قصة إسلام القسيس \" انسيلم ترميدا \"
قصة إسلام القسيس \" انسيلم ترميدا \"
صاحب كتاب
[ تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب ][2/2]
موسى بن سليمان السويداء |
للأسف الشديد أغلب المؤلفين لكُتب التراجم والتواريخ لم يُترجموا لـلقسيس \" انسيلم ترميدا \" المعروف بعبدالله الترجمان حتى أن السخاوي مع أنه اعتنى بتراجم علماء القرن التاسع في كتابه \" الضوء اللامع \" فلم يترجم له ! والسبب - والله أعلم – هو أن عبد الله الترجمان لم يكن متصدراً للتعليم بل كان من رجال أمير المؤمنين في تونس أبي العباس أحمد بن محمد الحفصي فقد ولاه ترجمة رسائل الأوروبيين في ديوانه حتى علق به أسم الترجمان ولهذا السبب أصبح الترجمان مجهول للعلماء إلا عند النزر اليسير من أهل العلم والعوام في تونس فلذا لا توجد له ترجمة وافية أكثر مما ترجم هو لنفسه في مقدمة كتابه . والآن نبقى مع عبد الله الترجمان يحدثنا عن قصة حياته وإسلامه من مقدمة كتابه \" تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب \" فيقول : فسكنت بها كنيسة لقسيس كبير السن وعندهم كبير القدر أسمه \" نقلاومرتيل \" وكانت منزلته بينهم بالعلم والدّين والزهد رفيعة جداً أنفرد بها في زمنه عن جميع أهل دين النصرانية فكانت الأسئلة مخصوصاً في دينهم ترد عليه من الأفاق من جهة الملوك وصُحبة الأسئلة من الهدايا الضخمة ما هو الغاية في بابه ويرغبون في التبرّك به وفي قبولهم لهُ لهداياهم فيتشرفون بذلك فقرأت على هذا القسيس علم أصول دين النصرانية وأحكامه ولم أزل أتقرب إليه بخدمتي والقيام بكثير من وظائفه حتى صيرّني أخص خواصه وانتهيت في خدمتي والتقربي إليه إلى أن دفع مفاتيح مسكنه وخزائن مأكله على يدي ولم يستثني من ذلك سوى مفاتيح بيت صغير بداخل مسكنه كان يخلوا فيه بنفسه الظاهر أنه بيت خزانة أمواله التي تهدى إليه والله أعلم بحقيقته فلازمته على ما ذكرنا من القراءة عليه والخدمة له عشر سنين ثم أصابه مرض يوماً من الدّهر فتخلّف عن القراءة وأنتظره أهل المجلس وهم يتذاكرون مسائل من العلوم إلى أن أفضى بهم الكلام إلى قول الله تعالى على نبيه عيسى عليه السلام أنه يأتي من بعده نبي أسمه \" البارقليط \"[8] فعظم بينهم في ذلك مقالهم وكثر جدالهم ثم انصرفوا عن غير تحصيل فائدة عن تلك المسألة فأتيت مسكن الشيخ صاحب الدرس المذكور فقال لي ما الذي كان عندكم اليوم من البحث في غيبتي عنكم فأخبرته باختلاف القوم في أسم \" البارقليط \" وأن فلان قد أجاب بكذا وأجاب فلان بكذا وسردت لهُ أجوبتهم فقال لي : وبما ذا أجبت أنت فقلت : بجواب القاضي فلان في تفسيره للإنجيل فقال لي : ما قصّرت وقربت وفلان أخطأ وكاد فلان أن يقارب ولكن الحق خلاف هذا كله لأن تفسير هذا الاسم الشريف لا يعلمه إلا العلماء الرَّاسخون في العلم وأنتم لم يحصل لكم من العلم إلاَّ القليل ؛ فبادرت إلى قدميه أقبلها وقلت لهُ : يا سيدي قد علمت أني ارتحلت أليك من بلاد بعيدة ولي في خدمتك عشر سنين حصّلت عنك فيها من العلوم جملة لا أحصيها فلعل من جميل إحسانكم أن تكمل عليّ بمعرفة هذا الاسم الشريف فبكى الشيخ وقال لي : يا ولدي والله إنك لتعز عليّ كثيراً من أجل خدمتك لي وانقطاعك إلي وإن في معرفة هذا الاسم الشريف فائدة عظيمة لكن أخاف عليك أن تظهر فتقتلك عامة النصارى في الحين فقلت : يا سيدي والله العلي العظيم وحق الإنجيل ومن جاء به لا أتكلم بشيء ممَّا تُسرّه إلي عن أمرك فقال : يا ولدي إني سألتك في أول قدومك إلي عن بلدك وهل هو قريب من المسلمين وهل يغزونكم أو تغزونهم لأستخبر به ما عندك من المنافرة للإسلام فاعلم يا ولدي أن \" البارقليط \" هو أسم من أسماء نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم , وعليه أنزل الكتاب الرَّابع المذكور على لسان دانيال عليه السلام وأخبر أنه سينزل هذا الكتاب عليه وأن دينه دين حق وملته هي الملة البيضاء المذكورة في الإنجيل فقلت لهُ : يا سيدي ما تقول في دين النصارى ؟ فقال لي : يا ولدي لو أنَّ النصارى قاموا على دين عيسى عليه السلام لكانوا على دين الله لأن عيسى وجميع الأنبياء دينهم دين الله تعالى , فقلت لهُ : وكيف الخلاص من هذا الأمر ؟ فقال : بالدخول في دين الإسلام ، فقلت لهُ : هل ينجوا الدَّخل فيه ؟ قال لي : نعم ينجوا في الدنيا والآخرة , فقلت لهُ : يا سيدي إنَّ العاقل لا يختار لنفسه إلاَّ فضل ما يعلم فإذا علمت فضل دين الإسلام فما يمنعك عنه ؟ فقال لي : يا ولدي إنَّ الله تعالى لم يطلعني على حقيقة ما أخبرتك به من فضل الإسلام وشرف نبي الإسلام إلاَّ بعد كبر سني ووهن جسمي ولا عذر لنا فيه بل حجة الله علينا قائمة ولو هداني الله لذلك وأنا في سنك لتركت كل شيء ودخلت في دين الحق و \" حب الدنيا رأس كل خطيئة \"[9] فأنت ترى ما أنا فيه عند النصارى من رفعة الجاه والعز والترقَّي وكثرة عرض الدنيا ولو أني ظهر علىّ شي من الميل إلى دين الإسلام لقتلتني العامة في أسرع وقت وهب أني نجوت منهم وخلصت إلى المسلمين فأقول أني جئتكم مسلماً فيقولون لي قد نفعت نفسك من عذاب الله فأبقى بينهم شيخاً فقيراً أبن تسعين سنة لا أفقه لسانهم ولا يعرفون حقي فأموت بينهم بالجوع[10] وأنا الحمد لله على دين عيسى وعلى ما جاء به يعلم الله ذلك منّي[11] . فقلت لهُ : يا سيدي أفتدلني أنا أمشي إلى بلاد المسلمين وأدخل ؟ فقال لي : إن كنت عاقلاً طالباً للنجاة فبادر إلى ذلك تحصل لك الدنيا والآخرة ولكن يا ولدي هذا الأمر لم يحضره أحد معنا الآن فأكتمه بغاية جهدك وإن ظهر عليك شيء منه تقتلك العامة لحينك ولا أقدر على نفعك ولا ينفعك أن تنقل ذلك عنّي فإني أجحده ! وقولي مصدق عليك وقولك غير مصدق علي وأنا براء من دمك إن فهت بشيء من هذا , فقلت لهُ : يا سيدي أعوذ بالله من سريان الوهم لهذا وعاهدته بما أرضاه . ثم أخذت من أسباب الرحلة وودعته فدعا لي بخير وزودني بخمسين ديناراً ذهباً وركبت البحر منصرفاً إلى بلادي \" ميورقة \" فأقمت بها ستة أشهر ثم سافرت منها إلى جزيرة \" صقلية \" وأقمت بها خمسة أشهر وأنا أنتظر مركباً يتوجه إلى أرض المسلمين فحضر مركب يُسافر إلى مدينة \" تُونس \" فسافرت فيه من صقلية وأقلعنا عنها قرب مغيب الشفق فوردنا مرسى \" تُونس \" قرب الزوال بحكم الله تعالى فلما نزلت بديوان \" تُونس \" وسمع بي الذين بها من أجناد النصارى أتوا بمركوب وحملوني معهم إلى ديارهم وصحبتهم بعض التجار الساكنين أيضاً \" بتُونس \" فأقمت عندهم في ضيافتهم على أرغد عيش أربعة أشهر وبعد ذلك سألتهم هل بدار السلطنة أحد يحفظ لسان النصارى ؟ وكان السلطان رجلاً فاضلاً من كبراء خدَّامه أسمه يوسف الطبيب وكان طبيبه ومن خواصه ففرحت بذلك فرحاً شديداً وسألت عن مسكن هذا الرجل الطبيب فدللت عليه واجتمعت به وذكرت له ُ شرح حالي وسبب قدومي للدخول في الإسلام فسرّ الرجل بذلك سروراً عظيماً بأن يكون هذا الخير على يده ثم ركب فرسه واحتملني معه لدار السّلطان ودخل عليه فأخبره بحديثي واستأذنه علي فأذن لي فتمثلت بين يديه فأول ما سألني السلطان عن عمري , فقلت له : خمسة وثلاثون عاماً ثم سألني كذلك عمّا قرأت من العلوم فأخبرته فقال لي : قدمت خير قدوم فأسلم على بركة الله تعالى فقلت للترجمان وهو الطبيب المرقوم : قل لمولانا السلطان أنه لا يخرج أحد من دين إلا ويكثر أهل القول فيه والطعن عليه فأرغب من إحسانكم أن تبعثوا إلى الذين بحضرتكم من تجار النصارى وأجنادهم وتسألوهم عنّي وتسمع ما يقولون في جنابي وحين إذ أسلم فقال لي : بواسطة الترجمان أنت طلبت كما طلب عبد الله بن سلام من النبي صلى الله عليه وسلم حين أسلم ثم أرسل إلى أجناد النصارى وبعض تجارهم وأدخلني في بيت قريب من مجلسه فلمّا دخل النصارى عليه قال لهم : ما تقولون في هذا القسيس الجديد الذي قدم في هذا المركب ؟ قالوا : يا مولانا هو عالم كبير في ديننا وقالوا شيوخنا ما رأوا أعلى منه درجة في العلم والدين في ديننا , فقال لهم : إذا أسلم فقالوا : نعوذ بالله من ذلك هو ما يفعل هذا أبداً فلما سمع ما عند النصارى بعث إلي فحضرت بين يديه وتشهدت بشهادة الحق بمحضر النصارى فصلّبوا على وجوههم وقالوا : ما حمله على هذا إلا حب التزويج فإن القسيس عندنا لا يتزوج[12] فخرجوا مكروبين محزونيين فرتَّب لي السلطان - رحمه الله – كل يوم ربع دينار وأسكنني في دار المختص وزوجني ببنت الحاج محمد الصفار فلما عزمت على البناء بها أعطاني مئة دينار ذهباً وكسوة جديدة كاملة فابتنيت بها وولد لي منها ولداً أسمه محمداً .. )) . --------------------- وفي هذا الفصل قصته مع أحد أصحابه القساوسة القدامى يطلب منه العودة إلى النصرانية ! فلما أجتمع بالترجمان الذي صعد إليهم للمراكب , قال له : ما أسمك ؟ فجلست في ناحية وترجمته بالعربية , ثم ناولتهُ - أي المترجمة - فقرأها ثم قال لأخيه المولى إسماعيل : والله العظيم ما ترك منه شيئاً , فقلت لهُ : يا مولي وبأي شيء عرفت ذلك ؟ قال : بنسخة أخرى ترجمها الجنويّون ، ثم قال لي : يا عبد الله .. وماذا عندك أنت في جواب هذا القسيس ؟ فقلت : يا مولاي .. الذي عندي ما علمته منّي من كوني أسلمت باختياري , ورغبة في دين الحق , ولست أجبه إلى شيء مما أشاره إلي قطعاً , فقال لي : قد علمنا صحة إسلامك ولا عندنا فيك شك أصلاً ولكن \" الحرب خدعة \"[4] , فأكتب إليه في جوابك أن يأمر صاحب المركب أن يفادي سلع المسلمين ويرخص عليهم , وقل لهُ إذا اتفقتم مع تجار المسلمين على سعر معلوم , فإني أخرج مع الوزَّان بقصد وزن السلع , ثم أهرب إليكم بالليل . وكان نص كتابه أما بعد : ( السلام من أخيك فرنصيص القسيس : نعرفك أني وصلت إلى هذا البلد برسمك لأحملك معي , وأنا اليوم عند صاحب ( صقلية ) بمنزلة أن أعزل , وأولي , وأعطي , وأمنع , وأمر جميع مملكته بيدي , فاسمع مني وأقبل إلي على بركت الله تعالى , ولا تخف ضياع مال ولا جاه وغير ذلك , فإن عندي من المال والجاه ما يغمر الجميع وأعمل لك كل ما تريد ) انتهى .. )) . --------------------------- |
المصدر: http://saaid.net/gesah/387.htm