حوار مع د. سالم البلوشي واللغة العربية

حوار مع د. سالم البلوشي واللغة العربية
21/02/2011
اللغة العربية سهلة المبنى عظيمة المعنى، تجذب سامعيها، وتؤثر في متذوقيها، تعلو على اللغات بقدراتها، وتتسع لما يستجد من أحداث للتعبير عنها بلسان عربي فصيح، تغزّل بها الكثير..

أرسل لصديق
طباعة

قراءة : 1331 | طباعة : 173 | إرسال لصديق : 1 | عدد المقيمين : 1
اللغة العربية سهلة المبنى عظيمة المعنى، تجذب سامعيها، وتؤثر في متذوقيها، تعلو على اللغات بقدراتها، وتتسع لما يستجد من أحداث للتعبير عنها بلسان عربي فصيح، تغزّل بها الكثير من الأدباء، ونظم فيها الكثير من الشعراء، وكتب فيها الكتّاب، وصنف حولها الباحثون، وتعلق بها الروّاد.
وقبل ذلك كله هي لغة القرآن الكريم وتكلم بها سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، ودعا بها الصحابة والتابعون، وهي بيننا إلى يوم الدين.
يسرنا عبر هذا الحوار أن نلتقي بأحد المحبين للغة العربية، والمرتبطين بها؛ حيث أنهى دراسته الجامعية في السعودية، والماجستير في اليمن والدكتوراه في الأردن، وعلّم اللغة العربية في المراحل الإعدادية والثانوية والجامعية بسلطنة عمان، وعمل موجهاً ورئيساً لقسم اللغة العربية بمديرية التعليم بصحار، وعضوا في لجنة تطوير مناهج اللغة العربية المشتركة بين وزارة التربية وجامعة السلطان قابوس، وشارك في العديد من الندوات والمحاضرات والمؤتمرات، إنه الباحث والكاتب الدكتور سالم عبدالله البلوشي:
*لماذا اخترت اللغة العربية مجالا لتخصصك؟
لكل إنسان في حياته نقطة تحول وانطلاق ، فقد كانت المرحلة الثانوية نقطة التحول عندي في اختيار تخصص اللغة العربية ، ومن إمارة رأس الخيمة بدولة الإمارات العربية المتحدة ، وفي رحاب معهدها العلمي آنذاك توجهت إلى الشغف باللغة العربية ، فقد عشت حياة علمية مفعمة بالجد مع نخبة من الأساتذة وطلاب العلم .
ففي رحاب المعهد حفظت ألفية ابن مالك ، وشواهد شرح ابن عقيل لهذه الألفية ، أما مادة الأدب العربي فقد كانت شائقة وممتعة ؛ فحفظت معلقة زهير ، ومقصورة ابن دريد ، وسينية البحتري ، ونونية ابن زيدون ، وموشحة لسان الدين ابن الخطيب ، وكثيرا من المقطوعات الشعرية ، ومن تلك الرحاب انطلقت في كتابة الشعر الفصيح .
وفي رحاب جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض التقيت بعميد شؤون الطلاب وقتذاك الدكتور خالد بن عبدالرحمن العجيمي ، وكم كان حريصا في أن أغترف من بحر لغة القرآن فبدأت مرحلة دراسة البكالوريوس في كلية اللغة العربية ، فسقيًا لتلك الأيام .
*هل ترى أن اللغة العربية لها مكانها اللائق بها في العالم اليوم؟
يذكر التاريخ بأن النصارى في الأندلس إبَّان الحكم الإسلامي حرصوا على تعلّم اللغة العربية ، لدرجة أنهم جعلوها لغة لتراتيلهم في الكنائس . إن اللغة – أية لغة – تأخذ مكانها وتفرض وجودها عندما يكون النظام السياسي يرعاها فتقوى بقوته وتضعف بضعفه ؛ لأنه هو الباعث للغة على الحراك والبروز في ميادين السياسة والاقتصاد والاجتماع .
إن اللغة العربية اليوم تتغول عليها لغات عديدة أبرزها اللغة الانجليزية دون أن يبذل أبناؤها في سبيل انتشارها وقوتها ماينبغي أن يبذل من دعم مادي وسياسي ، لقد أصبحت اللغة الانجليزية أكبر تحدٍّ للغتنا العربية ، فمن رياض الأطفال إلى التعليم التأسيسي ، وانتهاء بالدراسة الجامعية اللغة الانجليزية هي سيدة الميدان ، وهذا ليس بالتوازي مع اللغة العربية بل على حسابها ، لدرجة أن بعض الجامعات تشترط نجاح الطلاب الملتحقين بها في امتحان ( التوفل ) حتى وإن كان التخصص الذي التحقوا به في الشريعة ، لدرجة أننا وجدنا أن بعض الجامعات تدرس الكثير من مساقات اللغة الانجليزية في تخصص اللغة العربية والتربية الإسلامية .
لقد سيطرت اللغة الإنجليزية على التجارة والاقتصاد في الوطن العربي ، فلم تعد المسميات التجارية ، والدعايات الإعلانية ذات انتماء عربي في كثير من الدول العربية ، صحيح أن بعض القنوات الإعلامية التي كثرت هذه الأيام طورت لغة إعلامية ، لكنه جهد غير كاف ، لقد أصبحت اللغة العربية في بعض الدول غريبة الوجه واليد واللسان ، فلغتنا العربية -وأي لغة – أشبه بالوطن لا تعار ولا تستبدل ، وأن من يخلعها كمن يخلع جلده ، وهذا الاستبدال -للأسف -حدث عند بعض من يفترض أن يكونوا هم الذابين عن حياضها ، فقد بدت اللغة العربية عند أكثر مستعمليها من غير المتخصصين باللغة والأدب أشبه بعبء ، ولا سيما في مجالات التجارة والعلم والمهن والتبادلات اليومية .
*هل تستطيع اللغة العربية أن تنافس اللغات الأخرى؟
نعم تستطيع اللغة العربية منافسة اللغات الأخرى ففيها غزارة في المفردات ، وفصاحة في التعبير ، ومرونة في الاشتقاق ؛ فهي عظيمة ، وغنية ، وعريقة ، وهي مقدسة عند أكثر من مليار مسلم ، لقد آن لأبنائها أن ينتقلوا بها من مرحلة الجدال والمنافحة إلى مرحلة البناء والخدمة العلمية ، فإذا كانت كثير من اللغات تصلح كاليابانية ، والصينية، والفارسية ، وقد صلحت العبرية القديمة ، وأصبحت لغة شراذم تجمعت من أصقاع عديدة من العالم ، فليس من فائدة الحديث عن لغة حية مقدسة عريقة كاللغة العربية .
إننا لسنا مطمئنين لوضع لغتنا الحالي ؛ لأن هناك صعوبات جمة ومتلاحقة تحدق بها في عصر الحاسوبية والمعلوماتية ، وغزو الفضاء ، والثورة التقانية الحديثة الكبيرة جدا ، إن ما أنجز حتى الآن في خدمة العربية لا يوازي شيئا إزاء تعاقب التحديات وسرعة تضخمها .
إننا مطالبون حقا أن نحول اللغة العربية من كونها عبئا إلى كونها واقعا ودافعا ، وأن نغيّر سيكولوجية القلق التعبيري إلى قوة الثقة بالنفس ، ومن الشعور بالعجز إلى الشعور بالراحة والطمأنينة والبهجة والفائدة .
إن لدى أبناء العربية شعورا متزايدا بأن العربية الفصيحة أشبه بلغة أجنبية مسقطة عليهم قسرا، وهذا أمر في غاية الفداحة ، ولذا لابد من الانتقال من هذه الحالة إلى نعمة التآلف مع اللغة وحرية الانتقاء من كنوزها ، وسعادة الإحساس بتجاوبها مع مستلزمات التفكير والتعبير .
*ما سبب ضعف اللغة العربية في بعض البلاد العربية؟ من وجهة نظرك؟ وهل ضعف الدول وقوتها له علاقة باللغة؟
إن سبب ضعف اللغة العربية عموما قلة بل ضعف الجهود المقدمة من الدول العربية بما يرقى باستخداماتها في ميادين الحياة كافة ؛ ففي الوقت الذي تعقد فيه الأمم الحية المؤتمرات والندوات، وتنشر الإحصاءات والدراسات ، وتحسب حساب ماسيحدث من تغيّرات قادمة : الثورة الثقافية، وغزو الفضاء ، والتحكم عن بعد ، والانقلاب الحاسوبي والمعلوماتي ، وثورة الاتصالات والتفجرات الاقتصادية ومقولة النظام العالمي الجديد ، وأحادية السيطرة العسكرية والتجارية والسياسية والعلمية ( هيمنة دولة واحدة على العالم ) .
إن هناك مشكلة خاصة نابعة من كل هذه التطورات ، وهي مشكلة هيمنة اللغة الانجليزية على لغات العالم بكل تصنيفاته ومواقعه على الخريطة الجغرافية ، إنها مشكلة باتت تقلق جميع بلدان العالم على المستويات الحكومية والاجتماعية والفردية .
وقد بلغت هذه الهيمنة درجة أن العالم يتحدث 6800 لغة منها 80% مهددة بالانقراض أمام الانجليزية ، بعد أن أصبحت لغة التخاطب والمؤتمرات العالمية . في ظل هذا كله تلهث بعض الدول العربية إلى تغريب ألسن التعاملات لتجعل من اللغة الإنجليزية وسيلة التواصل في حياتها العملية .
ولا مراء في أن اللغة تقوى بقوة الدول ؛ ويمكن أن نضرب لذلك الأمثال : فقد بلغت اللغة العربية إبّان الدولة العربية الإسلامية مكانتها في أوجه الحياة كافة ، ولم تكن اللغة الفرنسية في القرن السابع عشر إلاّ لغة الارستقراطيين سكان باريس ، وهاهي اليوم لغة تتحدث بها دول عديدة ، وكذلك الأمر باللغة التشيكية فقد كانت لغة سكان العاصمة براغ ثم امتد نفوذها .
إن نهوض اللغة العربية مرهون بأبنائها ويتحمل السياسيون العبء الأكبر ؛ فحين تخطط دول عريقة جدا ( مثل فرنسا وألمانيا ) لحماية لغتها ، وبأساليب جديدة ، تستمر رؤيتنا للغتنا سكونية مكررة رتيبة الإيقاع ، ولا تتخذ المؤسسات الرسمية إجراء ضد من يروج لإضعاف الرابطة بين اللغة العربية وأهلها ، ومن يدعو إلى التبروء من اللغة وذلك بالتقليل من شأن صلاحية اللغة العربية للحياة المعاصرة .
*ما رأيك في تشجيع اللهجات العامية؟ وهل له تأثير على اللغة العربية الفصحى ؟ كيف؟
إن من المسلمات بأن العرب في جاهليتهم وفي صدر إسلامهم كانوا يتحدثون فيما بينهم في بيعهم وشرائهم وفي حياتهم العادية بلغة تقترب كثيرا أو قليلا من لغة الشعر التي روتها لنا كتب اللغة والأدب ، وأن لكل قبيلة من قبائل العرب لهجة خاصة ، أمّا إذا كانوا في مجالس الشعر والخطابة فإن لتلك المجالس لغة أدبية راقية هي التي من معينها سنّ اللغويون العرب قواعد اللغة وأقاموا بنيانها بعد استبعاد اللغات القليلة والمذمومة ، وهذه اللغة هي ما اصطلح عليها بـ(اللغة المشتركة ) .
واللهجات العامية -إن صحت نسبتها إلى العامة – بها رصيد ضخم من المفردات والأساليب، وفيها بقايا من لغات قبائل عربية كتميم وقيس ، وهذيل ، والأزد ، وطي ، وهو رصيد يمكن أن يعين على وضع المعجم اللغوي التاريخي الذي ينقص الأمة العربية ولم تتمكن من إخراجه في حين قامت أمم غيرنا بصناعة معجمات لها في هذا المجال .
إن اللغة العامية ليست إلا لغة الاتصال الشفوي وفي حدود معينة تفرضها طبيعة المجتمع وتحددها الحياة العلمية ، ولم يكتب النجاح – والحمد لله - لدعاة جعل العاميات لغة مكتوبة لكل بلد من البلدان العربية ، فقد قُصد من وراء ذلك تفتيت لكيان الأمة وطمس لهويتها وانتمائها التاريخي .
اللغة الفصحى هي ( اللغة المشتركة ) وهي التي يجب أن تكون لغة الإعلام والسياسة والاقتصاد والعلم ، وأن يمتد بها إلى الفضاء العربي ثم إلى الفضاء العالمي .
*ما تقييمك للمراكز والبحوث المهتمة باللغة العربية؟
قدمت المجامع اللغوية في معظم الدول العربية على مدى سنوات طويلة من العمل الدؤوب على امتداد الوطن العربي خدمة جليلة للأمة حفظت بها التراث اللغوي والأدبي ؛ فقد خشي حماة الفصحى أن يصير الأمر فوضى لغوية ، تختلط فيها الألفاظ والتراكيب العامية والأجنبية بالعربية الفصحى ، وقد كان دعاة الفصحى حريصين على أن تواكب لغتنا العصر الحديث ، وتعبر عن مستحدثاته ، وتفرض الباب للتعريب والتوليد بحساب تفرضه ضرورة المعاصرة ، وتسمح بالتيسير اللغوي دون عقوق أو تمرد على الضوابط والأقيسة التي تأصلت في عربيتنا الفصحى .
وقد سعت هذه المجامع إلى توحيد مصطلحات العلوم والآداب والفنون بالتعاون مع الجهات المعنية في بلد المجمع اللغوي ومع بقية المجامع في الدول العربية الأخرى .
هذه نظرة سريعة لما قامت به المجامع اللغوية فقد كان جهدها بارزا ودورها في الذود عن الفصحى مقدرا ، لكن هذا الجهد بدأ ينحسر واقتصر على عقد المؤتمرات الخجولة ذات الصبغة الاحتفائية في زمن الهجوم الكثيف للألفاظ والمصطلحات والأساليب الأجنبية على أبناء العربية من المحيط إلى الخليج .
صحيح أن هناك دعوات لحماية اللغة العربية في أرجاء الوطن العربي لكن ينقصها الدعم السياسي العربي ، وصحيح أن هناك جمعيات لحماية اللغة العربية لكنها لا تعدو أن تكون جهودا ينقصها الدعم السياسي ، وأن هناك مؤتمرات تدعو لحماية اللغة العربية لكي تواجه الأخطار المحدقة بها لكنها ليست بكافية ؛ لأن ردّ الفعل لا بد أن يكون في مستوى الفعل إن لم يكن أقوى منه .
إننا الآن بحاجة كبيرة لعودة قوية لمراكز الأبحاث وعمل منها دؤوب كي تجعل من اللغة العربية لغة مسايرة للتقدم الحضاري ، واستغلال الطاقات الكامنة في اللغة العربية من التوليد والاشتقاق، وإمكانية التعريب والترجمة ، ولا يتم ذلك إلا بالدعم السياسي والمادي ، وأن يجري التواصل المتواصل بين هذه المجامع ومراكز الأبحاث في الوطن العربي .
*ما هو استشرافك لمستقبل اللغة العربية؟ وما المطلوب منا للقيام بنصرة اللغة العربية ؟
لغتنا العربية تلوذ بحصن منيع بسبب أنها لغة النص القرآني ، ووشائجها الراسخة بالتراث اللغوي ، ولكن هذان العاملان سيبقيان ضمانة على المستوى الثقافي والوجداني حسب .
إن علينا أن نعترف أنه في غياب مراكز البحث اللغوي ، واقتصار نشاط أقسام اللغة العربية في الجامعات على المجهود التدريسي ، ومحدودية الإمكانات المتاحة لمجامع اللغة العربية ، والنقص الفادح في الخدمة العلمية، والتقنية للغة العربية ، فإن لغتنا ستواجه عصر المعلومات كساعٍ إلى الهيجاء بغير سلاح .
إن هناك أعباء ً ضخمة ستواجه العربية في القرن الحالي وأمتنا لمّا تتوصل بعدُ إلى حلول ناجعة لأبسط المشكلات من مثل جعل الدرس النحوي التعليمي منسجما مع معطيات الحياة ، وستبقى أكثر المشكلات إلحاحا هي مشكلة اللغة العربية وعصر المعلومات .
إننا نحتاج إلى حملة شعبية شاملة لنصرة اللغة العربية بعد أن أصبحت جهات رسمية عديدة تتغاضى عن قيام مؤسساتها التعليمية بدورها، وإهمال اللغة العربية ، إن المطلوب عاجلا هو إنقاذ المؤسسة التعليمية من غزو اللغة الإنجليزية واللغات الأجنبية الأخرى التي تفت في عضد اللغة العربية .
المصدر:
http://www.islamweb.net/media/index.php?page=article&lang=A&id=164837

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك