من رگائز الوحدة الوطنية: التعايش الاجتماعي للمسلمين مع غير المسلمين

من رگائز الوحدة الوطنية

التعايش الاجتماعي للمسلمين مع غير المسلمين

أحمد عمر هاشم

لقد أرسي الإسلام أصولا بمقتضاها يتعايش المسلمون مع غير المسلمين فوق أرض واحدة، وتحت سماء واحدة، وفي مجتمع واحد.
وكانت هذه الأصول متمثلة في البر والعدل حيث قال الله تعالي: »لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوَهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ، إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَي إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ« »الممتحنة 8، 9« وجعل الإسلام التعايش الاجتماعي بين المسلمين وغير المسلمين قائما علي المعاملة الحسنة، فعند الحوار أو الجدال لابد ان يكون الجدال بالتي هي أحسن حتي تظل جسور التواصل والتعاون قائمة فقال الله تعالي: »وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ« »العنكبوت 64«.
ولو كان غير المسلم مشركا واستجار بالمسلم، فعلي المسلم ان يجيره وان يبلغه مأمنه، وهنا تتجلي عظمة الإسلام في ارساء أصول التعايش الاجتماعي الآمن، حيث قال الله سبحانه وتعالي: »وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّي يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ« »التوبة 6«.
ومن أوجه التعايش الاجتماعي إباحة زواج المسلمين من نساء أهل الكتاب وإباحة طعامهم وإباحة طعام المسلمين لهم كما قال الله تعالي: »الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ المُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ« »المائدة 5«.
ومن أوجه التعايش الاجتماعي ما فعله رسول الله »صلي الله عليه وسلم« حيث عامل أهل خيبر وهم يهود علي نصف ما يخرج من أراضيهم، علي ان يعملوها بأموالهم وأنفسهم، وهذه شركة في الزرع والغرس والثمر، وقد ابتاع رسول الله »صلي الله عليه وسلم« طعاما من يهودي بالمدينة، ورهنه درعه فهذه تجارة مع اليهود ومعاملتهم جائزة« »المحلي لابن حزم، والمعني لابن قدامه«. وهاهوذا عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ذبحت له شاة في أهله، فلما جاء قال: »أهديتم لجارنا اليهودي« سمعت النبي »صلي الله عليه وسلم« يقول »مازال جبريل يوصيني بالجار حتي ظننت انه سيورثه« »رواه البخاري ومسلم«.
ومن نماذج التعايش أيضا تقدير الرسول »صلي الله عليه وسلم« للأموات ولو كانوا غير مسلمين ولجنائزهم، عن عبدالرحمن بن أبي علي قال: »كان سهيل بن حنيف وقيس بن سعد قاعدين بالقادسية، فمرّ عليهما بجنازة فقاما، فقيل لهما: إنها من أهل الأرض، أي من أهل الذمة، فقالا: ان النبي »صلي الله عليه وسلم« مرت به جنازة فقام، فقيل له: انها جنازة يهودي، فقال: أليست نفسا؟ »رواه البخاري ومسلم«.
بل بلغت سماحة التعايش الاجتماعي للمسلمين مع غير المسلمين مبلغا سمح لوفد نجران بدخول المسجد النبوي وأداء شعائرهم فيه، لما قدم وفد نجران علي رسول الله »صلي الله عليه وسلم« دخلوا عليه مسجده، فكانت صلاتهم، فقاموا يصلون في مسجده، فأراد الناس منعهم فقال رسول الله »صلي الله عليه وسلم«: دعوهم فاستقبلوا المشرق وصلوا صلاتهم. »رواه ابن اسحاق«.
ولم يقتصر هذا التسامح علي حال دون أخري بل رأينا توجيهات الإسلام تنهي حتي في الحروب عن الغدر والتمثيل عن بريدة رضي الله عنه قال: »كان رسول الله »صلي الله عليه وسلم« إذا أمر أميرا علي جيش أو سرية، أوصاه في خاصته بتقوي
الله ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: »اغزوا باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدة......« »رواه أحمد ومسلم وأبوداود والترمزي«.
وقد شهدت الحياة الاجتماعية تعايشا بين المسلمين وغيرهم وشهدت دفاع المسلمين عنهم وحمايتهم لحقوقهم، لدرجة ان ابن تيمية رحمه الله حين تغلب التتار علي الشام، وأسروا جماعة من المسلمين وأهل الذمة ذهب إلي حاكمهم، وكلمه في إطلاق سراح الأسري فأطلق أسري المسلمين ومنع أسري أهل الذمة، فأبي الرجوع إلا بافتكاك أسري أهل الذمة وحصل له ما أراد. »فتاوي ابن تيمية«.
كما حمي الإسلام أموال غير المسلمين، وصانها وجاء في عهد النبي »صلي الله عليه وسلم« لأهل نجران: »ولنجران وحاشيتها جوار الله وذمة رسوله علي أموالهم وملتهم وبيعهم وكل ما تحت يديهم من قليل أو كثير«.
ومن الوقائع التاريخية التي توضح مراعاة ولاة أمر المسلمين لحقوق غير المسلمين تلك الحادثة التي أخذ فيها الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك كنيسة يوحنا وادخلها في المسجد الأموي فلما استخلف عمر بن عبدالعزيز شكا النصاري إليه، فكتب إلي عامله برد ما زاده في المسجد عليهم، لولا انهم تراضوا مع الوالي علي أساس ان يعرضوا بما يرضيهم. فتوح البلدان »171«.
ويؤكد ولاة أمر المسلمين علي الوصية بأهل الذمة مهما حدث فها هو ذا عمر بن الخطاب: رضي الله عنه رغم ما جري له من واحد من غير المسلمين وهو أبولؤلؤة المجوسي الذي أصيب بسبب ضربته، فمع هذا كان عمر رضي الله عنه وهو في لحظات حياته الأخيرة يقول: »أوصي الخليفة من بعدي بأهل الذمة خيرا ان يوفي بعهدهم وان يقاتل من ورائهم، وألا يكلفهم فوق طاقتهم«. »رواه البخاري«.
وبهذا التوجيه الإسلامي العظيم، وعلي هذا النحو من الدعوة إلي التعايش الاجتماعي للمسلمين مع غير المسلمين أكد الإسلام عبر عصور التاريخ علي عالمية دعوته، وسماحة عقيدته.
وهذا التعايش المتسم بالتسامح يستوجب علي غير المسلمين ان تكون معاملتهم للمسلمين، خاصة للاقليات الإسلامية بمثل هذا الأسلواب المتميز المتسامح العادل، حتي يعيش العالم في سلام عالمي وتعايش سلمي، فآدم عليه السلام هو والد الجميع وحواء هي الأم: »يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَي وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا......«.

المصدر: http://www.masress.com/elakhbar/27658

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك