لماذا التسامح والعفو و ما هي النتيجة ؟
لماذا التسامح والعفو و ما هي النتيجة ؟
إن العفو والتسامح والسيطرة على النفس عند الغضب والبلايا والمصائب ، موقف سلوكي أخلاقي ، أبلغ في تعبيره عن الكلمات ، وأقوي في تأثيره من العبارات ، وأوضح في خطابه من ضوء الشمس ، وأهدى في معناه من نور القمر .
ليست هذه المقدمة إنشائية ، بقدر ما هى تجسيد لمعنى العفو والتسامح ، فهذا السلوك يعبر عن ثلاثة أمور :
الأول : قوة الشخصية
فليس الشديد الذي يفوز في حلقة الصراع بقوة جسده ، وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ، ويتحكم في انفعالاته في أوقات يومه المتقلبة ، وبالتالي هذا السلوك كأنه يفصح لنا بدون كلام عن قوة هذه الشخصية التي تعفو أو تتسامح , كما ورد في الحديث النبوي الذي رواه مسلم : ( ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) .
الثاني : سلامة النفس من الحقد
فالذي يقيد الانسان ويكبّل حركته ، و لا يمنحه الحرية والاستقلالية ، هى نفسه حينما تمتلأ بالحقد والغل والحسد ، فلا تعرف في قاموسها كلمة العفو أو التسامح ، وإنما تجنح إلي الانتقام والتشفي و الأخذ بالثأر ، فالحقد في النفس بركان لا يهدأ , وإعصار يدمر كل شيء .
ومن هنا يأتي العفو والتسامح إشارة بيضاء ، تقول : ها هنا نفس سليمة من الحقد ، بريئة من الانتقام ، لا تعرف الأخذ بالثأر ، أو شيئاً من حياة المؤامرة .
الثالث : نقاوة القلب من الروح العدوانية
هذا قلب أسود له فنون في العداء ، وألوان من الإيذاء ، وكلما ازداد في العداوة ازداد سواداً ، وكلما أوغل في الإيذاء ، اشتد ظلاماً ، وهذا هو سر بقائه مرهون بالروح العدوانية ، يستمد منها حياته ، وفي الحقيقة هي تميته في كل لحظة ، فصاحبه هذا القلب قبر يتحرك في الحياة ، وليس لمثل هذا خُلقت القلوب ! .
والحياة الحقيقية للقلب في نقاوته وصفائه ونوره ، وروح ذلك في العفو والتسامح ، فهما رافدان من نهر النقاء ، ذلك النبع الصافي الرقراق .
ولقد أطلق القرآن الكريم على العفو إحسانا ، فقال تعالى :
[ والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ] آل عمران / 132 .
فأهل العفو هم المحسنون
وأهل التسامح هم المحسنون
والمحسنون هم أحباء الله
فهل أنت راغب في أن يحبك الله ؟
تخلق بسلوك العظماء ....
- آثار التسامح والعفو
1- يتحول الكاره إلى محب ، والحاقد إلى ولي ، والعدو إلي صديق ، والحاسد إلي حميم ، والمتآمر إلي شريك ، والخائن إلي أمين ، والعنيف إلي رقيق ، والقاسي إلي أسيف .
2-أثره في نفس من يعفو ، يعينه علي التقوى ، فقد اجتاز بنجاح ومهارة كل العقبات الحائلة بينه وبين التقوى ، وقد امتلك كل الوسائل التي تصل به إلى التقوى ، فإعلانه العفو لم يكن قراراً وقتياً ، وإنما هو انتصار وفوز يبدأ به حياة جديدة ، هي حياة المتقين .
3- أثره في نفس من يعفو يعينه علي راحة الضمير ، فكم من أوقات قد أهدرت ، وكم من أعصاب قد التهبت ، وكم من انفعالات قد أحرقت كل جميل ، وكم من ليال لم يذق فيها الضمير راحة ، فيأتي العفو ليمحو كل ذلك , كما تزيل الممحاة أخطاء الكتابة أو الرسم .
4- أثره في نفس من يعفو يعينه على سكينة النفس ، بعد ثورة لم تعرف الهدوء ، فالقلب مضطرب ، والأعصاب متوترة ، والأوضاع غير مستقرة ، والعواطف مشتتة , فإن الإعلان عن العفو ، هو لحظة السكون والطمأنينة والهدوء .
5- أثره في نفس من يعفو الإنسان عنه ، يستشعر خطأه وإساءته ، ففي وسط الرياح تضيع الحقوق ، بما تثيره من فوضى ، والعفو إعلان بإنهاء الحرب ، وفرصة لمعرفة الأخطاء ، وإدراك الإساءات ، والتبصرة بالعيوب ، والإحساس بوجود مشكلة تحتاج إلى حل .
6- أثره فيمن يعفو الإنسان عنه ، يرى كيف قوبل بالعفو ، فيثوب إلى الرشد ويتجه إلي الصواب ، ويبدأ صفحة جديدة صالحة ومصلحة .
7- أثره فيمن يعفو الإنسان عنه ، تنطفيء من داخله الكراهية ، وتذوب النزعة العدوانية ، وهل يقابل الحب الا بالحب ؟ والإحسان لا يقابل إلا بالإحسان ! .
8- أثره فيمن يعفو الإنسان عنه ، لا يملك إلا أن يكون مع من عفى عنه ، كأنه ولي حميم ، وإذا به يناصر ويساند ويعاون ، أو يرعى ويحمي ويعطف ، في أرقى علاقة حميمة بين البشر .