علاقة المسلمين بغير المسلمين
علاقة المسلمين بغير المسلمين
إعداد
د. سعيد إسماعيل صيني
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق وخاتم النبيين وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، والسلام على آل محمد وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:-
فقضية علاقة المسلمين بغير المسلمين من القضايا التي عالجها كثير من الفقهاء وبعض الأكاديميين ومؤلفي كتب الثقافة الإسلامية. وقد تراوحت المعالجات بين المعالجات الجادة والمعالجات النظرية الحماسية. ولكن هناك تساؤلات لا تزال في حاجة إلى الإجـابة، ولاسيما في الظروف السياسية الجديدة التي تحيط بالمسلم المعاصر الذي يعيش بين أكثرية كاسحة من غير المسلمين، إضافة إلى الظروف الدولية الجديدة التي تعيشها الدول الإسلامية اليوم والتي لم تواجهها الدولة الإسلامية في العصور الزاهرة. فلم تعد الدول الإسلامية من الدول العظمى في العالم. بل كلها لا يستغني عن مساعدة الدول الكبرى غير الإسلامية، لضمان استقلالها النسبي كغيرها من الدول النامية التي لا تستغني عن الخبراء من غير المسلمين في مجال الاقتصاد والدفاع والأمن… كما أن دول العالم أصبحت مرتبطة بشبكة من الأعراف الدولية والأنظمة والمنظمات. وكل هذه الظروف تفرض استنباط قواعد شـاملة واضحة، تحدد العلاقة بين المسلمين وغيرهم، سواء أكانوا أفرادا أم دولا، وسواء أكانوا أقوياء أم ضعفاء، ، وذلك بالرجوع إلى الكتاب والسنة مباشرة مع الاستفادة من آراء علمائنا الأجلاء في العصور المختلفة. فهناك تساؤلات جوهرية لا تزال في حاجة إلى الأجوبة، تتمثل فيما يلي:
1 – ما القاعدة العامة في العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين؟
2 – لماذا الجهاد؟ وما المقصود به؟
3 – ما موقف الإسلام من الروابط الفطرية والمكتسبة المتعددة؟
4 – ما المقصود بالولاء، والبراء، وما نوع العلاقة بينهما؟
5 – هل هناك تعامل وتعاون جائز مع غير المسلمين؟
فهدف هذا الكتيب هو الإجابة على التساؤلات السابقة بصورة مختصرة، وذلك انطلاقا من نتائج البحث الأول للمؤلف، المنشور بعنوان: "حقيقة العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين" والطبعة الأولى والثانية من هذا الكتيب.
د. سعيد إسماعيل صيني
في 2/3/1432هـ
الموافق 7/3/2011م
الفصل الأول
القاعدة العامة
لم يترك الإسلام مجالا من مجالات الحياة إلا وقد وضع لها القواعد العامة اللازمة. والعلاقة بين المسلمين وغير المسلمين من أكثر هذه المجالات أهمية. ولهذا وضع لها الإسلام القاعدة العامة الواضحة. وكما هو الحال في شئون الحياة كافة هناك -دائما- قاعدة عامـة رئيسة متسقة مع مجموعة القواعد الرئيسة الأخرى لتشير إلى وحدانية الخالق المشـرع. وتقوم القاعدة الرئيسة بوظيفة المحور الذي تتفرع عنه مجموعة القواعد الفرعية، أو الاستثناءات.
وقبل البدء في الحديث عن القاعدة العامة في العلاقة بين المسلمين وغيرهم ينبغي أن نضع في أذهاننا أن الحياة الدنيا هي دار اختبار، أي هي فترة اختبار للمخلوقات المكلفة (الإنس والجن). وأما المحاسبة على الكفر، فتكون عقب انتهاء فترة الامتحان، أي بعد الممات. وهذا الاختبار مبني على ثلاثة عناصر رئيسة: نعمة الهداية الفطرية التي يجددها رسل الله من وقت لآخر، ونعمة العقل والتمييز، ونعمة الحرية النسبية في التفكير وفي اتخاذ القرارات والعمل. ووفّر الخالق لمخلوقاته إمكانات متفاوتة الدرجات، منها الجاهزة ومنها التي تحتاج إلى الكسب باستثمار المواهب الطبيعية. ولعدله، سبحانه وتعالى، جعل نتيجة المحاسبة مبنية على قسمة جهد الإنسان على الإمكانات التي توفرت له.([1])
ولا يختلف هذا الاختبار عن الاختبارات المألوفة التي تحدد مستوى التحصيل أو الإنجاز إلا من حيث أن:
- موعد نهاية الامتحان مجهول عند المختبِر، فقد يفاجئه في أي لحظة.
- التعاون الكامل، أثناء فترة الاختبار، والمساعدة لتحقيق أفضل النتائج للجميع مرغوب فيها، بل تحث الأديان عليها، وتكافؤ من يسهم في نجاح وفوز الآخرين، ولكن دون إكراه على الإجابة الصحيحة، أي اختيار الإسلام.
ومن زاوية أخرى، فإن الحديث عن القاعدة العامة في العلاقة بين المسلمين وغيرهم ينبغي ألا يتجاهل وجود حالة نموذجية، وهي الأصل؛ وحالة استثنائية يفرضها الواقع.
الأصل في العلاقة:
ترتكز العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين –في الأصل - على عدد من الآيات، وعلى رأسها قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}.([2]) وهنا تؤكد الآية بأن الإسلام دين لجميع المخلوقات المكلفة، لا يقتصر على المسلمين، وبأن محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة لهم، يقودهم إلى الفلاح في الدنيا والآخرة. ولما سبق بيانه فإن الإسلام رحمة لمن يختاره فقط، إذ يقول تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ...}([3])
فقد منح الله الإنس والجن حرية الاختيار للدين، التي تمثل واحدة من العناصر الأساسية للمحاسبة والتكليف. وجعل حساب ذلك عقب انتهاء فترة الاختبار (الحياة الدنيا) بشرط تجنب الاعتداء على الآخرين ومعتقداتهم. يقول تعالى:{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ.} ويقول تعالى: {وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} ويقول تعالى: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ}.([4])
ومنطلقا من هذه الحقيقة، جعل الله القاعدة العامة في طريقة تعامل المسلمين مع غيرهم من المسالمين، أو المعادين في قوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.}([5])
إن الآيات السابقة تؤكد بوضوح بأنه لا ينبغي للمسلمين أن يجبروا أحدا على هذه الرحمة وأن تقتصر مهمتهم على الدعوة إلى الإسلام، وأن يتركوا محسابته على الكفر إلى خالقه. ولهذا لا ينهى الله المسلمين عن القسط إليه وبره، إذا كان مسالما أو مناصرا للمسلمين، وذلك في الحدود التي لا يضحي فيها المسلم بمصيره في الحياة الأبدية. والبر كما نعلم، يعني الابتداء بالخير أو مقابلة الخير بأفضل منه. فهذه المعاملة تسهم في توفير علاقة طيبة، ومناخ مناسب لإشراكه في نعمة الإسلام، فلعله يسلم يوما.([6])
وإذا كان لا ينهانا عن البر بالكافر، فإن معاملته بالإنصاف والعدل واجبة على المسلم في جميع الأحوال. والعدل في الإسلام لا يتلوّن حسب الأهواء؛ وهو ليس ذو وجهين، كما نلاحظه في سياسة كثير من الدول الديموقراطية الكبرى اليوم. فالله سبحانه وتعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.([7])
وجاءت الآية التاسعة من سورة الممتحنة تتلو الآية الثامنة لتقيد النهي عن الموالاة بالذين قاتلوا المسلمين أو أخرجوهم من ديارهم أو ظاهروا على إخراجهم. فالمساهمة عمدا في الاضطهاد لا تختلف عن القيام بالاضطهاد. وحتى في حالة معاداة الآخرين للمسلمين ظلما فإنه ينبغي التنبه إلى أنها ليست حالة دائمة. فقد تتبدل إلى المودة، إذ يقول تعالى: {عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم.}([8]) ويلاحظ أن الآية لم تقيد سبب المودة بالإيمان، بل جعله مطلقا؛ فقد يحدث ذلك بانقلاب موقفهم من العداوة إلى الحياد أو إلى النصرة، وإن لم يسلموا.
وجاءت الآيتان الثامنة والتاسعة عقب الآيات الأولى من سورة الممتحنة، والتي تنهى عن اتخاذ أعداء الله أولياء، اقتداء بإبراهيم عليه السلام. وهذه الحقيقة تؤكد أن هاتين الآيتين محكمتان بصفتهما تمثلان القاعدة العامة في التعامل بين المسلمين وغيرهم.
فالآيتان المذكورتان تؤكدان بأن أصل العلاقة بين المسلمين وغيرهم السلم، وليس الحرب، وذلك انطلاقا من أن أصل العلاقة بين المخلوقات، التي تربطها رابطة الإنسانية أو الانتماء إلى المخلوقات المكلفة، هي علاقة تعارف وتعاون. يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا. إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.([9])
والأصل أن الإسلام يهدف إلى تحقيق السلام للمخلوقات المكلفة في الدارين: الدنيا والآخرة معا. وإذا رفض بعض المخلوقات المكلفة التعاون لتحقيق هذا السلام الشامل فإن الإسلام جاهز أيضا للتعاون على تحقيق السلام في مستوى الحياة الدنيا فقط مع هذه الفئة. وذلك في الحدود التي لا تُعرِّض مصير المسلمين إلى الخطر، ولاسيما في الحياة الأبدية. فتعاليمه تحث المسلمين على التعاون مع الجميع لتحقيق هذا السلام المحدود. ولم يأت الإسلام ليفرق بين الناس، وليزرع بينهم العداوة والبغضاء، أو ليقطع روابط الإنسانية أو أواصر القرابة والرحم، أو ليشجع على سفك الدماء. ولم يأت ليقضي على حرية الاختيار التي منحها الله للمخلوقات المكلفة، وعلى رأسها حرية الاختيار بين الجنة والنار، أثناء فترة الامتحان (الحياة الدنيا). فقد منح الله جل جلاله إبليس اللعين الفرصة ليختار بين طاعته ومعصيته فاختار إبليس بإرادته الذاتية العصيان (وبمشيئة ربه الكونية)، ثم ضمن الله له المهلة التي طلبها لإغواء المخلوقات المكلفة أثناء فترة الامتحان هذه.
فالقاعدة العامة في العلاقة بين المسلمين والآخرين هي السلم في الأصل، ويبقى الأمر على تلك الحالة ما دام الآخرون لا يتعرضون للإسلام أو للمسلمين بالأذى ظلما.
ولهذا لا نعجب إن فرّقت سورة الفاتحة على اختصارها بين نوعين ممن رفضوا الإسلام: المغضوب عليهم الذين كفروا استكبارا وأعلنوا الحرب على الإسلام، والضالين الذين كفروا جهلا بحقيقته.
ومن هذه القاعدة تنطلق ضرورة بذل الجهد والمال والوقت لإشراك غير المسلمين في نعمة الإسلام، وذلك أداءً لواجب التبليغ ولكسب الأجر الذي يفوق أعظم نعم الدنيا، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك عليا -رضي الله عنه.([10]) والمسلم الذكي حريص على تجنب كل ما ينفر من الحق خشية فوات هذا الأجر العظيم.
وأمام حرية الاختيار التي منحها الله لعباده، تقف مسئولية المسلم عند تبليغ الرسالة بالطريقة المناسبة التي تُرغِّب فيها، وأما المحاسبة على الكفر فهي عند الله عقب انتهاء فترة الاختبار. وأما إذا اعتدى الإنسان على الآخرين فأوجب الله ردعه، وجعل محاسبته في الدنيا وفي الآخرة. وإذا أحسن فإن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: "إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً يُعْطَى بها في الدُّنْيَا وَيُجْزَى بها في الْآخِرَة.ِ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ ما عَمِلَ بها لِلَّهِ في الدُّنْيَا حتى إذا أَفْضَى إلى الْآخِرَةِ لم تَكُنْ له حَسَنَةٌ يُجْزَى بها.([11]) ويقسم عليه الصلاة والسلام "لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ من هذه بِوَلَدِهَا" إشارة إلى المَسبيّة التي وجدت طفلها فضمته لترضعه، ويستحيل أن تطرحه في النار، بإرادتها.([12]) ولهذا كان فرح الله عظيما لتوبة عبده، حيث يقسم نبيه "لَلَّهُ أفرح بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ من أَحَدِكُمْ بِضَالَّتِهِ في فَلاَةٍ مِنَ الأَرْضِ عليها طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ".([13]) وجعل باب التوبة من الذنب، ومنها الكفر، مفتوحا حتى اللحظة الأخيرة، إذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ."([14])
وكم من كافر أسلم متأخرا وفاقت خدماته للإسلام خدمات آلاف المسلمين بالولادة؟
وأمام هذه النصوص الصريحة، يصعب أن يقول أحد: كلا، ربي. بل، نحاسبه ونعاقبه على الكفر بالعداوة والبغضاء أو القتال أيضا، أثناء فترة الاختبار، وإن كان محايدا أو محسنا إلينا. فالمسلم الذي يقول هذا، يعارض قوله تعالى {(هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}([15])، ويتجاهل أنه ليس من الحكمة أن يطبق هو هذا الحكم، عندما يكون، مثلا، مراقبا على الطلبة أثناء أدائهم الامتحان، قبل تسليم ورقة الإجابة بصورة نهائية.
فالإنسان حر فيما يعتقده والمصير الذي يختاره لنفسه، ما لم يلتزم بالإسلام وحسابه على الله في الآخرة لقاء كفره. أما إذا قبل الإنسان الإسلام فقد دخل مع الله في عهد لمدى الحياة، وعليه أن يطبق تعاليمه وإلا استحق العقوبة.
ومن زاوية أخرى، لو تأملنا في حالة السلام والحرب لوجدنا أن حالة السلام هي التي تحقق الخير للبشرية جمعاء، حتى من منظور الإسـلام. فصلح الحديبية بشروطه وملابساته كان خيرا للإسلام من حالة الحرب مع قريش، كما يؤكد ذلك جل الذين علقوا على هذا الصلح.([16]) ففي السلم يجد الحق فرصة للازدهار والانتشار لا يجدها في الحرب، حيث النفوس متوترة والعداوة مستحكمة بين الأطراف المختلفة والبصائر عن الحق معمية. وقد يتعرض الإسلام والمسلمون لشيء من الاضطهاد في السلم ولكن أين هذا مما يتعرضون له في حالة الحرب، ولاسيما إذا كانوا ضعافا؟ بل وأين هذا مما يتعرض له كثير من المسلمين في حالة الحرب، حتى وإن كانت الحرب بين المسلمين أنفسهم؟ في السلم يستطيع المضطهَد اللجوء إلى المحاكم، مستندا إلى القانون وإلى الإنسانية ليجد الحماية والنصرة بإذن الله. أما في الحرب فإن الحقد أعمى والعداوة مُدمّرة، لا تفرق بين البالغ والرضيع، والبريء والمذنب، والأخضر واليابس.
الحالة الاستثنائية والجهاد:
قلنا فيما سبق أن الأصل في الإسلام السلم وأما إذا حارب الكافرون المسلمين أو دينهم فعليهم أن يثبتوا جدارتهم في الدفاع عن دينهم وعن أنفسهم وفي معاقبة المعتدين وردعهم بما هو مناسب لظروفهم، كما أمر الله تعالى بذلك. والدفاع عن النفس بالوسائل العنيفة ومعاقبة المعتدي ليس إلا نوعا واحدا من أنواع الجهاد في الإسلام. فكلمة الجهاد في العربية تعني الرد على فعل يسبقه في الوجود، أي تعني المقاومة.([17]) فجهاد الظلم لا يقتصر على اللجوء إلى الحرب ولكن يشمل اللجوء إلى المحاكم وإلى وسائل الإعلام وإلى كل ذي نفوذ منصف.
وقد يتصور المسلم المتحمس أن في هذا القول تمييعا للجهاد، ولكن عندما يتأمل في ماضي المسلمين القريب وحاضرهم يجد أن المسلمين ما يزالون يتعرضون لأشكال الظلم المختلفة جماعات وفرادى. فأين المجاهدون من المسلمين لرفع ظلم واقع بالمسلمين، قبل استعداء المحايدين من غير المسلمين بدون أدلة كافية؟
والجهاد لا يقتصر على خوض المعركة التي ينتهي فيها الخاسر بالوضع في معسكرات الأسرى. فهو يشمل كل ما يدفع عن الإسلام وأهله ومنها خوض معركة علم الكفاية اللازم لتحرير المسلمين من أغلال الاستعمار الفكري والمادي. فأين الذين يبذلون الجهد والوقت والمال بسخاء وبإخلاص لتحصيل العلم والمهارات اللازمة وتنميتهما وتدريسهما بطريقة صحيحة حتى يتمكن المسلمون من الاعتماد على أنفسهم والحصول على الاستقلال النسبي. فهذا أفضل من ضياع كثير من المصادر الوفيرة التي أنعم الله بها علينا -بدون تعب كبير- في الحصول على مزيد من المتع الدنيوية التي ينتجها غير المسلمين.
وإضافة إلى ذلك، يؤكد ابن القيم بأن الجهاد لا يقتصر على جهاد الكافرين بالقتال. ويوضح ذلك قائلا "ولما كان جهاد أعداء الله في الخارج فرعا على جهاد العبد نفسه في ذات الله، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم (المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله…) كان جهاد النفس مقدما على جهاد العدو في الخارج وأصلا له. فإنه ما لم يجاهد المسلم نفسه أولا لتفعل ما أُمِرت به وتترك ما نُهِيت عنه ويحاربها في الله، لم يمكنه جهاد عدوه في الخارج."([18])
ومن الجهاد أو السلاح الذي غفل عنه المسلمون وأهملوه أو استهانوا به الدعاء الذي حصلت به المعجزات، مثل معجزة تحول النار بردا وسلاما على إبراهيم، عليه السلام بسبب الدعاء، عندما أراد قومه إحراقه،([19]) والثلاثة الذين تمكنوا من تحريك الصخرة التي كانت تسد باب المغارة باللجوء إلى الله.([20]) ولا عجب، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يرد القضاء إلا الدعاء".([21])
ومن يريد استخدام الدعاء سلاحا ماضيا ليزيل الظلم وليحقق النصر، بإذن الله، لابد أن يوفر شروطها مثل أن يكون مأكله ومشربه وملبسه...حلال، وأن يتخير أوقات استجابة الدعاء مثل السحر، وأثناء السجود وبين الأذان والإقامة، والإلحاح على الله والتذلل إليه... ولعل أفضل الدعاء أن يسأل الله كف شر المعتدين على الإسلام والمسلمين، وذلك بهدايتهم إلى الحق، أو بأخذهم أخذ عزيز مقتدر، إذا لم يكن لهم نصيب في الهداية في علم الله.
وحتى بالنسبة لمن يمنع الدعوة ليس في الكتاب أو السنة أو السيرة النبوية أو سيرة الخلفاء الراشدين دليل واحد يفيد بأنه على المسـلمين محاربة من يرفض منحهم حق الدعوة إلى الإسلام في بلاده. بل هناك دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قبِل شرط قريش بدخول مكة دون دعوة أحد إلى الإسلام.([22])
وقد يقول قائل بأن من يمنع الدعوة ليس رافضا للإسلام لنفسه فحسب، بل هو مانع لدعوة غيره، وبالتالي تجب محاربته. وهذا صحيح، ولكن يلاحظ، بأن هذا الدليل العقلي ظني الدلالة، ويعارضه الدليل النقلي السابق، أي ثبوت موافقة النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الشرط عند دخوله مكة للعمرة. ويبدو أن الأمر -في عمومه- يخضع لاعتبارات أخرى مثل: كون هناك اتفاقية ثنائية أو إقليمية أو دولية، تحقق مصلحة مرجحة للمسلمين وتحكم العلاقة بين الدولة المسلمة والدولة غير المسلمة، وكون المنع يمثل رغبة أغلبية الشعب.
ومن يراجع غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم وسراياه كلها لا يجد دليلا واحداً يشير إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قام بنفسه أو أرسل سرية لتشن غارة مثل غارات الجاهلية ابتداءً على أحد. بل تصرح معظم الروايات حول تلك الغزوات والسرايا بأن السبب يتمثل فيما يلي: ([23])
1 - صد لهجوم شنه العدو، مثل غزوة أحد أو غزوة الأحزاب.
2 - رد على اعتداء سابق، كما هو الحال بالنسبة لكل الغزوات والسرايا التي كان هدفها قريش وقوافلها التجارية، وعلى رأسها غزوة بدر.
3 - مطاردة لأعداء شنوا غارة على المدينة مثل غزوة السويق، وغزوة ذي قرد.
4 - مباغتة أعداء يحشدون الجموع لمهاجمة المسلمين، مثل غزوة بني المصطلق، وغزوة دومة الجندل.
5 - عقوبة على خيانة العهد والتآمر مع الأعداء أو التحريض على محاربة المسلمين مثل غزوة بني قينقاع وغزوة بني النضير وغزوة بني قريظة وفتح مكة المكرمة.
وأما القول بأن هذه القاعدة تنسخها آية السيف وآية القتال اللتان تأمران بقتال غير المسلمين فترد عليه الأدلة الغزيرة التي تستند إليها القاعدة العامة.([24]) إضافة إلى ذلك فإن الأدلة المتضافرة تؤكد على أن هاتين الآيتين خاصتان بالكافرين الذين حاربوا الإسلام علنا وسرا وكانوا يعطون العهد بمسالمة المسلمين ثم يخونون عهدهم.([25]) ويكفي أن يقرأ الإنسان الآيات الثلاث عشرة الأولى من سورة براءة ليجد هذه الحقيقة واضحة بصيغة النفي والإثبات.([26]) وكذلك الأمر بالنسبة لجميع الآيات الأخرى التي تأمر بقتال الكافرين؛ فهي خاصة بمن حارب الإسلام والمسلمين ابتداءً. وقد يشتبه على بعض المسلمين مدلولات بعض الآيات عند النظرة الأولى فيحسب أنها عامة. وهي ليست كذلك عند العودة إلى سياقاتها.([27])
وحتى عند إعلان الحرب للضرورة:
لقد تبيّن معنا أن البعض من غير المسلمين قد يعلنون الحرب على الإسلام صراحة أو خفية، وتفشل معهم الجهود السلمية. وهذا يتطلب من المسلمين اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية أنفسهم وللدفاع عنها، ولكن من الطبيعي أن لا تمُنح مثل هذه القرارات لبعض الأفراد أو الفئات غير المسؤولة رسميا. فنظرة الأفراد والجماعات مهما كانت مخلصة تنقصها الشمولية. وهي في الغالب تكون حماسية ومبنية على النظرة الجزئية للقضية. ولهذا فإنها كثيرا ما تنحرف عن الرأي الإسلامي الصائب. وقد تجر قراراتهم الأمة أو جزءا كبيرا منها إلى عواقب ليست في مصلحة الإسلام أو المسلمين. بل قد تضر بها ضررا بالغا، يندم عليها كثير من المتحمسين لتلك القرارات أنفسهم. وهذا طبيعي لأن الآراء الفقهية التطبيقية أو القرارات العملية يجب أن تكون مبنية ليس فقط على الفهم الكافي للنصوص، ولكن أيضا على الاستيعاب الكافي للواقع.
وغزوة أحد خير مثال لتوضيح هذه المسألة. لقد رأى الشباب بدافع الحماس وبدافع الغيرة على الإسلام أن الخروج إلى العدو هو الأليق بالمسلمين. أما نظرة الرسول صلى الله عليه وسلم فكانت أكثر شمولية تضع في حساباتها للواقع: قوة العدو وقوة المسلمين ومصير الإسلام والمسلمين جميعا. والملاحظ أن رأي الشباب كان نابعا من استعدادهم للتضحية بأرواحهم من أجل دينهم فقط. أما رأي الرسول عليه الصلاة والسلام فكان نابعا من شعوره بالمسؤولية تجاه الإسلام ومستقبله والمسلمين جميعا وسلامتهم. وشتان بين هذا وذاك.
وليس هذا فحسب، إن الإسلام لا يعتبر الحرب وسيلة فوضوية لقهر العدو وتدميره، ولكن إجراء اضطراري، هدفه كفاية شر العدو، وخدمة الإنسانية، وليس الإضرار بها. ولهذا وضع مجموعة من الضوابط، منها:
- الإسلام لا يبيح قتل النساء والصبيان والعاجزين ورجال الدين...، ما لم يشتركوا في القتال بالسلاح أو اللسان.( [28])
- إذا رغب العدو في السلم فعلى المسلمين الاستجابة، حتى مع وجود احتمال الخدعة، إذ يقول تعالى: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ.}([29]) وهذا، مع ضرورة الأخذ بالحذر في كل حين بما يتناسب مع ظروفه، حسب أمره تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعاً}.([30])
الفصل الثاني
الرابطة الإسلامية والروابط الأخرى
يتصور بعض الناس أن الإسلام قد تجاهل أهمية الروابط الفطرية والمكتسبة ما لم تكن في إطار العقيدة المحددة، أي أنه لا قيمة للروابط الفطرية والمكتسبة بين الناس مع اختلاف الرابطة العقدية. ولكن من يراجع القرآن الكريم والسنة النبوية بدقة يتبين له خطأ هذا التصور. فالإسلام يحث على توطيد هذه العلاقات الفطرية بين المخلوقات ويعمل على تقويتها ويشجع على أداء حقوقها، في حدود أهميتها النسـبية، ما دام ذلك يحقق لها السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة أو يحقق السعادة في الدنيا فقط بالنسبة للبعض، دون اصطدام بسعادة الآخر في الآخرة.([31]) ويؤكد هذه الحقيقة تكريم الإنسان عموما، ومراعاة حق الرحم، ومراعاة حقوق الروابط المكتسبة
رابطة الإنسانية:
لقد كرم الله البشر على كثير من المخلوقات عموما بصرف النظر عن معتقداتهم. يقول تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً.}([32])
بل، ويتعدى التكريم إلى الأموات وإن كانوا قد ماتوا على غير الإسلام فقد قام النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجِنَازَة. فَقِيلَ لَهُ إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ فَقَالَ أَلَيْسَتْ نَفْسًا؟"([33]) وماتت أم الحارث بن أبي ربيعة وهي نصرانية فشيّعها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.([34]) وأثبت الله أخوة الكافرين لمن جاءهم من الأنبياء، مثل: نوح، وهود، وصالح، ولوط وأقوامهم.([35]) كما أثبت الله المحبة الفطرية بين فئات متعددة من مخلوقاته، بصرف النظر عن كونها مخلوقات مكلفة أو غير مكلفة، وبصرف النظر عن معتقداتها ولغاتها وألوانها وأماكن وجودها أو تاريخ وجودها. ومن هذه المحبة الفطرية المحبة بين الزوجين، والمحبة بين الوالدين وأولادهما، والمحبة بين أفراد الأسرة الواحدة، ومحبة المتلقي للإحسان للمحسن إليه. وبما أن هذه المحبة فطرية، أي هي عنصر أساسي في تكوين الإنسان، فإن الأصل في العلاقة بين هذه الفئات أنها تعتمد على هذه المحبة، قبل أن تؤثر عليها الانتماءات المكتسبة (غير الفطرية).
نعم وحدانية الخالق صفة فطرية، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من مَوْلُودٍ إلا يُولَدُ على الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أو يُنَصِّرَانِهِ أو يُمَجِّسَانِهِ"([36]) ولكن التعاليم المفصلة: اليهودية أو النصرانية أو الإسلامية هي – بعد مجيء الإسلام - صيغ مكتسبة، تخضع لحرية الاختيار في الحياة الدنيا.
وأول ما يلاحظه الإنسان المنصف هو أن الإسلام يريد السعادة لجميع المخلوقات المكلفة (الجن والإنس)، إذ يقول تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}.([37]) فالإسلام رحمة تستحقها جميع المخلوقات المكلفة، لا ينبغي لأي مجموعة من هذه المخلوقات أن تحتكرها لنفسها. لهذا ينبغي على كل مسلم أن يدعو إلى الإسلام ولا يحتكره لنفسه بأي شكل من الأشكال. ومن أشكال الاحتكار أيّ نوع من السلوك، لم يأمر به الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، ويؤدي إلى نفور الآخرين من الإسلام.
ولهذا كان من حقوق الأخوة الإنسانية الموروثة وجوب دعوة الآخرين إلى ما فيه سعادتهم في الدارين، ولاسيما في الحياة الأبدية. فقد أوجب الإسلام على المسلمين دعوة الآخرين للمشاركة في هذا الخير، انطلاقا من مبدأ الانتماء إلى الإنسانية والانتماء إلى المخلوقات المكلفة. وأوجب على المسلمين الحرص في اتباع سنة نبي الهدى، وذلك بالدعوة بالحسنى وبالحكمة وبالموعظة الحسنة وبالرفق الذي قد يكون ممزوجا بالاستعطاف أحيانا.([38])
وقد كان من سنة أنبياء الله ورسله مناداة الكافرين بالألقاب المحببة إليهم. فمثلا يخاطب إبراهيم عليه السلام أباه فيقول بكل أدب:{يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً.}([39]) ويقول نوح عليه السلام لابنه الكافر بكل حنان{...يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ.}([40]) ويقول عيسى عليه السلام لبني إسرائيل{...يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ. فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ.}([41]) ويأمر الله سبحانه وتعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ.}([42]) ويروي سبحانه وتعالى عن مؤمن آل فرعون قوله{وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ.}([43]) ويخاطب النبي عليه الصلاة والسلام عمه "يَا عَمِّ قُولُوا لَا إِلَهَ إِلا اللَّه."ُ([44]) ويخاطب صفوان بن أمية وهو كافر بكنيته فيقول " انْزِلْ أَبَا وَهْبٍ."([45])
وبهذا يبدو من الواضح أن الإسلام يستحسن مناداة غير المسلمين المسالمين بالأسماء المحببة إليهم أو –على الأقل – بالأسماء التي لا تستثيرهم ضد الإسلام والمسلمين. فإذا كان الإسلام قد جعل للمؤلفة قلوبهم سهما في زكاة المسلمين فمن باب أولى مناداتهم بما يحبون من الأسماء تأليفا لقلوبهم.([46]) كما يقول سبحانه وتعالى:{وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ.}([47]) وقياسا عليه من المستحسن أن لا ننادي غير المسلمين بأسماء يكرهونها وإن كان في ظننا هي أفضل من التي يحبونها. فمثلا يحب كثير من النصارى تسميتهم بالمسيحيين بدلا من كلمة النصارى، مع أن الأخير أفضل في نظرنا، لأنها وردت في القرآن الكريم. أما المسيحية فاسم ينسبهم إلى المسيح بدلا من نسبتهم إلى دين الله.
ولعل من الأسماء المحايدة "الآخر" و"غير المسلمين" التي لم يرد تحريمها أو الإنكار عليها في الكتاب أو في السنة، وتندرج في المباح. كما أن كلمة "الكافرين" لم يرد فضل في استعمالها، وهي كلمة نسبية. فالمسلم بالنسبة للهندوسي كافر، والعكس صحيح.
حقوق الرحم:
من سنة نبي الهدى صلى الله عليه وسلم أن الاختلاف في العقيدة لم يمنعه من الوصاية خيرا بأهل مصر عموما في قوله: "إنكم سـتفتحون مصر،... فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمة ورحما." وذلك لأن هاجر أم إسماعيل عليهما السلام، الجد الأعلى للنبي صلى الله عليه وسلم، كانت من مصر. وكذلك كانت مارية مصرية. وهي إحدى أمهات المؤمنين، أنجبت له إبراهيم، رضي الله عنهما.([48])
كما صرح الرسول صلى الله عليه وسلم بحق الرحم رغم اختلاف العقيدة إذ يروي لنا عمرو بن العاص رضي الله عنه قوله عليه الصلاة والسلام: "إن آل أبي فلان... ليسوا بأوليائي، إنما وليّي الله وصالح المؤمنين، ولكن لهم رحم أبلها ببلالها." يعني أصلها بصلتها.([49]) بل، وصل النبي صلى الله عليه وسلم الرحم حتى في حالة العدو المحارب، حيث أذن لثمامة أن يبيع قريشا ما تحتاجه من الحنطة، عندما سألته قريش بحق الرحم أن يأذن له بذلك. وكان ثمامة سيد بني حنيفة قد حلف أن لا يفعل إلا أن يأذن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.([50])
وأُسِر أبو العاص ابن الربيع، زوج زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم، في غزوة بدر فأرسلت زينب تفديه بقرط كانت ورثتها عن أمها خديجة رضي الله عنهما، فأطلق لها الرسول صلى الله عليه وسلم زوجها الذي كان لا يزال على شركه.([51]) ولكن تم إطلاق سراحه بشرط إرسال زينب إلى أبيها فوفّى العاص بوعده. فأثنى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم بما يستحق -في إحدى المناسبات- إذ قال: "...أما بعد، فأنكحت أبا العاص ابن الربيع فحدثني وصدقني..."([52])
وأجاز النبي صلى الله عليه وسلم الأمان الذي أعطته أم هاني لمشركين من ذوي رحمها، عند فتح مكة.([53])
وانطلاقا من المبدأ نفسه أهدى عمر بن الخطاب لأخيه المشـرك ثوبا([54]) وذلك بالرغم من الحزم المعروف عن الخليفة الراشد في اتباع التعاليم الإسلامية، حتى أن الشيطان كان يهرب من طريقه.([55])
بل إن القرآن الكريم يصرح بحسن معاملة الوالدين المشركين في قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.([56]) ويقول تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ. وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.([57])
ولهذا أذن الرسول صلى الله عليه وسلم لأسماء رضي الله عنها بإكرام أمها عندما قدمت عليها في المدينة مع أنها كانت مشركة.([58]) ولهذا أيضا يقول رأي مرجح للفقهاء بوجوب النفقة على الوالدين حتى مع اختلاف الدين.([59]) ويرون أن غير المسلم يرث من الوقف العام لقريبه المسلم.([60]) وتتحرر الجارية التي تلد ولدا من سيدها بوفاة سيدها وإن كانت غير مسلمة.([61]) وهناك حالات يمكن فيها للزوج المسلم أن يحتفظ بزوجته رغم اختلاف العقيدة كما هو الحال بالنسبة للزوجة اليهودية أو المسيحية. وقد تبقى الزوجة على عقيدتها المختلفة عن عقيدة زوجها، ولكن لا يؤثر ذلك على حقوقها التي نص الإسلام عليها كزوجة محترمة وتستحق المودة والرحمة. ([62]) يقول تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.([63])
حقوق الروابط المكتسبة:
انطلاقا من مبدأ الأخوة الإنسانية كان الرسول صلى الله عليه وسلم يكرم أضيافه وإن كانوا غير مسلمين فقد سمح -من باب إكرام الضيف- مثلا لوفد نجران النصراني أن يؤدي صلاته في مسجده.([64]) وكذلك قال صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم غرس غرسا فأكل منه إنسان أو دابة إلا كان له صدقة".([65]) فهو يحث على عمل الخير بصرف النظر عن المستفيد منه. ويندرج تحت هذا كل مساهمة تؤدي إلى توفير الخير العام في البلد الذي يعيش فيه المسلم كمواطن أو مقيم، ما دامت المساهمة من المباحات في الإسلام.
وأوصى الإسلام برابطة الجوار خيرا، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه" دون تقييد أن يكون الجار مسلما أو غير مسلم.([66]) ويعلق العسقلاني علي الحديث مستدلا بالآيات التي توصي بالجار ذي القربى والجار الجنب فيقول: "الجار القريب المسلم والجار الجنب غيره." وفسّر أحد الصحابة رضوان الله تعالى عليهم هذا الحديث على وجه العموم "فأمر لما ذُبِحت له شاة أن يُهدي منها لجاره اليهودي". فالجار قد يكون غير مسلم ومع هذا يكون له حقا. فقد روى الطبراني قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الجيران ثلاثة: جار له حق وهو المشرك له حق الجوار، وجار له حقان وهو المسلم، له حق الجوار وحق الإسلام، وجار له ثلاثة حقوق مسلم له رحم، له حق الجوار والإسلام والرحم."
ومن الأدلة والأمثلة التي أشار إليها القرضاوي في هذا المعنى أن الرسول صلى الله عليه وسلم تصدق بصدقة على أهل بيت من اليهود، فهي تجرى عليهم. كما أشار إلى أن عمر ابن الخطاب رأى نصارى مجذومين فأمر لهم بمساعدة اجتماعية، واغتاله ذمي فلم يمنعه ذلك من أن يوصي بهم خيرا. ويرى بعض العلماء مثل عكرمة وابن سيرين جواز إعطاء فقراء أهل الذمة من الزكاة.([67])
ويؤكد القرضاوي بأن هذا التسامح إنما يصدر عن التعاليم الإسلامية التي تنص على كرامة الإنسان عموما وعلى حرية الاختيار في الدنيا وعلى أن المسلم ليس مكلفا بمحاسبة الكافرين على كفرهم.
وكل هذه أدلة دامغة على أن الإسلام يشجع التعايش السلمي بين جميع البشر والتعاون بينهم لتحقيق السعادة في الدنيا وفي الآخرة أيضا إن أمكن، وذلك بقبول الإسلام.
وقد يتساءل البعض: كيف يتعاون المسلمون مع غير المسلمين والقرآن الكريم يحذر من الكافرين أو غير المسلمين في آيات كثيرة بصيغة التعميم؟
المنهج القرآني والتعميم:
إن من يراجع الآيات القرآنية التي وصفت غير المسلمين يلاحظ أن المنهج القرآني يتجنب تعميم سلبيات غير المسلمين بطريقتين: مفردات التبعيض، والسياق. والأمثلة على ذلك كثيرة في القرآن الكريم.
أولا - قد يظهر التبعيض صريحا في القرآن الكريم في هيئة مفردات خاصة، منها: كلمة "طائفة"([68]) أو "فريق"([69]) أو "كثير"([70]) أو حرف "مِن" للتبعيض.([71])
ثانيا - قد يبدو مدلول الآية الواحدة عاما، ولكن بمجرد الرجوع إلى سياقها تنجلي الحقيقة ويزول التعميم. والسياق قد يكون لصيقا، لا يحتاج إلا إلى النظر في الآية أو الآيات التي تسبقها أو تليها مباشرة كما في قوله تعالى: {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ.}([72])
والسياق قد يكون طويلا ويبدو بعيدا كما هي الحالة بالنسبة لقوله تعالى: { (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ}.([73]) فسياقها يبدأ من الآية الثانية عشرة، حيث يحكي الله تعالى قصة البعض من اليهود والنصارى وما فعلوه بأنبيائهم وما يكيدونه للإسلام.
والسياق قد يكون مرتبطا بسبب النزول، لا يتضح بدونه كما في قوله تعالى:{سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ}.([74]) ويبدأ سياق الآية الآنفة الذكر من الآية التاسعة والثلاثين بعد المـائة حيث يبدأ التعليق على أحداث غزوة أحد التي كانت دفاعا وصدا للمشركين الذين جاءوا من بلادهم بخيلهم ورجلهم للقضاء على الإسلام.
ولهذا فإن الآيات التي قد تبدوا عامة في وصف عداوة الكفار من المشركين وأهل الكتاب، ينبغي فهمها في ظل سياقاتها. ومن هذه الآيات قوله تعالى: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ.}([75]) وقوله تعالى: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ}.([76]) إذا قلنا بالتعميم في هاتين الآيتين لوجب علينا إنكار جميع الآيات التبعيضية في القرآن الكريم والنصوص الصريحة في السنة الموثقة وإنكار الأخبار المؤكدة عن إسلام كثير من أهل الكتاب([77]) وعن الفئة المحايدة والمناصرة للمسلمين عبر العصور المختلفة وحتى هذا اليوم.
لهذا فإن النصوص التي تبدوا عامة في مدلولها يجب فهمها ضمن سياقاتها المباشرة وغير المباشرة. ومن سياقاتها -إضافة إلى الآيات الواردة قبلها أو بعدها- تلك الآيات التي تحدد القاعدة العامة في المسألة، وأسباب نزول الآية.
وما ورد من نصوص نبوية بخلاف القاعدة العامة فيجب فهمها – أيضا- في سياقاتها المناسبة وظروفها المناسبة، دون تعميم يؤدي إلى مصادمة القاعدة العامة التي تؤكد حرص نبي الإسلام الشديد على هداية كل المخلوقات المكلفة وإشفاقه عليهم بدون استثناء، حتى الذين كانوا يعادونه ويحاربونه.
وهذه القاعدة تنطبق على كل الأدلة التي ساقها ويسوقها المعارضون للقاعدة العامة.([78]) وهي قاعدة يغفل عنها كثير من المخلصين كما يستغلها كثير من أعداء الإسلام فيستشهدون بالآية أو ببعضها مجردة من سياقها الطبيعي للخروج بمعنى يعارض الحقائق الدامغة.
وقد يلاحظ على بعض المسلمين إطلاقهم عبارات مثل: "المؤامرات المسيحية أو الصليبية أو اليهودية" أو " المؤامرات الغربية" وغير ذلك مما فيه إطلاق للصفات الذميمة على مجموعة من الناس بأكملها وبدون استثناء.
ويظن هذا البعض عن حسن نية أنه -بهذا الأسلوب- يخدم القضايا الإسلامية وهو في الحقيقة يضر بها أكثر من أن يخدمها. فمثل هذه الأساليب قد تثير عواطف المسلمين ضد غير المسلمين جميعهم، ولكنها قلما تقلل من التعامل معهم؛ وقلما تحد من الشره في الإقبال على منتجاتهم. وهي في الوقت نفسه قد توقظ الأحقاد النائمة وتوغر صدور المحايدين في الصراعات التي كانت ولا تزال قائمة بين المسلمين والبعض الظالم من غير المسلمين. كما أن هذه الأساليب قد تضع المؤيدين للحق منهم في موضع التهمة من بني عقيدتهم، وتمدهم هذه التهم بمبررات للإحجام عن مساندة الحق ما دام أصحاب الحق لا يميزونهم عن الظالمين منهم.
ومن زاوية أخرى، فإن الناس يشتركون في كونهم جميعا من آدم وحواء، تتوفر فيهم بعض الصفات الفطرية مثل: كراهية الشر والظلم وحب الخير والعدل. فلا عجب إن تعاونوا في الخير أو تعاونوا على دفع الشر رغم اختلاف أديانهم وأوطانهم وأجناسهم ولغاتهم. فهناك فئات من غير المسلمين يحتفظون بهذه الفطرة بنسب متفاوتة. فكان منهم المحايدون مع رفضهم الإسلام لأنفسهم، بل وأحيانا مُعِينون للمسلمين بدافع هذه الفطرة ولاسيما، في حالة تعرض المسلمين للظلم أو لبعض الكوارث.
وانطلاقا من مبدأ التفريق بين المعادين والمسالمين فإن الإسلام عموما ضمن للمسالمين من غير المسلمين عددا من الحقوق في الإطار العام لقوانين الدولة الإسلامية التي ينتمون إليها. ومن هذه الحقوق الاعتراف بحقوق غير المسلمين في ممارسة عباداتهم، وتطبيق تشريعاتهم فيما يتصل بالشؤون المدنية مثل شؤون الزواج والطلاق والإرث وغيرها فيما بينهم. ومن هذه الحقوق الاعتراف لهم بما هو مباح من المأكل والمشرب في صميم عقيدتهم بشرط عدم ترويجها بين غيرهم.([79]) ولعل هذه الحقيقة واضحة في استمرارية المسيحية وازدهارها عبر العصور في البلاد التي تعاقبت عليها الحكومات الإسلامية منذ فجر الإسلام على مدى أربعة عشر قرنا. وهي حالة لم يحظ بها المسلمون في الدول غير الإسلامية إلا عندما أخذت العلمانية بزمام الحكم، فوضعت حق التشريع في يد الأغلبية، وتركت للأديان حرية العقيدة والعبادة، وجعلت الحقوق الشخصية، مثل لبس الحجاب، تحت رحمة الأغلبية.
وهذه الحقوق مضمونة ما دام غير المسلم يحترم القوانين العامة للبلاد الإسلامية ومعتقداتها، وما دامت ممارساته لديانته لا تشكل خطرا على سلامة الدولة التي يعيش فيها، أو ليس فيها ازدراء صريح لدين الأغلبية المسلمة، أو لا تُعتبر خرقا لقوانينها الأساسية العامة. وهذه الشروط الأخيرة طبيعية لأن المسلم في البلاد غير الإسلامية أيضا لا يستطيع تطبيق بعض تعاليمه الدينية الأساسية، مثل إقامة الحدود على المستحقين من بني عقيدته. ومع هذا فإن الإسلام يحثهم على أن يكونوا مواطنين صالحين في بلادهم التي يعيشون فيها أو يقيمون.([80])
محايدون ومساعدون:
من يراجع أحداث السيرة وأحداث التاريخ الإسلامي يجد أن غير المسلمين ليسوا جميعا محاربين للإسلام ولأهله، وليسوا جميعا ممن تنطبق عليهم الآيات التي نزلت في المعادين منهم.
فمن قرأ السيرة النبوية لا يخفى عليه ما بذله عم النبي صلى الله عليه وسلم أبو طالب في الدفاع عنه حمية لابن أخيه -الذي عادته قريش بسبب دينه- وبالتالي عن الإسلام.([81]) وإعارة صفوان بن أمية أدرعا له للمسلمين في غزوة هوازن، وهو على شركه، قصة معروفة.([82]) ونصح اليهودي ابنه بطاعة النبي صلى الله عليه وسلم عندما دعاه النبي إلى الإسلام وهو في حالة الاحتضار ثابتة في كتب السنة النبوية.([83])
كما أن بني هاشم دخلوا طواعية وحمية لبني عبد المطلب في الحصار الذي فرضته قريش على بني عبد المطلب مع أنهم كانوا في وقتها مشركين.([84]) ومساعدة بعض المشركين للمسلمين المحاصرين في الشعب بالطعام سرا، وقيام بعضهم بنقض صحيفة الحصار ثابت في السيرة.([85]) وعندما خذل أهل الطائف رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاد إلى مكة دخلها في جوار المطعم ابن عدي. فحفظها له الرسول صلى الله عليه وسلم رغم موته مشركا وقال في أسرى بدر: "لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النَّتنى لتركتهم له."([86]) وهو وفاء يليق برسول رب العالمين. وعندما أراد أبو بكر الصديق الهجرة أجاره ابن الدغنة الذي كان مشركا ومنعه من الخروج وقال له: "فإن مثلك لا يخرج ولا يُخرج. إنك تُكسب المعدوم وتصل الرحـم وتُعيل الكَلّ وتُكرم الضيف وتُعين على نوائب الحق."([87])
وثقة رسول رب العالمين في عبد الله ابن أريقط الذي كان مشركا لدلالة قوية على أن هناك فئة من الكافرين ليسوا فقط محايدين ولكن موضع ثقة في أصعب الظروف. فقد كان ابن الأريقط الدليل الذي استخدمه الرسول صلى الله عليه وسلم ورفيقه أبو بكر الصديق رضي الله عنه عند هجرتهما إلى المدينة متخفيان.([88]) كما استعان الرسول صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن أبي حدرد السلمي الذي كان يومها مشركا ليتجسس على جيش المشركين.([89]) وهذه درجة عالية من الثقة في مشرك.
ونصيحة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه المضطهدين بالهجرة إلى الحبشة وهي دولة مسيحية دليل آخر على وجود هذا النوع المحايد من غير المسلمين. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه المضطهدين: " لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكا لا يُظلم عنده أحد، وهي أرض صدق."([90]) لقد كانت نصيحته صلى الله عليه وسلم في مكانها فقد رحب بهم النجاشي في أرضه وردّ مبعوث قريش الذي جاء ليستعيدهم خائبا.([91]) كما اختارت خزاعة، مسلمهم ومشركهم، أن يكونوا حلفاء للمسلمين بعد انعقاد صلح الحديبية وشاركوا في فتح مكة.([92])
وفي الصين أثبت التاريخ أن كثيرا من حكام الصين من غير المسلمين كانوا يوقرون المسلمين من ذوي الكفاءة العالية والسيرة الحسنة ويعينونهم وزراء لهم ويمنحونهم سلطات واسعة.([93])
إن المسلم الذكي يجب أن يفوِّت على إبليس وأعوانه فرص إغوائه باسم الحماس للإسلام فيكون سببا في التنفير من الإسلام. وينبغي على المسلم أن يحرص على المثابرة والرفق في دعوة الآخرين إلى الهداية ما دامت هناك فرصة لهدايتهم، وأن يدعو لهم بالهداية ما داموا أحياء. وعليه أن ينتهز الفرص المناسبة لإثبات أن الإسلام رحمة للعالمين وخير لجميع المخلوقات المكلفة، ولكن بطريقة عملية، وليس بمجرد الكلام والدعاية اللفظية. فيقف –مثلا- إلى جانب من يخالفونه في الدين عندما تحل بهم الكوارث وتنزل بهم النوازل، وأن يكون الدافع إلى ذلك هو أن الإسلام رحمة للعالمين.
فالإسلام -بالتأكيد- لا يدعوا إلى التشفِّي والسرور لكارثة نزلت بغير المسلم، ما لم يكن محاربا. فمن أخلاق المسلم أنه إذا رأى مبتلى أن يحمد الله على العافية ليكون له حصنا من ذلك البلاء. ومن أشد البلاء -حسب اعتقاد المسلم - ما يكون في الدين.([94]) فتزكية النفس والكِبر منهي عنهما في الإسلام، وليس لأحد أن يعتقد بأنه قد ضمن لنفسه النجاة في الآخرة، ولكن اجتهاد ورجاء وخوف.([95]) وليس لأحد أن يتألّى على الله فيحكم على الآخرين بالنار ما دام فيهم رمق. فقد يختم الله لهم بالإسلام، ويختم له بغير ذلك، أعاذنا الله من ذلك. فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان. فقال الله عز وجل: من ذا الذي يتألىّ عليّ ألاّ أغفر لفلان؟ إني قد غفرت له، وأحبطت عملك".([96])
وبعبارة أخرى، فإن الإسلام يدعو إلى الصدق في تشخيص حال غير المسلمين ويدعو إلى التعامل مع كل حالة بالعدل والإنصاف.
فالمسلم يجب أن يكون منصفا، وصادقا يصف سلبيات الواقع وإيجابياته، حتى لا يتورط في تضليل الآخرين بتزويدهم بمعلومات مغلوطة. فبدون المعلومات الواقعية التي تتضمن السلبيات والإيجابيات، فإن التخطيط الذي سيُبنى عليه سيكون فاشلا، والأحكام التي تُبنى عليها ستكون جائرة.
وهناك عدد من المقتضيات تترتب على الإنصاف والصدق في الوصف ذات علاقة بالموضوع تستحق العناية بها والعمل بموجبها.
مقتضيات الصدق والإنصاف:
لعل من صميم مقتضيات الصدق والإنصاف عدم تعميم الصفات الذميمة للفرد على جميع سلوكه، أو تعميم الصفات الذميمة لبعض الأفراد على الجميع. ففي ذلك ظلم لا يجيزه الإسلام.
ومن أبرز صور الإنصاف والواقعية بين بني البشر أن لا يلقي المسلمون باللائمة -دائما- على غيرهم عند حدوث مشكلات لهم. فالله سبحانه وتعالى يؤكد بأن ما يصيب الإنسان إنما يحدث بما كسبت يداه، حيث يقول تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.([97]) كما يؤكد الله سبحانه وتعالى أنه لا يزيل نعمة أنعمها على عباده إلا أن يغيروا ما بأنفسهم من الطاعة إلى المعصية ومن الشكر إلى النكران، حيث يقول تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.([98]) إن هذا التوجه الذي يسود بين كثير من مسلمي اليوم وهو إلقاء اللوم دائما على الآخرين، إضافة إلى كونه غير منصف للآخرين فإن فيه تهمة للمسلمين بأنهم أشبه بالدمى التي يحركها الغير. وهي تهمة يرفضها المسلم العاقل.
ومن باب الإنصاف أن لا يتحرج المسلم من الثناء على عمل أو معروف قام به غير المسلم. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة حيث أشار بصيغة الثناء إلى حلف الفضول ومن دعا إليه، ومن أسدى إليه معروفا من المشركين مثل المطعم بن عدي، وأبا العاص ابن الربيع. كما أثنى على ملك الحبشة الذي استضاف المهاجرين من المسلمين.([99])
ومن دعائم الإنصاف أن يحترم المسلم العقود الصريحة والضمنية مع غير المسلمين. ولكن من المفروض أن لا يُخضع المسلم نفسه إلى العقود التي لا تحقق مصلحة مرجحة مباحة للمسلم.
ومن دعائم الإنصاف أن يرجو المسلم لغير المسلمين من الأحياء ما يرجوه لنفسه من الهداية فيدعو لهم بالهداية والرشاد كما هو مبدأ أنبياء الله جميعهم، بل وأن يبذل الوقت والمال والجهد لإقناعهم بالحق حتى تُكتب لهم السعادة في الدارين، وتبرأ ذمته ويكسب الأجر العظيم.
ومن دعائم الإنصاف التمييز بين الأصناف المختلفة من غير المسلمين والتمييز في طرق التعامل مع كل صنف.
أصناف غير المسلمين:
عندما ننظر في الواقع عبر التاريخ وإلى يومنا هذا نلاحظ أن غير المسلمين ليسو صنفا واحدا ولكنهم أصنافا متعددة. وعموما يمكن جعلهم في الأصناف الرئيسة التالية:
أولا – غير المسلمين المحايدين بموجب معاهدة. وهو حال الدول المعترف بها أعضاء في هيئة الأمم المتحدة المرتبطة بمجموعة من الأنظمة تحكم العلاقة بينها، مع ملاحظة التفاوت الكبير أحيانا بين المبادئ والتطبيق في الواقع. ([100]) ويضاف إليهم جميع الهيئات غير الرسمية أو الأفراد الذين لا يعادون الإسلام، وربما قدموا المساعدات للمسلمين خاصة عند وقوع الكوارث أو وقوع الظلم عليهم. وبهذا يتضح أن التقسيم الذي قام بتعميمه البعض، أي قسمة العالم فقط إلى دار إسلام، أو سلم، ودار كفر أو حرب غير صحيح، ومرفوض تماما. فقد تكون الدار التي يؤلف غير المسلمين أغلبية سكانها دار سلم، بل يقدمون مساعدة للمقهورين من المسلمين تفوق مساعدة كثير من البلاد "الإسلامية".
ثانيا - مخلوقات مكلفة لم تسمع بالإسلام أو لم تعلم بأن الدين عند الله الإسلام ولن يقبل غيره أو لم تصلها الدعوة بالطريقة المناسبة.
ثالثا - غير المسلمين المحاربين للإسلام علنا. وهذا لا يمنع من عقد هدنة معهم إذا رغبوا في ذلك؛ فقد تقود الهدنة في النهاية إلى سـلم دائم أو لا تقود. وحالة السلم في مصلحة الحق أكثر من حالة الحرب، وذلك لأن حالة السلم توفر البيئة المناسبة للحوار ولحل المنازعات بالطرق السلمية وتمنح الإنسان فرصة أفضل للتأمل في الحق والتعرف عليه. فقد كان صلح الحديبية سببا في تعرف كثير من القبائل على الإسلام والدخول فيه.([101])
ومن المعلوم أن جميع أسباب النزاع بين أصحاب الأديان ليست بسبب الاختلاف في الدين. فكلها إما نتيجة الحماس المفرط الذي لا يقره الدين من طرف، أو رد فعل عنيف على الدعوة الإسلامية من الطرف الآخر، أو استغلال لسماحة الطرف الآخر، تمليه المصلحة الشخصية ويتم فيه استغلال الاختلاف في الدين.
وصحيح أن الأصل في الإسلام هو الدعوة إلى الجنة دار السلام بالسبل السلمية ولكن الإسلام لا يقبل الذل والاستسلام. فهناك فرق كبير بين السلام والاستسلام. فالمسلم مطالب بأن يعتز بدينه وأن يعبِر عن هذا الاعتزاز بالطرق اللائقة التي لا تستفز المنصف، قدر الإمكان. والحد الأدنى من أشكال الاعتزاز هو أن يطبق المسلم الإسلام علنا في نفسه وفي من له سلطة عليهم -قدر المستطاع.
وبعبارة أخرى، المسلم مطالب بأن يقتدي برسول رب العالمين فيدعو غير المسلمين إلى الهداية، ويشفق عليهم ويدعو لهم بالهداية، حتى في حالة عدم الاسـتجابة للدعوة إلى الإسلام. والمسلم مطالب بأن يبذل شيئا من الجهد أو المال ليشرك غيره في نعمة الإسلام في حدود إمكاناته وفي حدود الفرص المتاحة له، ولكن بدون خداع أو إكراه بأي وسيلة. أما إذا اختار الآخرون موقف المحارب للإسلام والمسلمين فعلى المسلم أن يبذل قصارى جهده في الدفاع عن الإسلام. فهو مطالب بأن يدفع عن دينه ما أمكن بالوسائل التي تتناسب مع الظروف المختلفة، ومنها تلك الظروف التي يفرضها الطرف المعادي للإسلام، ولكن أن يبدأ الدفاع بالوسائل السلمية. فقد يكون الدفاع باللسان أو وسائل الإعلام المختلفة؛ وقد يكون باللجوء إلى المحاكم. أما إذا لزم الأمر إلى استخدام السلاح وكان لا مفر منه ومناسبا، فعليه أن يبذل جهده في حدود قدرته وبالطريقة المناسبة، في حدود ما أمر الله به.([102])
رابعا – فئة تحارب الإسلام في الخفاء وتتظاهر بالإسلام وهم المنافقون ومن على شاكلتهم. وهؤلاء أشد خطرا من المعلنين عداوتهم فينبغي لكل عاقل أن يحذر الوقوع في حبائل كيدهم، وأن يتعامل معهم بالحكمة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعامل بها معهم، ويجعل مؤامراتهم تنكشف أمام أنصارهم فيتخلوا عنهم.
الفصل الثالث
الولاء والبراء
كثيرا ما ترد كلمتا" "الولاء"" و"البراء" عند الحديث عن العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين فما هي مدلولات هاتين الكلمتين؟
كلمة الولاء:
تأتي كلمة "الولاء" ومشتقاتها في معاجم اللغة العربية بعدد من المدلولات. ومنها: الولِيّ بمعنى الناصر، والحليف، والوارث، ومن له سلطة، أي وِلِيّ الأمر. ويلاحظ أن المدلول الأساس للكلمة ولمشتقاتها هو وجود نوع من سلطة ووصاية لطرف على طرف آخر. ويمكن أن نطلق كلمة"مولى" و "ولي" على الطرفين.([103]) ويلاحظ أنه لا فرق بين الوِلاية بالكسر والوَلاية بالفتح في المعنى الأساس.([104])
وترد كلمة "الولاء" ومشتقاتها في القرآن والسنة بالمدلولات نفسها وتنقسم إلى نوعين رئيسيين:
أولا - الولاية التي هي لله؛ وهي تتفرع إلى قسمين:
1 - الله هو مدبر الكون وهو القاهر فوق عباده جميعا ولا ينفع أحد أحدا أو يضره إلا بإذنه تعالى. وقد جاء هذا المدلول في مثل قوله تعالى:{قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً}.([105])
2 - الولاية الخاصة بالمؤمنين وهي ولاية تتميز عن الأولى بأنها تتضمن مع السيادة والوصاية الرضاء الرباني وما يترتب عليه من الرعاية... وقد جاء هذا المعنى في قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ}.([106]) وقد تأتي هذه الولاية مشتركة بين الخالق وبعض المخلوقات المؤمنة والتي تحظى بالرضاء الرباني كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}.([107])
ثانيا - الولاية التي تكون بين المخلوقات. ويمكن جعلها في ثلاثة أقسام:
1 - ولاية متبادلة بين المخلوقات، أي أن كلا الطرفين وصي على الآخر وموصى عليه، في الوقت نفسه. وهذا النوع ينشأ برغبة وطواعية بين طرفين. وهي قد تكون بين المؤمنين كما في قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ...}([108]) وقد تكون موالاة بين المعادين للإسلام.([109])
2 - ولاية بين المخلوقات من طرف واحد، أي طرف سيد والطرف الآخر مسود. وذلك كما في قوله تعالى: {...إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون}.([110])
3 - ولاية بين المخلوقات نشأت بسبب ظروف قد تكون خارجة عن إرادة الطرفين. وتكون بين البشر لفضل بعضهم على بعض سواء أجاء الفضل الجزئي النسبي بالوراثة أو الاكتساب. ومثال ذلك ما ورد في قوله تعالى: {فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} أي صاحب الوصاية عليه.([111])
ومن جهة أخرى، فإن كلمة الولاية لا تتضمن بالضرورة المحبة القلبية والنصرة. فهما ليستا جزءا أساسا من مدلولها كما في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)}.([112]) فالآية تدل على إمكانية وجود حالة بين المؤمنين حيث لا شيء من الولاية للأغلبية المسلمة المستقلة على الأقلية التي لم تهاجر إلى حيث الأغلبية المستقلة. ومع هذا فإنه يجب على الأغلبية نصر هذه الأقلية في الدين. ولو قلنا بأن المحبة والنصرة جزء أساس من الولاية لما استقام المعنى. فعدم الهجرة مبرر لأن لا تكون للأغلبية ولاية (وصاية) ولكن ليس مبررا لنفي المحبـة وإسقاط واجب النصرة في حالة الاستنصار في الدين بشروطها. ويؤيد هذه الحقيقة قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنما الولاء لمن أعتق"([113]) فحق الولاء لمن أعتق المملوكة بصرف النظر عن المشاعر التي يتبادلها الطرفان.
كما يتضح من الآيات المتعددة أن الشفاعة([114]) والوقاية([115]) والإرشاد([116]) والعِشرة الخالصة([117]) ليست من المدلولات الأساسية للولاية. والمتأمل في الأحاديث النبوية ينتهي إلى النتيجة نفسها.([118])
كلمة البراء:
تأتي كلمة البراء المشتقة من كلمة "برأ" والمشتقات الأخرى لها بمعنى أبدع الشيء من العدم، وتأتي بمعنى شُفي من المرض، أو سلم من العيوب أو الدَّين. والملاحظ أنه يمكن حصر المدلول الأسـاس في "الانفصال عن الشيء"، سواء أكانت تهمة أو عيبا، أودَينا، أو عن الأصل المختلف كما في أبدع.([119])
ولا تخرج هذه الكلمة عن المدلولات نفسها في القرآن والسنة والتي يمكن حصرها فيما يلي: إبداع الشيء من العدم([120]) والإشفاء من المرض([121]) ونفي التهمة أو العيب([122]) ونفي العلاقة بين مجموعتين من المخلوقات([123]) ونفي العلاقة بين المخلوقات ذوات الحياة (مثل الإنسان) وبين شيء معنوي محدد (مثل الكفر).([124])
ويلاحظ أن كلمة "البراء" لا تتضمن -بالضرورة- العداوة والبغضاء لمن يقوم بشيء يستوجب البراءة. فالأصل فيها –كما هو واضح في المدلولات السابقة- هو نفي الصلة أو قطعها مع الشيء المتبرئ منه إن كانت موجودة من قبل. ويسند هذا الاستنتاج ما يلي:
1_ تخصيص البراءة مما يعمله كل فريق في قوله تعالى:{وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ}.([125])
2 – التفريق بين البراءة من المعتقد، والبراءة من صاحب المعتقد، فقد أضيفت الأخيرة إلى الأولى، في قوله تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ...}([126]) لقد أضيفت البراءة مما يعبدون إلى البراءة من عابديها باعتبارهما أشياء مستقلة، فالبراءة من الفعل لا تقتضي البراءة ممن يقوم به دائما.
3 – إضافة العداوة والبغضاء في جملة جديدة إلى التبري، وإضافة البغضاء إلى العداوة، وذلك باعتبارها أشياء مستقلة، أي وجود احدها لا يلزم وجود الأخريات، وذلك في الآية السابقة: {...كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء...}
أما ربط إبراهيم -عليه السلام- إزالة حالة التبري والعداوة والبغضاء بالإيمان فذلك لأن الآخرين بدؤوه والمؤمنين بالعداوة بسبب دعوته إلى الحق، فإذا ءامنوا زال سبب البراءة والعداوة والبغضاء تلقائيا. ويؤيد ذلك عبارة "بدا بيننا وبينكم العداوة" (أي أن العداوة أصبحت متبادلة)؛ وهي تختلف في مدلولها عن "نعاديكم أبدا حتى..." (أي من جهة المؤمنين فقط).
ليس هذا فحسب، فالأصل أن يكون الشعور تجاه الكافر هو الإشفاق. وقد يصل الإشفاق إلى درجة الجزع، مثل إشفاق النبي صلى الله عليه وسلم على من رفضوا رسالته. فعاتبه الله على جزعه، حيث يقول تعالى:{فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا}.([127])
وقد يكون الشعور هو المحبة الفطرية، بسبب غير اختياري مثل القرابة أو إحسان أحد الأطراف على الآخر، ولم ينكر الله سبحانه وتعالى على نبيه محبته لعمه أبي طالب الذي دافع عنه وبالتالي عن الإسلام، كما في قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}.([128]) ولا يمكن تأويل الآية بأن الرسول كان يحب لعمه الهداية فقط. فهذه تهمة لا نقبلها على النبي صلى الله عليه وسلم. فهو عليه الصلاة والسلام كان يحب الهداية لكل المخلوقات المكلفة. ولكن لعمه مكانة خاصة؛ فقد كفله يتيما ودافع عنه نبيا ورسولا. والرسول صلى الله عليه وسلم إن منح عمه نوعا من الحب فإنما يفعل ذلك في حدود ما يأمر الله به ويأذن به من الوفاء ومن صلة الرحم.
وقد يكون الشعور تجاه الكافر المودة والرحمة بسبب اختياري، مثل رابطة الزوجية. فقد أثبت الله سبحانه وتعالى للحياة الزوجية المودة والرحمة بالفطرة، مع أن الزوجة قد تكون كافرة من أهل الكتاب. يقول تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.([129]) ويشبِّه كلا من الزوجين بالنسبة للآخر بالمأوى الذي يلجأ إليه الآخر جسميا ونفسيا ليجد الراحة والطمأنينة.([130]) والروابط المكتسبة كثيرة، ومنها رابطة الجيرة، والزمالة، والصداقة التي لها حقوقها الخاصة، وإن كانت الرابطة الدينية أعلاها وأكثرها حقوقا، لأنها تؤثر على الحياة في الدنيا وفي الآخرة.
فهذه أدلة متضافرة على ضرورة التفريق بين البراءة من الأشخاص والبراءة مما يعملون، والتفريق بين البراءة، والبغض، والعداوة، بصفتها أشياء مستقلة.
ومع هذه الأدلة المتضافرة فإن البعض يقول بأن البراءة من الكافرين أصل من أصول الدين وأن البراءة تعني البغض والعداوة، ولكن الإسلام أيضا يحث على حسن التعامل مع الكافرين غير المعادين وبرهم.([131]) إن هذا القول الذي يجمع بين الأضداد، يعارض كلام رب العالمين ويتعارض مع المبادئ العقدية والأخلاقية الراسخة. ومن هذه المبادئ ضرورة مطابقة القول والسلوك الظاهر للإيمان الموجود في القلب، وإلا فإن الأمر يُعد نفاقا، وأن الصدق مع الله يقتضي الصدق مع البشر.
نعم، يجوز في الحالات الاضطرارية الاستثنائية أن يتقي المسلم الكافر المعادي للإسلام والمسلمين، في حالة ضعف المسلم، ولكن بإخفاء شعور البغض، وليس بإظهار عكسه. ([132]) وهذه حالة استثنائية خاصة بالمعادين الأقوياء لا تنطبق على حالة الكافر المسالم أو المساند للمسلمين. فالإسلام والفطرة السليمة ترفض النفاق، أي أن يظهر الإنسان المعاملة الحسنة ويبطن عكسه. ولا يليق بالمسلم أن يتهم رب العزة والجلال بأنه يأمر عباده بالتقرب إليه بالنفاق؟
يضاف إلى ذلك لو تأملنا في معاجم اللغة لمدلول كلمة "العداوة" لوجدناها تعني نوعا من السلوك يمثل الظلم والجور، أي أنه فعل أو قول،([133]) وتختلف عن البغض الذي يعبر عن الشعور والموقف النفسي. وبعبارة أخرى، يمكن افتراض الجمع بين البغض الذي يكون مخفيا في القلب وحسن المعاملة الظاهرة في السلوك، ولكن يستحيل الجمع في وقت واحد بين الظلم والجور وإن كان نسبيا، وحسن المعاملة.([134])
وكما نلاحظ، فإن الآية الثانية من سورة الممتحنة، نفسها، لم تترك صفة "عدوي وعدوكم"مبهمة إذ بينت المقصود بالعداوة بقوله تعالى: {إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ.}
ويتضح مما سبق، ومن خلال ممارسات الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده، والمسلمين إلى يومنا هذا أن البراءة -ابتداء - إنما تكون من كفر الكافرين، والمعادين منهم فقط، ولا يندرج تحتها كثير من أشكال التعامل، ومنها ما يلي:([135])
- زواج المسلم من الكتابية.
- التعامل مع غير المسلمين فيما فيه مصلحة متبادلة كالبيع والشراء، والشراكة مثل شراكة عثمان بن عفان رضي الله عنه واليهودي في البئر، وشراكة عبد الرحمن ابن عوف وأمية ابن خلف([136]) وجميع الاتفاقيات التي تحقق للإسلام والمسلمين مصلحة مؤكدة. ويجب الوفاء بها فنصوص القرآن والسنة كثيرة في ضرورة الوفاء بالعهود والعقود وفي التعامل العادل.([137])
- أكل المباحات من طعام غير المسلمين، والشرب من شرابهم ما لم يرد فيه نص بالتحريم، والسكنى في ديارهم، ولبس ثيابهم، واستعمال سلاحهم، وكافة منتجاتهم غير المحرمة، والانتفاع بخبراتهم ومهاراتهم في الطب وغيره، مثل اتخاذهم طبيبا أو مستشارا أو مصدر معلومات موثقة. والاستفادة من علومهم في أمور الدنيا([138]) وتلقِّيها عنهم، أو العمل لديهم.
- التعامل معهم بلطف وبإشفاق، إلا في حالات خاصة، مثل الاضطرار إلى معاقبتهم على الخيانة والتآمر مع العدو. وفي هذه الظروف يأتي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعدم بدء الكافرين بالسلام...التي قام الكثير بتعميمها، بسبب الغفلة عن سياقها. فالنبي عليه الصلاة والسلام أمر به، عندما كان ذاهبا إلى بني النضير لمعاقبتهم على خيانتهم العهد الذين كان بينهم وبين المسلمين، وعلى الغدر.([139])
العلاقة بين الولاء والبراء:
مما سبق يمكن القول بأن انعدام الولاء لا يعني بالضرورة البراء. فالأمر ليس إمـا ولاء أو براء، ولكن هناك حالة متفاوتة بينهما؛ قد يكون لا مبالاة؛ وقد يكون إشفاقا. وليس هذا فحسب، ولكن الولاء قد يكون محمودا وقد يكون مذموما، والبراء كذلك. فالولاء لله ولرسوله وللمؤمنين محمود، والولاء للشيطان ولحزبه مذموم. ومن جهة أخرى فإن البراءة من الشيطان وأعوانه محمودة، وأما البراءة من الله ورسوله والمؤمنين فمذمومة.
وأما المحايدون والمساندون للمسلمين فيمكن منحهم شيئا من الوصاية في الأمور الدنيوية (المعلم، والطبيب والخبير...) ومحبتهم في الحدود المشروعة. وقد أثبت الله في كتابه العزيز محبة الرسول صلى الله عليه وسلم لعمه.([140]) ولعل الرسم التالي يوضح هذه المسألة:
:------:-------:===========:------:------:
البراءة من الشيطان وحزبه |
ولاء لله ولحزبه |
موقف محايد |
ولاء للشيطان وحزبه |
البراءة من الله وحزبه |
الجمع بين الضدين:
لقد اتضح معنا سابقا بأن الموالاة لا تقتضي المحبة، وأن البراءة لا تقتضي البغض والعداوة، وثبت لدينا أن الله يحب المقسطين، ولا ينهانا عن البر والقسط بغير المعادين من الكافرين. ومع هذا فهناك من يصر على ضرورة العداوة والبغضاء لغير المسلم، فيضطر إلى الجمع بين ضدين. وبعبارة أخرى، فإن هذا البعض يحاول الجمع بين شعورين أو سلوكين متضادين، ويضرب مثالا على ذلك معاقبة من يشرب الخمر والإشفاق عليه ومساعدته ليقلع، والإشفاق على القطة إذا دهستها سيارة، مع كراهية القطط عموما. وينسى هذا البعض ضرورة التفريق بين الشعور الأصلي، والسلوك الاستثنائي الاضطراري، في حالة شارب الخمر، والشعور المتأصل في النفس، والشعور الطارئ في حالة القطة المدهوسة. وبعبارة أخرى، لم يجتمع الشعور الأصلي مع الحدث الطارئ في وقت واحد، ولكن طغى الطارئ على الأصل مؤقتا.
ولمزيد من التوضيح يمكن القول بما يلي:
1 - الحب ليس نوعا واحدا، بل درجات متفاوتة: حب الله الذي يجمع بين الخوف والرجاء، وحب النبي، وحب الصحابة، وحب الأم، وحب الوالدين، والزوجين... ([141]) وأدناها الإشفاق.
2 – الشعور السلبي تجاه الأشياء أو لأشخاص: يمكن أن يقال عنها أنها درجات متفاوتة، أدناها الكراهية التي تقتصر على إنكار الشيء، ثم البغض والحقد والضغينة، والعداوة التي تجمع بين الشعور في القلب والتعبير بالتعامل المحسوس. كما يلاحظ أن الشعور السلبي تجاه الفعل لا يقتضي الشعور نفسه تجاه الفاعل، بل قد يكون شعورا إيجابيا يتمثل في الشفقة عليه. ومثاله شعور بعض من يقوم بالمعاقبة تجاه الشخص المعاقَب، سواء أكان الوالدان، أم المعلم أم المسئول عن المعاقبة في الدولة. فأي نظام سياسي واجتماعي متكامل ينبغي أن لا يخلو من العقوبات التي تقوم بالتربية والتدريب على الانضباط لصالح المستحق للعقوبة وللمجتمع الذي يعيش فيه، بخيره وشره.
3 – المعاملة أو السلوك أيضا يتدرج من السلوك الإيجابي، مثل الإحسان والبر، والمعاملة الحسنة، والإنصاف والعدل، وينتهي بلا تعامل، أي منطقة محايدة. ثم تبدأ المعاملة السلبية من اللامبالاة، النفور، التعامل بكراهية، التعامل باحتقار أو قسوة، عداوة متبادلة، وقد تتطور إلى المقاتلة بالسلاح وإزهاق النفس.
4 - الجمع بين شعورين متضادين أو تعاملين متضادين، في وقت واحد، فمستحيل. ولكن من الممكن، أن يتنازع الإنسان شعوران متضادان بصورة متبادلة: مرة هذا، ومرة تلك، وربما بسرعة لا يدركها إلا المدقق في الانتباه. وكذلك الأمر بالنسبة للجمع بن تعاملين متضادين، في وقت واحد، فهو مستحيل، في الواقع. وإذا افترضنا إمكانية تناوبهما، أحيانا بسرعة، فإن النتيجة أن الطرف الآخر سيقف مشدوها، أو سيظن أن في عقل من يعامله بتلك الطريقة لوثة.
5 - يمكن الجمع بين تعامل سلبي، وشعور إيجابي، وهذا ما يفعله الوالدان مع أولادهما أو المعلم مع طلبته أو الجهات الأمنية مع المخالفين. وهو جمع محمود ما لم يتجاوز الحدود المقبولة، أو يؤدي إلى نتائج سلبية. أما الجمع بين شعور سلبي وسلوك إيجابي فهو غير محمود، وذلك لأنه يندرج تحت النفاق.
الموالاة المحرمة:
إن المتأمل في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وممارسات خيار المسلمين عبر العصور: علمائهم وحكامهم، يخرج بما يلي:
أولا - لا يجوز للمسلم أن يجعل للكافر ولاية (وصاية) عامة عليه. فالولاية العامة ستؤثر على أمور الدنيا والدين، وغير المسلم يختلف مع المسلم فيما يتعلق بأمور الآخرة. وقد حصر الإسلام هذا الولاء في الله سبحانه وتعالى وفي رسوله والمؤمنين الذين يقيمون الصلاة ويؤدون الزكاة ويكثرون من الصلاة النافلة، وذلك في قوله عز وجل: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ.}([142]) ولقوله صلى الله عليه وسلم –كما تقدم معنا- "إن آل أبي فلان... ليسوا بأوليائي، إنما وليِّ الله وصالح المؤمنين، ولكن لهم رحم أبلها ببلالها."([143])
ثانيا - تحريم اتخاذ أولياء ممن يعادون الإسلام وأهله من أجل إسلامهم ([144]) أو يهزؤون بأحدهما.([145])
ثالثا - يحظر اتخاذ غير المسلمين أولياء على سبيل التفضيل وعلى حساب الإسلام والدعوة، إليه والدفاع عنه، أو على حساب المؤمنين.([146]) وذلك لأن حب المسلم لله ولرسوله ينبغي أن يكون فوق كل شيء.
رابعا - في جميع الحالات لا يتخذ المسلم غير المسلم خليلا، أو صديقا يؤثر على حياته في الآخرة، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: "الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل."([147])
وعلى وجه العموم فإن المنهي عنه هو اتخاذ المسلم المعادين من غير المسلمين أولياء طواعية. فقد تكون الولاية قهرية في مثل حالة القرابة (الأب الكافر وابنه القاصر) أو في حالة الحاكم والمحكوم.
الفصل الرابع
التعامل والتعاون مع غير المسلمين
انطلاقا من قوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير.}([148]) فإن الطبيعة البشرية تقتضي الاختلاط بين بني آدم، مع اختلاف لغاتهم ومعتقداتهم... ولهذا كان من الطبيعي أن يختلط المسلمون بغيرهم ويتعاملوا معهم، بل ويجب أن يختلطوا بهم لدعوتهم إلى الإسلام. ومن أشكال التعامل والتعاون: السكنى في بلاد غير المسلمين، العمل مع حكومتهم، والاستعانة بهم، ومساعدتهم، والتحاور معهم.
السكنى في بلاد الكافرين:
كان الرسول صلى لله عليه وسلم يبايع في بداية وجوده في المدينة على الهجرة. ([149]) ثم نسخه بقوله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية. فإذا استنفرتم فانفروا."([150]) ويقول ابن تيمية بجواز السكنى في ديار غير المسلمين.([151]) ويقول بعض العلماء ([152]) بأن حكم الإقامة في بلاد غير المسلمين ينقسم إلى ثلاثة أصناف:
1 - محظورة على من يخشى الفتنة على دينه، مثل التهاون في أداء العبادات الواجبة أو التهاون في الحلال والحرام.
2 - مأذون به لمن لا يخشى الفتنة وتحقق له هذه الإقامة مصلحة مشروعة.
3 - واجبة على القادرين على الدعوة إلى الإسلام وتعليمه بشرط أن يقوموا بهذا الواجب.
أما في حالة عدم إمكانية ممارسة العبادات فالهجرة واجبـة –في حدود الممكن- إلى حيث يمكن للمسلم ممارسة عباداته، وليس شرطا أن تكون الهجرة إلى دولة إسلامية فقد يتعذر ذلك في هذا العصر. لهذا تجوز الهجرة إلى دولة غير مسلمة أخرى، تفتح باب الهجرة إليها وتسمح بحرية العبادة.([153])
وقد يسأل البعض ماذا عن عمل المسلم مع الحكومة غير المسلمة.
العمل مع الحكومة غير المسلمة:
إن الإسلام لا يمنع المسلم من العمل في حكومة الأكثرية غير المسلمة ما دامت الوظيفة لا تقتضي بالضرورة ارتكاب محرم. وقد يظن بعض المسلمين من الأقليات التي تعيش في بلاد أغلبيتها من غير المسلمين أنه –مثلا- لا يجوز ترشيح نفسه عضوا في المجالس التشريعية التي تأخذ برأي الأغلبية، لاحتمال إصدارها تشريعات تخالف الإسلام. والأصل أن يبرهن المسلم على أنه عضو نافع في مجتمعه بصرف النظر عن ديانة الأغلبية ويثبت أن دينه الإسلام يحث على التعاون في تحقيق العدل والخير العام بتأييد القرارات التي فيها خير ومباحة في الإسلام، وفي بذل الجهد في مقاومة ما فيها شر أو تخالف الإسلام بمعارضتها والعمل على إفشالها.
ومن قال أن جميع الحكومات التي أغلبية سكانها مسلمون يطبقون جميع التشريعات الإسلامية الأساسية، مثل الحدود؟ إن الواقع يفرض على المسلمين الاشتراك في مثل هذه المجالس حتى يتمكنوا من إسماع الجهات ذات النفوذ أصواتهم ومن تعريفهم بمصالحهم والدفاع عنها. فالفرصة في رعاية مصالح الأقلية من داخل هذه المجالس وخارجها أفضل بكثير من رعايتها من خارجها فقط. فقد تكون الأغلبية محايدة بالنسبة لبعض القضايا التي تهم المسلمين فيمكن للأقلية المسلمة في المجالس التشريعية من إقناعها وتحقيق النصر على الفئة التي تتبنى الرأي المخالف للإسلام أو المتحيزة.
وروى لي أحدهم أن مجموعة من المسلمين اشتركوا في مظاهرة عنيفة كانت ضد رواية تافهة تسبب حماس بعض المسلمين في الترويج لها عن غير قصد. وانتهت المظاهرة إلى الاصطدام مع قوات الأمن. ولولا عناية الله ثم وجود عضو مسلم في المجلس الذي كان في يده مصير قادة المتظاهرين لما نجوا من عقوبة الإعدام. وذلك لأن اعتراضا واحدا كان كافيا لعرقلة قرار الإعدام الذي يشترط الإجماع.
وقد يسهم المسلم الواحد في إقناع الأغلبية ببعض التشريعات التي تطـابق التعاليم الإسلامية أو لا تخالفها، ليس بصفتها إسلامية ولكن بصفتها أكثر فعالية وأكثر صلاحا للأغلبية. ولو قمنا بدراسة واقعية لوجدنا أن نسبة الأنظمة واللوائح التي تصدرها المجالس التشريعية العلمانية وتخالف التعاليم الإسلامية لا تمثل إلا نسبة محدودة في الغالب.
وحتى بالنسبة للوظائف التنفيذية فإن وجود المسلمين فيها يسهم بصورة واضحة في التعرف على احتياجات الأقليات المسلمة وتوفيرها، وفي صدور القرارات التنفيذية الإيجابية بالنسبة للأقلية ولحكومة الأكثرية معا. فالقرارات المبنية على المعلومات الصحيحة قد تكون محققة لمصلحة الطرفين أكثر. وهؤلاء المسلمون يمكنهم أن يكونوا حلقة وصل نافعة، إما لاتخاذ القرارات العادلة أو لتنقية العلاقات من شوائب النفور والبغضاء الناتج عن غياب الاتصال والحوار بين الطرفين. كما يمكن المساهمة في تيسير الاحتياجات والحقوق المشروعة للمواطن المسلم.
والمسلم الذكي أو النشط أو الحكيم بالمساهمة الفعالة في الوظائف العامة أو الخاصة إنما يسهم في تحقيق مصالحه الشخصية وتحقيق مصالح غيره من المواطنين الذين يشاركونه الخدمات العامة والرفاهية والأمن ...
وقد ينسى أو يتجاهل البعض أن أول دولة دستورية متعددة القوميات (مهاجرون، أنصار، يهود) والديانات (مسلمون، يهود، وثنيون)، يتساوى فيها المواطنون وتأخذ بمبدأ الأغلبية كانت في المدينة المنورة قبل أربعة عشر قرنا. وكان لها دستورها الذي يحفظ حقوق جميع المواطنين.([154])
الاستعانة بغير المسلمين:
يلاحظ عموما جواز الاستعانة بغير المسلمين فتبادل المصالح الدنيوية معهم ليس إلا نوعا من الاستعانة بهم.
وقد استعان بهم الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث استعار أدرعة من صفوان بن أمية في غزوة هوازن، وهو على شركه، واستعان بعبد الله ابن الأريقط في هجرته. كما استعان الرسول صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن أبي حدرد السلمي الذي كان يومهامشركا ليتجسس على جيش المشركين. ونصح النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه المضطهدين باللجوء إلى الحبشة وهي دولة مسيحية.([155])
وأما عن رفض الرسول صلى الله عليه وسلم، مثلا، في غزوة بدر الاستعانة بأحد الكافرين، فذلك لأنه كان رجلا واحدا. فما عسى أن يفعل إلا أن يُخذِّل عن المسلمين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لنعيم ابن مسعود عندما أسلم وعرض المساعدة.([156]) وهذه فرصة لا تتوفر دائما، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحرص على إسلام ذلك الكافر منه على مساعدته.
وما ينطبق على تبادل المساعدة، فإنه ينطبق على تبادل الهدايا. فقد كان النبي صلى الله عه وسلم يتبادل الهدايا مع كبار المسئولين من غير المسلمين. وما ثبت من رفضه الهدية من بعض الأفراد، فهو من باب الحرص على إسلام من يريد التقرب إليه، ما دام ذلك محتملا. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكافئ المحسن منهم، ويثني عليه.([157])
وتجوز الاستعانة بغير المسلمين فيما يحقق مصلحة محققة أكبر من الخطر المحتمل من هذه الاستعانة عموما. وأما عند الضرورة فقد يصبح مثل هذا التعاون مرجحا، ومثاله حالة الدفاع عن النفس ضد عدو مشترك داهم. وذلك لأن ضرورة الدفاع عن النفس في حالة الخطر الداهم، وخشية غلبة العدو لم تمنع الرسول صلى الله عليه وسلم من عرض ثلث ثمار المدينة على غطفان بشرط الرجوع عن مهاجمة المسلمين. وقبيلة غطفان كانت فرقة من جيش الأعداء المهاجم، أي بينها وبين المسلمين حرب معلنة.([158])
وقد تراجع الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذا العرض عقب استشارته لأصحاب هذه الثمار، قبل إبرام الاتفاقية حيث أكد أصحاب الثمار تفضيلهم الموت دون الإسلام على التنازل للكافرين الذين لم يكونوا ليطمعوا في ثمارهم قبل أن يعزهم الله بالإسلام، ولم يكن النصر مستحيلا لأن الأسلحة في ذلك الزمان متعادلة. أما اليوم فيمكن للجبان الواحد في مكان محصن أن يفتك بالآلاف من الناس بضغط إزرار واحد.
وهذه الحقيقة نفسها تفرض على المسلمين ضرورة العمل على توفير ما يستطيعون من الأسلحة الضرورية واكتساب ما يستطيعون من مهارة الدفاع عن أنفسهم ودينهم وأوطانهم. وعلى مجتمعاتهم تمكينهم من ذلك وحثهم عليه تحت ضوابط جيدة تحد من خطر سوء استخدام السلاح. وذلك لأن أسلحة اليوم أيسر استعمالا، وأسرع فتكا وأكثر ضحايا. فقد يتساهل بعض الناس في استخدام هذه الأسلحة الفتاكة أويستعجل في استخدامها لتحقيق رغبات أو أطماع شخصية مما يؤدي إلى تهديد أمن الفرد والمجتمع.
ولعل من مصلحة المسلمين اليوم خاصة الانضمام إلى الأمم المتحدة والدخول في كثير من الاتفاقيات الدولية والإقليمية والثنائية والالتزام بها وإن لم يلتزم بها بعض الأعضاء، ولاسيما بعد أن أصبح ما يشبه نظام الغاب هو الذي يسيطر على النظام العالمي اليوم بسبب التفوق العسكري والاقتصادي لبعض الدول.([159])
والسؤال: هل يستطيع المسلمون اليوم الاستغناء عن غير المسلمين حتى المعادين لهم؟ فغالبية المسلمين يعتمدون على الآخرين في كثير من مجالات الحياة الدنيا: في المأكل والمشرب، والملبس ووسائل المعرفة والمواصلات وحتى وسائل الدفاع عن النفس وكرامتها.
هذا بالنسبة للاستعانة بغير المسلمين فماذا عن مساعدة المسلمين لغير المسلمين؟
مساعدة المسلمين لغير المسلمين:
حياد المسلمين في حالة الحرب بين غير المسلمين أمر طبيعي، ولكن لا يمنع الإسلام من نصرة غير المسلمين أو الدولة غير الإسلامية المظلومة من قبل دولة غير إسلامية أخرى، وقد يحث على ذلك. فالإسلام يشجع جميع الجهود التي تنصف المظلوم. فقد أثنى الرسول صلى الله عليه وسلم على حلف الفضول الذي تعاهدت فيه عدد من القبائل على نصرة المظلوم والأخذ بحقه، وقال: "لو دعيت به في الإسلام لأجبت".([160]) وساعد الرسول صلى الله عليه وسلم الإراشي الذي كان مشركا للحصول على حقه من أبي جهل.([161]) فالإسلام يدعو إلى منع الظلم حتى لو كان الظالم مسلما بقولـه صلى الله عليه وسلم "انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا. فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ. أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا. أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قَالَ تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ ." ([162]) فحياد المسلمين في حالة الحرب بين غير المسلمين أمر طبيعي، ولكن لا يمنع الإسلام من نصرة غير المسلمين أو الدولة غير الإسلامية المظلومة من قبل دولة غير إسلامية أخرى، وقد يحث على ذلك. فالإسلام يشجع جميع الجهود التي تنصف المظلوم. وهذا الأمر –على وجه العموم- محكوم بالظروف، مثل المعاهدات والموازنة بين المصالح والمخاطر.( [163])
توفير الظروف الودية:
يندرج تحت جميع المبادئ السابقة في التعامل أن الإسلام يشجع على توفير العلاقة الودية بين الإخوة في الإنسانية، ولاسيما الذين يشتركون في العيش في وطن واحد أو يكثر التعامل بينهم. ويُسخِّر لذلك الوسائل العديدة، ويبيح استعمالها ما لم تؤثر بطريقة سلبية على المسلم أو المسلمة، مثل أن تجعله ينحرف عن التعاليم الإسلامية المتعلقة بالعقيدة أو السلوك.
وعلى سبيل المثال، منح رب العالمين مكانة خاصة لأهل الكتاب: فأجاز الأكل من طعامهم وذبائحهم، إلا أن تكون حرمتها منصوصا عليه؛ وأجاز الزواج من المحصنات من إناثهم، وأذن بالصلاة تجاه بيت المقدس، قبل أمرهم بالتوجه إلى البيت الحرام. ولم ينكر الله تعالى على المسلمين فرحتهم بانتصار الروم الذين هم من أهل كتاب، على الفرس الذين يعبدون النار.([164]) ومثاله جعل لتأليف قلوب غير المسلمين جزءًا من زكاة المسلمين.([165]) ومن الأمثلة البارزة أيضا لوسائل تأليف القلوب إذن النبي صلى الله عليه وسلم لوفد نجران أداء صلاتهم في مسجده، أي مسجد المسلمين.([166]) وعندما سب أحد المسلمين بعض أموات الكافرين من أقرباء بعض المسلمين قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فلا تسبوا موتانا فتؤذوا أحياءنا."([167]) وقام لجنازة يهودي.([168])
وكل هذا ليس اعترافا من الله ونبيه بدياناتهم وإقرارا لهم على معتقداتهم، بعد أن جاء الإسلام، ولكن توفيرا للظروف الذهنية والنفسية اللازمة للتأمل في الحق بذهن صاف، يتحرر من الضغينة أو من التحيز.
وانطلاقا من هذه الحقائق والمبادئ، أباح بعض العلماء تهنئة غير المسلمين بأعيادهم، تأليفا لقلوبهم، وتمهيدا لدعوتهم إلى الإسلام.([169]) ويمكن القياس على فعل النبي، صلى الله عليه وسلم، أن ينوب المسلم زميله في العمل لتمكينه من الاحتفال بعيده، واستجابة المسلم لدعوة جاره أو صديقه غير المسلم بحضور الحفل الذي ليس فيه طقوس دينية أو أنشطة محرمة في الإسلام قطعا، ويأمن فيه المسلم من التورط في اعتقاد أو قول أو فعل محرم.
وهذا يختلف عن احتفال المسلم بأعياد غير المسلمين طواعية، باعتبارها عيدا ومناسبة للترويح، وسواء أكانت المشاركة فردية أو أسرية أو رسمية. فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعليقا على احتفال أهل المدينة في الجاهلية بيومين "قد أبدلكم الله بهما خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر."([170]) ولقول عمر ابن الخطاب: "لا تعلموا رطانة الأعاجم ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فإن السخطة تنزل عليهم."([171]) يلاحظ أنه من الضروري فهم القول المنسوب إلى عمر رضي الله عنه أن المقصود ب "لا تدخلوا على المشركين..." هو المشاركة للمتعة وليس مجرد الحضور لضرورة المجاملة، وتأليف القلوب. أما بالنسبة لتعلم "رطانة الأعاجم" فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم زيدا بتعلم لغة اليهود.([172]) وليس هناك أي نص في القرآن أو السنة يمنع العرب من تعلم اللغات غير العربية أو يلزم غير العرب بتعلم العربية. وإذا كانت العربية هي لغة القرآن والسنة وأهل الجنة، فإن على من يريد تأهيل نفسه لاستنباط الأحكام من الكتاب والسنة أن يتقن العربية. وبالتأكيد لا يحتاج من يستحق دخول الجنة إلى تعلمها في الحياة الدنيا.
وكثيرا ما يتساءل البعض عن الحوار بين الأديان، فما حكمه في الإسلام؟
الإسلام والحوار بين الأديان:
قد يتخوف بعض أصحاب الديانات من الحوار مع ممثلي الديانات الأخرى، معتقدين بأن ما يسمى "الحوار بين الأديان" هو نوع من التنازل. فهل هذا صحيح؟ إن من يحضر مؤتمرا واحدا أو ندوة واحدة حول هذا النوع من الحوار سيكتشف أن الأمر ليس كذلك. وأقول الحوار بين ممثلي الأديان لأن الحوار بين أصحاب الأديان المختلفة نشاط بشري موجود منذ وجود ديانات متعددة. ويتميّز "الحوار بين الأديان" عن غيره لأن ممثلي الأديان يمثلون فئات من الناس يتوزعون في طبقات المجتمع الواحد كلها، وينتشرون في بلاد متعددة. أما ممثلي الشعوب أو الدول فهم –غالبا - لا يمثلون سوى القيادات أو الدول. "وعموما يمكن تصنيف الحوار "بين الأديان"، أو –على الأصح-بين أصحاب الأديان، ومنها بين ممثليها في أربعة أصناف:([173])
1. الاعتراف المتبادل بصحة جميع ديانات المشتركين في الحوار. وهذا النوع يرفضه أصحاب الديانات ذات الطبيعة الدعوية مثل المسيحية والإسلام. ويندرج في هذا الصنف جميع الجهود المشتركة التي تروج لديانة الطرفين معا، وإن كانت بغير قصد منهما. ومثال ذلك اتفاق الطرفين على إصدار مجلد واحد يضم الكتب المقدسة لديهما والعمل على ترويجه معا. فهذا العمل نوع من المبالغة في المجاملة، قد يفسد العلاقة بين الأطراف المعنية أكثر من تعزيزها، فضلا عن إثارة التشويش بين أصحاب الديانتين. وأما بيوت العبادة المشتركة فقد يرى البعض أنها مرهونة بنية المساهم في إقامتها والحاجة إلى التعاون في تخصيص مكان للصلاة، ثم نية المصلي فيها. فقد سمح الرسول صلى الله عليه وسلم لوفد نجران النصراني بأداء صلاتهم في مسجده.([174]) و"ََكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه يُصَلِّي فِي الْبِيعَةِ إِلَّا بِيعَةً فِيهَا تَمَاثِيلُ. "([175])
2. الاعتراف المتبادل بوجود هذه الديانات في الواقع وبضرورة التعامل مع الاختلافات بينها والتحاور للوصول إلى طريقة للتعامل مع هذه الاختلافات، يحقق السلام لجميع الأطراف، ويحقق التعاون في الأمور المشتركة.
3. محاولة كل صاحب دين إقناع الآخر بما يعتقد أنه الدين الذي يحقق السعادة في الدنيا والآخرة. ولو تأملنا في جميع الجهود الدعوية للرسل عليهم الصلاة والسلام لوجدنا أن المبادرة بالدعوة ليست إلا الخطوة الأولى للحوار. وهو واجب الرسل كلهم، وواجب كل المؤهلين للدعوة إلى الحق. فالحوار بين أصحاب الأديان المختلفة فرصة طيبة للدعوة إلى ما يعتقد كل طرف أنه الحق، في جو يسوده الود وصفاء الذهن مما يهيئ الفرصة المناسبة لأن يتفكر كل محاور فيما يعرضه المحاور الآخر عليه. والإسلام يحث على ذلك فمثلا، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: "فَو َاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ الله بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لك من أَنْ يَكُونَ لك حُمْرُ النَّعَمِ."([176]) وهذا يعني أن المسلم لديه فرصة استثمارية عظيمة يحقق بها كسبا أعظم من أي كسب دنيوي، وهو أن يكون سببا في هداية الكافر. فالكافر هو رأس المال في هذه العملية الاستثمارية. والمسلم إما أن يتجاهل هذه الفرصة، أو أن ينتهزها. وهو إما أن يحب الخير لرأس ماله، ويخلص النية ويحسن التعامل ويبذل الجهد الصادق ، في حدود المشروع، ليسلم فيضمن الكسب العظيم. وهو إما أن يحتقر رأس ماله، ويبغضه أو يتعامل معه بالنفاق، ونفره من الإسلام فيضمن الخسارة الكبيرة.
4. حوار تلقائي مدمج في المعاملات التي تجري في الحياة اليومية بين أصحاب الديانات المختلفة، ويستخدم فيه الطرفان وسائل التعبير اللفظية وغير اللفظية، عن قصد أو بطريقة عفوية.
والحوار بين أصحاب الأديان عموما يسهم في ما يلي:
1 - التعرف على نقاط الاختلاف، وكل طرف مسؤول عن اختيـاره. ثم الاتفاق على طريقة للتعامل معها إذا لزم الأمر، مثل ضرورة دعوة كل طرف الآخر إلى دينه. فيكون هناك اتفاق على أن لا يستخدم أحد الأطراف الوسائل غير الأخلاقية في الدعوة. ومن الوسائل المنافية للأخلاق استغلال الوضع السيئ للمدعو، والكذب والخداع، والإكراه بأي طريقة كانت، وتشويه الحقائق بدلا من الاقتصار على إثباتها كما هي. فالله خالق الكون في غنى عن هذه الوسائل الدنيئة لنشر هدايته بين خلقه، إن كانت الدعوة إلى دين الله الحق.
2 – التعرف على نقاط الاتفاق والتعاون فيها وهي كثيرة لا حصر لها كما سبق البيان. فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: " الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ."([177])
وبعد أن عرفنا المقصود ب "الحوار بين الأديان" فإنه يبدو واضحا أن الحوار نافع في الدعوة، ولكن لا ينصح أن يدخل فيه إلا من كانت معلوماته عن دينه جيدة وقدراته في الحوار جيدة. أما المناظرة مع أصحاب الديانات الأخرى فتحتاج إلى مهارات إضافية، مثل إجادة فن الحوار أو المناظرة؛ ولا ينصح بها لأن روح التحدي يسيطر عليها وتولد التحدي والعداوة، وتبادل السباب. ولم يكن السباب يوما سندا مشروعا للحق، وعلى المسلم بذل الجهد، وترك أمر الرافضين لدعوته إلى الله مرجعهم. يقول تعالى: {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْم.ٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}.([178])
ولهذا فإن الأصل هو الاقتصار على الحوار والتوقف عنده، وإذا تحول الحوار إلى المناظرة أو دخلته المساومة على المبادئ الأساسية، فالأفضل إنهاء الحوار على أساس: {... لكم دينكم ولي دين}.([179])
خلاصة البحث
استنادا إلى البحث الأصلي في الموضوع وفي ضوء ما سبق تضمينه في متن هذا الكتاب يتبين لنا عدد من الحقائق تتمثل في النقاط التالية:
أولا. القاعدة الأساسية في العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين هي أن الأصل في الإسلام أنه يدعو إلى السلام الشامل في الدنيا والآخرة. ولكنه يحث المسلمين على التعاون مع الغير لتحقيق السلام المحدود في الدنيا حتى إذا رفضوا التعاون لتحقيق السلام الذي يشمل الحياة الأبدية في الآخرة. والسلام هنا يعني أن يعمل كل فرد على إسعاد نفسه والآخرين، ولكن بدون إكراه لهم على ما يعتقدون أنه الخير. فالتعامل بين المختلفين هنا هو تعامل بين الأنداد وليس بين وصي وموصى عليه.
وبعبارة أخرى، فإن الإسلام لا يُكرِه المخلوقات المكلفة على الحق، ولكنه يحثها على قبوله والالتزام بتعالميه، ويكافئ من ينجح في إقناع الآخرين به. والتكليف مبني على ثلاثة أركان: 1) وجود معايير تميز بين الحق والباطل تتمثل في التعاليم الربانية، 2) توفر القدرة اللازمة على فهم هذه المعايير وتطبيقها، 3)حرية الاختيار بين الحق والباطل المكفولة للمخلوق المكلف في فترة الاختبار. وبدون توفر هذه الشروط لا يكون المخلوق مؤهلا للتكليف والمحاسبة على قراراته وسلوكه في هذه الحياة.
وهذا الاتجاه إلى السلم لا يعني أبدًا التنازل عن الثوابت واسـتسلام المسلم لغير المسلم الظالم والتخاذل أمامه، ولكن عليه التعامل معه بما يتناسب مع أقصى قدراته والظروف المحددة التي يفرضها الواقع ومنها ما يفرضه المعتدي. ولا تقتصر وسائل الدفاع على الوسائل العنيفة، ولكن تشمل اللجوء إلى القانون وإلى المنصفين من ذوي النفوذ والدعاء.
ثانيا. انطلاقا من القاعدة الأساسية، ينقسم غير المسلمين إلى: معادين، أو مساندين للمسلمين، وبين الفئتين جماعات متفاوتة في الحياد.
ثالثا. انطلاقا من القاعدة العامة، فإن الإسلام يشجع على تعزيز الروابط المختلفة الموروثة والمكتسبة بين المخلوقات المكلفة مادامت تلك الروابط تحقق للإنسانية الخير في الدنيا بدون تفريط بخير الآخرة بالسبة للمسلم، أو تحقق الخير في الدارين للجميع.
رابعا. انطلاقا من القاعدة العامة، فإن الإسلام يدعو إلى الإنصاف وإلى الصدق والدقة في الوصف، وتجنب تعميم بعض سلبيات الفرد على سلوكه كله، أو تعميم أخطاء بعض الأفراد على المجموعة كلها. ويقضي بالاعتراف بحقوق وواجبات كل صنف من المخلوقات المكلفة والتعامل معه بالطريقة المناسبة والحدود المناسبة.
خامسا. امتدادا للقاعدة العامة فإن النصوص الواردة في العداوة وفي القتال وفي الولاء والبراء جاءت متسقة مع القاعدة العامة لأن الولاء لا يقتضي المحبة والنصرة. ولا تقتضي البراءة من الفعل البراءة من فاعله، ولا يقتضي وجود البراءة وجود العداوة أو البغضاء. وتجتمع البراءة مع العداوة أحيانا في حالة المعادين للإسلام. وقد يبدو على بعض النصوص ذات العلاقة شيئا من التعميم، يزول بمجرد الرجوع إلى سياقاتها الخاصة أو العامة، مثل القاعدة العامـة ومجموعة النصوص التي تسندها. والقضية ليست قضية ولاء أو براء ولكن هناك درجات متفاوتة الحياد بينهما؛ قد يكون لا مبالاة، أو إشفاقا ورحمة. فالولاء مجرد تسليم الزمام لمن يكون للمخلوق وليا طواعية أو كرها. والبراءة قد تكون من فعل محدد، ولا تستوجب تلقائيا البراءة من فاعلها أو عداوته، أو بغضه، أو قتاله. وهناك براءة قد يصحبها الإشفاق أو الكراهية. وهناك ولاء في الأمور الدنيوية قد يصحبه بعض درجات المحبة، يمكن منحها لغير المسلم. وهناك ولاء عام يشمل أمور الدنيا والآخرة لا ينبغي أن يكون إلا لله سـبحانه وتعالى ولحزبه.
سادسا. يشجع الإسلام على التعاون بين المسلمين وغيرهم، مثل طلب المساعدة من المسالمين منهم ومساعدتهم، وتبادل الهدايا معهم. ويجيز الإسلام للمسلم الإقامة في البلاد غير الإسلامية ما دام يملك حرية ممارسة دينه، ويحثه على أن يكون مواطنا مسلما صالحا، ويسهم في سعادة الآخرين في الدنيا والآخرة، قدر استطاعته، وتوفير الظروف الودية، دون تعريض حياته الأبدية إلى الخطر.
سابعا. يشجع الإسلام الحوار بين أتباع الأديان المختلفة وممثليها للتعارف بينهم، ولتنمية التعاون بينهم في الأمور الدنيوية المشتركة الكثيرة، وللدعوة إلى الحق. فدعوة الأنبياء أقوامهم إلى الدين القويم ليس إلا خطوة أولى في الحوار.
هذا، والله أعلم، وأسأله التوفيق والسداد في الأمور كلها وفي الظروف كلها، وأن يجزي كل من أسهم في إنجاز هذا العمل خير الجزاء.
قائمة المراجع
القرآن الكريم.
الإبراهيم، موسى إبراهيم، حوار الحضارات وطبيعة الصاع بين الحق والباطل: دراسة تحليلية على ضوء مفهوم الولاء والرأي في الإسلام (الأردن: دار الإعلام 1423هـ).
ابن حبان، صحيح ابن حبان، محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي بترتيب ابن بلبان، تحقيق شعيب الأرنؤوط ط2 (بيروت: مؤسسة الرسالة 1414هـ).
أبو زهرة، محمد، العلاقات الدولية في الإسلام: مقارنة بالقانون الدولي الحديث (بيروت: مؤسسة الرسالة 1401).
أبو مليح، د. رجب، المشاركة في أعياد غير المسلمين: رؤية فقهية، إسلام أون لاين.
أحمد، الإمام أحمد بن حنبل، مسند الإمام أحمد، تحقيق شعيب الأرناؤوط وآخرون (بيروت: مؤسسة الرسالة 1416).
أحمد، بن حنبل، الفتح الرباني لترتيب: مسند الإمام أحمد بن حنبل ومعه كتاب بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني، تأليف أحمد عبد الرحمن البنا (بيروت: دار إحياء التراث 1361هـ).
الأرنؤوط، شعيب، محمد نعيم العرقسوسي، عادل مرشد، إبراهيم الزيبق، محمد رضوان العرقسوسي، كامل الخراط، مسند الإمام أحمد بن حنبل (بيروت: مؤسسة الرسالة 1416).
إسماعيل، سعيد، كشف الغيوم عن القضاء والقدر (الرياض: دار الندوة العالمية للشباب الإسلامي 1417).
المنيع، عبد الله بن سليمان، جريدة المدينة يوم الأربعاء في 1/2/1432هـ/2/1 هـ 2011/01/05
آل مبارك، قيس بن محمد، عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، جريدة عكاظ الصادرة يوم الخميس 17/1/1432 هـ.
الأمم المتحدة، ميثاق الأمم المتحدة والنظام السياسي لمحكمة العدل الدولية (نيويورك: مكتب الإعلام العام).
أنيس، إبراهيم، و عبد الحليم منتصر، عطية الصوالحي، ومحمد خلف الله أحمد، المعجم الوسيط ط 2(ــــ دار إحياء التراث العربي ــــ).
أيوب، حسن، الجهاد والفدائية في الإسلام ط2(بيروت: دار الندوة الجديدة 1403).
ابن القيم الجوزية، أحكام أهل الذمة، تحقيق وتعليق صبحي الصالح ط3 (بيروت: دار العلم للملايين 1983).
ابن القيم الجوزية، زاد المعاد في هدي خير العباد (بيروت: مؤسسة الرسالة 1399).
ابن القيم الجوزية، هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى، تحقيق محمد أحمد الحاج (دمشق: دار القلم 1416هـ).
ابن تيمية، أحمد، مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية، جمع وترتيب عبد الرحمن محمد الحنبلي، قاسم العاصمي النجدي (الرياض: الجامع نفسه 1398).
ابن منظور، أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم (الأفريقي المصري)، لسان العرب (بيروت: دار صادر 1412).
ابن هشام، السيرة النبوية لابن هشام، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد (بيروت: دار الجيل 1975).
البخاري، محمد إسماعيل، صحيح البخاري، تعليق وشرح أحمد بن على بن حجر العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ترقيم وتصحيح ومراجعة محمد فؤاد عبد الباقي، ومحب الدين الخطيب وقصي محب الدين الخطيب (القاهرة: دار الريان للتراث 1407).
البيهقي، أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر، سنن البيهقي الكبرى، تحقيق : محمد عبد القادر عطا (مكة المكرمة: مكتبة دار الباز 1414).
الترمذي، محمد بن عيسى أبو عيسى السلمي، سنن الترمذي، أحمد محمد شاكر وآخرون (بيروت: دار إحياء التراث العربي ---).
تشينغ شي، تشونغ، كل شيء عن الصين (بكين: دار النشر باللغات الأجنبية 1988).
الحلبي، علي بن برهان الدين، السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون ( ___: دار المعرفة ___).
رابطة العالم الإسلامي، المجمع الفقهي، بيان مكة المكرمة 1423.
الزحيلي، وهبة، آثار الحرب في الفقه الإسلامي: دراسة مقارنة ط2 (القاهرة: دار الفكر 1385هـ).
سعد، طه عبد الرؤوف، السيرة النبوية لابن هشام (بيروت: دار الجيل 1975.
الصالح، صبحي، منهل الواردين شرح رياض الصالحين (بيروت: دار العلم للملايين 1389).
الصعيدي، عبد المتعال، الحرية الدينية في الإسلام ط2 (القاهرة: دار الفكر العربي ــــ).
صيني، سعيد إسماعيل، الإسلام والحوار بين الحضارات، (ندوة الحوار بين الحضارات دمشق: 1423).
صيني، سعيد إسماعيل، تأصيل الحوار من المنظور الإسلامي (مسودة بحث لتقديمه في مؤتمر "ملتقى خادم الحرمين الشريفين في أمريكا" المنعقد في واشنطن العاصمة بين 7-8 مارس 2003.
صيني، سعيد إسماعيل، حقيقة العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين (بيروت: مؤسسة الرسالة 1420هـ).
صيني، سعيد إسماعيل، التعامل النبوي مع غير المسلمين (بحث مقدم لجائزة نايف للسنة النبوية، في الدورة الخامسة 1430).
صيني، سعيد إسماعيل، كيف نشرك غير المسلمين في نعمة الإسلام؟ (الهفوف: الندوة العالمية للشباب الإسلامي 1423).
الطبري، أبو جعفر بن جرير، جامع البيان عن تأويل القرآن، تحقيق محمود محمد شاكر وأحمد محمد شاكر (القاهرة: دار المعارف بمصر 1969).
الطريقي، عبد الله إبراهيم علي، الاستعانة بغير المسلمين في الفقه الإسلامي (الرياض: المؤلف 1409).
الطريقي، عبد الله إبراهيم علي، التساهل
الطريقي، عبد الله إبراهيم علي،الولاء والعداء في علاقة المسلم بغير المسلم (الرياض: مؤسسة الجريسي 1411).
العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ترقيم وتصحيح ومراجعة محمد فؤاد عبد الباقي، ومحب الدين الخطيب وقصي محب الدين الخطيب (القاهرة: دار الريان للتراث 1407).
الفوزان، صالح فوزان، الولاء والبراء في الإسلام (الرياض: دار الوطن للنشر 1411).
القاسم، خالد بن عبد الله، الحوار مع أهل الكتاب (الرياض: دار المسلم 1414هـ).
القحطاني، محمد سعيد، الولاء والبراء في الإسلام ط5 (مكة المكرمة: دار طيبة 1412).
القحطاني، محمد سعيد، مقتطفات من كتاب الولاء والبراء في الإسلام ط5 (مكة المكرمة: دار طيبة 1412).
القرضاوي، يوسف، غير المسلمين في المجتمع الإسلامي (بيروت: مؤسسة الرسالة 1405).
مالك، مالك بن أنس أبو عبد الله الأصبحي، موطأ مالك، تحقيق محمد عبد الباقي (القاهرة: دار إحياء التراث العربي ---).
المباركفوري، أبي العلا محمد عبد الرحمن ابن عبد الرحيم، تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي (بيروت: دار الكتب العلمية 1410).
المدخلي، ربيع بن هادي عمير، صد عدوان الملحدين وحكم الإستعانة على قتالهم بغير المسلمين (المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية 1411).
مسلم، أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، صحيح مسلم، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي دار إحياء الكتب العربية 1374).
مولوي، فيصل، الأسس الشرعية للعلاقات بين المسلمين وغير المسلمين (باريس: الندوة العالمية لشباب الإسلامي 1408).
الندوي، أبو الحسن علي الحسني، السيرة النبوية ط8 (جدة: دار الشروق 1409).
النووي، محي الدين يحي ابن شرف، رياض الصالحين، شرح صبحي الصالح بعنوان "منهل الواردين شرح رياض الصالحين" ط5(بيروت: دار العلم للملايين 1977).
ونسك، أ. ي.، و ي. ب. منسنج، المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي (ليدن: مطبعة بريل 1969).
([1]) إسماعيل، كشف الغيوم عن القضاء والقدر.
([2]) سورة الأنبياء: 107؛ وانظر تعليق ابن تيمية على هذه الآية مجموع ج1: 305-306.
([3]) سورة البقرة: 256.
([4]) سورة البقرة: 119، العنكبوت: 18، يونس: 99.
([5]) سورة الممتحنة: 8-9؛ وانظر الصعيدي لمجموعة من الآيات الأخرى ص 20-24.
([6]) أنظر مثلا: الطبري الذي يذكر بأن سبب النزول كتاب ابن أبي بلتعة إلى المشركين في مكة بنية الرسول
صلى الله عليهم وسلم في فتح مكة. ويؤكد أن الآية غير منسوخة مستدلا بقصة أسماء التي قدمت عليها
أمها المدينة وهي كافرة فأذن لها النبي بإكرامها.
([7]) سورة المائدة: 8.
([8]) سورة الممتحنة: 7؛ وانظر تعليق ابن تيمية على هذه الآية، مجموع ج10: 305-306.
([9]) سورة الحجرات: 13.
([10]) البخاري: فضائل الصحابة، مناقب علي.
([11]) مسلم: ج4: 2162.
([12]) البخاري: الأدب، من ترك صبية ج5: 2235؛.
([13]) مسلم: سقوط الذنوب، سعة رحمة الله ج4: 2109
([14]) أحمد: سند المكثرين من الصحابة ابن حبان، صحيح ابن حبان 2: 395.
([15]) سورة الرحمن: 60.
([16]) انظر مثلا: ابن القيم، زاد ج3: 309-310؛ والندوي ص 280-283؛ مولوي ص 23- 31.
([17] ) الشيء الذي يسبق الجهاد قد تكون الشهوات. وعلى المسلم أن يقاومها برفض الاستسلام لها سواء أكان
ذلك لتجنب الوقوع في المحظور أو للحصول على مزيد من الخيرات.
([18]) ابن القيم، زاد ج3: 6 وانظر الصفحات 5-9.
([19] ) سورة الأنبياء : 69.
([20] ) صحيح البخاري: الإجارة.
([21] ) الترمذي: القدر.
([22]) البخاري: الجزية، الموادعة.
([23]) انظر ابن هشام، وابن القيم، زاد المعاد ج3.
([24] ) صيني، حقيقة العلاقة ص 27-42.
([25]) سورة التوبة: 5، 29، وانظر السورة وصف المعادين من المشركين ومن أهل الكتاب والمنافقين منهم؛
والصعيدي ص 25-52، والزحيلي، آثار ص 106-124؛ وصيني، حقيقة العلاقة ص 26-50.
([26]) سورة التوبة: 4-13.
([27] ) صيني، حقيقة العلاقة ص 42-46.
([28]) البخاري: الجهاد والسير، ابن القيم، أحكام أهل الذمة ج2: 417-419.
([29]) الأنفال: 61-62.
([30]) النساء: 71، وانظر 102.
([31]) انظر الطريقي، الاستعانة ص 23-31.
([32] ) سورة الإسراء: 70.
([33]) صحيح البخاري: الجنائز، من قام لجنازة يهودي.
([34]) القرضاوي ص 43-54.
([35]) سورة الشعراء : 106، 124، 142، 161؛ العطار ص 62-66.
([36]) صحيح البخاري: الجنائز، إذا أسلم الصبي.
([37]) سورة الأنبياء: 107.
([38]) سورة النحل: 125. وانظر صيني، كيف نشرك.
([39]) سورة مريم: 42.
([40]) سورة هود: 42.
([41]) سورة الصف: 6.
([42]) سورة آل عمران: 64.
([43]) سورة غافر: 41. وانظر الآيات من 28-44.
([44]) الترمذي: تفسير القرآن رقم 3156.
([45]) مالك: النكاح 997.
([46]) سورة التوبة: 60.
([47]) سورة الأنعام: 108.
([48]) مسلم: فضائل الصحابة، وصية النبي؛ وانظر الصالح ج1: 254-255.
([49]) البخاري: الأدب، تبل الرحم.
([50]) البخاري: المغازي، وفد بني حنيفة؛ ابن القيم، زاد ج3: 277.
([51]) العسقلاني: ج7: 107، وانظر ابن القيم، زاد ج3: 282.
([52]) البخاري: فضائل الصحابة، ذكر أصهار النبي.
([53]) البخاري: الجزية، أمان النساء.
([54]) البخاري: الأدب، صلة الأخ المشرك.
([55]) البخاري، فضائل الصحابة، مناقب عمر.
([56]) سورة العنكبوت: 8.
([57]) سورة لقمان: 14- 15.
([58]) البخاري: الأدب، صلة الوالد المشرك.
([59]) انظر ترجيح ابن القيم بعد نقاش مفصل، أحكام أهل الذمة ج2: 417-419.
([60]) ابن القيم، أحكام ص 302-305.
([61]) ابن القيم، أحكام ص 317.
([62]) فالإسلام يجيز للمسلم الزواج بالكتابية، وإن كان لا يجيز زواج المسلمة بغير المسلم لأن المرأة أضعف الطرفين في
شركة الزوجية وهذا قد يؤدي إلى انحراف الأطفال عن الإسلام، دين رب الأسرة والمسؤولعنها أدبيا وماليا…
([63]) سورة الروم: 21.
([64]) ابن القيم، زاد ج3: 629.
([65]) البخاري: الأدب، رحمة الناس والبهائم.
([66]) البخاري: الأدب، الوصاية بالجار. وبقية الباب وتعليق العسقلاني ج10: 455-457.
([67] ) القرضاوي ص 43-54.
([68]) سورة آل عمران: 69، 72؛ النساء: 81.
([69]) سورة البقرة: 75، 100، 101؛ آل عمران: 100؛ النور: 47-49.
([70]) سورة البقرة: 109؛ المائدة: 66، 71.
([71]) سورة آل عمران: 75، 113؛ التوبة: 98-99.
([72]) سورة التوبة: 97-99؛ وانظر آل عمرا: 110-112 وسياقها المباشر من 113-115.
([73]) سورة المائدة: 51-52.
([74]) سورة آل عمران: 151.
([75]) سورة البقرة: 120؛ وانظر السياق من الآية أربعين.
([76]) سورة البيقرة: 145.والآية امتداد للآية السابقة.
([77]) انظر مثلا ابن القيم، هداية الحيارى، تحقيق الحاج ص 256-295.
([78] ) سورة البقرة: 190- 193؛ سورة التوبة: 123؛ سورة الأنفال: 36-39، سورة الحج: 39-40؛ سورة آل
عمران: 173؛ تفسير ابن كثير؛ البخاري: الإيمان، فإن تابوا؛ مسلم: الجهاد، تأمير الإمام؛ العسقلاني ج8: 160-
16؛ 121؛ ؛ أحمد: الموسوعة، المكثرون من الصحابة، عبد الله بن عمر، الحديث رقم 5114-5؛ الأرنؤوط
وآخرون ج9: 122-126.
([79]) انظر مثلا ابن القيم أحكام أهل الذمة للحقوق المختلفة والالتزامات.
([80]) رابطة العالم الإسلامي، المجمع الفقهي، بيان مكة المكرمة.
([81]) سعد ج1: 238-243.
([82]) سعد ج4: 62.
([83]) البخاري: الجنائز، إذا أسلم الصبي؛ ابن القيم، أحكام ص 200-202.
([84]) سعد ج2: 3.
([85]) سعد ج2: 17-21، 32-40.
([86]) البخاري: فرض الخمس، ما من النبي؛ وانظر تعليق العسقلاني على الحديث.
([87]) البخاري: مناقب الأنصار، باب هجرة النبي.
([88]) البخاري: مناقب الأنصار، هجرة النبي؛ وانظر العسقلاني ج7: 280.
([89]) سعد ج4: 62.
([90]) سعد ج1: 280.
([91]) البخاري: مناقب الأنصار، هجرة الحبشة وانظر العسقلاني ج7: 227-230؛ ابن هشام ج 1: 280-
291؛ والندوي ص 131-135.
([92]) المدخلي ص 47، ابن القيم، زاد ج3: 395.
([93]) انظر مثلا تشينغ شي ج 2: 80-82.
([94]) الترمذي، الدعوات، ما يقول إذا رأى مبتلى؛ وانظر تعليق المباركفوري.
([95]) انظر مثلا:سورة النساء: 49؛ سورة النور: 21؛ سورة النجم: 32.
([96]) مسلم: البر، النهي عن تقنيط الإنسان من رحمة الله.
([97]) سورة الروم: 41.
([98]) سورة الأنفال: 53.
([99]) الحلبي ج1: 143-147؛ سعد ج1: 122-124.
([100] ) انظر ميثاق الأمم المتحدة.
([101]) انظر مثلا ابن القيم، زاد، ج3: 286-316.
([102] ) البخاري: الجهاد والسير.
([103]) ابن منظور، لسان العرب، ولي؛ وانظر أنيس وزملاؤه، الموالاة، والموالي.
([104]) وانظر مثلا ابن منظور والأقوال التي أوردها ولاسيما لابن سيدة،، والأزهري، والفراء، وسيبويه
حيث يقول: "الوَلاية بالفتح المصدر، والوِلاية بالكسر الاسم مثل الإمارة والنقابة، لأنه اسم لما توليته
وقمت به فإذا أرادوا المصدر فتحوا."
([105]) سورة الرعد: 16؛ وانظر مثلا: هود: 20، 113؛ الإسراء: 97؛ الأعراف: 3؛ الكهف: 44.
([106]) سورة محمد: 11؛ وانظر سورة الأنعام: 127، يونس: 62؛ وانظر سورة الأنفال: 34.
([107]) سورة المائدة: 54-55؛ وانظر سورة التحريم: 4.
([108]) سورة التوبة: 71؛ وانظر سورة الأنفال: 72.
([109]) سورة الجاثية: 19؛ وانظر سورة الأنعام: 129؛ وسورة الأنفال: 73.
([110]) سورة الأعراف: 30؛ وانظر السور: آل عمران: 175؛ النساء: 76؛ الحج: 3-4؛ النحل: 100.
([111]) سورة البقرة: 282؛ النحل: 76؛ الأحزاب: 6.
([112]) سورة الأنفال: 72، وانظر السور: الحج: 78؛ وانظر البقرة: 107؛ البقرة:120؛ التوبة: 74؛
العنكبوت: 22؛ الشورى: 8، 31؛ النساء: 45، 75، 89، 123، 173؛ الأحزاب: 17، 65.
([113]) البخاري: العتق، من ملك من العرب.
([114]) سورة الأنعام: 51؛ وانظر أيضا: الأنعام: 70.
([115]) سورة الرعد: 37.
([116]) سورة الكهف: 17.
([117]) سورة الحج: 13.
([118]) انظر مثلا كلمة "ولي" في ونسك، المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي 7: 322-325.
([119]) ابن منظور، برأ.
([120]) سورة الحديد: 22؛ وانظر السور: البقرة: 54؛ الحشر: 24.
([121]) سورة آل عمران: 49؛ وانظر سورة المائدة: 110.
([122]) سورة الأحزاب: 69.
([123]) سورة البقرة: 166-167؛ وانظر السور: الأنفال: 48؛ التوبة: 113؛ القصص: 63؛ الحشر: 16؛
الممتحنة: 4.
([124]) سورة النساء 112؛ ؛ وانظر السور: الأنعام: 19هود: 35، 54؛ النور: 26، الشعراء: 216؛ ونسك،
برأ ج1: 162-165.
([125]) سورة يونس: 41. وانظر سورة الحاشية 29.
([126]) سورة الممتحنة: 4.
([127]) سورة الكهف: 6 وانظر فاطر: 8.
([128]) سورة القصص: 56.
([129]) سورة الروم: 21.
([130]) لتفاصيل المناقشة لأدلة القائلين بأن أصل العلاقة بين المسلمين وغيرهم العداوة والبغضاء والقائلين
بأنه السلم انظر صيني، حقيقة العلاقة ص 25- 50.
([131]) القحطاني، الولاء والبراء ص 40، 132، 136، 137ثم ص 352-372 القحطاني، مقتطفات من
كتاب الولاء . ص 11، 17، 69، 80؛ الطريقي، الاستعانة ص 53، 55؛ 424، 464 الطريقي،
الولاء والعداء ص 24، 32؛ الطريقي، التساهل مع غير المسلمين ص 4؛ الإبراهيم، انظر مثلا ص
71- 143؛ القاسم ص 67-73.
([132]) سورة آل عمران: 28؛ وانظر مثلا تفسير ابن كثير.
([133]) سورة الممتحنة: 2.
([134]) انظر مثلا: ابن منظور، لسان العرب؛ أنيس وآخرون مادة عدا.
([135]) انظر الطريقي، الإستعانة ص 165-387 للآراء المختلفة حول التعامل مع غير المسلمين.
([136]) ابن القيم، أحكام ص 776؛ عمدة القاري ج17: 89.
([137]) مثل:سورة المائدة: 1؛ سورة الأنعام: 152؛ سورة الإسراء: 34.
([138]) ابن تيمية، فتتاوى ج4: 114-116؛ ابن القيم، أحكام ص 277-400؛ أيوب ص 90- 92.
([139]) مسلم: السلام، النهي عن ابتداء أهل الكتاب؛ صيني، التعامل النبوي الفصل السابع، وسائل الجهاد.
([140]) انظر "الرابطة الإسلامية والروابط الأخرى" و"درجات المحبة" في الفصل الثاني من صيني، حقيقة
العلاقة.
([141]) سورة السجدة: 15-16؛ البخاري: الإيمان، حب الرسول؛ مناقب الأنصار، الآداب، من أحق؛ مثلا:
السور لقمان: 14-15، البقرة: 187؛ الروم: 21.
([142]) سورة المائدة: 55.
([143]) البخاري: الأدب، تبل الرحم.
([144]) سورة الممتحنة: 1 إلى آخر الآية السادسة، الممتحنة 7-9
([145]) سورة المائدة: 51، المائدة: 57؛ وانظر من الآية 41 إلى هذه الآية.
([146]) سورة التوبة: 23-24؛ آل عمران: 28.
([147]) النووي ج1: 274.
([148]) سورة الحجرات: 13.
([149]) أحمد ج4: 365.
([150]) البخاري: الجهاد، لا هجرة بعد الفتح وانظر أحمد، سند المكثرين من الصحابة لأحاديث أخرى.
([151]) ابن تيمية، فتاوى ج4: 113-115.
([152]) منهم الشيخ صالح الفوزان بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية والتقسيم له في حديث مع برنامج
"نور على الدرب".
([153]) لقد كانت هجرة المسلمين إلى الحبشة وهي بلاد نصارى؛ وانظر الطريقي لملاحظاته على الوضع
الدولي الراهن ص 181-185.
([154] ) سعد ج2: 106-18.
([155]) سعد ج4: 62؛ البخاري: مناقب الأنصار، هجرة النبي؛ وانظر العسقلاني ج7: 280؛ سعد
ج4: 62، ج1: 280.
([156]) مسلم: الجهاد، كراهة الإستعانة؛ سعد ج3: 137-138 لقصة نعيم.
([157]) صيني، التعامل النبوي مع غير المسلمين، الفصل العاشر، قبول الهدية والإغراء بالرفض، التعليق
على النصوص المتعارضة.
([158]) سعد ج3: 133-134؛ ابن القيم، زاد ج3: 273.
([159]) في عام 2003 قررت حكومة الولايات المتحدة وبريطانيا غزو العراق رغم معارصة بقية أعضاء
مجلس الأمن الدولي، مع أن هاتين الحكومتين قد أقرتا كغيرها من دول العالم على أن يكون مثل هذا
القرار بالإجماع مادام الهدف منه هو الصالح العام.
([160]) سعد، ج1: 122-124.
([161]) سعد، سيرة بن هشام، ج2: 27-28.
([162]) البخاري: كتاب الإكراه.
([163]) انظر مثلا الطريقي ص 243-254؛ الحلبي ج1: 143-147؛ سعد ج1: 122-124.
([164]) سورة المائدة: 5؛ سورة البقرة: 144؛ سورة الروم: 2-5.
([165]) سورة التوبة 60.
([166]) ابن القيم، زاد ج3: 629.
([167]) أحمد، مسند أحمد: (2737).
([168]) صحيح البخاري: الجنائز، من قام لجنازة يهودي.
([169]) انظر: قيس آل مبارك،؛ المنيع؛ أبو مليح؛ الخطيب.
([170]) الصنعاني ج2: 70، ويقول رواء النساء وأو داوود بأسناد صحيحة.
([171]) الييهقي ج9: 234.
([172]) الأحوذي، تحفة الأحوذي ج 7: 413.
([173] ) صيني، تأصيل الحوار .
([174]) ابن القيم، زاد ج3: 629.
([175]) صحيح البخاري: الصلاة.
([176]) صحيح البخاري: الجهاد، فضل من أسلم.
([177]) البخاري: أحاديث الأنبياء.
([178]) سورة الأنعام : 108.
([179]) سورة الكافرون.