سلمية الثورة تسقط إرهاب الأنظمة - غاندي يلهم الربيع العربي
كتبهاmarwa kreidieh مروة كريدية ، في 2 تشرين الأول 2011 الساعة: 05:36 ص
سلمية الثورة تسقط إرهاب الأنظمة
غاندي يلهم الربيع العربي
مروة كريدية
" لا أؤمن بالثورات المسلحة لأنها علاج أسوأ من المرض الذي تعتقد انك تداويه"
غاندي
راهن غاندي طيلة فترة الاحتجاجات التي قادها في الهند على التفوق الأخلاقي الكامن في سلمية العصيان المدني، مما أحرج التاج البريطاني المحتل واجبره على الرحيل بعد أن مارس شتى أنواع الطغيان والظلم ونهب خيرات وثروات شبه القارة الهندية عقودًا طويلة؛ ويصادف اليوم الثاني من أكتوبر ذكرى ولادة غاندي الذي يُعد من القلائل الذين استطاعوا أن يمزجوا بين السياسة وعمل الروح دون أن ينحرفوا إلى ميكافيلية السياسة أو إلى دوغمائية الأديان، بل حرص طيلة حياته على عدم جرّ البلاد إلى دوامة العنف مطالبا لشعبه بالحرية وحقوقه المدنية المشروعة.
وعلى الرغم من اختلاف الظروف وطبيعة العصر، فإن لاعنفية غاندي أثبتت إمكانية نجاح الثورات عبر الاعتراض السلمي، وانعكس ذلك جليًّا في ثورة الياسمين التونسية وثورة النيل في مصر، في وقت انحرفت فيه الثورة الليبية عن مسارها السلمي اثر التدخل العسكري المباشر للناتو، بينما تسعى الأنظمة في كلّ من سوريا و اليمن إلى جرّ المتظاهرين نحو العسكرة لتبرر لنفسها البقاء لا سيما بعد أن غض المجتمع الدولي الطرف عنها خوفا على مصالحه ومنافعه التي تضمنها له هذه الأنظمة الحالية. حيث يزعم النظام السوري أن هناك مؤامرة خارجية تحاك ضدّه بسبب دعمه "للمقاومة" ، كما يصوّر المتظاهرين على أنهم شرذمة قليلون خارجون عن القانون يمارسون العنف والاقتتال الطائفي، كي يكرس بقائه ووجوده عبر أيديولوجية مخابراتية أمنية تتحكم ظلما برقاب البشر فيما يرفض تمام الرفض استقبال وسائل الإعلام ومراسليها على أراضيه . أما السلطات اليمنية فتعمل على تعميق الخلافات القبلية داخليا كما تلوح للمجتمع الدولي بفزّاعة الإسلاميين والقاعدة خارجيًّا .
وخوفا على الربيع العربي من أن يتحول إلى شتاء قارص ، فإن التأكيد على سلمية الاعتراض و توضيح فكرة العصيان المدني السلمي في أذهان الشباب من الأهمية بمكان، لأن الثورة بمعناها الايجابي الجيد لا يمكن أن تكون مسلحة بحال من الأحوال. وإذا ما انحرفت عن سلميتها تحولت إلى فوضى وحرب أهلية، والأنظمة الحالية الآيلة للسقوط تسعى جاهدة لجرّ المعارضات إلى العنف عبر تكريس الأيديولوجية الأمنية باسم ضرورة استتباب النظام لتبرئ الدولة نفسها من المجازر التي ترتكبها .
إن تفوق الضحية على جلاده بسمو أخلاقه يؤدي إلى انهيار بنيان الظلم وانتصار المحبة وهذا هو جوهر لاعنفية غاندي لأنها تمنح الإنسان المنعة الروحية، والتواضع، والإقدام، والاستعداد للتضحية من أجل رفع الظلم عن الذات وعن الخصم. وفي هذا السياق يقول " "اللاتعاون ليس حركة تبجح ولا هو تظاهُر. إنه امتحان لإخلاصنا. على أتباعه أن يعقدوا العزم على التضحية بأنفسهم. إنه نداء موجَّه إلى صدقنا وإلى مقدرتنا على العمل من أجل الأمة وحركة تهدف إلى ترجمة الأفكار إلى أفعال…. من يمارس اللاتعاون يسعى إلى لفت الانتباه وتقديم القدوة الحسنة، ليس بالعنف لكنْ بالتواضع الراغب عن الظهور. فهو يترك عمله المكين ينطق عن إيمانه، وقوته تكمن في ثقته بعدالة قضيته…. الكلام، خاصة إذا نطق عن غرور، يشي بنقص في الثقة …. لذا فإن التواضع هو مفتاح النجاح السريع."
وعند الانطلاق من مفهوم أن الثورة السياسية بمفهومها الايجابي تكريس للتطور والتقدم البشري، وهي فعل سياسي يسعى لتحقيق النواحي الايجابية لسياقات التطورات المصاحبة لكافة التطورات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية وغيرها وهي التي تضعها موضع التطبيق، فإن عوامل نجاح الثورة تتمثل في ثلاث مرتكزات وذلك بان تكون علمانية – مدنية – سلمية ؛ علمانيتها بحيث لا تنطلق من منطلقات أيديولوجية وعقائدية تنبذ الآخر؛ مدنيتها بحيث تقوم على مفهومي المواطنة والديمقراطية ، و سلميتها بحيث يكون فاعل الدفاع هو المواطن المطالب بحقه عبر الاعتصام السلمي والعصيان المدني اللاعنفي وليس كفاحا مسلحا دمويا .
هذا طبعًا إذا اعتبرنا أن "السياسة" تعني الحكمة وحسن الإدارة على نحو ينسجم مع القيم الإنسانية، وبهذا التوصيف يصبح الرجل السياسي هو الخادم المؤتمن المتصف بالوعي والحكمة من اجل تحقيق وتطبيق العدالة الاجتماعية والرفاه الاقتصادي والتطور التكنولوجي وغيره .
خلاصة القول إن الذين يؤمنون بعدالة قضيتهم ينبغي عليهم أن يتحلوا بصبر لا محدود وهم أولئك الذين يترفعون عن حمل السلاح ويترفعون عن كل سلوك إجرامي ، وعندها فقط تتحقق الحرية الحقة لأنها ترجمة فعلية لتحرر الإنسان عن كل ما يضر بإنسانيته لان الذي يجعل اللاعنف شعاره يستحيل استعباده .