لبنان: النرجسية الطائفية في بلاد العجائب

لبنان: النرجسية الطائفية في بلاد العجائب

لبنان: النرجسية الطائفية في بلاد العجائب
 
مروة كريدية
 
 
لا لسنا خير أمّة خرجت للناس!!
 
يطل الإعلام اللبناني  بشكل يومي عبر فضائياته على عباد الله أجمعين ، ينقل لهم ما يُعرف بتصريحات الساسة المحترمين ، كما ينقل لهم  المفردات والشعارات والهتافات التي  تُردد في حشود المحتشدين ، وهي عبارات  تُردد غالبًا من دون الوقوف في كثير من الأحيان على مضامينها الفكرية أو الفلسفية أو الأيديولوجية ، فهو شعارٌ أُطلِقَ و يردد والسَّلام ، وهذا هو المُهم في فلسفة الراعي والقطيع.
 
وإذا كانت هذه الشِّعارات منتشرة في كافّة أرجاء المعمورة، في الانظمة المنفتحة منها والمنغلقة والنص النص، إلا أننا في لبنان غدونا أعجوبة عصرنا،  والشعب الكريم فريد أوانه، وبحرًا عميقًا من المصطلحات السياسية والطائفية ، وتعجز أوسع الموسوعات الفلسفية والسياسية، عن اللحاق بإبداعاته واختراعاته الشِّعارية ….
 
 فنحن "أمّة" نصَّدر للبشرية الشّعارات، كما نُصدر العقول والمواهب "الفنية"  وغير الفنية على السواء، فقد تكفّل السَّاسة الأكارم ومن ورائهم طبقة مثقفي الزعماء، بتسويق شعارات ومفاهيم تُذاع أمام الشاشات والعدسات يوميًّا، إلى جانب الفيديو الكليب الذي يتحف العالم به "فنانونا الأفاضل" ، الذين لكثرتهم تقشعر الأبدان وتتقزز الأرواح ويصاب المرء معهم بشتى الأمراض العضوية بدءا من الصداع مرورًا بداء الضغط والسكر انتهاءً بالسكتة الدماغية علاوة على الأمراض النفسية كالإكتئاب الحاد ثنائي القطبين وانتهاء بالجنون .
 
 فمعظم الشعارات المطروحة حَمّال أوجه ، وكلٌّ يُغنّي على ليلاه ، والكلّ يدعي حريّة وسيادة واستقلال ، ولا يعلم معنى السيادة التي يقصدونها الا العليم الخبير…. ولا يعرف طعم الحرية التي يريدونها إلا العلي القدير … ولا يفهم معنى الاستقلال المُنادى به إلا الواحد الأحد..
 
والمُتابِع للفضائيات اللبنانية  يُخيّل له أنّ الشعب اللبناني منقسم بين سياسيٍّ وراقص، لكثرة اشتغال العباد بهذين الخطين "الراقيين" جدًّا ؛ فعدد من منحوا أنفسهم لقب فنانيين كبار، كبيرٌ و كبير جدًا لأننا كل يوم نجد أنفسنا أمام ولادة فناّن مرموق او فنانة لبنانيّةٍ كبيرة، تشنّف آذاننا بصوتها الشجيّ وكلامها الراقي بدءا من الواوا وانتهاء بالشخابيط ، وصولا للخبيط واللبيط، تحت شعار الغنج والدلال والفن فتطل علينا بصدرها المنفوخ سلكون المحشوِّ الحنون، وتأسرنا بأدبها البالغ ومحبتها العارمة لجمهورها الكبيرالعريض الذي يتجاوز الحدود والسدود في سائر انحاء الارض ليطل اليها عساه يراها من بعيد بعيد بعيد ، ويخجلك احتشامها الراقي فتخجل من نفسك أمامها ولا يسعك الا ان تنحني خشوعًا أمام تلك "المرأة الفاضلة" وتصلي وتصلّب وتطلب منها البركات والنفحات الروحية   لرقي روحها و سعة مداركها وعمق فكرها….
 
أما سياسيينا الأكارم "أطال الله في أعمارهم أجمعين"، فبحر عميق لا قعر له من المصطلحات الخائض فيه مفقود والخارج منه مولود، فكلّ سياسي منهم منح نفسه الحق الحصري للقيام بشؤون هذا الشعب المسكين الفقير، زاعمًا أنه فريد عصره وأوانه، وان لا خلاص لهذا الشعب العظيم إلا عبر أطروحاته والفكرية ومشاريعه الاقتصادية، التي تحط  رحالها  في نهاية المطاف أو بدايته، في حساباته البنكيّة ، ويصبح المواطن المسكين رقمًا في جداول حساباته الضخمة ونفرًا في شركاته العملاقة الضخمة ، وحارسًا يقظًا على باب قصره الأنيق .
ولا عجب يا قارئي العزيز أن أراك متحسرًّا، فنحن في عصرٍ أمست  فيه "فنانة الألفية الثالثة" أكثر نقاوة من مريم العذارء، وأمسى السياسيِّ لاسيما اللبناني منه  أشهر من أنبياء الله أجمعين، وأطهرمن المسيح، وأكثر أمانة وأشد عدلا من عمر، وأكثر إخلاصا  لله من الملائكة المُسبحين…
 
وحيال هذا صار المواطن اللبناني  الكريم كائنًا موسوعيًّا، يحفظ  الشتائم او الشعارات المؤدلجة كما يحفظ اسمه ونوع طائفته، ويؤديها كشعيرة يتقرب بها عند هذا الزعيم أو يشتم بها ذاك، كما أمسى الطفل اللبناني خبير عليم ماهر في تقمص أدوار الساسة وتقليد حركاتهم وسكناتهم وألفاظهم ، يمضي جزءًا من نهاره وأطرافًا من ليله في ممارسة تلك الهواية الفريدة
 
وتدهشك يا قارئي سعة انتشار تلك الظاهرة فيكفي ان تسمي للطفل  اسم السياسي حتى يقوم بتسميع أمثولته السياسية لك، لدرجة أنك تشعر أحيانًا بأن داخلك يتمزق على الطفولة المغتصبة المهدورة …
ولا عجب في ذلك، فاللبناني الغير منضبط في كل شيئ تجده منضبط حيال نشرة الأخبار، يسمعها بشغاف قلبه ويراها بعيون روحه، واصبحت روح المواطن شفافة على المستوى السياسي  لدرجة انه أصبح خبير عليم بالتوقعات وهو يمارس دور قارئة الفنجان يتنبأ في السياسة المحلية والعالمية، يرفع شأن دول ويهوي بأخرى، ويقرأ الطالع كما أمسى ضالعًا في علم الفراسة والتشخيص، يصنف العباد وولاءاتهم وانتماءاتهم عند رؤية وجوههم …
 
كما أن للمواطن اللبناني موهبة خارقة في فهم الألوان والأطياف،  فهو خبير ألوان من الطراز الرفيع، وهبه الله في هذه المسألة فهمًا نوعيًّا، فمنح الألوان بُعدًا أيديولوجيًّا وسياسيًّا بدءا من الأبيض   والأصفر فالأخضر والبرتقالي والأزرق والأحمر وانتهاءً بالأسود.
 
ويقف اليوم هذا الشعب الفهيم العليم  حماه الله من أعين الحاسدين، يهتف يهتف يهتف  فداء للزعيم ، ولكل طائفة أكثر زعيم …
فتعسًا لشعب يهتف للزعيم وويل لأمة الساكت فيها فهيم…
 
 
مروة كريدية
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك