هلاَّ كنتَ حاجبَ الملِك؟ (مؤهلات الداعية)

هلاَّ كنتَ حاجبَ الملِك؟
(مؤهلات الداعية)

د.فلاح محمد عزيز
جامعة صلاح الدين\أربيل-العراق
Email: inaamfalah@yahoo.co.uk

بسم الله الرحمن الرحيم
فَبَشِّرْ عِبَادِ(*) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ،أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ(*)

(سورة الزمر17-18)

إهداء

إلى:

-\ رسول الله الأمين محمد، عليه من الله أفضل الصلاة وأتم التسليم000إمام الدعاة والمصلحين00
-\ وإلى رجال من أمته ، أمراء هذه المملكة العظيمة00 مملكة دين الله تعالى00 الذين بعثهم الله تعالى مجددين لدينه، وجعلهم واحات يتزود فيها التائهون في صحراء البعد عن الله ليستطيعوا أن يكملوا المسير إلى منازل القرب00
-\ والى الامام الزاهد والعلامة العابد عبد القادر الطيلاني-رفع الله منزلته- الذي كانت كلماته هذه مناراً لي، نفعني الله بها في احلك أيام حياتي.
وهدية مني خالصة إلى والدي-رحمه الله تعالى- الذي إختار لي الصحبة الصالحة التي قذفتني الى ساحل الهداية بعيداًً عن هاجرة الضلال00
-\ والى جنار-رحمها الله- إبنتي الحبيبة... جعل الله تعالى كل كلمة من هذا الكتاب في ميزان حسناتها وشعاعاً من نور ينوَّر الله به مثواها ليحيله روضة من رياض الجنة.

كلمة لابد منها
إن الإسلام وهو دين الله الذي أرسل به خير الأََنام ليبينه للبشرية والمدونة بنوده وأسسه في كتاب الله تعالى وسنة رسوله ، لهو الطريق المؤدي إلى الله عزوجل والى باب قربه ورضاه0وقد إرتضى الله تعالى هذا الدين للإنسانية وجعله الدين الخاتم إلى يوم الدين 0وعزز الحق عزوجل هذا الدين بمجددين يأتون على حين غفلة من البشرية وقد تاهت بها السبل ، وبات دين الله تعالى عليها غريباً بعد أن هجره الناس وقالوا لهم: (هلموا فلنخرج من هذا التيه) ،تيه الضلال والبعد عن الله ، إلى حيث الظلال و(أفراح الروح) ، هلموا فلقد سلكنا الدرب وعرفنا خباياه ومخاطره وعوائقه ومعالمه ، ووصلنا إلى غايتنا ورأينا مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، وبعد أن غِبْنا في لذة القرب ، ردّنا الله إليكم لنأخذكم إليه ، هلموا فالطريق ههنا‍‍‍! إتبعونا لنأخذكم إلى نبيكم صلى الله عليه وسلم ونضع أيديكم في يديه ليستأذن لكم على ربكم وترون مارأينا ، ويالروعة مارأينا ! وياللذة ماسمعنا! هلموا فالكرم يأبى علينا أن نأكل وحدنا ، ونريد أن تشاركونا مانحن فيه من النعيم 0قالوا للناس بلسان الحال: لقد تحملنا الحياة في ظلال السجون لنضمن لكم العيش (في ظلال القرآن) ، وتلقينا لسعات سياط أعداء الرسول لنخرج لكم (قبسات من الرسول) ، ودرسنا تأريخ هذه الأمة بين (الأمس واليوم) فأدركنا (ماذا خسر العالم بإنحطاط المسلمين) ، فاقتنعنا بضرورة العمل على (إحياء علوم الدين ) لندل الناس على معالم (الدين القيم)، هلموا ياأهل الأرض فإن (المستقبل لهذا الدين) ، مستقبل الدنيا ومستقبل الآخرة0
هذه الدعوة الكريمة المفتوحة أطلقها جميع المجددون والدعاة المخلصون ، وليس من الإنصاف أن نتعصب لمجدد دون الآخر وأن نفرق بين أحد منهم ، فكلهم سلاطين هذه الدولة العظيمة ، دولة دين الله تعالى 0يجب أن نتوجه لهم بالحب والإتِّباع (دون التقديس المؤدي إلى الشرك )لأن لهم غداً عند الله دولة ، ويجب أن نأخذ من كل منهم ما نكمل به شخصيتنا الإسلامية 0 وليس من العدل كذلك أن لا نشيد بجهودهم وجهود أي شخص سار في هذا الطريق وبَيَّن ولو جزئية صغيرة خاصة بالطريق ، فضلاً عن عدم إخراج كنوزهم الدفينة ليراها وينتفع بها الناس0
ولسائل أن يسأل : هل ترك لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً لم يبينه لنا لنحتاج إلى إرشادات من جاء بعده ؟ والحق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بين لنا كافة المعالم الخاصة بهذا الدين ومهد لنا السبيل بسيرته العطرة نحو الله عزوجل فكان لنا خير أُسوة وكان خلقه القرآن جزاه الله تعالى عنا خير الجزاء، ولكن المتطلبات المتجددة للحياة تستدعي الاجتهاد في القضايا التي ترك الشرع مجالاً للعقل أن يجتهد فيها وفق الأسس الواردة في المصدرين الشرعيين كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم0وهناك أمر آخر هو أن أناساً قد إندسُّوا في هذا الدرب وزادوا فيه وغيَّروا بعض المعالم (بقصد أو بغير قصد ) بإيحاء من الشيطان أو بإيحاء من أنفسهم فأضلوا الناس من بعدهم ، فجاء المجددون ودعاة الحق الأصلاء ليذكِّروا الناس بالمعالم الأصيلة ويكشفوا زيف الإشارات والمفاهيم الطارئة المبتدعة المضللة ، مستندين إلى المصادر الشرعية الأصلية ، كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم0وقام آخرون من خارج البيئة الإسلامية إبتدعوا للناس قيماً ومفاهيماً بديلة عن مفاهيم الدين الحق ليلتف الناس حولها وأقاموا لها المؤسسات وسخَّروا لها الأقلام وأمدوها بالأموال الطائلة وأقاموا لها المؤتمرات والندوات ووضعوا لها مواثيقاً عالمية وأرادوا أن يلزموا الناس والدول بها ، أحياناً بالترغيب وأحياناً أخرى بالترهيب0 كل ذلك إستدعى أن يبعث الله عزوجل مجددين ودعاة مخلصين ليردوا الناس إلى القيم الأصيلة ، ولينظفوا الطريق ويزيلوا ماشابه من إشارات وعلامات مضللة ، ويعيدوا مارفعه المضللون 0وبعد أن علم الله عزوجل صدق إرادتهم وتوجههم هيأههم لهذا الأمر وأيدهم وأمدهم بعونه وجعلهم منارات هدى ، وواحات يلجأ إليها التائهون في سيرهم الحثيث إلي الله 0
فماهي المؤهلات التي تؤهل أمثال هؤلاء لأن يستخدمهم ويستعملهم الله عزوجل لهذا الأمر؟ وماالمطلوب منهم من المهمات ؟ وهل من الممكن ومن المتاح لأي شخص أن يصبح ملكاً من ملوك المعرفة يدل الناس على دينه القويم ؟ وما هي الخطوات اللازمة لبلوغ هذه المرتبة ؟ وما هي الأساليب المستخدمة للوصول إلى قلوب الناس وإقناعهم بهذه المفاهيم ؟وفي هذا العصر الذي نعيشه وفي زحمة الداعين والرافعين لواء الدعوة إلى الله والى دينه القويم ، والمعْتَلِين منصة الدعوة إلى الله تعالى على إختلاف مشاربهم وطرقهم وتوجهاتهم ، وفي زحمة الجماعات والفئات والشرائح التي يقودها هؤلاء والتي تحمل لافنات الإنتساب الى هذا الدين،كيف يتأتى لنا أن نطمئن إلى من يرشدنا إلى دينه ؟ وهل هناك من وسيلة لتشخيص من يدعوا إلى الله تعالى لمرضاة الله ممن يرفع لافتة الدعوة إلى الله إستجابة لنداء نفسه ومن أجل تحقبق مجده الذاتي ؟ وهل هناك من وسيلة أو إشارة إلى معرفة الدعوة الصادقة ؟0
إن الكتاب الذي بين أيدينا (الفتح الرباني والفيض الرحماني) هو إحدى الكنوز التي تركها أحد المجددين وهو الإمام الطيلاني رفع الله مَنْزلته وهي عبارة عن مجالس للإمام قمنا بتلخيصها وتبويبها وإخراجها بثوب جديد 0وقد إخترنا هذا الكتاب ظناً منا بأنها قد تجيب على كثير من الأسئلة المهمة التي أثرناها سابقاً 0وهناك سبب آخر لإختيار هذا الكتاب وهو أن العصر الذي نعيش فيه يعج بالماديات والتي إستدعت الحاجة إلى زيادة جرعة الروحانيات في منهج الدعوة ، وهو مانلاحظه في إقبال الناس على هذا النهج لحاجتهم إليه 0 ولأنه قد شاب هذا النهج بعض المفاهيم الخاطئة بعد أن زاد فيه الدخلاء كثيراً من الطقوس التي حرَّفت المنهج الأصيل الذي قام عليه هذا النهج،كان لابد لنا أن نرجع في تتبع هذا المنهج إلى صالح أهلها 0وقدإخترنا الإمام الطيلاني رحمه الله تعالى لأنه يمثل قطباً من أقطاب هذه المدرسة الروحية ، مدرسة تربية القلوب0 ولامجال لنا لإنكار حدوث إنحراف في مسار هذه المدرسة ،وظهور بعض البدع القريبة من الشرك، ولكن مثل هذه الانحرافات قد حدثت في كثير من المناهج وحتى الديانات السابقة بعد مرور فترة من الزمن على ظهورها،بإستثناء دين الله الأخير الذي تعهد الله تعالى بحفظ مصادره من التحريف حتى قيام الساعة0وليس علينا أن نقع في ذات الخطأ الذي وقع فيه الكثيرون وهو رفض منهج بأكمله بحجة أنه قد وقع فيه بعض التدليس طالما أننا يمكن لنا أن نبين للناس الحقائق الأصيلة فيه (ضمن دائرة الكتاب والسنة) ونكشف للناس ماشابهُ من تدليس وتزييف 0وهي ليست دعوة للإقتصار على هذه المدرسة أو تلك بل لابد لنا من أن نتسلح كذلك بالنهج الوارد في المدارس الفكرية والعلمية الإسلامية لتكتمل شخصيتنا الإسلامية ، وهذا التكامل هو العامل الأساسي المؤهل لظهور هؤلاء المجددين0فكل المجددين كانوا بمثابة موسوعة زمانهم ، تسلحوا بالعلم قبل أن يتفرغوا لتنقية نفوسهم وترويضها، ومن ثم خرجوا للناس حكاماً ومحكومين ليبينوا لهم أمور دينهم ودنياهم 0والإمام الطيلاني رحمه الله كان كذلك ، مُلِمَّاً بكل علوم الشريعة الإسلامية ، إضافة إلى إلمامه التام بالحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، فضلاً عن براعته في تحليل النفس الإنسانية ، وتشخيصه للعلل النفسية وإيجاد العلاج المناسب لها 0ولم تقتصر دعونه على الكلام فقط بل إستخدم إحاطته بهذه الجوانب في إقتحام الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والنفسية للناس وفق منهج الكتاب والسنة دون خوف أو وجل أو خجل من أحد0وتظهر كل هذه المعاني جلية في هذه المجالس التي بين أيدينا وفي إستخدامه لهذه المعلومات في صياغة خطابه للناس0
لقد قمنا في هذه المجال بتلخيص لهذه المجالس وتبويبها إلى مواضيع وفصلنا العبارات المنتمية إلى مواضيع مختلفة ورتبناها من جديد حسب موضوعاتها التي تنتسب إليها 0 فكل مجلس كان يضم في الأصل عدداً من المواضيع والمفاهيم المختلفة وضعت تحت عنوان يناسب فقط مقدمة المجلس ، أما بقية المواضيع ضمن المجلس الواحد فكان يشتمل على معاني أخرى تختلف بعض الشيء عن مقدمته، وهذا نابع من طبيعة هذه المجالس التي قام الإمام بإلقائها على شكل محاضرات شاملة لمواضيع مختلفة ولكنها تدور في محور واحد وهو التوحيد0لذلك قمنا بتبويب آخر يضم عناويناً وُضعت من قبلنا ثم نقلنا كل ماله علاقة بهذه المواضيع ضمن كل الكتاب اليها ، وقد إخترنا تجميع المفاهيم على شكل عبارات لأن هذا الشكل مرغوب فيه لدى عامة الناس ولاسيما في هذا العصر الذي نعيشه ، عصر السرعة وضيق الوقت0وقد رتبنا عناوين الموضوعات بشكل إنسيابي يعكس خطوات التوجه العملية 0إن أُولى الخطوات في هذا الطريق هي أن يجلس الإنسان مع نفسه ويحاسبها ويصارحها ويكاشفها لتعرف الموقع الذي وصلته (فلنكن صرحاء) ، وبعد أن يقرر الإنسان البدأ في السير في هذا الطريق كان لابد من التعرف على الإشارات الدالة على المسير(معالم في الطريق) ، فالإمام الطيلاني رحمه الله قد سار فيه واكتسب خبرة أحب أن يمنحنا إياها0وبعد أن إكتسبنا العلم بالطريق نبهنا من الاكتفاء بالعلم وحده وسماه قشراً إن لم يتبعه العمل وسماه لباً (لب وقشور)0 فما الخطوة العملية الأولى للسير قدماً نحو العُلى ؟ إنها تخطي حاجز النفس (النفس:ميدان التغيير الأول) ثم التعرف على بقية العوائق (عوائق في الطريق)، وسيشعر المؤمن برغبة في دعوة الناس الى اللذة التي يشعر بها في قربه من الله تعالى (المؤهل الأول للدعوة : صحة القلب مع الله )0ولابد لهذا الطريق من زاد (زاد في الطريق) ، ومن أنواع هذا الزاد الحصول على رفقة صالحة من أستاذ أو صديق وسماها (مرآة القلب) ، ثم زاد لايقل أهمية وهو تحديد الغاية العظمى لهذا السير(الله غايتنا ) ، ثم يبين لنا السعادة والرضا الذي سنجنيه حين ننشغل بغايتنا ونسعى إليها ونجعلها محور حياتنا (أفراح الروح) 0إذا تكونت زمرة من هذا الجيل على هذا النحو ، فهم جيل النور الذي سينقذ البشرية من الضياع والتيه ، وسيكون منهم قادة أو نخبة أو(سلاطين دولة دين الله)تقودهم إلى العمل على الإرتقاء بالأمة نحو قمة البناء الانساني،نخبة ترغّبهم في أن يعملوا حُجّاباً قرب باب الملك ، يدعون الخلق إلى الخالق (هلا كنت حاجب الملك ؟) ، نخبة توضح للناس وتصحح المفاهيم الأساسية التي علق بها كثير من الشوائب (مفاهيم ينبغي أن تصحح)، نخبة تعلمهم (الصبر على قدر الدعوة) ، وتعلمهم فن الدعوة إلى الله تعالى، وفن مخاطبة الناس (حادي الأرواح )، وفن الدعاء(في المحراب)، وفن التعبيرلخدمة الفكرة ( ودبت الروح في عرائس الشمع)، والإستفادة من سيرة الأولين وجعلها مرآة أخرى لتجميل وتزيين القيم والمبادئ(مرآة أخرى:سيرة الأولين) ، ثم الارتقاء بأدب الدعوة ليصبح فناً من الفنون (التفنن في أدب الدعوة)0
هذا هو ترتيب المواضيع التي قسمنا فيها الكتاب بعد تلخيصه ليصبح ما يشبه مفكرة للداعية يشحذ بها همته بين فترة وأُخرى ،ويُنعش روحه بأنفاس كلمات الرجال المخلصين ، وليشعر أن هذا الطريق لا تقاعد فيه ، وليس فيه مستوى معين يقتنع الإنسان بالتوقف عنده ، بل لابد من السير الحثيث نحو الله عزوجل حتى آخر لحظة من الحياة(واعْبُدْ رَبَّكَ حتّى يأتيكَ اليقين)0
وقد تعمدنا وضع عناوين كتب لكتّاب ومفكرين حديثين بما لايتنافى والمواضيع التي تدل عليها وذلك لربط الجيلين المتقدم والمتأخر من النخبة في حس القارئ ليشعر أنهم كلهم كانوا ضمن دائرة مملكة دين الله تعالى ، وأنهم هم سلاطينها ، وأردنا أن يلتقي هذان البحران (أي هذان الجيلان)في شعور القاريء دون أن يبغي أحدهما على الآخر ، بعد أن أدركنا أنه يمكن أن يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان! وأن جوهر دعوتهم واحدة وهي الدعوة إلى توحيد الله تعالى بالإستناد إلى شريعته المتمثلة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم0
وبعد 00فالله تعالى ندعوا أن يتقبل منا هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن يجمعنا برسول الله صلى الله عليه وسلم وبمن دعى بدعوته في مستقر رحمته 0
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين0

فهرس الموضوعات
رقم الصفحة العناوين
12 فلنكن صرحاء
26 معالم في الطريق
34 لب وقشور
37 النفس: الميدان الأول للتغيير
54 عوائق في الطريق
57 مؤهل الدعوة الأول : صحة القلب مع الله
62 زاد الطريق
67 مرآة القلب
77 الله غايتنا
81 جيل النّور00نواة تغيير المجتمع
86 أفراح الروح
98 سلاطين دولة دين الله
103 هلا كنت حاجب الملك؟
106 مفاهيم ينبغي أن تُصحح
114 الصبر على قدر الدعوة
116 فن الدعوة :التصوير الفني
138 في ظلال القرآن والحديث
149 من ثمار القرب: الفراسة
152 حادي الأرواح
156 في المحراب
160 ودبت الروح في عرائس الشمع
170 من وسائل الدعوة : سيرة الأولين
178 من وسائل الدعوة: استجاشة المشاعر

منهج الامام الامام الزاهد عبد القادر الطيلاني في التربية
انه قمة في الاداء الدعوي لانه يستند الى صفاء العقيدة وعمق الاخلاص لله تعالى، جاء للدنيا في وقت كانت المادية والثراء تطغيان على كل شيء، فبث في الناس المعاني العليا التي يدعوا اليها الاسلام من حب الله تعالى وحب رسوله صلى الله عليه وسلم ، والخوف والخشية من الله تعالى فمزج بين هذين الشعورين(الحب والخوف) لتستند القلوب الى ركن ركين تتحدى به موجات مغريات الدنيا. لقد بين الامام مفاهيم الدنيا والاخرة، وارشد الى رسالة عظيمة الا وهي ان تكون حاجباً لملك الملوك، تقف على باب القرب فتدعوا الناس الى الله تعالى، بعد ان تكون قد مشيت انت ايضاً في هذا الطريق وعرفت معوقاته ومخاطره، وبهذا يريد ان يجعلك دليلاً ومرشدا الى الله تعالى ويالها من مهمة عظيمة!
وهي عملية لاتأتي دفعة واحدة أو في يوم أو يومين ولكن بالعمل الدؤوب والمثابرة وعدم اليأس لأن نفس الانسان - كالطفل المشاكس- ملتوية وتحتاج الى تربية دائمة وخير سلاحها معرفة الله وصحبة القلب معه.
ومن ابرز ملامح طريقة الامام في الدعوة انه يركز على القلب لانه من مراكز التوجيه الاساسية في النفس الانسانية، ويعتمد في تربيته على المصدرين الاساسيين القرآن والسنة وكذلك على سيرة السلف الصالح والشيوخ والاساتذة الثقة. يدور الامام في فلك التوحيد، ويهتم اهتماما جلياً بالنفس الانسانية ويشرِّحها تشريحاً عميقاَ لينسلَّ منها الى اغوارها ويقوم بمعالجة آفاتها. وينهج الامام رحمه الله منهج التدرج في التربية فهو يدعو الى المحاولة تلو الاخرى حتى تستقيم النفس وينفر من اليأس. ومن روائع منهج الامام انه يبني للانسان غاية عليا وهي ان يحصل الانسان على اعلى درجة دون درجة النبوة وهي درجة الولاية، ويحث الانسان على بلوغها ويحذره من فواتها، فالحياة الدنيا ستنتهي يوماً ما وهي فرصة يجب ان يغتنمها الانسان ليحصل على اروع منصب وهو منصب الولاية لله تعالى.ومن ملامح طريقته في التربية اعتماده الشديد على الامثلة وكذلك وضع تعاريف ومفاهيم للقيم والمشاعر كالدنيا والقدر والموت....الخ.
ومن النقاط الجلية في منهج الامام في تهيئة المسلم لتبؤ منبر الدعوة ان يبين له ان هذا التأهيل سماوي وليس ارضي، أي يجب ان يسهل الله تعالى ذلك لك عن طريق قربك من الله تعالى والاخلاص له وعدم الحرص على الظهور وتجنب الرياء وبذلك تكون دعوتك ذات فائدة على الناس وكذلك على الانسان ان يتسلح بالعلم ويوسع مدارك معرفته ليستطيع ان يواجه الافكار الهدامة لاسيما في عصرنا هذا حيث يتغلف الجهل والعصيان بغلاف العلم البراق كما يتغلف السم بالعسل.
هذه جملة من ملامح منهجه في التربية، وفي سيرة حياته –الموثوقة منها- خير ترجمان لكلماته، رحمه الله تعالى رحمة واسعة ورفع منزلته.
بعض من أقوال الإمام الطيلاني-رحمة الله تعالى-
• إن كان هذا الذي أنا فيه من الله فسيكبر ويكثر ويعظم وعلى رجليه يقوم وبأجنحته يطير على سطوح الخلق ويدخل دورهم ويرونه بعيونهم وقلوبهم ، وإن كان من نفسي وهواي وطبعي وشيطاني وباطلي فسحقاً وبعداً وعن قريب يصغر ويذوب وينقلب ويتفرق وينقطع ، لأن الحق عزوجل لايؤيد كذاباً ولا ينصر منافقاً ولايعطي جاحداً ولايزيد تاركاً للشكر ،كل من يحدث نفسه بشئ من النفاق لايجئ منه شئ بل يكون نفاقه سبب ﺇحتراق دينه 0
• المؤمن لايخاف غير الله عزوجل ولايرجوا غيره ، قد أُعطي القوة في قلبه وسره،كيف لايكون قلوب المؤمنين قوية بالله عزوجل وقد أُسري بها إليه ؟ لا تزال عنده القلوب، والقالب في الأرض!
• أنت مستظل بشجرة الغفلة ،أخرج من ظلها وقد رأيت ضوء الشمس وعرفت الطريق 0 شجرة الغفلة تربّى بماء الجهل، وشجرة اليقظة والمعرفة تربى بماء الفكر ، وشجرة التوبة تربى بماء الندامة ، وشجرة المحبة تربى بماء الموافقة0
• ما أريد من الخلق سوى محمد صلى الله عليه وسلم ومن الأرباب سوى ربي عزوجل0
• دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تتواقع حيطانه ويتناثر أساسه ، هلموا يا أهل الأرض نشيِّد ماتهدَّم ونقيم ماوقع0

فلنكن صرحاء
إني أرى الأكثر منكم محجوبين !
يدَّعون الإسلام وماعندهم من حقيقته شئ !
إن حقيقة الإسلام هي الإستسلام لله عزوجل ولإحكامه وإتباع رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وهذه هي مقتضيات شهادة لا إله إلاّ الله محمد رسول الله0وفي مشارق الإرض ومغاربها يوجد الملايين ممن يدَّعي هذه الشهادة ولكن رصيد بعضهم من الواقع الدال على إيفائهم بمقتضياتها ضعيف إن لم يكن معدوماً أو مناقضاً لهذه المقتضيات0ويبين لنا الإمام الطيلاني في هذا الفصل التناقضات بين الإدعاء والفعل في أسلوب روحاني بسيط ومنطقي:
 ويحك ! لسانك مسلم ، أما قلبك فلا ، قولك مسلم أما فعلك فلا ، أنت في جلوتك مسلم ، أما في خلوتك فلا !
 قلبك فارغ من الإسلام والإيمان والإيقان ، لامعرفة لك ولاعلم ،فأنت هوس والكلام معك ضائع! يامنافقون ! قد قنعتم بالكلام بألسنتكم ، وقلوبكم مشركة بالخلق0
 تكذب حتى في صلاتك لأنك تقول الله أكبر وفي قلبك إلهاً غيره0كل ما تعتمد عليه فهو إلهك ،كل شئ تخاف منه وترجوه فهو إلهك ،قلبك لا يوافق لسانك ، فعلك لايوافق قولك ،قل الله أكبر ألف مرة بقلبك ومرة بلسانك ، ماتستحي تقول لاإله إلاّ الله ولك ألف معبود غيره ،تب إلى الله عزوجل من جميع ما أنت فيه 0
 أرى ظواهركم تشهد بالوحدانية وبواطنكم بالعكس من ذلك ،أرى وجوهكم إلى الكعبة وقلوبكم إلى الدرهم والدينار ! ((من خاف أدلج )) أين الخوف؟ اللهم خلاصاً0
 كل من لم يتبع النبي صلى الله عليه وسلم ويأخذ شريعته في يده والكتاب المنُزَّل عليه في اليد الأخرى ولايصل في طريقه إلى الله عزوجل يَهْلَك ويُهلِك ،يَضل ويُضِل ، هما دليلان إلى الحق عزوجل ،القرآن دليلك إلى الحق عزوجل ، والسنة دليلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم 0
 ويحك ! تنفق مالك باليمين الكاذبة وتخسر دينك0لوكان لك عقل لعلمت أن هذه هي الخسارة بعينها 0تقول والله عزوجل مافي هذه البلدة مثل هذا المتاع ولاعند أحد مثله ، والله إنه يساوى كذا وكذا ،وإنه عَلَيَّ بكذا وكذا وأنت كاذب في كل ماقلته ثم تشهد بالزور وتحلف بالله عزوجل أنك صادق ،عن قريب يجيئك العمى والزمن 0تأدبوا رحمكم الله تعالى بين يدي الحق عزوجل 0من لم يتأدب بآداب الشرع أدبته النار يوم القيامة0
 كن عاقلاً ! لاتتهوس ولاتتصنع ولاتتكلف ،أنت في هوس وتصنع وتكلف وكذب ورياء ونفاق ،كلُّ همك إستجلاب الخلق اليك0
 قد صارت الملوك لكثير من الخلق آلهة ، قد صارت الدنيا والغنى والعافية والحول والقوى آلهة ، ويحكم ! جعلتم الفرع أصلاً ، المرزوق رازقاً ، المملوك مالكاً ، الفقير غنياً ، العاجز قوياً، الميت حياً ،لاكرامة لكم ! لانتبعكم ولانتخذ مذهبكم بل نكون ناحية منكم ،على تل السلامة ،على تل السنة وترك البدعة ، على تل التوحيد والإخلاص وترك الرياء والنفاق ورؤية الخلق بعين العجز والضعف والقهر ،إذا عظمت جبابرة الدنيا وفراعنتها وملوكها وأغنياءها ونسيت الله عزوجل ولم تعظمه فحكمك حكم من عبد الأصنام ، تصير ممن عظمت صنمك0
 أنت عبد خبزك وأدمك وحلاوتك وثيابك وسلطانك0
 إذا قلت لا اله إلا الله فقد ادعيت ، يقال أيها القائل ألك بينة ؟ ما البينة ؟ إمتثال الأمر والإنتهاء عن النهي والصبر على الآفات والتسليم إلى القدر ، هذا بينة هذه الدعوى ، وإذا عملت هذه الأعمال ما تقبل منك إلاّ بالإخلاص للحق عزوجل ، ولا يقبل قول بلا عمل ولا عمل بلا إخلاص للحق عزوجل وإصابة السنة0
 أنت همتك القميص والعمامة والأكل والنكاح والدور والدكاكين والقعود مع الخلق والأنس بهم 0 نحِّ همتك عن هذه الأشياء كلها فإن كان لك فيها قَسَمٌ فإنه يجيئك في وقته وقلبك مستريح من تعب الإنتظار وثقل الحرص !! قائم مع الحق عزوجل ،فما لك وهذا التعب في شئ مفروغ منه0
 إني أراك في قيام وقعود وركوع وسجود وسهر وتعب وقلبك لا يبرح من مكانه ولا يخرج من بيت وجوده ولا يتحول عن عادته ،أصدق في طلب مولاك عزوجل وقد أغناك صِدْقُك عن كثير من التعب0
 ويحك! كلُّ همك الأكل والشرب واللبس والنكاح وجمع الدنيا والحرص عليها ، عَمّالٌ في أمور الدنيا بطّال في أمور الآخرة0
 يا أكلة الحرام ! أنتم تمنعون نفوسكم شرب الماء بالنهار ثم تفطرون على دماء المسلمين ومنكم من يصوم بالنهار ويفسق بالليل 0
 عند تغير الأحوال وضيقة الرزق تتغيرون عليه لأجل لقمة ،وعند كسر عرض تكفرون كل نعمة لأجل زوال فرد نعمة ،كأنكم جبارون تتحكمون عليه ،إفعل ولا تفعل ،ولم فعلت ؟وكان ينبغي أن يكون كذا ،هذا بعدٌ ومقتٌ وطرد 0من أنت يا إبن آدم ؟ أنت مخلوق من ماء مهين ،تواضع لربك عزوجل وذُلَّ له0
 ضاع عمرك في أكلوا وأكلنا وشربوا وشربنا ولبسوا ولبسنا وجمعوا وجمعنا0
 إذا أفلح الواحد منكم وعمل طاعة فهي مشوبة بالعجب ورؤية الخلق وطلب الحمد منهم عليها0
 يامدعين الزهد بأقوالكم وأفعالكم ! قد تلبستم بثياب الزهاد وبواطنكم ملأى رغبة وحسرة على الدنيا ،لو خلعتم هذه الثياب أظهرتم الرغبة التي في قلوبكم لقد كان يكون أحب إليكم وأبعد لكم من النفاق0
 يامن يدعي العلم ويطلب الدنيا من أبنائها ويذل لهم ! قد أضلك الله على علم ، ذهبت بركة علمك ،ذهب لبه وبقي قشره ،وأنت يامن يدعي العبادة وقلبه يعبد الخلق ويخافهم ويرجوهم ،ظاهر عبادتك لله عزوجل وباطنها للخلق ،كُلُّ طلبك وهمك لما بأيديهم من الدرهم والدينار والحطام ،ترجوا حمدهم وثناءهم ،وتخاف ذمهم وإعراضهم ، تخاف منعهم وترجوا عطاءهم بكثرة تماديك وتخادعك ولين كلامك على أبوابهم0ويلك! أنت مشرك منافق ،هراء ،مُداخلٌ زنديق ،ويلك! على من تتبهرج ؟ على من (( يَعْلَمُ خائِنةَ الأَعْيُن وَمَا تُخْفِي الصُّدُور))
 أعط الربوبية حقها ،لاتعمل للحمد والثناء ،لا للعطاء ، لاللمنع0
 يامنافق! إيش تهذي ؟ هذيانك فارغ ! كم تقول أنا ومن أنت؟ ترى غيره وتقول أنا! تأنس بغيره وتقول أنا آنس به ! تسمى نفسك راضياً وذلك معارضة ، تسميها صابرة وبقَّةٌ تزعجك وتُكفِّرك ،لاكلام حتى يصير لحمك ميتاً لكثرة الآلام والآفات فيه ، فلاتؤلمه مقاريض الآفات ، فتصير كُلُّكَ خلوة به ! يخلو قلبك عن الدنيا والآخرة فيكون عدماً بالإضافة إليهما وإلى مافيهما ،ووجودك عند امتثال الأمر والإنتهاء عن النهي، فعله يوجدك ،وفعله يحركك ويسكِّنَك وأنت في غيبته معه ، لايثبت لك مقام حتى يصح لك هذا المقام 0
 إني أراك عند الخلق لاعند الخالق عزوجل ،تؤدي حق النفس والخلق وتسقط حق الحق عزوجل ،تشكر غيره على نعمته!
 لاتعمل شيئاً إلا لله عزوجل ،إني أراك كُلَّكَ خطأ لأنك مع النفس والهوى والدنيا والشهوات واللذات ،تُجَرَّدُك بقَّة ،تُسخطك لقمة ،ترضى لرضا نفسك وتسخط لسخطها ،فأنت عبدها ،زمامك بيدها0
 إن أردت صحبة القوم دنيا وآخرة فوافقه في أقواله وأفعاله وإرادته ،إني أراك قد عكست الأمر ، وجعلت مخالفته ومنازعته دأبك بالليل والنهار ، يقول إفعل ولاتفعل كأنه هو العبد وأنت المعبود،سبحانه ماأحلمه ،لولا حلمه لرأيت ضد ماعندك0
 يامنافق! أنت عبد الدنيا والخلق ،ترائيهم وتعمل لهم وتنسى نظر الحق عزوجل إليك ، تُظهر أنك تعمل للآخرة وكل عملك وقصدك للدنيا0
 أنت مستعجل والمستعجل لايقع بيده شئ ،إذا استعجلت كنت من جند الشيطان ومعه ،وإذا توقفت وثبت وتأدبت وصبرت كنت من جند الرحمن ومعه0
 أنتم خلق كُلِّي ، نفس كُلِّي،هوى كُلِّي،غيبة كُلِّية ،طبع كُلِّي ، ماعندكم من الله عزوجل ولا من العارفين خبر0
 إني أرى تصاريفك غير تصاريف المراقبين لله عزوجل الخائفين منه ،تواصل أهل الشر والفساد وتفارق الأولياء والأصفياء ، قد فرغت قلبك من الحق عزوجل وملأته من الفرح بالدنيا وأهلها وحطامها0
 أنت نفس كُلِّية ،هوى كُلّي ،عادة كلية ،ما عندك من التوكل والتوحيد خبر0
 أنت مجتر على الحق عزوجل بأفعالك ، قد ألقيت جلباب الحياء من عينيك وقد جعلته أهون الناظرين إليك ،أنت آخذ بهواك ومتحرك بهواك فلاجرم يهلكك هواك ، إستح من الله عزوجل في جميع أحوالك وأعمل بحكمه0
 النفاق قد ثبت على قلبك ، تحتاج إلى الإسلام والتوبة وقطع الرياء0
 لاتكذب ! فمالك قلبان بل هو قلب واحد ،بأي شئ إمتلأ فما يسع شيئاً آخر0
 لاَتهْذِ ! أنت تدعي ماليس لك وماليس عندك ،أنت نفسك مستولية عليك والخلق والدنيا كلها في قلبك ، هما في قلبك أكبرمن الله عزوجل ، أنت خارج عن حد القوم وعدّهم ، إن أردت الوصول فاشتغل بطهارة قلبك عن الأشياء كلها ، إمتثل الأوامر وإنته عن النواهي وإصبر مع القدر ، وأخرج الدنيا من قلبك وبعد هذا تعال حتى أتكلم معك أخبرك بما وراء ذلك 0 إن فعلت هذا حصل لك الذي تريد وقبل هذا فالكلام هذيان0
 كل رغبتك في الدنيا والخلق ،لارغبة لك في ربك عزوجل0
 مايقع بيدك من الحق عزوجل شئ بنفاقك وفصاحتك وبلاغتك وتصفير وجهك وترقيع مرقعتك وجمع أكتافك وتوكيلك ،كل ذلك من نفسك وشيطانك وشركك بالخلق وطلب الدنيا منهم0
 يامنافق! ما يقع بيدك بنفاقك وتصنعك ، أنت تربي ناموسك ،تربي قبولك في قلوب الخلق ،تربي قبلة يدك ،أنت مشئوم على نفسك في الدنيا والآخرة وعلى من تربيه وتأمره بإتباعك ، أنت مُراء دجال ونصاب على أموال الناس ،لاجرم لاتكون لك دعوة مجابة ولاموضع في قلوب الصديقين ،قد أضلك الله على علم 0
 أنت أسير الشيطان والهوى والنفس والدنيا والشهوات وماعندك خبر! قلبك في قيد وماعندك خبر!
 لابارك الله فيكم يامنافقون !ما أكثركم! كل شغلكم في عمارة مابينكم وبين الخلق وتخريب مابينكم وبين الحق عزوجل0
 أنت نفس وطبع وهوى ! تقعد مع النسوان الأجانب والصبيان ثم تقول لاأبالي بهم ، كذبت ! لايوافقك الشرع والعقل ،تضيف ناراً إلى نار ،حطباً إلى حطب ،فلا جرم تشتعل دار دينك وإيمانك ،إنكار الشرع لهذا عام لم يستثنى فيه أحد0
 يازهاد! وياعباد! أخلصوا وإلاّ فلاتتبعوا ،قد طاب لكم الصوم والصلاة والتخشن في المطعم والملبس من غير نية وإخلاص بل مع حضور النفس ودخول الهوى0
 كل حديثكم في الغلاء والرخص ،وأحوال السلاطين والأغنياء ،أكل فلان ،لبس فلان ،إستغنى فلان ،تزوج فلان ، كل هذا هوس ومقت و عقوبة ، توبوا وأتركوا ذنوبكم وارجعوا إلى ربكم دون غيره ، أذكروه وانسوا غيره0
 أمرك مبنى على غير أساس فلاجرم تقع حيطانك ،أساسك البدع والضلالات وبناؤك الرياء والنفاق فكيف يثبت لك بناء ،ذلك هوى وطبع ،تأكل وتشرب وتنكح وتجمع بالهوى والطبع ، ليس لك نية صالحة في شئ من ذلك 0
 قد قام سوق النفاق وأنا مجتهد في إقامة الدين الذي كان عليه نبينا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم والصحابة والتابعون له0 هذا آخر الزمان ! قد صار معبود أكثركم الدينار والدرهم،قد صاروا كقوم موسى عليه السلام الذين أشربوا في قلوبهم العجل،عِجل هذا الزمان الدينار والدرهم0
 اني أرى الأكثر منكم محجوبين ! يدَّعون الإسلام وماعندهم من حقيقته شئ ! ويحكم! إسم الإسلام عليكم فحسب لاينفعكم ! تعملون بشرائطه ظاهراً لا باطناً، لايساوي عملكم شيئاً، ليلة القدر لها علامة عند الصالحين من عباد الله عزوجل 0
 تنحَّ ! ماأنت من القوم ! أنت عبد الخلق وعبد النفس والهوى والشهوات0
 معبود أحدكم درهمه وديناره ،إذا ذهب عنه قامت قيامته ويفوته صلاة جمعة أو جماعة لايبالي ! أويموت له ولد فاسق فاجر يكثر جزعه ويطلب الإستئناس بأحد الخلق0
 أنت عبد الخلق ،سمنك إذا أقبلوا ،هزالك إذا أدبروا،أنت هالك ،أنت مشرك ، قلبك فارغ من التوحيد ! أنت عبد الخلق ! أنت فارغ من الخيرات ،أنت خارج عن العد ، لاتُعد مع العلماء ولاالمريدين ولاالصالحين 0
 تريدني أنافقك وأليِّن لك في الكلام ، تفرح نفسك وتعجب وتظن أنها على شئ ، لا ولاكرامة لها ! أنا نار ولا يثبت على النار إلاّ السمندل الذي يبيض ويفرخ ويقوم ويقعد في النار0
 ويحك ! تحفظ القرآن ولاتعمل به ،تحفظ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاتعمل بها ، تأمر الناس وأنت لاتفعل ، وتنهاهم وأنت لاتنتهي0
 أنت هوس في هوس ، عدم في عدم ، جهل في جهل ، تأكل كما تأكل الأنعام من غير تفتيش ولاإحتساب ولاسؤال ، من غير نية من غير أمر من غير فعل0
 إلى متى هذا الإباق عن الحق عزوجل والإعراض عنه؟إلى متى عمارة الدنيا وتخريب الآخرة؟إنما لكل واحد منكم قلب واحد فكيف يحب به الدنيا والآخرة؟كيف يكون فيه الخالق والخلق؟ كيف يحصل هذا في حالة واحدة في قلب واحد؟ هذا كذب0
 أنت لاتصلح لك الزاوية بل تصلح لك الأسواق ،لايصلح لك أن تطلع على أسرار الله تعالى ،المطلع على أسرار الله تعالى يكون أخرس 0
 إني أراكم تلعبون بكتاب الله عزوجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم0
 ماتستحي تقول بلسانك توكلت على الله وفي قلبك غيره؟
 إذا حضرتم مجالس الذكر تحضرونها للفرجة لا للمداواة ،تعرضون عن وعظ الواعظ وتحفظون عليه الخطأ والزلل وتستهزئون وتضحكون وتلعبون ،أنتم مخاطرون برؤوسكم مع الله عزوجل،توبوا من هذا !
 إيش هذه الغفلة ؟ما أقسى قلوبكم ! صخور أنتم ؟! أقول لكم وغيري يقول لكم وأنتم على حالة واحدة0
 ويحك ! قد خسرت ! إستغث إلى الحق ،إرجع إليه بأقدام الندم والإعتذار حتى يخلصك من أيدي أعدائك وينجيك من لجة بحر هلاكك ،تفكر في عاقبة ما أنت فيه وقد سهل عليك تركه0
 قد كان لك بعض العذر وأنت صبي وشاب إلى الآن ،قد قاربت الأربعين أو قد جاوزتها وأنت تلعب بما يلعب الصغار 0
 الأكثر منكم يتبع كل زاعق وناعق ،الأكثر من المتكلمين كلامهم من ألسنتهم لا من قلوبهم ،زعقات المنافق من لسانه ورأسه وزعقات الصادق من قلبه وسره 0
 هذا عبدُ جاهه ودرهمه ، وهذا عبدُ نفسه وثوبه 0
 الله عزوجل هو المظهر لمن يشاء من عباده ، هو المنادي عليهم ، هو الجامع لقلوب الخلق على من يريد من عباده ، هو المسخِّر ، تريد أنت بنفاقك أن تجمع قلوب الخلق عليك ؟ لا يجئ من هذا شئ0
 كن عاقلاً ! لاإيمان لك! لاعقل لك! لاتمييزلك! أنت قائم مع الخلق ، مشرك بهم ، أنت هالك إن لم تتب ، تَنَحَّ عن طريق القوم ، تنحَّ عن بابهم ، لاتزاحمهم بأكتاف بنيتك دون قلبك ، لاتزاحمهم بنفاقك ودعاويك وهوسك ، إنما يُزاحم القوم بالقلوب والأسرار ، بأكتاف التوكل والصبر على الآفات والرضا بالأقسام0
 محبة ليست هينة حتى يدعيها كل أحد،كم ممن يدعيها وهي بعيدة عنه ، وكم ممن لايدعيها وهي عنده ،لاتحقروا أحداً من المسلمين فإن أسرار الحق عزوجل مبذورة فيهم ، تواضعوا في أنفسكم ولاتتكبروا على عبادالله عزوجل ،تنبهوا من غفلاتكم ،ماأنتم إلاّ في غفلة عظيمة كأنكم قد حوسبتم وعبرتم الصراط ورأيتم منازلكم في الجنة ،ماهذا الإغترار العظيم ؟! كل واحد منكم قد عصى الله عزوجل معاصي كثيرة وهو لايتفكر فيها ولايتوب منها ويظن أنها قد نُسيت ،هي مكتوبة في صحائفكم بتواريخ أوقاتها،يُحاسب ويعاقب على القليل والكثير منها0
 الكِدية من الخلق بالقلب كالكِدية منهم باللسان عندي ،لافرق بينهما من حيث الحقيقة0
 ويحك! ياجاهلاً بالقدر والمقدِّر ، أتظن أن أبناء الدنيا يقدرون أن يعطوك مالم يقسم لك؟ولكن هذه وسوسة الشيطان الذي قد تمكن من قلبك ورأسك ، لست عبد الله عزوجل ، وإنما أنت عبد نفسك وهواك وشيطانك وطبعك ودرهمك ودينارك ، إجهد أن ترى مفلحاً حتى تفلح بطريقه0
 أما حضرت مَنْزولاً به قط ؟ ستأتيك نوبتك ويفرغ منك ملك الموت! يأتي حياتك فيقلعها من مكانها ويفرق بينك وبين أهلك ومحابك ،إجتهد أن لاتُقبَض وأنت كاره للقاء الله عزوجل ،قدِّم مالك إلى الآخرة ،إنتظر الموت فإنك ترى عند الله عزوجل خيراً مما تراه في الدنيا0
 تتأدب مع الخلق بحيث لاترفع صوتك على صوت أحدهم حفظاً لأدبك و تبارز الحق عزوجل بالمعاصي وتعارضه في أفعاله ،قبيحٌ بك !
 ماأكسلكم في طاعة الله عزوجل وأقواكم في طاعة عدوه وعدوكم الشيطان الرجيم0
 ويحك ! كم تتأول وتترخص ! المتأول غادر 0
 كلكم موتى القلوب ، أحياء النفوس والأهوية ، طالبي الدنيا0
 إلى أي وقت تضيعون عمركم في لاشئ؟ أطلبوا من يدلكم على طريق الآخرة، ياضُلاّلاً عنها!
 الله أكبر ياموتى القلوب ! يامشركين بالأسباب !ياعابدين أصنام عقولهم وقواهم ومعإيشهم ورؤوس أموالهم وسلاطين بلادهم وجهاتهم التي ينتمون إليها0
 قد كان لك بعض العذر وأنت صبي وشاب إلى الآن ،قد قاربت الأربعين أو قد جاوزتها وأنت تلعب بما يلعب الصغار0
 إذا لم يكن لك علم ولا إخلاص ولا أدب ولاحسن ظن بالشيوخ فكيف يجئ منك شئ ، قد جعلت همك الدنيا وحطامها ،عن قريب يحال بينك وبينها ،أين أنت من القوم الذين همهم همٌّ واحد ،يراقبون الله عزوجل في بواطنهم كما يراقبونه في ظواهرهم ،يهذبون القلب كما يهذبون الجوارح حتى إذا تم لهم هذا كفاهم همَّ الشهوات بأسرها فلا يبقى في قلوبهم إلاّ شهوة واحدة وهي طلب الله عزوجل والقرب منه ومحبته فحسب0
 يامنافق! طهَّرَ الله عزوجل الأرض منك ! مايكفيك نفاقك حتى تغتاب العلماء والأولياء والصالحين بأكل لحومهم ، أنت وإخوانك المنافقون مثلك عن قريب تأكل الديدان ألسنتكم ولحومكم وتقطعكم وتمزقكم ،والأرض تضمكم فتسحقكم وتقلبكم0
 إذا لم يكن لك باطن صحيح وقلب خال عما سوى الحق عزوجل وإلاّ فمجرد الخلوة لاينفعك 0
 ويحك! ماتستحي منه عزوجل وقد جعلت دينارك ربك ودرهمك همك ونسيته بالكلية ،عن قريب ترى خبرك0
 ويحك! ﺇبك حتى يبكى معك ، أقعد في مصيبتك والبس ثياب العزاء حتى يُقعد معك، أنت محجوب وما عندك خبر0
 كن عاقلاً ! لاتزاحم القوم(1) بجهلك بعد ما خرجت من الكتّاب صعدت تتكلم على الناس ،هذا أمر يحتاج إلى أحكام الظاهر وأحكام الباطن ثم الغنى عن الكل ثم يحتاج إلى أن تقع في ضرورتين :الاولى أن لايبقى في بلدتك غيرك فتتكلم على الناس ضرورة ، والأخرى أنك تؤمر بالكلام من حيث قلبك فحينئذ ترقى إلى هذا المقام لترد الخلق إلى الخالق0
 أنت لاصدق لك ولاتوحيد ولاإيمان ،إيش اعمل بك ؟ أسُدُّ بك الشق ،أنت خشب نخر لاتصلح إلاّ للنار0
 يارجالاً ويانساء ! قد أفلح منكم من كان معه ذرة من الإخلاص ،ذرة من التقوى ، ذرة من الصبر والشكر ، إني أراكم مفاليس!
 ويلك! ماتستحي تطلب من غير الله عزوجل وهو أقرب إليك من غيره ، تطلب من الخلق مالا حاجة لك إليه، معك كَنْز مكنوز وأنت تزاحم الفقراء على حبة وذرة ،إذا مِتَّ إفتضحت ، تظهر مخابيك ومكاتمك وتأخذ اللعنة من جوانبك ، لو كنت عاقلاً إكتسبت ذرة من الإيمان تلقى الله عزوجل بها0
 يابائعين الآخرة بالدنيا، يابائعين الحق عزوجل بالخلق، يابائعين ما يبقى بما يفنى ، خسرت تجارتكم وذهبت رؤوس أموالكم ، ويلكم أنتم متعرضون لمقت الله عزوجل وسخطه لأنَّ من تزين للناس بما ليس فبه مَقَته الله عزوجل0
 أما تستحي ؟ جعلت منظر الخلق مزيناً ومنظر الحق عزوجل منجساً 0
 ماأوقحك على الله عزوجل ! ما أقلَّ خوفك منه !ما أكبر تهاونك برؤيته!
 لو خُلينا وظاهر العلم لبينا لك ذنوبك وقلنا ياكافر! يافاسق! لكن الشرع قبض أيدينا عن ذلك0(1)
 ياجمل الطاحون ! أنت في قيام وقعود بلا إخلاص ، تصلي للناس وتصوم وعيناك إلى أطباق الناس وإلى مافي بيوتهم0
 لاينبغي للعالم أن يدخل على الملوك إلا بعد إتقان إيمانه وإتقائه وقوة علمه بالله وزهده وتمكنه من المعرفة والأنس بالله فيدخلون إليهم بقوى ويخرجون عنهم بقوى0
 الإسلام يبكي ويستغيث ،يده في رأسه من هؤلاء الفجار ،من هؤلاء الفساق ، أهل البدع والضلال ،من الظلمة ، من اللابسين ثياب الزور ،من المدعين ماليس فيهم 0
 لابارك الله فيكم يامنافقون فما أكثركم ! كل شغلكم في عمارة مابينكم وبين الخلق وتخريب مابينكم وبين الحق عزوجل ،اللهم سلطِّني على رؤوسهم حتى أطهِّر الأرض منهم 0
 أنتم أعداء نعم الله تعالى ، إن كان منه إليكم شر تُظهرون ، وإن كان منه إليكم خير تكتمون ! إذا كتمتم نعم الله تعالى ولم تشكروه عليها سلبها منكم0
 يتلبس أحدكم بزي الصالحين ، زرقة وصوف وهو عندنا كافر!
 أسأل عني منكراً ونكيراً عند مجيئهما إلى قبرك فإنهما يخبرانك عني ، إسمك مذنب ،اسمك غداً محاسَب ومناقَش، أنت في القبر مذموم لاتدري أمن أهل النار أنت أم من أهل الجنة ؟عاقبتك مبهمة فلا تغتر بصفاء حالك ،ماتدري ما إسمك غداً0القدم الأول ماصح لك كيف تصل إلى الثاني ؟ الإسلام ماصح لك فكيف تصل إلى الإيمان ؟ الإيمان ماصح لك فكيف تصل إلى الإيقان ؟ الإيقان ماصح لك فكيف تصل إلى المعرفة والولاية ؟ كن عاقلاً ، ماأنت على شئ ! كل منكم يطلب الرياسة على الخلق بلا آلة فيه ، إنما تصح الرياسة على الخلق بعد الزهد فيهم وفي الدنيا والنفس والهوى والطبع والإرادة ، الرياسة من السماء تَنْزل لا من الأرض ، الولاية من الحق لا من الخلق 0كن أبداً تابعاً لا متبوعاً ، صاحباً لا مصحوباً ، إرض بالذل والخمول فإن كان لك عند الحق عزوجل ضد ذلك فهو يجيئك في وقته ، عليك بصحبة العبودية وهي امتثال الأمر والإنتهاء عن النهي والصبر على الآفات 0
 تواصلون الضياء بالظلام في الكد على النفوس التي هي عدوتكم ، ترضون أزواجكم بسخط ربكم ، كثير من الخلق يقدمون رضا أزواجهم وأولادهم على رضا الحق عزوجل0
 ويحك ! كيف تدعي طريق هؤلاء القوم وأنت مشرك بك وبغيرك من الخلق ؟ لاإيمان لك وعلى وجه الأرض من تخافه وترجوه ، لازهد لك وفي الدنيا شئ تريده ، لاتوحيد لك وأنت ترى غيره في طريقك إليه ، العارف غريب في الدنيا والآخرة وزاهد فيهما وفيما سوى الحق عزوجل في الجملة ،لارغبة له في غيره0

معالم في الطريق

يامن يدعي إرادة الحق عزوجل وهو واقف مع نفسه 0000كذبت في دعواك !
النفس والحق لايجتمعان0
لابد لكل طريق من معالم تدل صاحبها على أنه ما يزال على الجادة أو إنحرف عنها0فمن الناس من لم يخطو خطوة واحدة في هذا الطريق وهو يظن أنه من رواده ، ومنهم قد خطى خطوات قليلة ثم ضل الطريق ،ومنهم من لا يزال على الطريق ولكنه قلق لايدري هل الطريق الذي يمشي فيه سالكة وستوصله إلى مبتغاه أم لا 0ولمعرفة معالم هذا الطريق لابد من السؤال عنها من صالح أهلها 0ورجال هذه الطريق أثابهم الله تعالى تركوا لنا الإشارات والعلامات الدالة لنبقى ضمن القافلة ولا تتيه بنا السبل:
 تدّعي أنك عبده وتطيع سواه ،لو انك عبده على الحقيقة لعاديت فيه وواليت فيه0
 إدعيت محبة الله عزوجل ؟أما علمت أن لها شرائط ؟ من شرائط محبته موافقته فيك وفي غيرك ومن شرائطها أن لاتسكن إلى غيره وأن تستأنس به ولاتستوحش معه0
 ليس الشأن في توبتك ،الشأن في ثبوتك عليها ،ليس الشأن في غرسك ،الشأن في ثبوته وتغصينه وثمرته0
 أين عبودية الحق عزوجل ؟ هات حقيقة العبودية وخذ الكفاية في جميع أمورك، إرجع إليه وذل وتواضع لأمره بالإمتثال ولنهيه بالإنتهاء ولقضائه بالصبر والموافقة ،إذا تم لك هذا تمت عبوديتك لسيدك وجاءتك منه الكفاية 0قال الله عزوجل ((أَلَيْسَ الله بِكافٍ عَبْدَهُ0))
 إذا حضر بين يديك شئ من الدنيا ورأيت قلبك يشمئز منه فاتركه ،ولكن لاقلب لك ،كُلَّكَ نفس وطبع وهوى0
 مادمت قاعداً في بيت نفسك وهواك وطبعك لاتصِح0مادمت منازعاً للخلق فيما في أيديهم مستجلباً له بريائك ونفاقك لاصحة لك 0مادمت راغباً في الدنيا فلا صحة لك 0مادمت واثقاً بقلبك مع ماسوى الحق عزوجل فلا صحة لك 0اللهم أُرزقنا الصحة معك 0
 المريد الصادق كل وارد يرد إليه يعرض أعماله الظاهرة على مرآة الحكم ويعرض أعماله الباطنة على مرآة العلم فإن وافق أعماله المرآتين أدخله على الملك عزوجل ، وإن وافق عمل مرآة دون مرآة لايدخل ، يقعد على الباب ويقال له أحكم أمرك حتى يشكر سعيك ويحمد أمرك فإنه باب لايدخل إليه إلا من باب الحكم والعلم 0
 القلب إذا إنقلب صار ملكاً يسمع مايسمع الملك ، يعرف مايعرف الملك ثم يزيد فيصير ملكاً عليه 0
 إذا صحت عبوديتك له أحبك وقوّى حبه وآنسك به وقربَّك منه من غير تعب ولاطلب لك صحبة غيره فتكون راضياً عنه في جميع الأحوال فلو ضيق عليك الأرض يرحبها وسد عليك الأبواب بسعتها لم تسخط عليه ولم تقرب باب غيره ولم تأكل من طعام غيره فتلتحق بموسى عليه السلام حيث قال عزوجل في حقه ((وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ المَراضِعَ مِنْ قَبْل))
 إذا صحت خلوتك مع الله عزوجل دهش سرك وصفا قلبك ،يصير نظرك عبراً وقلبك شكراً وروحك ومعناك إلى الحق عز وجل واصلاً0
 تدَّعي أن قلبك قد خرج من الخلق وأنت تخافهم وترجوهم 00! ظاهرك الزهد وباطنك الرغبة! ظاهرك الحق وباطنك الخلق!0
 علامة غفلتك مصاحبتك الغَفَلَة0
 العبد إذا عرف الحق عزوجل قرَّبَ قلبَه كل القرب وأعطاه كل العطاء وآنسه كل الأُنس وأعزه كل العز ،فإذا سكن إلى ذلك أزاله عنه ،يفقر يده ويرده إلى نفسه ويجعل بينه وبينه حجاباً ،يختبره لينظر كيف يعمل ؟ يهرب أو يثبت فإذا ثبت رفع الحجب عنه ورده إلى ماكان عليه0
 من إزداد علمه ينبغي أن يزداد خوفه من ربه عزوجل وطواعيته له 0
 إذا عظمت جبابرة الدنيا وفراعنتها وملوكها وأغنيائها ونسيت الله عزوجل ولم تعظمه فحكمك حكم من عبد الأصنام ،تصير ممن عظمت صنمك0
 من أراد الله به خيراً أغلق أبواب الخلق في وجهه وقطع عطائهم عنه حتى يرده بذلك إليه ، يقيمه من الغُدر(1إلى الشط ، يقيمه من لاشئ إلى شئ0
 يامدعي العلم ‍‍! أين بكاؤك من خوف الله عزوجل ؟ أين إعترافك بذنوبك ؟ أين مواصلتك للضياء بالظلام في طاعة الله عزوجل؟ أين تأديبك لنفسك ومجاهدتها في جانب الحق وعداوتها فيه0
 حكي أن بني إسرائيل أصابتهم شدة فاجتمعوا إلى نبي من أنبيائهم فقالوا له خَبِّرْنا بما يرضي الحق عزوجل حتى نتبعه فيكون سبباً لدفع هذه الشدة عنا ،فسأل الحقَ عزوجل عن ذلك فأوحى الله إليه قل لهم أن أردتم رضاي فارضوا المساكين فإن أرضيتموهم رضيت وأن أسخطتموهم سخطت 0إن وجدت عندك تفرقة بين الغني والفقير عند إقبالهم عليك فلا فلاح لك0أكرِم الفقراء الصُبَّرَ وتبرَّك بهم وبلقائهم والجلوس معهم 0 قال النبي صلى الله عليه وسلم ((الفقراء الصُبَّر جلساء الرحمن يوم القيامة)) 0
 إبتداء هذا الأمر: الإسلام ، وإمتثال الأمر والإنتهاء عن النهي والصبر على الآفات ، وإنتهاؤه :الزهد فيما سوى الحق عزوجل وأن يستوي عنده الذهب والتراب، والحمد والذم، والعطاء والمنع ،والجنة والنار، والنعمة والنقمة ، والغنى والفقر، ووجود وعدمهم ، فإذا تم هذا كان الله عزوجل من وراء ذلك كله ،ثم يأتي التوقيع منه بالإمارة والولاية على الخلق ،كل من رآه ينتفع به لهيبة الله عزوجل ونوره المتلبس به0
 تشبعون وجيرانكم جياع وتدعون أنكم مؤمنون ‍! ما صحَّ إيمانكم 0
 عندي تستمع وتبكي وإذا جاء الفقير يقسو قلبك ! فدلَّ على أن بكاءك ماكان خالصاً لله عز وجل 0
 شرط المحبة أن لاتكون لك إرادة مع محبوبك وأن لاتشتغل عنه بدنيا ولاآخرة ولاخلق0
 أحب الأشياء إلى المؤمن العبادة ، أحب الأشياء إليه القيام إلى الصلاة وهو قاعد في بيته فقلبه ينتظرالمؤذن ، هو داعي الحق عزوجل ، سمع الأذان ، دخل قلبه سرور ويطير إلى الجوامع والمساجد ، يفرح بمجيء السائل إليه0
 قولك لااله إلاّ الله دعوى وتوكلك عليه وثقتك به وإعراض قلبك عن غيره بينة0
 ويحك! تدعي العلم وتفرح فرح الجهال وتغضب كغضبهم 0 فرحك بالدنيا وإقبال الخلق عليك ينسيك الحكمة ويقسِّي قلبك، المؤمن لايفرح إلاّ بالله عزوجل لابغيره0
 من لاينفعك لَحْظُهُ لاينفعك وعظه0(1)
 قد إدعيت المعرفة بالله تعالى ، قل لي ماعلامة معرفته ؟ إيش ترى في قلبك من الحكم والأنوار ؟ ماعلامة أولياء الله تعالى ؟ تظن أن كل من أدعى شيئاً سُلِم إليه ولايطالب ببينة ولايحك ديناره علىالمحك ، من جملة صفات العارف لله عزوجل أنه يصبر على الآفات ويرضى بجميع أقضية الله وأقداره في جميع الأحوال ، في نفسه وأهله وسائر الخلق0
 دع عنك التكبر على الحق عزوجل وعلى الخلق فإنه من صفات الجبابرة الذين يكبهم الله عزوجل على وجوههم في نار الجحيم ،إذا أغضبت الحق عزوجل فقد تكبرت عليه، إذا أذن المؤذن فلم تجبه بقيامك إلى الصلاة فقد تكبرت عليه ، إذا ظلمت أحداً من خلقه فقد تكبرت عليه0
 علامة طلبك العلم لله عزوجل خوفك ووجلك منه عند مجيء الأمر والنهي ، تراقبه وتذل له في نفسك وتتواضع للخلق من غير حاجة لاطمعاً فيما أيديهم وتصادق في الله عزوجل وتعادي فيه لان الصداقة في غير الله عزوجل عداوة ، الثبات في غيره زوال، العطاء في غيره حرمان0
 بيِّنتك ملازمة الكتاب والسنة والعمل بهما والإخلاص في العمل0
 المحب للحق عزوجل الصادق في محبته يسلم إليه نفسه وماله وعاقبته ويترك إختياره فيه وفي غيره ،لاتتهمه في تصرفه ، لاتستعجله ،لاتستبخله ، يحلو عنده كل مايصدر إليه منه 0
 يامن يدعي إرادة الحق عزوجل وهو واقف مع نفسه! كذبت في دعواك! النفس والحق لايجتمعان ، الدنيا والآخرة لايجتمعان ،من وقف مع نفسه فاته الوقوف مع الحق عزوجل ، من وقف مع الدنيا فاته الوقوف مع الآخرة0
 من تاب ولم يغير ماكان عليه قبل التوبة فقد كذب في توبته ،التوبة قلْبُ دولة 0
 إذا خلوت والخلق في قلبك فإنك قاعد وحدك بلاحضور الأنس بالله عزوجل بل النفس والشيطان والهوى قرناؤك ، إذا كان قلبك مستأنساً بالله عزوجل فأنت خال من الخلق وإن كنت بين أهلك وعشيرتك0
 من كان في حالة من الأحوال مع ملازمة الشرع ولم يتمن ما فوقها ولاماتحتها ولازوالها ولابقاءها فقد حصل له شرط الرضا والموافقة والعبودية0
 ويلك ! لاتكذب ‍! تدعي الرضا وتغيرك بقة ولقمة وكلمة وكسر عرض0
 المنافق يستحي من الله عزوجل وقت حضور الخلق عنده ويتواقح عليه وقت خلوته0
 من عرف الله عزوجل خرس لسان نفسه وطبعه وهواه وعادته ووجوده ، أما لسان قلبه وسره وحاله ومقامه وعطاءه فينطق بإظهار النعم التي عنده فلهذا يجالسون بالصمت لينتفع بهم ويشرب من الشراب الذي ينضج من قلوبهم0
 إذا عملت ورأيت أنَّ قلبك لايدنوا من الحق عزوجل ولاتجد حلاوة العبادة والأنس فاعلم إنك لست بعامل وإنك محجوب لأجل الخلل الذي في عملك ،ماذا الخلل؟ الرياء والنفاق والعجب0
 كل من حسن إسلامه وتحقق أقبلَ على مايعنيه وأعرض عما لايعنيه0
 أول هذا الأمر شهادة أن لااله الاالله وإنتهاؤه إستواء الحجر والمدر(1) 0من صح قلبه واتصل بربه عزوجل إستوى عنده الحجر والمدر، والحمد والذم ، والسقم والعافية، والغنى والفقر ، إقبال الدنيا وادبارها0
 علامة نفاق المنافق في هذا الزمان أن لايدخل عندي ولايسلم علي إذا لقيني فإن فعل ذلك كان تكلفاً منه0
 علامة الولي أن يكون موافقاً من غير لم وكيف مع أداء الأوامر والإنتهاء عن المناهي 0 لاجرم تدوم صحبته له ،يصير في صحبة قربه ،لا يميناً ولا شمالاً ولا وراء بل أماماً فحسب ،يصير صدراً بلا ظهر ،قرباً بلا بعد ،صفاء بلا كدر ،خيراً بلا شر0
 لاتدَّعي! أنت تقرصك بقَّة تقوم قيامتك ،يعوزك من عشائك لقمة تقوم قيامتك 0
 ويحك ! أنت تعوزك لقمة ،تضيع منك حبة ،أو ينكسر لك عرض00 تقوم قيامتك وتعترض على الله عزوجل وتخرج غيظك في ضرب زوجتك وولدك ، لوكنت عاقلاً من أهل اليقظة والمراقبة لخرست بين يدي الله عزوجل ولرأيت جميع أفعاله نعمة في حقك 0
 من علامات الصديقين الرجوع إلى الله في كل شئ ،فإذا أرادوا كتمان أحوالهم رجعوا إلى الخلق في الأخذ والعطاء،قلوبهم معه وأبدانهم مع خلقه0
 من أدعى حب الله عزوجل من غير ورع في خلوته فهو كذاب 0 من إدَّعى حب الجنة من غير بذل المال والملك فهو كذاب 0من إدَّعىحب النبي صلى الله عليه وسلم من غير حب الفقر والفقراء فهو كذاب0
 إن كان هذا الذي أنا فيه من الله فسيكبر ويكثر ويعظم وعلى رجليه يقوم وبأجنحته يطير على سطوح الخلق ويدخل دورهم ويرونه بعيونهم وقلوبهم ، وإن كان من نفسي وهواي وطبعي وشيطاني وباطلي فسحقاً وبعداً وعن قريب يصغر ويذوب وينقلب ويتفرق وينقطع ،لأن الحق عزوجل لايؤيد كذاباً ولا ينصر منافقاً ولايعطي جاحداً ولايزيد تاركاً للشكر ،كل من يحدث نفسه بشئ من النفاق لايجئ منه شئ بل يكون نفاقه سبب ﺇحتراق دينه 0
 إذا صح القلب امتلأ رحمة وشفقة على الخلق0
 إذا خفي عليّ أصل مال أحدكم أنتظر خروجه فإن خرجت النفقة على الأولاد والأهل والفقراء ومصالح الخلق علمت أنَّ أصله جاء من الحلال ، وإن خرج على الصديقين الذين هم خواص الحق عزوجل علمت أن أصله وتحصيله كان بالتوكل على الحق عزوجل وأنه حلال طَلِقٌ0
 كلما صفا قلب العبد رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه يأمره بشيء وينهاه عن شئ ، يصير كله قلباً وتنعزل بنيته ،يصير سراً بلا جهر ، صفاء بلا كدر ،يتنحى عنه قشر ظاهره إلى ناحية ويبقى لباً بلا قشر ،يصير مع النبي صلى الله عليه وسلم من حيث معناه ،يتربى قلبه معه وبين يديه ، يصير يده في يده ،يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو المخاطب عنه ، الحاجب بين يديه0
 كلامك يدل على مافي قلبك ،اللسان يدل على مافي قلبك ،اللسان ترجمان القلب ،فإذا كان القلب مختلطاً فتارة يصح الكلام وتارة يبطل ، لاتقدر تغير الشئ عما هو ،وإذا زال تخليطه صح اللسان ،إذا زال الشرك منه صح اللسان وإذا أشرك يقتدي بالخلق ،تغير وتبدل وتعثر وكذب ، من المتكلمين من يتكلم عن قلبه ومنهم من يتكلم عن سره ،ومنهم من يتكلم عن نفسه وهواه وشيطانه وعاداته 0
 إذا صحبت الخلق بعد صحبة الحق فأنت مع الحق لا مع الخلق ، علامة صحبتك للخلق أنك لاترى النفع والضر من جانب الخلق بل الكل مسلطون عليك مسخرون0
 لوكان عندك ثمرة العلم وبركته لما سعيت إلى أبواب السلاطين في حظوظ نفسك وشهواتها،العالم لارجلين له يسعى بهما إلى أبواب الخلق ، والزاهد لايدين له يأخذ بهما أموال الناس ، المحب لله عزوجل لاعينين له ينظر بهما إلى غيره ،المحب الصادق في محبته لو لقى الخلق كلهم ما حلا له النظر إليهم ، لاينظر إلى غير محبوبه ، لاتكبر في عيني رأسه الدنيا ولاتكبر في عيني قلبه الأخرى ،ولايكبر في عيني سره غير المولى0

لُبٌّ و قشور
أريد منكم أعمالاً بلا كلام 0

الإسلام دين علم وعمل 0فالعمل دون علم مفسدة ،والعلم دون عمل وزر0العمل دون علم هو الذي أخرج للأُمة الإسلامية كثيراً من الفرق الضالة التي تفاوت الشوط الذي قطعته في الانحراف من فرقة إلى أخرى حسب مساحة الجهل0والعلم دون عمل جعل الأمة الإسلامية في ذيل أمم العالم وجعلها تنام في ركود وسبات عميقين 0والعلم الذي يشير إليه الإمام هنا هو علم الإيمان وهو أشرف العلوم ولكنه يشمل كذلك علوم الدنيا، وكلها يجب أن تتجسد في الواقع:
 العلم قشر والعمل لب ، إنما يحفظ القشر حتى يحفظ اللب ، وإنما يحفظ اللب حتى يستخرج منه الدهن ،فإذا لم يكن في القشر لب مايصنع به ؟ وإذا لم يكن في اللب دهن فما يصنع به؟ العلم قد ذهب لأنه إذا ذهب العمل به فقد ذهب ، إيش ينفعك حفظه ودراسته بلا عمل ، ياعالم ! إن أردت خير الدنيا والآخرة فاعمل بعلمك وعلِّم الناس0
 لب العلم العمل ، لاتصح متابعتك للرسول صلى الله عليه وسلم حتى تعمل بما قال ، إذا عملت بما أمرك به إستقبل قلبك وسرك وأدخلهما على ربهما0
 العمل بالعلم تاج العلم ، العمل بالعلم نور العلم ،صفاء الصفاء ،جوهر الجوهر ،لب اللب ،العمل بالعلم يصحح القلب ويطهره 0
 لاتَهْتوسوا ! أنتم هوس ! هذا العلم لا ينفعكم بلا عمل .تحتاجون أن تعملوا بهذا السواد على البياض وهو حكم الله عز وجل { يقصد الشريعة}، تعملون به يوما بعد يوم وسنة بعد سنة ، حتى تقعَ في أيديكم ثمرته .
 أريد منكم أعمالا بلا كلام 0
 العمل بالقرآن يوقفك على مَنْزله ، والعمل بالسنة يوقفك على الرسول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم0
 القول بلا عمل كدار بلا باب ولامرافق ،كَنْزٌ لاينفق منه ،هو مجرد دعوى بلا بينة ،صورة بلا روح ، صنم لايدان له ولا رجلان ولابطش ، معظم أعمالكم كجسد بلا روح0
 تعلم واعمل ثم علم غيرك ، إذا علمت ثم عملت تكلم العلم عنك ، وإن سكتَّ تكلم بلسان العمل أكثر مما تتكلم بلسان العلم0
 القول بلا فعل لايساوي شيئاً والدعوى المجردة بلا بينة لاتساوي شيئاً0
 ويحك ! تضيع زمانك في طلب العلم ولاتعمل به ، فأنت على قدم الجهل في هوس0
 من لم يعمل بعلمه فهو جاهل، وإن كان متقناً لحفظه والعلم بمعانيه ، تعلمك للعلم من غير عمل يردك إلى الخلق وعملك بالعلم يردك إلى الحق عزوجل ويزهدك في الدنيا ويبصرك بباطنك ، يشغلك عن تزيين الظاهر ويلهمك بتزيين الباطن فحينئذ يتولاك الحق عزوجل لأنك قد صلحت له0
 تكلم على الناس بلسان العلم والعمل والإخلاص ولاتتكلم عليهم بلسان العلم بلا عمل فإنه لاينفعك ولاينفع من عندك0
 إذا علمت ولم تعمل كان العلم حجة عليك 0
 تعلم واعمل وعلِّم فإن ذلك مجمع لك الخير بأسره0
 إذا سمعت كلمة من العلم وعملت بها وعلمتها غيرك كان لك ثوابان ، ثواب العلم وثواب العمل0
 كم تتعلم ولاتعمل ،أطوِ ديوان العلم ثم اشتغل بنشر ديوان العمل مع الإخلاص وإلاّ فلا فلاح لك0
 تتعلم العلم فحسب ، أنت مجتر على الحق عزوجل بأفعالك ، قد ألقيت جلباب الحياء من عينيك وقد جعلته أهون الناظرين اليك0
 لما لم يعمل بنو إسرائيل بالتوراة مسخ الله عزوجل قلوبهم حجارة وطردهم من بابه ، هكذا أنتم يامحمديين إذا لم تعملوا بالقرآن وتحكموا أحكامه يمسخ قلوبكم ويطردها من بابه 0
 أدِّ الأمر وانته عن النهي واصبر على هذه الآفات وتقرب بالنوافل وقد سميت مستيقظاً عاملاً0
 إذا تعلمت للخلق عملت للخلق ، وإذا تعلمت لله عزوجل عملت له0
 أنت هوس ! تؤلف كلامك من الكتب وتتكلم به ، إن ضاع كتابك ماتصنع ؟ أو وقع الحريق في كتبك ؟ أو انطفأ مصباحك الذي تبصر به ، إذا إنكسرت جرتك وتبدد الماء الذي فيها ، أين مقدحتك وكبريتك ومعينك ؟ من تعلم العلم وعمل وأخلص صارت المقدحة والمعين في قلبه نوراً من نور الله عزوجل فيضئ هو وغيره 0
 كم تحضر المجالس ولاتعمل بكلمة 0
 إن أردت الحق والزيادة والثبات فافعل ماتقول وإلاّ فالويل لك!

النفس:الميدان الاول للتغيير
خطوتان وقد وصلت إلى الرحمن0000
النفس والخلق 00
بعد أن أدركنا أننا لم نحقق حقيقة الإسلام على الشكل الأمثل وأن علامات الطريق تدل أننا ما نزال في بداية الطريق أو أننا لم نبدأ بعد الطريق! ولكي نبدأ بتجسيد العلم الذي تعلمناه في واقع معاش لابد لنا من أن نخطو الخطوة الصحيحة في عالم الإيمان0إن الخطوة الأولى التي لابد من تجاوزها لتأصيل إنسانية الإنسان والسير به نحو مدارج الرقي وصولاً إلى أن يكون ملكاً من ملوك المعرفة وهي الدرجة التي لايعلوها إلاّ درجة النبوة والرسالة ،إن هذه الخطوة هي تخطي حاجز النفس0 لابد من الإستعلاء على طلبات النفس التي لا تتوافق مع أوامر ونواهي الشرع0ومن أهم شروط إعتلاء منصة الدعوة إلى الله عز وجل السيطرة الكلية على النفس وأن تكون تابعاً ذليلاً للإرادة المسلمة لله0إن عملية تحطيم الذرة هي التي تؤدي إلى الحصول على إشعاع ذري يستخدمه الإنسان الآن في إنارة وبناء حياته وإدامة مؤسساته العلمية والاعلامية0كذلك النفس00 حين تروض ويتم التحكم بها وتطويعها لأوامر الخالق فإنها تخرج كنوزها وتنير حياتها وتبني المجتمع من حولها 0 وليس من المصادفة أن تكون بيعة العقبة ولاسيما الثانبة الباب الذي دخل منه الإسلام نحو العالمية وتأسيس الدولة ، كذلك النفس فإنها العقبة الكبرى التي ما إن تجاوزتها فإنك تكون قد قطعت الشوط الأكبر نحو الوصول إلى مصاف النخبة0
ويترافق مع هذه الخطوة عملية تحرير وتطهير شاملة للقلب فلا يبقى فيه في المحصلة النهائية إلاّ الحق عزوجل ورضاه ، وكذلك تحرير و تطهير الجوارح من أن تشوبها شائبة أو يقيدها قيد من العمل لغير الله تعالى0إن عملية التحرير هذه لاتتم بين ليلة وضحاها ، وإنما تتطلب متابعة ونهوض فورى بعد كل عملية سقوط وتقييم لكل سقطة والرجاء في الله عزوجل ومدده وعدم الركون إلى اليأس وتحديد الهدف الأول والسير نحوه وإزالة كافة العوائق مع التشبث بوسائل النهوض من ثقة كاملة بالله عزوجل والتعرف إليه والتقرب منه وإخلاص العمل له 0ان التعامل المباشر مع الله عزوجل ومراقبته ومراقبة أفعاله في خلقه ينير للإنسان حقيقة الأشياء من حوله فيعرف عدوه من صديقه 0إن النتيجة النهائية لهذه التربية هي خلق نماذج إنسانية لها القدرة على الأخذ بيد البشرية و إنقاذها من السقوط والإنهيار العام وقيادتها إلى عالم افضل0هذه هي خلاصة منهج الإمام الطيلاني رحمه الله في تربية النفس فلنتدبر ونعمل:
 إنما عينُ الحق عز وجل على النفس دون غيرها ، وأمرهِ بتركها لأن الدنيا ومافيها وماسوى الحق عزوجل في الجملة تبعٌ للنفس0
 عِظْ نفسك أولاً ثم عظ غيرك ، عليك بخويصة نفسك ، لاتتعدّ إلى غيرك وقد بقيَ عندك بقية تحتاج إلى إصلاحها .
 تحتاج في خلوتك إلى ورع يخرجك من المعاصي والزلاَّت،ومراقبة تذكرك نظر الحق عز وجل إليك ، أنت محتاج ومضطر إلى أن يكون هذا معك في خلوتك ، ثم تحتاج إلى محاربة النفس والهـوى والشيطان ، إجعل التقوى سلاحك ،والتوحيد لله عز وجل والمراقبة له والورع في الخلوات والصدق والاستعانة بالله عز وجل جندك ،فهذا السلاح وهذا الجند هم الذي يهزمونه ويهدمونه ويكسرون جيشه0
 إذا فعلت فعلاً فأزلْ نفسك وهواك وشيطانك منه ولاتفعله إلاّ لله عزوجل وإمتثالاً لأمره ، لاتفعل شيئاً إلاّ بأمر حزم من الله عزوجل ، ﺇما بواسطة الشرع أو بإلهام من الله عزوجل لقلبك مع موافقة الشرع0
 أتركوا ثم خذوا ، أتركوا الأخذ من أيدي الطبع والهوى والنفس وخذوا من يد القلب والسر ،أتركوا الأخذ من أيدي الخلق وخذوا من يد الخالق ،أطيعوا الرسول (صلى الله عليه وسلم) واقبلوا منه ما يأتيكم به من الأمر والنهي0
 إزهد فيك وفي الخلق وفي الدنيا يُرِحْك من الخلق0
 لا تكن مع النفس ولامع الهوى ولامع الدنيا ولامع الآخرة لاتتابع سوى الحق عز وجل وقد وقعت بالكَنْز الذي لايفنى أبداً ، حينئذ تجيئك الهداية من الحق عزوجل التي لاضلال بعدها، لايكن همك ما تأكل وما تشرب وما تلبس وما تنكح، وما تسكن وما تجمع ، كل هذا هَمُّ النفس والطبع ،فأين همُّ القلب والسرّ وهو طلب الحق عز وجل ؟هَمُّك ما أهمك فليكن همك ربك عز وجل وما عنده .
 قل للنفس لك ما كسبت وعليك ما إكتسبت ،أحد ما يعمل معك ولا يعطيك من عمله شيئا ولابد من العمل والمجاهدة.
 لاتقبل لها قولاً فإنها لا تأمر إلاّ بالشر ،إن أجبتها فخالفها ففي خلافها صلاح لها.
 نظر النفس أغمضه وقصِّره ورُدَّه حتى لا يكون نظرها سبباً لهلاكها إلاّ أن تصير تابعة للقلب والسر من جملة أتباعهما ،لا تخرج(أي النفس) لهما عن رأي وتتحد معهما فلايكون بينها وبينهما فرق ،تأمر بما يأمران به وتنهى بما ينهيان عنه وتختار ما يختارانه ،فحينئذ تصير نفساً مطمئنة فيتوافقون على طلب واحد ومقصود واحد، إذا بلغت النفس إلى هذه الحال إستحقت التقصير من مجاهدتها0
 قال كيف أموت ؟ مُتْ عن متابعة نفسك وهواك وطبعك وعاداتك وعن متابعة الخلق وأسبابهـم0
 إجهد أن تموت هاهنا بين يدي الحق عز وجل ،إجهد أن تموت نفسك قبل خروج روحك من بدنك ، موّتها بالصبر والمخالفة فعن قريب تحمد عاقبة ذلك ، صبرك يفنى وجزاؤه لا يفنى.
 أحكم أساس عملك بالتوحيد والإخلاص ثم إبن الأعمال بحول الله عز وجل وقوته لا بحولك وقوتك . عليكم بإماتة نفوسكم وأهويتكم وشياطينكم قبل أن تموتوا0عليكم بالموت الخاص قبل الموت العام !
 مايتم هذا الأمر بصيام النهار وقيام الليل والتخشن في المطعم والملبس مع وجود النفس والهوى والطبع والجهل ورؤية الخلق ،لايجئ بهذا شئ،ويلك ! أخلصْ تخلَصْ، صدِّق وقد وصلت وقربت ، علِّ همتك وقد علوت ،سلِّم وقد سلمت ، وافق وقد وفِّقت، ارض وقد رضي عنك ،أسرع أنت وقد تمم الحق عزوجل لك 0
 هذا الأمر ليس هو صنعة تعملها ،ليس هو شيئا تأخذه بيدك ترميه،بل هو خطوات أولها الزهد في الدنيا،ثم الزهد في اختيارك،وإزهد في الخلق ، فلا تخافهم ولاترجوهم، وإزهد في جميع ما تأمرك به نفسك،فلا تقبل منها إلاّ بعد مجيء أمر الله عزوجل، والغالب لك من حيث قلبك0
 لاتأكل بنفسك وهواك فإن ذلك حجاب يحجب قلبك عن ربك عزوجل ، المؤمن لايأكل لنفسه وبنفسه ولا يلبس لها ولا يتمتع بل يتقوت ليتقوى على طاعة الله عز وجل ،يأكل بالشرع لا بالهوى 0
 أَخرجْ نفسك والخلق من قلبك واملأه بمكوِّنِهِماحتى يُرَدَّ إليك التكوين،ما هذا شئ يجئ بصيام النهار وقيام الليل ،لكن بطهارة القلوب وصفاء الأسرار .
 لاسكون لك حتى تمُوِّت نفسك وطبعك وهواك وماسوى مولاك،فحينئذ تحيا بقربه 0 موت ثم نشر ثم إذا شاء أنشرك له 0 ردك إلى الخلق لتنظر في مصالحهم وتردهم إلى بابه 0يجئ إليك الميل إلى الدنيا والآخرة لتتناول أقسامك منهما ،تجئ لك القوة على مقاساة الخلق فتردهم من ضلالهم وتمتثل أمر الله فيهم0
 عليك بخُويْصة نفسك حتى تقهرها وتذلها وتستأسرها وتجعلها مَطِيَّتَكَ فتقطع بها فيافي الدنيا حتى تصل إلى الآخرة ،تقطع بها الخلق حتى تصل بها إلى الحق عز وجل،حتى إذا تم لك و قويت أَرْدَفَتَ غيرك(1).
 لاكلام حتى تجدد الإسلام وتحقق التوبة بقلبك وتخرج من بيت طبعك وهواك ووجودك وجلب النفع إليك ودفع الضر عنك.
 لاكلام حتى تخرج عنك بترك نفسك وهواك وطبعك على الباب . أضرب نفسك بسوط الجوع والمنع من الشهوات واللذات والترهات ،وأضرب قلبك بسوط الخوف والمراقبة.
 لاكلام حتى تقطع الفيافي والقفار ، البَرَّين والبحرين ، بر الخلق وبر النفس، بحر الحكم وبحر العلم والساحل0
 من أراد الغنى بالله عز وجل فليخرج الأشياء من قلبه شيئا فشيئاً.
 هذه النفس أمارة بالسوء ،فبَعْدَ كم وكم حتى تأمر بما تأمر به القلب ؟ذَوّبْها بالمجاهدة فإنها إذا ذابت وفنيت إطمأنت إلى القلب ثم يطمئن القلب إلى السرثم يطمئن السر إلى الحق عز وجل فيكون شُرْبُ الجميع من هنالك.
 أنت أشفق عليها من غيرك وقد ضيعتها فكيف يشفق عليها غيرك ويحفظها ، قوة أملك وحرصك حملاك على تضييعها0إجهد في تقصير الأمل وتقليل الحرص0
 لا ترخص لها ،ولا تطعها وقد أفلحت ،لا تبتسم في وجهها وجاوبها عن كل ألف كلمة كلمة إلى أن تتهذب وتطمئن وتقنع .إذا طلبت منك الشهوات واللّذات فماطلهاوأخرّها وقل لها موعدك الجنة .صّبرها على مرارة المنع حتى يجيئها العطاء . إذا صبرتها وصَبرَتْ كان الله معها لأنه قال :إنَّ اللهَ معَ الصّابرين.
 الإرادة في النفس إرادتان وهما ضدان ،إرادة ماسوى الحق وإرادة الحق فهما يصطلحان ويقتتلان الى أن يتم أربعون0
 أربعة أشياء منها صلاح القلب : الأول : النظر لللقمة ، الثاني :الفراغ للطاعة ، الثالث :صيانة الكرامة ، الرابع :ترك مايشغلك عن الله 0أما النظر في اللقمة فما عندك منه خبر ! إنما يصح هذا الأمر بالورع الشافي والوقوف بين يديه ومناشدة له لحفظ الدين 0المؤمن يقف في أكله وشربه ،يطلب الإذن من الكتاب والسنة حتى إذا قرب من مولاه عزوجل ثم أمر بأمره ونهى بنهيه ،يعلم بعلمه ،ينصر بنصره ،جددوا العهد به قبل الموت ،سوف ترى إذا إنجلى الغبار ،يابطّالين ! ياجاهلين ! ياغافلين !
 سؤال النفس الخائنة : كيف أقنعُ بفتواها ؟ فأجاب : جاهدها حتى تموت ثم تحييها نشأً آخر ، فقيهة عالمة مطمئنة ، تغلق باب شهواتها ولذاتها ، إحبسها عن شهواتها حتى اذا ذبلت رجعت إلى سرك ، تصير قلباً بالمجاهدة0
 أهجر طبعك و هواك وشيطانك ولاتركن إليهم ، إذا ثبت هذا فاجعل بينك وبين أقران السوء عداوة ولاتصادقهم حتى يوافقوك في حالك0
 إذا أرخيت عنان نفسك طمعت فيك ورمت بك ، ألجمها بلجام الورع ودع عنك القال والقيل0
 نحِّ عن نفسك وقد رأيت ربك عز وجل ، سَلِّمْ إليه وقد سلِمْتْ ، جاهد فيه وقد إهتديت ،واشكره وقد زادك ، سلم إياك والخلق له ، لا تعترض عليه فيك ولا في غيرك0
 من أراد سلوك طريق الحق عز وجل فليهذب نفسه قبل سلوكه،جاهدها حتى تطمئن فإذا إطمأنت إستصحبها معك إلى بابه ،لاتوافقها إلاّ بعد الرياضة ،بعد التعليم وحسن الأدب والطمأنينة إلى وعد الله عز وجل ووعيده.
 نفسك عمياء خرساء طرشاء مخبلة جاهلة بربها عز وجل عدوة له فبدوام المجاهدات تنفتح عيناها وينطلق لسانها وتسمع أذنها ويزول خبلهاوجهلها وعداوتها لربها عز وجل وهذا يحتاج إلى حبال ودوام ساعة بعد ساعةويوم بعد يوم وسنة بعد سنة . ما يجئ هذا بمجاهدة ساعة أو يوم أو شهر.
 نفسك الجاهلة قد أوقفتك في خدمتها ، الصواب لك السكوت عن جوابها وأن تضرب بكلامها الحائط ، إسمع منها كما تسمع من مجنون قد زال عقله ، لا تلتفت إلى قولها وطلبها للشهوات واللذات والترهات ، هلاكك وهلاكها في قبولك منها وصلاحك وصلاحها في مخالفتها.
 يحتاج لسانك إلى لجام التقوى وتوبة عن الكلام بالهذيان والنفاق ،فإذا دمت على ذلك إنقلبت فصاحة اللسان إلى فصاحة القلب ،فإذا تم له هذا تنور وظهر النور منه إلى اللسان والجوارح0 إذا كان اللسان صالحاً صلح القلب .
 هذه الطريق لا تسلك مع النفس والهوى بل مع الحكم والعمل به وترك الحول والقوة والجلادة وأخذ الإستسلام والإستطراح وترك العجلة وأخذ التؤدة 0
 عليك بالمراقبة لله عز وجل والمطالبة لنفسك بما يجب عليها من حقوق الحق عز وجل وحقوق خلقه0
 يا من يبني القصور والدور ويُذِهب عمره في عمارة الدنيا ، لاتبن شيئاً بغير نية صالحة ،أساس البناء في الدنيا النية الصالحة ، لا يكون بناؤك بنفسك وهواك ، الجاهل يبني في الدنيا بنفسه وهواه وطبعه وعاداته من غير أمر الحكم وموافقة قضاء الله عز وجل وفعله فلا جرم لاتصح له قرينة صالحة ولايتهنأ بما بناه ويسكنه غيره ويقال له يوم القيامة لم بنيت؟ومن أين أنفقت؟
 إن أردت الوصول إلى هذا فاشتغل بطهارة قلبك عن الأشياء كلها ،إمتثل الأوامر وإنته عن النواهي وإصبر مع القدر وأخرج الدنيا من قلبك ،وبعد هذا تعال إليَّ حتى أتكلم معك أُخبرك بما وراء ذلك 0إن فعلت هذاحصل الذي تريد وقبل هذا فالكلام هذيان!!
 إن أردت الخير دنيا وآخرة فراقب علم الله عز وجل فيك وطالب نفسك بالعمل ،تطالبها بأمر الله عز وجل وتنهاها عن ارتكاب معاصيه وتلزمها بالصبر عند مجيء الآفات والرضا عند مجيء الأقضية والأقدار وبالشكر عند مجيء النعم0
 خطوتان وقد وصلت ، خطوة عن الدنيا وخطوة عن الأخرى ، خطوة عن نفسك وخطوة عن الخلق ، أترك هذا الظاهر وقد وصلت إلى الباطن ، بداية ثم نهاية، إستبدِ(أي أبدأ) أنت والتمام على الله عز وجل.
 هذا شئ لا يجئ بالدعوى والتحلي والتمني والأسامي والألقاب ولقلقة اللسان ، إنما يجئ بالصدق والإخلاص وترك الرياء ومعاداة النفس والهوى والشيطان .
 إستخدم هذه النفس وعوّدها العزيمة فإنها ماحمَّلْتها تتحمل ،لاترفع العصا فإنها تنام وتلقي الأحمال عنها ،لاترها بياض أسنانك وبياض عينيك ،هي عبد سوء لا يعمل الأشغال إلاّ بالعصا0
 فارق نفسك بالمخالفة والمجاهدة والتطارش عن إجابتها ،لا تجبها إلى شهواتها ولذاتها ورعوناتها فحينئذ تذل وتنتحي عن وجه قلبك ،تصير قطعة لحم ملقاة بلا حركة فتدب فيها روح الطمأنينة فحينئذ ترى هي والقلب ربها عزوجل.
 نفسك معشوقتك ! لو علمت أنها عدوتك وقاتلتك لخالفتها ،مانعتها الطعام والشراب إلاّ ما لابدلها منه فذلك حقها .
 ما يمشي قلبك إلى باب الحق عزوجل خطوة واحدة وأنت مع نفسك في بيت طبعك وهواك . كيف يرى قلبك الحق عزوجل وهو ملآن بالخلق!!
 المؤمن في كل أحواله له نية حسنة في كل أعماله ،لا يأكل ولا يشرب ولا يلبس ولا ينكح إلاّ بأمر الله عزوجل في الدنيا بأمره بواسطة شرعه.
 توقف عند بيعك وشرائك ولقمتك وأخذك وعطائك وكلمتك ،ماكان لله فانتهزه وماكان لغيره فانتهِ عنه .
 قال بعضهم: إحبس نفسك عن المألوف ،لاتأكل بطبيعة ولا تتناول لقمة إلاّ بتوقيع من الله تعالى ولا تتناول دواء إلاّ بأمره.
 يأمرك أن تخرج من طبعك وتجعل مكانه رخص الشرع ثم يأمرك أن تترك من الرخص شيئا فشيئا إلى أن تصير كل أفعالك عزيمة ،فإذا صبرت على العزيمة جاء الحب لله عزوجل في قلبك فإذا ثبت الحب جاءت الولاية من الله عزوجل لك.
 يحتاج ابن آدم أن يعمل في هذه الدنيا حتى يغير طبعه ،يجاهد نفسه وشيطانه وهواه حتى ينقل من صفات البهائم إلى الأخلاق الإنسانية.
 عليكم بالخلوة عن النفس ثم بالخلوة عن الخلق ثم بالخلوة عن الدنيا ثم بالخلوة عن الأخرى ثم بالخلوة عما سوى المولى.
 ذوبوا نفوسكم و أهويتكم وطباعكم بالصوم الدائم والصلاة الدائمة والصبر الدائم .
 إذا صح للعبد ذوبان نفسه وهواه وطبعه بقي هو ومولاه بلا زحمة ، بقي قلباً وسراً ومولى .سعة بلا ضيق، عافية بلا سقم.
 مادمت قائماً مع نفسك لاتصل إلى هذا المقام ،مادمت توصل إليها حظوظها فأنت في قيدها .وفِّها حقها وامنعها حظها ،بإيصال الحق إليها بقاؤها وبإيصال الحظ إليها هلاكها.حقها ما لابد منها :الطعام واللباس والشراب وموضع تسكن فيه ،وحظها اللذات والشهوات. خذ حقها من يد الشرع ،وكِلْ حظها إلى القدر والسابقة في علم الله عز وجل.
 إحمل على النفس ولاتخف من سيفها وسكينها ،سيفها خشب ماهو حديد ! لها كلام بلا أفعال ، كذب بلا صدق ، عهد بلا وفاء ، لامودة لها ، جولة بلا دولة ، إبليس الذي هو أميرها لاقوة له عند المؤمنين الصادقين في عداوته ومخالفته فكيف هي 0لاتظن أنه دخل الجنة وأخرج آدم عليه السلام منها بقوته وإنما الحق عزوجل قوّاه على ذلك وجعله سبباً لاأصلاً0
 نفوسكم تدعي الألوهية وما عندكم خبر ! لأنها تتجبر على الحق عز وجل وتريد غير ما يريد ،وتحب عدوه الشيطان الرجيم ولاتحبه،وإذا جاءت أقضيته لاتوافق ولاتصبر بل تعارض وتنازع ،ما عندهامن الإستسلام خبر ،قد قنعت بإسم الإسلام وهذا لا ينفعها ولايجدي عليها نفعها.
 كيف تفلح وقد تركت يد نفسك وهواك وطبعك وشيطانك على عيني قلبك ؟ نحيِّ هذه الأيدي وقد رأيت الأشياء كما هي.نحيِّ نفسك بمجاهدتك لهاومخالفتك ،
نحيِّ يد هواك وطبعك وشيطانك فانك تجده،نحِّ هذه الأيدي وقد إرتفعت الحجب بينك وبين ربك عز وجل فتنظر به ما سواه ،ترى نفسك وترى غيرك،ترى عيوبك فتجتنبها وترى عيوب غيرك فتهرب منها.
 لاتحضر موضعا تثور فيه نار طبعك فيخرب بيت دينك وإيمانك ، يثور الطبع والهوى والشيطان فيذهب بدينك وإيمانك وإيقانك.
 غض بصرك عن المحارم وأمسك نفسك عن الشهوات ،وعوِّد نفسك أكل الحلال، واحفظ باطنك بالمراقبة لله عز وجل ،وظاهرك بإتباع السنة وقد صار لك خاطر صحيح مصيب ،وتصير لك المعرفة بالله عز وجل.
 لاتأكل من يد الدنيا لعله مسموم ،إذا جاءتك بطعام فانظر إلى وزيريك الكتاب والسنة ،خذ بمشورتهما فإن أفتياك توقف ، لا تستعجل ولا تشره ،إستفت نفسك وإن أفتاك المفتون .النفس إذا جاهدتها إنسبكت مع القلب صارا شيئاً واحداً خوطبت ونوديت:يا أيتّهَا النَفْسُ المُطْمَئنَّةُ.
 أبعد عما سوى الحق عز وجل بقلبك حتى تقرب منه،مُتْ عنك وعن الخلق وقد رفعت الحجب بينك وبين ربك عزوجل0
 ذكِّر نفسك يوم النشور ، تفكَّر في القبور الدوارس ، تفكر كيف يحشرالحق عز وجل جميع الخلق ويقيمهم بين يديه ، إذا دمت على هذا التفكر زالت قساوة قلبك وصفا من كدره ، إذا كان البناء على أساس ثبت ورسخ وإذا لم يكن على أساس تعجَّل وقوعه .إذا بنيت حالك على إحكام الحكم الظاهر لا يقدر أحد من الخلق على نقضه وإذا لم تبنه على ذلك لا يثبت لك حال ولاتصل إلى مقام .
 يجب عليك أن يكون كلامك لله عز وجل وإلاّ فالخرس أحب إليك ، لتكن حياتك في طاعة الله عز وجل وإلاّ فالموت أحب إليك.
 إذا لم تناظر الحق عز وجل ولم تنازعه تمت عبوديتك له وصرت عبداًحقاً. إحذر من الحق عز وجل ، غض عينيك عن النظر إلى المحرَّم واذكر نظر من لا تبرح عن نظره وعلمه.
 دعوا عنكم الهَوَسات و الأماني الباطلة واشتغلوا بذكر الله عز وجل .تكلموا بما ينفعكم واسكتوا عما يضركم .إن أردت أن تتكلم ففكر فيما تريد أن تتكلم به وحصل فيه النية الصالحة ثم تكلم .ولهذا قيل لسان الجاهل أمام قلبه ولسان العاقل العالم وراء قلبه.
 إخرس أنت فإذا أراد الله عز وجل منك النطق فهو ينطقك ،إذا أرادك لأمر هيأك له.
 صحبته خَرَسٌ كُلّي فإذا تم الخرس يجئ النطق منه إن شاء أو يديم ذلك إلى حين الإتصال بالآخرة.إجهد أن لاتأكل لقمة ولاتمش خطوة ،ولا تعمل شيئا في الجملة إلاّ بنيةصالحة تصلح للحق عز وجل .إذا تم لك هذا فكل عمل تعمله يكون له لا لغيره.تزول عنك الكلفة وتصير هذه النية طبعاً للعبد.
 ا لأمر يحتاج إلى أساس ثم بناء . تفكر في أمرك فإذا رأيت حسنة فاشكر الله تعالى،وإذا رأيت لك سيئة فتب منها، بهذا التفكر يحيا دينك ويموت شيطانك،ولهذا قيل تفكر ساعة خير من قيام ليلة .
 المؤمن يبتدئ بعمارة باطنه ثم بعمارة ظاهره،كالذي يعمل داراً ،هكذا البداية بالله عز وجل ورضاه ثم الإلتفات إلى الخلق بإذنه.
 إجتهد أن لايبقىشئ في الدنيا تحبه،إذا تم هذا في حقك لا تترك مع نفسك لحظة إن نَسيت ذُكرت ،واِن غَفلت أُوقظت ،لا يدعك تنظر إلى غيره في الجملة.من ذاق هذا فقد عرفه!!.
 لاتكثروا من القعود مع الجيران والأصدقاء والمعارف لغير سبب فان ذلك هوس،أكثر مايجري الكذب والغيبة بين اثنين ، والمعصية إنما تتم بين اثنين 0 لايخرج أحد منكم من بيته إلاّ إلى مالابد له منه من مصالحه ومصالح أهله0
 لايكون الإسلام والإيمان عندك عارية ، بهذا يكثر خوفك وصومك وصلواتك وسهرك0
 دعْ مجالس من يرغبّك في الدنيا.
 إجهد أنك لا تؤذي أحداً،وأن تكون نيتك صالحة لكل أحد إلاّ من أمرك الشرع بأذيته،فأذيتك له عبادة!
 قصِّر أملك وقلل حرصك ،صل صلاة مودع ، لاينبغي لمؤمن أن ينام إلاّ ووصيته مكتوبة تحت رأسه فإن أيقظه الحق عزوجل في عافية كان مباركاً وإلاّ فيجد أهله وصيته ينتفعون بها بعد موته ويترحمون عليه ، يكون أكلك أكل مودع ووجودك بين أهلك وجود مودع ولقاؤك لإخوانك لقاء مودع فأوجدْ في قلبك: أنا مودع ،كيف لايكون كذلك من أمره في يد غيره !0
 إذا سألك سائل عن شئ فإن كان جوابه مصلحة لك وله وإلاّ فلا تجبه0 إذا تكلمتَ فتكلم بنية صالحة ، وإذا سكتَّ فاسكتْ بنيَّة صالحة0
 الأوْلى عندي في حال ضعفك أن لاتطلب من أحد شيئاً ، وإن قدرت أن تعطي ولا تأخذ فافعل.
 إذا صحت عبودية العبد لربه ، لا يحتاج إلى تكلف في شئ لأنه هو يتولاه ، وإذا تولاه حجبه عن الخلق فلا يحتاج إليهم0
 حين تنظر بعين قلبك ويقينك إلى ما ثَمَّ ،فتصبر على ما هاهنا من البلاء والآفات وتخرج من حولك وقوتك ،ولا تأخذ ولاتعطي ولا تتحرك ولاتسكن إلاّ بحول الله وقوته ،تفنى بين يديه ،تسلم أمرك إليه ،توافقه فيك وفي الخلق ،فلا تُدَبِّرْ مع تدبيره،ولاتحَكُمْ مع حكمه ،ولا تَخْتَرْ مع اختياره.من عرف هذا الحال لا يطلب غيره ، لايكون له أمنية سواه .كيف لا يتمنى العاقل هذا الحال وصحبة الحق عز وجل لاتتم إلاّ به.
 إن أردت أن تكون متقياً واثقاً فعليك بالصبر فإنه أساس لكل خير،إذا صحت لك النية في الصبر فصبرت لوجه الله تعالى كان جزاؤه لك أن يدخل قلبك حبه وقربه دنيا وأخرى.
 الخير كله في كلمتين : التعظيم لأمر الله عز وجل والشفقة على خلقه ..كل من لا يعظم أمر الله عز وجل ولا يشفق على خلق الله عز وجل فهو بعيد من الله ..
 كل الأقسام وقلبك مع الحق عز وجل فإنك تسلم من شرها.
 كنْ مع الله صامتاً عند مجيء قدرهِ وفعلهِ حتى ترى منه ألطافاًكثيرة.أما ترى إلى غلام جالينوس الحكيم ؟ تخارسَ وتبالَه وتساكَت حتى حفظ كل علم عنده.حكمةُ الله لا تجئ إلى قلبك من كثرة هذيانك ومنازعتك له وإعتراضك علبه.
 إجعل دكانك ومالك لعيالك تكسب لهم بأمر الشرع ،ويكون قلبك متوكلاً على الله عز وجل .أُطلب رزقك ورزقهم منه لامن المال والدكان.
 إصبر واعمل حتى تسري بقلبك وسرك وروحك إلى باب القرب من ربك عز وجل.
 لابد لك من الخروج من الدنيا ، فعليك بإخراجها من قلبك ومن يدك،إن لم تقدر فاتركها في يدك وأخرجها من قلبك،فإذا قويت فأخرجهامن يدك و أعطها للفقراء والمساكين عيال الحق عز وجل،ومع ذلك مالك منها لا يفوتك،لابد من إتيانها سواء كنت غنياً أو فقيراً ،زاهدا أوراغباً.
 إعمل لله عز وجل ولا تعمل لغيره ،أترك له ولا تترك لغيره ،العمل لغيره كفر والترك لغيره رياء.من لا يعرف هذا ويعمل غير هذا فهو في هوس ، عن قريب يأتي الموت يقطع هوسك!
 إني أراك في قيام وقعود وركوع وسجود وسهر وتعب وقلبك لا يبرح من مكانه، ولا يخرج من بيت وجوده ولا يتحول عن عاداته .أُصدق في طلب مولاك عز وجل وقد أغناك صدقك عن كثير من التعب.
 الجهاد الباطن أصعب من الجهاد الظاهر لأنه شئ ملازم متكرر.
 الجراحات في جسد الشهيد كالفصد في يد أحدكم لا ألم لها عنده،والموت في حق المجاهد لنفسه التائب عن ذنوبه كشرب العطشان للماء البارد.
 إجعل محبته أهم الأشياء إليك،لابد لك منها فهي التي تنفعك ،كل من الخلق يريدك له والحق عز وجل يريدك لك.
 لا تطلبوا الزيادة والنقصان 1، ولا التقدم ولا التأخر فإن القدر قد أحاط بكل واحد منكم على حدة ،ما منكم إلاّ من له كتاب وتأريخ يخصه .قال النبي صلى الله عليه وسلم :فرغ ربكم من الخلق والرزق والأجل ،جف القلم بما هو كائن.
 إعمل واجتهد ولا تتكل على العمل فإن التارك للعمل طامع ،والمتكل على العمل معجب مغرور.
 مادام في قلبك ذرة مما سوى الحق عز وجل لا ترى قربه عندك ولا يتحقق لك الأنس والسكون إليه.
 إذا خرجت من الخلق صرت مع الخالق،يعرِّفك مالك وما عليك،تميز بين مالك وما لغيرك ،عليك بالثبات والدوام على باب الحق وقطع الأسباب من قلبك وقد رأيت الخير عاجلاً وآجلاً.
 عليكم بالعزيمة والإعراض عن الرخصة 0من لزم الرخصة وترك العزيمة خيف عليه من هلاك دينه 0العزيمة للرجال لأنها ركوب الخطر والأشق والأمرّ ، والرخصة للصبيان والنسوان لأنها الأسهل0
 تب من تناول المباح بشهوة .
 عليكم بالتوبة والإستغفار والحياء منه ، إخلعوا ثياب الوقاحة بين يديه،تجنبوا حرام الدنيا وشبهاتها ثم تجنبوا مباحاتها بهوى وشهوة لأن تناولكم لها بالهوى والشهوة يشغلكم عن الحق عز وجل.
 إجهد في تقصير الأمل وتقليل الحرص ، وذكر الموت ومراقبة الحق عز وجل والتداوي بأنفاس الصديقين وكلماتهم والذكر الصافي من التكدر في الليل والنهار.
 إصبر فإذا تم صبرك تم رضاءك ،جاءك فناؤك فيصير الكل عندك طيباً،ينقلب الكل شكراً ،يصير البعد قرباً ،يصير الشرك توحيداً فلا ترى من الخلق ضراً ولانفعاً ،لا ترى أضداداً بل تتحد الأبواب والجهات فلا ترى إلا جهة واحدة.
 أسرع إلى الأساس فإذا أحكمته أسرع إلى البناء .ماء الأساس الفقه في الدين ، فقه القلب لافقه اللسان ،فقه القلب يقربك إلى الحق عز وجل،وفقه اللسان يقربك إلى الخلق وملوكهم ، فقه القلب يتركك في صدر مجلس القرب من الحق عز وجل، يصدرك ويرفعك ويقرب خطاك إلى ربك عز وجل.
 إقرءوا كتبكم 1بأَلسنة فكركم فيها ثم توبوا من السيئات واشكروا على الحسنات ،أحصروا كتب المعاصي واضربوا على سطورها بالتوبة.
 إن أردت الفلاح فاترك زمام قلبك بيد الحق عز وجل وتوكل عليه حقيقة التوكل واخدمه بظاهرك وباطنك ،ولا تتهمه فإنه غير متهم.
 المؤمن قلبه عرف الدنيا فطلقها بقلبه أول ما طلقها طلقة واحدة لأنه خاف من تقليب الأعيان ، فبينما هو كذلك إذ فتحت الآخرة بابها فجاء برقُ حُسْنِ وجهها فطلَّق الدنيا طلقة أخرى ،فجاءته الآخرة فعانقته فطلق الدنيا طلقة ثالثة ووقف مع الآخرة بكلِّيته ،فبينما هو معها إذ بَرَقَ نورُالحق عز وجل فطلق الأخرى .قالت له الدنيا لم طلقتني ؟قال لها : رأيت أحسن منك ،وقالت له الأُخرى لم طلقتني ؟ قال لها لأَنك مُحْدَثة مصوَّرة،فحينئذ تحققت معرفته لربه عز وجل فصار حراً مما سواه ، غريباً في الدنيا والآخرة ،في غيبة الكل ،في محو الكل ،فتقف الدنيا في خدمته خالية عن زينتها التي تظهر بها عند أبنائها ،وإنما جعلت كذلك لئلا يكون إلتفاته إليها كإلتفات الملكة إذا أحبت شخصاً أنفذت هداياها إليه على يد العجائز والجواري الزنج حفظاً له وغيرة عليه.
 إنما تحصل معرفة الله عز وجل بعد العمل بحكمه ،بعد التصديق والصدق، بعد التوحيد لله عز وجل والثقة به ،بعد الخروج من الخلق في الجملة ،كيف تعرف الحق عز وجل ولست تعرف إلا ما تأكل وتشرب ،وتلبس وتنكح، ولا تبالي من أي وجه كان؟!.
 أُخرج بقلبك من الدنيا حتى تدخل على الأُخرى ،أُخرج من الخلق حتى تعرف الحق عز وجل ،هي درجات ،درجة بعد درجة ،وهما ضدان لا يجتمعان ، هذه الأشياء أضداد فلا تطلب الجمع بينهما، فما يقع بيدك.
 التعرّي للقلب لا للجسد ، الزهد للقلب لا للجسد ، الإعراض للسر لا للظاهر، النظر للمعاني لا للمباني ، النظر للحق لا للخلق 0(1)
 قد إشتغلت بزينة القالب وتركت زينة القلب ، زينة القلب بالتوحيد والإخلاص والثقة بالله عز وجل ، وبذكره ونسيان غيره 0
 سلموا الأمور إلى الحق عز وجل فهو أعلم بكم منكم ،إنتظروا فرجه فإن من ساعة إلى ساعة فرجاً ، إخدموا الحق عز وجل وإستفتحوا بابه وأغلقوا أبواب الخلق فإنه يريكم عجائب ما ليس في حسابكم 0
 أغلقوا أبواب رؤية الخلق وافتحوا باب رؤية الحق عز وجل ،أغلقوا أبواب الإكتساب والأسباب في حال صفاء القلوب وقرب السر فيما يخصكم لا فيما يعم غيركم من الأهل والأتباع 0 فليكن الكسب لغيركم والنفع لغيركم والتحصيل لغيركم واطلبوا ما يخصكم من طيب فضله ،وأَقعِدوا نفوسكم مع الدنيا وقلوبكم مع الأخرى وأسراركم مع المولى ،إنك تعلم ما نريد!
 أُعبدوا الله عز وجل واستعينوا على عبادته بكسب الحلال 0
 تذكرك له يقرب قلبك منه وتدخل إلى بيت قربه وتصير ضيفاً له والضيف يُكرَّم ولاسيما ضيف الملك0
 تَعرَّضْ وتوصل إلى رضا الحق عز وجل عنك فإنه إذا رضي عنك أحبك،نحِّ غم الرزق عن قلبك وقد جاءك الرزق من الله عز وجل من غير تعب منك ولاعناء ،نحِّ الهموم عن قلبك وإجعلها واحداً وهو الحق عز وجل ،فإذا فعلت ذلك كفاك الهموم كلها0
 همك ما أهمك ،إن كان همك الدنيا فأنت معها ، وإن كان همك الآخرة فأنت معها وإن كان همك الخلق فأنت معهم ، وإن كان همك الحق عز جل فأنت معه دنيا وآخرة 0
 تُبْ واعتذر واندم وأَرسلْ دموع عينيك على خديك ،إنّ البكاء من خشية الله عز وجل يطفئ نيران المعاصي ، يطفئ نيران غضب الله عز وجل ، إذا تبت بقلبك فإن نور التوبة الصادقة يضئ على الوجه0
 تب الآن إلى الله عز وجل 0 لا ترجع عن القصد إليه لأجل بلاء أنزله بك ، إنتظر كشفه عنك ولاتيأس فإن من ساعة إلى ساعة فرجاً (كُلَّ يَوم هُوَ في شأن)0
 عليك بالله عز وجل ، لا تتكل على الخلق ولا على كسبك وحولك وقوتك اِتَّكل على فضل الله عز وجل ، اِتَّكل على الذي أقدرك على السبب ورزقك إياه ، فإذا فعلت ذلك سيرك معه وأراك عجائب قدرته وسابقته .
 لا تؤخروا العرض لأنفسكم والمحاسبة لها ، عجلوا بذلك على أنفسكم في الدنيا قبل الآخرة.
 إصبروا مع الله عز وجل وقد رأيتم الخير في الدنيا والآخرة ، إن أردت تحقيق الإسلام فعليك بالإستسلام ، وإن أردت القرب من الله عز وجل فعليك بالإستطراح بين يدي قدره وفعله بلا لم ولا كيف فبذلك تقرب منه.
 لاتشكوا إلى أحد فإنك إن شكوت من الحق عز وجل سقطت من عينه ،مع ذلك لا يزول من عندك ما شكوت منه 0
 لا تَشْكُ من الخالق إلى الخلق بل أشْك إليه . هو الذي يقْدِر وأما غيره فلا . من كنوز البر كتمان السر والمصائب والأمراض والصدقة .
 أُذكر الحق عز وجل أولاً بقلبك ثم بقالبك ثانياُ،اذكره عند مجيء الآفات بالصبر، وعند مجيء الدنيا بالترك ، وعند مجيء الأُخرى بالقبول،وعند مجيء الحق بالتوحيد ، وعند مجيء غيره في الجملة بالإعراض عنه 0
 أترك شهواتك تحت أقدامك وأعرض عنها بكل قلبك ، فإن كان لك شئ منها في سابقة علم الله عز وجل فهو يجيئك في وقته لأن السابقة لا يصح الزهد فيها وعلم الله عز وجل لا يتغير ولا يتبدل ، يجيئك القسم في وقته مهنأً مكفأً مطيباً فتأخذه بيد العز لا بيد الذل ومع ذلك قد حصل لك عند الله عز وجل ثواب الزهد فيه ونظر إليك بعين الكرامة لأنك لم تَشْرَهْ وتُلحَّ في طلبه . كلما هربت من الأقسام تعلقتْ بك وعَدَتْ خلفك فالزهد فيها لا يصح ولكن لابد من الإعراض عنها قبل مجيئها(1) ، تعلم مني الزهد والتناول.
 اعرف قدْرَك ولا تتطاول إلى شئ لم يقسم لك .
 بدل ما تشغل نفسك بالاعتراض اشغلها بالسؤال للحق عز وجل ،شاغِلها به حتى تذهب أوقات البلايا وتنطفئ نيران الآفات.
 إذا تحيرت قل يا دليل المتحيرين دلني ، إذا ابتليت وعجزت عن الصبر قل إلهي أعني وصبرني واكشف عني ،وأمّا إذا وصلت وأُدخل قلبك وقرب منه فلاسؤال ولالسان بل سكوتاً ومشاهدة 0 تصير ضيفاً والضيف لايتشهى بل يحسن الأدب ويأكل ما يقدم له ويأخذ ما يعطى إلاّ أن يقال له تَشَهَّ فيتشهى ،إمتثال أمر لا إختيار منه0
 أهجموا على الأعمال وقد تعودتها نفوسكم ،لكل داخل دهشة وفي الآخر تصفون وتزول الأكدار0
 امحِ علمك لعلمه ، ونحِّ تدبيرك لتدبيره ، واقطع إرادتك لإرادته واعزل عقلك عند مجيء أقضيته وأقداره ، إفعل ذلك معه إن أردته رباً ومعيناًومسلماً0
 إذا أردت أن تعرف الله عزوجل فاسقط قدر الخلق من قلبك فيما يلي الضر والنفع فإنك ماتعرفه إلاّ بذلك0
 أهجر الخلق وابغضهم ما دمت تراهم في الضر ، فإذا صح توحيدك وخرج خبث الشرك من قلبك عد إليهم وخالطهم وانفعهم بما عندك من العلم ودلهم على باب ربهم عز وجل 0
 زَيِّنْ ظاهرك بآداب الشرع وباطنك بإخراج الخلق منه ، رُدّ أبوابهم ،أَفْنِهم من حيث قلبك حتى كأنهم لم يُخلقوا ،لاترى على أيديهم ضراً ولانفعاً0
 كونوا في جميع أموركم بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم مشددين الأوساط تحت أمره ونهيه واتباعه إلى أن يدعوكم الملك إليه ، فحينئذ استأذنوا الرسول صلى الله عليه وسلم وادخلوا عليه0
عوائق في الطريق

لا يكمل إيمان المؤمن وفي قلبه حرص ولاشره ولاطلب ولامَنْ يخافه ويرجوه من الخلق0

لايوجد في هذه الدنيا طريق خالٍ من العقبات والعوائق التي تحول دون الوصول إلى نهاية الشوط 0وطريق الحق عزوجل من أعظم الطرق لأنه في نهاية المطاف هناك الجنة ، وهناك ماهو أعظم من الجنة ، وماهو أعظم من الدنيا ومافيها والسموات ومابينهما ، هناك الله عزوجل ورضاه ولقياه ومواجهته ومحادثته ! تُرى مثل هذه الطريق ستخلو من العوائق؟ ألا تستحق مثل هذه الطريق أن لانستسلم فيها لأي عائق؟ لنسمع للإمام وهو يشخص لنا بعضاً من هذه العوائق:
 يا جاهل ! مالك وهذا (1)؟! أنت عبد نفسك ودنياك وهواك ! أنت عبد الخلق ، مشرك بهم لأنك تراهم في الضر والنفع ، وأنت عند الجنة ترجو دخولها ، وأنت عند النار تخاف دخولها ، أين أنتم كلكم من مقلب القلوب والأبصار القائل للشئ كن فيكون0
 لا تغْتَرَّ بطاعتك وتَعجَب بها ،أسأل الحق سبحانه وتعالى قبولها وإحذر وخف أن ينقلك إلى غيرها 0إيش أمَّنَك أن يقال لطاعتك كوني معصية ولصفائك كن كدراً ؟من عرف الله عز وجل لا يقف مع شئ ولا يغتر بشيء 0لايأمن حتى يخرج من الدنيا على سلامة دينه وحفظ ما بينه وبين الله عزوجل0
 لا تغتر بعمل فإن الأعمال بخواتيمها0
 الرياء عقبة في طريق القوم لابد لهم من العبور عليها 0الرياء والعجب والنفاق من جملة سهام الشيطان التي يرمي بها إلى القلوب0
 إذا عملت ورأيت أن قلبك لا يدنوا من الحق عز وجل ولاتجد حلاوة العبادة والأنس فأعلم أنك لست بعامل وأنك محجوب لأجل الخلل الذي في عملك ، ماذا الخلل؟ الرياء والنفاق والعجب 0 يا عامل عليك بالإخلاص وإلا فلا تتعب،عليك بالمراقبة للحق عز وجل في الخلوة والجلوة0
 يا معجبين بأعمالكم ! ما أجهلكم ! لولا توفيقه ما صليتم وصمتم وصبرتم ،أنتم في مقام الشكر لا في مقام العجب0
 لاتعجبن بشيء من أعمالك فإن العجب يفسد العمل ويهلكه 0 من رأى توفيق الله عز وجل له إنتفى عنه العجب بشيء من الأعمال0
 إياك والعجب بالأحوال والأعمال فإنه مطغ مسخط لصاحبه من عين الحق عز وجل0
 لا تشكو إلى أحد فإنك إن شكوت من الحق عز وجل سقطت من عينيه ومع ذلك لا يزول من عندك ما شكوت منه0
 إقبلوا ما أقول وإجتهدوا فيه ودعوا التعلق بالسابقة فإنه هوس منكم وحجة الكسإلى ! ماعلينا من السابقة بل نشد الأوساط ونجتهد ونعمل ولانقول قال وقلنا ولم وكيف ، لاندخل في علم الله عزوجل ،نحن نجتهد وهو يفعل مإيشاء0
 إذا أحببت إظهار ما بينك وبين الحق عز وجل كان ذلك سبباً لهلاكك0
 شيطانك وهواك وطبعك وأقرانك السوء أعداؤك فاحذرهم حتى لا يوقعونك في الهلاك0
 إنما يقطعكم عن معرفة الله عز وجل ومعرفة أوليائه حبكم للدنيا وحرصكم عليها وحب التكثر بها ومنها 0 اذكروا الآخرة ودعوا الدنيا0
 دواء المحجوب النظر في سبب حجابه والتوبة عنه والإذعان لديه0
 من عرف نفسه عرف ربه ،هي الحجاب بين العبد وبين ربه عزوجل0
 نفسك وهواك وطبعك وشيطانك وأقرانك السوء ،جميع هؤلاء يكرهون إختيار الله عز وجل فلا توافقهم ولا تلتفت إليهم وإلى اعتراضهم وتسخّطهم على ربك عز وجل 0 إسمع ما يأمر به القلب والسر فإنهما يأمران بالخير وينهيان عن الشر0
 قد جمعت بين حب الدنيا وبين التكبر وهاتان الخصلتان لا يفلح صاحبهما إن لم يتب منهما 0 كن عاقلاً ! من أنت ؟ وما أنت ؟ ومن أي شئ خلقت ؟ ولأي شئ خلقت ؟ لا تتكبر ! فما يتكبر إلاّ جاهل بالله عز وجل وبرسوله والصالحين من عباده ، يا قليل العقل ! تطلب الرفعة بالتكبر ! إعكس تصب0
 حرصك قد منعك من الحضور عند العلماء ومشاهد الخير ،تخاف أن تنقص أرباحك وأن يقل زبونك 0ويحك! الرزق مقسوم لا يزيد ولا ينقص ولا يتقدم ولا يتأخر ،أنت شاكٌّ في ضمان الحق عز وجل 0
 شؤم طول الأمل هو الذي يوقعك في معاصي الله عز وجل ومخالفته 0 متى ما قصرت أملك جاءك الخير، فتمسك به إن أردت الفلاح0
 كل ما أشغلك عن الله عز وجل فهو عليك مشؤوم وإن كان الصوم والصلاة بعد أداء الفرائض والسنة 0 إذا أديت الفرض من الصوم ثم أشغلك بعد ذلك الجوع والعطش في صوم النافلة عن حضور قلبك بين يدي الحق عز وجل والمراقبة له وطيبة العيش به ومعه0الدائرة على صحبته والقرب منه0
 لا يكمل إيمان المؤمن وفي قلبه حرص ولاشره ولاطلب ولامَنْ يخافه ويرجوه من الخلق0
 أكل الشهوات يقسي القلب ويقيد السر ويزيل الفطنة ويكثر النوم والغفلة ويقوي الحرص ويطول الامل0
 الغضب إذا كان لله عزوجل فهو محمود ، وإذا كان لغيره فهو مذموم، المؤمن يحتد لله عزوجل لا لنفسه ، يحتد نصرة لدينه لا نصرة لنفسه ، يغضب إذا خُرق حد من حدود الله عزوجل كما يغضب النمر إذا أخذوا صيده فلا جرم يغضب الله عزوجل لغضبه ويرضى لرضاه، لاتُظهر الغضب لله عزوجل وهو لنفسك فتكون منافقاً 0
 إحذروا الغيبة ،من عُرفَ بها قلَّتْ حرمته عند الناس0
 عليك بالاحتماء ، وقطع الشر، للكلمات أخوات ، إذا كلمك واحد منهم كلمة ثم أجبته عنها جاءت أخواتها ثم يحضر الشر بينهما0
مؤهل الدعوة الاول: صحة القلب مع الله
القلب إذا صح وظهرت نجابته وطهارته عما سوى مولاه عز وجل،
مكنَّه من قلوب عباده ومن مملكته 0دنياه وأخراه ، فيصير كعبة
المريدين القاصدين0

إن من أعظم المهمات التي يمكن أن يقوم بها الإنسان أن يأخذ بيد أخيه الإنسان نحو سبيل الهداية0ولإعتلاء منصة الدعوة لابد من تذوق طعم الإيمان والقرب من الله تعالى لكي يكون لكلام الداعي تأثيراً إيجابياً 0لابد من سلوك الدرب أولاً ثم الرجوع إلى الخلق لكي تدلهم على الطريق ،والحق عزوجل سيعينك على هذا الأمر العظيم إن كنت جاداً في رغبتك للانطلاق في طريق الدعوة0إن دليل الرغبة الصادقة هو أن تخطو الخطوة الأُولى الصحيحة وأن تسلك أنت أولاً هذه الطريق:
 وْيحك !أنت تعرف كيف تخلص غيرك ؟ أنت أعمى ! كيف تقود غيرك؟ إنما يقود الناسَ البصير ،إنما يخلصهم من البحر السابحُ المحمود ، إنما يردُّ الناس إلى الله عز وجل من عرفه.
 كيف تَمُسَّ الحيَّات وتقلبها وأنت ماتعرف صنعة الحوّاء1 ولا أكلت الترياق؟أعمى كيف تداوي أعين الناس؟أخرس كيف تعلم الناس؟ جاهل كيف تقيم الدين؟ من ليس بحاجب كيف يقدم الناس إلى باب الملك؟
 يا جاهل ! تعلَّم !0 من جهْلِكَ انك قد تركت التعلم واشتغلت بالتعليم 0 لاتتعبْ ! ما يجئ منك شئ ولا يفلح على يديك أحد لأن من لا يحسن أن يكون معلم نفسه فكيف يكون معلم غيره0
 لا تستعر كلمات الصالحين وتتكلم بها وتدَّعيها لنفسك0
 ويلك ! تزاحمني في مقامي الذي قد أُقمت فيه 0ماتقدر ! ما يقع بيدك شئ بمزاحمتك0 هذا شئ ينزل من السماء إلى الارض0
 إذا دعوت الخلق ولست على باب الحق عز وجل كان دعاؤك لهم وبالاً عليك0
 ماتعرف الأحوال فلم تتكلم فيها؟ ماتعرف الحق عز وجل فلم تدعوا إليه ؟
 من شرط وعظك لغيرك أن تكون مؤمناُ،لا ينبغي أن يدعوا العبدُ الخلقَ إلى الحق إلا بعد الوصول إليه ، لاتُقلِّدْ ! ويل للخائن نفسه وربه ونبيه ،يأمر ولا يمتثل ، ينهى ولاينتهي ويقول ولا يعمل به0لاعبرة بجمع أكتافك وحفِّ سباليك وصفارة وجهك، الإيمان ههنا !! أهل الله كل منهم على قلبه شحنة يحاربون النفس والطمع والهوى وقطاع الطريق عن الله 0
 أهجر الكلام عن الخلق مادمت قائماً مع نفسك وهواك ، مت عن الكلام فإن الحق عز وجل إذا أرادك لأمر هيأك له ،إذا شاء أنشرك وأهَّلك وأثبتك ،يكون هو المظهر لا أنت 0 سلَّم نفسك وكلامك وجميع أحوالك إلى قدره واشتغل بالعمل له0
 إياك ومحبة الكلام على الخلق والقبول عندهم فإن ذلك يضرك ولا ينفعك ،لا تتكلم بكلمة حتى تحمل أمرك ويأتيك من حيث قلبك أمر جازم من الحق عزوجل0
 لاكلام حتى تموِّت نفسك وتُحْمَل على باب نعش صدقك ،حينئذ لايبالى بإقبالك على الخلق ،أما مادام عندك وجود لهم وأنت تراهم فلا تمد يدك إليهم حتى يقبلوها0لاكلام حتى يكون عندك دهشة بقربه فيكون عندك شغل عنهم ومن تقبيلهم يدك ومن عطائهم ومنعهم وحمدهم وذمهم0
 لاكلام حتى تعمى عن الأسباب ،لاكلام حتى تزمن وتنقطع رجلاك عن السعي إلى أبواب الناس ،لاكلام حتى ينقلب قلبك وعقلك ووجهك عن الخلق إلى الخالق فيصير ظهرك إلى الخلق ووجهك إلى الحق عزوجل، يصير ظاهرك وصورتك إلى الخلق وباطنك ولبك ومعناك إلى الحق فحينئذ يصير قلبك كقلوب الملائكةوالنبيين، يطعم قلبك ويسقى من طعامهم وشرابهم ،هذا أمر يتعلق بالقلوب والأسرار والمعاني لا بالصور0
 أحدهم إذا فرغ من محاربة نفسه وهواه وطبعه وشيطانه وتخلص منهم ومن دنياه وفتح له الحق عز وجل باب قربه يطلب شغلاً يعمله فيقال له إرجع ورائك واشتغل بخدمة الخلق ودلَّهم علينا0
 إشتغل بنفسك ،إنفع نفسك ثم غيرك ، لاتكن كالشمعة تحُرق هي نفسها وتضئ لغيرها ،لاتدخل في شئ بك وبهواك ونفسك 0 الحق عز وجل إذا أرادك لأمر هيأك له 0ان أرادك لنفع الخلق ردك إليهم وأعطاك ثباتاً ومداراة لهم وقوة على مقاساتهم، يوسع قلبك للخلق ويشرح صدرك ويقذف فيه الحكم0
 العقلاء النجباء الصديقون قد نفخ في صورهم ،وقد أقاموا القيامة على نفوسهم وأعرضوا عن الدنيا بهممهم وعبروا الصراط بتصديقهم ،ساروا بقلوبهم حتى وقفوا على باب الجنة 0وقفوا عند الطريق وقالوا لانأكل ولا نشرب وحدنا لأن الكريم لايأكل وحده ،فرجعوا إلى الدنيا قهقرى ،أي يدعون الناس إلى طاعة الله عز وجل ويخبرونهم بما هناك فيسهلون الأمور عليهم0
 المريد الصادق في إرادته الحق عز وجل في بداية أمره يضيق عن رؤية الخلق وعن سماع كلمة منهم ،وعن رؤية ذرة من الدنيا 0لايقدر أن يرى شيئا من المخلوقات، يكون قلبه تائهاً وعقله غائباً وبصره شاخصاً 0لايزال كذلك حتى تقع يد الرحمة على رأس قلبه فيأتيه السكون 0لايزال سكران حتى يستنشق رائحة القرب من ربه عز وجل فحينئذ يفيق وإذا تمكن في توحيده وإخلاصه ومعرفته بربه عز وجل وعلمه به ومحبته له جاءه الثبات وإتساع الخُلُق ،تأتيه القوة من الله عز وجل فيحمل أثقالهم من غير كلفة ،يقرب منهم ويطلبهم ويكون كل شغله في مصالحهم، لا يشتغل عن ربه طرفة عين0
 المبتدئ يهرب من الفساق والعصاة والمنتهي يطلبهم ،كيف لا يطلبهم وكل دوائهم عنده0
 من كملت معرفته لله عز وجل صار دالاً عليه ،يصير شبكة يصطاد بها الخلق من بحر الدنيا ويعطى القوة حتى يهزم إبليس وجنده ، يأخذ الخلق من أيديهم0
 تحتاج تتعب حتى تتعلم الصنعة ،تبني وتنقض ألف مرة حتى تحسن البناء ،تبني ما لاينتقض ،إذا أفنيت في البناء والنقض بنى لك الحق عز وجل بناء لاينتقض0
 إذا تحقق وصول قلبك وسرك ودخلا عليه وقربك وأدناك وحياك وولاك على القلوب وأمّرك عليها وجعلك طبيباً لها فحينئذ إلتفتْ إلى الخلق والدنيا فيكون إلتفاتك إليهم نعمة في حقهم وأخذك للدنيا من أيديهم وردها إلى فقراءهم واستيفاؤك لقسمك منها عبادة وطاعة وسلامة0
 القلب إذا صح وظهرت نجابته وطهارته عما سوى مولاه عز وجل مكَّنه من قلوب عباده ومن مملكته دنياه وأخراه ،فيصير كعبة المريدين القاصدين0
 إستغث بالله عز وجل وإستعن به على هؤلاء الأعداء 1فإنه يغيثك فإذا وجدته ورأيت ما عنده وحظيت به إرجع من عنده إلى العيال والخلق وخذهم إليه ، قل لهم :ائتُوني بأهِلِكُم أجمْعَين0
 إذا صلح قلب العبد للحق عز وجل وتمكن من قربه أُعطي المملكة والسلطنة في أقطار الأرض وسلم إليه نشر الدعوة من الخلق والصبر على أذاهم 0يسلم إليه تغيير الباطل وإظهار الحق 0يعطيه ويغنيه لأنه إذا أعطى أغنى ،يملأ بطنه حكماً0
 إذا صح توحيدك وخرج خبث الشرك من قلبك عد إليهم وخالطهم وانفعهم بما عندك من العلم ودلهم على باب ربهم عزوجل0
 إذا صح القلب صار الكلام الذي يخرج منه صواباً حقاً لا يرده رادّ ،يخاطب القلب القلب ،اللب اللب ،فحينئذ يكون الكلام منه إلى القلوب كالبذر في أرض لينة طيبة غير سبخة ،إذا صح القلب صار شجرة لها أغصان وأوراق وثمار 0يصير فيه منافع الخلق0
 ما ترقيت ههنا وأرى لكم وجود إلى الضر والنفع 0 بعد ما قطعت الكل بسيف التوحيد أُلزمْتُ هذا المقام 0حمدكم وذمكم وإقبالكم وإدباركم عندي سواء 0 إقبالي عليكم لله ،أخذي منكم لله 0
 ليكن الخرس دأبك والخمول لباسك والهرب من الخلق كل مقصودك إلى أن يترعرع إيمانك ويقوى قدم إيقانك ويتريش جناح صدقك وتنفتح عينا قلبك فيرفع أرض بيتك وتطير إلى جو علم الله تعالى ، وتطوف الشرق والغرب ، البر منه والبحر والسهل والجبل ، تطوف السموات والأرضين وأنت مع الدليل الخفير الرفيق ، فحينئذ أطلق لسانك في الكلام ، واخلع لباس الخمول ، واترك الهرب من الخلق ، أخرج من سربك إليهم فانك دواء لهم ، غير مستضر في نفسك ، لاتبالي بقلتهم وكثرتهم وإقبالهم وإدبارهم ، وحمدهم وذمهم ، لاتبالي أين سقطت لقطت وأنت مع ربك عزوجل 0
 من صح قلبه واتصل بربه عز وجل إستوى عنده الحجر والمدر ، والحمد والذم، والسقم والعافية ،والغنى والفقر،إقبال الدنيا وإدبارها 0من صح له هذا ماتت نفسه وهواه وانخمدت ثائرة طبعه وذل شيطانه له0 تحُتَقرُ الدنيا وأربابها عند قلبه وتعظم الآخرة وأربابها عنده ثم يعرض عنهما ويقبل على مولاه عز وجل 0يصير لقلبه درب في وسط الخلق يجوز فيه إلى الحق0ينفردون له يمينا وشمالا يتنَحَّوْن ويخلون له الطريق ، يفرون من نار صدقه وهيبة سره0من صح له هذا لا يرده رادّ ولا يصده صاد عن باب الحق عزوجل0 لاتُرَد رايته ولا ينهزم جيشه ولا يسكت طيره ، ولايكل سيف توحيده ، ولا تعيا خطوات إخلاصه،ولا يعسر عليه أمره،ولا يثبت بين يديه باب ولا غلق0تطير الأبواب والأغلاق وتنفتح الجهات 0لايقف بين يديه شئ حتى يقف بين يدي الرب ، فهذا يلطف إليه وينومه في حجره فيطعمه الفضل ويسقيه الأُنس ،فحينئذ يرى مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولاخطر على قلب بشر0رجوع هذا العبد إلى الخلق سبب هدايتهم وملكهم 0 ويعمّهم ملك هذا العبد الذي وصل إليه0 يصير مطرقاً إلى الخلق جهبذاً سفيراً دالاً إلى باب الحق عز وجل فحينئذ يدعى في الملكوت عظيماً ،الخلق كلهم تحت أقدام قلبه ويستظلون بظله0

زاد الطريق
تعرض لمعرفة الله عز وجل فإنها أصل كل خير ،
إذا أكثرت من طاعته أعطاك معرفته0
لم يتركك الحق عزوجل في هذه الطريق دون زاد ، بل قدم لك قائمة طويلة من المغذيات والمقويات الإيمانية ، وحُقَناً أكيدة المفعول لزيادة مناعة النفس ضد وساوس الشيطان من إنسه وجنِّه ، ومهدئات للأعصاب ضد مفاجئات القدر خيره وشره ، وملطفات للروح في جو الماديات الخانق الذي نعيشه ، وكنوزاً من المفاهيم والمبادئ تحميك من الإفلاس في عالم القيم 0فلنطلع على الزاد الذي ذاقه وإستفاد منه الأولون ونحاول أن نغرف منه :
 إجعل التقوى سلاحك والتوحيد لله عز وجل والمراقبة له والورع في الخلوات والصدق والاستعانة بالله عز وجل جندك ، فهذا السلاح وهذا الجند هم الذين يهزمون الشيطان ويهدمونه ويكسرون جيشه 0 كيف لا يهزمونه والحق معك؟
 إذا كنت متقياً قبل البلاء لم ترجع حين البلاء إلاّ إليه ، لم تر له كاشفاً إلاّ هو، ترى الخير والشر يخرجان من عنده والضر والنفع والعز والذل والغنى والفقر0
 الذاكر لله عزوجل أبداً حي ، ينتقل من حياة إلى حياة فلا موت له سوى لحظة0
 إخدمه(أي العلم) حتى يخدمك ،يأخذ بيد قلبك ويوقفه بين يدي ربه عزوجل ، العمل به يريِّش جناحي قلبك فيطير بهما إلى صلاح القلب بالتقوى والتوكل على الله عز وجل والتوحيد له والإخلاص في ربه عزوجل الأعمال 0
 نَمْ تحت ميزاب القدر متوسداً بالصبر، متقلداً بالموافقة ، عابداً بإنتظار الفرج ، فإذا كنت هكذا صبَّ عليك المقدِّر من فضله ومنته مالا تحسن طلبه وتتمناه0
 وافق القدر وإلاّ يقصمك ! ﺇمش معه على اختياره وإلاّ نحرك ! كن باركاً بين يديه إلى أن يرحمك ويردفك خلفه0
 بداية أمر القوم الكسب ،يأخذون من الدنيا على قدر الحاجة بيد الشرع حتى إذا عجزت مبانيهم عن الكسب وجاء التوكل فختم على قلوبهم وقيد جوارحهم ، جاءتهم أقسامهم من الدنيا مهنأة مكفأة من غير تعب ولاعناء0
 تعرض لمعرفة الله عز وجل فإنها أصل كل خير ،إذا أكثرت من طاعته أعطاك معرفته0
 معرفتك بالله عزوجل ومحبتك له كمثل هميان في وسطك أينما توجهت هو معك فتنام مع القدر ، وتسمع من القدرة والقادر0
 إستغث إلى الحق عزوجل ،إرجع إليه بأقدام الندم والإعتذار حتى يخلصك من أيدي أعدائك وينجيك من لجة بحر هلاكك ،تفكر في عاقبة ما أنت فيه وقد سهل عليك تركه0
 إنما يُظفر بما عند الله بالصبر،لولا الصبر لما رأيتموني بينكم0
 المؤمن لا لباس له ولا طعام ، ولا نكاح له ولا سرور ،ولا أمن له ولا قرار له حتى يرى موضعه ويسمع لقبه ،حتى يرى سابقته وإسمه في خلوته0
 أفرغ قلبك من هموم الدنيا ، قصِّر أملك وقد جاءك الزهد في الدنيا لأن الزهد كله قصر الأمل0
 قم فارغاً عن الخلق ،لارجاءهم ولامدحهم ولاذمهم ،لاصورهم ولامعناهم ، تأتيك منة الله بالإنتعاش ،ثم يأتيك القرب والغنى ،ودوام الصحبة ، والبعد عن الخليقة ، والفناء عن الوجود 0
 لاتعجل ! فإن من إستعجل أخطأ أو كاد ، ومن تأنىَّ أصاب أو كاد ، أي قارب أن يصيب0
 أكثِر من الإخوان الصالحين القائمين الراكعين الساجدين الأمرين بالمعروف الناهين عن المنكر ،الذين همتهم طلب ربهم عزوجل ،أنفقوا أموالكم عليهم فإن لهم عند الله عزوجل غداً دولة0
 لاتيأس من نصرة الله تعالى فإنها تأتيك مع ثباتك قال الله تعالى ((إنَّ اللهَ مَعَ الصَّابرين ))
 إن أردت أن لا يبقى بين يديك باب مغلق فاتق الله عز وجل فإنها مفتاح لكل باب مغلق0
 عليك بذكر الموت والصبر على الآفات والتوكل على الله عز وجل في جميع الحالات 0 إذا تمت لك هذه الثلاث خصال جاء المُلك 0 بذكر الموت يصح زهدك ، وبالصبر تظفر بما تريد من ربك عز وجل وبالتوكل تُخرج الأشياء من قلبك وتتعلق بربك0
 الصلاة تقطع بك نصف الطريق ،والصوم يقيمك على الباب ،والصدقة تدخلك إلى الدار ،هكذا قال بعض المشايخ :واستعينوا على قطع الطريق إلى الله بالصبر والصلاة .
 عليكم بالصبر وقد رأيتم الخير عاجلاً وآجلاً0
 عليكم بزيارة القبور والقصد إلى الصالحين وفعل الخير وقد إستقام أمركم 0
 التفكر في الدنيا عقوبة وحجاب والتفكر في الآخرة علم وحياة للقلب ، ما أعطي عبد التفكر إلاّ أعطي العلم بأحوال الدنيا والآخرة 0
 إن قدرت أن تتفرغ من هموم الدنيا فافعل وإلاّ فهرول بقلبك إلى الحق عز وجل وتعلق بذيل رحمته حتى يخرج هم الدنيا من قلبك0
 إجتهد أن لا يبقى شئ في الدنيا تحبه ، إذا تم هذا في حقك لا تترك مع نفسك لحظة ، إن نسيت ذُكرت وإن غفلت أُوقظت0
 لاتهرب من البلاء فان البلاء مع الصبر أساس لكل خير ، أساس النبوة والرسالة والولاية والمعرفة والمحبة ، فإذا لم تصبر على البلاء فلا أساس لك 0 لابقاء لبناء بلا أساس ، إنما تفِرَّ من البلاء والآفات لكونك لاحاجة لك في الولاية والمعرفة والقرب من ربك عز وجل 0 إصبر وأعمل حتى تسري بقلبك وسرك وروحك إلى باب القرب من ربك عز وجل 0
 إقطع الأسباب واخلع الأرباب ثم انظر ماترى ،قف على بابه وتوسد الصبر على الآلام ، قدره وقضاؤه يقطع فلا تتألم ، حينئذ ترى عجباً ،ترى التكوين كيف يجعل حالك ، والرحمة كيف تربيك ، والمحبة كيف ترقّيك 0الدائرة كل الدائرة على السكوت بعد الحاجة وهي حالة مباهاة الحق عزوجل للعبد ، يُحرِّم عليه مراضع الخلق والأسباب ، يرده إلى باب قربه0
 لازم الخوف ولاتأمن حتى تلقى ربك عز وجل ويستقر قدما قلبك وبنيتك بين يديه ويوضع توقيع الأمان في يديك0
 راقبوا ربكم عز وجل في خلواتكم وجلواتكم ،إجعلوه نصب أعينكم حتى كأنكم ترونه ،فإن لم تكونوا ترونه فهو يراكم 0
 إذا إزدحمت شهوة النفس مع رؤية الحق إستحيا(1)من رؤيته فترك شهوة النفس0
 داومْ على سماع المواعظ فإن القلب إذا غاب عن المواعظ عميَ0
 أحسن ظنك بغيرك وأسئ ظنك بنفسك ، إن فعلت هذا إنتفعت وإنتفع غيرك بك 0
 أُذكر الحق عز وجل أولاً بقلبك ثم بقالبك ثانياً 0 أُذكره بقلبك ألف مرة وبلسانك مرة0 أُذكره عند مجيء الآفات بالصبر وعند مجيء الدنيا بالترك ، وعند مجيء الأخرى بالقبول ، وعند مجيء الحق بالتوحيد ، وعند مجيء غيره في الجملة بالإعراض عنه0
 ذكر الموت يصفي قلبك ويبغض الدنيا والخلق إليك 0 ينكشف الغطاء عن قلبك فترى الخلق فانين موتى هلكى عجزى لاضر فيهم ولانفع0
 الكَنْز الذي لا يفنى هو الصدق والإخلاص والخوف من الله عز وجل والرجاء له والرجوع إليه في جميع الأحوال0
 إذا أردت أن تصح لك المتابعة(2) فأكثر من ذكر الموت فإن ذكره يعينك على نفسك وشيطانك وإنعزالك عن دنياك0
 من أراد أن يحصل له الرضا بقضاء الله عز وجل فليدم ذكر الموت فإن ذكره يهّون المصائب والآفات 0
 إذا دام القلب على ذكر الحق عز وجل جاءت إليه المعرفة والعلم والتوحيد والتوكل والإعراض عما سواه في الجملة ، دوام الذكر سبب لدوام الخير في الدنيا والآخرة 0
 بقيت سنين اُكثر من ذكر الموت ليلاً ونهاراً وأفلحت بذكري له وقهرت نفسي بذكري له 0
 إذا ذكرت الموت إنقطع عنك الفضول وإذا ضعف حرصك وقلَّ أملك إسترجعت وفوَّضت أمورك كلها إلى الله عزوجل0
 إذا اتقى العبد الله عز وجل جعل له من الجهل علماً ومن العبد قرباً ومن الصمت ذكراً ومن الوحشة أُنساً ومن الظلام نوراً0
 من عرف الله عز وجل إنقطع عن الشهوات واللذات وإنما يُجْبَر على إستيفاء الأقسام(1)0
 الصدق يحملك ويقدمك ويوقظك ،والكذب يردك وينومك ،كن مع الصادقين حتى تُعامل بما عوملوا به0
 دع مجالسة من يرغبك في الدنيا واطلب مجالسة من يزهدك فيها ،الجنس يميل إلى الجنس ، يطوف بعضهم على بعض ، المحب على المحبين حتى يجد محبوبه عندهم ، المحبون لله يتحابون فيه فلا جرم يحبهم ويؤيدهم ويشد بعضهم ببعض ، يتعاونون على دعوة الخلق ، يدعونهم إلى الإيمان والتوحيد والإخلاص في الأعمال ، يأخذون بأيديهم ويوقفونهم على طريق الحق عزوجل ، من أحسن يحسن إليه ، ومن يعطي يعطى0

مرآة القلب
كن غلام القوم وأرضاً لهم وخادماً بين أيديهم فإذا دمت على ذلك صرت سيداً0

إنه من أنواع الزاد الذي تطلَّبت أهميته أن نُفرد له فصلاً ، فيكفي أن يكون لك صاحب مخلص تقي نقي أو أستاذ تثق بعلمه وتقواه ، ترى في وجه إخلاصه كل أوشابك ، وفي محاسن أخلاقه كل عيوبك ، وفي همته كسلك وتباطئك ، تستظل برَوْح نداوة روحه من هجير ماديتك، وتزيل بوضاءة نور وجهه أدرانك ،يكفي أن يكون لك مثل هذا الصاحب أو الأستاذ لتضمن حياة إيمانية 0 فجلسة واحدة معه تستدعي حضور الملائكة لأنها جلسة ذكر لله تعالى ، ومصافحة ليده الوضيئةكفيلة بإزالة كمٌّ من الذنوب0جمع الإمام الطيلاني( رفع الله قدره) كل هذه المعاني في مصطلح واحد هو (مرآة وجه الدين) ليدلل على أهمية الصاحب المؤمن أو الأستاذ المعلم ويبين آداب التعامل معهما:
 مكانك عندي وإلاّ فأنت هالك!
 إجعلني مرآتك ، إجعلني مرآة قلبك وسرك ، مرآة أعمالك ، أدن مني فأنك ترى في نفسك مالاتراه مع البعد عني ، إن كان لك حاجة في دينك فعليك بي فإني لاأحابيك في دين الله عزوجل ، عندي وقاحة ترجع إلى دين الله عزوجل0قد ربيت بيد خشنة غير محصلة منافقة ، دع دنياك في بيتك وأدن مني ، فإني واقف على باب الآخرة ، وقف عندي وإسمع ماأقول ، واعمل به قبل أن تموت عن قريب 0
 لست بقاضٍ ولكني مربي التوحيد والإخلاص0
 فتش على من يكون مرآة لوجه دينك ، كما تنظر وتسوِّي وجه ظاهرك وعمامتك وشعرك0 كن عاقلا ‍ إيش هذا الهوس ؟ تقول ما أحتاج إلى من يعلمني وقد قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم((المؤمن مرآة المؤمن )) إذا صح إيمان المؤمن صار مرآة للخلق جميعهم ،يبصرون وجوه أديانهم في مرآة كلامه وقت رؤيته والقرب منه0كن أرضاً تحت أقدام هؤلاء القوم ، تراباً بين أيديهم 0
 لاقلْبَ لك! كُلُّكَ نفسٌ وطبع وهوى،إصحب أرباب القلوب حتى يصير لك قلب0
 إذا وقع بيدك واحد منهم(أساتذة) فتأدب بين يديه وتب من ذنوبك قبل لقائه ، تصاغر عنده وتواضع له ، إذا تواضعت للصالحين فقد تواضعت لله عزوجل ، فتواضع فإن من تواضع رفعه الله عزوجل ،أحسن الأدب بين من هو أكبر منك0
 أنت منقطع عن جادة من تقدم ، لا نسب بينك وبينهم ، قد قنعت برأيك ولم تجعل لك أستاذاً يعرفك ويؤدبك 0
 أدوية شربناها ونجعت معنا ،ندلكم على شئ مجرب معنا0
 تنبهوا لما أقول ولاترفضوه وراء ظهوركم ، إني أُحقُ حقاً في حق ، أقول عن تجربة 0
 ويلك ! إمش في طلب العلم والعلماء العمّال حتى لايبقى مشي ، إمش حتى لاتطاوعك ساقاك فإذا عجزت فاقعد 0
 أطلب من يقودك ، أنت جاهل ! أطلب من يعلمك ، فإذا وقعت به فتمسك به وأقبل قوله ورأيه واستدل به على الجادة فإذا وصلت إليها فاقعد هناك حتى تتحقق معرفتك لها فحينئذ يأوي إليك كل ضال0
 ياطالبي الدنيا ! يامحبي الدنيا ! تقدموا إليَّ حتى أُعرِّفَكم عيوبها وأدلكم على طريق الحق عزوجل وأُلحقَكم بالذين يريدون وجه الله عزوجل 0أنتم على هوس! إسمعوا ماأقول لكم واعملوا به وأخلصوا بالعمل 0إذا علمتم ماأقول ومتم على العمل رُفعتم إلى عليين فتنظرون إلى هناك فترون أصل كلامي من هناك فتدعون لي وتسلمون عليّ وتتحققون حقيقة ماأُشير إليه 0
 أنت فارغ من الآخرة ، ملآن بالدنيا ويغمني حالك ويغمني فراقك للصالحين والأولياء وترك مجالستهم واستغناؤك برأيك ، أما علمت أن من إستغنى برأيه ضل، مامن عالم إلاّ ويحتاج إلى زيادة علم ، مامن عالم إلاّ وغيره أعلم منه 0
 لاأريد منكم أجرة على نصحي لكم وكلامي عليكم ، ثمن كلامي العمل به0
 أحضروا عندي بعقل وثبات ونية وعزيمة وإزاحة التهمة لي وحسن الظن في وقد نفعكم ماأقول وفهمتم معانيه0يامتهم لي ! غداً يتبين لك كل ماأنا فيه 0
 أزيلوا التهمة لي من قلوبكم فلست بلعّاب ولاطالب دنيا ، إنما أقول الحق وأشير إلى الحق0
 إسمعوا مني وأزيلوا التهمة لي من قلوبكم ،كيف تتهموني وتغتابونني وأنا شفيق عليكم ،أحمل أثقالكم وأخيط فتوق أعمالكم وأشفع إلى الحق عزوجل في قبول حسناتكم والتجاوز عن سيئاتكم ؟ من عرفني مايبرح من عندي إلى أن يموت ، يجعلني شهواته ولذاته وطعامه وشرابه ولباسه ، يستغني بي عن غيري0
 كيف لاتحبني وأنا أريدك لك لا لي0
 السماع عندي أولاً بالسر ، ثم بالقلب ثم بالجوارح في الخير 0إذا دخلت علي فادخل وقد عزلت علمك وعملك ولسانك ونسبك وحسبك مع نسيان مالك وأهلك ، قف بين يدي عريان القلب عما سوى الحق عزوجل حتى يكسوه بقربه وفضله ومننه0إذا فعلت هذا عند دخولك علي صرت كالطير يغدو خماصاً ويروح بطاناً0
 ليته أفلح واحد منكم كنا نتعلق بذيله غداً ،إذا جاءني رجل صالح أقول له أن كان لك غداً شئ فاصحبنا معك وادْعُنا في دعوتك ، وإن كان لنا شئ فسننيلك منه ، خذوا كلامي خالصاً، لالمعنى وقد أفلحتم فان صح هذا فقد فزتُ وفزتم ،وإن كنت بضد ذلك فقد فزتم وخسرتُ 0
 تعلق بذيل بعض مفرديه من عباده المطمئنين ولاتطلب منهم لقمة ليمكنوك من لبس أثوابهم والوقوف بين أيديهم حتى إذا دمت على ذلك لعله يقربك ويلبسك بعض خلقان كلماته ويطلعك على بعض أحواله ويثبت جأشك ويطيب مقامك ، حتى إذا رأيت موارد الحق إلى قلبك غمّض عينيك وأخبتْ ، لا تفش إلى الغير سره0
 تعلق برجال الحق ،عندهم مجانين غرقى في بحر الدنيا ،يداوون المرضى وينجون الغرقى ويرحمون أهل العذاب 0
 كنت أصحب بعض الناس ،يحدثني بكل ماقد جرى لي وكان يمشي معه صبي مستحسن ويدخل إلى السلاطين فخطر بقلبي من ذلك شئ فقال :ياولدي هذا الصبي هو في رباط وأخاف أن تركته هناك هتكوا به ،وأما دخولي على السلاطين فليس لي إليهم حاجة وإنما أدخل إليهم أعظهم وأكشف لهم طرق العدل ، أنتم في صحبتكم خلل ونحن نصحبهم بالأدب0
 كنا نمشي خلفهم ونحن كالذرة لنستفيد منهم كلمات الدخول 0
 من لايعمل بما أقول لايفهم ماأقول ،فإذا عمل فهم ،إذا لم تحسن الظن بي ولاتؤمن بما أقول ولاتعمل به كيف تفهم ؟ أنت جائع ! تقف بحذائي ولاتأكل من طعامي كيف تشبع؟
 أين الفصاحة والبلاغة ؟ خربت بيتك ،تدور وتدور ولاتبرح مكانك كأنك جمل الطاحون ! لعلك دعا عليك بعض أولياء الله تعالى ،قد عميت عينا بصيرتك ، ضيعت الله فضيعك الله ،كثرت همومك وانقطعت أجنحة قصدك ،بقيت قطعة لحم بين الدنيا والآخرة ، تحتاج إلى صديق يدعو لك بعد الإقرار بالافلاس0
 هؤلاء الذين تعاشرهم في الدنيا للدنيا غدا لاتراهم ،تقطَّع بينكم ،إن كان ولابد من معاشرة الخلق فعاشر المتورعين المتزهدين العارفين العاملين مريدي الحق عزوجل ومراديه ،عاشر من يأخذ منك الخلق ويعطيك قرب الحق عزوجل،يأخذ منك الضلال ويقيمك على الجادة ،يعصب عينيك عن الدنيا ثم يفتحها على الآخرة ، عاشر من هذه صفته واصبر على كلامه واقبل أمره ونهيه وقد رأيت الخير عاجلاً 0
 تجئ اليَّ وماعندك حسن ظن فيَّ فما تفلح بكلامي0
 قفوا بين يدي على قدم الإفلاس من عقولكم وعلومكم لتنالوا علم الله عزوجل ، تحيروا ولاتتخيروا ، تحيروا فيه حتى يأتيكم العلم به ، التحير أولاً ثم العلم ثانياً ثم الوصول إلى المعلومات ثالثاً،القصد ثم الوصول إلى المقصود،الإرادة ثم حصول المراد ، إسمعوا واعملوا فاني أفتل في حبالكم ، أفتل حبالكم الرخوة وأصل المقطَّع منها ،ليس لي هم إلاّ همكم ،ليس لي غم إلاّ غمكم ،إني طائر أينما سقطت لقطت ، الشأن فيكم ياأحجار مرمية ! يامقعدين مثقلين ،يامقيدين بالنفوس ،معقلين بالأهوية ،اللهم إرحمني وأرحمهم0
 المحب لله عزوجل ،العارف به يعظ الخلق بكل فن ،يعظهم تارة بقوله ، وتارة بفعله ،وتارة بهمته ،من حيث يدركون ومن حيث لا بدركون 0
 إن لم يبلغ كلامي حالكم فإسمعوه ،الإيمان والتصديق كلامي ،وُجِّه للقلوب فإسمعوه بقلوبكم وأسراركم وقد تروحت ظواهركم وبواطنكم وتنكسر شوكة نفوسكم وأهويتكم وتنطفئ نيران شهواتكم 0
 متى تعقلون ؟ متى تدركون الذي أسير إليه ؟ طوفوا على مريدي الحق عزوجل فإذا وقعتم بهم فأخدموهم بأموالكم وانفسكم ، المريدون الصادقون لهم أرواح ،لهم علامات ظاهرة نيرة على وجوههم ولكن الآفة فيكم وفي بصائركم وفي أفهامكم السقيمة0
 ماتفرقون بين مريدي الحق عزوجل وبين مريد الخلق ، أخدموا الشيوخ العمال بالعلم حتى يعرفوكم الأشياء كما هي0
 إذا أُشكل عليك الأمر ولم تفرق بين الصالح والمنافق فقُم من الليل وصلِّ ركعتين ثم قل يارب دلني على الصالحين من خلقِك ، دلني على من يدلني عليك ويطعمني من طعامك ويسقيني من شرابك ويكحل عين قربي بنور قربك ويخبرني بما رأى عياناً لاتقليداً0
 القوم أكلوا من طعام فضل الله عزوجل وشربوا من شراب أنسه وشاهدوا باب قربه ، لم يقنعوا بالخبر بل جاهدوا وصابروا وسافروا عنهم وعن الخلق حتى صار الخبر عندهم عياناً، لما وصلوا إلى ربهم وهذبهم وعلمهم الحكم والعلوم ، أطلعهم على ملكه وعرَّفهم أن ليس في السماء والأرض غيره ولامعطي غيره ولامانع غيره ولامحرك ولامسكِّن غيره ولامقدِّر ولاقاضي غيره ولامعز ولامذل غيره ولامسلط ولامسخِّر غيره ولاقاهر غيره 0 أراهم ماعنده فيرونه بأعين قلوبهم وأسرارهم فلايبقى للدنيا وملكها عندهم قدر ولاوزن ، اللهم أرنا كما أريتهم مع العفو والعافية0
 العاقل لايخاف لومة لائم في جانب الله عزوجل ، هو أصم عن كلام غير الله عزوجل ، الخلق كلهم عنده عجزة مرضى فقراء ، هذا وأمثاله هم العلماء الذين ينتفع بعلمهم ، العلماء بالشرع وحقائق الإسلام ، هم أطباء الدين الجابرون لكسره 0 يامن قد انكسر دينه! تقدم إليهم حتى يجبروا كسرك0
 اقبلوا من المشايخ وتعلموا منهم السير في الطريق الموصل إلى الحق عزوجل فإنه طريق قد سلكوه ، سلوهم عن آفات النفوس والأهوية والطباع فإنهم قد قاسوا آفاتهم وعرفوا غوائلهم ومجانيهم ، بقوا في ذلك زماناً ، فبعد كم وكم حتى غلبوا عليه وغلبوهم وملكوهم0
 أنت تعبد الله عزوجل بغير علم وتزهد بغير علم وتأخذ الدنيا بغير علم ، لاتميز بين الخير والشر ،كل ذلك لجهلك بحكم الله عزوجل وتركك لخدمة الشيوخ ، شيوخ العمل و شيوخ العلم يدلونك على الحق عزوجل0
 كونوا عقلاء وأحسنوا الأدب مع القوم فإنهم نزاع العثائر ، شحن البلاد والعباد ، بهم تحفظ الأرض وإلاّ إيش يحفظ بريائكم ونفاقكم وشرككم ؟
 إيش ينفع علمي وطبي معك ؟ فكل يوم أبني لك أساساً وأنت تنقضه ، أصف لك دواءً ولاتستعمله ، أقول لك لاتأكل هذه اللقمة فيها سم ،كُلْ هذه ففيها دواء فتخالفني وتأكل التي فيها السم ! عن قريب يظهر ذلك في بنية دينك وإيمانك0
 إتبع الشيوخ العلماء بالكتاب والسنة العاملين بهما وحسِّن الظن بهم وتعلم منهم وأحسن الأدب بين أيديهم والعشرة معهم وقد أفلحت 0
 هذِّب نفسك بصحبة من هو أعلم منك0
 تعلم هذه الزراعة من الزارع لها ،لاتنفرد برأيك0
 من يريد يصحبني يقبل ما أقول له ويعمل به،يدور كيف درت وإلاّ فلا يصحبني فإنه يخسر أكثر مما يربح0
 القوم يأتون إليكم ولمنفعتكم لالحوائجهم ، لاحاجة لهم إلى أحد من الخلق ، في حبال الخلق يفتلون ولبنيانهم يشيدون وعليهم يشفقون ، هم جهابذة الحق عزوجل في الدنيا والآخرة ، إيش يأخذون منكم لكم لالهم ، شغلهم النصح للخلق والدوام عليه لان ماكان من الله يدوم ويثبت وماكان من غيره فلا0
 إصحب من يعاونك على جهاد نفسك لامن يعاونها عليك ، إذا صحبت شيخاً جاهلاً منافقاً صاحب طبع وهوى كان معاوناً لها عليك ، الشيوخ لايصحبون للدنيا بل يصحبون للآخرة0
 إن أردت الفلاح فإصحب شيخاً عالماً بحكم الله وعلمه ، يعلمك ويؤدبك ويعرفك الطريق إلى الله عزوجل 0المريد لابد له من قائد ودليل لأنه في برية فيها عقارب وحيات وآفات وعطش وسباع مهلكة فيحذره من هذه الآفات ويدله على موضع الماء والأشجار المثمرة ،فإذا كان وحده من غير دليل وقع في أرض كثيرة السباع والعقارب والحيات والآفات0
 يا مسافراً في طريق الدنيا! لاتفارق القافلة والدليل والرفقاء وإلاّ ذهب منك مالك وروحك ! وأنت يامسافراً في طريق الآخرة !كن أبداً مع الدليل إلى أن يوصلك إلى المَنْزل ، اخدمه في الطريق وأحسن أدبك معه ولاتخرج عن رأيه فيعلمك ويقربك إليه ثم يستنيبك في الطريق لرؤيته نجابتك وصدقك وحذقك0
 ياجاهل ! أترك الدفتر من يدك وتعال أقعد ههنا بين يدي على رأسك ، العلم يؤخذ من أفواه الرجال لا من الدفاتر ،يؤخذ من الحال لا من المقال ، يؤخذ من الفانين عنهم وعن الخلق الباقين بالحق عزوجل0
 العلم يؤخذ من أفواه الرجال ،من هؤلاء الرجال العلماء بحكم الله عزوجل وعلمه0
 كن غلام القوم وأرضاً لهم وخادماً بين أيديهم فإذا دمت على ذلك صرت سيداً0
 من تواضع لله عزوجل ولعباده الصالحين رفعه الله في الدنيا والآخرة ، إذا احتملت القوم وخدمتهم رفعك الله إليهم وجعلك رئيسهم فكيف إذا خدمت خواصه من خلقه0
 هذا شئ لايجئ بعجلتك ، يحتاج إلى حبال ورحال ونصب ومعاناة ومجاهدة وأن تصحب بعض ملوك المعرفة حتى يدلك ويعرفك ويحمل عنك ثقلك ، تمشي في ركابه فإذا تعبت أمر بحملك أو أردفك خلفه ، إذا كنت محباً أردفك خلفه وإن كنت محبوباًُأركبك في سرجه وركب هو خلفك ،من ذاق هذا فقد عرفه0
 أنت ميت القلب وصحبتك أيضا لموتى القلوب ،عليك بالأحياء النجباء النبلاء ،أنت قبر تأتي قبراً مثلك ، ميت تأتي ميتاً مثلك ،أعمى، يقودك أعمى مثلك ! إصحب المؤمنين الموقنين الصالحين واصبر على كلامهم وأقبله واعمل به وقد أفلحت ، إسمع قول الشيوخ واعمل به واحترمهم إن أردت الفلاح0
 مإصحبت الشيوخ قَطٌّ إلاّ بالاحترام وحسن الأدب0
 من أراد الفلاح فلْيَصِر أرضاً تحت أقدام الشيوخ ، ماصفة هؤلاء الشيوخ ؟ هم التاركون للدنيا والخلق ، المودعون لما تحت العرش إلى الثرى 0
 إصحبوا شيخاً عالماً بحكم الله عزوجل وعلمه يدلكم عليه ، من لايرى المفلح لايفلح ، من لايصحب العلماء العمال فهو من نبض التراب ،لادليل له ،لاأم له ، إصحبوا من له صحبة مع الحق عزوجل0
 كل واحد منكم إذا جنه الليل ونام الخلق وسَكَنَتْ أصواتهم فليقم وليتوضأ وليصل ركعتين ويقول يارب دلني على عبد من عبادك الصالحين المقربين حتى يدلني عليك ويعرفني طريقك ، السبب لابد منه ، كان الله قادراً على أن يهدي إليه بلا أنبياء 0
 إسمعوا مني واعقلوا ماأقول فإني غلام من تقدم ،أقف بين أيديهم وأنشر أمتعتهم وأنادي عليها ولاأخونهم فيها ولاأدعيها ملكاً ، أبدأ بكلامهم وإنني من عندهم والبركة من الله عزوجل ،أهَّلني الله عزوجل ببركات متابعتي للرسول صلى الله تعالى عليه وسلم وبِرِّي بوالدي ووالدتي رحمهما الله عزوجل0
 القلب الصحيح يهرب من الكلام الذي يخرج من اللسان دون القلب فيصير وقت سماعه كالطير في القفص وكالمنافق في المسجد 0إذا اتفق واحد من الصديقين في مجلس واحد من العلماء المنافقين كانت كل أمنيته الخروج منه 0
 ويلك! ‍ تدَّعي إرادتي وتخبأ مالك عني ؟كذبت في دعواك ‍! المريد ليس له قميص ولاعمامة ولا ذهب ولامال بالإضافة إلى شيخه إنما يأكل على طبقه مايأمره بأكله ، هو فانٍ عنه ،ينتظر أمره ونهيه لعلمه أن ذلك من الله عزوجل ، مصالحه على يد شيخه وفتل في حباله ، إن اتهمت شيخك فلا تصحبه فإنه لايصح لك صحبته ولاإرادته ، المريض إذا اتهم الطبيب لم يبرأ بمداواته 0
 كن غلام الدليل ،أترك رحلك بين يديه وسر معه تارة عن يمينه وتارة عن شماله وتارة وراءه وتارة أمامه ، لاتخرج عن رأيه ولاتخالف قوله فإنك تصل إلى مقصودك ولاتضل عن جادتك0
 قام شخص قلبه لله عزوجل ومع الله ، متعلق بالله ،زاهد في الخلق ، قام لنصرة دينه 0فتشوا الأرض فإن وجدتم هذا فتعلقوا به0
 إذا أردت أن تصحب أحداً في الله عزوجل فاسبغ وضوءك عند سكون الهمم ونوم العيون ثم أقبل على صلاتك ، تفتح باب الصلاة بطهورك وباب ربك بصلاتك ثم اسأله بعد فراغك : من أصحب من الدليل ؟ من المخبر عنك ؟ من المفرد ؟ من الخليفة ؟ من النائب ؟ هو كريم لايخيب ظنك ، لاشك يلهم قلبك ، يوحي إلى سرك ، يبين لك ، يفتح الأبواب تضئ لك الطريق ، من طلب وجدَّ وجد0
 من خرج من بين يدي إلى النار لا رحمه الله 0
 إذا واحداً منهم فالزمه وتعلم منه الفقه في علم الله عزوجل والمعرفة به 0تفقه فيه بسماعك له من أفواههم 0
 اطلبوا من معبودكم طبيباً يطب أمراض قلوبكم ، مداوياً يداويكم ، دليلاً يدلكم ويأخذ بأيديكم ،تقربوا إلى مقربيه ومؤدبيه وحجاب قربه وبوابي بابه ،قد رضيتم بخدمة نفوسكم ومتابعة أهواكم وطباعكم ،أنا أُحسِّن أخلاقكم وأُوَقِّحكم في دين الله عزوجل ،لاتسمعوا من هؤلاء الذين يُفَرِّحون نفوسكم ،يذلون للملوك ويصيرون بين أيديهم كالذر ،لايأمرونهم بأمره ولاينهونهم عن نهيه وإن فعلوا ذلك فعلوه نفاقاً تكلفاً ،طهَّر الله الأرض منهم ومن كل منافق أو يتوب عليهم ويهديهم إلى بابه 0

الله غايتنا

العارف بالله العالم به قائم معه لامع غيره، موافق له لا لغيره ،حي به، ميت عن غيره0

السائر في هذه الطريق لابد أن يحدد غايته وأن لايخلط بين الوسيلة والغاية،وأن يرتب أولوياته حسب أهميتها 0لابد لمواصلة السير أن تتعمق هذه الحقيقة في حس المؤمن 0إن أغلب الانحرافات على مستوى الأفراد والجماعات على مدار تأريخ المسلمين إنما نشأت بسبب هذا الخلط بين الوسائل والغايات وعدم ترتيب الأمور حسب أهميتها0لهذا أكد وحرص الإمام الطيلاني على تربية أتباعه خطوة بعد خطوة نحو تجريد القلب من أن يكون له غاية إلاّ القرب من الله وابتغاء رضاه في الدنيا والاخرة0بدأ طريق التربية بإزالة حب الدنيا من حس المؤمن واستبدالها بالشوق إلى الآخرة ، ثم إزالة الآخرة واستبدالها بالقرب من الله عزوجل وهو الغاية الكبرى، فالآخرة إنما جعلها الله تعالى ليرغّبنا بها للوصول إلى رضاه0 وكل أمر آخر دنيوي أو آخروي يمكن تحقيقه إذا كان في قدر الله تعالى ، وعدم تحقيقه أو الحصول عليه يكون كذلك بإذن الله تعالى 0وقد أخبرنا الحق عزوجل في كتابه الكريم أن الخلود في الجنة مرتبط بمشيئته(خَاِلدِينَ فِيها مَادَامَتِ السَّموات والأرض إلاّ مَاشاءَ الله) ليُبقي قلوبنا مرتبطة على الدوام به سبحانه وبرضاه0 لابد من أن تكون هذه الغاية هي غايتنا الأولى والأخيرة ونحن ندعوا الناس إلى هذا الدين لكي يصل كلامنا إلى القلوب ولكي تكون خطواتنا بالإتجاه الصحيح0وكم ممن يدعي هذا الكلام وهو إنما يدعوا الناس إلى شخصه لينال منهم المكانة ، والدليل على ذلك إذا تعرَّض شخصه إلى إنتقاد ثارت ثائرته ، وإذا تعرضت مفاهيم دعوته إلى الإساءة لم يبالي:
 غاية همة المؤمن العارف باب قربه من الحق عزوجل وأن يصل قلبه إليه في الدنيا قبل الآخرة ،القرب من الحق عزوجل غاية خطوات القلب ومسارة السر0
 الحق عزوجل قد أعارك الحياة حتى تطيعه فيها ، حسبتها لك وعملت فيها ما أردت ، وكذلك العافية عارية عندك ،وكذلك الغنى عارية ، وكذلك الأمن والجاه وجميع ماعندك من النعم عارية عندك ، لاتفرط في هذه العواري فإنك تطالب بها وتسأل عنها وعن كل شئ فيها ، جميع ماعندكم من النعم من الله عزوجل فاستعينوا بها على الطاعة0 جميع ماترغبون فيه أنتم عند القوم شغل شاغل، لايريدون غير السلامة مع الحق عزوجل دنيا وآخرة0
 لاتتقيدوا بهذا اليسير الموجود عندكم ،إنما جُعل هذا اليسير الذي عندكم زاداً فتَتَزودون به في طريق السير إليه ،جعل لكم النعم لتضيفوها إليه وتستدلوا بها عليه وجعل لكم العلم لتعملوا به وتهتدوا بنوره0
 إجتهدوا في تحصيل معرفة الحق عزوجل فإنها غيبة معه وقيام مع قدره وقدرته وعلمه ،هي فناء كلّي في أفعاله وقضاياه0
 إعمل لوجه الله عزوجل لا لنعمه ، كن من الذين يريدون وجهه ، أطلب وجهه فإذا أعطاك ذلك حصل لك الجنة في الدنيا والآخرة ، في الدنيا القرب منه وفي الآخرة النظر إليه ، والجزاء لموعوده بيع وضمان 0
 ويحك! الخلق يقضون حوائجك يوماً أو اثنين أو ثلاثة أو شهراً أو سنة أو سنتين وفي الآخرة يضجرون منك ،عليك بصحبة الحق عزوجل وإنزال حوائجك به فإنه لايضجر منك ولايسأم من حوائجك دنيا وآخرة 0
 ماسوى الحق عزوجل قشر ، والطلب والقرب منه لب0
 الموحد عند قوة توحيده لايبقى له أب ولاأم ولا أهل ولا صديق ولاعدو ولامال ولاجاه ولاسكون إلى شئ في الجملة ،لايبقى له سوى التعلق بباب الحق عزوجل ومنته0
 إجعل أعمالك كلها لوجه الله عزوجل لا لطلب نعمه،أرض بتدبيره وقضائه وأفعاله ،فإذا فعلت هذا فقد مِتَّ عنك وحييت به ،يصير قلبك مسكنه ،يقلبه كيف يشاء ،يصير في كعبة قربه ،متعلقاً بأستارها ذاكراً له ناسياً لما سواه 0
 المريد للحق عزوجل لايريد جنته ولايخاف من ناره بل يريد وجهه فحسب ، يرجوا قربه منه ويخاف من بعده عنه 0
 الحق عزوجل لايُصحب مع الاعتراض والمنازعة وإنما يُصحب مع حُسن الأدب وسكون الظاهر والباطن والموافقة الدائمة،العارف بالله العالم به قائم معه لامع غيره، موافق له لا لغيره ،حي به، ميت عن غيره0
 كل أمنيتهم حفظ قلوبهم مع الحق عزوجل ، هذا هو أهم الأشياء إليهم ، يتمنون سلامتهم وسلامة الخلق مع الخالق عزوجل0
 لاكلام حتى تصير أربابك رباً واحداً وجهاتك واحدة ،يتحد قلبك 0متى يخيم قرب الحق في قلبك ؟ متى يصير قلبك مجذوباً وسرك مقرباً وتلقى ربك بعد الخروج من الخلق؟
 أصْدُق في طلبك وقد أراك باب قربه ، ترى رحمته ممتدة إليك ولطفه وكرمه ومحبته مشتاقين لك وهذا هو غاية مطلوب القوم 0
 لايكن همكم الأكل والشرب واللبس والنكاح وجميع الدنيا ،أطلبوا بابه وخيِّموا هناك ،لاتهربوا من باب الحق عزوجل لأجل الآفات فإنه ينبهكم بالبلاء والآفات والأمراض والأوجاع لتطلبوه ولاتبرحوا من بابه ،لاتكونوا من الذين يتخبطون ولايدرون مايريد الحق عزوجل منهم 0
 كن ممن يريدون وجهه ،إعط الربوبية حقها ، لا تعمل للحمد والثناء ، لا للعطاء ولا للمنع، تب إلى الله عزوجل ولا تعمل حسنة لغيره لا للدنيا ولا للاخرة0
 الحق تعالى لايطلب من العبد صورته إنما يطلب معناه وهو توحيده وإخلاصه وإزالة حب الدنيا والآخرة من قلبه ، وأن تصير جميع الأشياء في معزل عنه فإذا تم له هذا أحبه وقربه ورفعه على غيره0
 إعمل وأخلص في عملك واشتغل بالله عزوجل ودع الاشتغال بما لايعنيك ، غيرك مما لايعنيك فلاتشتغل به(1) 0
 قد خلقتم لأمر عظيم وماعندكم خبر 0
 الدائرة على صحبته والقرب منه 0
 كل من لايعبد الله عزوجل فهو من الذين لايدرون لم خلقوا0
 الدائرة على أن ترضى بأفعال الله تعالى وأن يخرج قلبك من الخلق وتلقى به رب الخلق ، تلقاه بقلبك وسرك ومعناك0
 إجتهدوا أن لايُغلق عن قلوبكم باب قربه0
 عليك بالله تعالى والانقطاع إليه والتعلق به فانه يكفيك مؤونة الدنيا والآخرة ، ويحفظك في الحياة والممات ، ويذب عنك في جميع الأحوال 0
 كل الدائرة على حضور قلبك لله ، لا لعلة في الدنيا ولا في الآخرة ولا لخلقه0
 وحِّد الحق عزوجل حتى لايبقى في قلبك من جميع الخلق ذرة ، لاترى داراً ولادياراً ، التوحيد يقتل الكل ، كل الدواء في التوحيد للحق عزوجل0
 لاينبغي لك أن تقعد في الصومعة وعلى وجه الأرض أحد تخافه وترجوه ، لايبقى لك سوى مخوِّف واحد ومرجو واحد وهو الله عزوجل ، ماأعرف إلاّ الله عزوجل والقيام بدينه تقرباً إليه ،أقِم دينه وانصره لوجهه لا لوجه غيره0
التوحيد ، التوحيد ، التوحيد ، وجماع الكل التوحيد0

جيل النور

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أحب إلى من ألف عابد في الصوامع0

لكي يسيرالمجتمع قدماً نحو القمة السامقة بعيداً عن الهاوية لابد من تربية جيل جديد يحمل بين جنبيه قلباً حياً بالقرآن ، غايته الحق عزوجل ، متسلح بالعلم ناشر للعدل والفضيلة ، متطلع إلى تحقيق كل مامن شأنه الإرتقاء بالقيم الإنسانية 0رحم الله ورفع مَنْزلة كل من ساهم في تنشئة هذا الجيل لأنه عليه وحده تنعقد الآمال لإنقاذ هذه الأمة:
 أولياء الله قربت قلوبهم من الحق عزوجل ، لايسمعون غيره ولايبصرون غيره ، يغذيهم الفضل ويرويهم الأُنس ، من طعام فضله يأكلون ومن شراب أُنسه يشربون ، عندهم شغل من سماع كلام الخلق فهم في واد والخلق في واد ، يأمرون الخلق بأمر الله عزوجل وينهون بنهيه نيابة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، هم الوارث على الحقيقة ، شغلهم رد الخلق إلى باب الحق عزوجل ، يوقعون الأشياء في مواقعها ،يعطون كل ذي فضل فضله ، لايأخذون حقوقهم ولايستوفون لنفوسهم وطباعهم ، يحبون في الله عزوجل ويبغضون في الله عزوجل ،كلهم له ، لا لغيره فيهم نصيب0
 الواحد من هؤلاء القوم يسع قلبه أهل السموات والأرض ، يصير قلبه كعصا موسى عليه السلام 0
 القوم شغلهم البذل وإيجاد الراحة للخلق ، نهابون وهّابون ،ينهبون من فضل الله عزوجل ورحمته ، ويهبونه للفقراء والمساكين المضيق عليهم ،يقضون الديون على المدينين العاجزين عن قضائه ، هم الملوك لاملوك الدنيا فإنهم ينهبون ولايهبون ، القوم يؤثرون بالموجود ،وينتظرون المفقود ، يأخذون من يد الحق عزوجل لا من أيدي الخلق، إكتساب جوارحهم للخلق وإكتساب قلوبهم لهم ، ينفقون لله عزوجل، لا للهوى وأغراض النفس ، لا للحمد والثناء 0
 كن أبداً مخفياً بحالك ، لاتزل كذلك حتى تكمل ويصل قلبك إلى ربك عزوجل ،فإذا كملت وبلغت لاتبالى حينئذ ، كيف تبالى وقد تحققت حالك وأقمت في مقامك وأحدق بك حراسك وصار الخلق عندك كالسواري والأشجار واستوى عندك حمدهم وذمهم وإقبالهم وإدبارهم ، تصير بانيهم وناقضهم ،تتصرف فيهم بإذن خالقهم ، يعطيك الحل والربط ويردَّ التوقيع إلى يد قلبك ،فحينئذ يصير إقبالك على الخلق فريضة ، تصير كالأطباء وبقية الخلق مرضى0
 العارف ظاهره متلطخ بشئ من الأقسام ،جهبذ ملك ،كأنه أستاذ داره ،عازم جيشه مع سلامة سره ،مع سلامة سره مع صفاء قلبه ،مع رؤية حضرته ،أمواج العلم تتلاطم به ،بحار الدنيا لاتملأ قلبه ،جميع مافي السموات السبع والأرضين وسائر الموجودات بالإضافة إلى قلبه متلاشية 0
 المؤمن له نية صالحة في جميع تصاريفه ولايعمل في الدنيا للدنيا ،يبني المساجد والقناطر والمدارس والربط ويهذب طرق المسلمين ،وان بنى غير هذا فللعيال والأرامل والفقراء ومالابد منه ، يفعل ذلك حتى يُبنى له في الآخرة بدله ، لايبني لطبعه وهواه ونفسه0
 ياقوم !أجيبوا فإني داعي الله عزوجل ،أدعوكم إلى بابه وطاعته ،لاأدعوكم إلى نفسي ، المنافق ليس يدعوا الخلق إلى الله عزوجل ،هو داع إلى نفسه ،هو طالب الحظوظ والقبول 0
 جعل الله أرض القلوب قرار المعرفة والعلم 0 لله عزوجل ثلثمائة وستون نظرة إليه بين الليل والنهار ،لولا أن جعله قراراً لتقطع وتمزق 0القلب إذا صح واستقرب لقرب الحق عزوجل أجرى خلاله أنهاراً من الحكم لانتفاع الخلق بها ، جعلهم للدين رواسي ،الكبير منهم موضع النبي صلى الله عليه وسلم ، والصغير موضع الصحابة ،ودون ذلك موضع التابعين ،عملوا بما قالوا إمتثالاً ،قولاً وفعلاً ، سراً وعلانية ،قرت بهم أعين النبيين وباهى الله عزوجل بهم الملائكة0ياطوبى لمن اتبعهم وخفف عنهم أثقال الدنيا والعيال0
 أحدهم إذا عرف الحق عزوجل وفرغ من محاربة نفسه وهواه وطبعه وشيطانه وتخلص منهم ومن دنياه وفتح له الحق عزوجل باب قربه يطلب شغلاً يعمله ، فيقال له ارجع ورائك واشتغل بخدمة الخلق ودلهم علينا0
 المتزهد المبتدئ في زهده يهرب من الخلق والزاهد الكامل في زهده لايبالي منهم لايهرب منهم بل يطلبهم لأنه يصير عارفاً لله عزوجل ومن عرف الله عزوجل لايهرب من شئ ولايخاف من شئ سواه 0المبتدئ يهرب من الفساق والعصاة والمنتهي يطلبهم ، كيف لايطلبهم وكل دوائهم عنده 0لهذا قال بعضهم رحمة الله عليه ((لايضحك في وجه الفاسق إلاّ العارف ))0من كملت معرفته لله عزوجل صار دالاً عليه ،يصير شبكة يصطاد بها الخلق من بحر الدنيا ،يعطى القوة حتى يهزم إبليس وجنده ،يأخذ الخلق من أيديهم ، يا من إعتزل بزهده مع جهله ! تقدم واسمع ماأقول ،يازهاد الأرض !تقدموا ، خربوا صوامعكم واقربوا مني ،قد قعدتم في خلواتكم من غير أصل ،ماوقعتم بشئ ! تقدموا وألقطوا ثمار الحكم رحمكم الله ، ما أريد مجيئكم لي بل أريده لكم 0
 العبرة بسكون القلب ،هو الداهية العظمى ،لاسكون لك حتى تموِّت نفسك وطبعك وهواك وماسوى مولاك فحينئذ تحيا بقربه ، موت ثم نشر ثم إذا شاء أنشرك له ،ردك إلى الخلق لتنظر في مصالحهم وتردهم إلى بابه ، يجئ لك الميل إلى الدنيا والآخرة لتناول أقسامك منهما ، تجئ لك القوة على مقاساة الخلق فتردهم من ضلالهم وتمتثل أمره فيهم وإن لم تشأ ذلك ففي قربه لك كفاية ومندوحة عن غيره ، ماتقنع بالخلق بعد حصول الخالق المكون للأشياء قبل وجودها ، هو الكائن قبل كل شئ والمكون لكل شئ والكائن بعد كل شئ0
 ثم يترقّى درجة ويقوى تمكنه فيعرف الحق عزوجل فلا يأخذ الآخرة أيضا قراراً لقلبه بل يتخذ قربه من مولاه قراراً له في دنياه وأخراه يبني لسره وقلبه داراً هناك فحينئذ لاتضره عمارة الدنيا ولو بنى ألفاً من الدور لأنه يبني لغيره لا له ، يمتثل أمر الله عزوجل في ذلك ويوافق قضاءه وقدره يقيمه في خدمة الخلق وإيصال الراحة إليهم ،يواصل الضياء بالظلام في الطبخ والخبز ولايأكل من ذلك ذرة0
 إذا صح توحيدك وخرج خبث الشرك من قلبك عد إليهم وخالطهم وانفعهم بما عندك من العلم ودلهم على باب ربهم عزوجل 0
 الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أحب إلى من ألف عابد في الصوامع0
 يرى جبال التكاليف على اختلاف أجناسها أنها رسالة من المكلف فيحملها تحقيقاً للعبودية ، يصير حاملاً للخلق ، والخالق يحمله ، يصير طبيباً لهم ، وربه عزوجل طبيبه ، يصير طعام الخلق وشرابهم فلايغيب عنهم ،يصير كل نعمه مصالحهم وينسى نفسه ، يصير كأن لانفس له ولاطبع ولاهوى ، ينسى طعامه وشرابه ولباسه ، يصير ناسياً لنفسه ذاكراً لخلق ربه عزوجل ، كل طلبه نفع الخلق0
 إذا صح زهده في الدنيا والآخرة وماسوى المولى ،تجيئه الصحة ، يجيئه الملك والسلطنة والإمارة ، تصير ذرته جبلا ، قطرته بحراً ، كوكبه قمراً ، قمره شمساً ، قليله كثيراً ، محوه وجوداً ، فناءه بقاءاً ، تحركه ثباتاً ، تعلو شجرته وتشمخ إلى العرش وأصلها إلى الثرى ويظل أغصانها في الدنيا والآخرة 0ماهذه الأغصان ؟ الحكم والعلم ، تصير الدنيا عنده كحلقة الخاتم ،لادنيا تملكه ولاأخرى تقيده ، لايملكه ملك ولامملوك ،لايحجبه حاجب ولايأخذه أحد ، لايكدره كدر ،فإذا تم هذا صلح هذا العبد للوقوف مع الخلق والأخذ بأيديهم وتخليصهم من بحر الدنيا ، فإن أراد الحق بالعبد خيراً جعله دليلهم وطبيبهم ومؤدبهم ومدربهم وترجمانهم وسائحهم ومنحتهم وسراجهم وشمسهم ،فإن أراد ذلك منه كان وإلاّ حجبه عنده وغيبه عن غيره 0
 الخلق منهم في راحة ، لايتعدى منهم إلى أحد ألم ، قيل إن الأبرار الذين لايؤذون الذر ، والذر هو نمل صغار لايكاد يرى ،يواصلون الحق عزوجل بالطاعة ، والخلق بحسن العشرة ،والأهل بالصلة ، هم في نعيم ، دنيا وأخرى 0
 توبوا بقلوبكم ثم بألسنتكم ، التوبة قلب دولة ، تقلب دولة نفسك وهواك وشيطانك وأقرانك السوء ، إذا تبت قلبت سمعك وبصرك ولسانك وقلبك وجميع جوارحك وتصفي طعامك وشرابك من كدر الحرام والشبهة وتتورع في معيشتك وبيعك وشرائك وتجعل كل همك مولاك عزوجل ،تزيل العادة وتترك مكانها العبادة ، تزيل المعصية وتترك مكانها الطاعة ،ثم تتحقق في الحقيقة مع صحة الشريعة وشهادتها لان كل حقيقة لاتشهد لها الشريعة فهي زندقة ، فإذا تحقق لك هذا جاءك الفناء عن الأخلاق المذمومة ، عن رؤية سائر الخلق ، فحينئذ يكون ظاهرك محفوظاً وباطنك بربك مشغولاً ، فإذا تم لك هذا فلو جاءت إليك الدنيا بحذافيرها ومكنتك منها وتبعك الخلق بأجمعهم من تقدم ومن تأخر لم يضرك ذلك ولم يغيرك عن باب مولاك عزوجل لأنك قائم معه مقبل عليه مشغول به ناظر إلى جلاله وجماله0
 كل الخلق رعيتهم ، كل واحد كالجبل ، لايزعزعه ولاتحركه رياح الآفات والمصائب ، لايتزعزعون من أمكنة توحيدهم ورضاهم عن مولاهم عزوجل ، طالبين لأنفسهم ولغيرهم 0
 القوم يتمنون مجيء الليل ونوم العيال لأنهم مكلفون ،يحملون أثقال العيال والأسباب مع سكون قلوبهم إلى ربهم عزوجل ، جوارحهم تتحرك في الأسباب 0

أفراح الروح

هم بالنهار في مصالح الخلق والعيال ،وفي الليل في خدمة ربهم عزوجل والخلوة معه ، هكذا الملوك !

الحياة في ظل الايمان من أهم النعم التي يمن الله تعالى بها على عباده ، فالإيمان بالله تعالى هو سر الحياة وأكمل الناس أيماناً أكملهم شعوراً بالحياة ، لذا فان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو رمز الحياة الكاملة ، تنام عيناه ولاينام قلبه ، أعطى بمولده الحياة معناها الحقيقي ، وأنار الوحي النازل عليه من السماء الأرض والسموات ومن فيهما ، وتشرَّب أصحابه رضي الله عنهم معنى الحياة منه صلى الله عليه وسلم وظل هذا التأثير خالداً بعد التحاقه بالرفيق الأعلى لأن الله تعالى قد ترك للبشرية مصدرين لبعث الحياة وديمومتها كتابه الكريم وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم0وسيظل الرسول الكريم صلى الله تعالى عليه وسلم الباب الذي يفتح الله عزوجل به الحياة على الناس حتى بعد اندثار السموات والأرض ومافيهما 0فعطش الآخرة لن يزيله إلاّ بشربة ماء من يده الكريمة من ماءكوثره المبارك، وحساب الناس لإقامة الموازين القسط لن يبدأ وغمُّ الحشر لن يرفع إلاّ بسجوده وثناءه على ربه 0وأول داخل ومستفتح لباب الحياة الخالدة في جنات النعيم لن يكون إلاّ محمد بن عبد الله صلى الله تعالى عليه وسلم0 فإذا أردت أن تحيا حياة إنسانية حقيقية فعليك بتتبع خطى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم:
 الموافقة في البلايا والآفات تزيل الكرب والضيق والحرج والضجر والانزعاج وقت نزولها0ماأعجب أمور القوم وماأحسن أحوالهم ! كل مايأتيهم من الحق عزوجل عندهم طيب ،قد سقاهم بنج معرفته ونوّمهم في حجر لطفه وآنسهم بأُنسه فلاجرم يطيب لهم المقام معه والغيبة عن كل شئ سواه ،لايزالون موتى بين يديه وقد ملكتهم الهيبة فإذا شاء أنشرهم وأقامهم وأحياهم ونبههم 0
 إذا عمل القلب بالكتاب والسنة قَرُب ، وإذا قرب علم وإذا علم أبصر ، ماله وماعليه ، ماللحق وماللباطل ، وماللشيطان وماللرحمن ، يرى قربه من ربه عزوجل وقرب الرب منه ، أبداً يكون في فرحة مع الرحمن عزوجل ، يكون بيّاع الملك ، يشتري فيفرقه على الخلق0
 هم في راحة من ثقل الشرك ،هم في إصطفاء وإجتباء ،في أُنس بالله عزوجل وفي راحة معه ،متلذذون برَوْحه ولطفه ومناجاته ، لايبالون كيف كانت الدنيا أولم تكن ،كانت الآخرة أو لم تكن ،كان الخير والشر أو لم يكن ،في بداية أمرهم تكلفوا الزهد في الدنيا والخلق والشهوات ،فلما داموا على ذلك جعل الله عزوجل تكلفهم طبعاً وموهبة 0
 كن بين يدي الحق عزوجل والآفات تَنْزل عليك وأنت قائم على قدم محبته ، لاتتغير ،لاتزيلك الرياح ،تكون ثابتاً ظاهراً وباطناً ، قائماً في مقام لاخلق فيه ، لادنيا فيه ،ولاآخرة فيه ،لاحقوق فيه ، لاحظوظ فيه ، لاألم فيه ،لاكيف فيه ، لاماسوى الحق عزوجل فيه ،لاتُكدِّرك رؤية الخلق ومؤونة العيال ، ولاتتغير بالقلة والكثرة ، لابالذم ولابالحمد ، لا بالإقبال ولا بالإدبار ،تكون معه من وراء معقول الإنس والجن والملك والخلق في الجملة 0
 يُجدد على العبد ثوبي الوجود تارة والفناء تارة ،تارة يُفتقد فيقبل الحق عليه وتارة يُوجد فيخبر عن الحق 0
 القوم ليس في أعمالهم ملق ، هم الفائزون ،هم الموقنون الموحدون المخلصون الصابرون على بلاء الله عزوجل وآفاته ،الشاكرون على نعمائه وكرامته ، يذكرونه بألسنتهم ثم بقلوبهم ثم بأسرارهم ، إذا جاءتهم الأذايا من الخلق تبسموا في وجوههم ، ملوك الدنيا عندهم معزولون ، جميع من في الأرض عندهم موتى عجزى مرضى فقراء ، الجنة بالإضافة إليهم كأنها خراب ، النار بالإضافة إليهم مخمودة ، لاأرض ولاسماء ولاساكن فيهما ، تتحد جهاتهم فتصير جهة واحدة ، كانوا مع الدنيا وأهلها ثم صاروا مع الأخرى وأهلها ثم صاروا مع رب الدنيا والآخرة ، إلتحقوا به وبالمحبين له ، ساروا معه بقلوبهم حتى وصلوا إليه وحصّلوا الرفيق قبل الطريق ، فتحوا الباب بينهم وبينه ، مازالوا يذكرونه حتى حطَّ الذكر عنهم أوزارهم ، فقدهم مع غيره ووجودهم به0
 ليس على وجه الأرض أحد أخاف منه ولاأرجوه ولافي السماء ولافي الدنيا ولافي الآخرة سوى الحق عزوجل 0
 أتكلمُ وأنت عندي عدم ، والسماء والأرض عندي عدم وليس ينفعني ولايضرني إلاّ الله عزوجل0
 القوم منتظرون لقاء الله عزوجل ، يتمنونه في جميع أوقاتهم ، لايخافون من الموت لأنه سبب للقاء محبوبهم 0
 إصبر فإذا تم صبرك تم رضاءك ،جاءك فناؤك فيصير الكل عندك طيباً، ينقلب الكل شكراً ،يصير البعد قرباً ،يصير الشرك توحيداً فلا ترى من الخلق ضراً ولانفعاً ،لاترى أضداداً بل تتحد الأبواب والجهات فلاترى إلاّ جهة واحدة.
 القوم لايخافون من الخلق لأنهم في جنب أمن الله عزوجل وتوليه وحفظه ، لايبالون بأعدائهم لأنهم عن قريب يرونهم مقطعي الأيدي والأرجل والألسن، علموا وتحققوا أن الخلق عجز عدم ، لاهُلك بأيديهم ولامُلك ، لاغنى بأبديهم ولافقر ، لاضر بأيديهم ولانفع ، ولامَلِك عندهم إلاّ الله عزوجل ، لاقادر غيره ولامعطي ولامانع ولاضار ولانافع غيره ، ولامحيي ومميت غيره0
 المؤمن كلما شاخ قوي إيمانه واستغنى عن الخلق لقربه من الحق عزوجل ، يستغني عنهم وإن كان لايملك ذرة ولالقمة ولاخرقة 0
 من عرف الدنيا تركها ومن عرف الآخرة رآها مخلوقة مكونة بعد أن لم تكن فتركها ولحق بخالقها فتصغر الدنيا والأخرى في عيني قلبه ويعظم الحق عزوجل في عيني سره فيطلبه دون غيره ، يصير الخلق كالذر بين يديه ،يراهم كالصبيان يلعبون إذا لعبوا بالتراب ،يرى الملوك المتولين معزولين ،والأغنياء مغرورين ،يرى المشتغلين بغير ربهم محجوبين 0
 كلامي من ورائكم بعد عدم رؤيتي إياكم ،ولذلك جاوزت دنياكم وجاوزت الآخرة ،نظرت إليكم فرأيت لا ضر بأيديكم ولانفع ، ولاعطاء ولا منع ، والله المتصرف فيكم ،لاتضرون إلاّ بعد إضرار الله عزوجل فرجعت إلى الله عزوجل ، وأما الدنيا فرأيتها فانية زائلة ذاهبة قاتلة خادعة ،فأنفت من السكون إليها والوقوف معها لسرعة ذهابها ،وأما الآخرة فوقفت عندها ساعة ،نظرت في أمرها فظهر عندي عيبها وهو كونها محدثة مشتركة فأعرضت عنها إلى مولاها وبارئها والمحدث لها 0
 جذبة من جذبة الحق خير من عمل الثقلين 0 يرى عبده خارجاً من بيت طبعه وشهوته وهواه ، مودعاً للخلق وتاركاً للشهوات ، طالباً له ، متغيراً ، يقوم ويقعد ، لازاد له ولاراحلة ولارفيق ، يواصل الضياء بالظلام ،صياماً وصلاة ومجاهدة ،بينما هو على ذلك فإذا هو على باب قربه في حجر لطفه على مائدة فضله ناظر إلى سابقته 0
 قرب الحق عزوجل جنة القوم وبعدهم عنه نارهم ،لايرجون إلاّ هذه الجنة ولايخافون إلاّ هذه النار ،أي غل للنار عندهم حتى يخافوا منها ،هي تستغيث من المؤمن وتهرب منه ،فكيف لاتهرب من المحبين المخلصين ؟
 السر هو الملك ، والقلب وزيره ، والنفس واللسان والجوارح خدم بينهما ، السر يستقي من بحر الحق عزوجل ، والقلب يستقي من السر ، والنفس المطمئنة تستقي من القلب ، واللسان يستقي من النفس ، والجوارح تستقي من اللسان 0
 المؤمن الموقن العارف له عينان ظاهرتان وعينان باطنتان ،فيرى بالعينين الظاهرتين ماخلق الله عزوجل في الأرض ، ويرى بالعينين الباطنتين ماخلق الله عزوجل في السموات ، ثم يرفع الحجب عن قلبه فيراه بلا تشبيه ولاتكييف فيصير محبوباً والمحبوب لايكتم عنه شئ 0
 الوقوف مع الخلق بغضة وكلفة وكرب ، والوقوف مع الحق عزوجل فرحة وطيبة ونعمة 0
 تناول الأقسام بيد زهدك ويكون تناولك على باب مولاك عزوجل بيد قدرته وفعله ومعه لا مع الدنيا وبيدها ولا على أبواب السلاطين في صحبة الطبع والهوى والشيطان والعوام ، إذا تناولت الدنيا وقلبك على باب ربك عزوجل تكون الملائكة وأرواح الأنبياء حولك ، فشتان مابين الموضوعين والحالين ،القوم عُقَّل قالوا لانأكل أقسامنا من الدنيا في الطريق ولافي بيوتنا ولانأكل إلاّ عنده ، الزاهدون يأكلون في الجنة والعارفون يأكلون عنده وهم في الدنيا ،المحبون لايأكلون في الدنيا ولا في الآخرة ،طعامهم وشرابهم أنسهم وقربهم من ربهم عزوجل ونظرهم إليه ،باعوا الدنيا بالآخرة ثم باعوا الآخرة بقربهم من ربهم عزوجل ،رب الدنيا والآخرة 0الصادقون في محبته باعوا الدنيا والآخرة بوجهه وأرادوه دون غيره فلما تم البيع والشراء غلب الكرم فرد عليهم الدنيا والآخرة موهبة وأمرهم بتناولهما فأخذوهما بمجرد الأمر مع الشبع بل مع التخمة والغنى عنهما ،فعلوا ذلك موافقة للقدر وحسن أدب مع القدر،قبلوا وأخذوا وهم يقولون ((وَإنَّكَ لَتَعْلَمُ مَانُرِيد))تعلم أن قد رضينا بك دون غيرك ،ورضينا بالجوع والعطش والعري والذل والمهانة وأن نكون على بابك مطروحين ،لما رضوا بذلك وقرروا مع نفوسهم الطمأنينة عليه نظر إليهم نظر الرحمة فأعزهم بعد ذلهم وأغناهم بعد فقرهم ومنحهم تقربهم منه دنيا وآخرة 0
 المعادي لي والمحب لي عندي سواء ،مابقي على وجه الأرض لي صديق ولاعدو ، هذا فيما يلي صحة التوحيد ورؤية الخلق بعين العجز ،وأما من اتقى الله عزوجل فهو صديقي ومن عصاه فهو عدوي ،ذلك صديق إيماني وهذا عدو له0
 ياغلام! إذا أحكمت الإيمان وصلت إلى دار المعرفة ثم إلى وادي العلم ثم إلى وادي الفناء عنك وعن الخلق ثم إلى الوجود به لا بك ولا بهم ،فحينئذ يزول حزنك ،فالحفظ يخدمك والحمية تحوطك والتوفيق يطرق بين يديك ، والملائكة تمشي حولك والأرواح تأتيك تسلم عليك والحق عزوجل يباهي بك الخلق ، ونظراته ترعاك وتجذبك إلى دار قربه والأُنس به والمناجاة له ، خاب من قعد عني من غير عذر0
 العمل بالسنة يوقفك على الرسول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ،لايبرح بقلبه وهمته من حول قلوب القوم ، هو المطيب والمبُخِّر لها، المصفي لأسرارهم، والمزين لها ،هو المستفتح باب القرب لها ، هو الماشط هو السفير بين القلوب والأسرار وبين ربها عزوجل ، كلما تقدمت إليه خطوة ازداد فرحاً0
 ثَمَّ أمور باطنة لاتنكشف إلاّ بعد الوصول إلى الحق عزوجل والقيام على بابه ، أما صرت إلى باب الحق عزوجل وأدمت الوقوف مع حسن الأدب والإطراق ،فُتح الباب في وجه قلبك وجذبه من جذب ونومه من نوم وزفه من زف وكحَّله من كحَّل وحلاه من حلّى وفرَّحه من فرَّح وآمنه من آمن وحدثه من حدث وكلمه من كلم ،ياغافلين عن النعيم ! أين أنتم ؟!ماأبعد قلوبكم عن هذا الذي أشير إليه ، تظنون أن الأمر سهل حتى يحصل لكم بالتصنع والتكلف والنفاق ؟ يحتاج هذا الأمر إلى الصدق والصبر على مطارق القدر 0
 يا مشغولين بمعإيشهم ! غنى المعيشة عندي،والأرباح عندي ،ومتاع الأخرى عندي، وأنا مناد تارة وسمسار أخرى ،ومالك المتاع أخرى(1)،أعط كل شئ حقه ، إذا حصل شئ من الآخرة عندي لاأكله وحدي ، لأن الكريم لايأكل وحده ،كل من أطلع على كرم الله عزوجل لاتجد عنده بخلاً ،كل من عرف الله عزوجل هان عنده ماسواه، البخل من النفس ونفس العارف ميتة بالإضافة إلى نفوس الخلق،هي مطمئنة ساكنة إلى وعد الله عزوجل ،خائفة من وعيده0
 المؤمن يتقرب إلى الله عزوجل بأداء الفرائض ويتحبب إليه بالنوافل ،ولله عباد لانوافل لهم بل يأتون بالفرائض ثم يفعلون النوافل ويقولون هذه فرائض علينا لأجل إقدارنا عليها ،اشتغالنا بالعبادة أبد الدهر فرض علينا ،لايعدُّون لأنفسهم نافلة في الجملة ،أولياء الله عزوجل لهم منبه ينبههم ومعلم يعلمهم ، يهيء الحق عزوجل لهم أسباب التعلم 0
 القوم كلما نظروا بأعين قلوبهم إلى غير الحق عزوجل أنفقوا سلامتهم في السكون إليه والإستطراح بين يديه والتعامي عن خلقه ،قطع ألسنتهم عن الاعتراض عليه ،فتنقلب الأيام والليالي والأشهر والسنون عليهم وهم على حالة واحدة ،لايتغيرون مع الحق عزوجل ،هم أعقل خلق الله عزوجل ،ولو رأيتموهم لقلتم مجانين ولو رأوكم لقالوا ماآمن هؤلاء بيوم الدين ،قلوبهم حزينة منكسرة بين يدي الحق عزوجل ،لايزالون خائفين وجلين ،كلما كشف قناع جلاله وعظمته لقلوبهم ازداد خوفهم ،تكاد قلوبهم تنقطع وأوصالهم تنفصل ،فإذا رأى منهم ذلك فتح أبواب رحمته وجماله ولطفه والرجاء لهم فيسكن مابهم 0
 قال رضي الله تعالى عنه في اليوم الذي مات فيه :ويلكم ! أنا لاأبالي بشئ ، لابملِك ولا بملَك الموت ، ياملك الموت! تنَحََّ ! لنا من يتولانا سواك 0
 المؤمن إرتفعت همته عن الأرض وعن الدنيا وأبنائها وعن الآخرة وأبنائها ، علم أن ربه عزوجل يحب العالين من الهمم ،فعلى همته حتى إنتهت إليه وخرت بين يديه ساجدة فلم يأذن لها بالرفع من السجود حتى استدعى القلب والسر فأعطاهما النيابة والرياسة والإمارة والتمكن في الخلق فعاش في الدنيا رئيساً وفي الآخرة رئيساً ، في الدنيا ملكاً وفي الآخرة ملكاً0
 إذا عاملتم الحق عزوجل يزكو زرعكم ، وتجري أنهاركم ، ويورق ويغصن ويثمر أشجاركم0
 المؤمن يستر حزنه ببشره ، ظاهره يتحرك في الكسب ، وباطنه ساكن إلى ربه عزوجل ، ظاهره لعياله وباطنه لربه عزوجل ،لايفشي سره إلى أهله وولده وجاره وجارته ، ولا إلى أحد من خلق ربه عزوجل، يسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم ((إستعينوا على أموركم بالكتمان)) لايزال يكتم ماعنده ، فإن جاءته غلبة أو تمت من لسانه كلمة فيتدارك الأمر ويغير العبارة ، ويستر ماظهر منه ، ويعتذر مما بدا منه0
 القلب الصحيح ممتلئ توحيداً وتوكلاً ويقيناً وتوفيقاً وعلماً وإيماناً ومن الله عزوجل قرباً ،يرى الخلق كلهم بعين العجز والذل والفقر ومع ذلك لايتكبر على طفل صغير منهم ،يصير كالسبع وقت لقاء الكفار والمنافقين والعصاة عبرة لله عزوجل ،يصيرون بين يديه قطعة لحم ملقاة ،ويتواضع ويذل للصالحين المتقين الورعين 0
 هذا القلب إذا عرف الحق عزوجل وأحبه وقرب منه يستوحش من الخلق والسكون إليهم ،يستوحش من أكله وشربه ولباسه ونكاحه ،لايقيده شئ سوى أمر الشرع يقيده في الأمر والنهي والفعل ،يقيده إلى وقت مجئ القدر0 اللهم لاتدعنا من يد رحمتك فنغرق في بحر الدنيا وبحر الوجود ،يامانح الكرم والآراء السابقة أدركنا0
 أولياء الله عزوجل متأدبون بين يديه ،لايتحركون حركة ولايخطون خطوة إلاّ بإذن صريح منه لقلوبهم 0
 أنا في يد تقليب الحق عزوجل ، تارة يصيرني جبلاً وتارة يصيرني ذرة ، وتارة يصيرني بحراً وتارة يصيرني قطرة ، وتارة يصيرني شمساً وتارة يصيرني لمعة وبرقة ، يقلبني كما يقلب الليل والنهار0
 المؤمن لايخاف غير الله عزوجل ولايرجوا غيره ، قد أُعطي القوة في قلبه وسره ، كيف لايكون قلوب المؤمنين قوية بالله عزوجل وقد أُسري بها إليه ؟ لاتزال عنده القلوب، والقالب في الأرض!
 المؤمن يتزود والكافر يتمتع ، المؤمن يتزود لأنه على الطريق ، يقنع باليسير من ماله ويقدم الكثير إلى الآخرة ،يترك لنفسه بقدر زاد الراكب ، بقدر مايحمله ، كل ماله في الآخرة ، كل قلبه وهمته هناك ،هو منقطع القلب هناك من الدنيا ،يبعث جميع طاعاته إلى الآخرة ،لا إلى الدنيا وأهلها ،إن كان عنده طعام طيب يؤثر به الفقراء يعلم أنه في الآخرة يطعم خيراً منه0
 أنا لاأُحابي أحداً من الخلق في شئ هو لله عزوجل ومن حقه ،لا ألتفت إلى أحد منهم في شئ بلا أمره،بل أتقوى به في استيفاء حقه من خلقه ولا أضعف ،وأُقوّي نفسي وأوافقها فيهم0
 ماأنا طالب دنيا ، ماأنا عبد الدنيا ولا الآخرة ولاماسوى الحق عزوجل ، ماأعبد إلاّ الخالق الواحد الأحد القديم ، فرحي بفلاحكم وغمي لهلاككم ، إذا رأيت وجه مريد صادق قد أفلح على يدي شبعت وارتويت واكتسيت وفرحت ،كيف خرج مثله من تحت يدي ؟ مرادي أنت لا أنا ، أن تتغير أنت لا أنا ، أنا عبرت وإنما رددني لأجلك ، تعلق بي حتى تعبر بالعجلة 0
 القوم قد جعلوا الحمد والذم كالصيف والشتاء والليل والنهار وكلاهما يرونهما من الله عزوجل لأنه لايقدر يأتي بهما إلا الله عزوجل ،فلما تحقق عندهم ذلك لم يعتدوا بالحامدين ولم يحاربوا الذامين ولم يشتغلوا بهم ، خرج من قلوبهم حب الخلق وبغضهم ، لايحبون ولايبغضون بل يرحمون 0
 القوم يتمنون أن لايخلوا من تكاليف الحق عزوجل ، قد علموا أن في الصبر على تكاليفه وأقضيته وأقداره خيراً كثيراً دنيا وآخرة ،يوافقونه في تصاريفه وتقاليبه ، تارة في الصبر وتارة في الشكر ،تارة في القرب وتارة في البعد ، تارة في التعب وتارة في الراحة ، تارة في الغنى وتارة في الفقر ، تارة في العافية وتارة في المرض ، كل أمنيتهم حفظ قلوبهم مع الحق عزوجل0
 العارف لله عزوجل المحب له الناظر إليه بعيني قلبه الذي يرى الإحسان والإساءة منه ، لايبقى له نظر إلى من يحسن إليه ويسئ من الخلق ، إن ظهر منهم إحسان رآه بتسخير الحق عزوجل وان ظهرت منهم إساءة رآها بتسليطه ،ينتقل نظره من الخلق إلى الخالق ومع ذلك يعطي الشرع حقه ولايسقط حكمه 0
 لايزال قلب العارف ينتقل من حالة إلى حالة حتى يقوى زهده في الخلق والذل لهم والإعراض عنهم ويرغب في الحق عزوجل ويقوى توكله عليه ، يذهب عنه أخذ الأشياء من الخلق ويبقى عنده أخذها من الخلق على يد الحق عزوجل 0 يتأكد ويتأيد عقله المشترك بينه وبين الخلق ويزداد عقلاً آخر وهو العقل من الله عزوجل0
 المؤمن في الدنيا لايبالي على أي حال كان فيها بعد أن يعلم أن ربه عزوجل راض عنه ،أينما سقط لقط قسمه ورضى به أينما توجه نظر بنور الله عزوجل ، لاظلمة عنده، كل إشاراته إليه 0
 المؤمن مطيع لربه عزوجل موافق له صابر معه ،يقف عند حظوظه وكلمه وأكله ولبسه وجميع تصرفاته ، والمنافق لايبالي بهذه الأشياء في جميع أحواله 0
 المؤمن يستريح من ثقل الحرص ، لايشره ولايستعجل ، زهد في الأشياء بقلبه وأعرض عنها بسره وأشتغل بما أمر به وعلم أن قسمه لايفوته فلم يطلبه ، ترك الأقسام تعدو خلفه وتذل وتسأله قبولها0
 إذا صح قلبك شهد الله عزوجل والملائكة وأولوا العلم ، يقيم لك مدع يدعي ويشهد هو لك فما تحتاج أنت تشهد بصحته لنفسك ،فإذا تم لك هذا تصير جبلاً لاتزيله الرياح ولاتنقضه الرماح ولاتؤثر فيك رؤية الخلق ومخالطتهم ولاتُخْدَش خدشة في قلبك ، ولاتكدر صفاء سرك0
 المؤمن بشره في وجهه وحزنه في قلبه ، بشره على ظاهره والآفات تقطعه من حيث باطنه وخلوته ومعناه ، يغطي جراحاته بقميص تبسمه ولهذا يباهي به ربه عزوجل الملائكة ،يومى إليه بالأصابع ،كل واحد من هؤلاء شجاع في دولة دين الله عزوجل وسره ،مازالوا يصبرون معه ويتجرعون مرارة أقداره حتى أحبهم0
 هم بالنهار في مصالح الخلق والعيال ،وفي الليل في خدمة ربهم عزوجل والخلوة معه ، هكذا الملوك ! طوال النهار مع الغلمان والحواشي وقضاء حوائج الناس ،فإذا جاء الليل خلوا بوزرائهم وخواصهم0
 القوم لهم صدق بلا كذب ، صدق بلا ظهور ،أفعالهم اكثر من أقوالهم 0
 عباد الله عزوجل الذين تحققت لهم العبودية له والرضا بأفعاله ، الآفات تَنْزل عليهم وهم قعود كالجبال الرواسي ،تَنْزل إليهم وعليهم وهم ينظرون إليها بعين الصبر والموافقة ، تركوا الأجساد للبلايا وطاروا إلى الحق عزوجل بقلوبهم، فهم أقفاص بلا طيور ، أرواحهم عنده وأجسادهم بين يديه0
 المؤمن منقطع القلب عن الخلق وعن الأهل والمال والولد ، وإنما يتشاغل بهم وقلبه منتظر لمجئ رسول الملك ، وصل باب البلد وقد ودع أهله وهو قاعد بينهم ، المؤمن أبداً مودع ، هو بين الخلق وقد ودَّعهم ، ذرُّه مع الخلق وحبله مع الخالق0
 أهل اليقظة رأوا الله عزوجل بقلوبهم فاجتمع شتاتها ، أنسبكت فصارت شيئا واحداً ، تتساقط الحجب بينهم وبينه ، محيت المباني وبقيت المعاني ، تقطعت الأوصال وانخلعت الأرباب فلم يبق لهم سوى الحق عزوجل ، لاكلام لهم ولاحركة ولافرح بشئ حتى يصح لهم هذا ، فإذا صح فقد تم الأمر في حقهم 0
 عن بعضهم رحمة الله عليه انه قال : لايضحك في وجه الفاسق إلاّ العارف ، نعم يأمره وينهاه ويتحمل أذاه ولايقدر على هذا إلاّ العارف بالله عزوجل0
 العارف خلقه من أخلاق الحق عزوجل فهو يجتهد في تخليص العاصي من يد الشيطان والنفس والهوى ، إذا رأى أحدكم ولده أسيراً في يد كافر ، أليس يجتهد في تخليصه ؟ فهكذا العارف ، الخلق جميعهم عنده كالاولاد0
 العارف هو في كل ساعة أقرب إلى الله عزوجل مما كان في الساعة التي قبلها ، في كل ساعة يتجدد خشوعه لربه عزوجل وذله له ، يخشع من حاضر لا من غائب ، زيادة خشوعه على قدر زيادة قربه من ربه عزوجل ، زيادة خرسه على قدر زيادة مشاهدته 0
 يتبسم القدر في وجوه الراضين بالقضاء ويأخذ بأيديهم إلى الملك ويستفتح لهم الباب ويقربهم إلى الملك فحينئذ صاروا من حزب الله 0
 المؤمن عمل بطاعته وترك معصيته ،وحَّده في خلوته وجلوته ،مقت الدنيا ،طلقها وهي وراءه مناشدة : يابني! خذ طعامك وشرابك ،يقول لا آكل حتى آتي باب الآخرة ،لعله مسموم ! ياأُماه: حطي مامعك حتى تأتي قهرمانة الآخرة فإذا جاءت وفتشت طعامك وقبلت وشمت حينئذ آكل من يدها ، تأخذك الآخرة إليها ، تطعمك من طعامها وتسقيك شرابها ،وأغلق بينك وبينها ، بينما أنت كذلك أخذتك يد الغيرة في سبحة العزة فيك ،إيش هذا السكون إلى غيري ؟ أما هي مخلوقة ؟أما هي مصنوعة ؟ هلا أتيتنا قبل الدار؟ حتى إذا علمك وكساك وآنسك وأطعمك الترياق ودرَّعك بالتوفيق والورع والحفظ ، خرجت إلى الدنيا في صحبته ،بنى لك دكة(1) تخاطب أهل الدنياوالآخرة 0
 المؤمن لمح الدنيا فأرادها وطلبها وامتلأ قلبه بها فأرادت تملّكه فطلقها ثم طلب الآخرة حتى وجدها فامتلأ قلبه بها فخاف من تقييدها وحبسها له عن ربه فطلقها وأقعدها إلى جنب الدنيا وأدّى فرضها ولحق بباب الحق عزوجل فخيِّمْ عنده وتوسَّدْ بعتبته ،إتبع ملة إبراهيم الخليل عليه السلام الزاهد في النجم ثم في القمر ثم الشمس ثم :(قَالَ لاأحُبُّ الآفِلينَ 0إنِّي وَجَّهْتُ وَجْهيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّموات وَالأَرْضَ حَنِيفَاً وَماأَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ)
 المؤمن إتحدت خواطره وهممه ، لم يبق له سوى خاطر يخطر من الحق عزوجل إلى قلبه وهو واقف على باب قربه من ربه عزوجل 0
 المؤمن كالجبل مرة وكالريشة أخرى ، تقلبه رياح قدره عند مجئ البلاياكالجبل ، وعند صحبة الحق عزوجل تقلبه رياح قدره كالريشة 0
 القوم أكلوا من طعام فضل الله عزوجل وشربوا من شراب أنسه وشاهدوا باب قربه ،لم يقنعوا بالخبر بل جاهدوا وصابروا وسافروا عنهم وعن الخلق حتى صار الخبر عندهم عياناً ،لما وصلوا إلى ربهم أدبهم وهذبهم وعلمهم الحكم والعلوم ، أطلعهم على ملكه وعرفهم أن ليس في السماء والأرض غيره ولامعطي غيره ولامانع غيره ،ولامحرك ولامسكِّن غيره ،ولامقدر ولاقاضي غيره ،ولامعز ولامذل غيره،ولامسلط ولامسخر غيره ،ولاقاهر غيره ،أراهم ماعنده فيرونه بأعين قلوبهم وأسرارهم فلايبقى للدنيا وملكها عندهم قدر ولاوزن،اللهم أرنا كما أريتهم مع العفو والعافية0
 كلما جذبك الخوف إليه جذبه القرب عندك ،حينئذ الثبات ،لاتبال طال عمرك أم قصر ،قامت القيامة أو لم تقم ،أحبك الخلق أم بغضوك ،أعطوك أم حرموك 0
 إذا ترقت درجة العبد من الإسلام إلى الإيمان ، من الإيمان إلى الإيقان ،من الإيقان إلى المعرفة ، من المعرفة إلى العلم ،من العلم إلى المحبة ،من المحبة إلى المحبوبية ، من طلبه إلى مطلوبيته ،فحينئذ إذا غفل لم يُترك وإذا نَسى ذكر وإذا نام نُبِّه ، وإذا غفل أُوقظ ، وإذا ولّى أُقبِل ، وإذا سكت أُنطق ، فلا يزال أبداً مستيقظاً صافياً لأنه قد صفت آنية قلبه ،يرى من ظاهرها باطنها ،ورث اليقظة من نبيه عليه الصلاة والسلام ،كانت تنام عيناه ولاينام قلبه ، وكان يرى من ورائه كما يرى من أمامه ،كل أحد يقظته على قدر حاله ،فالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم لايصل أحد إلى يقظته ولايقدر أن يشاركه أحد في خصائصه ،غير أن الأبدال والأولياء من أمته يرِدون على بقايا طعامه وشرابه ،يُعطون قطرة من بحار مقاماته وذرة من جبال كراماته لأنهم وراءه ،المتمسكون بدينه ،الناصرون له ،الدالون عليه ،الناشرون لعلم دينه وشرعه ،عليهم سلام الله وتحياته وعلى الوارثين لهم إلى يوم القيامة 0
سلاطين دولة دين الله تعالى
من كل ألف ألف منكم إلى إنقطاع النفس واحد يعقل ماأقول ويعمل به
وباقيكم يدخلون في غماره ويتبركون بحضورهم معه 0

لكل رسالة إلهية صفوة أو نخبة آمنت به كل الإيمان وتشبعت أرواحهم به فأصبحوا وأمسوا وهم يحملون شعلته في قلوبهم ، لا يحيدون عن المنهج قيد شعرة ، وحمَّلهم الحق عزوجل أثقل التكاليف وعرَّضهم للابتلاءات وهو سبحانه يعرف صدقهم ليزيد أجرهم وليجعلهم حجة على خلقه0ولو راجعنا كل أبواب الابتلاء لوجدنا لكل لون من ألوان البلاء مجربٌ قد ذاقه وصبر عليه ، فالطريق إذا سالكة ولست وحدك فقد مر من هنا النخبة 0ولله درّ الإمام الطيلاني حين وصفهم بسلاطين دولة دين الله تعالى:
 آحاد أفراد من الخلق يؤمنون بهذا القرآن ،يعملون به لوجه الله عزوجل ولهذا قل المخلصون وكثر المنافقون 0
 القوم نزاع العشائر من كل ألف ألف إلى إنقطاع النفس واحد يسمعون كلام الله عزوجل بقلوبهم ومعانيهم ويصدقون ذلك السماع بأعمال جوارحهم 0
 يهنأ لك الشرب من بحر علمه ، والأكل من سماط فضله ، والاستئناس بأُنسه والتغمد برحمته ، هذا لآحاد أفراد ، من كل ألف ألف واحد من جميع العشائر والقبائل0
 آحاد أفراد من هذا الجنس يردهم إلى الخلق مع الحفظ الكلي والسلامة الكلية ، يوفقهم لمصالح الخلق وهدايتهم0
 الصدِّيق إذا فرغ من تعلم العلم المشترك ،أُدخل العلم الخاص ،علم القلوب والأسرار ،فإذا تمكن في هذا العلم صار سلطان دين الله عزوجل! يأمر وينهى ويعطي ويمنع بإذن مسلطنه ،يصير سلطاناً في الخلق0
 آحاد أفراد منهم يأتيهم من الله منته ونعمه فتدخل قلوبهم في باب قربه ، يؤذن لهم بالدخول عليه ،يوليهم ويتولاهم ،يصيرهم من أوليائه وأعيان خلقه ،يصيِّرهم من شيوخ عباده وسلاطينهم ،يستنيبهم في الأرض ،يستخلفهم فيها ويجعلهم من مفرديه ،يعلمهم من علمه وينطقهم بحكمه ويكرمهم بكرامته ويمدهم بإمداده ، يعرفهم مالهم وعليهم ،يرسخ قدم الإيمان في قلوبهم ويجعل تاج المعرفة على رأس إيمانهم ،القدر يخدمهم والإنس والجن والملائكة قيام بين أيديهم ،التواقبع تأتي إلى قلوبهم وأسرارهم ،كل واحد منهم ملك في نفسه ،قاعد على سرير سدة مملكته ويبث جنده في الأرض لإصلاح الخلق مناقضة لفعل إبليس 0
 من صحت تبعيته للرسول صلى الله عليه وسلم ألبسه درعه وخوذته وقلده سيفه ونحله من أدبه وشمائله وأخلاقه ،وخلع عليه من خلعه ،واشتد فرحه به ،كيف هو من أمته ،ويشكر ربه عزوجل ذلك ثم يجعله نائباً له في أمته ودليلاً لهم إلى باب الحق عزوجل ،كان هو الساعي والدليل ولما قبضه الحق عزوجل أقام له من أمته من يخلفه فيهم وهو آحاد أفراد من كل ألف ألف إلى إنقطاع النفس واحد ،يدلون الخلق ويصبرون على أذاهم مع دوام النصح لهم ،يتبسمون في وجوه المنافقين والفساق ويحتالون عليهم بكل حيلة حتى يخلصوهم مما هم فيه ويحملوهم إلى باب ربهم عزوجل 0
 إنكسار قلوب العوام للدنيا ، والخواص لحظ الأخرى ، وخواص الخواص تنكسر قلوبهم لفوات المولى أو لحجاب وقع بعد الكشف ، لكل أحد إنكسار يخصه إلاّ آحاد أفراد إنكسارهم لأجل الحق عزوجل0
 إنما سمي الأبدال أبدالاً لأنهم لايريدون مع إرادة الله عزوجل إرادة ، ولايختارون مع اختياره اختياراً ، يحكمون الحكم الظاهر ، ويعملون الأعمال الظاهرة ثم يتفردون إلى أعمال تخصهم ، كلما ترقت درجاتهم ومنازلهم يزيدون أمراً ونهياً ، إلى أن يبلغوا إلى مَنْزل لا أمر فيه ولانهي ، بل أوامر الشرع تنفعل فيهم وتضاف إليهم وهم في معزل 0القوم لايزالون في غيبة مع الحق عزوجل ، وإنما يحضرون في وقت مجئ الأمر والنهي ، يُحفظون فيهما حتى لايخربون حداً من حدود الشرع ،لأن ترك العبادات المفروضات زندقة ،وارتكاب المحظورات معصية 0لاتسقط الفرائض عن أحد في حال من الاحوال0
 الحق عزوجل يتولى تربية قلوب الصديقين من حال صغرهم إلى كبرهم ، كلما اختبرهم بشئ من البلايا ورأى صبرهم إزداد قربهم منه ،البلايا لاتقهرهم ولا تلحقهم ،كيف تلحقهم وهي ماشية وقلوبهم على أجنحة الطيور الطائرة،ياخيبة من يؤذي قلوبهم ‍! يامقت الله عزوجل له ! ياحرمان الله عزوجل له ! ياغضب الله عزوجل له !
 ياغلام ! إجتهد أن لايبقى شئ في الدنيا تحبه ، إذا تم هذا في حقك لاتترك مع نفسك لحظة ، إن نسيت ذُكرت ، وان غفلت أوُقظت ، لايدعك تنظر إلى غيره في الجملة ،من ذاق هذا فقد عرفه،هذا الجنس آحاد أفراد من الخلق ،لايقبلون السكون إلى الخلق0
 يوم القيامة يعم الخلق كلهم الخوف من جلال الله عزوجل وعظمته وكبريائه وعدله ، تذهب الملوك ويبقى ، يرجع الكل إليه ، ويظهر مُلك القوم(1) ، يظهر عزهم وغناهم ، وإكرام الحق تعالى لهم ، شُحَن العباد والبلاد وأوتاد الأرض ، قِوام الأرض بهم ، هم أمراء الخلق ورؤساؤهم ، ونواب الحق عزوجل ، فهم من حيث المعنى لا من حيث الصورة ،اليوم معنى وغداً صورة 0
 مريدو الدنيا فيهم كثرة ، ومريدو الآخرة فيهم قلة ، ومريدو الحق عزوجل الصادقون في إرادته أقل من كل قليل ، هم في القلة والعدم كالكبريت الأحمر ، هم آحاد أفراد في الشذوذ والندور ، حتى يوجد منهم واحد ، هم نزاع العشائر ،هم معادن في الأرض ملوك فيها ، هم شحن البلاد والعباد ، بهم يدفع البلاء عن الخلق وبهم يمطر الله السماء وبهم تنبت الارض0
 مادمت معك ومعهم لاتفلح2 ، قرب الحق عزوجل لايحتمل الزحمة . من كل ألف ألف منكم إلى إنقطاع النفس واحد يعقل ماأقول ويعمل به وباقيكم يدخلون في غماره ويتبركون بحضورهم معه 0
 آحاد أفراد من عباد الله عزوجل يزهدون في الخلق ويستأنسون بالخلوات ، يستأنسون بقراءة القرآن وبقرآءة كلام الرسول صلى الله عليه وسلم فلاجرم تصير لهم قلوب مستأنسة بالحق؟ قريبة منه يرون بها نفوسهم ونفوس غيرهم ، تصح قلوبهم فلا يخفى عليهم شئ مما أنتم عليه ، يتكلمون على خواطركم ويخبرونكم بما في بيوتكم 0
 سياف سلطان القدر بيده السيف وهو منتظر الأمر ، من كل ألف ألف واحد يكون على هذه الحكمة مستيقظ بلا غفلة 0
 آحاد أفراد من الخلق يطلعون على مايكون لهم ومنهم ، وأي وقت يموتون وهو مخزون في قلوبهم ، يرون ذلك عياناً كما ترون أنتم هذه الشمس ، لاتُعَبِّر عنه ألسنتهم 0
 آحاد أفراد من الخلق يؤهلون لدعوة الخلق إلى باب الحق عزوجل وهم حجة عليهم إن لم يقبلوا منهم ، هم نعمة على المؤمنين ، نقمة على المنافقين أعداء الله عزوجل 0
 آحاد أفراد من الخلق تَسقي قلوبَهم بنجُ الأنس والمشاهدة والقرب فلا يحسون بآلام القدر وبلاياه فتنقضي أيام البلاء ولايعلمون بها فيحمدون الله عزوجل ويشكرونه ، كيف لم يكونوا موجودين حتى لايعترضوا على ربهم عزوجل 0الآفات تَنْزل على القوم كما تَنْزل عليكم ،فمنهم من يصبر ومنهم من يغيب عن الآفات وعن الصبر عليها 0 التصبر عند ضعف الإيمان عند كونه طفلاً والصبر عند كونه شاباًُ مراهقاً ،والموافقة عند كونه بالغاً ، والرضا عند كونه قريباً ينظر بعلمه إلى ربه تعالى ، والغيبة والفناء عند وجود القلب والسر على الحق عزوجل وهي حالة المشاهدة والمحادثة ، يفنى باطنه ، يفنى وجوده وتمحى بالإضافة إلى الخلق ويوجد عند الحق تعالى ، يمحى ويذوب هنالك ذوباناً ثم إذا شاء الحق تعالى أنشره ، إذا أراد إعادته وجمع متلاشيه ومتفرقه كما جمع أجساد الخلق يوم القيامة بعد التقطع والتمزق ،يجمع عظامهم ولحومهم وشعورهم ثم يأمر إسرافيل بنفخ الأرواح فيها 0هذا في حق الحق ، أما هؤلاء فيعيدهم بلا واسطة ،نظرة تفنيهم ونظرة تعيدهم 0
 إصبر فإذا تم صبرك تم رضاك ، جاءك فناؤك فيصير الكل عندك طيباً ، ينقلب الكل شكراً يصير البعد قرباً ، يصير الشرك توحيداً فلا ترى من الخلق ضراً ولانفعاً ، لاترى أضداداً بل تتحد الأبواب والجهات فلا ترى إلاّ جهة واحدة ، حالة لايعقلها كثير من الخلق بل هي لآحاد أفراد من كل ألف ألف إلى إنقطاع النفس واحد0
 إذا أقبلت الدنيا على أولياء الله تعالى قالوا لها مُرِّي ، غُرِّي غيرنا ،نحن قد عرفناك ،قد رأيناك ،لاتجربينا لا تتبهرجي علينا ،زينتك على صنم مجوف من خشب لاروح فيه ،أنت ظاهر بلا معنى ،منظر بلا مخبر ،المنظر والمخبر للآخرة 0

هلا كنت حاجب الملك؟
شغلي خدمة الطالبين للحق عز وجل00000000
إذا صح طلبك للحق عز وجل سُخِّرتُ لخدمتك 0
بعد أن يتفضل الله تعالى على عبد من عباده ويجعله من الدعاة إلى طريقه ، وينطلق في ميدان الدعوة ، لابد له من أن يدرك ماذا يريد من الناس ، ولابد أن يدرك جسامة المهمة التي يقوم بها فهو حاجب الملك ، يدعوا الناس إلى باب الملك ، لم يأتي للمباهاة والتعالي على الناس والتفلسف عليهم وإفهامهم أنه أعلى منهم أو أعلم منهم بل إنما جاء لإنقاذهم ، يحزن لإدبارهم ، ويفرح لإقبالهم :
 يا خلق الله ! إني اطلب صلاحكم ومنفعتكم بالجملة 0أتمنى غلق أبواب النار وعدمها بالكلية وأن لا يدخلها أحد من خلق الله عز وجل وفتح أبواب الجنة وأن لا يمنع من دخولها أحد من خلق الله عزوجل0 قعودي لمصالح قلوبكم وتهذيبها لا لتغيير الكلام وتهذيبه 0 لاتهربوا من خشونة كلامي فما ربَّاني إلاّ الخشن في دين الله عز وجل 0 إذا أسأتَ الأدب فيما يرجع إلى الدين لا أتركك،ولا أقول لك أفعل ذلك،ولا أُبالي حضرت عندي أم غبت0إني ناحية عن عددكم وحسابكم0ماأنا فيه لا يغير باللسان ، إنما يغير بالجنان 0
 إقْبَلْ قولي فإني في حبالك أفتُل ،أَقْبِل ! لا تعاديني ! فإيش بيني وبينك من العداوة ؟ أنا مسجد لصلاتك ولإزالة نجاستك وأوساخك 0أطرق لك الطريق وأهدف لك فيها الطعام والشراب ،أفعل ذلك معك ولا أريد منك جزاء على ذلك، جامكيتي (1)على غيرك 0شغلي خدمة الطالبين للحق عز وجل 0إذا صح طلبك للحق عز وجل سُخِّرتُ لخدمتك 0
 هم قيام في مقام الدعوة ،يدعون الخلق إلى معرفة الحق عز وجل ،لا يزالون يدعون القلوب يقولون يا أيتها القلوب ! يا أيتها الأرواح ! يا إنس ! ياجن ! يا مريدي الملك! هلموا إلى باب الملك ،إسعوا إليه بأقدام قلوبكم ،بأقدام تقواكم وتوحيدكم ومعرفتكم وورعكم السامي والزهد في الدنيا والآخرة وفيما سوى المولى 0هذا شغل القوم ،همهم إصلاح الخلق ،هممهم تعم السماء والأرض من العرش إلى الثرى0
 القوم يأتون إليكم ولمنفعتكم لا لحوائجهم ،لاحاجة لهم إلى أحد من الخلق ،في حبال الخلق يفتلون ولبنيانهم يشيدون وعليهم يشفقون 0إيش يأخذون منكم لكم لالهم0 شغلهم النصح للخلق والدوام عليه لأن ماكان من الله عز وجل فهو يدوم ويثبت وماكان من غيره فلا0
 إني مسلط على كل كذاب منافق دجال ، مسلط على كل عاص لله عزوجل أكبرهم إبليس وأصغرهم الفاسق ،اني محارب لكل ضال مضل داع للباطل ، مستعين على ذلك بلا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم 0
 توبوا من ذنوبكم وسوء أدبكم ،هذه التوبة غرسي في أرض قلوبكم 0أَنقضُ بناء الشيطان وابن بناء الرحمن وأُلحقكم بمولاكم وربكم عز وجل 0إني قائم مع اللب لامع القشر 0 هذا الظاهر قشر لا أتعب في تربيته ،إنما أُربِّي ألبابكم وأُنحِّي قشوركم وأربيكم حتى تَقُرَّ عين نبيكم بكم0
 ياغلمان ! تصدقوا عليَّ بذرَّة من الصدق ،أنتم في حل من أموالكم ومما في بيوتكم ، ماأريد منكم إلاّ الصدق والإخلاص ونفع ذلك لكم ،أريدكم لكم لا لي ، قيّدوا ألفاظ ألسنتكم الظاهرة والباطنة فإن عليكم رقباء ،الملائكة يراقبون ظواهركم والحق عزوجل يراقب بواطنكم 0
 حيطان دين نبينا قد تواقعت ،تستغيث بمن يبنيه ،نهره قد نضب ماؤه والرب لا يعبد وإذا عُبِدَ رياء ونفاقاً ،من يعاون في إقامة الحيطان وتعجيل النهر وكسر النفاق؟0
 هلا كنت على باب الملك كالحاجب ،من جاء أخبرت الملك بمكانه ،أخذتَ قصته،آنستَ وحدته ؟ هلا جعلتَ الخلق عيالك وانزويتَ عنهم؟ إشتغلتَ بصنعتك في بيتك حتى إذا أتوا بابك رأوا عندك مايصلحهم 0بيتك خلوتك ،بيتك قلبك ، بيتك سرك،بيتك باطنك0صحبتك لربك بالقيام بأمره والإنتهاء عن نهيه0
 متى يُكدى منك ؟ متى يُستطعم منك ؟متى يُؤتى بابك ؟متى تفرغ من شأنك ؟ متى تُضرب حولك خيمة ؟ متى تعرس في قرب الملك ؟! متى تظهر نجابتُك وأهليتُك وصلاحيتُك لقرب الملك وتخرج ألقابُك وتظهر مباهاتُك وتكون أنجبَ أنجبَ أولاد محمد صلى الله عليه وسلم حتى يُسَلِّم إليك بركته0
 أين العامل حتى نصحبه؟
 يا جاهل ! إن فاتتك النبوة والرسالة لم تفتك الولاية0
 دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تتواقع حيطانه ويتناثر أساسه ،هلموا يا أهل الأرض نشيِّد ماتهدَّم ونقيم ماوقع0
 ياعارياً من هذا كله ! تهذَّب وتقدم واستأنف العمل ،أضرب على الكل ، تب عن قعودك في بيتك ، عند قعودي للكلام ههنا الولايات ، ههنا الدرجات0من جاء منهم إليك فكن به كالطبيب لهم ،كن للخلق كالأب الشفيق على أولاده0

مفاهيم ينبغي أن تصحح
ماسوى الله عزوجل صنم 0000
أنت صنمك الدنيا وأنت صنمك الآخرة 00000
وأنت صنمك الحمد والثناء وقبول الخلق لك0000
وأنت صنمك الخلق ،وأنت صنمك الشهوات واللذات 00
من الأسباب المهمة الأخرى لحدوث الانحرافات الفكرية والخلقية والروحية التي وقعت فيها الأجيال عبر التأريخ هو حدوث قصور في فهم أوإستيعاب مفاهيم ومعاني الحقائق التي يمكن أن تنبني عليها منظومة القيم والمبادئ والأخلاق،وكذلك حدوث إنحراف في أساسيات الدين وتصورات الحياة في ظل الدين بعد خلوّ الساحة من النخبة فضلاً عن سيادة الجهل وزيادة المتآمرين والحاقدين على هذا الدين0لذلك لابد أن تصحح هذه المفاهيم من جديد ليدرك الناس مدلولها الحقيقي ويظهر من ثَمَّ أثرها في الواقع:
 مفهوم الربوبية: إن السيف لايقطع بطبعه بل الله عزوجل يقطع به ،وإن النار لاتحرق بطبعها بل الله عزوجل المحرِّق لها ،وإن الطعام لإيشبع بطبعه بل الله عزوجل يُشبع به ،وإن الماء لايروي بطبعه بل الله عزوجل المروي به وهكذا جميع الأسباب على إختلاف أجناسها ،الله عزوجل المتصرف فيها وبهاوهي آلة بين يديه يفعل بها مإيشاء ،إذاكان هو الفاعل على الحقيقة فلم لاترجعون إليه في جميع أمركم ؟ أعرفواالحق عزوجل بصنعته ،هو الخالق الرزاق ،الأول الآخر ، والظاهر والباطن ، هو القديم الأول ، الدائم الأبدي ،الفعال لما يريد،هو المغني ،هو المفقر ،هو النافع المحيي المميت المعاقب المخوف المرجو،خافوه ولاتخافوا غيره ،وارجوه ولاترجوا غيره0
 توحيد الربوبية: الملك واحد ،الضار واحد ،النافع واحد، المحرك واحد والمسكِّن واحد ، المسلط واحد المسخر واحد ، المعطي والمانع واحد ، الخالق والرازق هو الله عزوجل ، هو القديم الأزلي الأبدي ،هو موجود قبل الخلق ،قبل آبائكم وأمهاتكم وأغنيائكم ،هو خالق السموات والأرض ومافيهن ومابينهما، ليس في السماء والأرض غيره ،ولامقدر ولاقاضي غيره ،ولامعز ولامذل غيره،ولامسلط ولامسخر غيره ،ولاقاهر غيره ، واأسفاه عليكم ياخلق الله ، ماتعرفون خالقكم حق معرفته0
 الحياة الدنيا : الحياة الدنيا نفسك وهواك وطبعك ،هذه هي الدنيا لا ما يزول من الشهوات فتلك أقسام لك0 مالابد منه ليس من الدنيا ، بيت يكنك ولباس يسترك وخبز يشبعك وزوجة تسكن إليها 0 الحياة الدنيا الإقبال على الخلق والإدبار عن الحق0
 الزهد:ليس الزهد في خشونة ثيابك ومأكولك ، الزهد في زهد قلبك0 أول مايلبس الصادق في لبسه الصوف على باطنه ثم يتعدى إلى ظاهره فَيَلْبَسُ سرَّه ثم قلبه ثم نفسه ثم جوارحه حتى إذا صار كله متخشناً جاءت يد الرأفة والرحمة والمنة غيرت عليه تغييراً على هذا المصاب ،يخلع عنه السواد وينقله إلى ثياب الفرح ، تبدل النقمة إلى النعمة والبغضة إلى الفرحة ، والخوف إلى الأمن والبعد إلى القرب والفقر إلى الغنى0
 الجهاد:الجهاد ظاهر وباطن ،فالباطن جهاد النفس والهوى والطبع والشيطان والتوبة عن المعاصي والزلات والثبات عليها وترك الشهوات المحرمات ، والظاهر جهاد الكفار المعاندين له ولرسوله صلى الله عليه وسلم ومقاساة سيوفهم ورماحهم وسهامهم ، يَقتلون ويُقتَلون ،فالجهاد الباطن أصعب من الجهاد الظاهر وهو قطع مألوفات النفس من المحرمات وهجرانها وامتثال أوامر الشرع والإنتهاء عن نهيه، فمن إمتثل أمر الجهادين حصلت له المجازاة دنيا وآخرة0
 المحظوظ:إن سعد بختك جاءتك يد الغيرة خلصتك من يد كل من سوى الحق عزوجل وأُخذتَ إلى باب قرب الحق عزوجل0
 الشجاع: من طهر قلبه مما سوى الله عزوجل ووقف على بابه بسيف التوحيد وصمصامة الشرع ،لايخلى شيئا من المخلوقات يدخل إليه ،يجمع قلبه بمقلب القلوب0
 أنواع الشجاعة : شجاعة المخاصمين للكفار في لقائهم والثبات معهم ، وشجاعة الصالحين في لقاء نفوسهم والأهوية والطباع والشياطين وأقران السوء الذين هم شياطين الإنس ، وشجاعة الخواص في الزهد في الدنيا والآخرة وماسوى الحق عزوجل في الجملة 0
 الحق والباطل: الحق هو الحق عز وجل ، والباطل: في النفوس والأهوية والطباع والعادات والدنيا وماسوى الحق عزوجل0
 الغاية :القرب من الحق عزوجل غاية خطوات القلب ومسارة السر0
 البكاء:هو عبادة وهو مبالغة في الذل0
 البخل :أنتم بخلاء على أنفسكم ! لو تكرمتم عليها لحصلتم لها ماينفعها في الآخرة
 أُلوهية النفس : نفوسكم تدعي الألوهية وماعندكم خبر لأنها تتجبر على الحق عزوجل وتريد غير مايريد وتحب عدوه الشيطان الرجيم ولاتحبه وإذا جاءت أقضيته لاتوافق ولاتصبر بل تعارض وتنازع ،ماعندها من الإستسلام خبر ،قد قنعت باِسم الإسلام وهذا لاينفعها ولايجدي عليها نفعها0
 البطالة الحقيقية: وأنتم يامقصرون في الأعمال ،ماتستحون ؟ قد رضيتم بالبطالة في نهاركم وليلكم ،تريدون ماعند الله عزوجل مع التقصير ،أهجموا على الأعمال وقد تعودتها نفوسكم0
 الرجولة الكاملة: أنت لاتُعدَّ من الرجال ،الرجل الكامل في رجولته لايعمل لأحد سوى الحق عزوجل0
 الحب الحقيقي : كل ماتراه من الوجوه المستحسنة وتحبه فهو حب ناقص أنت معاقب عليه ،الحب الصحيح الذي لايتغير حب الله عزوجل ،هو الذي تراه بعيني قلبك وهو حب الصديقين الروحانيين0
 التوبة : التوبة قلب دولة ،تَقْلِب دولة نفسك وهواك وشيطانك وأقرانك السوء ، إذا تبت قَلَبْتَ سمعك وبصرك ولسانك وقلبك وجميع جوارحك ، وتصفي طعامك وشرابك من كدر الحرام والشبهة وتتورع في معيشتك وبيعك وشرائك وتجعل كل همك مولاك عزوجل ،تزيل العادة وتترك مكانها العبادة ،تزيل المعصية وتترك مكانها الطاعة0
 الإسلام: الإسلام مشتق من الإستسلام وأن تسلم أمر الله عزوجل إلى الله ، تسلم نفسك إليه وتعتمد عليه وتنسى حولك وقوتك ومافي يديك من الدنيا تنفقه في طاعته 0تعمل بالطاعات وتسلمها إليه وتنساها0
 التعامل مع الأسباب: الأخذ بالكسب في بدابة الإيمان ثم عند قوة الإيمان الأخذ من الله عزوجل بعد ارتفاع الوسايط بينك وبينه ،ومعنى قولي ارتفاع الوسايط يعني إرتفاع وقوف القلب مع الوسايط والشرك بما يمتثل أمر الله عزوجل فيأخذ منهم ويتطارش عن حمدهم وذمهم وقبولهم وردهم ،إن أُعطوا رأوا فعل الله عزوجل فيهم ،وان مُنعوا كذلك ، إذا قويَ القلب أخذ من الحق عزوجل على أيدي الخلق بأمر الحق عزوجل0
 سنة الإكتساب : الأكل بالدين نفاق ، والأكل بالصنعة سنة ،أقعد مع هذه السنة حتى يأتي الإيمان ،تأخذ الصنعة في يدك وتغلق أبواب الخلق من قلبك 0
 المؤمن والمنافق: المؤمن هو مطيع لربه عزوجل موافق له صابر معه ،يقف عند حظوظه وكلِمِه وأكله ولبسه وجميع تصرفاته ،والمنافق لايبالي بهذه الأشياء في جميع أحواله0
 التصوف والصوفي الحقيقي: التصوف مشتق من الصفاء ، الصوفي الصادق في تصوفه يصفو قلبه عما سوى مولاه عزوجل وهذا شئ لا يجئ بتغيير الخرق وتصفير الوجوه وجمع الأكتاف ولقلقة اللسان بحكايات الصالحين ،وتحريك الأصابع بالتسبيح والتهليل وإنما يجئ بالصدق في طلب الحق عزوجل والزهد في الدنيا وإخراج الخلق من القلب وتجرده عما سوى مولاه 0الصوفي من صفا باطنه وظاهره بمتابعة كتاب الله عزوجل وسنة رسوله فكلما ازداد صفاؤه خرج من بحر وجوده ويترك إرادته واختياره ومشيئته من صفاء قلبه ، أساس الخير متابعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله وفعله0 الصوفي من صفا عن وجوده ، يكون قلبه سفيراً بينه وبين ربه عزوجل ،لايكون صوفياً حتى يرى نبيه صلى الله عليه وسلم في المنام يؤذنه ، يأمره وينهاه ،يترقى قلبه ويصفو سره على باب الملك ويده في يد النبي صلى الله عليه وسلم 0
 النسب الصحيح من الرسول صلى الله عليه وسلم : صححوا أنسابكم من نبيكم صلى الله عليه وسلم ، من صحت تبعيته له فقد صح نسبه ،وأما بقولك أنا من أمته من غير متابعة لاينفعك0 إذا تبعتموه في أقواله وأفعاله كنتم معه في صحبته في دار الآخرة0
 الخلوة : عبارة عن التعري من حيث القلب عن جميع الأشياء ،يتعرى باطنك فيكون متجرداً بلا دنيا ولا آخرة ولا ماسوى الحق عزوجل وهذا هو جادة من تقدم من الأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين0
 الشرك: الشرك في الظاهر والباطن ،الظاهر :عبادة الأصنام ،والباطن :الإتكال على الخلق ورؤيتهم في الضر والنفع0
 التكبر: من صفات الجبابرة الذبن يكبهم الله عزوجل على وجوههم في نار الجحيم ،إذا أغضبت الحق عزوجل فقد تكبرت عليه، إذا أذن المؤذن فلم تجبه بقيامك إلى الصلاة فقد تكبرت عليه ، إذا ظلمت أحداً من خلقه فقد تكبرت عليه0
 تولِّي الخلق: هو الخوف منهم والرجاء لهم والسكون إليهم والثقة بهم0
 غاية خلق الإنسان: قد خلقك لعبادته فلا تلعب ، أرادك لصحبته فلا تشتغل بغيره، لاتحب معه في محبته أحداً ، إن أحببت غيره حب رأفة ورحمة ولطف يجوز ، حب النفوس يجوز ،أما حب القلوب فلا يجوز ،حب السر لايجوز0
 الصبر: معنى الصبر أنك لاتشكو إلى أحد ولاتتعلق بسبب ولاتكره وجود البلية ولاتحب زوالها0
 الموت المنُجي: هو موت عن الخلق في الجملة ،موت عن الإرادة والاختيار 0 من صحت له هذه الموتة صحت له الحياة الأبدية مع ربه عزوجل ،تصير موتته الظاهرة سكتة لحظة، غشية لحظة ، غيبة لحظة ،نومة ثم يقظة 0 إن أردت هذه الموتة فعليك بتناول بنج المعرفة والنوم على عتبة الحق عزوجل حتى تأخذك يد الرحمة والمنة فتحييك حياة ابدية0
 موت القلوب: هي الغفلة عن الله عزوجل وعن ذكره فمن أراد منكم أن يحيى قلبه فليترك فيه ذكر الحق عزوجل والأنس به والنظر إلى سلطانه وعظمته وتصرفه في خلقه0
 حياة القلب : حياة القلب بالخروج من الخلق ، والقيام مع الحق عزوجل من حيث المعنى لا من حيث الصورة ، حياة القلب بامتثال أمر الحق عزوجل والإنتهاء عن نهيه والصبر معه على بلاياه وأقضيته وأقداره0
 الموت الأحمر: إني أدعوكم إلى الموت الأحمر وهو مخالفة النفس والهوى والطبع والشيطان والدنيا والخروج عن الخلق وترك ماسوى الحق عزوجل في الجملة 0 جاهدوا في هذه الأحوال ولاتيأسوا 0
 الموت الحقيقي : الميت من مات عن ربه عزوجل وإن كان حياً في الدنيا ،إيش تنفعه حياته وهو يصرفها في تحصيل شهواته وترهاته؟ فهو ميت معنى لاصورة0المؤمن حي والكافر ميت ، الموحد حي والمشرك ميت ، لهذا قال الله عزوجل في بعض كلامه : أول من مات من خلقي إبليس ، يعني عصاني فمات بالمعصية0
 العبودية : أنك عبد من زمامك بيده ، إن كان زمامك بيد الدنيا فأنت عبد لها ، وإن كان زمامك بيد الأخرى فأنت عبد لها ، وإن كان زمامك بيد الحق عزوجل فأنت عبد له ، وإن كان زمامك بيد نفسك فأنت عبد نفسك ، وإن كان زمامك بيد هواك فأنت عبد هواك وإن كان زمامك بيد الخلق فأنت عبد الخلق ، فانظر إلى من تُسْلِم زمامك0
 الكَنْز الذي لايفنى: هو الصدق والإخلاص والخوف من الله عزوجل والرجاء له والرجوع إليه في جميع الأحوال0
 مفهوم لاحول ولاقوة إلاّ بالله : صدَقَوا في هذا القول فافْنوا حولهم وقواهم وقوى الخلق واستمسكوا بقوة الحق عزوجل0
 التقوى : حقيقة التقوى فعل ماأمرك الله عزوجل بفعله وترك ماأمرك الله بتركه والصبر على أفعاله ومقدوراته وسائر بلاياه0 والتقوى أنك لو جمعت مافي قلبك وتركته في طبق مكشوف وطفت به في السوق لم يكن شئ يُسْتَحَى منه 0
 الفرح الحقيقي: فرح المؤمن بقوة إيمانه ويقينه ووصول قلبه إلى باب قرب ربه عزوجل0
 ملوك الدنيا والآخرة: إلاّ إن ملوك الدنيا والآخرة هم العارفون بالله عزوجل والعاملون له 0
 العمل الصالح: العمل الصالح ماصلح لله عزوجل ولم يكن فيه شريك 0
 الصنم: ماسوى الله عزوجل صنم ، أنت صنمك الدنيا وأنت صنمك الآخرة وأنت صنمك الخلق وأنت صنمك الشهوات واللذات ،وأنت صنمك الحمد والثناء وقبول الخلق لك0
 الولي: هو الذي يكون موافقاً لربه عزوجل في جميع أحواله ،يصير كله موافقة من غير لِم َوكيف مع أداء الأوامر والإنتهاء عن النواهي0
 الوصول إلى الله: الوصول عام وخاص ، الوصول العام الوصول إلى الله عزوجل بعد الموت ، والخاص وصول قلوب آحاد أفراد إلى الله عزوجل قبل الموت وهم الذين يجاهدون أنفسهم بالمخالفات ويخرجون عن الخلق فيما يرجع إلى الضر والنفع فإذا داموا على هذا وصلوا إليه كما يصل العوام بعد الموت 0 من صح له هذا جاءه التمكن والبسط والمحادثة والمؤانسة 0
 العارف: هو الذي يحفظ حدود الشرع ويحفظ قلبه من دخول غير ربه عزوجل فيه ، يحذر أن ينظر إلى قلبه فينظر فيه خوف غيره ورجاء غيره والإتكال على غيره ، يحفظ قلبه من التدنس بالخلق والأسباب ، يكره لقاء الخلق ولابد له منهم لأنهم مرضى وهو جليسهم0
 الزاوية (أو التكية): الزاوية مخالفة النفس والشهوات والخلق والظفر بالرفيق ثم القعود 0 الخلوة طريق الآخرة ،النفس لاتصلح أن تكون رفيقة في الطريق0
 العزلة: إنعزل وحدك بلا نفس وشيطان وهوى وطبع وعادة ورؤية الخلق 0إن إنعزلت عن الخلق على هذه القاعدة وإلاّ فإنعزالك نفاق وتضيع زمانك في لاشئ 0
 أنواع الصلاة: صلاة العباد أن يجعلوا الجنة عن يمين القلب والنار عن شماله والصراط بين يديه والرب مطلعاً عليه ،وصلاة المحبين الإنفصال عن الخلق والإتصال به 0
 الطامع : الطامع فارغ كالطمع لان حروف الطمع كلها فارغة الطاء والميم والعين ،كلام الطامع لايخلو من رجة ومداهنة ،يكون كلامه قشراً فارغاً لا لب فيه ،صورة بلا معنى0
 الأحمق : من لم يعرف الله عزوجل ورضي بالحياة الدنيا من الآخرة 0
 صحبة الخلق: معنى صحبة الخلق نصيحتك لهم بعد صحبة الحق عزوجل ، إصحب الخلق فإذا صحبت الخلق بعد صحبة الحق فأنت مع الحق لامع الخلق ، علامة صحبتك للخلق أنك لاترى النفع والضر من جانب الخلق بل الكل مسلطون عليك مسخرون0
 الإيمان والهوى: الإيمان هو المقاوم للآفات ، هو الصابر تحت ثقلنا ، هو المصارع ، هو المقاتل ، الإيمان هو المتكرم بما عنده من الدنيا ، الإيمان يتكرم لوجه الله عزوجل ، والهوى يتكرم لوجه الشيطان ولأغراض النفس0
 الغنى والفقر : الغنى هو الغنى بالله عزوجل والإتصال به ، والفقر هو البعد عن الله عزوجل والاستغناء بغيره ،الغني من ظفر بقرب ربه عزوجل والفقير من عدم ذلك0
 العذر بالقدر: الدنيا دار الحكمة ،إعمل في دار الحكمة بحكمته ولاتتكل على قدرته ، لاتجعل القدر عذراً لنفسك فإنها تحتج به وتترك العمل ، العذر بالقدر حجة الكسالى ،إنما يكون العذر بالقدر في غير الأوامر والنواهي0

الصبر على قدر الدعوة
سبحان من ألقى في قلبي نصح الخلق وجعله أكبر همي!

طريق الدعوة كله صبر ، فهو طريق طويل وشاق ، ولكن أجره عظيم لأن الله تعالى قال: (وَمَنْ أحْسَنُ قَوْلاً مِمَّن دَعَا إلى الله )0والدعوة إلى الله تعالى كذلك قدر من الله إذا أرادك لهذا الأمر هيأك له ، فهو إذا تأهيل سماوي لا أرضي:
 لولا الصبر لما رأيتموني بينكم ، قد جُعلت شباكاً تصطاد الطيور ، من ليل إلى ليل يفتح عن عيني ويخلى عن رجلي ، بالنهار مغمض العينين ورجلي مشدودة في الشبكة ، فِعْلُ ذلك لمصلحتكم وأنتم لاتعرفون ، لولا موافقة الحق عزوجل وإلاّ فهل عاقل يقعد في هذه البلدة ويعاشر أهلها ، قد عم فيها الرياء والنفاق والظلم وكثرة الشبهة والحرام 0
 سبحان من ألقى في قلبي نصح الخلق وجعله أكبر همي 0
 إتعظوا بمواعظ الرسول صلى الله عليه وسلم واقبلوا قوله ، ماأقسى قلوبكم ! سبحان من أقدرني على مقاساة الخلق ! كلما رمت الطيران جاء مقص القدر وقص جناحي غير أني أتسلى وأنا مقيم في براح الملك0
 إذا صح لك الانفراد والمحبة قرَّبك إليه وأدناك منه وأفناك فيه ثم إن شاء الله يشهرك ويظهرك للخلق ويردك إلى استيفاء الأقسام ، أمرَ ريحَ سابقته وعلمه فيك فهبت على حيطان خلوتك فأرمت بها وأظهر أمرك للخلق فتكون بينهما ، به لا بك0
 ياأهل هذه البلدة ! جميع ماأنتم فيه منكر عندي وجميع ماأنا فيه منكر عندكم ، نحن ضدان لانتفق ،نعيش بينكم بقوة صاحب السموات!
 لاتؤهل نفسك لشئ لم يؤهلك الله عزوجل له ، إن لم يأتك التأهل من الله عزوجل وإلاّ ما تقدر عليه أنت ولا الخلق ،إذا أرادك لأمر هيأه لك0
 أشد الأشياء على من عرف الله عزوجل النطق مع الخلق والقعود معهم ولهذا يكون ألف عارف والمتكلم فيهم واحد إلاّ أنه يحتاج إلى قوة الأنبياء عليهم السلام، وكيف لايحتاج إلى قوتهم وهو يريد أن يقعد بين أجناس الخلق ،يخالط من يعقل ومن لايعقل ، يقعد مع منافق ومؤمن فهو على مقاساة عظيمة ،صابر على مايكره ومع ذلك فهو محفوظ فيما هو فيه ،معان عليه لأنه ممتثل لأمر الحق عزوجل في كلامه على الخلق ، لم يتكلم بنفسه وهواه واختياره وإرادته ،إنما أجبر على الكلام فلاجرم يحفظ فيه0
 ما أحب أنظر إلاّ لطالبي الآخرة وطالبي الحق عزوجل ،وأما طالب الدنيا والخلق والنفس والهوى إيش أعمل به غير إني أحب مداواته لأنه مريض ،لايصبر على المريض إلاّ الطبيب0
 ماأنا مشمر بل أنا عليَّ مَثاقف من القدر ، فأنا موافق له مسلِّم إليه ،اللهم سلاماً وتسليماً0
 تستهزئ بي وأنا وأقف على باب الحق عزوجل ،أدعوا الخلق إليه ،سوف ترى جوابك ! إبن إلى فوق ذراعاً وإلى تحت آلافاً ،سوف ترون يامنافقون عذاب الله عزوجل وعقابه دنيا وآخرة ،الزمان حبلى ،سوف ترون مايكون منه 0
 يامريدين ! قد نطقت ولكن أنتم تهربون ولاتعملون ، إسمي في سائر البلاد أخرس ، كنت أتجانن وأتخارس وأتعاجم ولكن ماصح لي ، أخرجني القدر إليكم ، كنت في المطامير ، أخرجني وأقعدني على الكرسي0
 ويلك ! تزاحمني في مقامي الذي قد أُقمت فيه ، ماتقدر ! مايقع بيدك شئ بمزاحمتك ، هذا شئ يَنْزل من السماء إلى الأرض((وَإنْ مِنْ شَئ إلاّ عِنْدَنا خَزائِنَهُ ومانُنَزلهُ إلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ))
 كلامي عليكم ضربة لازب ، أمرت به بطريق أعرفها ، أقطع بصحتها0
 هربت منكم مرة وفيكم وقعت ! عزمت أني أبيت كل ليلة في موضع وأسير من بلد إلى بلد ومن قرية إلى قرية وأكون متغرباً متخفياً إلى أن أموت ، هذا ما أردت وأراد الله عزوجل بخلافه فوقعت في وسط ماهربت منه0
 مامن صلاة إلاّ وأعزم أن أستخلف من يصلي بالناس حتى إذا جاء وقت الصلاة أُعدت إلى الصلاة وكذلك في وقت كل مجلس0
من فنون الدعوة : التصوير الفني

الليل سرير مُلكهم ، الخلوة منصة عروسهم ،
النهار يغريهم لشئ من الأسباب 0
تكمن براعة الداعية في كثرة ودقة استعماله للتمثيل والتشبيه والتصوير وهو يعرض بضاعته على الناس لأن هذه الوسيلة تعد من أنجح الطرق لإيصال هذه المعاني إلى عقول الناس ، وهو يحتاج من الداعية أن يكون واسع الإطلاع والخبرة ليستطيع الإتيان بأمثلة من الواقع المعاش:
 القلب إذا خرج في فيافي الأسباب والتعلق بالخلائق ،ركب بحر التوكل والمعرفة بالله عز وجل والعلم به ، وترك السبب وطلب المسبب ، فإذا توسط في البحر فهنالك يقول :الذي خلقني فهو يهديني ، فيُهدَى من ساحل إلى ساحل ، من موضع إلى موضع حتى يقف على الجادة المستقيمة ،فكلما ذكر ربه تجلت جادته ، وانكشف الدغل عنها 0 قلبُ الطالب للحق عز وجل يقطع المسافات ويخُلِّفَ الكل وراءه ، فإذا خاف في بعض الطريق من الهلاك برز إيمانه فشجعه فتخمد نيران الوحشة والخوف ويأتي بدلها الأنس والفرح والقرب0
 ويحك ! قد قيدت نفسك بالخوف من الخلق والرجاء لهم ،أزل هذه القيود من رجليها وقد قامت إلى خدمة ربها عزوجل وصارت مطمئنة بين يديه 0
 القوم كلامهم ضرورة ، ونومهم نوم الغرقى ،أكلهم أكل المرضى0
 سوف ترى عند الطعان وليس على رأسك خوذة إيش يتم عليه من الجراحات0
 الشيطان يلعب بعوام الناس كما يلعب الفارس بكرته ،يدير أحدهم فيما يشاء كما يدير أحدكم دابته فيما يشاء ،يضرب أقفية قلوبهم ! ويستخدمهم كيف أراد ، يحطهم من الصوامع ويخرجهم من المحاريب ويوقفهم في خدمته والنفس تعينه على ذلك وتهيئ له أسبابه0
 الليل سرير مُلكهم ،الخلوة منصة عروسهم ،النهار يغريهم لشئ من الأسباب0
 إحذر من بحر الدنيا فقد غرق فيه خلق كثير0
 لاتكن في أخذك للدنيا كحاطب الليل مايدري مايقع بيده ، إني أراك في تصرفاتك كحاطب ليل في ليلة ظلماء لاقمر فيها ولاضوء معه وهو في رملة كثيرة الدغل والحشرات القاتلة فيوشك أن يقتلك شئ منها ،عليك بالإحتطاب نهاراً فإن ضوء الشمس يمنعك أن تأخذ ما يضرك 0كن في تصرفاتك مع شمس التوحيد والشرع والتقوى فإن هذه الشمس تمنعك عن الوقوع في شبكة الهوى والنفس والشيطان والشرك بالخلق وتمنعك عن العجلة في السير 0
 المؤمن يتزود والكافر يتمتع ، المؤمن يتزود لأنه على الطريق ، يقنع باليسير من ماله ويقدم الكثير إلى الآخرة ، يترك لنفسه بقدر زاد الراكب بقدر ما يحمله ، كل ماله في الآخرة ، كل قلبه وهمته هناك ، هو منقطع القلب هناك من الدنيا ، يبعث جميع طاعاته إلى الآخرة لا إلى الدنيا وأهلها ، إن كان عنده طعام طيب يؤثر به الفقراء ، يعلم أنه في الآخرة يطعم خيراً منه 0
 تب عن الخلق الى الحق ، وليكن وقوفك على عتبة باب قربه ، تجذبك يد المحبة والقرب ،تصير جليس ذلك البيت ، حتى إذا رأيت تلك المرافق والأمكنة جاءك البسط من كل جانب ، قويَ جناحك ،طرت إلى شرفات ذلك البيت ،صارت تلك الشرفات برجك ،إن سقطت سقطت في صحن الدار ، تتقلب بين يدي صاحب الدار ،تكون داعياً مجاباً ، إن أردت نفع الخلق هكذا فافعل ولاتهذ هذياناً فارغاً0
 من أحب بعض الملوك وبينه وبينه مسافة بعيدة ،غلب عليه الحب وخرج هائماً على وجهه قاصداً إلى بلده ، يواصل الضياء بالظلام في السير ،يتحمل المشاق والمخاوف ، لايهنأ بأكل ولاشرب حتى يصل إلى باب داره وعند الملك خبر بحاله فيخرج له غلمانه فيرحبون به ويحملونه إلى الحمام فيزيلون وسخه ويلبسونه أحسن الثياب ويطيبونه ويحضرونه بين يديه ،فيؤانسه ويكلمه ويسأله عن حاله ويزوجّه بأحسن جواريه وينعم عليه من ملكه ويصير محبوبه ،فهل يبقى بعد ذلك خوف أو تعب أو يتمنى العود إلى بلده ؟كيف يتمنى فراقه وقد صار عنده مكيناً أميناً؟هذا القلب إذا وصل إلى الحق عزوجل صار ممكناً من قربه ومناجاته ،آمناً عنده فلا يتمنى الرجوع عنده إلى غيره 0ووصول القلب إلى هذا المقام بأداء الفرائض والصبر عن الحرام والشهوات 0
 القلب طائر في قفص البنية ،كدرَّة في حُقَّة ،كمالٍ في خزانة ،فالإعتبار بالطائر لابالقفص ،بالدرة لابالحقة ،بالمال لابالخزانة0
 لاتطلب الدنيا ولاتغضب لشئ منها فإن ذلك يفسد قلبك كما يفسد الخل العسل0
 أنقر بيضة وجودك بمنقار صدقك ، وانقض حيطان رؤيتك للخلق والتقيد بهم بمعاول الإخلاص وتوحيدك ، إكسر قفص طلبك للأشياء بيد زهدك فيها ، وَطِرْ بقلبك حتى تقع على ساحل بحر قربك من ربك عزوجل فحينئذ يأتيك ملاَّح السابقة ومعه سفينة العناية فيأخذك ويعبِّرك إلى ربك عزوجل ، هذه الدنيا بحر وإيمانك سفينتها0
 عن بعضهم رحمة الله عليه أنه قال : الصيام والقيام خل وبقل على المائدة والطعام غيرهما 0 صَدَق ، هما أول الطعام ثم يجيء لون بعد لون من الأطعمة ثم الأكل ثم غسل الأيدي ثم يجئ لقاء الله عزوجل ثم الخلع والإقطاع والإمارة والنيابة وتسليم البلاد والقلاع 0
 الجراحات في جسد الشهيد كالفصد في يد أحدكم لاألم لها عنده ، والموت في حق المجاهد لنفسه التائب من ذنوبه كشرب العطشان للماء البارد0
 إن كان الموت حقاً لابد منه فمُتْ الساعة(1) ،الميت لامخالطة له ،لاعطاء له ولامنع له ،لارجاء له ،لامعاداة ولامصادقة ، سكونٌ سكوتٌ ،كن كالميت في جلب النفع ودفع الضرر،الميت لا يتكلم ثم إذا شاء أنطقك وأنت ميت ، إذا مت عن الخلق وعنك نطقت بكلام كان صدقاً وحقاً لأن الميت لا يخبر إلاّ بالحق والصدق0
 أراك قليل المعرفة بالله عزوجل وبرسوله ، قليل المعرفة بأولياء الله عزوجل وأبدال أنبيائه وخلفائه في خلقه ، أنت خال من معنى ، أنت قفص بلا طائر ، بيتٌ فارغٌ خراب ، شجرةٌ قد يبستْ وتناثر ورقها 0 عمارة قلب العبد بالإسلام ثم بالتحقيق في حقيقته وهي الإستسلام 0
 لو علمت أن الدنيا تقطعك لما سألتها ،إذا تهذب باطنك تهذبت الدنيا لك ، شرابها سم ،هي تبدو بحلاوة وتثني بمرارة حتى إذا صارت في قلبك وجُعلت تحت جناحها إنقلبت سماً وذبحتك!
 الأيام تنقضي وخطواتك تقربك إلى الحق عزوجل مع مضي الليل ومجئ النهار0هم على أقسام منهم من ينتهي سفره في يوم وشهر وسنين ،لاتذهب زمانك بِلِمَ وكيف وسوف بل شد وسطك ،اعمل لعلك إذا عملت في داره إتخذك قُنية ، لعل جارية من جواريه تعشقك فتُزَوَّجَ بها ،تُغَيَّر صورتك ويُباع زنبيلك وفأسك ، تُجعلَ سائساً أو ملكاً نائباً أو وزيراً ،من عرف الله لايستكثر له تلك0
 دنياكم قد أعمت قلوبكم فما تبصرون بها شيئاً ، إحذروا منها فهي تمكنكم من نفسها تارة بعد أخرى حتى تدرجكم وفي الأخيرة تذبحكم ، تسقيكم من شرابها وبنجها ثم تقطع أيديكم وأرجلكم وتسمِّل أعينكم فإذا ذهب البنج وجاءت الإفاقة رأيتم ماصنعت بكم 0
 المؤمن يتقوت لأنه في الطريق ماوصل إلى المنَزل ، قد علم أن له في المَنْزل كل مايحتاج إليه ، والمنافق لامَنْزل له ،لامقصد له 0
 محبوبك يُخرج الخلق من قلبك من العرش إلى الثرى فلا تحب الدنيا ولا الآخرة ، تستوحش منك وتستأنس به ،تصير كمجنون ليلى لما تمكنت منه المحبة خرج من بين الخلق ورضي بالوحدة خرج من مدح الخلق وذمهم وصار كلامهم وسكوتهم عنده واحداً ،رضاهم وسخطهم عنده واحداً ، قيل له بعض الأيام من أنت ؟ قال ليلى ! وقيل له أيضاً من أين جئت ؟ قال ليلى ! قيل له إلى أين تمرّ ؟ قال ليلى ! عمي عما سواها وطرش عن سماع غير كلامها ،لم يرجع عنها بعذل عاذل، ما أحسن ماقال بعضهم :
وإذا تساعدت النفوس على الهوى فالخلق تضرب في حديد بارد
 لاتسمِّنوا نفوسكم فإنها تأكلكم كمن يأخذ كلباً ضارياً فيربيه ويسمنه ويخلو به فلا جرم يأكله ، لاتطلقوا أعنة النفوس وتحدوا سكاكينها !! فإنها ترمي بكم في أودية الهلاك وتخدعكم ، إقطعوا مواردها ولاتطلقوها في شهواتها0
 في فتيتك(1) زجاج مكسور وأنت تأكله ولاتعلم به لقوة شرهك وغلبة شهوتك وهواك وشدة حرصك ، بعد ساعة تقطِّع معدتك وتهلكك0
 إصبر لضربة عدوك فعن قريب تضربه وتقتله وتأخذ سلبه ثم تأخذ الخلعة من الملك والإقطاع0
 القول بلا عمل كدار بلا باب ولامرافق ،كَنْز لاينفق منه ، هو مجرد دعوى بلا بينة صورة بلا روح، صنم لايدان له ولارجلان ولابطش ، معظم أعمالكم كجسد بلا روح ، الروح هو الإخلاص والتوحيد والثبات على كتاب الله عزوجل وسنة رسوله0
 من أراد الفلاح فليبذل نفسه وماله للحق عزوجل ويخرج بقلبه من الخلق والدنيا كخروج الشعرة من العجين واللبن وهكذا من الأخرى وهكذا من جميع ماسوى الحق عزوجل0
 لاتأكل قسمك من الدنيا وهي قاعدة وأنت قائم بل كُلْهَا على باب الملك وأنت قاعد وهي قائمة والطبق على رأسها تخدم من هو واقف على باب الحق عزوجل وتُذِلُّ من هو واقف على بابها ،كُلْ منها على قدم الغنى والعز بالحق عزوجل0
 ما أكثر ما تخرقون حدود الشرع وتمزقون دروع تقواكم وتنسجون ثياب توحيدكم وتطفئون نور إيمانكم وتتبغضون إلى ربكم عزوجل في جميع أفعالكم وأحوالكم0
 هذا المتاع الذي معك مايبتاع منك هناك ، متاعك الرياء والنفاق والمعاصي وهي شئ لاينفق في سوق الآخرة 0
 كُلُّ عملك جوز فارغ ، كل عمل لاإخلاص فيه فهو قشر لا لُبَّ فيه ، خشبة ممدودة ، جسد بلا روح ، صورة بلا معنى وهذا عمل المنافقين0
 أنت مستظل بشجرة الغفلة ،أخرج من ظلها وقد رأيت ضوء الشمس وعرفت الطريق ، شجرة الغفلة تربّى بماء الجهل ، وشجرة اليقظة والمعرفة تربى بماء الفكر ، وشجرة التوبة تربى بماء الندامة ، وشجرة المحبة تربى بماء الموافقة0
 طَهِّرْ قلبك الذي هو مسكن قرب الحق عزوجل ،أُكْنُسْه عما سواه واقعد على بابه بسيف التوحيد والإخلاص والصدق ولاتفتحه لأحد غيره ولاتشغل زاوية من زوايا قلبك بغيره 0 يالعّابين ! ماعندي لعب ،ياقشور! ماعندي سوى اللب0
 ويحك ! إذا كان هذا الكلب الشَرِه يتعلم حفظ الصيد ويترك شرهه وطبعه ، وهذا الطائر أيضا بالتعليم يخالف طبعه ويترك ماكان عليه من أكل الصيود التي تجعل له فنفسك أولى بالتعليم ، علّمها وفهمها حتى لاتأكل دينك وتمزقك وتخون في أمانات الحق عزوجل المودعة عندها دين ، دين المؤمن عنده لحمه ودمه ، لاتصحبها قبل تعليمك لها 0 إذا تعلمت وفهمت وإطمأنت حينئذ إستصحبها أينما توجهتَ، لاتفارقها في جميع الأحوال0
 يازوكاري(أي يا أجير) إذا عملت مع رجل كريم متأدب ولاتطلب الثروة والأجر فهما يحصلان لك من غير طلب وسوء أدب ، إذا رآك قد تركت الشره والطلب وسوء الأدب ميَّزك على أصحابك الذين يعملون معك ورفَّهك وأقعدك مشرفاً عليهم0 الحق عزوجل لا يصحب مع الاعتراض والمنازعة وإنما يصحب مع حسن الأدب وسكون الظاهر والباطن والموافقة الدائمة0
 الأدب في حق العارف فريضة كالتوبة في حق العاصي،كيف لايكون متأدباً وهو أقرب الخلق إلى الخالق 0من عاشر الملوك بالجهل كان جهله مقرباً له إلى قتله 0
 ماأكسد سوق كلامي لأنه لاينفق على النفوس والأهوية0
 لاتخاطر برأسك! إن كنت جئت تصدق وإلا فلاتتبعنا 0 لاتتبهرج على الصيرفي فإنه لايقبل منك ويفضحك0 لاتتولع بالحية والسبع فإنهما يهلكانك ، إن كنت حوّاء فتقدم إلى الحية وإن كان لك قوة فتقدم إلى السبع 0 طريق الحق عزوجل يحتاج إلى الصدق ويحتاج إلى نور المعرفة به ،شمس المعرفة طالعة في قلب الصديقين لاتغيب ليلاً ولانهاراً0
 القوم لافرحة لغمِّهم ولاوضع لحملهم، لا قرار لعيونهم ، لا سلوة لمصائبهم حتى يلقوا ربهم عزوجل ولقاؤهم على ضربين : لقاء في الدنيا لقلوبهم وأسرارهم وهو نادر ولقاء في الأخرى إذا لقوا ربهم عزوجل جاء الهنا والفرح، أما قبل هذا فمصائبهم دائمة0
 القوم قد جعلوا الحمد والذم كالصيف والشتاء والليل والنهار وكلاهما يرونهما من الله عزوجل لأنه لايقدر يأتي بهما إلاّ الله عزوجل فلما تحقق عندهم ذلك لم يعتدوا بالحامدين ولم يحاربوا الذامين ولم يشتغلوا بهم ، خرج من قلوبهم حب الخلق وبغضهم 0 لايحبون ولايبغضون بل يرحمون 0
 إحذروا من أذية المؤمن فإنها سم في جسد مؤذيه ، وسبب لفقره وعقوبته 0 ياجاهلاً بالله عزوجل وبخواصه لاتذق طعم غيبتهم فإنها سم قاتل ، إياك ثم إياك أن تتعرض لهم بسوء فإنَّ لهم من يغار عليهم 0
 سكاكين القدر تُقطّع لحومهم ولايبالون ولايتألمون وذلك لرؤيتهم المؤلِّم ودهشتهم به0
 لوكان لك عقل بكيت على ذهاب دينك ،لك رأس مال وأنت لاتتجر به ، هذا العقل والحياء هما رأس المال وأنت ماتحسن أن تتجر بهما 0 علم لاتعمل به ، وعقل لاتنتفع به وحياة لاتفيد كبيت لايُسكن وكَنْز لايعرف وطعام لايؤكل0
 ذنوبكم كالأمطار فلتكن توباتكم كل لحظة في مقابلتها0
 ياأهل الأرض أعجنوا ، أعمالكم بلا ملح ، تعالوا خذوا له ملحاً ، ياشاري الملح! تقدم ، يا منافقين عجينكم بلا ملح ، فطيرٌ هو محتاج إلى خمير العلم وملح الإخلاص ، يامنافق أنت معجون بالنفاق ، عن قريب ينقلب عليك نفاقك ناراً0
 دع أهلك ومالك وبلدك وزوجتك وأولادك وأخرج عنهم بقلبك ودع الكل وسِرْ إلى بابه ، إذا وصلت إلى بابه فلا تشتغل بغلمانه وسلطانه وملكه ، إن قدموا لك طبقاً فلا تأكل ، إن أسكنوك في حجرة فلا تسكن ، إن زوَّجوك فلا تتزوج ، لاتقبل شيئاً من ذلك حتى تلقاه كما أنت بثيابك وتعبك وغبار سفرك وشعثك فيكون هو المغِّير عليك ، المطعم المسقي ، المؤنس لوحشتك ، المفرج لك ، المريح لتعبك، المؤمِّن لخوفك ، يكون قربه غناك ، ورؤيته لك طعامك وشرابك ولباسك0
 هذه الدنيا سوق ، بعد ساعة لايبقى فيه أحد 0عند مجيء الليل يذهب أهله منه 0 إجتهدوا أنكم لاتبيعون ولاتشترون في هذا السوق إلاّ ماينفعكم غداً في سوق الآخرة فإن الناقد بصير ، توحيد الحق عزوجل والإخلاص في العمل له هو النافق هناك وهو قليل عندكم0
 الخلق والنفس بحران ، ناران ، واديان مهلكان، أعزم وجِزْ هذا المهلك0
 يا تارك الزجاج للكسر ! غداً أكلك في قنينتك يبين لك الخبر(1) ، ياآكل السم ! عن قريب يتبين فعله في جسدك ، أكل الحرام سم لجسد دينك،ترك الشكر على النعم سم لدينك عن قريب يعاقبك الحق عزوجل بالفقر والسؤال للخلق ورفع الرحمة من قلوبهم لك ، وأنت يا تارك العمل بعلمه عن قريب ينسيك العلم ويذهب بركته من قلبك ، ياجهالاً لوعرفتموه عرفتم عقوباته ، أحسنوا الأدب معه ومع خلقه ، قلِّلوا الكلام فيما لايعنيكم0
 أهربوا ممن يشغلكم عن الله عزوجل كهَرَبِكُم من السبع0
 قد جاءك نذير الموت وهو الشيب في شعرك وأنت تقصه أو تغيره بالسواد 0 إذا جاءك أجلك إيش تعمل ؟ إذا جاءك ملك الموت ومعه أعوانه بأي شئ ترده؟
 ويحك ! جذعُ سقفِ حياتك انكسر أيها المغرور ! حيطانك تتواقع ! أطلب دار الآخرة وانقل رِجْلَك إليها ،ماهذه الرِجل ؟ الرِجل هي الأعمال الصالحة0قدّم مالك إلى الآخرة حتى تجده وقت وصولك إليه0
 اطلب ودَّه فإنه يريدك 0 في البداية تكون مريداً وهو المراد وفي النهاية تكون مراداً وهوالمريد، الصغير في حال صغره يطلب أمه فإذا كبر تطلبه أمه 0 إذا علم صدق إرادتك له أرادك ،إذا علم صدق محبتك أحبك ودلَّ قلبك وقربك منه0
 قيل لبعض العلماء رحمة الله عليه : بم نلت هذا العلم الذي معك ؟فقال بباكورة الغراب وبصبر الجمل وبحرص الخِنْزير وبتملق الكلب، كنت أبكر على أبواب العلماء كما يبكر الغراب إلى الطيران ،وكنت إصبر على أثقالهم كصبر الجمل على الأثقال وكنت أحرص على طلب العلم كحرص الخِنْزير على شئ يأكله ، وكنت أتملق لهم كتملق الكلب بباب دار صاحبه حتى يطعمه شيئاً0 ياطالب العلم ! إسمع مقالة هذا العالم واعمل بها إن أردت العلم والفلاح0
 أنت كالحجام تخرج الداء من غيرك وفيك داء محض ماتخرجه0
 إجتهد إن تكون سمندلاً في نار الآفات والمجاهدات والمكابدات والصبر على مطارق الأقضية والأقدار0
 طِرْ إلى الحق عزوجل بجناحي الكتاب والسنة ،أُدخل عليه ويدك في يد الرسول صلىالله تعالى عليه وسلم 0إجعله وزيرك ومعلمك ،دع يده تزينك وتمشطك وتعرضك عليه ، هو الحاكم بين الأرواح ، المربي للمريدين ،جهبذ المرادين ، أمير الصالحين ،قسَّام الأحوال والمقامات بينهم لأن الحق عزوجل فوض ذلك إليه ،جعله أمير الكل ،الخلع إذا خرجت من عند الملك إنما تُقَسَّم على يد أميرهم 0
 فرّغ قلبك الذي هو بيت الحق عزوجل لاتدع فيه غيره 0 إذا كانت الملائكة عليهم السلام لاتدخل بيتا فيه صورة ، فكيف يدخل الحق عزوجل إلى قلبك وفيه صور وأصنام ،كل ماسواه صنم ،فكسِّرْ الأصنام وطهِّرْ هذا البيت وقد رأيت حضور صاحبه فيه ، تَرَى من العجائب مالم تكن تراه من قبل0
 من وثق بمخلوق مثله فهو كالقابض على الماء ، يفتح يده لايرى فيها شيئاً0
 ياقوم! كلوا بقايا القوم ،اشربوا ماقد بقي في أوانيهم0(1)
 أما ترى المواضع الخراب ؟معاصي أهلها خربتها لأن المعاصي تخرب البلاد وتهلك العباد0هكذا أنت ،بنيتك بلدةٌ ، إذا عصيت يجيئك الخراب إلى جسدك ،ثم إلى جسد دينك ،يجيئك العمى والزمن والطرش وذهاب القوة ،يجيئك الأمراض المختلفة ، يجيئك الفقر فيخرب بيت مالك ويحوجك إلى أصدقائك وأعدائك0
 ويحك ! تفرح بقعودك عند الغدر في الشتاء ، عن قريب يجئ الصيف وتنشف الماء الذي عندك فتموت مكانك الذي عند الشط فإنه في الصيف ينقطع ماؤه ، وفي الشتاء يزيد ويكثر0(1)
 كن مع الحق عزوجل كالميت مع الغاسل وكأهل الكهف مع جبريل عليه السلام ،كن معه بلاوجود ولاإختيار ولاتدبير في الجملة0
 كلما قرب العبد من ربه عزوجل كثر خطره واشتد خوفه ولهذا أخطر الناس من الملك وزيره لأنه أقربهم منه0 ما يصل إليه المؤمن إلاّ بالإخلاص فحينئذ هو على خطر عظيم ،لايسكن خوفهم حتى يلقوا ربهم عزوجل0
 خوفك في الآخرة على قدر أمنك في الدنيا ولكنكم غائصون في بحر الدنيا ، ساكنون في قعر بئر الغفلة ،فلاجرم عيشكم كعيش البهائم لاتعرفون سوى الأكل والشرب والنكاح والنوم0
 الدنيا سجن المؤمن فإذا نسي سجنه جاءه الفرج ، المؤمنون في سجن ، والعارفون في شكر فهم غائبون عن السجن ،قد سقاهم ربهم شراب الشوق إليه ، شراب الأنس به ، شراب الطلب له ،شراب الغفلة عن الخلق واليقظة به ، سقاهم هذه الأشربة فتبنجوا عن الخلق وفاقوا به ومعه 0 غابوا عن السجن والمسجونين ،قد عُجِّل لهم في الدنيا نارهم وجنتهم ، المنازعة نارهم والرضا بالقضاء جنتهم ، الغفلة نارهم واليقظة جنتهم0
 القيامة في حق العوام محاسبة وفي حق الخواص معاتبة ،كيف لايكونون كذلك وقد أقاموا القيامة على أنفسهم وهم في الدنيا ،بكوا قبل الضرب فنفعهم البكاء وقت حضور الضرب0
 بك لايجئ شئ ولابد منك ، إشتر الرزكارية والزنبيل واقعد على باب العمل فإن قدِّر عملك فسوف تعمل ، إعط السبب حقه وتوكل واقعد على باب العمل فإن أخذوا الرزكارية ولم يأخذوك لاتبرح من مكانك حتى تيأس من أحد يدعوك إلى عمله فحينئذ ألق نفسك في بحر التوكل فتجمع بين السبب والمسبب0
 قصَّ جناح النعم بالشكر وإلاّ طارت من عندك 0
 ياشيخاً في السن صبياً في الطبع0
 إياك ومحبة الكلام على الخلق(1) والقبول عندهم فان ذلك يضرك ولاينفعك ، لاتتكلم بكلمة حتى تحمل أمرك ويأتيك من حيث قلبك أمر جزم من الحق عزوجل 0كيف تدعوا الناس إلى بيتك وما هيأت لهم طعاماً ؟ هذا الأمر يحتاج إلى أساس ثم يكون بعد ذلك البناء 0أحفر أرض قلبك إلى أن ينبع فيه ماء الحكمة ،ثم إبن بالإخلاص والمجاهدات والأعمال الصالحات إلى أن يرتفع قصرك ثم أدع الناس إليه بعد ذلك 0 اللهم أحي أجساد أعمالنا بروح إخلاصك0
 المؤمن منقطع القلب عن الخلق وعن الأهل والمال والولد وإنما يتشاغل بهم وقلبه منتظر مجيء رسول الملك ،وصل باب البلد وقد ودَّع أهله وهو قاعد بينهم 0المؤمن أبداً موَدِّع،هو بين الخلق وقد ودَّعهم0
 ياخيبة القاعدين على دكاكين الحرص والأمل والعزة ، لاجرم يموت سرك ويسود قلبك0
 خذ المر والزنبيل(أدوات العمل) واقعد على باب العمل حتى إذا طُلبت تكون قريباً من المستعمل ولاتقعد على فراشك وتحت لحافك ومن وراء إغلاق ثم تطلب العمل والاستعمال0
 المحب لله عزوجل ضيف عنده والضيف لايتخير على أصحاب الدار في مأكوله ومشروبه وملبوسه وجميع أحواله بل لايزال موافقاً صابراً راضياً فلاجرم يقال له أبشر بما ترى وتلقى0
 العبد إذا عرف الله عزوجل سقط الخلق من قلبه وتناثروا عنه كما يتناثر الورق اليابس من الشجر فيبقى بلا خلق في الجملة0
 صدق أحوالكم ينطقني وكذبكم يسكتني ،على قدر ماتشترون أبيعكم0
 إشترى رجل مملوكاً وكان ذلك المملوك من أهل الدين الصلاح فقال له : يامملوك إيش تريد تأكل ؟فقال : ماتطعمني،فقال له :مالذي تريد تلبس ؟فقال ماتلبسني ،فقال له :أين تريد تقعد من داري؟ فقال موضع ماتقعدني ، فقال له :مالذي تحب أن تعمل من الأشغال ؟ فقال ماتأمرني ،فبكى الرجل فقال طوبى لي لوكنت مع ربي عزوجل كما أنت معي فقال المملوك ياسيدي وهل للعبد مع سيده إرادة واختيار ؟ فقال له أنت حر لوجه الله وأريد أن تقعد عندي حتى أخدمك بنفسي ومالي 0
 سوف ترى إذا انجلى الغبار أفرسٌ تحتك أمْ حمار(1)؟إذا انجلى الغبار ترى رجال الحق عزوجل على الخيول والنُجُب وأنت على حمار مكسر من ورائهم يأخذك دعار الشياطين والأبالسة0
 الغيث يَنْزل من السماء إلى الأرض ثم يظهر منها النبات ،هذا الأمر يَنْزل من السماء إلى أرض القلوب فتهتز وتنبت من كل خير ، تنبت الأسرار والحِكم والتوحيد والتوكل والمناجاة والقرب من الله عزوجل ، يصير هذا القلب فيه أشجار وأثمار،يصير فيه فيافي وقفار وبحار وأنهار وجبال ،يصير مجمع الأنس والجن والملائكة والأرواح0
 كل إناء ينضح بما فيه ،تضع في إناءك نفطاً وتريد أن ينضح منه ماء الورد ؟ لاكرامة لك! تعمل في الدنيا للدنيا وأبنائها وتريد أن تكون لك الآخرة غداً؟ لاكرامة لك !عملت للخلق وتريد أن يكون لك الخالق غداً والقرب منه والنظر إليه ؟ لاكرامة لك!
 القلب الصحيح يهرب من الكلام الذي يخرج من اللسان دون القلب فيصير وقت سماعه كالطير في القفص وكالمنافق في المسجد0 إذا إتفق واحد من الصديقين في مجلس واحد من العلماء المنافقين كان كل أمنيته الخروج منه 0
 المنافقين الدجالين أعداء الله عزوجل وأعداء رسوله يفرون من الصديقين كفرارهم من الأسد ، يخافون أن يحترقوا بنار قلوبهم 0
 ياجهال ! ابنوا حيطان أديانكم ثم تفرغوا لبناء غيركم0
 من كان السبع بحذائه فاتحاُ فمه قريباً إليه كيف يستقر قراره وتنام عينيه ؟ ياغافلون ! القبر فاتحٌ فمه ،سبع الموت وثعبانه فاتحان فمهما ، سياف سلطان القدر بيده السيف وهو منتظر الأمر0
 زرعي قد بلغ وزرعك كلما نبت أُحرق ،كن عاقلاً ! دعْ رياستك وتعال أقعد ههنا كواحد من الجماعة حتى يَنْزرع كلامي في أرض قلبك0
 أهرب من هذه الحية (يعني الدنيا)إلى أن يجيئك الحوّاء فيقلع أضراسها ويَنْزل سمَّها ويقربك إليه ويعرفَّك صنعته ويسلمها إليك وما بقي منها أذية فتتصرف فيها وهي لاتقدر تلسعك0إذا أحببت الحق عزوجل وأحبك كفاك شر الدنيا والشهوات واللذات والنفس والهوى والشياطين فتأخذ أقسامك من غير ضرر ولا كدر0
 أضرب نفسك بصمصامة التوحيد والبس خوذة التوفيق وخذ لها رمح المجاهدة وترس التقوى وسيف اليقين ،فتارة مطاعنة وأخرى مضاربة 0لاتزال كذلك حتى تذل لك وتصير راكباً لها ،لجامها بيدك ،تسافر بها براً وبحراً ، فحينئذ يباهي بك ربك عزوجل ،ثم تقدم الذين بقوا مع نفوسهم ولم يتخلصوا منها0
 القوم عندهم شغل عن الخلق لكن يُكلَفون النظر إليهم والقعود معهم لأمرهم ونهيهم ،مثل القوم مع الخلق مثل قوم أرادوا أن يعبروا بحراً ويمضوا إلى ملك فعرف بعضهم طريقاً فعبروا ،فلما حصلوا عنده رأى الملك بقية القوم يتخبطون ويكادون يغرقون ولم يعرفوا الطريق التي سلكها الأوائل ،فأمر من وصل إليه أن يعودوا إليهم ليعرفوهم الطريق التي جاءوا منها ،فجاءوا فوقفوا على المشرعة ونادوهم :الطريق ههنا ! فجعلوا يدلونهم فلما قربوا منهم أخذوا بأيديهم((وَقَالَ الذي آمَنَ ياقَوْم إتَّبعُونِ أَهْدِكُم سَبِيلَ الرَّشاد))0
 إذا دعوت الخلق ولست على باب الحق عزوجل كان دعاؤك وبالاً عليك ، كلما تحركت بركت ،كلما طلبت الرفعة إتضعت ،ما عندك من الصالحين خبر ، أنت لقلقة ، أنت لسان بلا جنان ،أنت ظاهر بلا باطن ،جلوة بلا خلوة ،جولة بلا صولة ،سيفك من خشب وسهامك من كبريت ،أنت جبان ،لاشجاعة لك ،أدنى سهم يقتلك ،بقَّةٌ تقيم عليك قيامتك!
 ما يزال المؤمن العارف يرضي الرسول بالعمل معه حتى يستأذن لقلبه على ربه عزوجل ويكون كالغلام بين يديه ،فإذا طالت خدمته قال يا أستاذ :أرني باب الملك، أشغلني معه ،أوقفني موضعاً أراه ، أترك يدي في حلقة باب قربه 0فأخذه معه وقربه من الباب ،قيل له مامعك يامحمد ؟ مامعك ياسفيراً ،يادليلاً ،يامعلماً ؟ فيقول أنت تعلم ، فُرَيْخٌ قد ربيته ورضيته لخدمة هذا الباب ،ثم يقول لقلبه هاأنت وربك كما قال جبرائيل عليه الصلاة والسلام له لما رقي به إلى السماء وأدناه من ربه عزوجل :هاأنت وربك0
 هذا الليل وهذا النهار يمكنك ردهما ؟ إذا جاء الليل يقبل وأنت كاره أو راد،والنهار كذلك كلاهما يجيئان على رغمك ،هكذا قضاء الله عزوجل وقدره لك أو عليك ،إذا جاء ليل الفقر فسلم وودع نهار الغنى ،إذا جاء ليل المرض فسلم وودع نهار العافية،وإذا جاء ليل ماتكره فسلم وودع نهار ماتحب ،إستقبل ليل الأمراض والأسقام والفقر وكسر الإعراض بقلب مستريح ،لاترد شيئاً من قضاء الله عزوجل وقدره فتهلك ويذهب إيمانك ويتكدر قلبك ويموت سرك0
 إذا دخلت داراً فلا تقعد موضعاً لم يقعدك فيه صاحب الدار ، فإنك تقام منه بلا أمرك ، وإن إمتنعت أُقمت وأُهنت وأُخرجت0
 قميص إسلامك مخرق ، ثوب إيمانك نجس ،أنت عريان ،قلبك جاهل ،سرك مُكدَّر ، صدرك غير مشروح ،باطنك خراب وظاهرك عامر ،صحائفك مسودة0
 إذا كانت الجنة محفوفة بالمكاره فكيف يكون قرب الحق عزوجل0
 حكي أن رجلا إجتاز على حجرة نخاس فرأى فيها جارية مستحسنة فتعلقت بقلبه فلم يقدر أن يتجاوز الموضع وكان تحته فرس يساوي مائة دينار وعليه أثواب جميلة وهو مقلد سيف محلى بالذهب وبين يديه مملوك أسود يحمل الغاشية ،فتقدم إلى صاحبها وطلب منه بيعاً فقال له لاشك أنك قد أحببت جاريتي والمحب يبذل كل مايملك في طلب محبوبه ولاأبيعها إلا بجميع ماتملك يدك في هذه الساعة ،نزل عن فرسه وخلع جميع ماعليه من الثياب وإستعار قميصاً من النخاس وسلم الجميع إليه مع المملوك الذي كان بين يديه وأخذ الجارية ومضى إلى بيته حافياً مكشوف الرأس ، لما بذل الثمن أخذ المثمن ، عرف ماطلب فهان عليه مايبذل ،الصادق المحبة لايقف مع غير محبوبه0
 ويحك! أنت كسلان فلاجرم لايقع بيدك شئ ، جيرانك وإخوانك وأقاربك قد سافروا ،فتشوا وحفروا فوقعوا في الكنوز ،ربح الدرهم عشرة وعشرين ورجعوا غانمين وأنت قاعد مكانك0 ‍‍
 يرمي( الله عزوجل) العبد بسهام الآفات حتى إذا غمض العبد عينيه عن الرمي جاء طبيب القرب داوى جرحه وطبيب الخير رفعه وطبيب الشوق ضمه0
 إذا عرف القلب الحق عزوجل وسَّعه حتى يسع الجن والإنس والملك حتى إذا لم يبق شئ يعوقه ولاينظر إليه قُرِّب واُدْني ،أما سمعت بعصا موسى كيف ابتلعت كذا وكذا أحمال عصى وحبال ولم تتغير0
 إنما تصل إلى الحق عزوجل بالخروج من بين الخلق وتطلبه عزوجل كرجل غريب دخل درباً يطوف على صديقه ينتهي إلى أقصاه ويعود إلى أوله وهو لايعرف بابه والصديق ينظر إليه حتى إذا رأى حيرته إستحبه الحب فخرج إليه وعانقه وضمه إليه كما فعل يوسف عليه السلام بأخيه ((أنا أخوك))0
 مثل القلب مثل نواة في صحن ،دار لاسقف لها ،لها أربع حيطان واقفة ،غيث الشتاء وشمس الصيف يَنْزلان عليها ،تنبت وأحد لايراها ، إذا ظهر سعفها وشمخت وأثمرت وأينعت التقطوا منها ولاسبيل لهم عليها، هكذا القلب 0
 صحبة عباد الله كصحبة الأسد مع الخوف والوجل ،الذي شبع بغيرك لإيشتغل بك لإشتغاله بغيرك ،فإن إلتفت إليه بعد رجوعك إفترسك ، صحبة الصديق كذلك لأنهم في صحبة الملك كذلك0
 بعض الناس كتب ثلاثمائة وستين قصة(1) ،يوصل كل يوم قصة إلى أمير البلد ولم يسأم حتى خرج أخيراً توقيع مراده ، وأنت تسأل الله تعالى يوميات أو لويلات وتسأم وترجع إلى الخلق0
 قلت أخاف هذا البحر وأنت تسبح فيه0
 يامن ليس لداره سقف ولا لعياله دقيق ولاشعار ولادثار ،جاء الشتاء فتأهب ، جاء الأمير فترجل ،جاء السبع فاحذر سبع الموت0
 يانائماً إنتبه ‍! فإن السيل قد أحاط بك0
 بيتك على دجلة (2)وتموت عطشاناً،خطوتان وقد وصلت إلى الرحمن ،النفس والخلق0
 كم سمنت الدنيا مثلك وأكلته ،سمنته بالجاه والكثرة ثم أكلته ،لو رأينا فيها خيراً ما سبقتنا إليها0
 الإخلاص أرض المؤمن والأعمال حيطانها والحيطان تتبدل وتتغير وأما الأرض فلا ، إنما تأسيس البنيان على التقوى0
 البحر :الدنيا،والمركب :الشرع ،والملاح :لطف الله عزوجل ، فمن شذ عن متابعة الشرع غرق في الدنيا،ومن آوى إلى مركب الشرع وأقام هنالك إستنابه الملاح وسلم المركب بما فيه إليه وصاهره0
 حبيب غائب قدم ، يشغل حتى لايشغل ،إذا طالت صحبته وذهب عنه عناء سفره نبت لحمه وشد عظمه وطاب عيشه وسكنت روعته صار بطانة الملك ،حينئذ ولاه وأمَّره على رعيته وأصحابه وإقليمه وأرسله إلى البحر لينقذ الغرقى وإلى البر ليأخذ الرجال والأطفال من أفواه السباع ،لما خرج من بيت طبعه أهَّله للنيابة والأمانة ،يخلع على قلوبهم كما خلع على قلوب النبيين والمرسلين ،وألقابهم ألقاب الأولياء والأبدال0
 لما صبرت البئر على الحفر والمعاول ظهر منها المعين ، صارت مأوى الشارد والوارد ، إذا لم تصبر على آلام المجاهدات والبلايا متى تكون عارفاً؟
 إذا تعلق قلبك بباب القرب وهو في ظلمة الوجود طلع عليه فجر العلم وكُحِّلَ بصر قلبك بكحل السر وأقرئتَ فهرس الأقدار0
 قيل له (أي للإمام الطيلاني ):الفطام صعب ؟قال :عليك ! لأنه ما يصعب الفطام إلا على طفل لايعرف إلا أمه فحسب ،أما من عقل وعرف الأكل والشرب زهد في ذلك اللبن الخارج من ضرع كأنه خرم إبرة 0
 دخلت جنازة يوما في مجلسه فقال إلا ترون إلى هذا الميت لما ورد عليه الموت وأدهشه وغيب رشده حتى لم يعرف أحداً من أقاربه ؟ فكذلك المعرفة إذا وردت على قلب المؤمن أدهشته وغيبت رشده حتى لايعرف سوى ربه عزوجل0
 لاتأكل من يد الدنيا لعله مسموم ،إذا جاءتك بطعام فانظر إلى وزيريك الكتاب والسنة ،خذ مشورتهما فإن أفتياك توقف ،لاتستعجل ولاتشره ، إستفت نفسك وإن أفتاك المفتون0
 قد أُشرب في قلبك حب عجل الدنيا0
 ياأحمق! معك برق لاثبات له ،معك عَرَضٌ كما يأتي يذهب 0 تحتاج تفنى وتموت ألف مرة ثم أخيراً تثبت كما جاء الليل والنهار ، تستمر ولاتحول0
 الكلب ينصح صاحبه في صيده وزرعه وماشيته وحراسته ويبصبص عند رؤيته ، فإنما يطعمه عند عشائه لقمة أو لقيمات أو يطعمه شيئاً يسيراً ،وأنت تأكل نعم الله وتشبع منها ولاتعطيه منها مطلوبه ولاتوفيه حقه ،تردَّ أمره ولاتحفظ حدوده0
 لا تستعر كلمات الصالحين وتتكلم بها وتدعها لنفسك ،العارية لاتخفى ، إزرع القطن بيدك ،واسقه بيدك وربِّه بجهدك ثم انسجه وخيطه والبسه ، لاتفرح بمال غيرك وثياب غيرك0
 إذا لم يكن للقلب صحة فهو كقلوب الحيوانات ،صورة بلا معنى ،آنية بلا ملء ، شجرة بلا ثمر ،قفص بلا طائر ،دار بلا ساكن ،كَنْز مجموع فيه دراهم ودنانير وجواهر بلا منفق ،جسد بلا روح كالأجساد التي مسخت أحجاراً فهي صورة بلا معنى 0

في ظلال القرآن والحديث
الحياة في ظلال القرآن نعمة0000000
نعمة لايعرفها إلاّ من ذاقها0000000
نعمة ترفع العمر وتباركه وتزكيه0000
سيد قطب
يبدو أن جميع سلاطين هذه الدولة العظيمة ،دولة دين الله تعالى وهم علماء هذه الأمة من النخبة قد عاشوا حياة وارفة في ظلال كتاب الله تعالى وظلال سيرة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فهما كما قلنا سابقاً عصبا الحياة في هذه الدولة ، وكل منهم قد عبَّر عن هذه الحياة بطريقته :
 أكفرت بهذا الرب؟((الَّذي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثمَُّ مِنْ نُطْفَةٍ ثمَُّ سَوّاكَ رَجُلاً)) أجزاؤه أن تكفره وتجحده وتستحي من أعين الناس أن تراك ولاتستحي منه وهو يراك 0
 ((وَمَابِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ))أين شكرك؟!
 ((وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجَاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لايَحْتَسِب)){الطلاق2،3}
هذه الآية غلقت باب الإتكال على الأسباب، غلقت باب الأغنياء والملوك وفتحت باب التوكل0
 ((وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يجَعْلْ لَهُ َمخْرَجَاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لايَحْتَسِبُ))
إن أردت أن لايبقى بين يديك باب مغلق فاتَّقِ الله عزوجل فإنَّها مفتاح كل باب0
 ((وحَرْمّنا عَلَيْهِ المَراضِعَ مِنْ قَبْل)){القصص12}:
هذا من طلب رضا الله عزوجل ووجهه ، يحُرَّم على قلب هذا المحب الصادق مرضع كل محدث مخلوق يكون بعد أن لم يكن ، ينصب لبن جميع المراضع في حلقه للغيرة الإلهية(1) ، انصبَّ الجميع(2) ،أُزيل الكل عن قلبه حتى لايتقيد بشيء عن محبوبه0 إذا صحت عبوديتك له احبك وقوي حبه في قلبك وآنسك به وقرَّبك منه من غير تعب ولاطلب فتكون راضياً عنه في جميع الأحوال ،فلو ضيق عليك الأرض يرحّبها ،وسد عليك الأبواب بسعتها لم تسخط عليه ، ولم تقرب باب غيره ولم تأكل من طعام غيره ، تلتحق بموسى عليه السلام حيث قال الله عزوجل في حقه ((وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ المَراضِعَ مِنْ قَبْل))
 ((إنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ العُلَماءُ)){فاطر28}:
مايخشى الله عزوجل إلاّ العلماء العمّال بالعلم ،الذين يعلمون ويعملون0كل الدائرة على الخوف من الله عزوجل والخشية له 0إذا لم يكن لك خوف منه فلا أمن لك في الدنيا والآخرة ، الخشية من الله عزوجل هي العلم بعينه، يخشون الله عزوجل بالغيب ، وهو غائب عن عيون ظواهرهم ، حاضر نصب عيون قلوبهم ، كيف لايخافونه وهو كل يوم في شأن ، يغير ويبدل ، ينصر هذا ويخذل هذا ، يحي هذا ويميت هذا ، يقبل هذا ويرد هذا ، يقرب هذا ويبعد هذا ((لايُسْأَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُوُنَ)) {الأنبياء23}
 ((وَإنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ المُصْطَفَيْنَ الأخيار)){ص47}:
يُصطفون على أهاليهم وأهل زمانهم ،تتميز معانيهم وتتنور مبانيهم0قلوبهم معنا وهممهم عندنا ومعانيهم عندنا ،ألبابهم عندنا دنيا وآخرة 0طاروا إليه بأجنحة صدقهم في طلب مولاهم عزوجل ،تركوا عندها القفص وخرجوا من أقفاص وجودهم وطاروا إلى موجدهم ،طلبوا الرفيق الأعلى ،طلبوا الأول والآخر والظاهر والباطن ،صاروا إلى برج قربه0
 ((واصْطَنَعْتَكَ لِنَفْسِي)){طه41}:
لا لغيري،لا للشهوات والترهات ،لا للأرض ولا للسماء ،لا للجنة ولا للنار، لا للمُلك ولا للهُلك،لا يقيدك شئ مني ولا يشغلك شاغل غيري ،ولا تقيدك عني صورة ولا تحجبك عني خليقة،ولا تغنيك عني شهوة0
 ((لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبَها )){القصص 10}
هكذا اذا خفت في بريتك عند إنقطاع مرادك ومألفك حتى تكاد ترجع إلى الخلق والسبب ربط حينئذ على قلبك 0
 ((كَمَثَلِ الِحمارِ يَحْمِلُ أَسْفارَاً)){الجمعة5}:
وهو مثل العالم الذي لا يعمل بعلمه ،الأسفار هي كتب العلم 0هل ينتفع الحمار بكتب العلم ؟ما يقع بيده سوى التعب والنصب 0من إزداد علمه ينبغي أن يزداد خوفه من ربه عزوجل وطواعيته له 0
 ((أَِنيبُوا إلى رَبِّكُم )){الزمر54}:
أي أرجعوا إلى ربكم 0 يعني أرجعوا :سلّموا الكل إليه ،سلموا نفوسكم واطرحوها بين يدي قضائه وقدره وأمره ونهيه وتقليباته واطرحوا قلوبكم بين يديه بلا ألسنة بلا أيد بلا أرجل بلا أعين بلا كيف ولا لم ولامنازعة بلامخالفة بل بموافقة وتصديق ، قولوا : صدق الأمر ،صدق القدر ،صدقت السابقة0
 ((وَاحلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِساني يَفْقَهُوا قَوْلِي)){طه27،28}:
من عرف الله عزوجل كَلَّ لسانُه(1) ،لايزال العارف أخرس اللسان بين يدي الحق عزوجل حتى يرده إلى مصالح الخلق ، فإذا ردَّه إليهم رُفع الكلال عن لسانه والعجمة عنه0موسى عليه السلام لما كان يرعى الغنم كان في لسانه لكنة وعجلة وعجمة ووقفة فلما أراد الحق عزوجل أن يرده ألهمه حتى قال ((وَاحلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِساني يَفْقَهُوا قَوْلِي)) كأنه يقول :لما كنت في البرية في رعي الغنم لم أحتج إلى هذا ، والآن قد جاء شغلي مع الخلق والكلام لهم ،فأعنِّي بذهاب الكلال من لساني فرفع العقدة من لسانه 0
 ((وَعَجِلْتُ إلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى)){طه84}:
عزلت دنياي وآخرتي وجميع الخلق ،قطعت الأسباب وخلعت الأرباب وجئت إليك مستعجلاً لترضى عني وتغفر لي وقوفي معهم من قبل 0
 ((مَاهِيَ إلاّحَيَاتُنا الدُّنيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَمَايُهْلِكُنا إلاّ الدَّهْر)){الجاثية24}:
من كثرت رغبته في الدنيا واشتد حرصه عليها ونسي الموت ولقاء الحق عزوجل ولم يفرق بين الحلال والحرام فقد تشبه بالكفار الذين قالوا ((مَاهِيَ إلاّحَيَاتُنا الدُّنيا))كأنك واحد منهم ولكن قد تحليت بالإسلام وقد حقنت دمك بالشهادتين ووافقت المسلمين في الصلاة والصيام عادة لا عبادة ،تظهر للناس أنك تقي وقلبك فاجر وماينفعك ذلك0
 ((إنَّكَ اليَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينُ )) {يوسف54}:
إذا وصل قلب العبد إلى ربه عزوجل أغناه به عن الخلق ،يقربه ويمكنه ويملّكه ويقول له : إنَّكَ اليَوْمَ لَدَيْنامَكِينٌ أَمِينٌ،يستخلفه في ملكه كما أستخلف صاحب مصر يوسف عليه السلام وفوض إليه أمر ملكه وحواشيه وتدبير ملكه وأسبابه وجعله أميناً على خزائنه ،هكذا القلب 00 إذا صح وظهرت نجابته وطهارته عما سوى مولاه عزوجل مكّنه من قلوب عباده ومن مملكته دنياه وأخراه فيصير كعبة المريدين القاصدين0
 ((وَلاتَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةُ فِي دِينِ اللهِ)){النور2}:
حياء المؤمن من الله عزوجل ثم من خلقه إلاّ فيما يرجع إلى الدين وخرق حدود الشرع فإنه لايحل له أن يستحي بل يتواقح في دين الله عزوجل ويقيم حدوده ويمتثل أمره عزوجل0
 ((وَإذا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً)){الفرقان63}:
عليك بالصمت والحلم عن جهل الجاهلين وثوران طباعهم ونفوسهم وأهويتهم ،أما إذا ارتكبوا معصية الحق عزوجل فلا صمت لأنه يحُرَّم ، يصير الكلام عبادة وتركه معصية 0 إذا قدرت على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلا تقصر عنه فإنه باب خير قد فتح في وجهك فبادر بالدخول فيه0
 ((إنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا مَابِأَنْفُسِهِم)){الرعد11}
غيِّر حتى يغيّر الله لك0
 ((وَأَنَّ المَساجِدَ لله فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدَاً)){الجن 18}
إجعل قلبك مسجداً لا تدع مع الله أحداً0
 ((يَادَاوُدُ إنَّا جَعَلْنَاك خَلِيفَةً في الأرْضِ)){ص26}:
ما قال أنت جعلت نفسك ،فالقوم لا إرادة لهم ولاإختيار بل هم في مجرد أمر الحق عزوجل وفعله وتدبيره وارادته0
 ((وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ اليَمِيِن وَذَاتَ الشِّمالِ)){الكهف 18}:
العارف قائم مع الله عزوجل تحت لواء قربه مع علمه وسره ،ويدور مع قضائه وقدره ، وإذا عجز دُوِّر بلا تدوير منه ،حُرِّك بلا تحريك منه ،سُكِّن بلا تسكين منه ، لما جاء العجز منهم حُرِّكوا ،الحركة عند القدرة(1) ،والسكون والتسليم عند العجز0
 ((أُمْكُثُوا إنِّي آنسْتُ نَارَاً)){طه10}:
إني قد رأيت نوراً ، قدر رأى سري وقلبي ومعناي ولبِّي نوراً ، قد جاءتني سابقتي وهدايتي وجاءني الغنى عن الخلق ،جاءتني الولاية والخلافة،جاءني الأصل وذهب عني الفرع، جاءني المُلك وذهب عني الملكية ، ذهب عني الخوف من فرعون وانتقل الخوف إليه 0 ودَّع أهله وسلَّمهم إلى ربه عزوجل وسار ،فلاجرم خَلَفَه فيهم0هكذا المؤمن إذا قربه الله عزوجل ودعاه إلى باب قربه ، ينظر يميناً وشمالاً ووراء وأمام فيرى الجهات كلها مسدودة غير جهة الحق عزوجل فيخاطب نفسه وهواه وجوارحه وعادته وأهله وجميع ماكان عليه : إني آنست نور القلب من ربي عزوجل فأنا سائر إليه وإن كان لي عودة رجعت إليكم ،يودع الدنيا ومافيها والأسباب والشهوات ، يودع الخلق كلهم ، يودع كل محُدَث وكل مصنوع ويسير إلى الصانع فلاجرم يتولى الله عزوجل أهله وولده وجميع أسبابه0
 ((مَعَاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إلاّ مَنْ وَجَدْنا مَتَاعَنا عِنْدَه)){يوسف79}:
من وجد عنده متاع الولاية والتوحيد والإيمان ، إذا كان الله عزوجل وذكره عندك فلاجرم يمتلئ قلبك من قربه ، وتهرب خواطر الشيطان والهوى والدنيا من عندك 0خاطر الحق عزوجل لا يجئ إلاّ إلى قلب خال عما سواه 0إذا صلح القلب لله عزوجل لايدعه مع الخلق والأسباب ،لايدعه مع البيع والشراء والأخذ والعطاء بالأسباب ، يقيمه من سقطته ، وعلى بابه يقعده وفي حجر لطفه ينومه0
 ((يُؤْتُوُنَ مَاآتَوْا وَقُلُوُبُهمْ وَجِلَةٌ)){المؤمنون60}:
القوم يخافون ربهم عزوجل في جميع الأحوال ، يخافون أن يؤخذوا على غرة ، يخافون أن يكون الإيمان عندهم عارية0خافوا أن لاتقبل أعمالهم ، خافوا سوء الخاتمة0
 ((إن الله يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ)){الحج14}((لايُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)){الأنبياء23} ((وَمَاتَشاءُونَ إلاّ أنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ العَالَمين )) {التكوير29}:
القوم عقلوا أنه فعال لما يريد لا لما يريد الخلق وأنه كل يوم هو في شأن ،يقدِّم ويؤخر، ويرفع ويضع، ويعز ويذل، ويعزل ويولي، ويميت ويحي، ويغني ويفقر، ويعطي ويمنع ، لا قرار لقلوب القوم مع الله ! يغيرهم ويبدلهم ، يقربهم ويبعدهم ، يقيمهم ويقعدهم ، يعزهم ويذلهم ، يعطيهم ويمنعهم ،الأحوال تتغير على القوم وهم على قدم تحقيق العبودية وحُسن الأدب والإطراق0
 ((وَماتَشاءُونَ إلاّ أنْ يَشاءَ الله رَبُّ العَالمَين))
إذا كان لايتم لك ماتشاء فلا تشأ ، لاتنازعه في أفعاله ،إذا أخذ عرضك ومالك وعافيتك وولدك وكسر عرضك فتبسم في وجه قدره وإرادته وتبديله ،كن على ذلك إن أردت قربه ،إن أردت الصفاء معه ،إن أردت وصول قلبك إليه وأنت في الدنيا ،أُكتم حزنك وأَظْهر بِشْرَك0
 سرك عنده في سفينة قدرته ، لقَّنه ((بسم الله مجَريها ومُرسها)){هود41}
 ((الحمْدُ لله الّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الحَزَنَ)){فاطر34}:
ولله عزوجل عباد وهم أساتذة يقولون ((الحَمْدُ للهِ الّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الحَزَنَ)) في الدنيا قبل الآخرة ، إذا وصلت قلوبهم إلى باب ربهم عزوجل فصادفوه مفتوحاً والمواكب مزدحمة لهم قيام مصطفون منتظرون لمجيئهم ، يسلمون عليهم ويطرقون بين أيديهم فيدخلون إلى دار القرب فيرون ما لاعين رأت ولاأذن سمعت ولاخطر على قلب بشر ، يقولون الحمد لله الذي أذهب عنا حزن البعد ،حزن الحجاب ، الحمد لله !كيف ما أشغلتنا بالدنيا والآخرة والخلق؟ الحمد لله الذي اصطفانا لنفسه واختارنا لقربه واذهب عنا حزن الانقطاع عنه ،حزن الإشتغال بغيره ، الحمد لله الذي رزقنا الإنقطاع إليه((إنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُور))

 ((وَإنْ مِنْ شَئٍٍ إلاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَمَانُنَزِلُهُ إلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُوم)) {الحجر21}:
الغيث يَنْزل من السماء إلى الأرض ثم يظهر منها النبات ، هذا الأمر يَنْزل من السماء إلى أرض القلوب فتهتز وتنبت من كل خير ،تنبت الأسرار والحكم والتوحيد والتوكل والمناجاة والقرب من الله عزوجل ،يصير هذا القلب فيه أشجار وأثمار ، يصير فيه فيافي وقفار وبحار وأنهار وجبال ، يصير مجمع الإنس والجن والملائكة والأرواح0
 ((وإنْ مِنْ شَئٍٍ إلاّ عِنْدَنَا خَزائِنَهُ وَمَا نُنَزِلَهُ إلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ))
مابقي بعد هذه الآية كلام ، يا طالب الدينار والدرهم ! هما شئ وهما بيد الله عزوجل فلا تطلبهما من الخلق ولا تطلبهما بلسان شركك بهم وإعتمادك على الأسباب(1)0
 ((ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدَ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدَّ قَسْوَة )){البقرة74}
لما لم يعمل بنو إسرائيل بالتوراة مسخ الله عزوجل قلوبهم حجارة وطردهم من بابه ، هكذا أنتم يامحمديين ،إذا لم تعملوا بالقرآن وتحكموا أحكامه يمسخ قلوبكم ويطردها من بابه 0
 ((إعْلَمُوا أنَّمَا الحَياة الدُّنيا لَعِبٌ وَلَهْو وَزِينَةٌ )){الحديد20}:
اللعب واللهو والزينة للصبيان الجهال لا للرجال العقلاء ، قد أعلمكم أنها للجهال الناقصي العقول ، قد أعلمكم أنه لم يخلقكم للعب ، المشتغل بالدنيا لاعب ، المقتنع بها دون الآخرة قد قنع بغير شئ0
 ((وَلَهُم أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ)){المؤمنون63}:
الأعمال الظاهرة للعباد من حيث الجوارح ، والأعمال الباطنة للخواص من حيث القلوب والأسرار 0
 ((الّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ))
حقيقة الإسلام الإستسلام ،القوم إستطرحوا بين يدي الحق عزوجل ونسوا ِلم وكيف وأفعل ولاتفعل ،يعملون أنواع الطاعات وهم وقوف على قدم الخوف0
 ((أ تُونِي بِأهْلِكُم أَجْمَعِينَ)){يوسف93}:
لما جاءه الغنى والملك وذهب القبض وجاء البسط ،قبل ذلك كان أخرس في الجب والسجن فلما خرج جاءت الفصاحة0
 إذا قال الواحد من الخلق قد سمعت بخبر الجنة ومافيها من النعيم ((وَفِيها مَا تَشْتَهِيِه الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأّعْيُنُ))فما ثمنها ؟قلنا له قال الله عزوجل(إنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُم بِأّنَّ لَهُم الجنَّة))سلِّم النفس والمال وقد صارت لك ، وقال آخر أريد أن أكون من الذين يريدون وجهه ،قد لمح قلبي باب القرب ورأى المحبين داخلين فيه وخارجين منه وعليهم خلع الملك فما ثمن الدخول إليه؟ قلنا له ابذل كُلَّكَ وأترك شهواتك ولذاتك وأفن فيه عنك ، ودع الجنة ومافيها وأتركها ودع النفس والهوى والطبع ودع الشهوات الدنيوية والأخروية ودع الكل وأتركهم وراء ظهر قلبك ثم ادخل فإنك ترى ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولاخطر على قلب بشر((قُل اللهُ ثُمَّ ذَرْهُم))!!
 ((يا نَارُ كُوني بَرْدَاً وَسَلامَاً عَلَى إبْراهِيِم )){الأنبياء69}:
يا نار إنعزلي وتغيري وتبدلي ،كفِّي حَرِّكِ وغضبكِ،إنبرمي وانجعدي ،كوني برداً وقَرَّاً بلا أذية ، كل هذا ببركة التوحيد والإخلاص فيه 0العبد إذا وحَّد ربه عزوجل وأخلص له ، تارة يكون له فيدخل في تكوينه وتارة يسلم إليه التكوين ويكون هو لنفسه0
 ((وَالّذِينَ جَاهَدُوا فِينا لَنَهْدِينَهَّمُْ سُبُلَنَا)){العنكبوت69}:
ويحك! جاهد في طريق الحق عزوجل ولاتتكل على قدره0(1)
 ((وَالسَّماءِ وَالطّارِق)){الطارق1}:
أقسم الله عزوجل بالسماء ومن طرقها ،طرقها محمد صلى الله عليه وسلم،طرقتها همته ثم بُنْيتُه ،نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عرج به إلى السماء السابعة وكلمه ربه ورآه بعيني رأسه وبعيني قلبه ، وهكذا كل من صح قلبه يرى قلبه ربه ويقطع الحجب بينه وبين السماء 0

 ((أَمْ مَنْ يُجِيبُ المُضْطَرَّ إذا دَعاهُ ))
يضطرك حتى تدعوه ،يحب الإلحاح في الدعاء ،يسد الأبواب في وجهك حتى تقف على بابه ،والأحباب رأوا باب القرب مفتوحاً كالأم تغلق بابها دون ولدها وتوصي الجيران أن لا يفتحوا باباً لغرض تريده ، خرج وقعد باكياً نادماً، كل باب يتوجه إليه يراه مغلقاً ، يعود إلى أمه ،الحق عزوجل يضيق على عبده ليرده إليه ولا يعلق قلبه بالخلق0
 ((إنَّ ناشِئَةَ الَّليْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً)){المزمل6}:
هي بعد النوم ونوم الخلق والنفس والطبع والهوى والإرادة ،يبقى القلب طعامه وشرابه المناجاة لله عزوجل والقيام والركوع والسجود بين يديه 0
 ((أُدْعُوا رَبَّكُم تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إنَّهُ لايُحِبُّ المُعْتَدِينَ)){الأعراف55}:
حمِّلها على ظاهرها أن المعتدي الطالب من غيره ، السائل لسواه0
 ((إيّاكَ نَعْبُدُ وَإيّاكَ نَسْتَعِينُ)){فاتحة الكتاب 5}
إياك نطيع وإياك نوحد0
 ((إنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ العُلَماءُ)){فاطر28}:
لما علموا خافوا ،علمت بمضرة الشيء فاحذره واجتنبه0
 ((يَوْمَ لايَنْفَعُ مَالٌ وَلابَنُوُنٌ إلاّ مَنْ أَتَى الله بِقْلْبٍ سَلِيمٍ)){الشعراء88،89}:
لم ينظر بقلبه إلى أمواله وبنيه ولم يسكنها قلبه بل يرى أنه وُكِّلَ فيهما يصحبهما موافقة لربه فيسلم قلبه من آفات المال والولد كمثل رجل أُخبر أن الملك يريد أن يزوجه جارية ويريد قتله على يدها ،قال في نفسه إن هربت أدركني بجنوده وإن خالفته أهلكني سلطانه وان رافقته أهلكني بجاريته0أمره الملك بتزوج جارية من جواريه وأمرها أن تسمه أو إذا نام تذبحه ،دخل فقبل النكاح والهدية ،أظهر موافقته مع حذر قلبه ،قال السمع والطاعة ،جاء الزفاف ،لبس درع الحذر ،كحل عيني قلبه بكحل السهر لينظر إلى حركتها وسكونها وعملها ،إنقلبت فرحته ،والحواشي والخدم يظنون أنه مغبوط فيما وصل إليه 0 جاء النهار ولم تهلكه بسمها 0الدنيا هي الزوجة لا نام معها ولا خلا بها في عمره0
 ((إلاّ مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ))
من الآفات والرياء والنفاق ورؤية الخلق0
 ((أَرَضِيتُم بِالَحَياة الدُّنْيا مِنَ الآخِرَةِ))
الحياة الدنيا هي نفسك وهواك وطبعك ، هذه هي الدنيا لامايزول من الشهوات فتلك أقسام لك0مالابد منه ليس من الدنيا ،بيت يكنك ولباس يسترك ،وخبز يشبعك ، وزوجة تسكن إليها0الحياة الدنيا هي الإقبال على الخلق والإدبار عن الحق0
 ((إنني أنَا الله لا اِله إلاّ أَنا فَاعْبُدْني)){طه14}:
لاتذل لغيري ،اعرفني واجهل غيري ،إتصل بي وانقطع عن غيري ،أطلبني وأعرض عن غيري ، إلى علمي إلى قربي إلى ملكي إلى سلطاني،حتى إذا تم هذا لك تم اللقاء ، جرى ماجرى،زالت الحجب ،زالت الكدورة ,سكنت النفس ،جاء السكون ، جاءت الألطاف0
 ((إذْهَبْ إلى فِرْعَوْن)){طه24}:
يا قلب إرجع إلى الشيطان والنفس والهوى طرقّهم إليّ ،اهدهم إليَّ00 قل لهم ((ياقَوْمِ إِتَّبِعُونِ أَهْدِكُم سَبِيلَ الرَّشادِ)){المؤمن38}:
 ((إنَّ النَّفسَ لامّارةُ بِالسُّوءِ)){يوسف54}:
لا تبالي من أين أَكَلَتْ ، كالزوجة السوء تقول لزوجها :أسرق وأطعمني فهي لاتميز بين الحلال والحرام0
 ((إنْ يَنْصُرْكُمُ الله فَلاَ غالِبَ لَكُم)){آل عمران160}((إنْ تَنْصُرُوا الله يَنْصُرْكُمْ ويثُبِّت أَقْدامَكُم )){محمد7}:
إذا أنكرت منكراً غيرة لله عزوجل أعانك على ازالته ونصرك على أهله وذلهم لك ، وإذا أنكرته بنفسك وهواك وشيطانك وطبعك خذلك ولم ينصرك على أهله ، ولم تقدر على إزالته،الإيمان هو المُنكِر ، فكل مُنكِر لايكون إنكاره بالإيمان فليس بمُنكِر 0الإنكار بلا أنت 0تريد أن يكون لله عزوجل لا لخلقه،لدينه لا لنفسك ،له لا لك 0
 ((وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ))
أما أنت ياعامي فيحذرك الله عذابه ، وأنت يا خاص فيحذرك الله نفسه ،ويا خاص الخاص يحذرك الله تقليباته0
 ((ثُمَّ أَنشأناهُ خَلْقَاً آخَرَ فَتَبارَكَ الُله أَحْسنَ الخالِقين)){المؤمنون14}
إصبر على ما يبتليك الحق عز وجل بأنواع البلايا0هذا دأب الله عزوجل مع عباده المصطفين المخبتين،يقطعهم عن الكل ويبتليهم بأنواع البلايا والآفات والمحن،يضيق عليهم الدنيا والآخرة وما تحت العرش إلى الثرى ،يفني بذلك وجودهم ،حتى إذا أفنى وجودهم أوجدهم له لا لغيره ، أقامهم معه لامع غيره ،ينشئهم خلقاً آخر 0الخلق الأول مشترك وهذا الخلق مفرد ، يفرده عن إخوانه وأبناء جنسه من بني آدم ، يغير معناه الأول ويبدله ، يصير عاليه سافله ، يصير ربانياً روحانياً ، يضيق قلبه عن رؤية الخلق وينسد باب سره عن الخلق ، يصور له الدنيا والآخرة والجنة والنار وجميع المخلوقات والأكوان شيئاً ثم يسلم ذلك الشيء إلى يد سره فيبتلعه ولايتبين فيه : يظهر فيه القدرة كما أظهرها في عصا موسى عليه السلام0سبحان من يظهر قدره فيما يريد على يد من يريد!0
 جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني أُحبُّك فقال : إستعدْ للفقر جِلباباً، وجاء رجل آخر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال اني أحبُّ الله عزوجل فقال : إتخذ للبلاء جلباباً0محبة الله ورسوله مقرونان بالفقر والبلاء ولهذا قال بعض الصالحين وِكِّل البلاء بالولاء كي لايدعى ،لو لم يكن كذلك وإلاّ كان كل أحد يدعي محبة الله عزوجل 0
 ((يهتف العلمُ بالعمل فإن أجابَه وإلاّ إرتحل)) ترتحل بركته وتبقى محنته ،ترتحل شفاعته لك من مولاه وينقطع دخوله عليك في حوائجك ،إرتحلَ لكونه بقي قشوراً، فإنَّ لبَّ العلم العمل0
 ((قال النبي صلى الله عليه وسلم :مَنْ فُتِحَ لَهُ بابٌ من الخير فَلْينتهزه فإنه لايدري متى يُغلقُ عنه 0 )) إنتهزوا واغتنموا باب الحياة مادام مفتوحاً ،عن قريب يغلق عنكم ، إغتنموا أفعال الخير مادمتم قادرين عليها ،إغتنموا باب التوبة وادخلوا فيه مادام مفتوحاً لكم ،إغتنموا باب الدعاء فهو مفتوح لكم ،إغتنموا باب مزاحمة الصالحين فهو مفتوح لكم 0
 قال النبي صلى الله عليه وسلم ((حُبِبَ إليَّ من دنياكم ثلاث :الطيبُ والنساءُ وجعلتْ قُرَةُ عَيْني في الصَّلاة))أُبغض الكل وأحبَّ خالق الكل فإن شاء هو أن يحبب إليك شيئاً مما أبغضت كنت محفوظاً فيه لأنه هو المحبب لا أنت 0 فرِّّغ أنت قلبك مما سواه حتى يحبب هو إليك ما يشاء من ذلك .
 قال النبي صلى الله عليه وسلم ((إنَّ اللهَ لا يُعذِّبَ حبيبَهُ ولكن قدْ يبَتلِيه )) المؤمن يثبت عنده إن الله عز وجل ما يبتليه بشيء إلاّ لمصلحة تعقب ذلك إما دنيا أو آخرة فهو راض بالبلاء وصابر عليه غير متهم ربه عزوجل ،شغله ربه عزوجل عن البلاء0
 قال النبي صلى الله عليه وسلم((أنا والأتقياءُ مِنْ أُمَّتي بَرآء مِنَ التَكلُّف )) التقي لايتكلف عبادة الحق عزوجل لأنها صارت طبعه فهو يعبد الله بظاهره وباطنه من غير تكلف منه وأما المنافق فهو في كل أحواله يتكلف ولاسيما عبادة الحق عز وجل ، يتكلفها ظاهراً ويتركها باطناً ،لا يقدر أن يدخل مدخل المتقين0 لكل مكان مقال ولكل عمل رجال وللحرب رجال خلقت 0
 قال النبي صلى الله عليه وسلم((البركة في أكابركم)) ما أراد النبي صلى الله عليه وسلم ذكر السن فحسب حتى يضاف إلى كبر السن التقوى في إمتثال الأمر والإنتهاء عن النهي وملازمة الكتاب والسنة وإلاّ فكم من شيخ لا يجوز إحترامه ولا السلام عليه وليس في رؤيته بركة 0 الأكابر المتقون الصالحون المتورعون العاملون بالعلم المخلصون في العمل0 الأكابر القلوب الصافية المعرضة عما سوى الله عزوجل 0الأكابر القلوب العارفة بالله عزوجل العالمة القريبة منه 0
 قال النبي صلى الله عليه وسلم (الدنيا مزرعة الآخرة فمن زرع خيراً حصد غبطة ومن زرع شراً حصد ندامة ) أنصب شبكة الدعاء وارجع إلى الرضا ، لاتدعُ بلسانك وقلبك معترض ، يوم القيامة يتذكر الإنسان مافعل في الدنيا من خير وشر ،فالندامة هناك لاتنفع ، والذكر ثَمَّ لاينفع ، الشأن في تذكر اليوم قبل الموت ، ذكر الحرث والبذر وقت حصاد الناس لاينفع ، إذا جاءك الموت إنتبهت وقت لاينفعك الانتباه ،اللهم نبهنا من نوم الغافلين عنك الجاهلين بك 0
 قال النبي صلى الله عليه وسلم((لا يكمل المؤمن إيمانه حتى يريد لأخيه المسلم ما يريده لنفسه)) هذا قول أميرنا ورئيسنا وكبيرنا وقائدنا وسفيرنا وشفيعنا،مقدم النبيين والمرسلين والصديقين من زمان آدم عليه السلام إلى يوم القيامة ، قد نفى كمال الإيمان عمن لايحب لأخيه المسلم مثل ما يحب لنفسه ،إذا أحببت لنفسك أطايب الأطعمة وأحسن الكسوة وأطيب المنازل وأحسن الوجوه وكثرة الأموال وأحببت لأخيك المسلم بالضد من ذلك فقد كذبت في دعواك كمال الإيمان 0ياقليل التدبير ! لك جار فقير ولك أهل فقراء ولك مال عليه زكاة ولك ربح كل يوم ، ربح فوق ربح ومعك قدر يزيد على قدر حاجتك إليه ، فمنعك لهم عن العطاء هو الرضا بما هم فيه من الفقر ولكن إذا كان نفسك وهواك وشيطانك وراءك فلاجرم لايسهل عليك فعل الخير ، معك قوة حرص وكثرة أمل وحب الدنيا وقلة تقوى وإيمان 0أنت مشرك بك وبمالك وبالخلق وماعندك خبر0
 قال النبي صلى الله عليه وسلم((إذا قصَّر العبد في العمل ابتلاه الله عزوجل بالهَمِّ )) يبتليه بهمِّ مالم يقسم له وهمِّ العيال وأذية الأهل ونقصان الربح في المعيشة وعصيان الولد له ومنافرة الزوجة وأينما توجه يعثر كل ذلك عقوبة لتقصيره في طاعة ربه عزوجل واشتغاله عنه بالدنيا والخلق0
 قال النبي صلى الله عليه وسلم((إن هذه القلوب لتصدأ ، وإن جلاءها قراءة القرآن وذكر الموت وحضور مجالس الذكر)) القلب يصدأ ،فإن تداركه صاحبه بما وصف النبي صلى الله عليه وسلم وإلاّ إنتقل إلى السواد ، يسود لحبه الدنيا والتحويز عليها من غير ورع لأن من تمكن من قلبه حب الدنيا زال ورعه فيجمعها من حلال وحرام ،يزول تمييزه في جمعه ،يزول حياؤه من ربه عزوجل ومراقبته ، إقبلوا من نبيكم واجْلوا صدأ قلوبكم بالدواء الذي قد وصفه لكم ، لو أن بأحدكم مرضاً ووصف بعض الأطباء دواء له لما أهنأه العيش حتى يستعمله 0
 قال النبي صلى الله عليه وسلم((أطعموا طعامكم الأتقياء ، وأعطوا خرقكم المؤمنين)) إذا أطعمت طعامك للمتقي وساعدته في أمر دنياه كنت شريكه فيما يعمل ولاينقص من أجره شئ أنك عاونته في قصده ورفعت عنه أثقاله وأسرعت خطاه إلى ربه عزوجل ، وإذا أطعمت طعامك لمنافق مراء عاصي وساعدته في أمور دنياه كنت شريكه فيما يعمل ولاينقص من عقوبته شئ لأنك أعنته على معصية الحق عزوجل فيرجع شره إليك 0
 قال النبي صلى الله عليه وسلم((من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين )) 0 ذكر اللسان بلا قلب ؟لاكرامة ،ولاعزازة لك به ،الذكر هو ذكر القلب والسر ثم ذكر اللسان0
 عن النبي صلى الله عليه وسلم((يقول الله عزوجل لجبريل :أنم فلاناً وأقم فلاناً)) هذا على وجهين :1-أقم فلاناً المحب وأنم فلاناً المحبوب ،هذا قد أدعى محبتي لابد أن أناقشه وأقيمه مقامه حتى يتساقط عنه أوراق وجوده مع غيري ،أقمه حتى يتبين برهان دعواه ،حتى تتحقق محبته وأنم فلاناً لأنه محبوب طالما تعب ، ما بقيت عنده بقية من غيري اتخذت محبته لي وتحققت دعواه وبرهانه ووفاؤه بعهدي ،جاءت النوبة إليّ ووفائي بعهده ، هو ضيف والضيف لايستخدم ويتعب، أنومه في حجر لطفي وأقعده على مائدة فضلي وأؤنسه بقربي وأغيبه عن غيري ، قد صحت مودته، فإذا صحت المودة زال التكليف 2-الوجه الأخر :أنم فلاناً فإني أكره صوته وأقم فلاناً فإني أحب صوته0
 وفي مكان آخر: هذا له وجهان :1-أقم فلاناً فإنه صادق في عبادته هارب من ذنوبه ، إدفع عنه العناء والنوم ،وأنم فلاناً فإنه كذاب منافق باطل في باطل ،لعنة في لعنة ،ألق عليه الكرى حتى لا أرى وجهه في القائمين2-أقم فلاناً فإنه محب طالب ومن شرط المحب التعب ،وأنم فلاناً لأنه محبوب ومن شرط المحبوب الراحة0
 قال النبي صلى الله عليه وسلم ((الدنيا سجن المؤمن )) سجنه مادام مؤمناً، فإذا دام تقواه أُخرج منها ، أُبرز من سجنه ، من ضيقته0
 قال النبي صلى الله عليه وسلم :((عليك بذات الدين تربت يداك )) {متفق عليه}وأترب إذا إستغنى ، إذا خالطت أهل الدين وأحببتهم إستغنت يداك وقلبك ويهرب من النفاق وأهله 0
 قال النبي صلى الله عليه وسلم ((سترون ربكم كما ترون الشمس والقمر لاتضامون في رؤيته)) {أخرجه الشيخان}:يُرى اليوم بأعين القلوب وغداً يرى بأعين الرؤوس0

من مؤهلات الداعية :الفراسة
متى تريك شمس المعرفة وجوه قلوب العوام والخواص0

لابد للداعية من هذا المؤهل لأنه يرِدُ عليه من كل لون لذا لابد له من أن يشخِّص الصادق من الزائف وأن يبتعد عن السطحية والسذاجة ولايتأتى ذلك إلاّ بالتقوى والتقرب إلى الله تعالى0وقد بين لنا القرآن الكريم أن لانغتر بالقول الجميل الذي يخفي خلفه قلب ذئب خصيم ((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلَهُ فِي الحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى مَافِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الِخصامِ)){البقرة 204}:
 أيها الفاسق ! إتق المؤمن ولاتدخل عليه وأنت ملوث بنجاسة معاصيك فإنه يرى بنور الله عزوجل ما أنت فيه ،يرى شركك ونفاقك ، يرى عُملتك مخبأة تحت ثيابك ، يرى فضائحك وهتائكك0
 شغلي معك أن أمنعك من الكذب وآمرك بالصدق وبيدي ثلاث محكات أعرف بها :الكتاب والسنة ، وقلبي المحك الأخير يتبين فيه الأشباح 0لايبلغ العبد هذه المَنْزلة حتى يتحقق له العمل بالكتاب والسنة 0
 عندي فيما يخصني غنى عما آخذه منكم ،ماعندي إلاّ الكسب أو التوكل على الله عزوجل ،لاأنتظر ماتأتوني به كما ينتظركم هذا المنافق المرائي المتوكل عليكم الناسي لربه عزوجل ،أنا محكُّ أهل الأرض فكونوا عقلاء ولاتتبهجروا عليّ فإني أعرف جيدكم من رديئكم بتوفيق الله عزوجل وتأهليه لي ،إن أردتَ الفلاح فكن سنداناً لقضيبي حتى أقرع دماغ نفسك وهواك وطبعك وشيطانك وأعدائك وأقرانك السوء،إستعينوا بربكم على هؤلاء الاعداء0
 الصديقون يعرف بعضهم بعضاً ،يشم كل واحد منهم رائحة القبول والصدق من الاخر0
 لايضحك في وجه الفاسق إلاّ العارف ،يضحك في وجهه ويريه انه مايعرفه وهو يعلم بخراب بيت دينه وسواد وجه قلبه وكثرة غله وكدره، والفاسق والمنافق يظنان انهما قد خفيا عليه ولم يعرفهما ، لا ولا كرامة لهما ! مايخفيان عليه ،يعرفهما بلمحه ونظره وكلمه وحركته ،يعرفهما عند ظاهره وباطنه ولاشك0
 متى تريك شمس المعرفة وجوه قلوب العوام والخواص0
 ويلكم ! تظنون أنكم تخفون على الصديقين العارفين العالمين 0
 لاتتهم أحداً في خالقك لعلك تخطئ وتصيب ،لاتقبح على غيرك حتى يُستَحسَن عملك ،التحسين والتقبيح إلى الشرع لا إلى العقول ،هذا من حيث الظاهر وفوق الأحوال بأن يكون التقبيح والتحسين إلى الباطن ، فتوى القلب تقضي على فتوى الفقيه لأن الفقيه يفتي بنوع اجتهاده والقلب لايفتي إلاّ بالعزيمة0
 العوام لايعرفون بهرجتك ،الصيرفي يعرف بهرجتك ثم يُعْلِمُ العوام حتى يحذروك0
 ويحك ! إن خفي أمرك على العوام فما يخفى على الخواص ، السوادي يخفى عليه بهرجك ،الصيرفي لا، الجاهل يخفى عليه ،العالم لا0
 الخواص إذا رأوا المنافق مقتوه بقلوبهم ولكنهم يسترونه بستر الله عزوجل0
 إني أعرفكم يامنافقون من طريق العلم ولكن أستركم بستر الله عزوجل0
 له فيهم علامات ،قلبه حساس ،ينظر بنور الله عزوجل الذي اسكنه في قلبه0
 عندنا محاككم ،عندنا صيارفة ،عندنا نُقّاد !
 شُوِهَ عليك ياأخبث الخبث ، ياأحمق ! يهودي أو نصراني أحب إليك مني ، دجال يأتي من خراسان ينظف ظاهره ويتفقه عليك أحب إليك مني 0
 قام رجل يسأله مسألة ،قال له أمسك ! أرى سؤالك يخرج من طبعك ونفسك ، لاتخاطر معي ! أنا سياف ،أنا قَتّال !
 إنني أرى حركاتك وسكناتك وكل همك لنفسك وزوجتك وولدك ، وماعندك من الحق عزوجل خبر !
 ويحك ! تُخفي أمرك عليَّ وهو لايخفى ،تظهر لي أنك طالب الآخرة وأنت طالب الدنيا ،هذا الهوس الذي في قلبك مكتوب على جبينك ،سرك في علانيتك ،الدينار الذي في يدك بهرج ،فيه دانق ذهب والباقي فضة ،لاتبهرج عليَّ فإني رأيت كثيراً مثله ،سلمه اليَّ ومكنيّ منه حتى أسبكه وأخلِّص مافيه من الذهب ويرمى الباقي ، جيد قليل خير من كثير ردئ ،مكنيِّ من دينارك فأنا ضرّاب وعندي آلة ذلك0
 فتش عن الفقراء فأعطهم وإجتهد أن لاتمر عليك حيلة منافق متنمس كذاب يتفاقر وهو غني ،يزاحم الفقراء بجلواته وتباكيه وذله ،إذا طلب منك واحد من هذا الجنس فتوقف ساعة واستفت قلبك فلعله غني وهو يتفاقر ،أنظر مايخطر لك ، إستفت نفسك وان أفتاك المُفتون0

حادي الارواح
يا عبد نفسه وهواه وطبعه وشيطانه ودنياه !
لاقدر لك عند الله وعند عباده الصالحين 0

لابد للداعية أن يتفنن في استخدام أساليب مختلفة للوصول إلى قلوب الناس ، فليست القضية أن ترمي بالكلام دون أن تتأكد من أن يصل إلى القلوب 0وقد بيَّنا في الفصل الأخير تنوع أساليب الإمام الطيلاني في مخاطبة الناس ، ولكنه هنا يتفنن في إستخدام أسلوب المناداة :
 يا قعوداً في الصوامع والخلق ملء قلوبهم ! ماتسمعون صراخي عليكم وإليكم ؟ أَبُكْمٌ صَمَمٌ؟ قوموا ، تعالوا ،لابأس ،ماأعاملكم وأخاطبكم بسوء أدبكم وأفعالكم بل أرفق بكم برفق الله عزوجل ،بإذنه ،ولاتهربوا من خشونة كلامي فما ذلك مني ، إني أنطق بما أنطقني به0
 يا من يريد الجنة ! شراؤها وعمارتها اليوم لا غداً 0
 يا من باع كل شئ بلا شئ ! واشترى لاشئ بكل شئ !قد إشتريتَ الدنيا بالآخرة وبعت الآخرة بالدنيا0
 ياموتى القلوب! طلبكم للجنة قيدكم عن الحق ، إنزعوا إنزعوا ، إرجعوا إرجعوا0
 يادنيا بلا آخرة ،ياخلقاً بلا خالق 0
 ياجهالاً ويامنافقين ! ماأظلم قلوبكم! وماأنتن روائحكم! وماأكثر لقلقة ألسنتكم! توبوا من جميع ماأنتم فيه واتركوا الطعن في الله عزوجل وفي أوليائه الذين يحبهم ويحبونه ولاتعترضوا عليهم في تناول الأقسام فإنهم متناولون بالأمر لا بالهوى0
 يإذاكراً ! أُذكر الله عزوجل وأنت عنده ولاتذكره بلسانك وقلبك عند غيره0
 يامن يشكوا إلى الخلق مصائبه ! إيش ينفعك شكواك إلى الخلق؟
 ياأصحاء الأجساد ! يامتفرغين من الأعمال! إيش يفوتكم من ربكم عزوجل؟لو إطلعتْ قلوبكم على ذلك لتحسرتم وندمتم ،إنتبهوا !!
 ياكذّابين ! أصدقوا ، ياهاربين من مولاهم ! إرجعوا ، أقصدوا بقلوبكم باب الحق تعالى وصالحوه واعتذروا إليه 0
 ياعلماء ! ياجهال ! ياحاضرون ! وياغائبون ! إستحيوا من الله عزوجل وانظروا بقلوبكم إليه ، ذلوا له 0
 يامنقطعاً عن الطريق! يامن تتلاعب به شياطين الإنس والجن ! ياعبد النفس والهوى والطبع!
 يافقير الخلق ! يامشركاً بهم ! إحذر أن يأتيك الموت وأنت على ماأنت عليه ، مايفتح الله لروحك بابه ولاينظر اليها لأنه غضبان على كل مشرك معتمد على غيره 0
 يانياماً لا ينام عنهم! يامعرضين لايعرض عنهم ! ياناسين لايُنْسَوْن ! ياتاركين لايُتْرَكون ! ياجهالاً بالله عزوجل ورسوله صلى الله عليه وسلم ومن تقدم ومن تأخر ! أنتم خشب ممدود نخر لايصلح لشئ0
 يامسجوناً في سجن هواه ! ياعبد الخلق ! ياجاهلاً بعاقبة أمره ! ياجاهلاً بالخلق والحق عزوجل وماعليه وله0
 يا إنسان ! إسمع ، ياناس ! إسمعوا ، يابُلَّغْ ! ياعُقَّلْ ! كلام الباري عزوجل وأخباره وهو أصدق القائلين ، غيِّرُوا له من نفوسكم مايكره حتى يؤتيكم ماتحبون ،الطريق واسع ، إيش بكم؟!
 يامنافق ! إيش تهذي ؟
 ياغافل ! ياهمَّج ! إنتبه! ماخُلِقْتَ للدنيا وإنما خلقت للاخرة0
 يا تربية الشهوات واللذات ! يا تربية الهوس ! الخير فيما ورائك0 إحترقْ بنار صدق إرادتنا !
 ياغافلاً عما لابد لك منه 0
 يامن لبس الصوف ! إلْبَس الصوف لسرك ثم لقلبك ثم لنفسك ثم لبدنك ،بداية الزهد من هناك تكون لا من الظاهر إلى الباطن ، إذا صفا السر تعدى الصفاء إلى القلب والنفس والجوارح والمأكول والملبوس وتعدى إلى جميع أحوالك ،أول ما يعمر داخل الدار فإذا كملت عمارته أخرج إلى عمارة الباب ،لاكان ظاهر بلا باطن ،لاكان خلق بلا خالق ،لاكان باب بلا دار ، لاكان قفل على خربة 0
 يامغروراً بالدنيا ! يامشتغلاً بلا شئ!
 ياعابد صنم الرياء ! ماتشم قرب الله عزوجل لادنيا ولا آخرة0
 ياعبد نفسه وهواه وطبعه وشيطانه ودنياه ! لاقدر لك عند الله وعند عباده الصالحين 0
 يامن يدعي إرادة الحق عزوجل وهو واقف مع نفسه ! كذبت في دعواك0
 يامجانين بالنسبة إلى الآخرة ،عُقَّلْ بالنسبة إلى الدنيا ! هذا عقلٌ لاينفعكم ، إجهد في تحصيل الايمان0
 ياقليل العقل ! لاتهرب من باب الحق عزوجل لإجل بلية يبتليك بها ،فإنه أعرف منك بمصلحتك ، مايبتليك إلاّ لفائدة وحكمة0
 يامسكين! لاتناظر القدر وتشاققه فتهلك 0
 ياميت القلب ! ياغائباً عن القوم ! يامدبراً ! يامحجوباً بك وبالخلق عن الحق عزوجل0
 يامنعماً عليه ! أشكر النعم وإلاّ سلبت من يدك 0
 ياملوك ويامماليك ! ياظالمون وياعادلون ! يامنافقون ويامخلصون ! الدنيا إلى أمد والآخرة إلى أبد0
 يامنعزلاً عن الطريق المستقيمة ! لاتحتج بشئ فما لك حجة ، الجادة بين يديك !
 ياواثقين بالخلق دون الحق عزوجل !
 يامستعجل ! إصبر ! وقد أكلت طيباً هنيئاً0
 يامعتمدين على الأسباب ! نافعكم واحد وضاركم واحد ، ملككم واحد ، سلطانكم واحد وإلهكم واحد0
 يامن صَمتَ في خلوته ! الشأن في صمْت جلوتك !
 ياغائباً عن الحق ! ياغائباً عن الشرع والدين ! ياقائماً مع الدنيا والنفس والطبع ! ياعابد الخلق ! ياناسي الحق ! لابد من لقاء الله تعالى ، القه الآن ، أترك الخلق والنفس0
 ياأهل مملكة الدنيا وملوكها وملابسها وولاتها !عندي ثياب معلقة في البيت ،أيها شئت لبست ،عليكم بالسلامة فيَّ أو أتيكم بجنود لاقبل لكم بها والسلام0
 ياميت ! ياتراب ! تصير تراباً ،يداس قبرك ، من تراب إلى تراب ، من المهد إلى اللحد ، ماعندك خبر!
 يامخذول ! لو كان في قلبك نور لفرقت بين الحرام والشبهة والمباح0
 ياواثقاً بالدينار والدرهم الذيْن في يدك ! عن قريب يذهبان من يدك عقوبة لك كما يفنيهما ، قد كانا في يد غيرك فسلبا منه وسُلما إليك لتستعين بهما على طاعة مولاك عزوجل فجعلتهما صنمك!
 يامدبر ! يامحروم !أنت من العاملة الناصبة في الدنيا ، ناصبة غداً في النار0
 ياإباقاً عن خدمة سيدهم ! يا مستغنين بإرائهم عن رأي الأصفياء الأنبياء والمرسلين والصالحين! ياواثقين بالخلق دون الحق عزوجل!

في المحراب
اللهم أفننا عما سواك وأوجدنا بك0

الاقتداء بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في استخدام الأوراد والأدعية نفسها يعد من السنة ، ولكن يمكن للداعية أن يتنوع في إختيار أدعية أخرى للتقرب إلى الله تعالى ، ويمكن إستخدام الأدعية كوسيلة لترسيخ المعاني الإيمانية في القلوب:
 اللهم ارزقنا الصحة معك 0
 اللهم أهد الكل وتب على الكل وأرحم الكل 0
 اللهم أيقظنا بك ولك 0
 اللهم ارزقنا لقاؤك في الدنيا والآخرة ، لذذنا بالقرب منك والرؤية لك ، إجعلنا ممن يرضى بك عما سواك 0
 اللهم إجعلنا في جنابك ومعك 0
 اللهم قربنا إليك ولاتباعدنا عنك 0
 اللهم باعد بيننا وبين النفاق في جميع أحوالنا 0
 اللهم لاتبتلينا ، اللهم ارزقنا القرب منك بلا بلاء ، اللهم قرباً ولطفاً ، اللهم قرباً بلا بعد ، لاطاقة لنا على البعد منك ولا على مقاساة البلاء فارزقنا القرب منك مع عدم نار الآفات ، فان كان ولابد من نار الآفات فإجعلنا فيها كالسمندل الذي يبيض ويفرخ في النار وهي لاتضره ولاتحرقه ، إجعلها علينا كنار إبراهيم خليلك ، انبت حوالينا عشباً كما أنبتَّ حواليه ، وأغننا عن جميع الأشياء كما أغنيته وآنسنا وتولنا كما توليته وأحفظنا كما حفظته اللهم أرزقنا الموافقة وترك المنازعة0
 اللهم تب عليَّ وعليهم ، وهبنا كلنا لنبيك محمد صلى الله عليه وسلم ولأبينا إبراهيم عليه السلام ، اللهم لاتسلط بعضنا على بعض وانفع بعضنا ببعض وأدخلنا كلنا في رحمتك 0
 اللهم أرزقنا مارزقت القوم 0
 اللهم أنصرنا بطاعتك ولاتخذلنا بمعصيتك0
 اللهم طيبنا بالتوحيد وبخرنا بالفناء عن الخلق وماسواك في الجملة 0
 اللهم أعنا على نفوسنا0
 اللهم ارزقنا محبتك مع العفو والعافية 0
 اللهم انفعني بما أقول وأنفعهم بما أقول ويستمعون 0
 اللهم ارزقنا ووفقنا، وجنبنا الإبتداع 0
 اللهم أفننا عما سواك وأوجدنا بك0
 اللهم أطعمنا من طعام قربك وأسقنا من شراب أنسك 0
 اللهم باعد بيننا وبين نفوسنا0
 اللهم أرنا كما أريتهم مع العفو والعافية 0
 اللهم وأنت العالم بسرائرنا فأصلحها ، وأنت العالم بحوائجنا فاقضها ، وأنت العالم بذنوبنا فاغفرها ، وأنت العالم بعيوبنا فاسترها ، لاترنا حيث نهيتنا ولاتفقدنا حيث أمرتنا، لاتنسنا ذكرك ولاتؤمنّا مكرك ، لاتحوجنا إلى غيرك ، لاتجعلنا من الغافلين ، اللهم ألهمنا رشدنا وأعذنا من شر أنفسنا ، أشغلنا بك عمن سواك ، إقطع عنا كل قاطع يقطعنا عنك ، ألهمنا ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ، لا اله إلاّ الله ، ماشاء الله لاحول ولاقوة لنا إلاّ بالله العلي العظيم ، لاتبد أخبارنا ولاتهتك أستارنا ولاتؤاخذنا بسوء أعمالنا ، لاتُحْينا في غفلة ولاتأخذنا على غرة0
 اللهم إجعلنا منهم وأعد علينا من بركاتهم 0
 اللهم تب علي وعليهم ، اللهم أيقظني وأيقظهم وارحمني وأرحمهم ، فرِّغ قلوبنا وجوارحنا لك فان كان ولابد فالجوارح للعيال في أمور الدنيا والنفس للأخرى والقلب والسر لك0
 اللهم إنا نعوذ بك من الإتكال على الأسباب والوقوف مع الهوس والأهوية والعادات ، نعوذ بك من الشر في سائر الاحوال0
 ياواحد وحِّدنا لك! ، خلصنا من الخلق واستخلصنا لك! ، صحح دعاوينا ببينة فضلك ورحمتك ، طيب قلوبنا ويسر أمورنا ، إجعل أنسنا بك ووحشتنا بمن سواك ، إجعل همومنا هما واحداً وهو الهم بك والقرب منك دنيانا وأخرانا0
 اللهم نوِّر قلوبنا ودلها عليك وصفِّ أسرارنا وقربها منك0
 اللهم ردنا إليك ، وأوقفنا على بابك ، إجعلنا لك وفيك ومعك ، أرضنا بخدمتك ، إجعل أخذنا وعطاؤنا لك ، طهر بواطننا عن غيرك ، لاترنا حيث نهيتنا ، لاتفقدنا حيث أمرتنا ، لاتجعل ظواهرنا في معاصيك وبواطننا في الشرك بك ، خذنا من نفوسنا إليك ، إجعل كلنا لك ، أغنياء بك عن غيرك ، نبهنا عن الغفلة عنك ، أردنا بطاعتك ومناجاتك ، لذذ قلوبنا وأسرارنا بقربك ، أحل بيننا وبين معاصيك كما أحلت بين السماء والأرض وقربنا إلى طاعتك كما قربت بين سواد العين وبياضها، أحل بيننا وبين ماتكره كما أحلت بين يوسف وامرأة العزيز في معصيتك 0
 الهي ! كنت أخرس فأنطقتني ، فانفع الخلق بنطقي وكمل لهم الصلاح على يدي وإلاّ ردني إلى الخرس0
 اللهم أحينا بك وأفننا عن غيرك 0
 اللهم اكسر شوكة المنافقين وأخذلهم أو تب عليهم واقمع الظلمة وطهر الأرض منهم أو أصلحهم 0
 اللهم طيب قلوبنا واخلع على أسرارنا وصفِّ عقولنا فيما بيننا وبينك من وراء عقولنا وعقول الخلق ، اللهم إغنني عن الكل ، إغنني بك عمن سواك ، إغن المعلم عن الصبيان ، وعما في بيوتهم ,واجعل داره دار السماط مع التعليم ، اللهم انك تعلم أن هذا الكلام قد غلب علي فأعذرني فيه ، جامكيتي (أجرتي) قد تمت وحصلت لي منك ، بقية جامكية الأطفال والأتباع والطوارق ، وأسالك تسهيل ذلك مع طيبة قلبي وصفاء سري0
 الحسن والجود من صفاتك ونحن عبيدك فاعطنا ذرة منهما0
 اللهم أجر الخيرات على أيدينا وإجعلنا من أهل لطفك وعنايتك 0
 اللهم ارزقنا العلم بك 0
 اللهم إجعل غذائنا ذكرك وغنائنا قربك 0
 اللهم إجعلنا مؤمنين ولاتجعلنا منافقين0
 اللهم ارزقنا حسن الأدب معك ومع خواصك من خلقك ، لاتبتلنا بالتعلق بالأسباب والاعتماد عليها ، ثبت علينا توحيدنا لك وتوكلنا عليك وتغنينا بك ، ورد الحوائج إليك ، لاتبتلنا بأقوالنا وأعمالنا ولاتؤاخذنا بها ، عاملنا بكرمك وتجاوزك ومسامحتك 0
 اللهم ارزقنا حلمك وعلمك وقربك0
 ربنا لانريد منك الدنيا والآخرة بل نريد العفو والعافية في الدين ، نريد بقاء الإيمان والمعرفة ، تصدق علينا بذلك ، قد تمسكنا بذيل رحمتك فلا تخيب ظننا فيك ، كوِّن لنا ذلك فإنك إذا أردت أمراً قلت له كن فيكون0
 الهي ! أسألك العفو والعافية في هذه النيابة (الدعوة) ، أعني على هذا الأمر الذي أنا فيه ، قد أخذت الأنبياء والرسل إليك وقد أوقفتني في الصف الأول أقاسي خلقك فأسألك العفو والعافية ، اكفني شر شياطين الإنس والجن وشر جميع المخلوقات 0
 اللهم تب علينا ولاتفضحنا في الدنيا ولا في الآخرة 0
 اللهم كف الخلق عنا ، اللهم كف النفس عنا والأهوية والطباع0
 اللهم عفواً ، اللهم ستراً ، اللهم ثباتاً ، اللهم رضاً0
 اللهم إهدنا واهد بنا ، وأرحمنا وأرحم بنا ، وعرفنا وعرِّف بنا ، إجعلني مباركاً أينما كنت0
 اللهم ما منا إلاّ من يريدك ولكن الآفات تمنعنا عنك0
 اللهم نبهنا من رقدة الغافلين وانفع بعضنا ببعض ، أشغلنا بنارك حتى تصلح نفوسنا وتهديها لك وتشتغل بقية العمر0اللهم أشغل جوارحنا بطاعتك وقلوبنا بمعرفتك ، وأشغلنا طوال حياتنا في ليلنا ونهارنا ، وألحقنا بالذين تقدموا من الصالحين ،وأرزقنا مارزقتهم وكن لنا كما كنت لهم0
ودبَّتِ الروحُ في عرائس الشمع
ان كلماتنا كعرائس من الشمع، فاذا متنا في سبيلها،
دبت فيها الروح وكتبت لها الحياة
سيد قطب رحمه الله
من جملة الصفات التي اتصف بها رسولنا الكريم صلى الله تعالى عليه وسلم أنه أُوتي جوامع الكلم ، أي جملاً قصيرة عميقة المعنى شاملة المدلول0ومعظم الواصلين آتاهم الله تعالى جزءاً من هذه الصفة ببركة متابعتهم للرسول صلى الله عليه وسلم وهي مطلوبة من كل مسلم وداعية أن يقدم من الكلام ماقل ودل ليظل عالقاً بالأذهان ، وهو أسلوب مهم آخر في إيصال الدعوة :
 المؤمن عاملُ الملك(1) في قرية الدنيا0
 الإشتغال بغير الله هوس والخوف من غيره والرجاء لغيره هوس0
 الأكثر منكم قرة عين إبليس وعبيده ! لاكرامة لكم ولا له!
 لو إتبعتم الكتاب والسنة لرأيتم عجباً0
 لاتتكل على من يُعزَل أو يموت فيَخيب رجاؤك وينقطع مددك0
 من أراده أراده 0
 من تعرف إليه عرّفه نفسه 0
 كلما دارت أسرارهم في مناكب دار القدر إلتقت العلوم والأسرار0
 اشكروا ربكم عزوجل على نعمه ولاتضيفوها إلى غيره0
 أترك الأشياء الفانية حتى يحصل لك شئ لايفنى0
 هذه الطريق ليس فيها أنا ولي ومعي0
 هلكت معه وملكت معه0
 آمنُ مايكون أخوف مايكون0
 نجباء خلق الله ناظرون الى مراد الله0
 إجتهدوا أن لايُغْلَق عن قلوبكم باب قربه0
 واس الخلق اليوم حتى يواسيك الحق عزوجل غداً برحمته0
 تنفق لوجه الله تعالى ذرة يعطيك جبلاً ، تنفق قطرة يعطيك بحراً0
 الزم الخوف في ليلك ونهارك حتى يقال لقلبك وسرك:لاتخافا إنني معكما أسمع وأرى0
 مت قبل أن تموت! مت عنك وعنهم وقد حييت به0
 التوحيد نور والشرك بالخلق ظلمة0
 تفرغوا من الدنيا بالشغل مع الله عزوجل0
 الزهد عمل ساعة والورع عمل ساعتين والمعرفة عمل الأبد0
 إن ركبت نفسك سرت مع القدر 0
 تحرروا لله تعالى وانقطعوا إليه0
 سبحان من سيركم بالحكم و فضحكم بالعلم !
 لو قعد (يعني المؤمن) في دجلة ألف عام كان قلبه متعلقاً بالله عزوجل0
 الحق عزوجل أهل أن يُخاف ويُرجى ولو لم يخلق جنة ولاناراً0
 ماأريد من الخلق سوى محمد صلى الله عليه وسلم ومن الأرباب سوى ربي عزوجل0
 لاتكسل فإن الكسلان يكون أبداً محروماً0
 إذا كان لا يأتيك إلاّ بما يريد فلا تريد0
 لاتتخير على الله ولاتتجبر فإنه يقصمك ! لاتتجبر على الله تعالى وعلى خلقه بشبابك وقوتك ومالك فإنه يبطش بك ويأخذك أخذ من أخذه0
 مادمت مع غير الله عزوجل فأنت في هم وغم وشرك وثقل 0
 ملائكتكم تتعجب من وقاحتكم !
 الأدب في حق العارف فريضة ، كالتوبة في حق العامي ، لابد من حسن الأدب مع الله عزوجل0
 أحكام الشرع أمانة عندكم وقد تركتموها وخنتم فيها0
 من جعل لنفسه وزناً فلاوزن له !
 من أفنى الخلق بيد توحيده ، وأفنى الدنيا بيد زهده ، وأفنى ماسوى ربه عزوجل بيد الرغبة فقد إستكمل الصلاح والنجاح وحظي بخير الدنيا والاخرة0
 من لايوافق القدر لايرافق ولايوافق0
 من لم يرض يالأقضية لا يرضى عنه 0
 الوراثة إنما تصح بالعلم والعمل والإخلاص0
 ياخيبة من لم يعامله وينقطع إليه بقلبه ويتعلق به بسره ويتمسك بلطفه ومننه !
 أعبد خالق الأصنام وقد ذلت لك الأصنام ،تقرب إلى الله عزوجل وقد تقرب الخلق إليك 0
 اشرع وقد جاءك غيرك وتمم شغلك0
 أترك هواك على باب خلوتك ثم ادخل وحدك تَرَ مؤنسك في خلوتك0
 اذا أردت أن تخلو مع المولى فأخل عن وجودك وتدبيرك وهذيانك 0
 لاتخلط الجد بالهزل ، فإنك ما تمكن قلبك مع الخلق كيف يجتمع مع الخالق ؟ أنت مشرك بالسبب كيف تكون مع المسبب ؟
 أنت جاهل والجاهل لايبإلى به0
 من عرف ربه عرف الأشياء كلها به0
 لولاه ماعرفناه0
 القلب إذا صح كان أقرب الأشياء إلى الله عزوجل 0
 معرفته إنما تكون في القلب لا في الدفاتر، منه تكون، لا من خلقه0
 مايمشي قلبك إلى باب الحق عزوجل خطوة واحدة وأنت مع نفسك في بيت طبعك وهواك0
 اذكروا الموت فليس لكم عنه فوت0
 إذا صح القلب نسي ماسوى الحق عزوجل0
 أنتم بخلاء على انفسكم، لو تكرمتم عليها لحصلتم لها ماينفعها في الآخرة0
 إخلعوا ثياب الوقاحة عليه والتجرئ بين يديه0
 الإجابة إنما تكون بعد الاستجابة0
 أحسنوا العشرة مع الله عزوجل واحذروا منه0
 لاأُنس إلاّ الأُنس به ، ولاراحة إلاّ معه 0
 من صبر قدر0
 طهِّر قلبك ممن سواه فإنك ترى به ماسواه0
 على قدر تعظيمك لله عزوجل يعظمك خلقه ،على قدر حبك له يحبك خلقه ، على قدر خوفك منه يخافك خلقه ،على قدر إحترامك لأوامره ونواهيه يحترمك خلقه ،على قدر خدمتك له يخدمك خلقه0
 مازالوا يصبرون معه على ما يريد حتى أعطاهم مايريدون0
 ماسوى الله عزوجل صنم 0
 لاتنظر إلى الخلق بعين البقاء بل أنظر إليهم بعين الفناء، لاتنظر إليهم بعين الضر والنفع بل أنظر إليهم بعين العجز والذل0
 إن أردت الملك دنيا وآخرة فاجعل كُلَّك لله عزوجل، فتصير أميراً ورئيساً على نفسك وعلى غيرك0
 لوملكت الدنيا كلها ولم يكن قلبك كقلوبهم كنت لاتملك ذرة0
 لاتظلم أحداً في الدنيا فتؤخذ به في الآخرة0
 من لم يكن الشرع رفيقه في جميع أحواله فهو هالك مع الهالكين0
 الإقبال على الخلق هو عين الإدبار عن الحق عزوجل 0
 إذا وجدته وجدتَ كل الصفاء عنده 0
 فناء عنك ثم وجود به(1) 0
 كل ظاهر لايوافقه الباطن فهو هذيان0
 زكاة العلم نشره ودعوة الخلق إلى الحق عزوجل 0
 لاكرامة لكل من يحجبني عنه!
 لايتعاظم عندك شئ من الأشياء سوى الحق عزوجل ، فحينئذ تعظم عند كل الخلق0
 إن أردت أن لا يبقى بين يديك باب مغلق فاتَّقِ الله عزوجل فإنها مفتاح لكل باب0
 جوِّد أعمالك وقد جاد الحق عزوجل عليك بالدنيا والآخرة0
 صحبتك للأشرار توقعك في سوء الظن بالاخيار0
 الخير كله عند الله والشر عند غيره 0
 من جملة الفتوة حفظ سر الله عزوجل والتخلق مع الناس بخلق حسن0
 علِّ همتك وقد علوت ! إن الله عزوجل يعطيك على قدر همتك وصدقك وإخلاصك 0
 على قدر همتك تُعطى 0
 الصادق همته عالية في السماء لايضره قول قائل 0
 صفِّ لقمتك وخرقتك وقلبك وقد صرت صافياً0
 من غلب رجاؤه خوفه تزندق ، ومن غلب خوفه رجاءه قنط، والسلامة في إعتدالهما0
 إصبر معه ولاتصبر عنه 0
 من أحب القوة في دين الله عزوجل فليتوكل على الله عزوجل 0
 جهلك به يحملك على الثقة بغيره 0
 ثقتك به كل الغنى ، ثقتك بغيره كل الفقر0
 لايدخل أحدٌ النار إلاّ بقلب بارد لارتكاب الحجة عليه0
 أنتم مخاطرون برؤوسكم مع الله عزوجل0
 تنبَّهْ قبل أن تُنَبَّهَ بلا أمرك0
 لاتخلط الجد بالهزل ، كيف تمكن قلبك مع الخلق وقد إجتمع مع الخالق ، ماأجهل من نسي المسبب واشتغل بالسبب 0
 كن عنده إذا عرفته ،فان لم تعرفه فابك على نفسك0
 صحبة الأحمق صحبة غبن 0
 الطامع في أخذ الدنيا من أيدي الخلق يبيع الدين بالتين0
 لاتذل لمخلوق مثلك0
 عند التجارب تتبين الجواهر0
 أنكر على نفسك إنكارها على الحق عزوجل 0
 من استغنى بالله عزوجل إحتاج إليه كل شئ0
 كن مع الله صامتاً عند مجيء قدره وفعله حتى ترى منه ألطافاً كثيرة 0
 مالنا حاجة خارجة عن دائرة الشرع0
 كن خصماً لله عزوجل على نفسك وعلى جميع الخلق 0
 لا فلاح لقلبك وفيه أحد غير الله عزوجل0
 لو سجدت له ألف عام على الجمر وأنت تقبل بقلبك على غيره لما نفعك ذلك 0
 مادمت تعرف ماسواه ويعرفونك فأنت هوس(1) 0
 قدِّم الآخرة على الدنيا فانك تربحهما جميعاً وإذا قدمت الدنيا على الآخرة خسرتهما جميعاً عقوبة لك 0
 العافية في ترك طلب العافية ، والغنى في ترك طلب الغنى 0
 لاتطلع الشمس إلاّ على جاهل إلاّ من آثر الله على هواه وطبعه ونفسه0
 مايهلك على الله إلاّ الأحمق،ومايهلك على الله إلاّ هالك0
 العبادة صنعة وأهلها الاولياء0
 عمَّال في أمور الدنيا ،بطَّال في أمور الآخرة0
 أمعكم توقيع من الحق عزوجل بالحياة ؟!
 كل بلائك لبعدك عن مولاك عزوجل وإختيارك لغيره0
 إذا أردت أن تخلو مع المولى فأخلِ عن وجودك وتدبيرك وهذيانك0
 القوم مايطلبون من الله عزوجل سوى الله 0
 لايكون قد شاخ قلبك ، إن في حفظ القلب لشغلاً شاغلاً0
 ملكوا قرب الحق عزوجل فملكوا ماسواه0
 كل الدنيا فتنة ومشغلة إلاّ ما أُخذَ بنية صالحة للاخرة0
 لكم ذنوب مزدحمة على عاقبة مبهمة0
 كل من لايعظم أمر الله عزوجل ولايشفق على خلق الله فهو بعيد عن الله 0
 إذا نظرت إلى جلاله تفرقت وإذا نظرت إلى جماله اجتمعت ،تخاف عند رؤية الجلال وترجوا عند رؤية الجمال0
 الأعمال لها أرواح وهي الإخلاص 0
 صححوا أنسابكم من نبيكم صلى الله تعالى عليه وسلم ،من صحت تبعيته له فقد صح نسبه0
 التوبة غرس الإيمان (1)0
 أكثر أهل هذا الزمان ذئاب عليهم ثياب 0
 إني قد أخبرت الخلق والخالق فوجدت الشر عند الخلق والخير عند الخالق0
 إذا صح لك الإستغناء بقربه صَبَّ عليك فضله0
 إذا تركت ماهو في حسابك جاءك ماهو في غير حسابك0
 لاصحبة للملك مع الوجود(2) 0
 إن لم يدلك قلبك عليه فأنت كالبهائم بلا عقل !
 عمرك يذوب وماعندك خبر 0
 لو لم يلطف بنا لهلكنا ، لو قابل كل واحد منا حقيقة المقابلة على فعله لهلكنا أجمع0
 غيّروا له من نفوسكم مايكره حتى يؤتيكم ماتحبون0
 القدر قد أحاط بكل واحد منكم على حدة ، مامنكم إلاّ وله كتاب و تأريخ يخصه0
 ما هو غير التقوى هوس وباطل0
 لا فلاح لك حتى تتبع الكتاب والسنة0
 الثبات نبات(1)0
 من أساء أستوحش0(2)
 كل عمل يراد به غير الله عزوجل فهو هباء منثور 0
 أقبل على ربك بكلِّيتك0
 لاتكن مع شئ ، وكن مع خالق الأشياء0
 المحب لايملك شيئاً ، يُسلِّم الكلَّ إلى محبوبه0
 محبة وتملك لايجتمعان(3)0
 من لا يعمل بما أقول لايفهم ما أقول 0
 بك لا يجئ شئ ولابد منك(4)0
 إنما يبتليك لحبه لك0
 من وقف مع نفسه فاتَهَ الوقوف مع ربه عزوجل0
 أخْرجْ نفسك والخلق من قلبك وأملأه بمكونهما حتى يرد إليك التكوين(5)0
 ياطالب الدنيا بنفاقه ! إفتح يدك فما ترى فيها شيئاً0
 ياسكران بخمر الدنيا وبشهواتها وهوساتها ! عن قريب تصحو في لحدك0
 الدينار دار النار والدرهم دار الهم لاسيما إذا أخذتهما من وجه حرام وصرفتهما في وجه حرام0
 المؤمن صاحب حال والحال يحول ، والعارف صاحب مقام والمقام ثابت0
 كل نعمة تصرف في المعصية هي معرضة للزوال0
 لاتُبهْرج(6) فإن الناقد بصير 0
 ليس لك محب سوى الله عزوجل فإنه يريدك لك وغيره يريدك له0
 مادمت معك ومعهم لاتفلح(1) ، قرب الحق عزوجل لايحتمل الزحمة0
 أترك كل شئ في موضعه(2) حتى يصير لك موضع عند الله عزوجل0
 أعدل في الدنيا حتى لايعدل بك عن طريق الجنة0
 يامنافق! قد قنعت بفصاحة اللسان مع عجمة الجنان وهذا لاينفعك0
 مت عن غيره(3) ، ثم أحي به وله0
 الموت على رصد منك ،لابد لك من العبور على قنطرته0
 لاتُسْعَد بحبه حتى تعدم الكل(4)0
 كل من في قلبه إيمان يحب المؤمن وكل من في قلبه نفاق يبغضه0
 لاتنسى من لاينساك ولاتغفل عمن لايغفل عنك0
 من يُرزَق لايرزُق ،من يُعطَى لايَعطي0
 الصادق همته عالية في السماء ،لايضره قول قائل0
 لاتكذب ! فما لك قلبان بل هو قلب واحد ،بأي شئ إمتلأ فما يسع شيئاً آخر0
 إزهد في مشيئتك لتظفر بمشيئة الحق عزوجل0
 لاتغتر بشيء فإن الله فعال لما يريد0
 كل من يطلب محبة الحق عزوجل مع وجود نفسه فهو في هوس وهذيان0
 من لا يرى المفلح لايفلح0
 التوحيد نور والشرك بالخلق ظلمة 0
 العبادة ترك العادة0
 لاتتكل على من يُعزَل أو يموت فيخيب رجاؤك وينقطع مددك0
 إجعل الاستغفار دأب لسانك ، والاعتراف دأب قلبك والسكون دأب سرك0
 لافلاح لك حتى تعترف بنعمه والنعم تغرقك0
 إذا زالت النفس صار مكانها أمر الله ، وإذا زالت الدنيا صار مكانها الآخرة ، وإذا زالت الآخرة صار مكانها قرب الله عزوجل ، يستأنس بقربه ويرتاح إليه0
 إذا تمكنت المحبة ارتفعت المعارضة والتهمة0
 من لايخاف الله تعالى لاعقل له 0
 كل خطوة تخطوها فإلى القبر ،أنت في سفر إلى القبر !!
 إذا صح القلب نسي ماسوى الحق عزوجل0
 إذا صحت المحبة فلا ألم عند مجيء الاقدار0
 من شرط المحبة ترك المشيئة والارادة(1)0
 ياناسي الحق عز وجل ! لابد من لقاء الله تعالى ! اِلقه الآن !
 سوى ذكره باطل ، سوى العلم به باطل0
 كل معاملة لغيره خاسرة0
 ياعابد صنم الرياء ! ماتشم قرب الله عزوجل لادنيا ولاآخرة0
 التوحيد يقتل الكل(2) ، كل الدواء في التوحيد للحق عزوجل0
 الرغبة في الأشياء تشوش عليك قربك من الله عزوجل 0
 أنت مع دنياك ليلاً ونهاراً ،تستخدمك وتقطعك0
 تحب العالي وأنت في التخوم!!
 لاتتناول لقمة إلاّ بتوقيع من الله تعالى !
 اِرم نفسك في وادي القدر 0
 ياقومنا ! فاتتكم الرسالة والنبوة ! لاتفوتكم الولاية !!(3)
 كن صحيحاً تكن فصيحاً،كن صحيحاً في الحكم تكن صحيحاً في العلم ،كن صحيحاً في السر تكن فصيحاً في العلانية0
 لك في الله مندوحة عن فوات غيره (1)0
 من أطاعه طوَّع جميع خلقه0
 من أكل وحده ولم يُطعِم يُخاف عليه من الفقر والكدية0
 تركك لما سواه(2) يصفِّي قلبك من الأكدار 0
 لاتشأ شيئاً فإنه مايصح(3)0
 طريق الجنة ليس فيها خلق، ليس فيها سبب ، ليس فيها جهة وباب(4) 0
 العبد ومايملك لمولاه0
 مايأخذ منك تجده غداً0
 أنا في جملة من لايستحي من ذكر حاله لأَنّي لا أرى أحداً(5)0
 ذرة من أعمال القلب خير من أعمال الظاهر ألف مرة ، مادامت الفرائض والسنة مبقاة عليك لاضير0
 أتصل ثم انقطع ثم اتصل ثم أوصل0(أتصل به وانقطع عن غيره ثم أتصل به0)
 قلبك في قيد وما عندك خبر 0
 إذا جرت القلوب على بحار القدر ، مرساها على باب علمه وقربه(6)0
 بمجرد الإسلام لايقنع منك حتى تعمل الحق وتفعل الحق0
 أنت عدم ، لاحس فيك ! ماعَشِقْتَ ولا عُشِقْتَ !
 لاخير فيمن لم يُؤذَ0
 إذا خِفْتَ على دينك ألق قلبك إلى الله ، سلم قلبك إليه ، سلم أهلك إليه0
 الولاية أفعال لا أقوال0
 ماليس في ملكك فهو خارج عن مملكتك0
 المؤمن في الدنيا ملك وفي الآخرة ملك 0
 إنما يرد الناس إلى الله عزوجل من عرفه 0
 موافقتي للقدر تقدمني إلى القادر0
 تعالوا نذل لله عزوجل ولقدره وفعله ، نوافق القدر ونمشي في ركابه لأنه رسول الملك ، نكرمه لأجل مرسله0
 كل من عرف الله عزوجل هان عنده ماسواه0
 المؤمن يتزود والكافر يتمتع0
 دأبه العطاء ودأب غيره المنع0
 ارجع بحوائجك إليه فإنه أولى من غيره 0
 يدُ التوحيد هي البانية ، لا يدُ الشرك والنفاق0

من أساليب الدعوة: سيرة للأولين

كانوا عند القرآن لايخالفونه في حركاتهم وسكناتهم وأخذهم وعطائهم

إن هذا الدين يتميز بالواقعية ، فقد تجسد في قلوب وعقول الناس لأنه دين الفطرة وهو دين منطقي يدور ضمن دائرة إستيعاب البشر ، لذلك من الضروري الإطلاع على سيرة الأولين من الأنبياء والصالحين ليكونوا لنا أسوة وقدوة في التعامل مع مفردات هذا الدين ولتتعمق معاني الإيمان في قلوبنا، إنهم المرآة التي يجب أن نستعين بها دوماً لنصلح من شأننا الإيماني والأخلاقي 0 وكل مبدأ لم يكن له رصيد من الواقع فالزمن كفيل بمحوه من الوجود 0إن سرد أخبار النخب الأولى والتعليق المناسب عليها بما يتناسب مع واقع اليوم يعد من أهم وسائل الدعوة :
 نبينا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم كان يعطي السائل بيده ويعلف ناقته ويحلب شاته ويخيط قميصه ،كيف تدَّعون متابعته وأنتم مخالفون له في أقواله وأفعاله ،وأنتم في دعوى عريضة بلا بينة ،يقال في المثل أما أن تكون يهودياً خالصاً وإلاّ فلا تتولع بالتوراة،وهكذا أقول لك أما أنك تأتي بشرائط الإسلام وإلاّ فلا تقل أنا مسلم ،عليكم بشرائط الإسلام ،عليكم بحقيقة الإسلام وهي الإستسلام بين يدي الحق عزوجل0
 أغلق باب منة الخلق وقد فتح لك باب منة الحق ،ياأعمى ! أدخل هذا الباب المفتوح 0إنما هو بابان مغلق ومفتوح ،أدخل هذا المفتوح ،إصحب السبب بالسنة إحياء لشرع نبيه صلى الله عليه وسلم ،ثم تقدم إلى المسبب بإتباع النبي صلى الله عليه وسلم في حاله ،الكسب سنته والتوكل حاله 0
 الكسب صنعة الأنبياء جميعهم، مامنهم إلاّ من كان له صنعة0
 إبراهيم عليه السلام حصَّل الرفيق قبل الطريق ،الجار قبل الدار ،الأنيس قبل الوحشة ، والحمية قبل المرض ، والصبر قبل البلية ، والرضا قبل القضاء، تعلموا من أبيكم إبراهيم عليه السلام ،إقتدوا به في أقواله وأفعاله ، سبحان من لطف به في بحر بلائه وكلفه السباحة في بحر البلاء وأيده معه ، كلفه الحمل على العدو وهو مع رأس الفرس ،كلفه الصعود إلى موضع عال ويده في ظهره ،كلفه دعوة الخلق إلى طعامه والنفقة من عنده ، هذا هو اللطف الباطن الخفي0
 قال موسى عليه السلام في مناجاته لربه عزوجل :يارب أوصني فقال له : أوصيك بي وبطلبي وكرر ذلك عليه أربع مرات ،في كل مرة يقول له ذلك ويجيبه مثل الأول ، ماقال له أطلب الدنيا ولا أطلب الآخرة ،كأنه يقول له أوصيك بطاعتي وترك معصيتي ،أوصيك بطلب قربي ،أوصيك بتوحيدي والعمل لي ، أوصيك بالإعراض عما سواي ،،إذا صح القلب وعرف الحق عزوجل أنكر غيره ، واستأنس به واستوحش من غيره ، واستراح معه وتعب مع غيره0
 يوسف عليه السلام لما صبر على الأخذ والعبودية والسجن والذل ووافق فعل ربه عزوجل صحت نجابته وصار ملكاً ،نقل من الذل إلى العز ،من الموت إلى الحياة ،فهكذا أنت إذا اتبعت الشرع وصبرت مع الله عزوجل وخفت منه ورجوته وخالفت نفسك وهواك وشيطانك نُقلت من هذا الذي أنت فيه إلى غيره ،تنقل مما تكره إلى ماتحب 0
 لما تكلف يوسف عليه السلام العصمة في بيت الله وحجره ، وافق ربه في حبسه رزقه عصمة في خلوته0
 قال داود لابنه عليهما السلام وعلى جميع الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين والأولياء والصالحين: يا بني ! ماأقبح الخطيئة بعد المسكنة ،وأقبح من ذلك رجل كان عابداً فترك عبادة ربه0
 لاتُعارض ولاتجادل ، عُزَيْر عارض ربه عزوجل في الخلق ،يخلق خلقاً ثم يعذبه ، محاه من ديوان النبوة ،أماته مائة عام معزولاً ثم أحياه ورد عليه 0
 أما سمعت قصة أيوب عليه السلام لما أراد الله عزوجل تحقيق محبته واصطفائه وأن لايبقى لغيره فيه حظ ، كيف أفرده عن ماله وأهله وولده وأتباعه وأقعده في كوخ على مزبلة خارجاً عن العمران ولم يبق عنده من أهله سوى زوجته تخدم الناس وتأتيه بقوته ثم أذهب لحمه وجلده وقوَّته وأبقى عليه سمعه وبصره وقلبه ، أراه عجائب قدرته فيه ،فكان يذكره بلسانه ويناجيه بقلبه ، ويرى عجائب قدرته ببصره ، وروحه تتردد في جسده ، وكانت الملائكة تصلى عليه وتزوره وانقطع عن الإنس واتصل به الأُنس ، انقطعت عنه الأسباب والحول والقوى وبقى أسير محبته وقدره وقدرته وإرادته وسابقته ،كان أمره صبراً ثم صار في الإنتهاء عياناً ، كان الأول مرّاً وصار الثاني حلواً ، طاب له العيش في بلائه كما طاب عيش إبراهيم عليه السلام في ناره ، القوم يتعودون الصبر على البلاء ولاينزعجون مثل انزعاجكم !
 أبو بكر الصديق رضي الله عنه لما صدق في محبة الرسول صلى الله عليه وسلم أنفق عليه جميع ماله وأتصف بصفته وشاركه في الفقر حتى تخلل بالعباء ،وافقه ظاهراً وباطناً ،سراً وعلانية ،وأنت ياكذاب تدعي محبة الصالحين وتخبئ عنهم دنانيرك ودراهمك وتريد القرب منهم والمصاحبة لهم ،كن عاقلاً ! هذه محبة كاذبة ، المحب لايخبئ عن محبوبه شيئاً ويؤثره على كل شئ 0
 قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه ورضي عنه : لو كشف الغطاء ماازددت يقيناً ، وقال لاأعبد رباً لم أره ، وقال أراني قلبي ربي0
 كان معاذ رضي الله تعالى عنه يقول للصحابة :قوموا نؤمن ساعة ،أي قوموا ذوقوا ساعة،قوموا ادخلوا الباب ساعة ،رفقا بهم ،كان يشير إلى الاطلاع إلى أشياء غامضة ، يشير إلى النظر بعين اليقين ،ليس كل مسلم مؤمناً ولاكل مؤمن موقناً،ولهذا لما قال الصحابة رضي الله تعالى عنهم للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم إن معاذاً يقول لنا قوموا نؤمن ساعة :ألسنا مؤمنين ؟فقال((دعوا معاذاً وشأنه ))0
 كان أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى يقول :عزيز عليَّ قلوبٌ أَحرقها حب الدنيا وقد جمعت صدورُها القرآنَ !
 حكي عن عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى عليه أنه جاء إليه في بعض الأيام سائل يسأله شيئا من الطعام فلم يحضر عنده شئ سوى عشر بيضات ،فأمر جاريته بأن تعطيه إياها فأعطته تسعة وخبأت واحدة ، فلما كان وقت غروب الشمس جاء رجل ودق الباب وقال خذوا مني هذه السلة فخرج عليه عبد الله رضي الله تعالى عنه وأخذها منه فرأى فيها بيضاً فعدَّه فإذا هو تسعون بيضة ،فقال لجاريته أين البيضة الأخرى ؟كم أعطيت السائل ؟ فقالت أعطيته تسعة وتركت واحدة نفطر عليها ،فقال لها :غرمّتينا عشرة ! هكذا كانوا في معاملتهم لربهم عزوجل ،كانوا يؤمنون ويصدقون بما ورد في الكتاب والسنة ،كانوا عند القرآن لايخالفونه في حركاتهم وسكناتهم وأخذهم وعطائهم ، عاملوا ربهم فربحوا في معاملتهم فلزموها،رأوا بابه مفتوحاً فدخلوه ورأوا باب غيره مغلوقاً فهجروه ووافقوه في غيره ولم يوافقوا غيره فيه ،وافقوه في بغضه لمن يبغض وفي حبه لمن يحب 0
 قال الحواريون لعيسى عليه السلام :علمنا العلم الأكبر ، فقال :الخوف من الله عزوجل ،والرضا بقضاء الله ، والحب لله 0
 عن لقمان الحكيم رحمة الله عليه أنه قال لابنه :يابني كما تمرض ولاتدري كيف تمرض هكذا تموت ولاتدري كيف تموت0
 أوحى الله عزوجل إلى عيسى عليه الصلاة والسلام :ياعيسى إحذر أن أفوتك!!
 كان الحسن البصري رحمة الله عليه يقول:يكفي المؤمن مايكفي العنيزة كف من حشف وشربة ماء0
 عن الحسن البصري رضي الله تعالى عنه أنه كان يقول :عظ الناس بعملك وكلامك 0ياواعظاً ! عظ الناس بصفاء سرك وتقوى قلبك ولاتعظهم بتحسين علانيتك مع قبح سريرتك0
 عن بعضهم رحمة الله عليه أنه رأى سفيان الثوري رحمة الله عليه بعد موته في المنام فقلت له مافعل الله عزوجل بك ؟ فقال وضعت إحدى قدميَّ على الصراط والأخرى في الجنة (1) 0سلام الله عليه فلقد كان فقيهاً زاهداً ورعاً ،تعلم العلم وعمل به ، أعطاه حقه بالعمل وأعطى العمل حقه بالاخلاص فيه ،وأعطاه الحق عزوجل رضاه بالقصد إليه ،وأعطى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم رضاه بالمتابعة له، رحمة الله عليه وعلى جميع الصالحين وعلينا معهم 0
 رؤي سفيان الثوري رحمة الله عليه في المنام فقيل مافعل الله بك ؟ قال أوقفني بين يديه وقال ياسفيان أما علمت اني غفور رحيم! بكيتَ ذلك البكاء كله من خوفي ‍؟ أما إستحييت مني ؟
 كان الجنيد رحمة الله عليه يقول في معظم أوقاته : إيش عليَّ مني ؟ العبد ومايملك لمولاه ،كان قد سلم نفسه إلى ربه عزوجل وأزال إختياره ومزاحمته ورضي بتولي قدره له ،صلح قلبه وإطمأنت نفسه فعمل بقوله تعالى ((إنَّ وَليَّ الله الذي نزَّلَ الكِتابَ وَهْوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحين))0
 كان الفضيل بن عياض رحمة الله عليه إذا لقي سفيان الثوري يقول له تعال حتى نبكي في علم الله عزوجل فينا0ماأحسن هذا الكلام ! هذا كلام عارف بالله عزوجل عالم به وبتصاريفه ،ماعلم الله الذي أشار إليه ؟هو قوله ((هؤلاء إلى الجنة ولاأُبالي وهؤلاء إلى النار ولاأُبالي ))وخلط الكل موضعاً واحداً فلايدري من أي القبيلين هو0 القوم لم يغتروا بما ظهر من أعمالهم لأن الأعمال بخواتيمها0
 لما مات علي بن الفضيل بن عياض رآه أبوه في المنام فقال له مافعل الله بك ؟ قال ياأبت مارأيت للعبد خيراً له من ربه 0
 قال الحسن البصري :إذا لم يكن العالم زاهداً كان عقوبة على أهل زمانه ، لأنه يتكلم بغير إخلاص ولاعمل فلايقع في قلوبهم ولايثبت فيستمعون ولايعملون،القلب إذا صح ونُوِّر بالعلم أطفأ بنوره نار معاصي الخلق كما يطفئ النارَ نورُ المؤمن عند جوازه عليها0
 دخل رجل على أبي يزيد البسطامي رحمة الله عليه فبقى ينظر يميناً وشمالاً فقال أبو يزيد له: مالَكَ؟ قال أريد موضعاً نظيفاً أصلي به فقال له طهِّر قلبك وصلِّ حيث شئت (1)0لايعرف الرياء إلاّ المخلصون0
 قال أبو يزيد البسطامي رحمة الله عليه : رأيت ربي في المنام فقلت له كيف الطريق إليك؟ فقال دع نفسك وتعال ، فانسلخت منها كما تنسلخ الحية من جلدها0
 قيل للذي صُلب(يعني الحلاج)أوصني ،قال :هي نفسك إن ركبتها وإلاّ ركبتك0
 قيل للجنيد إن الحضري قائم على رحى يدور به وهو لايأكل ولإيشرب ، فقال انظروا حاله في أوقات الصلوات ،فقيل له إنه إذا أذن المؤذن سكن ، قال لاضير، منهم من يقوى على الأعمال من حين صغره إلى حين الموت ، ومنهم من يعمل إلى أن يضعف 0
 قال أبو القاسم الجنيد : ماتكلمت إلاّ بعد شهادة أربعين من الأبدال من جملتهم السريّ السقطي ولم يفعل بقولهم حتى رأى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقول ياجنيد تكلم على الناس فإنه قد آن لك أن تتكلم الان0
 جاء مريد إلى حكيم ،قعد بين يديه فقال له اني أتمنى بقعة من الجنة لا أطلب غيرها ،فقال له الحكيم ليتك قنعت من الدنيا كقناعتك من الآخرة 0
 من جملة أسباب معرفته ترك المنازعة له والاعتراض عليه والرضا بتدبيره ولهذا قال مالك بن دينار لبعض مريديه :إن أردت معرفة الله عزوجل فارْضَ بتدبيره وتقديره ولاتجعل نفسك وهواك وطبعك وإرادتك شركاء له فيهما0
 عن بعضهم رحمة الله عليه أنه قال :الصدق سيف الله عزوجل في أرضه ،ماوضع على شئ إلاّ قطعه0
 قيل لبعض الصالحين هل ترى ربك ؟ فقال لو لم أره لتقطعت مكاني ،قال كيف تراه ؟ قال يغمض عيني وجوده فيرى ربه كما أراهم نفسه في الجنة كما يشاء ، يرى قلبُه ،يرى صفاتَه ،يرى إحسانه ،يرى برَّه ، يرى كنفَه0
 عن بعض الصالحين أنه قال : رأيت شاباً يكدي فقلت له لو عملت لكان أحب إليك فعوقبت بأن حُرمت قيام الليل ستة أشهر 0قللوا من الكلام فيما لايعنيكم 0

من وسائل الدعوة:استجاشة المشاعر
لوكنت من أحبابنا لم تبرح عن بابنا ،ولتلذذت بعذابنا!

إستخدم الامام الطيلاني أشكالاً متنوعة من الخطاب لإيصال الحقيقة إلى قلوب الناس وحسب درجة فهم وتذوق واستيعاب المستمع0والنماذج التالية تمثل بعض الأمثلة على هذا التنوع :
الخطاب الفني ممزوجاً بالعبارات القرآنية:
 القطعة التالية عبارة عن لوحة فنية رائعة الجمال بعثها إلى أحد أتباعه ينقل إليه مشاعره المتوقدة من قلبه الممزوج بالقرآن 0إنه يصف حالات الاتصال الأولى للإنسانية بالغيب وشوقه الدائم إلى ذلك اللقاء ، وحزنه على الفراق بعد اللقاء ومجيئه إلى عالم الشهادة ، ورحمة الله عزوجل به وبشوقه هذا وفسحه المجال له مجدداً للقاء بعد أن رأى تحلي عبده بمؤهلات هذا اللقاء وهو الصبر، وأن نفحات اللقاء وإن كانت لاتأتي دفعة واحدة رحمة بهذا العبد إلاّ أنها تتدفق دون أن يُدرك لها نهاية0ونلاحظ أنه إستعار من قصة يوسف عليه السلام ليُعَبِّر عن الفراق والحزن والصبرواللقاء بعد الفراق:
 إذا وصلتْ نغمةُ أميِر الأُنس (1) لمسامع القلوب،تذكرتْ لذائذَ نغماتِ (ألسْتُ بِرَبِّكُم )وسكرات حالات( قَالُوا بَلَى) ،ويترنم عندليب الأحزان بأوتار (يَا أَسَفاه عَلَى يُوسُف) ! وصوت الكَروب برنَّة إنكسار (وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الحُزْنِ فَهْو كَظِيم )0 وواصل طنبور(2) الفراق صدى (إنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْني إلى الله) بإيقاع (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) ،ولمع بروق جذبات الشوق في فضاء سماوات السرائر لمَعَانَ (يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بالأبْصار) بحيث ينطمس بصائر عيون العقل ، وتقطرُ عبرات الأسف من سحائب عين الأرواح بحيث تخضر مزرعة أراضي( مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فَي حَرْثِه) بنباتات (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغَانِمَ كَثِيَرةً) وتعطر حدائق آمال (وَمَنْ يَتَوَكَّل عَلَى اللهِ فَهْوَ حَسْبُهُ )بنفحات روائح (إنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ) وتثمر أغصان أشجار الصبر بثمار (إنَّما يُوَفّى الصّابِرونَ أَجْرَهم بِغَيْرِ حَساب) في غاية الكمال ، وتهتز برياح عناية (هَذَا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَاب) ومنادي (وَرَبُّكَ الغَفُورُ ذُو الرَّحْمَة) ينادي (إنَّ هَذَا لَرِزْقُنا مَالَهُ مِنْ نَفَادٍ)0
الخطاب بالسيرة الذاتية :
 كان لي قميص في بدء أمري ، كان ناعماً ، أخرجته إلى السوق مراراً عدة لم يشتره أحد ، فمضيت إلى إنسان فرهنته عنده على دينار إلى أن جاءت أيام العيد فإذا يذلك الرجل قد جاء بالقميص ، قال خذ إلبسه وأنت حل من الدينار ، فامتنعت ، فقال خذه وإلاّ أحرقته ، فألزمني بلبسه ، عند ذلك علمت أنه قسمي لا زهد لي فيه 0
الخطاب عن طريق الوصايا:
 وصيته إلى المترددين في التوبة النصوح ،يستخدم معهم أسلوباً فيه من العتب واللوم على التردد في الإلتحاق بقافلة التائبين:
ياهذا ! ناديناك وما أجبت ،وكم ردعناك وماارتدعت ،وكم استعجلناك وماعجلت ، وكم وبَخّنَاك وماخجلت ، وكم كاشفناك وأنت تعلم أَنَّا نراك ، وكم أمهلناك أياما وشهوراً ، وكم سترناك أعواماً ودهوراً ، وأنت لاتزداد إلاّ نفوراً ، ولاترينا إلاّ فجوراً،ياهذا ! كم نقضت العهود ،وأخلفت الوعود ، وعدت بعد أن عاهدتنا أن لاتعود ، وهانحن قد أنذرناك لكي تقوم ، ومايدريك أن صفحنا عنك لايدوم ،فكيف بنا إذا رددناك أو طردناك وماأردناك ولاعذرناك ولاأعدناك ،أو محونا ربوعك ولم نقبل رجوعك !!ألم تعلم أنك جئتنا خاشعاً ،ووقفت بأبوابنا خاضعاً ثم إنحرفت عنا راجعاً!!عجباً لمن يجد قربنا وذاق شربة من شراب أُنسنا كيف ينفر من حزبنا !ياهذا لو كنت صادقاً لكنت موافقاً ، لوكنت ألِفاً لم تكن مخالفاً ، لوكنت من أحبابنا لم تبرح عن بابنا ،ولتلذذت بعذابنا!
 وبالأسلوب نفسه مخاطباً شاياً قام ليتوب يساعده على النهوض ، ولكن يمزج مع اللوم شيئاً من إظهار الرعاية والعناية اللتان يجب أن يتصف بهما الداعية:
يا هذا ! ما قمت حتى أقاموك ! ولا أقبلت حتى قبلوك ! ولا جئت حتى طلبوك ! ولا قدمت من سفرك سفر الجفاء حتى استحضروك!يا هذا !ما تركناك لما تركتنا،ولا قطعناك لما قطعتنا ، ولا هجرناك لما هجرتنا ، ولا نسيناك لما نسيتنا00أنت في إعراضِك وإعانتنا تحفظك ،وأنت في جفائنا ورعايتنا تلحظك 00 كم حركناك لقربنا ،وأزعجناك لوصلنا! وقدمناك لأُنسنا ، وخطبناك لاشارتنا00
 ووصية وتنبيه وتحذيربأسلوب أدبي راقي مؤثر:
يا هذا ! ليتك لم تخلق ،وإذا خلقت علمت لماذا خلقت ،يانائماً إنتبه !وافتح عيونك ،وانظر أمامك فقد أتتك جنود العذاب وإستحقيتها لولا لطف الكريم الوهاب 0يازائل !ياراحل !يامتنقل ! تزود وهيئ سترتك قبل سفرتك ،سافر إليَّ ألف عام لتسمع مني كلمة واحدة 0 ياأخي !بالله عليك لاتغتر بطول الحياة ، وكثرة المال والجاه ،فإن بين تقلب الليل والنهار أمور عجيبة ،وحادثات غريبة !! كم سمَّت الدنيا مثلك ممن كان قبلك ،فخذ حذرك ،فهاهي قد جردت سيفها لقتلك فإنها غدارة مكارة ،وإذا أمكنتها الفرصة شنت عليك الغارة ،كم غرت مثلك بخلب برقها اللامع ، وأوسعت له المطامع فأصبح لأمرها طائع ولنهيها سامع ،ولمرادها وهواها متابع ،ثم سقته على غرة منه كأساً من سمها الناقع ،فما أحس إلاّ والديار منه بلاقع،وبكى الدم فضلا عن المدامع،حيث صار رهين عمله بقعر قبره إلى يوم تبعث الأموات من المضاجع0
 وصاياه إلى التائبين من الشيوخ كبار السن:
ياهذا ! أخطأت وأبطأت وأسأت وأنسأت00كلما فتحنا لك المهل أطلت الأمل وأسأت العمل00كلماكبر سنك تمرد حرصك00هجرتنا في الصبا وعذرناك ، وبارزتنا في الشباب وأمهلناك ، فلما قاطعتنا في المشيب مقتناك، أقبح منظر يوم القيامة ذو شيبة بيضاء وصحيفة سوداء!
 وصيته إلى الدعاة:
لايجوز للشيخ أن يجلس على سجادة النهاية ، ويتقلد سيف العناية ،حتى يكمل إثنا عشرة خصلة ،خصلتان من الله تعالى وخصلتان من النبي صلى الله عليه وسلم ، وخصلتان من أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ،وخصلتان من عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ،وخصلتان من عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه ،وخصلتان من الإمام علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، فأما اللتان من الله تعالى :أن يكون ستاراً غفاراً، وأما اللتان من النبي صلى الله عليه وسلم :أن يكون شفيقاً رفيقاً، وأما اللتان من أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أن يكون صادقاً مصدِّقاً،وأما اللتان من عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه :أن يكون أماراً نهّاءاً وأما اللتان من عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه :أن يكون طعّام الطعام ،مصلياً بالليل والناس نيام ،وأما اللتان من الإمام علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه : أن يكون عالماً شجاعاً0
 وصيته لأحدهم بعدم الشكوى:
لاتشكونَّ لأحد مانزل بك من ضر كائناً ماكان ،صديقاً أو قريباً، ولاتتهمن ربك قَطٌ فيما فعل بك ، ونزل بك من إرادته ، بل أظهر الخير والشكر ولاتسكن إلى أحد من الخلق ولاتستأنس به ولاتطلع أحداً على ماأنت فيه ، لافاعل سوى ربك ((وَكُلُّ شَئ عِنْدَهُ بمِقِدارٍ ))((وَإنْ يَمْسَسْكَ بِضُرٍ فَلا كَاشِفَ لَهُ إلاّ هُوَ)) واحذر أن تشكو الله وأنت معافى وعندك نعمة ما طالباً للزيادة وتعامياً لما عندك من النعمة والعافية إزدراداً بها فربما غضب عليك وأنزلها عنك وحقق شكواك وضاعف بلاءك وشدد عليك العقوبة ومقتك وأسقطك من عينيه ،وأكثر مايَنْزل بابن آدم من البلايا لشكواه من ربه عزوجل0
 وصيته لاصحابه :
إتبعوا ولاتبتدعوا ،وأطيعوا ولاتخالفوا ، وإصبروا ولاتتمزقوا ، إنتظروا ولاتيأسوا ، واجتمعوا على الذكر ولاتتفرقوا ، وتطهروا عن الذنوب ولاتتلطخوا ،وعن باب مولاكم لاتبرحوا0
 وصيته إلى ولده :
أوصيك ياولدي :أن لاتضيع حق أخيك إتكالاً على مابينك وبينه من المودة والصداقة ، فإن الله تعالى قد فرض لكل مؤمن حقاً، أفضل الأعمال رعاية السر عن الإلتفات إلى شئ سوى الله تعالى ، عليك بتقوى الله عزوجل ولاتخف أحداً إلاّ الله ، ولاترج سوى الله ، وكِلْ الحوائج كلها إليه عزوجل ، ولاتلذ بأحد غير الله عزوجل، ولاتعتمد إلاّ عليه0
 ولاينسى الإمام الطيلاني (رفع الله منْزلتَه) أن يوصي وصيته الأخيرة إلى ربه عزوجل!!:
اللهم إنك أمرتني بالوصية عند المنية ،وقد تهجمت عليك وجعلت وصيتي إليك لقدومي إليك ،فأول ما أبدأ به من أمري إذا نزلت في قبري وخلوت بوزري وسلوني أهلي وعشيرتي وصرت في غربتي :أن تؤنس وحشتي وتوسع حفرتي وتلهمني جواب مسألتي ثم تكتب على ناصية مصيبتي من لوح صحيفتي بقلم عفوك:اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين،فإذا جمعت رفاتي وحشرتني ليوم ميقاتي ونشرت صحيفة حسناتي وسيئاتي ،فانظر إلى عملي ، فما كان من حسن فاصرفه في زمرة أوليائك وماكان من قبيح فمِلْ به إلى ساحل عتقائك ، أغرقه في بحر عفوك ووفائك ، فإذا لم يبق إلاّ افتقاري واعتمادي عليك فقس بين عفوك وذنبي ، وبين غناك وفقري ، وبين عزك وذلي ،ثم افعل بي ماأنت أهله ولاتفعل بي ماأنا أهله،فهذه وصيتي إلبك لطفاًوفضلاً منك لاعليك وأنا أشهد أن لا اله إلاّ أنت وحدك لاشريك لك وأشهد أن محمداً عبدك ورسولك ،وأن الموت حق والبعث حق ،وأن الصراط حق والميزان حق والجنة حق والنار حق وأن الساعة آتية لاريب فيها وأن الله يبعث من في القبور

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك