ظاهرة التحييد الدعوي

ظاهرة التحييد الدعوي

تأليف / د. حمزة آل فتحي

بسم الله الرحمن الرحيم
المُفْتَتـــح

حامداً ربي الكريم، ومصلياً على رسولنا البشير النذير، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الحشر الكبير.
وبعـــد...
فإنَّ المتأمل للعمل الدعوي الإسلامي، يلحظ تحييد بعض الدعاة المشاهير، والعلماء والأخفياء والمؤثرين البارزين، والجنود المخبتين، بحيث تبين (صورة تفاوتية)، بين حجم الانتشار والتأثير من داعية إلى آخر .. وكلٌ بحسب جهده وصدقه، وحسن توفيق الله له...
ولكن الأغرب المدهش، والباعث على السؤال والتوقف هنا، تراجع بعض المؤثرين من العمل الدعوي التغييري، إلى أدوار معزولة أو ضعيفة، أو محايدة ليس لها اعتبار إصلاحي مثمر، ولا حضور شعبي بارز!! مما جعل بضاعتهم تكسد، وتأثيرهم يتراجع، وقولهم يتقلص.. ولسنا من يحدّد ذلك، ويحكم على الناس بخير أو شر، ولكننا نرصد الواقع الدعوي، ونقومه من حيث الرضا الجماهيري، والإلحاح الإصلاحي،المنضبط والمعقول.
لأن أمتنا بحاجة إلى دعاة ومصلحين على كافة السبل والأنحاء.. وهي تفرح إذا وُلد فيها عالم متين مؤثر، يغزو بعلمه وخبرته آفاق المعمورة، ويُلهب الناس إلى دينهم وأمتهم، وواقعهم الفكري والاجتماعي، لأن العالم ليس مجرد مؤلفات أو دروس معزولات، ولا مشيخة ذات وجاهات .. بل هو مع ذلك عالم ميداني ومصلح شعبوي، وواعظ روحاني، يعيشهم ويشعر بقضاياهم ومتطلباتهم، حاضر بعلمه وتوجيهه، وحاضر برحمته وموآزرته، وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين (أنه كانت تأتيه الجارية من نساء المدينة، فتأخذه إلى حاجتها حيث شاءت) رغم أنه المعلم والمفتي، والناصح الواعظ...
والمقصد أن الحضور الإصلاحي المجتمعي، مقصد هام للدعاة، لا يحسن بهم تجاهله أو إغفاله من حياتهم الدعوية.. لأن الناس بحاجة ماسة إلى كنفهم وكلماتهم ومساعداتهم.
لذلك يؤسفنا ارتضاء بعض الدعاه والعلماء (لمسلك التحييد) الذي فُرض عليهم أو ألجئوا إليه، حيث استُغفل بعضهم ببعض التحف والاستمالات، وسحب دوره وقبوله العام!!
والقبول العام لمن لا يدرك من هؤلاء الدعاه، خطوة جوهرية في التغيير والإصلاح. لأن الله تعالى، إذا أحبَّ عبداً وضَع له القبول في الأرض، كما في صحيح مسلم، وهذا القبول البهيج والنير، من شأنه أن يُحدث التحولات التالية في حياة الأمة :
1) تأكيد زعامة العلماء وصدارتهم.
2) تعظيم جوهر الدين في قلوبهم وقلوب الناس.
3) توقيرهم لكل نصائح الدعاة، بل جعلها منهاجاً يستنار به في حياتهم، ومسارعتهم إلى التنفيذ والتطبيق.
4) قطع الطريق على دعاة السوء، وناشري الفساد، وأرباب الشهوات الذين يريدون الميلان بالأمة، والزج بها في مرتع اللهو والفواحش.
كما قال (يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا) "النور- 19"
وقال سبحانه :
(وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً) (النساء:27)
5) امتلاك زمام التغيير الإصلاحي والنفعي للأمة.
وحينما تتراجع الرموز الدعوية، ويبيت المشايخ في دائرة الحياد لا لهم وعليهم، أو لا يحسون بالواقع الدعوي من حولهم، وكأنهم أجسادهم هامدة لا تسمع ، وبصائرهم معلقة لا ترى..!! فعندها يفرح الذين ظلموا، حيث لامزاحمات ولا معكِّرات، ويمضون في مشاريعهم، يجمحون، ويبدلون.. والله المستعان...
خلا لك الجو فبيضي واصفري ونقّري ما شئتِ أن تنقري
وأحب في هذه (الرسالة الصغيرة) أن أنبه على هذه الظاهرة التي لم ترصد من قبل، ونحلل أسبابها، ومحتواها والأهداف منها.
وأكشف مدى تورط بعض الدعاة فيها وأنه تم استغفاله بدرجة امتياز، وصار لا في العيرولا في النفير
ويقضى الأمر حين تغيب تيمٌ :. ولا يُستأمرون وهم شهودُ.
رغم أنه كان رائد الكلمة، وسيد التأثير، وإمام الاصلاح والتغيير!! ولكن كما قال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) (الرعد : 11)
اللهم امنن علينا برحماتك، وأوسعنا بلطيف بركاتك، واجعلنا من أنصار دينك ودعاتك إنك جواد كريم.
(ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير).

السبت 7/12/1431هـ
3/11/2010م

حقيقة الظاهرة

هي محاولة من الأعادي ومناوئي الدعوات الإصلاحية، أن يجعلوا العلماء والدعاة في دائره عديمة التأثير والنفع والإفادة.
وإذا بدا نفع فهو محدود، وإشعاعه ضعيف، وكلمته غير مدوية.
ليخلولهم الجو، وتصفو الحياة، وتطيب المتعة..!!
لأن وجود مثل أولئك المصلحين يزعجه، فلابد من إجراء هادئ، وتعامل غير مستفز، يمضي بكل تراخٍ واستلطاف، ويُحدث أثره المنشود، دون إعلان بالحرب والمنابذة.. لأن المواجهة المباشرة لم تعد تجدي في زمن الانفتاح والاتساع الإعلامي المرهق لكل الجائرين والقمعيين، فلابد من راحة تتم بلا عناء، ومناخ يخلد بلا ضوضاء.
فألقت عصَاها واستقر بها النوى كماَ قرَّ عيناً بالإياب المسافرُ.
هذه هي (ظاهرة التحييد) التي تتجاوز القضايا التقليدية، إلى قضايا مصيرية وإصلاحية، لا يجوز تأخيرها..
ويتأثم بها العلماء الساكنون والدعاة الناصحون، ولكن ما باليد حيلة، أكل الطُعم، وانتهى حاله إلى شر حال...!!
(لاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ) (البقرة : 168)
ولهذه الخطوة السهلة تبعاوتها ومزالقها الخطرة على الكيان الدعوي، والمشروع الإصلاحي.

أسباب التحييد

قد تبدو في الشكل الأولي، وعند بسطاء الأذهان، أنها عفوية وبريئة، وليس المقصد إلا النصح والخير العام!! ولكنها في التحقيق فعلة مطبوخة، قدر دُبِّرت بليل، وسرى عليها عقول وطاقات (وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجِبَالُ) (ابراهيم:46).
فمن الأسباب المهمة لظاهرة التحييد ما يلي :
1) خوف التمدد الإسلامي :
قال تعالى عن فرعون (إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الفَسَادَ) (غافر :26).
لأنهم يعتقدون أن هؤلاء الدعاه المؤثرين، لهم رسالة محددة ي الغالب وهي إيقاظ الناس، وإرجاعهم إلى دينهم، واستعادة مجد الأمة المسلوب، الذي طالما ترنم به التاريخ، وعزفت على ألحانه السير والأحاديث.
فنهضتهم نهضة لهذا الدين، واهتبال الناس إليهم، وطرحهم لكل المتع الزائفة، والمسالك المرذولة.
2) إضعاف القبول العلمي :
قال تعالى : (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ) وبعض هؤلاء يلتجئ إلى أن يُمارس حرباً على هذه الرفعة والدرجات، ويعزل الأعلام المقبولين في برنامج تلفزيوني مهين، أو مركز تحقيق مستتر، أو منصب لا أثر له في الأنام..!!
حتى يصبح التاج العلمي لا قيمة له بين الناس، فتضعف الشعبية، وتهون القيمة العلمية، وتباع بأبخس الأثمان!!
3) الاستفراد بالمكانة :
قال تعالى عن فرعون الطاغيه : (مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ) (غافر : 29).
دائما ما يحس هؤلاء المنافقون، أن العلماء بصدقهم وتأثيرهم، يسلبونهم مكانتهم، وينقصونهم حضورهم، فيعمدون إلى التضييق عليم، وافتعال المشكلات في طريقهم.. وأقل شئ يُبذل لهم هو (التحييد والاقصاء) بطريقة هادئة.. لأن الغرور يركبهم، والاستكبار يعلوهم، لا يحبون ذهاب شئ من الأبهة والمجد لسواهم!!

4) تعطل المسلك التغييري :
قال تعالى (وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) (إبراهيم: 3).
حيث يحسون بضخامة الإنجاز الدعوي المحتسب عليه، شصيات مرموقة، وقامات علية، فيشغلونهم بشواغل، من شأنها العرقلة والتعطيل، وصرف الجهود...

5) عزل التأثير الروحي :
قال تعالى (وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام:43).
أحياناً يبرز دعاة، تأثيرهم ترقيقي إيماني ليست له أبعاد إصلاحية، سوى الوجدان والروح، وتعبيد الخلق لله، ومع ذلك يُحسدون ويضيق، على مسارهم، لأن أقل فائدة لهؤلاء، إخراج الناس من واقع الفساد، إلى حدائق المساجد والمحاضرات.. وهذا غير محبوب لهم لأن التدين نباهة، والانحراف تعاسة وضحالة، وهي المرغوبة لهم خطاً واستراتيجية، كما قال تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قالوا إنما نحن مصلحون) ؟! (البقرة:11).

6) تمرير المشاريع التغريبية والالهائية:
قال تعالى : (تَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ) (المائدة :52)
أي يسارعون في محبة الكفار وخدمتهم وتقريبهم، ودعمهم اقتصادياً وفكرياً واعلامياً، ومن محبتهم طاعتهم في التضييق على الإسلاميين، أو محاصرتهم أو حتى تهميشهم وتحييدهم عن كل أثر وموقع، ورسالة مجدية!!

7) تسطيح الفكر الدعوي :
بحيث تصبح الدعوة أشكالاً تقليدية، تقوم على الروحانيات والرقائق، التي هي مهمة، ولايُنكر فضلها!! ولكنها تمارس بطريقة معزولة عن رسالة الإصلاح والتغيير، والنهضة بالمجتمعات، ومقارعة المعتدين والمحتلين وكشف شُبه المناقين، إلقي نص عليها القرآن كما قال تعالى : (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) (البقرة: 194).
وقال : (وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) (النعكبوت : 46).
وقال : (جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) (التحريم : 9).

8) تحاشي الانكشاف :
قال تعالى :(وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا)
لأنّ الفكر الإسلامي المستنير، سيكشف الحقائق للناس، ولا يقبل المنافقة والمداهنة، والمتاجرة بالشعائر، لأن من أصوله الصدق والأمانة، والنصيحة الصادقة، وبيان الحق، والتحذير من الباطل، وهي أصول لا ينشرح لها أعداء الدعوات والمرسلين.. بل يحبون التعمية والكذب والمخالفات، والتشبث بالأوهام والتخرصات، قال تعالى : (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ) (المجادلة : 18).
وقال سبحانه : (هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) (المائدة : 119).

9) عولمة اللهو والفساد :
قال تعالى : (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ) (الأنعام :116).
وهو سبب ناتج عن تمرير المشاريع التغريبية، ويمارس لكبح جماح المد الإسلامي المتصاعد.. ولخطورته، نصصت عليه، وإن كان هو ناتج عن الأسباب السابقة.
وحينما يتعولم اللهو، تضعف العقول، وتذوب الطاقات، ويُصبح اللهو غاية تحتفي بكل مباح، وجائز ومحرم!! لا تفرق بين كل صور المتعة، والله المستعان..

10) صُنع الفراغ القيادي :
قال تعالى : (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات)
ومن المهم لهؤلاء أن تبقى المسيرة الدعوية فارغة من العناصر القيادية ذات الكاريزما الآسرة، والمكانة الروحية الخاطفة.. لئلا يكبر النفوذ، وترسخ المكانة، وتشعل المطالب الإصلاحية.
لأن العالم الداعية، يحمل في قلبه سلطاناً مهيباً، إذا أظهره أسرَ الناس، وصنع المجد العلمي، والتغيير السريع.
وانعدام القيادة أو تجفيفها بالتحييد، يعني الاضطراب والفوضوية كما هو حاصل في بعض البلدان ! بل أعظم من ذلك أن تُصنع قيادات رخيصة مأجورة وتوكل لها مناصب دينية برَاقة، وهي في الحقيقه لا تحمل هموم الدعوة والإصلاح، بل لها أجندة خاصة، وقد انكشف من خلال الأحداث المتلاحقة، والكوارث الهازة، والله المستعان.
مسالك التحييد الدعوي
أن آلية التحييد مندرجة في (دائرة الاحتواء) بحيث يصبح العالم ملكاً للأعداء، أو سائراً في خدمتهم وهو لا يشعر، وقد يتحول مع مرور الأيام إلى أداة طيعة بسبب الاحتواء المغلّف بالإغراء والإهداء.
قال تعالى عن سليمان عليه السلام (أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم) (النمل : 36).
ولذلك نعدد هذه المسالك لنريكم عظم المكر الممارس، من أعداء الدعوة على حملتها، والله المستعان :

(1) التلميعُ الفارغ :
قد يعمد بعض هؤلاء الأعادي إلى تلميع دعاة مؤثرين.. !! ليس حباً فيهم ولا في دعوتهم، ولكن لإضفاء جمالية معينة، أو ترويج مصلحة خاصة، ويزيل من أذهان البسطاء عقدة التصادمية والقمعية .. ثم هي سيطرة على ذلك الملمّع.. فُينعت إعلامياً، بالدكتور، أو العلامة ، أو فضيلة الشيخ، أو المحقق، أو المفكر البارز أو الداعية المعروف.. وهم في الحقيقة لا يحبون فكره ولا مؤلفاته..!! لأن هذا لا يطول ! وهو كذلك لا ينسحب على فكره المضاد .. بل يتحرون منه الأنسب لهم.

(2) الحفاوة الإعلامية :
بحيث قد يمكَّن من مشاركات تليفزيونية في برامج لا تكون لهم، لا عليهم! ويجعلون الشيخ بوقاً لهم، بحيث ينفعهم ولا يضرهم.
ووسائل الإعلام غرَّارة خداعة، يعتقد الداعية أهميتها ، وضرورة ايصال الصوت الإسلامي من خلالها.. ولكن يغفل عن المرامي الحقيقية.. فيؤتى به، ويُحتفى به ويقدم على أنه (نموذج دعوي) من الطراز الحضاري المستنير!!

(3) الركن الدعوي :
حيث يقدم الداعية إعلامياً، ويُحتفى به ثم يُشغل ببرنامج أسبوعي أو شهري ، ليس من واقع تخصصه أو إتقانه القديم، بل يُفرض عليه، أو يُلجأ إليه، بدعوى الظهور والمشاركة.. فيبيت مركوناً في قضايا أسرية أو اجتماعية، ليست من شئونه، ولا يحسنها كأرباب الاستشارات وأساتذة علم الاجتماع والنفس!!
وأذكر أن بعضهم مورس عليه ذلك، فمكث برنامجه لا يهتم به إلا النساء، وقضايا المرآة فحسب وهو ليس من أهلها ! فلم لحظ تراجع البرنامج شعبياً وتأثيراً، فوجئ الناس بجمهور شبابي، يستمع ويناقش، عله يذهب الطفرة النسوية السابقة، التي طغت على البرنامج. حتى قال بعض الناس فيه. (من مفكر إسلامي رفيع، إلى برنامج نسوي بسيط).!!
ونحن هنا لا نقلل من قضايا المرأة، ولكن نحدد التخصصات، ونحلل المسالك والله الموفق..

(4) الإشغال العلمي :
فيتم استحداث مناصب علمية بعيدة عن الواقع الدعوي، أو يُكلف بعضهم بأعمال تحقيقية وبحثية، وقد قُتلت بحثاً، وتجاوزها الناس، وتنصرف الجهود عن الإبداع العلمي الحقيقي والمسائل المستجدة، والواقع الإصلاحي، ويبيت العالم المؤثر، حبيس المكتبات والتخصصات، والإصدارات المحدودة النفع، والله المستعان.

(5) الإرهاب النفسي :
قال تعالى : (قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ المَسْجُونِينَ) (الشعراء:29).
بمعنى يفتعل التهديد للمؤمنين، ويُمارس معهم التخويف والإرهاب النفسي، وتُصنع لهم المشاكل والعراقيل، وأنهم خرجوا بالدعوة عن مسارها الصحيح، والمنهج الرشيد !!
فتقع هذه الممارسة من الداعية وقلبه كل موقع، على حسب إيمانه وصبره وقدرته الجسيمة، فمنهم من لا يبالي بها، ومنهم من يتغير، ويؤثر السلامة!!

(6) القضايا المستهلكة :
بمعنى أنه لا يتواصل مع الأمة والجماهير إلا عبر القضايا المستهلكة التي ملَّ الناس سماعها، وحفظوا مسالكها وأبجدياتها، وباتت غير محتاج إليها إلا قليلاً! وكان بالإمكان تناولها من قبل أشخاص مختصين، بها ولكن لإشغال الدعاة المؤثرين حوصروا، بحيث لن يسمح لكم إلا من خلال تلك الموضوعات المكرورة، والقضايا التقليدية الذابلة. وهذا نوع من التحييد المفروض تجاه أولئك الأعلام المبدعين!!

(7) التخدير الوجاهي :
وذلك من خلال تقليدهم المناصب والولايات، التي تضفي عليهم وجاهة مقصودة، تجعلهم في حيرة من أمرهم، أو يزعم بعضهم استعمالها في النصرة والتغيير، فإدا هو يُبتلى بها بلوى شديدة، تصرفه عن علمه وأثره في الناس !!

(8) الإصلاح الشكلي :
حينما يُكون المشكلات جلية كالشمس أو تحت عين المجهر، قد يعترف هؤلاء المحيّدون مضطرين بأنهم في مشكلة! ويبحثون عن حلول لها، فتنشأ أعمال ظاهرها الإصلاح، وباطنها ترسيخ المشكلة، ودعم الفساد ويدخلون فيها أخياراً من هؤلاء لإضفاء المصداقية أمام الجماهير.
لذلك يمكث السنين تلو السنين، ولا تحدث أثراً، أو تعالج خللاً وبلاءً، لانعدام الإرادة وخفاء المصداقية!!

(9) الشقاق العلمي :
قال تعالى : (وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا) (الانفال :46).
بحيث يرى الراصد أن أحسن طريقة لتحييد هؤلاء العلماء المقبولين، بعد أن عجز منهم نفسياً، في افتعال مشكلات علمية، وقضايا فقهية اجتهادية، ويجعل من وسائل الإعلام حراكاً حميماً فائراً بكل تلك الردود والنقاشاتُ، فتعزلهم عزلة علمية، وتشغل أذهانهم، وتبدد طاقاتهم...!
وليس المقصود التقليل من تلكم المسائل، ولكنها تُفتعل، وبعضها تقليدي معروف، والأمة أحوج إلى قضايا أخرى جوهرية للرد والنقاش، ولكن الشقاق، وإشعال الفتن العلمية مقصد رئيسي لهؤلاء وللأعداء عموماً، وقد قال تعالى (وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ) (آل عمران : 105).
وهذا الشقاق سيبدد الجهود، ويشحن النفوس، وربما فهقرها عن العمل الدعوي المثمر، وهو إحدى مشكلات العرب المستديمة كما قال الشاعر ملخصاً لها.
مشكلةُ العُرب في الاستبدادِ .: وفي الزاع المــر والفســـادِ

(10) الثقافة المغشوشة :
قال تعالى : (وإذ قالت أمة منهم لمَ تعظون قوما الله مهلكهم او معذبهم عذابا شديدا)
بحيث يعمدون إلى وسائل الإعلام الماكرة، والغاشة لدينها وأمتها، فتبث ثقافة هشة، هزيلة، عديمة المحتوى والبرهان تفسد العقل والذوق، وتصنع الوهن والفردية والهزيمة من نحو، صعوبة إصلاح الناس، واتساع العالم، والمخاطر الدولية، وترك الدين والدعوة لهادي الناس سبحانه وتعالى، وتفاقم الفساد، وشبهة آخر الزمان، وعقدة خروج المهدي والمصلحين التاريخيين، فتعم هذه الأفكار، وهي في بعضها حق، ولكنها توظف على (مسلك التوهين) وقتل العزمات، حتى يظهر جيل دعوي رؤيته تنتهي عند ظله، ويمارس الدعوة بكل ضعفٍ، وتقليدية متماوتة، ناسياً قوله تعالى : (خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ) (الأعراف : 171).
وقـوله : (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَا المَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى) (يس : 20). وقـوله : (فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا) (آل عمران: 146).

(11) الإغداق المالي :
وهذه لاشتهاره لم يعد يلجأ إليه دائماً، لأنه صار مكشوفاً لأ صغر طالب علم !! ولذلك لا ينهجونه مع كل الشخصيات !! بل يهتمون بالوسائل الماكرة، السالفة الذكر، ومع ذلك فإن المال يبقى (فتنةً عمياء) تجتاح كل الحواجز، وتخرق كل الصعاب، ولا يثبت إلا من ثبته الله تعالى ، وقد صح عند الترمذي قوله صلى الله عليه وسلم (لكل أمةٍ فتنةُ، وفتنةُ أمتي المال).
ويبقى للمال سحره، وبريقه، ومقاتله الفاتنة، التي تأتي على شكل هدايا وإكراميات وقضاء حوائج ، وبناء مدارس للتلاميذ، ومساجد للصلاة، وطباعة كتب هائلة، توحي بحسن النية، وهي في الحقيقة شراء للذمة، وابتزاز للإصلاح، وقهر للحماس والتغيير، والمثل العامي صادق، حقاً عندما قال : (أكرم الفم تستحي العين) والإنسان أسير مكرمه والمغدق عليه...!
ويجتمع ذلك بالثقافة المشوشة، ويُصنع الحياد المحبوب، لراصدى الدعوات، والله المستعان.
(12) التشويه الدعائي :
قال تعالى : (أتواصوا به بل هم قوم طاغون)
أحياناً إذا لم تُجدِ أكثر المسالك السابقة، يلجأون إلى نغمة متكررة، هي التشويه الإعلامي، وإلصاق التهم الشائعة هذه الأيام (تطرف، إرهاب، أصولي، مسلح، متشدد، داعم للإرهاب..) وأخواتها، الدائرة في إطار ما يسمى بالحرب على الإرهاب.!!
فإذا ابتلى بشئ من ذلك، أو لم يُدعم شعباً ومادياً، ربما ضعف دوره، وخشي المجابهة السلمية، فيحيد بنفسه هو، ويختار مسلك الرهبنة العبادية، وربما بعض المصنفات العلمية، وهكذا فيمارس الحياد مضطراً وليس مختاراً.. والله المستعان.

الموقف من التحييد

وسيلة التحييد من وسائل محاربة الدعوة وتجفيفها والتضيق عليها، وفيها من المكر والمخادعة ما لايخفى، وغالباً ما يلجأ إليها المحاربون بالوسائل السلمية الهادئة، فهي لا تحمل صفات السجن والقمع والمواجهة، بل تسير (بشكل إيجابي) فيما يبدو في بعض أسبابها، ومسالكها ولكنها تنفذ إلى قلوب بعض الأخيار، فتحيدهم وتفصلهم عن رسالتهم الدعوية...!!
ولذلك المطلوب، النباهة وأخذ الحذر، وعدم الاغترار بالشعارات المرفوعة والالتجاء بالله كثيراً، وسؤاله الثبات. والإعانة. (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (المائدة :23)

وهذا خطوات عملية لا بد للتضايق الدعوية في ممارستها :-
(1) صناعة التكتلات والجمعيات الشعبية التي تحمي العالم، وتصون عرضه، وتقوم عليه، ولو (الكترونياً) عبر اللقاءات والمنتديات، إلى أن يجعل الله القضية حتمية واقعية، لا يمكن تجاوزها...
قال تعالى : (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْر ويأمرون بالمعروفِ) (آل عمران : 104).
(2) المجلس التشاروي الحواري لأهل العلم والدعوة، بحيث يتم العملية التناصحية والأخوية بكل وضوح وشفافية، وتذكير بعضهم بعضا..
قال تعالى (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر: 3).
(3) تكثيف الجهود الدعوية والميدانية عبر الوسائل المتاحة، ورفض التراخي والتكاسل، قال تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ) (فصلت : 33).
(4) التماس الميداني والواقعي، بحاجات الناس ومشكلاتهم وإيجاد البلسم الشافي لحاجاتهم .
قال تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء : 107).
(5) تجنب أماكن الشبهات وميادين التهم المعلبة، التي يختلط فيها الحق بالباطل ويستمر فيها التحرك الدعوي.
قال تعالى : (فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ) (التوبة : 95).
(6) صيانة البريق العلمي، وتعظيم شأن العلم والدعوة، بحيث لا يسوغ توهينها أو بيعها، أو لم فيها من ليس منها ومن أهلها...!!
قال تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً) (الجمعة : 5).
(7) استثمار الوسائل التقنية الحديثة دعوياً وفكرياً واصلاحياً، بحيث تتآزر الوسائل، وتتلاطم الأمواج إلايمانية، لايقاف إعصاراً إلا فساد اللاهي.
قال تعالى (فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ القُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الفَسَادِ فِي الأَرْضِ) (هود: 116).
(8) الارتقاء بالأداء الفكري والعلمي، وتجاوز حدود السطحية والضحالة، وتحويل كل ما من شأنه الغشغال، إلى مواد فاعلة وتغيير، وجاذبية كما كان يصنع بعض العلماء الأفذاذ، لم يمنعه (شرح الهداية) أو فك أسرار الزاد من الإفتاء في قضايا جوهرية ملامسة لحياة الناس...!!
قال تعالى : (وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) (النساء : 63).
(9) ممارسة التربية الخاصة الحانية، لصنع الكوادر والعقليات الدعوية المنتجة والفاعلة.
قال تعالى : (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ) (البقرة : 60).
(10) التأبي على كل محاولات الابتزاز والإغراء، ومجابهتها بالإيمان والصبر، والفرار إلى الله، وسؤاله النصر والكفاية.
قال تعالى : (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ) (البقرة : 137).
وصح عنه صلى الله عليه وسلم انه كان إذا أخاف عدواً قال : (اللهم أني أعوذبك من شرورهم، وأدرأيك في نحورهم) رواه أبو داود

أصناف المستهدَفين بالتحييد

أظن أنه قد بانَ، المعنيُّ بالتحييد من خلال الكلمات السابقة؟! وإن أردنا مزيد الإيضاح والتفصيل قلنا إن المعنىّ بالتحييد أصناف عديدة هي كالتالي :
(1) علماء مشاهير لهم التأثير الزاحف، والشعبية المهولة.
(2) دعاة اسُتهدفوا بالقمع والحبس، جراء مواقف محرجة، وإشكالات مزعجة.
(3) رواد التفكير الإصلاحي الدعوي، والذين شعّوا عبر أفكار استراتيجية وخطط استشرافية عجيبة.
(4) الدعاة الجدد، الذين توحى طلائعهم بالمستقبل المشرق، والنفوذ المرتقب، فيخشى من تمكنهم العلمي، ونفاَذ كلماتهم التي قد تجعل منهم، أصحاب قبول عارم!
(5) مفكرو الدعاة والعلماء، المتميزون بطروحاتهم النادرة، وتوجهاتهم المجانبة للتيار العام، لأنهم أصحاب بصائر ثاقبة، ورسائل غير عادية.
(6) رجالات المحاضن الشبابية في التوجيه الآسر، والصدارة الروحية، تجاه الأجيال الناشئة.
(7) المتكلمون في القضايا المصيرية والموضوعات الدعوية الهامة، والذين يتناولونها بحس شرعي راق، وتنظير عقلي متميز، لاسيما وقد أوسعت الباب ثورة الفضائيات والتقنية الحديثة، ولم يعد الفهم عسيراً، أو التحليل ممنوعاً، بفضل هذا الانفتاح المخترق لكل الحدود، فتبرز هنا أسماء وشخصيات لها مكانتها في التحليل الأممي الدعوي العميق.
حفظ الله ديننا ودعاتنا، وكفانا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.
وصلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك