تعظيم الفتيا

تعظيم الفتيا

تأليف
الشيخ الإمام جمال الدين أبى الفرج عبد الرحممن بن على
الشهير بــــــــــ " ابن الجوزى"
( 510 – 597 هـ )

راجعه واعتنى به
الشيخ / منير عرفه
Monirrrrrrr@yahoo.com
ويليه
ريحانة الإفتاء وجلال العلماء
للشيخ / منير عرفه
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله الذى فضلنا على الأمم بغزارة العلوم، ورزقنا ما لم يرزقهم من قوة الفهوم، وصلى الله على نبينا محمد البالغ من الشرف أقصى المبروم، وعلى أصحابه وأتباعه صلاة تدوم، أما بعد :
فإن الله عز وجل مَنَّ علينا بالقرآن وحفظه من تبديل وتحريف، وبالسنة التى أنشأ لها علماء يحرسونها عن تحريف، وباستخراج الفقه منهما وهو العلم الشريف، غير أنه لا يحصل إلا لمن حفظ القرآن والسنة ورزق الفهم اللطيف، وقد كان علماء السلف لا ينصبون أنفسهم للفتوى إلا بعد استكمال شروطها، فكانوا يحفظون القرآن، ويعرفون ناسخه من منسوخه، ومحكمه من متشابهه، وخاصة من عامه، ويوغلون فى علومه ويحفظون اللغة العربية والأحاديث المروية، وينظرون فى عدالة نقلتها، فيميزون صحيحها من سقيمها، وناسخها من منسوخها، ويوغلون فى علوم لا تلزم لخوف أن تتعلق بما يلزم.
فصل صفة المفتى ومرجعيته
[1] أخبرنا عبد الحق بن عبد الخالق، أنا محمد بن مرزوق الزعفرانى، أنا أبو بكر أحمد بن على بن ثابت الخطيب، أنا أحمد بن أبى جعفر القطيعى وعلى بن أبى على البصرى قالا : أنا على بن عبد العزيز البرذعى، نا عبد الرحمن بن أبى حاتم، نا أبى ، قال سمعت يونس بن عبد الأعلى قال : قال محمد بن إدريس الشافعى – رحمه الله - : " الأصل : القرآن والسنة، فإن لم يكن، فقياس عليهما، وإذا اتصل الحديث عن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – ، وصح الإسناد منه : فهو سنة، والإجماع أكبر من الخبر المنفرد، ، وإذا تكافأت الأحاديث؛ فأصحها – إسنادا – أولاها، وليس المنقطع بشئ ما عدا منقطع ابن المسيب.
[2] أخبرنا عبد الحق، نا ابن مرزوق، أنا أحمد بن على، أنا إبراهيم بن عمر البرمكى، (ح) وأنبأنا محمد بن عبد الباقى، عن البرمكى أنا محمد بن عبد الله بن خلف، نا عمر بن محمد الجوهرى، نا أبو بكر الأثرم، قال : رأيت أبا عبد الله أحمد بن حنبل – رضى الله عنه - إذا كان فى المسألة عن النبى – صلى الله عليه وآله وسلم – حديث لم يأخذ فيها بقول أحدٍ من الصحابة ، وإذا كان فى المسألة عن أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – قول مختلف تخير من أقاويلهم ولم يخرج عن أقاويلهم إلى من بعدهم، وإذا لم يكن تخير من أقاويل التابعين، وربما كان الحديث عن النبى – صلى الله عليه وآله وسلم – وفى إسناده شيئ فيأخذ به إذا لم يجئ خلافه أثبت منه، مثل حديث عمرو بن شعيب وإبراهيم الهجرى، وربما أخذ بالمرسل ما لم يجئ خلافه.
[3] أخبرنا عبد الحق، أنا ابن مرزوق، نا أحمد بن على بن ثابت الخطيب – رحمه الله -، قال : أصول الأحكام فى الشرع أربعة :
الأول : العلم بكتاب الله – عز وجل – وما تضمنه من الأحكام محكما ومتشابها، وعمومًا وخصوصًا، ومجملاً ومفسرًا ، وناسخًا ومنسوخًا .
والثانى : العلم بسنة رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – الثابتة من أقواله وأفعاله، وطرقها فى التواتر والآحاد، والصحة والفساد، وما كان منها على سبب وإطلاق.
والثالث : العلم بأقاويل السلف فيما أجمعوا عليه واختلفوا فيه، ليتبع الإجماع ويجتهد فى الرأى مع الاختلاف.
والرابع : العلم بالقياس الموجب لرد الفروع المسكوت عنها إلى الأصول المنطوق بها والمجمع عليها، حتى يجد المفتى طريقًا إلى العلم بأحكام النوازل وتمييز الحق من الباطل، فهذا ما لا مندوحة للمفتى عنه ولا يجوز له الإخلال بشئ منه.
[4] قال : وقد أخبرنا محمد بن عبد الوهاب الكاتب، أنا على بن عمر بن محمد الخضرمى، نا حاتم بن الحسن الشاشى، نا على بن خشرم، أنا عيسى بن يونس، عن ابن عون، عن ابن سيرين، قال حذيفة : لا يفتى الناس إلا ثلاثة : رجل قد عرف ناسخ القرآن ومنسوخه، أو أمير لا يجد بدًا ، أو أحمق متكلف .
[5] قال : وأخبرنا أبو الموفق محمد بن محمد النيسابورى، نا أحمد بن محمد بن الأزهر، أنا أحمد بن مروان المالكى، نا عبد الله بن مسلمة القعنبى، نا سهيل قال : قال الشافعى – رحمه الله - : " لا يحل لأحد أن يفتي في دين الله إلا رجلاً عارفاً بكتاب الله، بناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، وتأويله وتنزيله، ومكيه ومدنيه، وما أريد به، وفيما أنزل ، ثم يكون بعد ذلك بصيراً بحديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم-، وبالناسخ والمنسوخ، ويعرف من الحديث ما عرف من القرآن، ويكون بصيراً باللغة، وما يحتاج إليه للعلم والقرآن، ويستعمل مع هذا الإنصاف، وقلة الكلام ويكون بعد هذا مشرفًا على اختلاف أهل الأمصار، وتكون له قريحة بعد هذا، وإذا كان هكذا فله أن يتكلم ويفتي في الحلال والحرام وإذا لم يكن هكذا فله أن يتكلم فى العلم ولا يفتي.
[6] أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقى، عن إبراهيم بن عمر البرمكى عن عبد العزيز بن جعفر، حدثنا أبو بكر الخلال، قال : أخبرنى محمد بن على؛ نا صالح بن أحمد بن حنبل، عن أبيه أنه قال : ينبغى للرجل إذا حمل نفسه على الفتيا أن يكون عالما بالسنن عالما بوجوه القرآن عالما بالأسانيد الصحيحة، وإنما جاء خلاف من خالف لقلة معرفته بما جاء عن النبى – صلى الله عليه وآله وسلم- فى السنن، وقلة معرفتهم بصحيحها من سقيما.
[7] أخبرنا محمد بن ناصر، نا المبارك بن عبد الجبار، نا عبد العزيز بن على الأزجى، قال : سمعت أبا بكر محمد بن أحمد المفيد يقول : نا الحسن بن إسماعيل الربعى، قال : قيل لأبى عبد الله أحمد بن حنبل – رحمه الله - وأنا أسمع : يا أبا عبد الله كم يكفى الرجل من الحديث حتى يمكنه أن يفتى ؟
يكفيه مئة ألف ؟ قال : لا . قيل : مئتا ألف ؟ قال : لا ، قيل : ثلاث مئة ألف؟ قال : لا ، قيل : أربع مئة ألف؟ قال : لا. قيل : خمس مئة ألف؟ قال: أرجو.
فصل ( وقد كان علماء السلف – رضى الله عنهم – مع أنهم قد جمعوا العلوم المشروطة فى الفتيا، يمتنعون تورعا ).
[8] أخبرنا ابن عبد الخالق، أنا ابن مرزوق، أنا أحمد بن على الخطيب، أنا الحسن بن أبى بكر، أنا أبو على محمد بن أحمد بن الحسن الصواف، نا عبد الله بن أحمد بن حنبل، نا أبو معمر، نا حكام الرازى، نا جراح الكندى، عن أبى إسحاق، عن البراء، قال : لقد رأيت ثلاث مئة من أهل بدر ما منهم من أحد إلا وهو يحب أن يكفيه صاحبه الفتوى.
[9] أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك، أنا أبو محمد الصريفينى، أنا عمر بن إبراهيم الكتانى، نا البغوى، نا زهير بن حرب، نا جرير، عن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبى ليلى، قال : أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- من الأنصار، ما منهم رجل يُسأل عن شيئ إلا ود أن أخاه كفاه.
[10] أخبرنا عبد الحق بن عبد الخالق اليوسفى، أنا محمد بن مرزوق، أنا أحمد بن على بن ثابت، نا ابن الفضل، نا ابن درستويه، نا يعقوب بن سفيان، نا الحميدى، حدثنا سفيان، نا عطاء بن السائب، عن عبد الرحمن بن أبى ليلى، قال : أدركت مئة وعشرين من الأنصار من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- يُسأل أحدهم عن المسألة، فيرد هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا؛ حتى ترجع إلى الأول.
[11] أخبرنا ابن ناصر، أنا أبو سهل محمد بن إبراهيم، أنا أبو الفضل القرشى، نا أبو بكر بن مردويه، نا محمد بن أحمد بن إسحاق، نا أحمد بن النضر، نا عامر بن سيار، نا أبو الصباح عن عبد العزيز، عن أبيه – وكانت له صحبة – قال : قال لى أبى : يا بنى : رأيت رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- وأصحابه محزونين كأنهم قوم أغمار لا يحسنون شيئًا، فإذا سئلوا عن شيئ أحال بعضهم على بعض، فإياك – يا بنى – أن تقول بغير علم فتخرج من الدين.
[12] أخبرنا عبد الحق، أنا ابن مرزوق، أنا أبو بكر الخطيب، أنا على بن أحمد المقرئ، نا محمد بن الحسين الآجرى، نا أبو العباس أحمد بن سهل الأشنانى، نا الحسين بن الأسود العجلى، نا يحيى بن آدم، نا حماد بن شعيب، عن حجاج، عن عمير بن سعد، قال: سألت علقمة عن مسألة، فقال : ائت عَبيدة فسله، فأتيت عَبيدة فقال : ائت علقمة، فقلت : علقمة أرسلنى إليك.
فقال : ائت مسروقًا فسله، فأتيت مسروقًا، فقال : ائت علقمة فقال علقمة أرسلنى إلى عبيدة، وعبيدة أرسلنى إليك، قال : فأت عبد الرحمن بن أبى ليلى، فأتيته، فسألته، فكرهه، ثم رجعت إلى علقمة فأخبرته، فقال : كان يُقال : أجرأ القوم على الفتوى أدناهم علما.
[13] وقال الآجرى : أنا جعفر بن محمد الصندلى، نا محمد بن المثنى، قال: سمعت بشر بن الحارث يقول : سمعت المعافى ابن عمران يذكر عن سفيان ابن عيينة، قال: أدركت الفقهاء وهم يكرهون أن يجيبوا فى المسائل والفتيا حتى لا يجدوا بدا من أن يفتوا، وقال المُعافى : قال سفيان : أدركت العلماء والفقهاء يترادون المسائل يكرهون أن يجيبوا فيها، فإذا أُعفوا كان أحب إليهم.
[14] أخبرنا عبد الحق، أنا ابن مرزوق، نا أبو بكر الخطيب، أخبرنا البرقانى، قال: قُرئ على عبد الله بن محمد بن زياد – وأنا أسمع - : حدثكم محمد بن إسحاق بن خزيمة قال : سمعت يونس بن عبد الأعلى، قال سمعت الشافعى – رحمه الله – يقول : ما رأيت أحدًا جمع الله فيه من آلة الفتيا ما جمع فى ابن عيينة اسكت عن الفتيا منه.
[15] قال الخطيب : وحدثنا أبو نعيم الحافظ، أنا إبراهيم بن محمد بن يحيى، أنا أبو العباس السراج قال: سمعت أبا عبد الله المروزي، قال : سمعت إسحاق ابن راهوية يقول: قال ابن عيينة : أعلم الناس بالفتوى أسكتهم فيها، وأجهل الناس بالفتوى أنطقهم فيها.
]16 [أخبرنا عبد الحق، أنا ابن مرزوق، أنا أحمد بن على بن ثابت، نا ابن الفضل، أنا ابن درستويه، نا يعقوب بن سفيان، نا الحميدى، نا سفيان، عن عطاء بن السائب، قال : أدركت أقواما إن كان أحدهم ليسأل عن الشيء فيتكلم وإنه ليرعد.
[17] قال يعقوب: ونا الفضل بن زياد نا أحمد محمد بن عبد الله الأنصارى، نا الأشعث عن محمد أنه كان إذا سُئل عن شيئ من الفقه الحلال والحرام تغير لونه وتبدل، حتى كأنه ليس بالذى كان.
[18] أخبرنا ابن عبد الخالق قال : أنا الزعفرانى، أنا أبو بكر أحمد بن على، أنا أبو حازم العبدوى، نا محمد بن عبد الله بن إبراهيم نا إبراهيم بن على الذهلى، نا أبو الصلت، قال : حدثنى شيخ – يقرب المدينة – قال : والله إن كان مالك – رضى الله عنه – إذا سئل عن مسألة كأنه واقف بين الجنة والنار.
[19] أخبرنا أبو الحسين اليوسفى، أنا أبو الحسن الزعفرانى، نا أحمد بن على، أنا إبراهيم بن عمر البرمكى، (ح) وأنبأنا محمد بن عبد الباقى عن البرمكى، نا محمد بن عبد الله بن خلف، نا عمر بن محمد الجوهرى، نا أبو بكر الأثرم، قال : سمعت أبا عبد الله يقول : من عرض نفسه للفتيا فقد عرضها لأمر عظيم إلا أنه قد تجئ الضرورة، قال الحسن : إن تركناهم وكلناهم إلى عيٍّ شديد، فإنما تكلم القوم على هذا قيل لأبى عبد الله : فأيُّما أفضل الكلام أو الإمساك؟ قال : الإمساك أحب إلىَّ، لا شك ، قيل له : فإذا كانت الضرورة؟ فجعل يقول : الضرورة الضرورة .
فصل ( وكان علماء السلف – رضى الله عنهم – لشدة ورعهم إذا سُئلوا عن الشيئ يقولون أوقع هذا ؟ فإن لم يكن وقع، قالوا : دعونا حتى يقع ).
[20] وأخبرنا عبد الوهاب بن المبارك الحافظ، أخبرنا أبو محمد الصريفينى، أخبرنا عمر بن إبراهيم الكنانى، نا البغوى، نا زهير بن حرب، نا عبد الرحمن، عن سفيان، عن عبد الملك بن أبجر، عن الشعبى، عن مسروق، قال : سألت أبى بن كعب عن شيئ، فقال : إن كان بعد؟ قلت : لا ، قال : فأجِمَّنا حتى يكون، فإذا كان اجتهدنا لك رأينا .
[21] أخبرنا أبو الحسين بن عبد الخالق، نا أبو الحسن الزعفرانى، أنا أحمد بن على الحافظ، نا أبو عمر بن مهدى، أنا ابن مخلد، نا ظاهر بن خالد بن نزار، قال : حدثنى أبى : أنا عبد الرحمن بن أبى الزناد، عن أبيه، عن خارجه بن زيد، قال : كان زيد بن ثابت إذا سُئل عن الشيئ، يقول : كان هذا؟ فإن قالوا : لا ، قال : دعوه حتى يكون.
فصل ( وكانوا – رضى الله عنهم – يكثرون من قول : " لا أدرى " ، كيف وقد قاله رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- ).
[22] أخبرنا أبو الحسين اليوسفى، أنا أبو الحسين الزعفرانى، أنا أحمد بن على بن ثابت، أنا على بن أحمد بن إبراهيم البصرى، نا الحسن بن محمد بن عثمان، ثنا يعقوب بن سفيان، نا موسى بن مسعود، حدثنا زهير، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن محمد بن جبير، عن أبيه، أن رجلاً أتى النبى – صلى الله عليه وآله وسلم- ، فقال : يا رسول الله أى البلدان شر؟ قال : لا أدرى. فلما أتاه جبريل، قال : أى البلدان شر؟ قال : لا أدرى. فانطلق جبريل، ثم جاء فقال : إنى سألت ربى – تعالى – فقلت : أى البلدان شر؟ فقال : أسواقها .
[23] أخبرنا محمد بن ناصر، أنا أبو سهل محمد بن إبراهيم، أنا أبو الفضل القرشى، أنا أبو بكر بن مردويه، نا محمد بن أحمد بن الحسن، نا بشر بن موسى، نا يحيى بن إسحاق، حدثنا شريك عن عطاء بن السائب، عن أبى البخترى، قال : قال على بن أبى طالب – عليه السلام - : وابردها على الكبد إذا سئل أحدكم عن ما لا يعلم، أن يقول : لا أعلم.
[24] قال ابن مردويه : وحدثنا دعلج، نا محمد بن على بن زيد، أنا أحمد بن شبيب، نا أبى، عن يونس، عن ابن شهاب، عن خالد بن أسلم، قال: خرجنا مع ابن عمر فلحقنا أعرابى فقال : أنت ابن عمر ؟ قال : نعم. قال : أترث العمة ؟ فقال : لا أدرى، فاذهب إلى العلماء بالمدينة فسلهم، فلما أدبر قَبَّل ابن عمر يديه ثم قال : نِعْمَ ما قال أبو عبد الرحمن، سئل عما لا يدرى فقال لا أدرى.
[25] قال ابن مردويه: وحدثنا محمد بن إبراهيم بن محمد، نا أبى، نا أحمد بن سعيد حدثنا ابن وهب، حدثنا حفص بن عمر، عن حيوة بن شريح، عن عقبة بن مسلم، قال : صحبت ابن عمر أربعة وثلاثين شهرًا، وكان كثيرًا ما يُسئل، فيقول : لا أدرى، ثم يلتفت إلى فيقول : هل تدرى ما يريد هؤلاء؟ يريدون أن يجعلوا ظهورنا جسرًا إلى جهنم.
[26] أخبرنا عبد الحق اليوسفى، أنا الزعفرانى، أنا أحمد بن على الحافظ، أنا على بن الحسين، أخبرنا على بن الحسن الرازى، أخبرنا أبو على الكوكبى، حدثنا أحمد بن عبيد، أنا الهيثم بن عدى، عن مجالد، قال : سُئل الشعبى عن شيئ، فقال : لا أدرى، فقيل له : أما تستحيى من قولك لا أدرى وأنت فقيه أهل العراق؟ قال : لكن الملائكة لم تستحى حين قالت : ( سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا ) .
قال أحمد بن على : وأخبرنا محمد بن عبيد الله الحنائى ، أنا أبو بكر النجاد، حدثنا أبو يحيى الناقد، نا خالد بن خداش، قال : سمعت مالك بن أنس – رحمه الله- قال : كنا جلوسًا عند أيوب فسأله عمر بن نافع عن شيئ، فلم يجبه، فقال له عمر : لا أراك فهمت، قال : بلى، قال : فمالك لا تجبنى؟ قال: لا أعلم. قال مالك – ونحن نتكلم- .
[28] أنبأنا محمد بن عبد الباقى، قال : أنبأنا إبراهيم بن عمر البرمكى، نا محمد بن عبد الله نجيب، حدثنا عمر بن محمد الجوهرى، نا أبو بكر الأثرم، أنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: كان أبى يُستفتى، فيكثر أن يقول : لا أدرى.
[29] أخبرنا ابن ناصر، حدثنا أبو سهل، أنا أبو الفضل القرشى، حدثنا ابن مردويه، قال: حدثنى عبد الله بن محمد، حدثنا محمد بن أحمد بن عمرو، حدثنا عبد الله بن أحمد بن كليب، حدثنا عبد الرحمن بن مهدى، قال : سأل رجل مالك بن أنس – رضى الله عنه – عن مسألة، فقال : إنى لا أحسنها.
فقال الرجل : إنى ضربت إليك من كذا وكذا لأسألك عنها، فقال له مالك: فإذا رجعت إلى موضعك فأخبرهم أنى قلت لك : إنى لا أحسنها.
[30] قال ابن مردويه : وحدثنا عبد الله بن محمد بن أحمد بن معدان، حدثنا محمد بن مسلم بن وارة، قال : سمعت أبا نعيم يقول : ما رأيت عالمًا قط أكثر قولا لا أدرى من مالك بن أنس– رضى الله عنه – .
[31] قال ابن مردويه : وحدثنا عبد الله بن جعفر، حدثنا أحمد بن مهدى، حدثنا يحيى بن أكثم، نا عبد الله بن صالح عن الليث، عن محمد بن عجلان، قال : لا أدرى جُنَّة العالم، فإذا أغفلها أوشك أن تُصاب مقاتله.
[32] قال ابن مردويه : وحدثنا أحمد بن إسحاق، حدثنا أحمد بن عمر، وحدثنا الحوطى، حدثنا سعيد بن كثير، قال : سمعت أبا الذَّيَّال يقول: تعلَّم لا أدرى، فإنك إن قلت لا أدرى علموك حتى تدرى، وإن قلت : أدرى، سألوك حتى لا تدرى.
[33] أنبأنا محمد بن عبد الباقى، عن إبراهيم بن عمر البرمكى، حدثنا ابن بطة، حدثنا محمد بن أيوب، قال إبراهيم الحربى : سمعت رجلاً يسأل أحمد بن حنبل – رضى الله عنه – عن يمين، فقال له: كيف حلفت؟ قال الرجل: لستُ أدرى كيف حلفت، فقال أحمد: نا يحيى بن آدم قال: قال رجل لشريك: حلفتُ ولست أدرى كيف حلفت، فقال له شريك : ليت إذا دريت أنت كيف حلفت دريت أنا كيف أفتيك.
...............
فصل ( وقد كان فى السلف – قدس الله أرواحهم – من إذا عرف أنه قد أخطأ لم يستقر حتى يظهر خطأه ويُعلم من أفتاه بذلك ).
[34] أخبرنا ابن عبد الخالق اليوسفى، نا أبو الحسن الزعفرانى، نا أحمد بن على بن ثابت الخطيب، نا القاضى أبو عبد الله الصيمرى، نا العباس بن أحمد الهاشمى، نا أحمد بن محمد المسكىّ، نا على بن محمد النخعى، قال: حدثنى محمد بن أحمد بن الحسن بن زياد، عن أبيه، أن الحسن بن زياد اللؤلؤى اُستفتى فى مسألة فأخطأ، فلم يعرف الذى أفتاه، فاكترى مناديًا فنادى: أن الحسن بن زياد أُستفتى يوم كذا وكذا فى مسألة فأخطأ، فمن كان أفتاه بشئ فليرجع إليه، فمكث أيامًا لا يفتى حتى وجد صاحب الفتوى، فأعلمه أنه قد أخطأ، وأن الصواب كذا.
قال الشيخ أبو الفرج (المصنف): وبلغنى نحو هذا عن بعض مشايخنا أنه أفتى رجلاً من قرية بينه وبينها أربعة فراسخ، فلما ذهب الرجل، تفكر، فعلم أنه أخطأ، فمشى إليه فأعلمه أنه أخطأ، فكان بعد ذلك إذا سُئل عن مسألة توقف، وقال: ما فى قوة أمشى أربعة فراسخ؟!
................................
فصل
فلما انقضى ذلك الشِّربُ، وذهب الذين كانوا كاملين فى العلوم، قد حصلوا شروط الاجتهاد، جاء بعدهم قوم من الفقهاء، فقلدوا القدماء فى تصحيح حديث يحتجون به، وعولوا على الكتب التى وضعها أولئك: كـ " المسانيد" و"السنن"، وإن كان فى تلك الكتب ما لا يجوز تقليده، ثم جاء بعدهم أقوام قصرت هممهم عن مطالعة الكتب التى جمعها أولئك، فصاروا يقلدون التعاليق فى باب الأحاديث، وذلك لا يكفى، فرب حديث فى التعاليق لم يقله رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- لا بل رُبَّ حديث منقول فى "السنن" بإسناد لا يجوز التعويل عليه، مثل:
[35] ما روى أن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- قال لعائشة – وقد أسخنت ماء فى الشمس- : " لا تفعلى، وأنه يورث البرص".
وهذا يرويه وهب القاص وخالد بن إسماعيل، وكانا كذَابَيْن.
قال أبو جعفر العُقيلى الحافظ : لا يصح فى الماء المشمس مسند.
[36] ومثل : ما روى : " أن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- جعل المضمضة والاستنشاق للجنب ثلاثا فريضة"، يرويه بركة بن محمد، وكان كذابا، وما يقول به أحد من الفقهاء.
[37] ومثل : ما روى عن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: " تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم" وهذا قد رواه نوح بن أبى مريم .
قال يحيى بن معين : ليس بشئ، وقال الدارقطنى : متروك. وقد رواه روح بن غطيف وليس بثقة؛ قال البخارى: هذا الحديث باطل. وقال أبو حاتم بن حبان : هذا حديث موضوع لا شك فيه، ما قاله رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- .
[38] ومثل : ما روى عن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: " لا مهر دون عشرة دراهم ". يرويه مبشر بن عبيد وكان كذابا.
[39] قال أحمد بن حنبل : لقن غياث بن إبراهيم داود الأودى، عن الشعبى، عن على: لا يكون مهر أقل من عشرة دراهم. فصار حديثًا .
[40] ومثل ما روى الدارقطنى فى "السنن" من حديث ابن عباس : عن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- أنه فرض صدقة الفطر على كل صغير وكبير، يهودى أو نصرانى. وهذا تفرد به سلام الطويل، قال يحيى بن معين: لا يكتب حديثه. وقال النسائى : متروك.
[41] ومثل : ماروى يحيى بن عنبسة عن أبى حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- : " لا يجتمع على مؤمن خراج وعُشر" وهذا مما وضعه يحيى، لا يرويه غيره.
قال أبو حاتم بن حبان الحافظ: ليس هذا من كلام رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- ، ويحيى بن عنبسة دجَّال يضع الحديث، لا تحل الرواية عنه.
وكذلك قال الدارقطنى: هو دجال يضع الحديث، قال : وهو كذب على أبى حنيفة ومن بعده إلى رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم-، ومثل هذا يطول.
وقد ذكروا كثيرا منه فى التعاليق، وقد ذكرت أحاديث التعاليق ذكر منصف، وبينت صحيحها من سقيمها.
..................
فصل ( وما زلت الهمم تتقاصر، وآل الأمر إلى خلف هم بئس الخلف فمات العلم )
[42] أخبرنا ابن الحصين، أنا ابن المذهب، نا أحمد بن جعفر، نا عبد الله بن أحمد، قال : حدثنى أبى، نا وكيع، نا هشام، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- : " إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم، اتخذ الناس رُؤساء جهالا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا" أخرجه البخارى ومسلم فى الصحيحين.
[43] أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك، حدثنا أبو محمد الصريفينى، أنا عمر بن إبراهيم الكنانى، نا البغوى، نا زهير بن حرب، نا جرير، عن قابوس، عن أبيه، قال : قال ابن عباس: أتدرون ما ذهاب العلم من الأرض؟ قلنا : لا. قال : أن يذهب العلماء.
[44] أخبرنا عبد الحق، أنا الزعفرانى، أخبرنا أحمد بن على الخطيب، نا أبو عبد الله بن برهان، نا أبو جعفر محمد بن عمرو بن البخترى، نا العباس الدورى، نا يعلى بن عُبيد، نا يحيى بن عبيد الله، عن أبيه، عن أبى هريرة، قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- : " يخرج فى آخر الزمان قوم جهال يفتون الناس فيضلون ويضلون" .
[45] قال الخطيب : وأخبرنا على بن أحمد الرزاز، نا عثمان بن أحمد الدقاق، حدثنا الحسن بن على القطان، حدثنا إسماعيل بن عيسى العطار، حدثنا محمد بن حمير عن إسماعيل – يعنى : ابن عياش – قال : حدثنى طلحة بن عمرو عن عطاء عن ابن عباس فى قوله تعالى : ( نأتى الأرض ننقصها من أطرافها ) قال ذهاب فقهائها ، وخيار أهلها .
[46] قال : وأخبرنا ابن الفضل، أخبرنا عبد الله بن جعفر، حدثنا يعقوب بن سفيان، قال : حدثنى محمد بن أبى زكير، حدثنا ابن وهب، قال : حدثنى مالك، قال : أخبرنى رجل أنه دخل على ربيعة وهو يبكى، فقال : ما يبكيك؟ وارتاع لبكائه، وقال له : أدخلت عليك مصيبة، فقال : لا ، ولكن أستُفتى من لا علم له وظهر فى الإسلام أمر عظيم .
قلت (المصنف) : هذا قول ربيعة والتابعون متوافرون، فكيف لو عاين زماننا هذا؟ وإنما يتجرأ على الفتوى من ليس بعالم لقله دينه.
............................................................
وينبغى للمستفتى أن يتحرى بفتواه أهل الدين.
[47] أخبرنا إسماعيل بن أحمد السمرقندى، أنا ابن مسعدة، أنا حمزة السهمى، نا أبو أحمد بن عدى، حدثنا محمد بن أحمد البلدى، حدثنا إبراهيم بن الهيثم، نا عبد الوارث الخراسانى، عن خليد بن دعلج، عن قتادة عن أنس، قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- : " إن هذا العلم دين، فلينظر أحدكم ممن يأخذ دينه". هكذا رواه مرفوعًا، والصواب أنه من قول التابعين، فقد رويناه عن ابن سيرين وابن عون.
[48] أخبرنا ابن ناصر، أنا نصر بن أحمد بن البطر، نا ابن رزقويه، أنا أحمد بن كامل، حدثنا محمد بن يونس، حدثنا الضحاك بن مخلد، عن ابن عون، قال : سأل الحسن عن رجل، فقال رجل : يا أبا سعيد الرجل الفقيه، فقال : وهل رأيت بعينيك فقيهًا قط؟ إنما الفقيه الذى يخشى الله - عز وجل.
[49] أخبرنا ابن عبد الخالق، أنا ابن مرزوق، أنا أبو بكر الخطيب، أنا على بن محمد بن عبد الصمد، أنا محمد بن إبراهيم بن على، نا مفضل بن محمد الجندى، قال : سمعت أبا مصعب أحمد بن أبى بكر يقول: سمعت مالك بن أنس – رضى الله عنه – يقول : ما أفتيت حتى شهد لى سبعون أنى أهل لذلك.
[50] قال الخطيب : وأخبرنا أبو حازم العبدوى، أنا الحسين بن على التميمى، قال: سمعت محمد بن إسحاق الثقفى يقول: سمعت الحسن بن عبد العزيز الجروى يقول : حدثنا عبد الله بن يوسف التنيسى، عن خلف بن عمر – صديق كان لمالك – قال : سمعت مالك بن أنس – رضى الله عنه – يقول: ما أجبتُ فى الفتوى حتى سألتُ من هو أعلم منى : هل يرانى موضعًا لذلك؟ سألت ربيعة، وسألت يحيى بن سعيد فأمرانى بذلك، فقلت له : يا أبا عبد الله! لو نهوك؟ قال : كنت أنتهى، لا ينبغى لرجل أن يرى نفسه أهلا لشئ حتى يسأل من هو أعلم منه.
[51] قال الخطيب – رحمه الله - : ويحق للمفتى أن يكون كذلك، لأن السائل جعله الحجة له عند الله وقلده فيما قال من غير مطالبة ببرهان ، فهو مقام خطر.
[52] قال : وقد أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفى، نا أبو العباس الأصم، نا عبد الله بن هلال، حدثنا أحمد بن أبى الحوارى، نا إسماعيل بن عبد الله ، نا سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر قال : إن العالم بين الله وبين خلقه، فلينظر كيف يدخل.
[53] قال : وأخبرنا الجوهرى، نا محمد بن العباس، نا يحيى بن صاعد، نا الحسين بن الحسن المروزى، حدثنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا المعتمر بن سليمان، عن أبى مخزوم النهشلى، عن سيار أبى الحكم قال : قال ابن عمر – رضى الله عنه – إنكم تستفتونا استفتاء قوم كأنا لا نُسأل عما نفتيكم به.
[54] أخبرنا أبو الحسين اليوسفى، أنا أبو الحسن الزعفرانى، أنا أحمد بن على الحافظ، أخبرنا الصيمرى، أنا أبو القاسم عبد الله بن محمد الشاهد، حدثنا مكرم بن أحمد، نا أحمد بن عطية، حدثنا محمد بن سماعة، قال سمعت أبا يوسف يقول : سمعت أبا حنيفة يقول : من تكلم فى شئ من العلم وتقلده، وهو يظن أن الله – عز وجل – لا يسأله عنه : كيف أفتيت فى دين الله ؟! فقد سَهُلَتْ عليه نفسه ودينه .
[ قال : وقال ابن عطية : نا ابن سماعة عن أبى يوسف قال : سمعت أبا حنيفة يقول : ] ولولا الفرق من الله أن يضيع العلم ما أفتيت أحدًا، يكون لهم المهنأ، وعلىَّ الوزر !!
[55] أخبرنا ابن عبد الخالق، أنا أبو الحسن الزعفرانى، أخبرنا أحمد بن على، أنا ابو نعيم، أنا أبو بكر محمد بن إبراهيم المقرئ، نا أحمد بن محمد بن سعدان، نا عمار بن خالد ، حدثنا عبد الحكيم بن منصور، عن حماد الأبح، عن محمد بن واسع، قال : أول من يُدعى إلى الحساب يوم القيامة : الفقهاء.
[56] أخبرنا ابن عبد الخالق ، أنا الزعفرانى، أنا أحمد بن على، أنا ابن الفضل، أخبرنا ابن درستويه، نا يعقوب بن سفيان، حدثنا هشام بن خالد، نا أبو مسهر، حدثنا مالك بن أنس، قال : حدثنى ربيعة، قال : قال لى ابن خلدة – وكان نعم القاضى - : يا ربيعة ! أراك تفتى الناس، فإذا جاءك رجل يسألك فلا يكن همك أن تخرجه مما وقع فيه، وليكن همك أن تتخلص مما سألك عنه.
[57] أخبرنا ابن عبد الخالق، أخبرنا الزعفرانى، أنا أحمد بن على، أنا ابن مرزوق، أنا عثمان بن أحمد الدقاق، حدثنا حنبل بن إسحاق، نا أبو نعيم، نا سفيان عن يحيى بن سعيد عن القاسم قال : لأن يعيش الرجل جاهلا خير له من أن يفتى بما لا يعلم.
......................................................
فصل ( وقد جاء الوعيد الشديد لمن يفتى وليس من أهل الفتوى ).
[58] أخبرنا محمد بن ناصر، أنا أبو سهل محمد بن إبراهيم، أخبرنا أبو الفضل القرشى، نا أبو بكر بن مردويه، حدثنا على بن الحسين الكاتب قال : أنا جعفر بن محمد بن مروان قال : أنا أحمد بن عيسى العلوى قال : أنا محمد بن جعفر بن محمد قال : حدثنى أبى عن آبائه قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - : " من أفتى الناس بغير علم لعنته ملائكة السماء ، وملائكة الأرض " .
.............
فصل ( فليسمع هذه النصيحة من يخاف على دينه، ويعرض عن طلب الرئاسة فى غير وقتها، فقد قال الحكماء : من تصدر وهو صغير فاته علم كثير ) .
[59] وأخبرنا يحيى بن على، أنا أبو بكر الحافظ، حدثنا الحسن بن الحسين بن حكمان، حدثنا أبو العباس الكندى، حدثنا إبراهيم بن عرفة، حدثنا محمد بن الربيع، قال : سمعت يزيد بن هارون يقول : من طلب الرئاسة فى غير أوانها حرمة الله إياها فى أوانها.
وليعلم المؤمن أن الرئاسة على الحقيقة هى تقوى الله – عز وجل - . وقد قيل للإمام أحمد – رحمه الله - : إن معروفا الكرخى قليل العلم، فقال : "وهل يراد العلم إلا لما وصل إليه معروف".
نسأل الله – عز وجل – إيمانا صادقًا يُقبل بقلوبنا إلى طلب الآخرة ويعرض بها عن زخارف الدنيا الفانية، وأن يجعل اعتمادنا على العمل بمقتضى العلم، وينجينا من الرياء، فقد قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - : " من طلب العلم ليباهى به العلماء أو ليمارى به السفهاء، أو ليصرف وجوه الناس إليه لم يرح رائحة الجنة".
[60] وقد أخبرنا أبو عبد الرحمن المروذى، أنا محمد بن الفضل الصاعدى، أنا عبد الغافر بن محمد، أخبرنا محمد بن عيسى، أنا إبراهيم بن محمد، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثنا على بن خشرم حدثنا حجاج، عن ابن جريج، قال : حدثنى يونس بن يوسف عن سليمان بن يسار، عن أبى هريرة، قال : سمعت رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – يقول : " إن أول الناس يُقضى فيه يوم القيامة، ثلاثة : رجل استشهد، فأتى به فعرفه نعمه، فعرفها، فقال : ما عملت فيها؟ فقال : قاتلت فيك حتى قُتِلتُ. قال : كذبت، ولكنك قاتلت ليقال هو جرئ، فقد قيل. قم أُمِر به فسحب على وجهه حتى ألقى فى النار. ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتى به فعرفه نعمه فعرفها، فقال : ما علمت فيها ؟ قال : تعلمت فيك العلم وعلمته وقرأت القرآن. فقال: كذبتَ، ولكنك تعلمتَ ليُقال هو عالم، فقد قيل، وقرأتَ القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل. ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى ألقى فى النار. ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله، فأتى به فعرفه نعمه، فعرفها، فقال : ما علمت فيها؟ فقال : ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال : كذبتَ، ولكنك فعلت ليقال هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى فى النار ؟ أخرجه مسلم فى الصحيح .
...........................
آخر الكتاب والحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وكان الفراغ منه يوم الأربعاء التاسع من شهر ربيع الأول سنة خمس وستين وست مئة على يد الفقير إلى الله تعالى أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الرحمن بن على بن يحيى بن محمد الشهرزورى غفر الله له ولوالديه وجميع المسلمين آمين يا رب العالمين وذلك بمحروسة بالقاهرة المعزية بدرب شمس الدولة بالمسجد المعروف بالفقراء الحلبيين أعاد الله من بركاتهم علينا وعلى كافة المسلمين آمين رب العالمين.

ريحانة الإفتـاء وجلال العلماء
الشيخ / منير عرفه
monirrrrrrr@yahoo.com

دعوتُك يا ابنَ دينى لو أجبتَ
إلى أمرٍ تكون به معافىً
إلى دُنيا الفتاوى لا تغامرْ
وإنْ نادَوْكَ أنقذْنا يا صاحِ
ولا تحسبْ دُعائى دُعاءَ ذُلٍ
إلى ما فيهِ خيرُك لو رَشدتَ
مُصانًا إنْ ذهبتَ وإنْ أتيتَ
وإنْ زينتَ أسبابًا وشتى
وإنْ صدقتَ دعواهم وحتى
فإنَّ الأمرَ عِزٌ إن وعيتَ

ألم تسمعْ كتابَ الله يُتلى
ولا تَقْفُ ما تجهلْ يا هذا
رسولُ اللهِ قد ألقى دعاءً
ويأتيك البيانُ فما انتبهتَ
فإنْ تهجرْ نصيحتَه سُئلتَ
لمن أفتى بلا علمٍ، قُتلتَ

دعوتُك يا ابنَ آباءٍ كرامٍ
فإنْ خالفتنى وعصيتَ أمرى
فإنَّ الأمرَ جَدٌ يا صديقى
وإنْ تزهدْ فى مُحياهُ وتَنأى
ومَنْ أسَسُوا مجدًا وَرثتَ
فلا ربٌ أطعتَ ولا امتثلتَ
فإنْ تسعَ فى مرامِيهِ هلكتَ
فإنْ أعطاكَهُ اللهُ أُعنتَ

فإنْ آلتْ – بلا طلبٍ – إليك
ولا تهجرْ قولَ أعلامٍ ثقاتٍ
فإنْ كانوا على قولٍ جميعًا
وإنْ فيها تشعبتْ الفِجَاجُ
ويتلُوه البيانُ من الرسولِ
ولا تأخذْ بأقوالِ الرجالِ
وإنْ كانوا على الرأسِ جميعًا
فلا تغفلْ قولَ "لا أدرى" يا أنتَ
أنارُوا العلمَ فى الظلماتِ حتى
فإنْ تسلكْ سبيلَهمُ سَلمتَ
فبالقرآنِ فابدأْ إنْ بحثتَ
بذاكَ اللهُ فى القرآنِ أفتى
إذا ما خالَفُوا سننًا عَلِمْتَ
ففوقَهُم الرسولُ ، فهل فهِمْتَ

أَخَا علمٍ دعوتُك للمَعَالِى
وهذى ريحانتى جاءتك تسعى
ولا تعمدْ لتشديدِ الفتاوَى
ولا تخشَ العبادَ وما يلومُوا
ولا ترضَ الوقوفَ ببابِ ذلٍ
وعشْ ما شِئتَ دَهْرًا يا صديقى
فقِسْ على ذاكَ ، أَمِنْتَ
وللعلما جلالٌ إنْ صبرت
فدينُ اللهِ يسرٌ ، كَيْفَ ضِقتَ
فوجهُ اللهِ أَبْقَى ، قد كُفيتَ
وللأحقادِ فاتركْ ، قد نجوتَ
فللأكفانِ سَاعٍ ، كَيْفَ أنتَ

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك