مسؤولية الدعاة في حفظ الضرورات الخمس

مسؤولية الدعاة في حفظ الضرورات الخمس

 

إعداد

منصور بن محمد الشريدة

 

المقدمة:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ولا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[([1]).

]يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا ربَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رقِيباً[ ([2]) .

]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِر لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً[([3]).

 اما بعد : * أعتنى الإسلام بحفظ الضروريات الخمس التي اتفقت الشرائع السماوية على حفظها، وهي: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال، واعتبر التعدي عليها جناية وجريمة تستلزم عقاباً مناسباً، وبحفظ هذه الضروريات يسعد المجتمع، ويطمئن كل فرد فيه وقد ارسل الله الرسل وانزل الكتب من اجل هذه المهمة الجليلة ,وهي التي تتوقف عليها حياة الناس - الضرورات الخمس- بحيث إذا فقدت إختلت الحياة في الدنيا وحل العقاب في الاخرة .

* أمرنا الله تعالى بتعلم الدين ، قال النبي صلى الله عليه وسلم :" طلب العلم فريضة على كل مسلم " صحيح ابن ماجة. وأمرنا بنشره ، قال النبي صلى الله عليه وسلم:" بلغوا عني ولو آية "([4]).

* شح المكتبة الأسلامية بمباحث تتركز على جانب حفظ الضرورات الخمس في نفوس الخلق عن طريق الدعاة وتبيين نفعها للخاص والعام ومايترتب على تركها وهذا مادعاني لاختيار هذا الموضوع والتوسع به مستقبلا. .

* شرع الاسلام حدوداً تحفظ هذه الضرورات، فبحد السرقة يحفظ المال، وبحد القصاص تحفظ النفس، وبحد الزنى والقذف يحفظ العرض، وبحد السُكر يحفظ العقل،وبالحفاظ على هولاء الأربعة جميعاً يحفظ الدين.

 

 

 

 

 



 

الفصل التمهيدي:

 (مفهوم الدعوة إلى حفظ الضرورات الخمس)

إن الشريعة الإسلامية الغَرَّاء هي الشريعة الخاتِمة التي أكمل الله بها الدين وأتمّ بها النعمة، وجعلها صالحة للخلافة في الأرض في كل زمان ومكان، لا تَبْلَى نصوصُها، ولا تهتزّ قواعدُها، ولأجل ذا صارت هي الأُسّ في حفظ الضرورات الخمس في الحياة البشرية، وهي الدين والنفس والعِرض والعقل والمال، فهي شريعة جُلاّ تسعى لتحصيل المصالح وجلبها لتلك الضرورات، كما أنها في الوقت نفسه تقوم بالدفع قبل الرفع لأي مفسدة تخل بضرورة من الضرورات، بَلْهَ الضرورات الخمس برُمَّتها.

ولما كانت أمور الناس ومصالحهم تدور رَحَاها حول تلك الضرورات الخمس، وتحصيل مصالحها، ودَرْء مفاسدها، وحراسة ذلك وسياسته؛ كان لزامًا أن يكون للداعية المسلم وسيلة لايصال فكرة الوعي الجماعي للجماهير المسلمة يسلمون بها ويجتمعون عليها، ويضعون كفوفهم على كفّه؛ ليقوم التوازن فيهم، ولتتناسب الحقوق بينهم

 المبحث الأول : مفهوم الدعوة ومشروعيتها وأركانها وفضائلها):

-مفهوم الدعوة

 الدعوة  لغة: النداء و الطلب

 الدعوة شرعا:هي رسالة السماء إلى الأرض وهي هدية الخالق إلى المخلوق و هي دين الله القويم و طريقة المستقيم وقد اختارها الله و جعلها الطريق الموصل إليه سبحانه ( إن الدين عند الله الإسلام ) ثم اختارها لعباده و فرضها عليهم و لم يرض بغيرها بديلا عنها ( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين )

و قال ابن تيمية رحمه الله ( الدعوة إلى الله هي الدعوة إلى الإيمان به و بما جاءت به رسله بتصديقهم )

مشروعية الدعوة:

قال الله تعالى:]قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [([5]).

-عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، (لما بعث معاذا إلى اليمن قال له: إنك تأتي قوما من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله - وفي رواية: إلى أن يوحدوا الله - فإن هم أطاعوك لذلك،  فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم،  فإن هم أطاعوك لذلك، فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) ([6]).



 

* أركان الدعوة

ثلاثة هي:

1) المدعو إليه: وهو دين الإسلام الذي يراد دعوة الناس إليه وهو سبيل الله، وصراطه المستقيم.

2) الداعي: هو القائم بأمر دعوة الناس.

3) المدعو: وهو من يراد دعوته وهم الناس جميعاً بوجه عام وأهل الإسلام بوجه خاص.

-فضائل الدعوة:

الدعاة الى الله قاموا  بفرض الكفاية وقد خصهم الله بخصائص منها,خيريَّتهم .. ومدح الله لهم ,والداعية صاحب أحسن الأقوال,والداعية له أجره وأجر من علم بما علم,والدعوة إلى الله وسيلة من وسائل دفع النفاق,والداعية يحفظ من عقوبات الدنيا ,وحفظ الله لأهل القرى بسبب الدعاة إلى الله ,والداعية مأجور حتى بألمه ونَصَبه,والداعية يشهد على الخلق يوم القيامة,والدعاة في النور وغيرهم في الظلمات ,والدعاة لهم البشرى بالنصرة والتمكين .



 

المبحث الثاني : مفهوم "الضرورات" والفرق بينها وبين الحاجيات والتحسينيات)

مفهوم الضرورة من الناحية الفقهية هو الضيق الشديد الذي يلحق بالإنسان فيؤدى إلى ضرر وأذى في نفسه أو عرضه أو دينه أو ماله.

ولغة:هي المشقة والألم

الفرق بين الضرورات والحاجيات والتحسينيات:

بالنسبة للحاجيات مع فوتها (لايقع جميع الناس في الحرج بل البعض فقط وهم من قامت لديهم الأعذار التي أدت إلى تشريع الحكم المخفف ,فالحرج والمشقة المدفوعان بالرخص إذا لم تشرع الرخص, لم يلحق كل الناس الحرج, بل يلحق بمن قامت بهم الأعذار كالمريض والمسافر, أما عدم شرعية الاحكام في الضرورات فيؤدي الى لحوق الضرر بجميع الناس..)كتاب الضروريات والحاجيات والتحسينيات -أ.د/محمد عبدالمعطي محمد علي ص7

اما التحسينيات فهى كما قال الإمام الشاطبي:(الأخذ بما يليق من محاسن العادات وتجنب الأحوال المدنسات التي تأنفها العقول الراجحات) ومثال ذلك مكارم الأخلاق

قال الدكتور محمد عبدالمعطي محمد علي في كتابه الانف الذكر-عن التحسينيات-(فلايختل بفقدانها نظام الحياة كما هو الحال في المقاصد الضرورية, ولايدخل على المكلف حرج وضيق كما هو الحال في المقاصد الحاجية, لكن بفواتها تكون الحياة مستنكرة عند ذوي العقول وأصحاب الفطر السليمة).

المبحث الثالث :

علاقة " الضرورات الخمس ، أو الست" بأركان الدعوة وخصائصها)

علاقة الضرورات الخمس بأركان الدعوة وخصائصها هي علاقة  تكافئية تجاذبية فالضرورات الخمس لاتقوم بدون داعي اليها بالوسائل الشرعية ليست اقليمة بل عالمية الانتشار والمنافع للفرد والجماعة]وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين[([7]).فهي عالمية من حيث الزمان والمكان الى ان يرث الله الارض ومن عليها ,فالاسلام بشموله ووسطيته ومحاسنه ومنهاجه صالح لكل جيل إذا وجد من يفهمه ويعمل به ويدعوا  إليه بوسائله الشرعية.

 



 

الفصل الأول

 (مشروعية حفظ الضرورات الخمس)

لا تعيش المجتمعات حياة مستقرّة سعيدة إلا مع ضمان هذه الضروريات الخمس وبدونها تصبح الحياة كالغابة يأكل القوي الضعيف.

المبحث الأول : مشروعية  "حفظ الدين"  في الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم)

جاء ما يدل على حفظ الدين  نهيه سبحانه عن الشرك به، في قوله: ]وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ  الا اياه[، و قال تعالى: ]وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ[([8])وفي قوله تعالى:]وَءاتِ ذَا الْقُرْبَى? حَقَّهُ[ وقوله جل جلاله: ]وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا[.ومن السنة ما اخرجة البخاري في كتاب الوصايا، باب قول الله تعالى: "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً"([9]).

وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه: "بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه". فبايعناه على ذلك. أخرجه البخاري: كتاب الإيمان، باب علامة الإيمان حب الأنصار (17)، ومسلم في الحدود (1709).

قال ابن الحاج: "ويقدم حفظ الدين من الضروريات على ما عداه عند المعارضة؛ لأنه المقصود الأعظم، قال تعالى: "وَمَا خَلَقْتُ ?لْجِنَّ وَ?لإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ" [الذاريات:56]، وغيره مقصود من أجله، ولأن ثمرته أكمل الثمرات، وهي نيل السعادة الأبدية في جوار ربّ العالمين

 وقال الشاطبي:فأصول العبادات راجعة إلى حفظ الدين من جانب الوجود، كالإيمان والنطق بالشهادتين والصلاة والزكاة والصيام والحج وما أشبه ذلك، والعادات راجعة إلى حفظ النسل والمال من جانب الوجود، وإلى حفظ النفس والعقل أيضاً، لكن بواسطة العادات والجنايات، ويجمعها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وترجع إلى حفظ الجميع من جانب العدم" [الموافقات (2/18- 20).

المبحث الثاني : مشروعية  " حفظ النفس"  في الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم)

حفظ النفس(لرعاية حقوق الأنسان): النهي عن كل اعتداء يمس بها كالقتل و التهديد ,كما اوجب الاسلام القصاص لحمايتها

وجاء في حفظ النفس قوله تعالى: ]وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلَـادَكُمْ مّنْ إمْلَـاقٍ[ [الأنعام:151]، وقوله تعالى:]وَلاَ تَقْتُلُواْ ?لنَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقّ[ [الأنعام:151]

من السنة:

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اجتنبوا السبع الموبقات)) قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: ((الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)).

 وعن عبد الله بن مسعود قال: قال النبي : ((أوّل ما يقضى بين الناس في الدماء)). قال النووي: "فيه تغليظ أمر الدماء, وأنها أوّل ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة, وهذا لعظم أمرها وكثير خطرها, وليس هذا الحديث مخالفًا للحديث المشهور في السنن: ((أول ما يحاسب به العبد صلاته)) لأنّ هذا الحديث الثاني فيما بين العبد وبين الله تعالى.

قال الإمام الغزالي -رحمه الله- في المستصفى 1/287: (مقصود الشرع من الخلق خمسة وهو:

أن يحفظ عليهم دينهم، ونفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالهم، وكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة. وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة، ودفعها مصلحة)

المبحث الثالث : مشروعية  " حفظ العقل"  في الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم)

وأوجب الأسلام الحفاظ على العقل فحرم كل مسكر وعاقب من يتناوله.فقد حرم الخمر وكل مسكر مفتر ويدخل فيه المخدرات، وعاقب من تعاطها بالجلد، وحكمة تحريمها هو ما فيها من المفاسد، ومنها ما ذكرها الله حيث قال: ]يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتبنوه لعلكم تفلحون  إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم والعداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون[.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي  قال: ((كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام)) [رواه مسلم]. وقال : ((إن من الحنطة خمراً، ومن الشعير خمراً، ومن الزبيب خمراً، ومن التمر خمراً، ومن العسل خمراً، وأنا أنهى عن كل مسكر)) [رواه أبو داود].

وعن وابل الحضرمي أن طارق بن سويد  سأل النبي  عن الخمر يصنعها للدواء فقال: ((إنها ليست بدواء، ولكنها داء)) [رواه مسلم].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "هذه الحشيشة الملعونة هي وآكلوها، ومستحلوها الموجبة لسخط الله تعالى وسخط رسوله وسخط عباده المؤمنين، المعرّضة صاحبها لعقوبة الله، تشتمل على ضرر في دين الإنسان وعقله، وخلقه وطبعه وتغيب الأمزجة، حتى جعلت خلقاً كثيراً مجانين، وتورث مهانة آكلها ودناءة نفسه وغير ذلك ما لا تورث الخمر،  ففيها من المفاسد، ما ليس في الخمر، فهي بالتحريم أولى، وقد أجمع المسلمون على أن السكر حرام، ومن استحل ذلك وزعم أنه حلال فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل مرتداً، لا يصلي عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين.." أهـ.  

وقال الحافظ ابن حجر: "إن من قال إن الحشيشة لا تسكر وإنما هي مخدّر، مُكابر فإنها تحدث ما يحدثه الخمر من الطرب والنشوة".



 

المبحث الرابع : مشروعية حفظ المال"  في الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم)

أقر الاسلام حرية الاشخاص في تملك الاموال سواء كسبا او انفاقا شريطة مراعاة احكام الشرع ,و قد جعل الفقهاء المال ضمن الضرورات الخمس التي لا تستقيم حياة الافراد و المجتمعات الا به و حرم الاسلام كل اعتداء عليه كما في حديث الرسول الكريم:( كل المسلم على المسلم حرام:دمه و ماله و عرضه ).

لقد حوي القران والسنة النبوية الشريفة العديد من النصوص المحذرة والمانعة والمحرمة من الإسراف والتبذير والتقتير ، ووصفت مرتكبيها بأوصاف قبيحة وتوعدتهم بأشد العذاب كما ذكرت أنها من الأسباب التي اهلك الله بها الأقوام السابقين حيت يقول تعالى " وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا متر فيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا "الاسراء16

وقال] ثم صدقناهم الوعد الحق فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين[ والنصوص التي شبهتهم بالشياطين وأيضا النصوص التي بينت أن المسرفين وأمثالهم مفسدون في الأرض قال تعالى]ولا تطيعوا أمر المسرفين[([10]) ونصوص أخرى كثيرة ، فالإسراف والتبذير والتقتير مذموم ومحرم في كتاب الله عز وجل ولم تخل السنة النبوية من النصوص المحذرة لذلك حيث نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال بشتى صوره والإسراف والتبذير والتقتير فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم انه قال " إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات وواد البنات وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال"([11]) .

ونقتبس من أقوال أهل العلم والعلماء ذكر الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعض الآثار السيئة التي قد تصيب المسرف في الأكل والشرب وكيف أنها إذا تجمعت في العبد وتغلبت عليه أنها ستهلكه وتورده بئس المصير فقال أيها الناس ، إياكم والبطنة من الطعام ، فإنها مكسلة عن الصلاة ، مفسدة للجسد ، مورثة للقسم ، وان الله عز وجل يبغض الحبر السمين ، ولكن عليكم بالقصد من قوتكم فانه أدنى من الإصلاح ، وابعد من السرف، واقوي على عبادة الله خز وجل ، ولن يهلك عبد حتى يؤثر شهوته على دينه" (ابن الجوزي).

المبحث الخامس : مشروعية  " حفظ العرض"  في الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم)

أوقد أمر الله تعالى بحفظ النسل، وشرع لذلك الوسائل الكفيلة بحفظه فرغب في كثرته، ورغب في النكاح الذي به يحفظ النسل شرعا..فالإسلام لا يحارب دوافع الفطرة، ولا يستقذرها، إنما ينظمها ويطهرها، ويرفعها عن المستوى الحيواني، ويرقيها حتى تصبح المحور الذي يدور عليه الكثير من الآداب النفسية والاجتماعية.

وقد وجه القرآن الكريم عباده إلى الحذر من الوقوع في أعراض الناس والاعتداء على محارمهم، قال تعالى]وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً[([12]) ، وقال تعالى ]إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ[([13]) ، وقال ]وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً..[ ([14])، وقال (المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه..)(رواه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم6706). وهذه النصوص وغيرها كثير تدل على عظم شأن العرض وأهميته لدى المسلم، والغيرة على الأعراض، وحماية حمى الحرمات دليل على قوة الإيمان وصلابة الأخلاق وتماسك المجتمع.

انظر كتاب( الخصال المعيبة في صاحب الغيبة)- منصور الشريدة-.

قال ابن قدامة في معنى " قَذْف الْمُحْصَنات " : الْقَذْفُ : هُوَ الرَّمْيُ بِالزِّنَا . وَهُوَ مُحَرَّمٌ بِإِجْمَاعِ الأُمَّةِ . اهـ .

وقال البهوتي : بَابُ الْقَذْفِ ، وَهُوَ الرَّمْيُ بِزِنًا أَوْ لِوَاطٍ أَوْ شَهَادَةٍ بِهِ . اهـ .

 



 

الفصل الثاني

 (وسائل الدعاة وأساليبهم في حفظ الضرورات الخمس)

تتنوع جهود الدعاة وأساليبهم في تبيث الضرورات الخمس في المجتمع المسلم وقد قعد لها العلماء القواعد التأصيلية لتعزيز وجودها وسلامة بنيانها

قال الشاطبي: "والحفظ لها يكون بأمرين:

أحدهما: ما يقيم أركانها ويثبت قواعدها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب الوجود.

والثاني: ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب العدم.

فأصول العبادات راجعة إلى حفظ الدين من جانب الوجود كالإيمان والنطق بالشهادتين والصلاة والزكاة والصيام والحج وما أشبه ذلك، والعادات راجعة إلى حفظ النسل والمال من جانب الوجود، وإلى حفظ النفس والعقل أيضاً لكن بواسطة العادات.

والجنايات ويجمعها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ترجع إلى حفظ الجميع من جانب العدم""[الموافقات (2/18- 20)].



 

المبحث الأول : وسائل الدعاة في القديم والحديث في الدعوة إلى حفظ الضرورات الخمس وحمايتها

 تبليغ الناس جميعا دعوة الإسلام وهدايتهم إليها قولاً وعملاً في كل زمان ومكان بأساليب ووسائل خاصة تتناسب مع أصنافهم وعصورهم. والدعوة وظيفة كل الرسل والأنبياء قال تعالى:]رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل[([15]) وهي واجبة على الأمة وعلى الأفراد إن كان وجوباً عينياً أو كفائياً يقول الله تعالى : ] ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر[ ([16])وقال تعالى : ] وما علينا إلا البلاغ المبين[ ([17])والبلاغ المبين الواضح يحتاج إلى وسائل لتحقيق هذا التكليف.

 من أول يوم تلقى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي خرج بالدعوة إلى أقرب الناس إليه زوجه خديجة رضي الله عنها وصاحبه أبي بكر الصديق. ولم تكن هذه الرسالة شيئاً خاصاً بالفرد يتعبد به في خاصة نفسه,وهكذا فحفظ الله الضرورات الخميس بحفظ كتابه ]إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ[([18])

المبحث الثاني : أساليب الدعاة في القديم والحديث في الدعوة إلى حفظ الضرورات الخمس وحمايتها

 إدراك الدعاة أن  على المسلم تجاه  الضرورات الخمس، أن يُكوّن لديه القناعة الكافية في دينه وشريعته، فسعوا  جاهدين -الدعاة -بالدعوة للالتزام بأحكامها، والحذر من مخالفتها، ورفض الاستعاضة عنها، والأمتناع من التهرب منها، أو التحايل عليها، لما سيعود عليه من نتائج وخيمة، وأضرار جسيمة، كما أن معرفة هذه الضرورات تعطى المسلم مناعة كافية ـ خاصة في وقتنا الحاضر ـ ضد الغزو الفكري، والتيارات المستوردة، والمبادئ البراقة، والحقوق المزعومة، التي يستتر أصحابها وراء دعايات كاذبة، وشعارات خادعة.



 

 الخاتمة :

وتتضمن (أهم النتائج والتوصيات)

وأخيرا أيها القارئ الكريم: ان حفظ الدعاة للضرورات الخمس هي الحرية الشخصية للفرد والمحتمع فالحرية الصحيحة هي في عبادة الله لأنه هو الرب الخالق الرازق . وفي ترك عبادة الله يكون الإنسان رقيقاً لهواه وشهوته وعبدا  لشياطين الجن والإنس وانظر إلى من تركوا عبادة الله كم لهم من الآلهة : ] يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ[([19])فالإنسان عبد ولا بد . فإما أن يكون عبد الله وإما أن يكون عبد للشيطان كما قال ابن القيم رحمه الله :

هربوا من الرق الذي خلقوا له ** فبلوا برق النفس والشيطان

ودعا الله تعالى المسلمين إلى التدبر بملكوته  والتفكر في عظمته وبديع خلقه من خلال هذه الوسائل ولا يكون كالكفار الذين تعطلت وسائلهم عن التدبر في الكون لقوله تعالى «وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون»([20])، وقوله تعالى «ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالانعام بل هم أضل اولئك هم الغافلون»([21]) وأن سبب الغفلة في عدم التفكر والتدبر،   لذلك أكد الاسلام على ضرورة الحفاظ على كل مقومات المسلم.

وما أكثر من يفرط من المسلمين في هذا الزمان بالضرورات الخمس وجُلّ المصائب والجرائم لا تخرج الا من التساهل في فتنة المال وأمره عظيم (المال والبنون زينة الحيادة الدنيا) ([22])وأيضاً ما هو مشاهد من حولنا من كثرة الهرج والمرج وقتل النفس لأحقر الأسباب حيث لا يدري الإنسان فيما قتل ولماذا قتل، أما الأعراض فحدث ولا حرج فاستباحتها صارت مألوفة وتطالعنا الأخبار في كل حين بالمنتن والمقزز مما يحدث من انتهاك لأعراض المسلمين في أرجاء المعمورة وأما أم الخبائث فتعددت مسمياتها وأنواعها وأاضررها النفسية والاجتماعية..

فأسأل الله أن يحفظنا وإياكم من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يحفظ علينا ديننا وأمننا.

والله الهادي إلى سواء السبيل ،،،،



([1])    آل عمران : 102.

([2])    النساء: 1.

([3])    الأحزاب: 70- 71.

([4])    البخاري.

([5])    سورة يوسف : 108.

([6])    أخرجاه البخاري ومسلم في صحيحيهما.

([7])    سورة الأنبياء : 107.

([8])    سورة الذاريات : 56.

([9])    (2615)، ومسلم في الإيمان.

([10])  الشعراء: 151.

([11])  صحيح البخاري.

([12])  الأحزاب الآية : 58.

([13])  سورة النور الآية: 22.

([14])  سورة الحجرات الآية: 12.

([15])  النساء: 165.

([16])  آل عمران: 104.

([17])  يس : 17.

([18])  الحجرات: 15.

([19])  يوسف : 39.

([20])  الأعراف: 198.

([21])  الأعراف: 179.

([22])  الكهف: 46.

 

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك