أولوية الإصلاح على تجديد أصول الفقه لدى زعماء الإصلاح

أولوية الإصلاح على تجديد أصول الفقه لدى زعماء الإصلاح

 د. جيلالي بوبكر

1- عند محمد بن عبد الوهاب:
 أهمّ موضوع شغل محمد بن عبد الوهاب "1703-1792" في دراسته ورحلاته «التوحيد، "حتى سُمي هو وإتباعه بالموحدين"، أما اسم الوهابية فهو اسم أطلقه عليهم خصومهم واستعمله الأوربيون ثم جرى على الألسن».  الأساس الأول في الفكر الوهابي هو الاعتقاد أن الله وحده خالق هذا العالم، المسيطر عليه والمشرّع له، بيده الحكم، بيده النفع و الضرر، وهذا هو محور القرآن و محور الإسلام عقيدة و شريعة.
 الأساس الثاني في الفكر الوهابي يتصل بالتوحيد دائما وهو أنّ الله هو مشرّع العقائد يُحرّم و يحلّل، فالإمام في تشريع العقائد ووضع القوانين هو الكتاب والسنة. « فليس كلام أحد حجة على الدين إلاّ كلام الله و سيّد المرسلين، فكلام المتكلّمين في العقائد، و كلام الفقهاء في التحليل و التحريم ليس حجة علينا، إنّما إمامنا الكتاب و السنة و كل مستوف أدوات الاجتهاد له الحق في أن يجتهد، بل عليه أن يفعل ذلك و يستخرج من الأحكام- على حسب فهمه لنصوص الكتاب و ما صحّ من السنة- ما يؤدي إليه اجتهاده. وإقفال باب الاجتهاد كان نكبة على المسلمين، إذ أضاع شخصيتهم و قوّتهم على الفهم و الحكم، و جعلهم جامدين مقلّدين يبحثون وراء جملة في كتاب أو فتوى من مقلّد مثلهم، حتى انحط شأنهم و تفرّقوا أحزابا يلعن بعضهم بعضا. و لا منجاة من هذا الشر إلاّ بإبطال هذا كلّه، و الرجوع إلى الدين في أصوله، و الاستقاء من منبعه الأول».  ففكرة « التوحيد في العقيدة مجردة من كل شريك، و فكرة التوحيد في التشريع فلا مصدر له إلا الكتاب والسنة».
 ساير "محمد بن عبد الوهاب" "ابن تيمية" الذي عاش في القرن السابع الهجري في عهد السلطان الناصر، خاصة في بابي الاجتهاد و الدعوة إلى الإصلاح، شنّ حربا على البدعة و رأى أن ضعف المسلمين سببه فساد العقيدة لدخول أسباب الشرك وعوامل الكفر إليها فلم تعد مثل ما كانت عليه في أول عهدها صافية نقية من أي شرك، ولا يصلح آخر الإسلام إلا بما صلح به أوله.
 لم يتجه "محمد بن عبد الوهاب" إلى الحياة المدنية الحديثة و إلى موقف المسلمين منها مثلما فعل "محمد علي باشا" معاصرُه،« فعنده أن العقيدة والروح هما الأساس، و هما القلب إن صلحا صلح كلّ شيء، و إن فسدا فسد كلّ شيء، وطبيعي أن يكون هذا هو الفرق بين رئيس الدين في نجد و رئيس الحكم في مصر». 
 استطاعت الدعوة الوهابية أن تنجح في الجزيرة العربية و تكوّن دولة قويّة هزمت الجيش المصري الغازي بإيعاز من الدولة العثمانية في المعركة الأولى إلى أن جاءت المعركة الثانية بقيادة محمد علي باشا و انتصر على الوهابيين، إلى أن جاءت المملكة العربية السعودية وقام سلطانها.
 يوجد العديد من المصلحين دعوا إلى ما دعا إليه "محمد بن عبد الوهاب"، وقد تعرّض بعضهم إلى السجن و البعض الآخر إلى التشهير ورميه بالكفر و الخروج عن الدين مثل الشيخ "أبي العباس التّيجاني" في المغرب، و"السيد أحمد" في الهند (1822) و"الإمام السنوسي الجزائري" الذي زار مكة حاجا و عرف الدعوة الوهابية واعتنقها ثم عاد إلى الجزائر للتبشير بها. وفي اليمن تزعم الحركة الوهابية ""الشيخ الإمام الشوكاني" (1172هـ) صاحب "نيل الأوطار" الذي شرح فيه كتاب ابن تيمية (منتقى الأخبار) متعاطيا مع الأحاديث النبوية « مجتهدا في فهمها، وفي استنباط الأحكام الشرعية منها ولو خالف المذاهب الأربعة كلها، وحارب التقليد ودعا إلى الاجتهاد و ثارت من أجل ذلك حرب كلامية شعواء بينه وبين علماء زمنه كان أشدّها في صنعاء. وألّف في ذلك رسالة سمّاها القول المفيد في حكم التقليد ». 
 يقول "محمد بن عبد الوهاب" في محاربته مظاهر الشرك وأفعال الجاهلية: «ومع هذا النّكر الشنيع و الكفر الفظيع، لا نجد من يغضب لله، ويغار حمّية للدين الحنيف، لا عالما و لا متعلّما، و لا أميرا ولا وزيرا و لا ملكا، و قد توارد إلينا من الأخبار ما لا يُشك معه أنّ كثيرا من هؤلاء القبوريين أو أكثرهم إذا توجهت على يمين من قبل خصمه حلف بالله فاجرا، فإذا قيل له بعد ذلك: احلف بشيخك ومعتقدك الوليّ الفلاني تلعثم و تلكأ، وأبى واعترف بالحق، وهذا من أبيّن الأدلة الدّالة على أنّ شركهم قد بلغ فوق شرك من قال إنّه تعالى ثاني اثنين وثالث ثلاثة» . ويقول كذلك مخاطبا علماء الدين وملوك المسلمين محاربا الكفر والشر: « فيا علماء الدين، ويا ملوك المسلمين أيّ رزء للإسلام أشد من الكفر، وأيّ بلاء لهذا الدين أضرّ عليه من عبادة غير الله، وأيّ مصيبة يصاب فيها المسلمون تعدل هذه المصيبة، وأيّ منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك المبين؟». 
وفي مصر جاء"محمد عبده" وأعجب بـ "محمد بن عبد الوهاب" و بدعوته، فاهتدى إلى ما بنيت عليه الدعوة الوهابية وتأسس عليه الإصلاح، وهو إصـلاح العقيدة وفتـح باب الاجتـهاد «الذي أغلقه ضعفاء العقول من المقدين ». 
 تميّزت الحركة الوهابية بكونها سياسية و دينية، و توسطت الحركة الوهابية تاريخيا حركة ابن تيمية من قبل و الحركات الإسلامية الأخرى بعده، و أصحابها "محمد بن علي السنوسي الكبير" و "جمال الدين الأفغاني" "ومحمد عبده".
 من الجانب السياسي للحركة الوهابية يقال أن « الإمارة السعودية اتسعت رقعتها، وزاد نفوذها، وسلطانها في شبه الجزيرة العربية فدخلت مكة والمدينة في الحجاز في نطاق سلطان السعوديين، و بالتالي في مجال نشاط هذه الحركة، وبذلك تهيأت الفرصة الموسمية للحج لشرح أسس الحركة الوهابية في مكة ونشر تعاليمها، ليس بين علماء الحجاز كل عام فحسب ويقال: أن الدعوة انتشرت عن طريق هذا اللّقاء في مكة خارج شبه الجزيرة العربية، شرقا و غربا: شرقا في الهند و إندونيسيا، وغربا في السودان وشمال إفريقي».
 أما الجانب الديني في الحركة الوهابية، فارتبط بالأصول في العقيدة وبتأكيد التوحيد و نفي الشرك. أما بالنسبة للفروع و الفقه فمذهبها هو مذهب أحمد بن حنبل، « وهذا يتصل اتصالا وثيقا بفكرة الاجتهاد، و فرضه و عدم التقليد المطلق» ، أما بالنسبة لمصادر التشريع فإن الحجية تقتصر على القرآن و السنة الصحيحة وحدهما.« أما الإجماع فيتوقف اعتباره على وجود شاهد له من القرآن و السنة الصحيحة. و بذلك تعود حجيته (أي الإجماع) في الأغلب على نحو ما هو معروف لابن تيمية، من رغبته في قصره على إجماع مجتهدي الصحابة، عليهم رضوان الله، لا يتعداه إلى إجماع التابعين أو المجتهدين في كل جيل بعدهم».
 و ترفض الحركة الوهابية مذهب الشيعة في الفقه بسبب القول بالإمام المعصوم والقول بالوسيلة في مذهب الشيعة في الأصول.
 الملاحظ أن حركة محمد بن عبد الوهاب قامت على التمذهب و هو مذهب أحمد بن حنبل، و بذلك فهي امتداد في التمسك بالمذاهب الإسلامية السابقة، كما تمثل مرحلة من مراحل الإتباع و التقليد للمذهب الحنبلي. فهي تقليد في الوقت الذي يكثر فيه التقليد وتدعو إلى الاجتهاد، و دعوة الحركة إلى العودة إلى مذهب السلف « لا تعني أكثر من إبعاد القياس و العرف، مع التزام نصوص القرآن والحديث الصحيح في التفقه في دائرة التشريع و بذلك تستمر في مجال  الخصومة المذهبية و لا تعني أيضا في دائرة الحياة العملية إلا بمحاربة المستحدث من العادات بعد فترة الإمام السلفي وهو رائد المدرسة الحنبلية». 
 إن الحركة الوهابية لم تعرف التجديد الذي « انطوى على استقلال في بيان قيمة المذاهب الإسلامية في العقيدة و التشريع في المعاملات وفقه العبادات...هي تقليد لحركة الشيخ تقي ابن تيمية في ذلك و ليست استمرارا لحركته في نقدها، في هدمها وبنائها».
  من جهة أخرى تُعتبر الحركة الوهابية شكلا من أشكال الحركات التقدمية بالمقارنة مع مراحل التبعية الكاملة، تبنّت النقد لكنه لم يتبلور في صورة تصفية ونحل لما كتبه أصحاب المذاهب الإسلامية السابقة مثلما سار عليه أصحاب الحركات الإسلامية الحديثة و المعاصرة الساعية إلى إعادة الوزن والمكانة اللاّئقة للقيّم الدينية والمبادئ الإسلامية في حياة المسلمين.
 كثيرا ما تتعرض الحركة الوهابية في عصرنا للنقد في اتجاهها الفكري والعملي معا. « ليس هو الاتجاه صاحب الأثر الايجابي في نهضة شعب جزيرة العرب، و لا هو كذلك صاحب أثر إيجابي في ربط طوائف الجماعة الإسلامية بعضها ببعض، و لا هو ثالثا مما يدل على أن الإسلام دين لحكم الجماعة، وإصلاح الفرد، و انّه يستطيع مواجهة الأحداث و ألوان الحياة المختلفة» ، وحياة الناس من أصحاب الحركة الوهابية «تسير في عزلة عن الفكر و الآراء الإسلامية و تخضع في تحرّكها و في سيرها إلى عوامل مرددة بين اتجاهات شرقية و أخرى غربية، و بين عادات و تقاليد لا يحدّدها مصدر واحد».
 يتضح مما سبق أن الحركة الوهابية ركزت على محاولة إصلاح وتصحيح عقيدة المسلمين لما دخلها من أفكار و عادات و سلوكيات تؤكد الشرك بالله، و هي تدعو إلى العودة إلى الكتاب و السنة في تقرير أحكام الشريعة، و تقول بالاجتهاد في إطار الكتاب و السنة و إجماع الصحابة و اجتهادهم. وهو ما ذهب فيه "ابن تيمية"، فلا نجد في الفكر الوهابي معالم جديدة في مجال أصول الفقه و الفقه معا من حيث قراءة للمنهج الأصولي الكلاسيكي و تقديم محاولة جديدة لإعادة بنائه وتجديد الفقه الإسلامي.
 ولربما نجد في الدعوة السنوسية التي أطلقها "محمد بن علي السنوسي الخطابي الإدريسي" المتوفى عام 1859 في شمال إفريقيا ما يتضمن الحرص على التعاطي مع الفقه و أصوله من خلال كتاباته "إيقاظ الوسنان"، و كتاب "المسائل العشر" و كتاب "السلسبيل المعين في الطرائق الأربعين" حيث تعرّض إلى مصادر التشريع و الاجتهاد والتقليد و تبيّن رأيه في الفقهاء والمحدّثين و الأصوليين في العمل بالحديث و تفرقهم فيه.    
2- عند جمال الدين الأفغاني:
 هاجم "جمال الدين الأفغاني"1839-1897" حركة السيد أحمد خان هجوما عنيفا إلى حد تكفيره و رميّه بالخروج عن تعاليم الإسلام، في كتاب له بعنوان"الرد على الدهريين"، منتقدا المذهب الطبيعي بشكل عام و أفكار السيد أحمد خان بصفة خاصة. و دعا كافة المسلمين إلى الالتفاف حول بعضهم البعض و إلى الرجوع إلى القرآن الكريم، و تجنّب النزعات الطائفية والمذهبية و العودة إلى أحوال المسلمين الأوائل، و سبيل خروج المسلمين من محنتهم، وعلاجها « الناجح يكون برجوعها إلى قواعد دينها و الأخذ بأحكامه على ما كان في بدايته، و إرشاد العامة بمواعظه الوافية بتطهير القلوب وتهذيب الأخلاق و إيقاد نيران الغيرة و جمع الكلمة و بيع الأرواح لشرف الأمة. ولأن جرثومة الدين متأصلة في النفوس بالوراثة من أحقاب طويلة والقلوب مطمئنة إليه وفي زواياه نور خفي من محبته، فلا يحتاج القائم بإحياء الأمة إلاّ إلى نفخة واحدة يسري نفثها في جميع الأرواح لأقرب وقت، فإذا قاموا لشؤونهم ووضعوا أقدامهم على طريق نجاحهم و جعلوا أصول دينهم الحقّة نصب أعينهم فلا يعجزهم بعد أن يبلغوا بسيرهم منتهى الكمال الإنساني».     
 يميّز "الأفغاني" بين محدثات البدع و بين الأصول الدينية الحقة، فمحدثات البدع توجد للأمم الضعف في أوصالها، و الانحلال و التفسخ في سلوكها، والتمزق في تفكيرها والوهن في حاضرها وخيبة الأمل في مستقبلها فيضيع رشدها و تتيه. أمّا « الأصول الدينية الحقة المبرأة عن محدثات البدع تنشئ للأمم قوة الاتحاد وائتلاف الشمل و تفضيل الشرف على لذة الحياة، وتبعثها على اقتناء الفضائل وتوسيع دائرة المعارف، و تنتهي بها إلى أقصى غاية في المدنية ». 
 يعلّق "الأفغاني" أمالا كبيرة على دور العلماء و العقلاء من المسلمين في إيجاد السبل و الوسائل و اتخاذها لتخليص شعوبهم و بلدانهم مما أفسد عليهم تفكيرهم ودينهم، و ممن سطوا على أرضهم و عرضهم، فمن« الواجب على العلماء قيّاما بحق الوراثة التي شرفوا بها على لسان الشارع أن ينهضوا لإحياء الرابطة الدينية و يتداركوا الاختلاف الذي وقع في الملك بتمكين الاتفاق الذي يدعو إليه الدين، ويجعلوا معاقد هذا الاتفاق في مساجدهم ومدارسهم حتى يكون كل مسجد و كل مدرسة مهبطا لروح حياة الوحدة ويصير كل واحد منهم كحلقة واحدة إذا اهتز أحد أطرافها اضطرب لهزه الطرف الآخر...حتى يتمكّنوا بذلك شدّ أزر الدين و حفظه من قوارع العدوان و القيام بحاجات الأمة ... و ليس يخاف على المستبصرين ما يتبع هذا من قوة الأمة و علو كلمتها واقتدارها على دفع ما يغشاها من النوازل». 
 إن الحركة الدينية الإسلامية التي قادها "الأفغاني" و التي تقوم على الدعوة إلى القرآن الكريم و إلى التمسك به بسبب ما ترسّخ في أذهان عوام المسلمين وأغلب خواصهم من إدراك العديد من العقائد الإسلامية و النصوص الدينية الشرعية على غير مدلولاتها الصحيحة، « فلابد إذن من بعث القرآن، و بعث تعاليمه الصحيحة بين الجمهور و شرحها على وجهها الثابت، من حيث يأخذ بهم إلى ما فيه سعادتهم دنيا و أخرى ».  و ينتقد "الأفغاني" فهم بعض المسلمين خاصة وعامة لبعض الأحاديث الشريفة لدلالتها على هلاك وفساد آخر الزمان أو قرب انتهائه، وهو فهم يقتل الهمم ويجنّبها بذل الوسع في الاجتهاد و الإصلاح والنجاح وهو أمر لم يعهده سلف الأمة.
 لقد دعا "الأفغاني" إلى الاهتمام بالعلم و التعلم و التعليم و بالكتب والمكتبات، إيمانا منه بأن الحضارة و التقدم و الازدهار الحضاري أمور مرهونة بإطلاق المواهب الفكرية و الثقافية مما يعوقها أو يقيّدها فبالإضافة إلى بعث القرآن والسنة في حياة المسلمين الفكرية و العملية، لا بد من تهذيب العلوم الإسلامية و تجديد المكتبات، و تأليف المصنفات فيها بحيث تكون سهلة الفهم، و تكون تلك العلوم والمصنفات وسائل للوصول إلى الرقي والازدهار الفكري والثقافي والحضاري. و القول بالعودة إلى المصادر الأولى للإسلام، « و في الوقت نفسه يكون تقويم المدارس الإسلامية المختلفة عند جمال الدين الأفغاني مماثلا لما وجد عند ابن تيمية، و ابن عبد الوهاب، و محمد بن علي السنوسي الكبير أخيرا».
 لقد شرح "الأفغاني" نظرته بوضوح في العودة إلى القرآن و إلى تعاليمه الصافية، بعد أن تحوّلت شروحه إلى مذاهب أدّت إلى تشتيت الأمة إلى فرق وطوائف و تحولّ المذهب إلى تعصب و خصومات، مما زرع في جسم الأمة الضعف و الوهن ثم الانهيار . كما شرح رأيه في الاجتماع و ضرورته وعنده «قد بلغت مكانة الاتفاق في الشريعة الإسلامية أسمى درجة في الرعاية الدينية، حتى جعل إجماع الأمة و اتفاقها على أمر من الأمور كاشفا عن حكم الله و ما في علمه، و أوجب الشرع الأخذ به على عموم المسلمين، وعُدّ جحوده مروقا من الدين، و انسلاخا عن الإيمان » ، فهو إجماع الأمة وحجيته في كل حين و لا تقتصر على زمن بعينه أو جيل بعينه.
  و يحدد "الأفغاني" في "رسالة الردّ على الدهريين" شروط سعادة الأمم متمثلة في صفاء العقول من أدران الخرافة و الوهم الذي يحول بين الحقيقة والواقع، و في أن تكون الذات البشرية وجهتها الشرف تطمح دوما إلى بلوغ الغاية منه، « بأن يجد كل واحد من نفسه أنه لائق بأية مرتبة من مراتب الكمال الإنساني ماعدا رتبة النبوة فإنها بمعزل عن المطمع »  ، وأن تكون العقيدة منقوشة في النفس قائمة على البراهين الصحيحة و الأدلة الثابتة، و هذا لا يحصل إلا بوجود فئة داخل الأمة تقوم بتعليم و تربية الأجيال و تنوير عقولها بالمعارف الحقة، هذه الأجيال التي تحمل على عاتقها رسالة الإنسان على الأرض كما رسمها الشارع.
 إن الدعوة التي أطلقها "الأفغاني" لتحرير الفكر الإسلامي من الخرافة والأخذ بأسباب المدنية و التحضر و الهجوم الذي شنّه على الدهريين و دعاة المذهب الطبيعي، و المعركة التي خاضها ضد الاستعمار الغربي للعالم الإسلامي جعلت منه مؤسس إصلاح و داعيا إلى التجديد و مبيّنا مواطن الداء و طالبا للدواء، ممهدا لتلاميذه لحمل راية الإصلاح والتجديد و بان ذلك بوضوح في فكر تلميذه "محمد عبده" و بعده عند "محمد رشيد رضا".
 إن محاولة "الأفغاني" انصبت أساسا على نقد دعاة الإلحاد داخل العالمالإسلامي من منظور علمي منطقي نظري، و من منظور ديني إسلامي و تركزت في مكافحة الاستعمار، و محاربة الجهل و الخرافة، ولم تكن كتلك التي أطلقها بعده "محمد إقبال" في الهند، أو تلك التي عرفها"الشيخ محمد عبده" فدعوة "إقبال" عرفت بإعادة تجديد مفاهيم الفكر الديني في الإسلام، أما دعوة "محمد عبده " فعرفت «بمنهج التربية الإسلامية و التربية القومية».
 اقتصر المنهج في الإصلاح و الدعوة إلى التجديد لدى "الأفغاني" على ثلاثة محاور كبرى هي مهاجمة المذهب الطبيعي، مقاومة الاستعمار الغربي، و مكافحة الخرافات والأوهام و لم يطرق باب العلوم الإسلامية العقلية المحضة بالدراسة والبحث بالتفصيل كما فعل المجددون بعده و في وقتنا الحاضر. لا كما فعل محمد عبده بعده و تلميذه محمد رشيد رضا و المفكرون المعاصرون أمثال محمد عابد الجابري و محمد أركون و حسن حنفي وغيرهم خاصة في ميدان أصول الفقه رغم أنه دعا إلى الاجتهاد و قال بضرورة إجماع الأمة و أن هذا من الشرع والدين، لكن الظروف الفكرية والثقافية و السياسية و التاريخية حالت بينه و بين عنايته بالتراث دراسة ونقدا وتجديدا.  
3- عند محمد عبده:
   لم يشذ الشيخ محمد عبده "1849-1905" في مساره الفكري و في دعوته إلى الإصلاح و التجديد عن خط أستاذه "جمال الدين الأفغاني" ولا عن الغاية التي كان يصبو إليها. حتى أنّه كان لسان حال حركة الأفغاني الفكرية كتابة و تدوينا. ويحدد محمد عبده أهداف فكره الإصلاحي التجديدي فيقول: «... وأرتفع صوتي بالدعوة إلى أمرين عظيمين: الأول: تحرير الفكر من قيد التقليد...أما الأمر الثاني: فهو إصلاح اللّغة العربية...».
   تناول محمد عبده في فكره الإصلاحي عدة جوانب رئيسية، هي الجانب الوطني والقومي، و الجانب الاجتماعي و جانب العقيدة و الجانب التربوي.
    أما في الجانب الوطني والقومي فأكدّ على حدود الوطن، والشعور بالمواطنة والعلاقة الوطيدة بينهما، وفي ذلك يقول: « ... وجملة القول أن في الوطن من موجبات الحب والحرص و الغيرة ثلاثة- تشبه أن تكون حدودا: الأول: أنّه السكن الذي فيه الغذاء، والوفاء، و الأهل و الولد. الثاني: أنّه مكان الحقوق، و الواجبات، التي هي مدار الحياة السياسية... و هما حسّيان ظاهران. و الثالث: أنّه موضع النسبة التي يعلو بها الإنسان ويعزّ، أو يُستغل و يُذل...و هو معنوي محضا» . ويؤكد على وجود الجمع بين فعل التشريع و أحوال المجتمع، و سبيل تغييره ليس هو القانون الذي يحفظ حال المجتمع القائم، إنّما هو التربية التي تبني الإنسان، والقانون هو الذي يحميه ويحرسه. « ليست القوانين التي تفرض العقوبات على الجرائم، و تقدر المغارم على المخالفات، هي التي تربي الأمم و تُصلح من شأنها فإنّ القوانين لم توضع في جميع العالم إلاّ للشواذ، والهفوات، و السقطات،... أما القوانين المُصلحة، فهي نواميس التربية الملية لكل أمة...».
   أما الجانب الاجتماعي في فكر محمد عبده انصب على ظاهرة الروح الجماعية، وعلى عيوب المجتمع و مفاسده، و على الاقتصاد الوطني. فالروح الجماعية مطلب ضروري، يقوم في الذات البشرية، إذا تربّى الإنسان عليه «أحسّ في نفسه أنّه سعيد بوجود الآخر معه، و لكن نحن في وسط لا يحس فيه أحدنا إلاّ أنّه شقي بوجود غيره، وقد ذهبت الثقة بيننا أدراج الرياح، وخلفتها الشكوك والريب و الظنون الأثيمة، المولِّدة للوسواس و الأوهام. و لا شقاء للمرء أعظم من وجود ضميره في هذا الشقاء ».  وأخطر ما عرفه العالم الإسلامي الحديث تفريق نظام الأمة إلى فرق و مذاهب و شيّع في الدين، وهذا يعود إلى ظاهرة الجمود في النظام و الاجتماع في الفكر والعمل، في العقيدة والشريعة، فهو جمود سمح للسياسة أن تفعل ما تشاء، تقبل وترفض ما تريد، تطلق وتعطل ما تشاء والإنسان منقاد نحوها بدفع من القوة والهوى.
  إنّ ظاهرة الجمود في الشريعة حملت الناس على إهمالها، « كانت الشريعة الإسلامية أيام كان الإسلام إسلاما سمحة تسع العالم بأسره، و هي اليوم تضيق عن أهلها، حتى يُضطروا إلى أن يتناولوا غيرها و أن يلتمسوا حماية حقوقهم فيما لا يرتقي إليها، وأصبح الأتقياء من حملتها يتخاصمون إلى سواها» . عجز الناس عن العلم بالشريعة إلاّ القليل، فغلبت مخالفة الشريعة و سقط احترامها من الأنفس، و ما وصل إليه الناس من فساد في الأخلاق و انحراف في السلوك و ابتعاد عن الشريعة يعود إلى أمرين هما: « إمّا فقد العارف بالشريعة والدين وسقوط القرية أو المدينة في جاهلية جهلاء... و إمّا عجز العارف عن تفهيم من يسأله».
   والجمود في الشريعة رافقه جمود في العقيدة و هو أخطر و أشدّ ضررا، « نسوا ما جاء في الكتاب و أيّدته السنة من أنّ الإيمان يعتمد اليقين، و لا يجوز الأخذ فيه بالظن، و أن العقل هو ينبوع اليقين في الإيمان بالله و علمه و قدرته والتصديق بالرسالة، و أن النقل ينبوع له فيما بعد ذلك». ويعيب محمد عبده على فساد العقيدة و السلوك قائلا: «أصبح الرجل يرتكب في وسائل العبادة أقبح المنكرات في الدين، و إذا دُعي إلى ترك المنكر نفر وزمجر و أبى واستكبر» ، فأصبح العامة يقرّرون ما هو ليس بدين دنيا، وعجز أصحاب الدين عن إرشادهم لاستفحال الجمود في النظر والعمل معا، و لكونهم ورثوا من معلّميهم بغير تعقل. « ولو شاءوا لأقبل كل منهم على صاحبه، و هو أيسر شيء على حملة الشريعة، و ما هو إلاّ أن يرجعوا إلى ما كان عليه صلى الله عليه وسلّم وأصحابه من سعة الدين وسماحته، ثم العمل على حفظه و حياته».
   وفي بيانه لعلاقة العقل بالوحي يرى محمد عبده رأي "ابن رشد" و رأي "ابن تيمية" و هو وجوب اتفاق الوحي مع العقل، إذ يقول: « فقد أمر الكتاب بالنظر و استعمال العقل: فيما بين أيدينا من ظواهر الكون، و ما يمكن النفوذ إليه من دقائقه، تحصيلا لليقين بما هدانا إليه. و نهانا عن التقليد: بما حكى من أحوال الأمم في الأخذ بما عليه آباؤهم...فالتقليد مضلّة يعذر فيها الحيوان و لا يحمل بحال الإنسان » . و يضيف: «والذي علينا اعتقاده: أن الدين الإسلامي دين توحيد في العقائد، لا دين تفريق في القواعد! العقل من أشد أعوانه، و النقل من أقوى أركانه...و ما وراء ذلك فنزعات شياطين، أو شهوات سلاطين».
   سار محمد عبده على منوال "جمال الدين الأفغاني" في باب علم الكلام وفي ميدان التشريع و في أصول الفقه، فهو يرى أن الإنسان كينونة ذاتية مستقلة في هذا العالم، ومنطق الكينونة الذاتية المستقلة في هذا العالم يقتضي إمكانية فهم الإنسان لنصوص القرآن و التفقه فيها، و هو ما يعرف بالاجتهاد «و من هنا لم يتردد الشيخ محمد عبده في القول بإباحة الاجتهاد ونبذ التقليد! وسبب الدعوة إلى الاجتهاد عنده هو طبيعة الحياة، وضرورات المجتمع الإنساني. فالحياة الإنسانية صائرة و متطورة، و يجد فيها من الأحداث و المعللات اليوم ما لا تعرفه أمس هذه الجماعة، والاجتهاد هو الوسيلة العلمية و النظرية المشروعة للملائمة بين أحداث الحياة المتجددة وتعاليم الإسلام العامة» . والاجتهاد فعل لا يؤتى إلاّ لمن كان يحمل الصفات العلمية التي كان عليها المجتهدون في القرون الثلاثة الأولى.
   نبذ محمد عبده التقليد لأنه عطّل العقل و أوقف بذل الوسع و جمّد الفكر وأوقفه عند حدّ معين لم يفارقه. هذا التعطيل يتعارض مع تركيبة العقل نفسه، ويتعارض مع طبيعة الحياة، فأحداثها متجددة و أوضاعها متغيّرة، ويتعارض مع ما تتميز به القيّم الإسلامية من خصائص، و هو ينبذ التقليد لذاته كمبدأ من جهة ويرفضه على الصورة التي كان عليها في زمنه من جهة أخرى.
   يتضح مما سبق معرفته في فكر محمد عبده أن هذا الفكر ومنهجه لم يبتعد كثيرا عما صنعه دعاة الإصلاح و زعماؤه، خاصة "ابن تيمية" و"الأفغاني"، و إن انفرد عنهم بمنهجه في التربية الإسلامية أو التربية القومية، و بالرّغم من دعوته إلى مراجعة علوم الأوائل انحصرت محاولته في الدعوة إلى التجديد، و ذلك لاشتغاله بمقاومة الاستعمار ومحاربة الجمود و الجهل والردّ على مناصري الاستعمار، والحرص على ترسيخ أسس منهج تربوي توجيهي أبرزه و دافع عنه تلميذه محمد رشيد رضا.
4- عند محمد إقبال:
   اشتغل زعماء الإصلاح ودعاة التجديد في العالم العربي والإسلامي الحديث على جبهتين، جبهة إصلاح الفكر وتجديده ومقاومة الضعف الداخلي في الفهم والتصورات لتعاليم الإسلام عقيدة وشريعة، وجبهة مكافحة الاستعمار ، ومقاومة الفكر الذي يخدمه من داخل البلاد الإسلامية ومن خارجها. و« أخذت المقاومة للاستعمار الغربي طابعا سياسيا ولكن قامت على توجيه إسلامي و على فكر إسلامية أصيلة. وتكوّن من هذا التوجيه، ومن هذه الفكر الإسلامية الأصيلة معا، ما نسميه: "بالاتجاه الفكري الإسلامي المقاوم للاستعمار الغربي ».
   قام الاتجاه الفكري الإسلامي المقاوم للاستعمار الغربي بممارسة السياسة والدين على السواء بواسطة النقد، نقد الأفكار التي تدعوا إلى التعاطي الإيجابي مع الاستعمار ومع مدنيته من منظور نظري منطقي ومن منظور ديني إسلامي، وفي الوقت ذاته تصدّى بوضع أسلوب عمل لمقاومة الاستعمار ودعاته في داخل البلاد الإسلامية التي تعرضت للغزو الأجنبي وخارجها.
   فهذا محمد إقبال "1873-1938" يعلن الحرب على الفكر الإسلامي في صورته الكلاسيكية و« يهاجم القاديانية هجوما عنيفا من الوجهة الإسلامية والوطنية، وفي الوقت نفسه يكتب كتابه: "تجديـد الفكر الديني فـي الإسلام" ويوضّح فيه محاولته لتقرير (علم الكلام) الإسلامي في صورته الحديثة، كما يوضّح مزايا التعاليم الإسلامية في خلق جماعة حيّة قوية، و يطلب إلى المسلمين أن يفهموا الإسلام في ضوء الحياة المعاصرة، وأن يسعوا في تكييفها و طبعها بطابع إسلامي، بدلا من وقوفهم عند حدّ مفاهيم عصر الركود للمبادئ الإسلامية، تلك المفاهيم التي لم يعد التمسك بها الآن ذا أثر إيجابي في حياة المسلم الحاضر».
   و يدعو "إقبال" إلى ضرورة التغيير و يقول بالحاجة الماسة إلى ذلك لكنّه يخشى عجز المسلمين عن بلوغ التقدم المنشود أمام وضعية العالم الإسلامي بين قديم فيه عناصر هويته و شخصيته الإسلامية و بين جديد برّاق فيه أفكار غربية مادية جلبها الاستعمار و جلبتها حضارته و مدنيته، فالقديم يشدّه و الجديد يجذبه. ويعبر "محمد إقبال" عن هذه الوضعية فيقول: « ظل التفكير الديني في الإسلام راكدا خلال القرون الخمسة الأخيرة، و قد أتى على الفكر الأوروبي زمن تلقى فيه وحي النهضة الإسلامي، و مع هذا فإن أبرز ظاهرة في التاريخ الحديث هي السرعة الكبيرة التي ينزع بها المسلمون في حياتهم الروحية نحو الغرب! و لا خيار على هذا النزع، فإن الثقافة الأوروبية في جانبها العقلي ليست إلاّ ازدهارا لبعض الجوانب الهامة في ثقافة الإسلام، و كل الذي نخشاه هو أن المظهر الخارجي البرّاق للثقافة الأوروبية قد يشلّ تقدمنا فنعجز عن بلوغ كنهها».  
   فالحياة و الكون و الإسلام، كل هذا يقوم على مبدأ الحركة و التغيّر، لا الثبات والجمود. والمقصود بمبدأ الحركة في الإسلام، ما فيه من شروط و عوامل، يواجه بها الإنسان تغيّر العالم و تطوره، « و هي في ذاتها مبادئ ثابتة، و لكن يتخذ منها الإنسان عدّته لملائمة نفسه و أحوال التغيّرات المتتابعة في عالمه المادي الواقعي، و الإنسان هنا هو الفرد و الجماعة، والإسلام بالنسبة لهما حقيقة واحدة».
   يرى إقبال أن الإنسان عليه أن يجمع و يوفّق في وجوده و حياته بين درجات الدوام و التغيّر، هذه الدرجات لابد « أن يكون لها مبادئ أبدية تنظم حياتها الجماعية، وتضبط أمورها، و ذلك لأن الأبدي الخالد يثبّت أقدامنا في عالم التغيّر المستمر، و لكنّا إذا فهمنا أن المبادئ الأبدية تستبعد كل إمكان للتغيّر و هو في نظر القرآن آية من الآيات الكبرى على الذات الإلهية- فإن هذا الفهم يجعلها تنزع إلى تثبيت ما هو أساسي متغيّر في طبيعته، وإخفاق أوروبا في علم السياسة و علم الاجتماع مثل يوضح المبدأ الأول، وركود الإسلام في القرون الخمسة الأخيرة مثل يوضح المبدأ الثاني». 
   والحق في الإسلام أن الحياة و الوجود فيهما الثبات و فيهما الحركة والتغير، وأساس الحركة والتغير في بناء الإسلام و في بناء المنهج الإسلامي المتكامل و الكامل و مبدأ ذلك هو الاجتهاد.
   و الاجتهاد في اللّغة بذل الوسع، أما في الاصطلاح الفقهي فهو استخدام الرأي للوصول إلى حكم فقهي. « على أن الباحث في تاريخ الإسلام يعلم تمام العلم أن التفكير التشريعي المنظم مع انتشار دولة الإسلام ضرورة لا مفرّ منها، ولهذا انكبّ الرعيل الأول من فقهاء الشريعة...على العمل الموصول في هذا السبيل حتى انتهى ما بذلوه من جهد إلى ذلك التراث الضخم من التفكير الفقهي الذي يتمثل في المذاهب المعمول بها».
   والمذاهب الفقهية حسب إقبال تضع الاجتهاد ثلاث مراتب، مرتبة الحق الكامل في التشريع و هو مقصور على أصحاب المذاهب، و الحق النسبي في التشريع و يجري في إطار مذهب معيّن، والحق الخاص الذي يتعلق بتجديد لقاعدة الشرعية التي يضع تطبيقها في حالة خاصة، لم يعيّنها أصحاب المذاهب.
   انتقد إقبال الاتجاه الذي يرفض التجديد في أحكام الفقه التي وضعها الرعيل الأول، و انتقد انشغاله بالنظام الاجتماعي لمقاومة قوى التفسخ والانحلال في حين « أن مصير شعب من الشعوب لا يتوقف على نظام بقدر ما يتوقف على قيمة الأفراد وقوّتهم والجماعة التي يسودها التنظيم الزائد يتلاشى فيها الفرد من الوجود تلاشيا تاما، إذ هو يجني قطاف كل ما حوله من تفكير اجتماعي لكنه يفقد روحه هو ». 
  انصب جهد إقبال على النقد و إعادة البناء في الفكر الإسلامي والدعوة إلى التجديد و في هذا يقول: « إن السمو إلى مستوى جديد في فهم الإنسان لأصله ولمستقبله من أين جاء و إلى أين المصير هو وحده الذي يكفل له آخر الأمر الفوز على مجتمع يحركه تنافس وحشي وعلى حضارة فقدت وحدتها الروحية بما انطوت عليه من صراع بين القيّم الدينية والسياسية، و الدين كما بيّنت من قبل من حيث هو سعي المرء سعيا مقصودا للوصول إلى الغاية النهائية للقيم فيمكنه بذلك أن يعيد تفسير قوى شخصيته هو حقيقة لا يمكن إنكارها». 
   و يصف محمد البهي محاولة إقبال لإعادة بناء الفكر الإسلامي بقوله: «كان إقبال دقيقا عندما عبّر عن حركته الفكرية بإعادة بناء الفكر الديني في الإسلام دون التعبير بالإصلاح الديني، لأن أيّة محاولة إنسانية تدور في محيط الإسلام لا تتعلق بتعديل مبادئه، طالما أن مصدره و هو القرآن له صفة الجزم والتأكيد و الأبدية و أيّة حركة إصلاحية في الإسلام بعد ذلك هي إذن في دائرة الفكر الإسلامي حوله، و في دائرة إفهام المسلمين لمبادئه و أيّ تطور للإسلام يجب أن يكون بهذا المعنى في دائرة أفهام المسلمين و تفسيرهم لتعاليمه، ليس هناك تطور للإسلام نفسه... و اصطلاح الفكر الديني في الإسلام يقوم عند إقبال على طلب تغيير الوضع الذي وصل إليه المسلم الآن، ووصلت إليه الجماعة الإسلامية و هو وضع الضعيف المتهيّب الحياة النافر من الواقع...يقوم على مكافحة الهرب من الحياة و عدم استطاعة السيطرة على المادة أو الطبيعة...».    
   إنّ ما تميّزت به محاولة إقبال الفكرية، التي تصبو إلى نقد ما هو قائم وإعادة بنائه، فهي المحاولة الوحيدة الفريدة في نوعها في القرن العشرين، تدل بقوة على قوة إسلام صاحبها و سعة علمه و مدى استيعابه بعمق و دقة كبيرين للفكر الإنساني عامة، وللفكر الغربي الحديث بصفة خاصة، كما تدل على رحابة تأملاته الدينية والميتافيزيقية التي أهلته لإعادة النظر في المشكلات الإسلامية الأساسية في ضوء المفاهيم و الصيغ والمناهج الحديثة، و أراد إقبال بمحاولته هذه إعادة التوازن المفقود في حياة المسلم، الذي هو مبتغى الإسلام و مقصده ورسالته.       
المراجع:
  أحمد أحمين: زعماء الإصلاح في العصر الحديث، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، بدون ط و بدون سنة، ص 10.
  المرجع السابق: ص 12.
  المرجع السابق:ص 12.
  المرجع السابق: ص 15.
  المرجع السابق: ص 22.
  المرجع السابق: ص 22.
  المرجع السابق: ص 22.
  المرجع السابق: ص.23.
  محمد البهي: الفكر الإسلامي في تطوره، دار الفكر، ط 1، سنة1971، ص 78.
  المرجع السابق: ص 82.
  المرجع السابق: ص 82.
  المرجع السابق: ص 84-85.
  المرجع السابق: ص 85.
  المرجع السابق: ص 88.
  المرجع السابق: ص 89.
  جمال الدين الأفغاني: العروة الوثقى، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، ط 2، سنة 1980، ص 61.
  المرجع نفسه: ص 62.
  المرجع نفسه: ص 74-75.
  جمال الدين الأفغاني: العروة الوثقى، ص 244.
  محمد البهي: الفكر الإسلامي الحديث و صلته بالاستعمار الغربي، ص 102-103.
  جمال الدين الأفغاني: العروة الوثقى، ص 103.
  محمد عبده: جمال الدين الأفغاني، دار الشهاب، باتنة، الجزائر، بدون طبعة و بدون سنة، ص 187-188
  محمد البهي: الفكر الإسلامي و صلته بالاستعمار الغربي الحديث، ص 105.
  محمد البهي: الفكر الإسلامي الحديث و صلته بالاستعمار الغربي، ص .122 نقلا عن تاريخ الإمام محمد عبده، ج1، ص 11-12.
  المرجع السابق: ص 130-131.
  المرجع السابق: ص 136
  المرجع السابق: ص 137- 138.
  محمد عبده: الإسلام و النصرانية بين العلم و المدنية، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، بدون طبعة، سنة 1988، ص 5.
  المرجع السابق: ص 95-96.
  المرجع السابق: ص 97-98.
  المرجع السابق: ص 100.
  المرجع السابق: ص 100.
  محمد البهي: الفكر الإسلامي الحديث و صلته بالاستعمار الغربي، ص 157-158، نقلا عن رسالة التوحيد: ص 15.
  المرجع السابق: ص 158. نقلا عن رسالة التوحيد: ص 14.
  المرجع السابق: ص 169.
  محمد البهي: الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي، دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع، ط 6، سنة 1973، ص 71.
  المرجع نفسه: ص 72.
  محمد إقبال: تجيد الفكر الديني في الإسلام، ترجمة محمود عباس، دار التأليف و الترجمة، القاهرة، مصر، سنة 1955، ص 39.
  محمد إقبال: المرجع السابق، ص 168.
  المرجع السابق: ص 170.
  المرجع السابق: ص 171.
  المرجع السابق: ص 174.
  المرجع السابق: ص 217.
  محمد البهي: الفكر الإسلامي الحديث و صلته بالاستعمار الغربي، ص 434-435.

المصدر: http://www.alblagh.com/mosoa/pages/tex.php?tid=338

الحوار الداخلي: 
أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك