هل حلت حقاً لغة الحوار والتفاوض محل لغة استخدام القوة والعنف؟
هل حلت حقاً لغة الحوار والتفاوض محل لغة استخدام القوة والعنف؟
عبدالغني علي يحيى
من يوم انتهاء الحرب الباردة بين المعسكر الشرقي السابق والغربي الحالي، كتحصيل حاصل لزوال نظام القطبين، يروج بعضهم من أصحاب النوايا المفرطة في الطيبة ولكن الساذجة في الوقت ذاته كما سنرى، بحماس لأفول ليس منطق القوة والعنف أنما الثورات المسلحة كذلك وعدم التورع أحيانا بألصاق تهمة الأرهاب بها، مقابل المناداة بمبدأ الحوار وأقوال ومصطلحات مرادفة له مثل (الحل السلمي) و (الجلوس على طاولة المفاوضات) و (فهم الاخر) و (بناء جسور للتفاهم)... الخ. كل ذلك بمعزل عن مايجري من أحداث ووقائع ترد الحوار والاقوال والمصطلحات المشار اليها، وأيضا بمعزل عن حل مشكلات عويصة في الماضي و بغياب المبدأ اعلاه، مثل انتصار الثورات في (الجزائر، وأقطار الهند الصينية، وانغولا، وكوبا، وناميبيا، واريتيريا... الخ. ففي غياب ذلك المبدأ وعدم شيوعه يومذاك بالشكل الذي نراه اليوم، تحررت في حينها، شعوب في اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية، سيما في الستينات من القرن الماضي وبفضل (لجنة تصفية (الاستعمار) التي انبثقت عن منظمة الأمم المتحدة، وثورات الشعوب المسلحة تحررت شعوب ونالت عشرات البلدان استقلالها.
بموازاة الترويج والمناداة المشار اليهما، قلما سوي خلاف في عالمنا الراهن بالحوار أو الجلوس على طاولة المفاوضات، على الضد من ذلك وفي اجواء انتشار المصطلحات المنوه عنها، تتفاقم الخلافات بين الدول والأمم والاحزاب والجماعات، فالثورات الكردية في تركيا وايران، والماوية في الهند، والدرب المضئ في بيرو، واليسارية في كولومبيا والاسلامية في الشيشان... الخ ما برحت محتدمة مع بقاء المشكلات والمنازعات المزمنة التي انتقلت من القرن الماضي الى القرن الحالي، كالنزاع العربي – الأسرائيلي، والهندي الباكستاني والتركي اليوناني.. الخ والتي بقيت الى يومنا هذا عصية على الحل تهدد السلم الأقليمي ان لم نقل العالمي. وكما نعلم، ان بعضاً من اطراف الصراع يرفضون مبدأ الحوار مع خصومهم على طول الخط، فتركيا مثلاً ترد الحوار دوماً مع حزب العمال الكردستاني وتتجاهل الهدنة التي يعلنها الاخير معها بين فينة واخرى. وفوق كل هذا، وفيما يسمونة بعصرالحوار والتفاوض، ظهرت مشكلات جديدة لم تكن بالحسبان مثل (الملف النووي الأيراني) و (النزاع الروسي الجورجي) و (الكردي العراقي) على المناطق المتنازع عليها... الخ.
يكاد دعاة الأخذ بالحوار ونفي استخدام القوة والثورة المسلحة في اضفائهم المحاسن والمعاني الجميلة على الحوار، يشبهون خياط ملابس الامبراطور في قصة (ملابس الامبراطور الجديدة) لهانس اندرسن، ويبدون كمن يستخف، وهم لا يشعرون، بقدرة عقل طرفي الخصام على الفهم والاستيعاب، كأنهما لم يسمعا قط لا بالحوار ولا بالمصطلحات المرادفة له، لذا والحالة هذه، وكأنهما في امس الحاجة الى من يرشدهما ويهديهما سواء السبيل ومن ثم العمل بنصائحهم الثقيلة على الاسماع، نصائح اساتذة الحوار والتفاوض الذين اثبت تكرار فشل مبدأ الحوار والتفاوض في تحقيق تقدم يذكركم هم مزعجون متعبون أضف الى ذلك، انهم في نفيهم للثورة واللجوء الى القوة يقفون على مسافة واحدة من الحرب العادلة والحرب الظالمة وبالتالي فأنهم يساوون بين طرفي النزاع، لأن الحوار من حيث المبدأ لايقصي أيا منهما، خلافاً لديالكتيك التطور والمبدأ الدارويني (تنازع البقاء وبقاء الأنسب)، وهكذا فانهم لايميزون بين الصالح والطالح وبين اي منهما يجب ان يبقى واي منهما يجب ان يتنحى، وهل من الممكن ان يتعايش ثوار اليمن مع نظام علي عبدالله صالح وثوار سوريا مع الأسد وليبيا مع القذافي ؟ هل يصح ان يوفق الحوار بين الشعوب العربية الثائرة وبين حكامها الجائرين من الذين الاعدام بحقهم قليل ؟.
لو كان الحوار ضامناً لحل المنازعات وانهاء التقاطعات بين الدول والأمم، لما كانت الحروب تنشب ولا الثورات تندلع ابداً، ليس في التأريخ المعاصر بل القديم أيضاً. وفي ظل الدعوة لأنتهاجه وتغليبه على القوة، فقد اتسعت رقعة المناطق الساخنة في العالم بشكل لافت، وتقدمت نزاعات دينية وطائفية ومذهبية ومناطقية على النزاعات التقليدية كالقومية والطبقية مثلاً والتي في معظمها اي الدينية والذهبية.. ظهرت بعد زوال نظام القطبين وظهور مايسمى بالنظام الدولي الجديد وشيوع مبدأ الحوار والتفاوض. وشهد العالم في الاعوام الاخيرة حروباً لم يكن عدد المشاركين فيها بأقل من عدد دول (المحور) والتحالف الدولي في الحرب العالمية الثانية فحرب الخليج الثانية خاضتها نحو (30) دولة وتكاد جميع دول حلف الاطلسي تشارك في حرب افغانستان، وفي الصومال، هناك ما يقارب ال (10) دول من الاتحاد الافريقي تحارب ما يسمى ب (الشباب المجاهدين). لذا والحالة هذه، هل حل الحوار والتفاوض حقاً محل استخدام القوة في حل المنازعات بين الأمم، هل تراجعت الثورات والحروب؟.
في حينة تفاءل بعضهم بسقوط الاتحاد السوفيتي ورؤا في ذلك طيا لصفحة مرعبة ارقت واقلقت الانسانية لعقود، كل ذلك من غير ان يتسبب نظام القطبين في اية حروب بينهما، ولما انهار الاتحاد السوفيتي فان اضطرابات جديدة وحروب جديدة ظهرت ووقعت منها تلك التي شهدتها بلدان في الاتحاد السوفيتي السابق مثل: الحرب في طاجيكستان والنزاع الارمني الأذربيجاني على اقليم (ناكورنو كرباخ) والروسي الجورجي على (ابخازيا واوسيتيا) والثورة المسلحة في الشيشان، وحرب البلقان وظل الصراع الامريكي الروسي يتواصل باشكال شتى (الدرع الصا روخية) مثالاً.
ان المطالبة بتغليب منطق الحوار على منطق القوة والبطش تتجاوز ذووالنوايا الطيبة الحريصين بصدق واخلاص على السلم وحقن الدماء الى اخرين تحول المبدأ " الحوار والتفاوض " على يديهم الى (كلمة حق اريد بها باطل) وبالاخص في هذه الايام وهؤلاءهم خصوم الشعوب وثوراتها والذين لا يميزون بين الحق والباطل، من امثال نتنياهو والمتحدث باسم حكومته اللذان يطالبان الفلصطينيين بالعدول عن التوجه الى الامم المتحدة لنيل الاعتراف بالدولة الفلصطينية والجوء بدلا من ذلك الى الحوار والتفاوض مع تل ابيب ! وروسيا الاتحادية التي تلح على اجراء حوار بين الثوار السوريين وحكومة الاسد في مسعى الى صيانة الاخير وحكومته من الانهيار وكمحاولات بعضهم لاقناع المعارضين اليمانيين بالحوار مع نظام على عبدالله صالح بهدف الابقاء على الاخير طبعاً مسك الختام، تراود الجميع الأماني بتغليب لغة الحوار على لغة القوة والعنف وهي امنيا ت مشروعة ونبيلة لكن (ما كل ما يتمناه المرء يدرك تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن) وما يحصل الان ومنذ اعوام على النقيض تماماً لما ينادي به اولئك الذين يخلعون صفة العصا السحرية على الحوار.. واخيرا ماهي المشكلات التي حلت بالحوار؟.
*رئيس تحرير صحيفة راية الموصل الموصلية
Al_botani2008@yahoo.com
المصدر: http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,534542.0.html