ماذا عن موقفنا من الآخر.. وموقف الآخر منا؟

ماذا عن موقفنا من الآخر.. وموقف الآخر منا؟

لا ريب أن نظرة الإسلام إلى الآخر من غير المسلمين نظرة ذات نزعة إنسانية ملؤها الخير والعدل للبشرية جمعاء دون الميل إلى مصلحة مادية أو امتياز عنصري أو قومي أو استعماري ودون فرض المبادئ والأفكار وفي قلبها الدين على هذا الآخر بل إن قاعدته المنصوص عليها في القرآن (لكم دينكم ولي دين)،"الكافرون: 6".
ولذلك لم يُكره ديننا الحنيف أحدا على اعتناقه وإنما ترك له الحرية المطلقة في الاختيار (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)، "البقرة: 256".
وعلى هذا الأساس فقد دعا إلى مبدأ التعاون الإنساني بين جميع الناس بغض النظر عن معتقداتهم واضعا ضوابط إنسانية لاحكام هذا التعاون الذي لا يغض من احترام الطرف الآخر ولكن يطلب منه احترامه كذلك.
(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير)، "الحجرات: 13".
وحين يريد الإسلام دعوة الآخرين إلى دينه ويرغبهم فيه فإن دعوته تقوم على الحوار السلمي وإعمال الفكر للوصول إلى الحق (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون)، "آل عمران: 64".
(ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم.....)، "العنكبوت: 46".
ولا يكتفي الإسلام بالتعامل مع الآخرين بالطريقة التي هي أحسن في الحوار والنقاش بل يحدد العلاقة بكل وضوح معهم في حالتي السلم والحرب وذلك بأن نبرهم ونعدل معهم بكامل المثالية ما لم يعتدوا (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين* إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون)، "الممتحنة: 8-9".
وهكذا، فإن قاعدة الإسلام الأولى الوطيدة هي السلام دوما (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين)، "البقرة: 208".
وبناء على هذا يؤكد الدكتور وهبة الزحيلي في كتابه قضايا الفقه والفكر المعاصر "ص 597"، إن المسلمين في مختلف حروبهم مع العرب وغيرهم من الرومان والفرس كانوا هم المعتدى عليهم ولم يكن لجوؤهم إلى القتال إلا دفاعا عن أنفسهم لرد العدوان ونشر لواء الحرية وبيان معنى العبودية لله بالمقارنة مع عبادة المتألهين من البشر المستبدين.
كما يؤكد الدكتور حامد سلطان في كتابه أحكام القانون الدولي في الشريعة الإسلامية "ص 115"، أن الإسلام استبدل بالسيطرة والخضوع للطغاة مبادئ العدل والشورى والمساواة والحرية وهي أسمى الأسس الإسلامية الإنسانية في السياسة، وقد عمل الإسلام تبعا لذلك على تكريم الإنسان وصون حقوقه بغض النظر عن دينه وجعل ذلك من أسسه العتيدة (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)، "الإسراء: 70".
وعلى هذا – كما يقول الدكتور الزحيلي فلا يجوز إلحاق الأذى بالإنسان بسبب دينه ولا تمارس معه ممارسات تتنافى مع الأخلاق والآداب خلافا لما نشاهده اليوم في ممارسة الآخر معنا كالصهاينة في فلسطين والأمريكان وحلفائهم في العراق وأفغانستان، حيث دمر هؤلاء كل الشرائع البشرية وخرجوا على كل القيم الإنسانية، بينما نرى النظرية الأخلاقية الإيمانية تعمل عملها في تنفيذ وصية أبي بكر الصديق حين وجهها إلى قائده يزيد بن أبي سفيان (إني موصيك بعشر لا تقتلن امرأة ولا صبيا ولا كبيرا هرما ولا تقطعن شجرا مثمرا ولا تخربن عامرا ولا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة، ولا تحرقن نخلا ولا تفرقنه أو تغرقنه ولا تغلل ولا تجبن)، كما في تنوير الحوالك شرح موطأ مالك 2/6، ومثله وصية عمر بن عبدالعزيز إلى أحد عماله كما في المصدر نفسه. ومن ناحية أخرى فإننا نرى عدل الإسلام مع الآخرين في كل شيء ومن هذه الأمثلة النادرة في المعاملة قصة أهل سمرقند الذين شكوا إلى عمر بن عبدالعزيز تحاملا من القائد قتيبة بن مسلم وفتح بلادهم دون إنذارهم فأمر عمر قاضيه أن يحكم في أمرهم فحكم بخروج العرب من أرضهم إلى معسكراتهم حتى يكون الصلح الجديد أو الظفر عنوة، ثم لا ينسى رحمة الإسلام للآخر في السلم والحرب حتى قال جوستاف لوبون: ما عرف التاريخ فاتحا أعدل ولا أرحم من العرب، أجل فالعدل بالمعاملة الحسنة حق طبيعي للبشر ولو لم يكونوا على ديننا (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)، "المائدة: 8".
وبالرحمة في السلم والحرب يتحقق الإخاء الإنساني الذي يفي للطرف الآخر بالميثاق والعهد ويقر مبدأ الأمن والسلم الدوليين لكل الدول ويلتزم به في حين أن الدول الأوروبية شنت علينا الحروب الصليبية لمدة ثلاثة قرون كاملة متجاهلة مبدأ التدخل في شؤون الدول الأخرى بل والعمل على احتلالها ضاربة بركيزة السلم والإخاء الإنساني عرض الحائط وهو ما نلحظه هذه الأيام من طلب الآخرين منا الاعتراف بوجودهم وحضارتهم والإقرار بغلبتهم لنا وباسم الديمقراطية ومحاربة الإرهاب والتطرف الذي يلصقونه بنا زورا وبهتانا بينما الآخر المسالم والناشد للحرية والذي هو نحن تتضافر جميع القوى لخنق صوتنا وإخماد حركتنا المباركة تحت شتى المعاذير كما يشير الأستاذ محمد قطب في معالجته للموقف من الآخر في كتابه مغالطات "ص 71" أقول.
والجدير بالذكر أن الآخر الذي ينظر إلينا هذه النظرة الدونية يضع أمامنا كمائن الحوارات عن الأديان والحضارات والثقافات دون أن يحقق لنا فوائد تذكر في مؤتمراتها العديدة بل قد يسعى من وراء هذه الحوارات إلى تخديرنا وتصفيتنا، وإن هذه الحيل يجب أن يوضع لها حد حتى لا يبلغ الزبا ويطفح الكيل ولعل من يطالع كتاب حوار الثقافات للدكتور حسن وجيه وما فيه من مناقشات جادة قام بتحريرها الدكتورة منى أبو الفضل يرى دقة بعض الكمائن المنصوبة لنا وإن كنا لا نريد عن الحوار بديلا ولكنه الحوار الحقيقي للوصال لا الحوار الوهمي السابح في الخيال.

د. خالد هنداوي

المصدر: http://www.al-sharq.com/articles/more.php?id=182614

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك