الحوار في الاسلام
الحوار في الاسلام
د. حسن كامل إبراهيم
إذا كان الآخر ينادي بصدام الحضارات إلا أننا كمسلمين نرفض هذا التصادم، فلم نقرأ في التاريخ الإسلامي أن المسلمين شجعوا على صدام أو تصادم الحضارات، بل على العكس تزخر صفحات التاريخ الإسلامي بكثير من الحوارات الحضارية التي قام بها المسلمون في كثير من عصورهم الزاهرة وخاصة في العهد: الأموي، العباسي، والأندلسي. ويرجع ذلك إلى أن الدين الإسلامي يحض الإنسان المسلم على الحوار مع الآخر سواء كان الآخر مسلما أو على ملة أخرى غير دين الإسلام.
فقد ور د لفظ الحوار في ثلاثة مواضع في القرآن الكريم، قال ـ سبحانه وتعالى ـ "فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا" [الكهف/ 34]، وقال أيضا " قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا" [الكهف/ 37]، وقال أيضا "قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما" [المجادلة/ 1]. وتشير هذه الآيات الثلاث إلى الاختلاف بين المتحاورين ومحاولة إقناع بعضهم بعضا. ونستفيد من ذلك أيضا أن الحوار يعني مراجعة الكلام وتداوله بين طرفين مختلفين.
إن الإسلام دين الحوار بعبارة أخرى إن الحوار منهج قرآني، فالإنسان المسلم يتحاور مع الآخرين نظرا لأن الإسلام يحضه على الحوار، ويبدو الحوار في القرآن الكريم على كثير من المستويات. فقد كلم الله ـ سبحانه وتعالى ـ الملائكة واستمع إليهم، يقول سبحانه وتعالى "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء" [البقرة / 30] . وكذلك رسله يقول ـ سبحانه وتعالى ـ "وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم ء أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله" [المائدة/ 116 ] . وأيضا إبليس يقول ـ سبحانه وتعالى "قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين" [الأعراف/ 12]. ويشتمل القرآن الكريم على كثير من محاورات الرسل مع أقوامهم. يقول سبحانه وتعالى "قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السموات والأرض" [إبراهيم/ 10] .
ولقد أورد القرآن الكريم حوار إبراهيم عليه السلام مع مدعي الربوبية. يقول سبحانه و تعالى "ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين" [البقرة/ 258].
وحوار موسى عليه السلام مع فرعون مدعي الألوهية والربوبية ورد في سور عديدة في القرآن الكريم، وأيضا بقية الرسل عليهم صلوات الله وسلامه حيث يحاورون أقوامهم بالحكمة لدعوتهم إلى الله وتوضيح الحق لهم والرد على شبهاتهم. ولقد أورد القرآن الكريم حوار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع امرأة. يقول سبحانه وتعالى "قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير" [المجادلة/ 1].
إذا الحوار مطلب إسلامي لكي نقوم بواجبنا تجاه الأمم الأخرى ليس لإفادة أنفسنا فحسب بل لفائدة الأمم الأخرى أيضا لنوصل إليها الخير الذي أمرنا الله به أعني الإسلام الذي يخرج الناس من الظلمات إلى النور.
* كاتب وباحث أكاديمي في جامعة الملك سعود