معابر الحضارة الإسلامية إلى أوربا والعالم

معابر الحضارة الإسلامية إلى أوربا والعالم

 

أولاً : الأندلس
يذكر (غوستاف لوبون) "Gustav Lebon" في كتابه - حضارة العرب: أن المسلمين ما كادوا يتمون فتح أسبانيا، حتى بدأوا يقومون برسالة الحضارة فيها؛ فاستطاعوا في أقل من قرن أن يبعثوا فيها الحياة؛ فعمروا الأراضي والمدن، وأقاموا المباني الفاخرة، ووطدوا صلات تجارية وثيقة مع الأمم الأخرى، وشرعوا يتفرغون لدراسة العلوم والآداب، ويترجمون كتب اليونان والرومان، وينشئون الجامعات التي ظلت وحدها ملجأ للثقافة في أوربا زمنا طويلا، ومن ثم أصبحت طليطلة - بعد أن استولى عليها ألفونسو السادس سنة 1085م - مركز انتشار الثقافة العربية إلى باقي نواحي أسبانيا وأوربا .
ويقارن (لوبون) بين أسبانيا العربية وسائر أرجاء أوربا، فيقول: لقد تمتعت أسبانيا بحضارة سامية بفضل العرب، بينما كانت بقية أوربا غارقة في ظلام وتأخر، ولو سار الغرب تحت راية العرب لتسامت منـزلته، ولو رقَت أخلاق أهله ما وقعوا في الحروب الدينية ومذبحة (سان بارتلمي) "Saint Bartelmi" ومحاكم التفتيش، وكل ذلك من المصائب التي أغرقت أوربا في الدماء عدة قرون.
وما إن استقرت البنية الأساسية للمجتمع الإسلامي الأسباني (الأندلسي) حتى سعى العرب والمسلمون، ولاسيما عصر الأمويين في الأندلس (138- 422هـ) إلى أن يوطدوا سلطانهم في أسبانيا عن طريق العلم؛ فانصرفوا إلى العناية بالآداب والعلوم والفنون، ولم يقنعوا بما وصل إليه إخوانهم في المشرق من تقدم، بل زادوا على ذلك، وابتكروا وجددوا؛ مما أتاح لأوربا موردا عذبا، فظلت تنهل منه منذ أواخر القرن الحادي عشر حتى النهضة الإيطالية في القرن الخامس عشر.
وبيقينٍ، فقد كان لسياسة التسامح الإسلامي أثرها العظيم في نفوس أهل الذمة؛ من مسيحيين ويهود، فأقبل المستعربون الأسبان على استعمال اللغة العربية، بل فضلوها على اللاتينية، كما تتلمذ كثير من اليهود على أساتذتهم العرب.
وفي الأندلس الإسلامية - أيضاً - نشطت حركة الترجمة عن العربية نشاطاً كبيرا؛ فترجمت كثير من مؤلفات العرب في مختلف العلوم والفنون، كما ترجمت عن العربية بعض مؤلفات اليونانيين مثل: كتب جالينوس وأبقراط وأفلاطون وأرسطو وإقليدس وغيرهم .
ويدلنا ما ذكره (الفارو) "Alvaro" (الكاتب المسيحي المتعصب) في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) على مدى انتشار الثقافة الإسلامية واللغة العربية والعلوم التي جاء بها العرب؛ فقد كتب يقول: (إن إخواني المسيحيين يدرسون كتب فقهاء المسلمين وفلاسفتهم، لا لتنفيذها، بل لتعلم أسلوب عربي بليغ، وا أسفاه إنني لا أجد اليوم علمانيّاً يُقبل على قراءة الكتب الدينية أو الإنجيل، بل إن الشباب المسيحي الذين يمتازون بمواهبهم الفائقة أصبحوا لا يعرفون علما ولا أدبا ولا لغة إلا العربية؛ ذلك أنهم يقبلون على كتب العرب في نهم وشغف، ويجمعون منها مكتبات ضخمة تكلفهم الأموال الطائلة، في الوقت الذي يحتقرون الكتب المسيحية وينبذونها) .
وهكذا بلغت الحضارة العربية ذروتها في الأندلس لعدة قرون، وأصبحت قرطبة -كما يقول فيليب حتى: (جوهرة العالم)، وكانت دارا للمكتبات والجامعات تضئ شوارعها المصابيح العامة ليلا، في حين ظلت مدينة لندن سبعة قرون بعد ذلك لا يوجد في طرقاتها مصباح عام واحد يضيء ليلا.
وقد استمر شعاع الحضارة الإسلامية مضيئا في الأندلس، حتى امتد ليضيء  غرب أوربا في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين وما بعدهما.
وكانت الأندلس (93- 897هـ / 711- 1492م) بهذا معبراً من أهم معابر الحضارة الإسلامية إلى أوربا إن لم تكن أهمها .

المصدر: http://www.el-wasat.com/portal/News-30019.html

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك