الإرهاب الإسرائيلي ضد أمريكا والعالم
الإرهاب الإسرائيلي ضد أمريكا والعالم
أيمن حاج أسد
ظهر في الآونة الأخيرة مجموعة من المفكرين والسياسيين الأمريكيين ممن يطالبون الحكومة بالضغط على إسرائيل بإيقاف الإرهاب على الفلسطينيين، أو حتى إيقاف أو تحجيم الدعم لها، وبدأ هذا التيار بالتعاظم خصوصاً بعد استلام آرييل شارون للسلطة في إسرائيل نظراً لماضيه الحافل بجرائم الحرب والإبادة البشرية وانتهاكات حقوق الإنسان. وينقسم هؤلاء في موقفهم هذا إلى فريقين، الأول مقتنع بضرورة الوقوف إلى جانب الفلسطينيين بدواعٍ إنسانية، والدفاع عن حقهم في إقامة دولة فلسطينية مستقلة تجمعهم، والثاني ممن اتفقت مصالحهم مع الفلسطينيين حيث يرون وجوب تحجيم دور اللوبي الصهيوني في أمريكا وإيقاف مليارات الدولارات التي تصرف سنوياً لتسليح إسرائيل من جيوب المواطن الأمريكي.
مؤلف الكتاب، الذي نقدمه هنا، من أشهر ممثلي الفريق الأخير، إذ يعتبر ديفيد ديوك من نشطاء اليمين المتطرف في الولايات المتحدة وحزبه يعادي اليهود معاداة شديدة من منطلق عنصري ورغبته الأولى والأساسية حالياً هي تحرير أمريكا من السيطرة اليهودية والإسرائيلية التي يعدها الخطر الأكبر على أمريكا والعالم.
منذ أن تم إعلان دولة إسرائيل وهي ـ حسب المؤلف ـ تحاول أن تبني شبكة تجسس عالمية تخدم مصالحها وتوجهاتها، واستطاعت أن تدخل في صميم التركيبة السياسية الأمريكية منذ أكثر من نصف قرن، وعرفت من خلال تجاربها كيف تضع أصابعها على خلايا القوة والضعف في هذه التركيبة، وكيف تسخرها لمصالحها،فقد حملت صحيفة معاريف (2/9/1994) في مقال مطول بعد سنتين من استلام كلينتون منصبه كرئيس للجمهورية عنوانه "اليهود الذين يريدون بلاط كلينتون"، وكان رد شارون على وزير خارجيته بيريز على تحذيره من إمكانية فقدان المساعدات الأمريكية إذا لم تسحب إسرائيل قواتها من مدن الضفة الغربية: "كلما نفعل شيئاً تقول لي ستقول أمريكا بهذا أو ذاك.. أريد أن أقول لك شيئاً واضحاً جداً؛ لا تقلق من الضغط الأمريكي على إسرائيل، نحن الشعب اليهودي نسيطر على أمريكا، وأمريكا تعرف ذلك" (3/أكتوبر 2001م).
من الضروري أن نعرف ما الذي جعل ابن لادن وملايين آخرين في العالم يكرهون أمريكا إلى هذا الحد ولماذا يوجد هذا العدد الكبير من الناس المستعدين للمخاطرة بأرواحهم أو للتضحية بها للنيل منها؟ وأنه من السذاجة التصديق بأن أولئك الملايين الذين يتزايد عددهم يوماً بعد يوم إنما يكرهون أمريكا لأنها حرة "هذا ما حاول تضليل العالم به جورج بوش إثر هجمات واشنطن ونيويورك".
يمكن لنا أن ندرك الجواب ونرى الحقيقة قابعة وراء الدعم اللامحدود لزعيمة الإرهاب إسرائيل والتي مارست وتمارس أفظع أنواع الإرهاب على الشعب الفلسطيني. لقد رفضت إدارة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون التقرير السنوي الذي صدر عن الأمم المتحدة والذي يدين إسرائيل بشأن مذبحة "قانا" في جنوبي لبنان، وترفض أيضاً أن يكون الجيش الإسرائيلي قد قام بهذه العملية عن سبق إصرار كما جاء في التقرير نفسه.
إن قتل إسرائيل للاجئين الفلسطينيين بعد أن ضمنت الولايات المتحدة أمنهم وسلامتهم علناً لا يعد جريمة ضد الإنسانية فحسب، بل أيضاً خيانة كبيرة لأمريكا، لقد كان شارون والمتورطون معه في المذبحة عالمين تماماً بالوعد العلني الذي قطعته أمريكا حول أمن وسلامة اللاجئين، وإن مذبحة صبرا وشاتيلا كانت المحرك الرئيسي للهجوم الانتحاري الذي أودى بحياة 241من المارينز الأمريكيين في بيروت، بعد أقل من سنة، وهو دليل واضح على النتائج الرهيبة التي تتحملها أمريكا جزاء دعمها للإرهاب الإسرائيلي.
تزعم أمريكا أنه لا علم لها بجرائم قتل جماعي قام بها شارون! وعوضاً عن تقديم مذكرة جلب بحق شارون ورميه وراء القضبان ومعاقبتة على جرائم القتل الجماعي التي مارسها نجد الرئيس بوش يحيي شارون بمصافحة حارة ويعانقه! كم سيضحك العالم في نفسه وتنعدم ثقته عندما يرى بوش يتشاور مع شارون حول "مكافحة الإرهاب" !
إذا كان بوش جاداً حقاً في معاقبته الدول التي ترعى الإرهاب وتدعمه فعليه أن يبدأ بإسرائيل التي انتخبت رئيساً لوزرائها أسوأ إرهابي في العالم وأكثرهم دموية، هل يعاقب مجلس الشيوخ الأمريكي ـ الذي تسيطر عليه إسرائيل ـ على رعايتها للإرهاب؟ أبداً بل نحن نزود إرهابي إسرائيل بأموال وسلاح الأمريكيين الذين يستخدمونها في جرائم القتل! هذا الموقف يشير إلى مدى تحيز هذه الإدارة إلى جانب إسرائيل ودعمها لكل ما تقوم به، ليس لمجرد منافاته للمبادئ التي ينادي بها الدستور الأمريكي وإعلان حقوق الإنسان الذي تتبناه أمريكا بل أيضاً لمنافاته لكل الأخلاقيات الإنسانية.
لا يمكن لوسائل الإعلام والحكومة الأمريكية أن تفرق بين الأمرين: إذا كان الباعث لأمريكا على مهاجمة أفغانستان هو منح الأخيرة العون والملاذ للإرهابيين فإن الفلسطينيين يجدون بشكل طبيعي نفس الباعث لمهاجمة أمريكا لأنها تمنح العون بل الدعم العسكري لإسرائيل.
يرى ديفيد ديوك أن الذين سمحوا لدولة أجنبية إرهابية (إسرائيل) أن تسيطر على الحكومة هم خونة الولايات المتحدة فقد صرح الرئيس الأسبق للجنة العلاقات الخارجية للكونغرس الأمريكي السيناتور : وليام فولبرات لبرنامج تلفزيوني لمحطة ABC أمام الشعب الأمريكي : إن إسرائيل تسيطر على مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة الأمريكية، ولم يكن فولبرايت الوحيد في توجيه ذلك الاتهام بل إن الرئيس الأسبق لأركان القوات المسلحة جورج براونGeorge Brown وكثيرون آخرون قالوا الشيء نفسه.
لم يقف "الإرهاب الإسرائيلي على ممارسته على الفلسطينيين بل تعدى ذلك حتى على أقرب الحلفاء والأصدقاء لها" فلقد شنت الحكومة الإسرائيلية عام 1954 عملية إرهابية سرية ضد الولايات المتحدة أطلقت عليها عملية سوزانا: Susannah قامت فيها بقتل أمريكيين ونسف مؤسسات أمريكية في مصر وكانت الخطة تقضي بترك شواهد كاذبة مضللة تشير إلى أن المصريين فعلوا ذلك لجعل أمريكا تدخل في حرب ضد مصر إلى جانب إسرائيل، ولحسن الحظ اكتشفت المؤامرة وأجهضت في مهدها. واليوم تقوم وسائل الإعلام الأمريكية "بإخفاء خيانات إسرائيل بشكل بارع جعل معظم الأمريكيين لا يعرفون شيئاً عنها" على حد تعبير ديوك.
ففي خلال حرب الأيام الستة عام 1967 قامت زوارق طوربيد حربية بشن هجوم على البارجة الأمريكية Liberty وقد أوقع هذا الهجوم 34 قتيلاً و171 جريحاً في صفوف الجنود الأمريكيين وادعت أن الأمر كان خطأً في التعرف على هوية البارجة وأنهم ظنوها بارجة حربية مصرية ، قال وزير الخارجية الأمريكي في حينه دين رسنك Dean Rusk إن الهجوم لم يكن حادثة عرضية ، بل إن إسرائيل هاجمت البارجة قاصدة متعمدة فالهجوم كان في وضح النهار والبارجة كانت ترفع علماً أمريكياً كبيراً ، وكانت إسرائيل تريد أن ترمي بإثم هذا الهجوم على عدوتها مصر. ولم تبد الصحافة الأمريكية (المسيطر عليها من قبل الصهاينة) أي غضب إزاء هذا الاعتداء وقبلت ببلادة الحجة الإسرائيلية المخادعة في تبرير ما حدث وحال اللوبي اليهودي دون تشكيل الكونغرس للجنة تحقيق رسمية في الحادث.
إن الابتهاج استولى على قلب كل إرهابي إسرائيلي وهو يشاهد خيوط الدخان تتصاعد من البرجين التوأمين حتى إن مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI أوقف خمسة إسرائيليين كانوا على سقف أحد المباني المجاورة للبرجين يصورون الحادثة تصوير فيديو وهم يصيحون تأييداً وابتهاجاً. الواضح أن الهجوم على مركز التجارة العالمي كان مفيداً جداً لإسرائيل، في الحقيقة كانت إسرائيل الدولة الوحيدة في الدنيا التي استفادت منه . لقد غطى هول هذا الهجوم وفظاعته بشكل كامل على سجل الخمسين عاماً من الإرهاب الإسرائيلي الذي لا يلين، فقد صرح كل من مكتب التحقيقات الفدرالي FBI ووكالة المخابرات المركزية CIA أن الهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون كان عملية خفية استخدمت شبكة عالمية تتضمن مئات من الإرهابيين ينتمون لدول في القارات الثلاث. فهل من الممكن لعميل الموساد في القاعدة ولبقية أفراد شبكة الموساد الواسعة التي تشمل آلاف الاختراقات والمخبرين، ألا يكون قد اطلعوا على أكبر عملية إرهابية؟ فهناك دلائل قوية تتراكم يوماً بعد يوم وتثبت أن الإسرائيليين علموا سابقاً بهذا العمل الإرهابي ثم وبكل دم بارد لم يحذروا الولايات المتحدة لأنهم رأوا أن المذبحة تفيد إسرائيل بشكل واضح، وذلك يعني أنهم لم يجدوا مانعاً من تحريض ومساعدة وقوع تلك الخطة الإرهابية بشكل خفي عبر عملائهم من المحرضين وعندما قامت وسائل الإعلام بالعرض المتكرر لبضعة من الفلسطينيين الذين عانوا طويلاً يبتهجون بالهجمات، انطبع عند المشاهدين تصور خاطئ بأن الفلسطينيين لهم يد في هذا الإرهاب، هذا على الرغم من أن المنظمات الفلسطينية كلها أدانته ولم يثبت تورط فلسطيني واحد فيه.
ليس صوت ديوك الوحيد في الولايات المتحدة الذي يتفق مع منظور العرب والمسلمين تجاه الصهيونية وإسرائيل، ولكنه واحد من الأصوات العديدة التي تنتشر في الولايات المتحدة (من أمثال: نعوم تشومسكي وبول فندلي ووليم بيكر..)، ومهما تكن دوافعها (إيماناً بالحق الفلسطيني، أو كرهاً بإسرائيل والصهيونية) فإن وجود هذه الأصوات يجب أن تجعلنا نسعى لتعزيزها ودعمها، فالعمق الأمريكي مهم كثيراً بالنسبة للتأثير على الإسرائيليين، وخدمة المصالح العربية والإسلامية.
المصدر: http://www.islamweb.net/media/index.php?page=article&lang=A&id=32815