أثر الدعوة والحوار مع المنحرفين .. جماعة الزاهدين في كمبوديا نموذجاً

أثر الدعوة والحوار مع المنحرفين .. جماعة الزاهدين في كمبوديا نموذجاً

لم يعد من الغرابة أبداً أننا نحن - العرب والمسلمين - وفي أهم مراكز ومنابع الإسلام العظيم قد أصبحنا نشعر بالغربة الحقيقية في بلادنا لما بات مؤكداً في عالمنا هذا من انقلاب المفاهيم والثوابت والاعتداء السافر على مكوناتنا العقدية والفكرية والأخلاقية حتى لقد صار الحديث عن المبادئ والقيم في بعض الأوطان ضرباً من الخيال والمثالية التي لم تعد تجد لها سوقاً في عروض العولمة بوجهها السلبي، وهكذا تحول المعروف منكراً وبالعكس كما تحدث نبينا صلى الله عليه وسلم في وصف علامات الساعة المتوسطة في آخر الزمان، أقول هذا وأنا أخط هذه الكلمات من كمبوديا وعاصمتها بنوم بنه لأشير إلى أن غربة الأقليات المسلمة خاصة في مثل هذه البلاد البعيدة في جنوب شرق آسيا والمبتلاة بالفقر والبؤس بعد أن تركتها الشيوعية بالخمير الحمر خراباً مادياً ومعنوياً.. ليس عجيباً فهؤلاء خالون من أبسط مقومات الحياة من جهة، وغالبهم قد عم عليهم الجهل وطم، نتيجة ما ألم بهم من الأحداث، المسلمين والبوذيين معاً، وهكذا فلا غرابة ما قد لاحظناه من نشوء وبقاء بعض الفرق والطوائف المسلمة المنحرفة في توجهاتها عامة لأن لديها هذه القابلية من جهة ولأننا نحن العرب والمسلمين، خاصة الدعاة إلى الله قد قصرنا ملياً نحوها.. وإن من هذه الفرق ما عرف ويعرف بجماعة الزاهدين أو جماعة الجمعة الذين يشكلون حوالي مائة ألف في مختلف الولايات والمدن والقرى الكمبودية، خاصة في محافظة كمبونج جهناتج وفي مركزهم الرئيسي بقرية أورساي ومحافظتي كمبوط وبامبونج وبوست، كما أن لهم وجوداً في فيتنام المجاورة في محافظة بانغ رانغ، ولهذه الطائفة رئيس الديني والمفتي والحاكم، ونعرض هنا فكرة موجزة عنهم وعن غلو رؤسائهم في مذهبهم لا لمجرد العرض ولكن لنثبت أن الفرق التي تنحرف إذا قوبلت بالحوار والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة وبث الوعي والتعليم فيهم فإن كثيراً من أتباعها يرعون إلى المنهج الصحيح ويلحقون بأهل السنة والجماعة، ولندرك أيضا مدى دور الداعية في سبيل الله لتوجيه السفينة الحائرة إلى المرسى الرشيد، ونتذكر على سبيل المثال كيف استطاع ابن عباس رضي الله عنه أن يرد آلافاً من الخوارج عن فكرهم بالحجة والبرهان وأنه لا معدل عن الحوار والتفاهم قدر الإمكان مع الآخر كبر أو صغر حلاً لأي مشكلة وأن آخر الدواء الكي لمن حقق شرط لاستطاعة وإلا فالجهاد المدني لابد من استمراره فهو بوعد الله هاد إلى الصراط المستقيم، إن هذه الطائفة إنما سميت بما أشرنا إليه لأنها في الأصل لا ترى فرضية الصلوات الخمس وتكتفي بصلاة الجمعة فقط حيث يأتي الجميع إلى المسجد حاملين معهم الطعام والحلوى ليأكلوها بعد الصلاة والقيام بأذكار خاصة وأوراد فيها دعاء وصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم ولقد حدثني ابننا عيسى بن علي وهو طالب جامعي شرعي عن أنه حضر وصديقه في قرية للطائفة ورجا قيم المسجد أن يفتح الباب للصلاة فكان ذلك ولم يصل إلا القيم والأخوان ولم يبادر أحد من القرية كعادتهم للصلاة، والجدير بالذكر أن الطالب عيسى كان منهم قبل ذلك بل وأخوه الملتزم الآن الداعية السيد سليمان كان منهم سابقاً ولكنهم وكثيرين آخرين عادوا إلى الجماعة السنية ويصلون الصلوات الخمس والحمد لله، والجدير بالذكر أيضا اننا لدى افتتاحنا مسجداً قرب العاصمة للكمبوديين كان من جملة الحضور في المناسبة بعض منهم إذ إن العديد أخذ يعدل من الخرافة بعد التوجيه والدعوة، وقد قلت سراً وجهراً جزى الله الأخ القطري فاعل الخير الذي بنى هذا الصرح ليكون شعاراً للعبادة من جهة وميداناً للتعليم والتوجيه وتصحيح المفاهيم من جهة أخرى، وإن من خطأ بعض هؤلاء أنهم يتكلمون في الصلاة، لكن عيسى التقى بولد حاكم إحدى القرى وكان الحاكم قد عاد من الحج ورأى إجماع المسلمين على الصلوات الخمس، فقال إن أباه قد قال: لا مانع من أداء الصلوات الخمس، لكن حتى في صلاة الجمعة يقومون بها مع الاختلاف في الهيئات حيث يقف مؤذنان للإقامة ويقومان بأذكار غير مفهومة ومع أن الخطيب يقرأ الخطبة المكتوبة دوماً نفسها على ورقة قماش بالعربية لغموض أصواتهم بالمنطق، والعديد منهم يحتج بأن رسول الله إلا أنه لا يفهم منها إلا بعض الذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم منذ الولادة إلى البعثة لم يصل الصلوات الخمس في مكة وبالمناسبة فيقول كبير من كبرائهم إنهم منذ 1400 سنة مسلمون وقد جاؤوا من مكة ثم انتقلوا إلى مملكة تشاميا، وإنما سموا بالزاهدين لأنهم يرون أن الإنسان ليس له شيء في الدنيا وأن الكل لله سبحانه حتى لو نوى للصلاة فينوي بقلبه أنه عبد الله ولا يقول أنوي حتى لا يشعر نفسه بأن له أي شيء يرجع إليه، كما أن من أفكارهم نحو الصلاة أن صلاة الفجر تعني آدم من الأنبياء والظهر تعني نوحاً والعصر يونس والمغرب عيسى والعشاء موسى ولذا فهم يتسمون غالباً بأسماء الأنبياء، ويتساءلون لماذا صلاة المغرب والعشاء جهريتان والبواقي سرية، ولماذا خطبة الجمعة قبل الصلاة وخطبة العيد بعد الصلاة إلى غير ذلك من المتناقضات التي تعم تصوراتهم نحو الصلاة، ولكن بحمد الله قد رجع 60% منهم بعد التوجيهات وسفر الحج ولقاء الدعاة العرب وغيرهم ولو قليلاً إلى الصلوات الخمس ولم يبق تقريباً إلا المتشددون على رأيهم القديم، أما من حيث الصيام، فبعضهم يصوم ثلاثة أيام فقط من رمضان وآخرون يصومون ثلاثة في العشر الأول وثلاثة في الأوسط وثلاثة في الأخير وإذا صام بعضهم كل الشهر فإنه يمتنع عن الكلام بتاتاً، وقد زار ولدنا عيسى حاكم إحدى القرى في رمضان ولكن أخبره النائب أن الحاكم لا يتكلم الآن أبداً أما الزكاة فالميسور منهم يزكي ولا ينكرون فرض الزكاة ولكن معظم المال إن وجد يذهب إلى رئيسهم أو المفتي الذي ليس له مورد خاص، وأما الحج: فبعضهم يحج وهو الأكثر والقليل يرفضون الذهاب إلى مكة لأنها كانت مقدسة أيام الرسول صلى الله عليه وسلم أما الآن فإن فيها ضلال لوجود ما يصفونهم بالوهابيين!؟ سيما أن هذه الفرقة من غلاة المتصوفة لا معتدليهم وأنهم يفسرون كثيراً من الأمور باطنياً فيجيدون عن الصواب غالباً ولكن الذي يؤدي فرض الحج إذا عاد إلى بلده يعود إلى المسجد فيمكث أربعين يوماً لاعتقاد أكثرهم أن الأرض مازالت خبيثة في بلدهم ولكنها تطهر بعد الأربعين فيخرج وحتى لو كانت امرأة أيضا ويتحدثون مع الناس عن رحلة الحج المقدسة.
وأما عن عقيدتهم، ونظرتهم في التشريع والمأثورات والمنهيات فإنهم يرون أن الله في كل مكان ويؤيدون مذهب الأشاعرة في ذلك ويعتقدون أن الجسم مقسم إلى أقسام فلعاب الفم يعني ماء زمزم والقلب يعني الكعبة.. وهكذا، ويقولون إن أصل الإنسان من ماء وتراب وهواء ونار مشاركة للبوذية في عقيدتهم وهم يستغيثون برجل مات اسمه حسن ويذهبون إلى قبره في الجبل سنوياً بأعداد مؤلفة ويقدمون الطعام والشراب لهذا الولي صاحب الكرامة والذي كان يمشي على الماء كما يدعون وهم يفضلون علياً على سائر الصحابة ويزعمون أن قراءتهم للقرآن مأخوذة من علي رضي الله عنه، ومن عاداتهم عدم الختان إلا لجزء يسير لذلك فإن الذين عادوا منهم ختنوا من جديد ولكنهم يحرمون الخمر والزنى، ويقدسون النكاح ويقرأون خطبته بالعربية ويدعون بالبركة للعروسين وإنهم ولو اعتبروا أنفسهم قسم.. من الصوفية إلا أنهم من أشد الغلاة، أما عن المصاحف فهم يقدسون القرآن العثماني ويطلبون المزيد، وفي نهاية المطاف لابد أن أعود لأعيد التذكير بأن معظم هؤلاء قد رجعوا عن كثير من أفكارهم نتيجة التوعية والدعوة الحكيمة.. وانني أدعو المسلمين لاستنقاذهم من بقية ما علق من تصوراتهم، والأخذ بيدهم إلى حديقة أهل السنة والجماعة فالتنصيريون قد بنوا الآن لهم مدارس عصرية وكذلك الأحمديون جاؤوا من إندونيسيا وبنوا لهم مساجد وكذلك الشيعة يلعبون دورا مهما، فأين أثرنا نحن العرب والمسلمين، وخاصة الدعاة في سد نقصهم الديني والدنيوي؟

د. خالد هنداوي.

http://www.al-sharq.com/articles/more.php?id=204881

 

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك