الحوار الوطني واختلاف الرأي

الحوار الوطني واختلاف الرأي

لا تكفي البيانات المعدة بعناية وتدقيق وحذق، لإقناع الرأي العام بوصول الحوار السياسي بين المؤتمر الوطني وحزب الأمة القومي إلى طريق مسدود، ونهاية للجدل الدائر منذ فترة حول مشاركة حزب الأمة القومي في الحكومة العريضة من عدمها، فنقاط الاتفاق والخلاف التي ذكرت في البيان، ليست بأي حال من الأحوال هي النقاط الحقيقية، لأنها ـ كما ورد في البيان ـ جاءت في سياق تعميمي بلا تفصيل وليست هي محل خلاف في صورتها التي ظهرت بها..
نقاط الاتفاق ليس حولها أي خلاف بين أي جهتين تعملان في المجال السياسي سواء كان في الحكومة أو المعارضة، ونقاط الخلاف طبقاً للبيان المشترك الذي وقعه عن المؤتمر الوطني الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل وعن حزب الأمة القومي صديق محمد إسماعيل الأمين العام للحزب، مجرد عبارات مطاطة لا تحمل مضموناً حقيقياً ولا تركزت حول قضايا محددة وتفاصيل يمكن تقييمها ومقاربتها من مواقف الحزبين وبرامجهما وتوجهاتهما المعلنة التي يمكن القياس عليها.
وهذا البيان يجعلنا نغلب الظن، بأن الحوار مع حزب الأمة القومي  لم يكن حواراً جاداً بغرض الوصول لأرضية مشتركة تمهد لمشاركة حزب الأمة، ويبدو أن الخلاف داخل الحزب التقليدي الهرم، وداخل بيت زعيمه هي التي جعلت النتيجة ومخاض الحوار تكون على ما ظهرت به في البيان..
وسبق أن قال الرئيس عمر البشير رئيس الجمهورية ورئيس المؤتمر الوطني إنه لا توجد خلافات أبداً مع حزب الأمة القومي والاتحادي الديمقراطي بقيادة الميرغني حول التوجهات والأفكار والمباديء العامة والأطر الفكرية التي تقوم عليها الأحزاب الثلاثة، فإذن الخلاف غير الذي ذكر للناس في البيان المشار إليه والذي لم يشبع رغبة أحد في التعرف على حقيقة الخلاف.
تتجاذب حزب الأمة القومي تيارات صراعية تتعارك في كل شيء، ولا يستطيع رئيس الحزب الإمام الصادق المهدي حسم مثل هذه الصراعات إلا بمواقف غائمة وغامضة، كما أنه لم يستطع مغالبة أوهام وهواجس ووسواس لديه بأن المشاركة في مثل هذه الظروف تكون عليه في الغالب وليس لصالح حزبه في شيء، لذا يغلق الباب في الحوار مع الوطني لكنه يسارع قبل تلاشي صرير الباب المغلق لفتح النوافذ لنسمة حوار أخرى ..!!وهذا ديدن حزب الأمة القومي وطرائق تفكير قيادته المترددة وهي ممتلئة الدواخل بالحيرة القاتلة، ولسان الحال عند قيادة الحزب يردد بيت الشعر المشهور:
وعاجز الرأي مضياع لفرصته
حتى إذا فات أمر عاتب القدرا
وفي كثير من التصريحات السابقة وتسريبات الأخبار بالصحف كانت تشير إلى أن حزب الأمة يريد 50% من السلطة وأن حواره مع المؤتمر الوطني كان يتركز في غنائم السلطة وعدد ونوعية الوزارات وموقع قيادته في مساقات السلطة ومكامنها ومراتبها الرفيعة، فلو ضمن حزب الأمة أنه سيعطى ما يريد لما وصل الحوار لطريق مسدود ولما كانت نقاط الخلاف تظهر وكأنها مواقف مبدئية حول مفاهيم الشراكة والتحولات المطلوبة في النظم ومستويات الحكم والأجندة الوطنية والبرامج ...!
صحيح أن الحوار السياسي لا يعني المشاركة في الحكم،  ويجب على الأحزاب جميعاً أن لا تقرنه بذلك وتجعله من أشراط وعلامات ساعة تقاسم السلطة، لكنه أي الحوار يقرِّب بين المزاج والأفكار أكثر، ويدفع نحو ملتقيات سياسية وفكرية أعمق وتفاهمات تؤهل كل الأطراف للاتفاق على قواسم وطنية تعبِّد الطرق نحو المشاركة في السلطة وتكوين حكومة تضم الجميع ممن يتفقون على برنامج موحد.
غير ذلك فإن موقف حزب الأمة القومي وعدم التوصل لاتفاق مع المؤتمر الوطني فيه الكثير من الخفايا التي لم يتطرق لها البيان المشترك ولن يتطرق لها، لأن طبيعة الراهن السياسي وتحدياته  جعلت الحزب التقليدي المعارض يتراقص على حبال الدخان ظناً منه أن مشاركته في هذه المرحلة لن تفيده وهو يحلم بقرب نهاية السلطة الحاكمة. ومثل هذا التفكير يجعل صاحبه يجيد حرفة الانتظار.. وسينتظر طويلاً جداً.   
 

المصدر: http://alintibaha.net/portal/index.php?option=com_content&view=article&id=3429:2011-10-06-04-10-49&catid=100:2011-06-23-04-14-16&Itemid=500

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك