المنهج الوسطي في التربية
المنهج الوسطي في التربية
السعودية / د. أسماء بنت راشد الرويشد
إذا فقدت الوسطية ظهر التفريط أو الإفراط، وكلاهما صفة ذميمة في كل الأمور سواءً في العبادات أو العادات. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب ويحرص على الاعتدال في أمور الدين كلها.
وفقدان الوسطية في مجال التربية يندرج تحته كثير من الأخطاء والخلل في توجيه الأبناء والتعامل معهم.
ومن ذلك الإفراط في الحب والتدليل والليونة، وإهمال التأديب مهما كانت الإساءة حتى يفسد الابن، ويشعر بالتسامي على غيره، ويصبح إنساناً مستهتراً لا يرى لأحد حقاً.
وعلى النقيض من ذلك العنف والقسوة، فإن كثرة التعنيف والإفراط في التشديد والصرامة يحدث عند الطفل نوعاً من شرود الذهن، والرعب وضعف الشخصية، وقد يحدث ضرراً جسمانياً ظاهراً، فإذا حصل ذلك حمل الوالدان إثم هذا العنف. كما أن ذلك يؤدي بالولد إلى عدم احترام والده، والحقد عليه، بل إن بعض الأبناء يتعمد الخطأ والانحراف قاصداً إزعاج والده والانتقام منه، إذ أنه يعرف أن ذلك يقلق والده ويزعجه.
كما أن القسوة والغلطة في التربية تسبب نفرة الابن وإعراضه؛ قال تعالى {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}.
والمنهج الوسط هو التوجيه والقيام على الأوامر بالرفق والسداد والمقاربة واقتران ذلك بالحوار الهادئ، وتجنب القسوة والغلظة وعدم الإكثار من التعنيف والعناية بالوعظ والنصيحة دون إفراط أو إكثار؛ فإن كثرة المواعظ تمل، وربما ضعف تأثيرها كما أن كثرتها تخالف السنة والمنهج النبوي في الوعظ، إذ كان النبي r يتخول أصحابه بالموعظة، ولا يكثر عليهم خشية من الملل والسآمة عليهم.
ولا بأس في بعض الأحيان من التغافل عن بعض الأخطاء العفوية وإعطائه فرصة للتصحيح الذاتي، ولأن كثرة التوبيخ والعتاب يهون عليه سماع الملامة ويخفف أثرها.
وعلى المربي أن يأخذ بالرفق؛ فإن الله يحبه ويعطي عليه من النتائج المرجوة ما لا يحصل بالعنف، كما في حديث أبي هريرة t، عن النبي r، قال: «إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، ويُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ».
ومع أن الضرب أسلوب من أساليب التربية إلا أنه له ضوابط ذكرها أهل العلم ينبغي التقيد بها، منها:
- أن يكون الضرب آخر وسيلة من وسائل التأديب، وبعد أن يعطى وقتاً كافياً للتوجيه، وبعد أن تكون قد أعيت الحيل في التربية بالتوجيه والترغيب والتهديد والتخويف بشرط ألا يتراجع.
- ثم ألا يضرب إلا لحاجة، مثل فعل حرام "نميمة ـ كذب ـ لعن" أو ترك واجب "صلاة".
- أن يكون هدفه من الضرب: التوجيه والإرشاد، وليس إشفاء الغليل أو القهر والسلطة، فإن كان بهذه النية أثم.
- ألا يضرب الرأس ولا الوجه، فإن فعل ذلك أثم. لذلك ينصح ألا يضرب خلال الغضب والانفعال حتى لا يكون هناك تجاوز، لأن الهدف هو التأديب.
- يجب أن يعرف الابن سبب الضرب.
- ثم ليكن التخويف بالضرب أكثر من استعماله.
وقد روى ابن عباس مرفوعاً: "علَّقوا السوط حتى يراه أهل البيت" حتى يخاف الطفل من تعمد الخطأ.