حوار الأديان مَن يسمع مَن؟!

حوار الأديان مَن يسمع مَن؟!

انفض مؤتمر حوار الأديان المنعقد بالولايات المتحدة الأمريكية  كغيره من المؤتمرات التي تعقد في الولايات المتحدة الأمريكية وفي غيرها من الدول الأخرى، بالحرص على التفاهم الحضاري والتحاور الديني بين جميع الديانات المختلفة من أجل التقارب والتعاون أكثر في المستقبل، وخلق جو تسامحي يسوده سلام عالمي. وعلى الرغم من أن المؤتمر كان مرتكزه دينياً صرفاً، بيد أن هدفه كان سياسياً قلباً وقالباً.

المؤتمر من حيث المبدأ لم يأت بجديد حسب كثير من الملاحظين والمحللين ، لأن مثل ما طرح عن حوار الأديان سبق له وطرح في مناسبات عدة ولم يأت بشيء ذي قيمة، بل إن أغلب المؤتمرات التي عقدت من أجل موضوع حوار الأديان، كان الهدف منه ليس التقريب بين الأمم، ولكن تمجيد المفاهيم الغربية أكثر، وفرضها على المسلمين على وجه التحديد، لأن الدين المقصود من كل ذلك كان الدين الإسلامي ولا دين غيره.
ومن دون البحث والتنقيب في بطون الأحداث عن تصريحات تكذب مقولة " حوار الأديان" التي يدعو إليها البعض في الضفة الأخرى، فإننا نذكّر بما دعا إليه مؤتمر كولورادو عام 1978 والذي كان شعاره" ادفع دولاراً تنصر مسلماً"،وهذا على لسان الكنيسة الإنجيلية الغربية :"إن الإسلام هو الدين الوحيد الذي تناقض مصادره الأصلية أسس النصرانية، وإن النظام الإسلامي هو أكثر النظم الدينية المتناسقة اجتماعياً وسياسياً، إنه حركة دينية معادية للنصرانية، مخططة تخطيطاً يفوق قدرة البشر، ونحن بحاجة إلى مئات المراكز تؤسس حول العالم بواسطة النصارى، للتركيز على الإسلام ليس فقط لخلق فهم أفضل للإسلام وللتعامل النصراني مع الإسلام، وإنما لتوصيل ذلك الفهم إلى المنصِّرين من أجل اختراق الإسلام في صدق ودهاء"!!.

هذا غيض من فيض ما يذكر في الكواليس وفي الدهاليز، ولست مبالغاً إذا ما قلت إن حوار الأديان لا أساس له من الصحة إلا في جانب واحد كما قال سبحانه وتعالى: " قُل يا أهلَ الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم ألّا نعبد إلا الله ولا نُشركَ به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله " كما قال أيضا في آية أخرى" ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم". فإذا كان الحوار فعلياً يقتصر على نبذ الخلافات والتفاهم على قواسم مشتركة تكون الإطار المرجعي لحل كل المشاكل، دون حيف وظلم أو جور، فمرحباً بهذا الحوار، أما أن  يكون الحوار مبنياً على الخبث والدهاء لشيء في نفس أمثال "غولدن براون" الذي قال في ختام مؤتمر حوار الأديان الأخير:" طريق التقدم لا يكون عندما تعمل الدول بشكل منفرد أو ضد بعضها البعض بل عندما تعمل معاً" وقد كان يقصد دول الخليج وخزينتها من الدولارات. فلا يمكن إلا التسليم بأنه يتوجب على المسلمين الحذر وعدم الدخول في أي حوار من هذا الشكل.

لكن أحيانا المصيبة هي في المسلمين أنفسهم الذين يحبذون الظهور بمظهر البرئ مما يسمى الإرهاب، وقد بات - منذ مدة ليست بالقصيرة- كل مسلم يحرص على أن يدافع عن نفسه قبالة التهم التي تأتي من هنا وهناك، بل هناك من المسلمين – خصوصاً بعد الحادي عشر من سبتمبر- من نزع إلى حياة الفرنجة ليقال إنهم مرتبطون عضوياً بالحضارة العصرية أو متعصرنون، ولم يقف الأمر عند المسلمين العاديين فقط بل امتد إلى بعض إلى بعض الدعاة للأسف الشديد.
الحوار لو كان متكافئاً بين الجانبين، لكان أجدى وأنفع، أما أن يحاول الضعيف أن يوهم نفسه أن له مكانة أمام الكبار، فذاك لعمري الغبن بعينه، فهل رأيتهم أسداً يحاور أرنباً، أو رأيتم ذئباً يحاور خروفاً؟.

وليس معنى هذا أن الحوار يجب الا يكون، و على المسلمين أن ينكفئوا على أنفسهم، ويتقوقعون في محيط محدود، كلا ثم كلا، وإنما يتوجب أن يكونوا متفاعلين لا متلقين، ومختارين لما يطرحونه ولما يأخذونه.
لأن الأمة التي لا تزال تؤمن بأن الصراع في الحياة هو صراع حضارات، وأن التاريخ انتهى عند مفردة الرأسمالية الغربية- الأمريكية على وجه التحديد- فمن اللامعقول الانبطاح لأطروحاتها، لا سيما وأن الجميع يعلم أنها أمة استحواذية، واحتوائية لا يهمها من الحوار سوى كسب مزيد من الرقع الجغرافية، ولو تطلب طحن ملايين من الشعوب لقاء ذلك.

ودائماً كما هو معلوم لكل ذي لب أن العبرة بالنتائج، وهل توجد فعلا نتائج مستقبلية لمثل هذه الحوارات تعود بالخير على المسلمين أم أن المقصود من هذه الحوارات – التي تسمى دينية- تشويه الإسلام أكثر، وطمس معالمه الحقيقية!!
 

 

الشرق القطرية 19/11/2008م بـ"تصرف"

المصدر: http://www.islamweb.net/media/index.php?page=article&lang=A&id=154100

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك