الحوار الإيجابي ودوره في الحد من العنف
الحوار الإيجابي ودوره في الحد من العنف
أ.د. محمد المهدي
مستشار الطب النفسي
الحوار هو تفاعل لفظي ( و أحيانا غير لفظي ) بين اثنين أو اكثر من البشر بهدف التواصل الإنساني وتبادل الأفكار والخبرات وتكاملها ، وهو نشاط حياتي يومي نمارسه في المنزل والشارع والعمل والمدرسة والجامعة ووسائل الإعلام ، وبقدر ما يكون الحوار إيجابيا يكون مثمرا في حياة الفرد وحياة الجماعة . وبقدر ما يكون سلبيا يكون هداما لكيان الفرد وكيان الجماعة . يقول الدكتور / عبد الله حمدنا الله ( جريدة المسلمون – عدد 337 – المحرم 1412 ) : وإذا كان الإسلام يطلب الحق والعدل ويدعو إليه فان الوسيلة لأقرارهما تبتدئ بالحوار الذي إقامه الإسلام علي ثلاث مستويات :
1. المستوي الأنف : الحوار مع النفس ومحاسبتها وحملها علي الجادة وطلب الحق ويكون هذا في شكل حوار داخلي مستمر بين النفس الأمارة بالسوء والنفس اللوامة حتى يصل الإنسان إلى الاطمئنان .
2. المستوي الثاني : الحوار بين أفراد المجتمع الإسلامي وفق اجتهاداته المختلفة عملا بمبدأ التعاون في الاتفاق والاعتذار في الاختلاف " حفاظا علي وحدة الصف الإسلامي ".
3. المستوي الثالث : الحوار بين المسلمين الذين يشتركون معا في أعمار الكون ،4. وهو حوار يجري وفق مبدأ الدافع الذي يمنع الفساد وينمي عوامل الخير .
ويقال عن غايات الحوار " للحوار غايتان أحدهما قريبة والأخرى بعيدة . أما غاية الحوار القريبة والتي تطلب لذاتها دون اعتبار أخر في محاولة فهم الأخرين وأما الغاية البعيدة فهي إقناع الأخرين بوجهة نظر معينة " . وعن آداب الحوار يقول :
1. حسن الخطاب وعدم الاستفزاز وازدراء الغير ،2. فالحوار غير المجادلة ،3. واحترام رأي الأخرين شرط نجاحه ،4. ولنا في حوار الأنبياء مع أقوامهم أسوة حسنة ،5. فموسي وهارون أمرا أن يقولا لفرعون قولا لينا لعله يتذكر أو يخشي . وفي سورة سبأ يسوق الله أسلوبا لمخاطبة غير المسلمين حيث يقول في معرض الحوار " ولنا وإياكم لعلي هدي أو في ضلال مبين ".
2. أن يصدر عن قاعدة قدرها علماء المسلمين وهي قاعدة " قولي صواب يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب " فالحق ضالة المؤمن وضالة الإنسان العاقل . واتباع الغير واتباع الشهوات مما عابه القرآن علي الكافرين وعده سببا لهلاك الأمم .
والذي يحسم الخلاف بين المسلمين هو المرجعية العرفية للمسلمين وهي " القرآن والسنة " وان تنازعتم في شئ فردوده إلى الله والرسول . و الأن نستعرض بعض ألوان الحوار السائدة في حياتنا والمؤثرات في سلوكنا وفي مسيرتنا الحضارية أفرادا وجماعات ولنبدأ بألوان الحوار السلبي .
1. الحوار العدمي التعجيزي : وفيه لا يري أحد طرفي الحوار أو كليهما إلا السلبيات والأخطاء والعقبات .. وهكذا ينتهي الحوار إلى انه لا فائدة ويترك هذا النوع من الحوار قدرا كبيرا من الإحباط لدي أحد الطرفين أو كليهما حيث يسد الطريق أمام كل محاولة للنهوض .
2. حوار المناورة ( الكر والفر ) : ينشغل الطرفان ( أو أحدهما ) بالتفوق اللفظي في المناقشة بصرف النظر عن الثمرة الحقيقية والنهائية لتلك المناقشة .. وهو نوع من إثبات الذات بشكل سطحي .
3. الحوار المزدوج : وهنا يعطي ظاهر الكلام معني غير ما يعطيه باطنه لكثرة ما يحتويه من التورية والألفاظ المبهمة .. وهو يهدف إلى إرباك الطرف الآخر .. ودلالته انه نوع من العدوان الخبيث .
4. الحوار السلطوي ( اسمع واستجب ) : نجد هذا النوع من الحوار سائدا علي كثير من المستويات فهناك الأب المتسلط والأم المتسلطة والمدرس المتسلط والمسئول المتسلط .. الخ وهو نوع شديد من العدوان حيث يلغي أحد الأطراف كيان الطرف الآخر ويعتبره ادني من أن يحاور ،5. بل عليه فقط السماع للأوامر الفوقية والاستجابة دون مناقشة أو تضجر وهذا النوع من الحوار فضلا عن انه إلغاء لكيان وحرية طرف لحساب الطرف الآخر فهو يلغي ويحبط القدرات الإبداعية للطرف المقهور فيؤثر سلبيا علي الطرفين وعلي الأمة بأكملها .
6. الحوار السطحي ( لا تقترب من الأعمال فتغرق ) : حين يصبح التحاور حول الأمور الجوهرية محظورا أو محوطا بالمخاطر يلجا أحد الطرفين أو كليهما إلى تسطيح الحوار طلبا للسلامة أو كنوع من الهروب من الرؤية الأعمق بما تحمله من دواعي القلق النفسي أو الاجتماعي .
7. حوار الطريق المسدود ( لا داعي للحوار فلن نتفق ) : يعلن الطرفان ( أو أحدهما ) منذ البداية تمسكهما ( أو تمسكه ) بثوابت متضادة تغلق الطريق منذ البداية أمام الحوار وهو نوع من التعصب الفكري وانحسار مجال الرؤية .
8. الحوار الالغائي أو التسفيهي ( كل ما عداي خطأ ) : يصر أحد طرفي الحوار علي إلا يري شيئا غير رأيه .. وهو لا يكتفي بهذا بل يتنكر لأي رؤية أخري ويسفهها ويلغيها وهذا النوع يجمع كل مسيئات الحوار السلطوي وحوار الطريق المسدود .
9. حوار البرج العاجي : ويقع فيه بعض المثقفين حين تدور مناقشتهم حول قضايا فلسفية أو سبه فلسفية مقطوعة الصلة بواقع الحياة اليومي وواقع مجتمعاتهم وغالبا ما يكون ذلك الحوار نوعا من الحذلقة وإبراز التميز علي العامة دون محاولة إيجابية لأصلاح الواقع .
10. الحوار المرافق ( معك علي طول الخط ) : وفيه يلغي أحد الأطراف حقه في التحاور لحساب الطرف الأخر أما استخفافا ( خذه علي عقله ) أو خوفا أو تبعية حقيقية طلبا لإلقاء المسئولية كاملة علي الأخر .
11. الحوار المعاكس ( عكسك دائما ) : حين يتجه أحد طرفي الحوار يمينا ويحاول الطرف الأخر الاتجاه يسارا والعكس بالعكس وهو رغبة في إثبات الذات بالتميز والاختلاف ولو كان علي حساب جوهر الحقيقة .
12. حوار العدوان السلبي ( صمت العناد والتجاهل ) : يلجأ أحد الأطراف إلى الصمت السلبي عنادا ورغبة في مكايدة الطرف الأخر بشكل سلبي دون التعرض لخطر المواجهة .
كل هذه الألوان من الحوارات السلبية الهدامة تعوق الحركة الصحيحة الإيجابية التصاعدية للفرد والمجتمع والأمة ، وللأسف فكثيرا منها سائد في مجتمعاتنا العربية الإسلامية لأسباب لا مجال هنا لطرحها . إذن فمه هي يا تري مواصفات الحوار الآية الذي نسعي إلى ترسيخه بيننا ؟ أن الإجابة بسيطة ولكن تنفيذها يحتاج إلى وقت وصبر فعلي أساس الحوار يبني السلوك وتتشكل العلاقات وينهض الفرد والمجتمع والأمة . والحوار الآية الصحي هو الحوار الموضعي الذي يري الحسنات والسلبيات في ذات الوقت ، ويري العقبات ويري أيضا إمكانية التغلب عليها ، هو حوار متفائل ( في غير مبالغة طفلية ساذجة ) وهو حوار صادق عميق وواضح الكلمات ومدلولاتها وهو الحوار المتكافئ الذي يعطي لكلا الطرفين فريضة التعبير والإبداع الحقيقي ويحترم الرأي الأخر ويعرف حتمية الخلاف في الرأي بين البشر و آداب الخلاف وتقلبه ، وهو حوار واقعي يتصل إيجابيا بالحياة اليومية الواقعية واتصاله هذا ليس اتصال قبول ورضوخ للأمر الواقع بل اتصال تفهم وتغيير و إصلاح وهو حوار موافقة حين تكون الموافقة هي الصواب ومخالفة حين تكون المخالفة هي الصواب فالهدف النهائي له هو إثبات الحقيقة حيث هي لا حيث نراها بأهوائنا وهو فوق كل هذا حوار تسوده المحبة والمسئولية والرعاية وإنكار الذات . ولنأخذ مثلا من الحوار الآية من التاريخ الإسلامي وقد حدث هذا الحوار في غزوة بدر حين يجمع المسلمون لقاء الكفار وكانت آبار المياه أمامهم وهنا نهض الحباب بن المنذر رضي الله عنه وسأل رسول الله : اهو منزل أنزله الله أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ فأجاب رسول الله بل هو الرأي والحرب والمكيدة . فقال الحباب : يا رسول الله ما هذا بمنزل .. وأشار علي رسول الله بالوقوف بحيث تكون آبار المياه خلف المسلمين فلا يستطع المشركون الوصول إليها .. وفعلا اخذ الرسول بهذا الرأي الصائب وكان ذلك أحد عوامل النصر في تلك المعركة . وإذا حاولنا تحليل هذا الموقف نجد أن الحباب بن المنذر كان مسلما إيجابيا علي الرغم من انه أحد عامة المسلمين وكان أمامه من الأعذار أو يعطل تفكيره فهو ندي تحت لواء رسول الله الذي التلقي الوحي من السماء وهنا كبار الصحابة أصحاب الرأي والمشورة ولكن كل هذه الأسباب لم تمنعه من أعمال فكره ولم تمنعه من الجهر برأيه الصائب ولكنه مع ذلك التزم الأدب الرفيع في الجهر بهذا الرأي فتساءل أولا أن كان هذا الموقف وحي من عند الله أو اجتهاد بشري وجد ذلك مجالا لطرح رؤيته الصائبة ولم يجد الرسول غضاضة في الأخذ برأي واحد من عامة المسلمين وهذا الموقف يعطينا انطباعا هاما عن الجو العام السائد في الجماعة المسلمة آنذاك ذلك الجو المليء بالثقة والمحبة والإيجابية وإبداء النصيحة وتقبل النصيحة . وإذا كانت النظم الديمقراطية الحديثة تسمح للمواطن أن يقول رأيه إذا أراد ذلك . فإن الإسلام يرتقى فوق ذلك حيث أنه يوجب على الإنسان أن يقول رأيه حتى ولو كان جنديا من عامة الناس تحت لواء رسول الله وهذا المستوى من حرية الرأى لا نجده الآن في أكثر الدول مناداة بالحرية فلا يجرؤ جندي أن يشير على القائد الأعلى للقوات المسلحة في أية دولة عصرية بتغيير الخطة العسكرية حيث لا يزال الحوار الفوقي السلطوي هو السائد في المجالات العسكرية على وجه الخصوص حتى في أكثر الدول تقدما . وهذه الصورة نهديها لبعض رموز وقيادات الصحوة الذين يطلبون اتباعهم بالطاعة العمياء والاستجابة السلبية لكل أوامرهم اعتقادا بأن هذا يحقق مفهوم الجندية في هؤلاء الأتباع وكم من مآسى حدثت بسبب إلغاء الاتباع لعقولهم والاكتفاء بالطاعة العمياء للزعيم أو الأمير . وليس معنى هذا أن يتحول المجتمع المسلم إلى أفراد متناحرين بآرائهم دون اتفاق وإنما يجب عند مواجهة أى قضية عامة أن يدلى كل صاحب رأى برأيه بأمانة ومسئولية ثم تجمع هذه الأراء لدى أهل الحل والعقد فيفندونها ويناقشونها ثم يتخذ القرار الصحيح بناء على تلك الرؤى المتعددة وحين يتخذ القرار ويبدأ التنفيذ فعلى أفراد المجتمع المسلم أن يتعاونوا جميعا في تنفيذ ما أتفق عليه حتى ولو كانت آراؤهم الفردية تختلف معه ولا يصح لفرد أن يشق الصف بعد أن يتفق أهل الحل والعقد إلى رأى معين وهذه المبادئ غاية في الأهمية للمحافظة على سلامة الصف الإسلامى وتماسكه . وصدق رسول الله فقد قال معلم البشرية " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت "
" رواه البخاري "
المصدر: http://stst.yoo7.com/t1760-topic