل الثياب والنعل ونحوه: فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي  قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر» قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا، ونعله حسنة، قال: «إن الله جميل يحب الجمال، الكبر: بطر الحق، وغمط الناس»( ).
5- إظهار شعائر الإسلام: يتضمن الإسلام عبادات لا يمكن إخفاؤها، كالحج والعمرة والجمعة والجماعة، والعبد لا يكون مرائيًا بإظهارها، لأن من حق الفرائض الإعلان عنها، وتشهيرها؛ لأنها أعلام الإسلام وشعائر الدين، ولأن تاركها يستحق الذم والمقت، فوجب إماطة التهمة بالإظهار( ).
واحذر أخي المسلم أن يأتيك الشيطان بعد إخلاصك وحذرك من الرياء بمدخل عجيب، وهو زهوك بنفسك وعجبك بها وعجبك بإخفاء العمل والمن بهذا على الله عز وجل، بل احمد الله واشكره أن يسر لك هذا الإخلاص وتذلل له واخضع لطاعته.
جعل الله أعمالنا صوابًا ورزقنا الإخلاص في القول والعمل، وبارك في أعمالنا وغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.
كما أدعوه عز وجل أن نعيش سعداء وأن نموت على التوحيد شهداء.
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك