فقهُ الأُســــرةِ المســـْـلِمة

فقهُ الأُســــرةِ المســـْـلِمة
معالم تربوية لأسـرة راشـدة
م. عبد اللطيف البريجاوي

تقــديم
الشيخ الدكتور
ممدوح جنيد الكعكة عبد المعطي الدالاتي

فقه الأسرة المسلمة
(معالم تربوية لأسرة راشدة)

المخطط العام

كلمة الشيخ ممدوح جنيد
كلمة الدكتور عبد المعطي الدالاتي
مقدمة بين يديك أخي القارئ
1 ـ ما قبل الزواج وفترة الحمل الأسري
2 ـ الشروط اللازمة لإصلاح الأسرة
3 ـ إصلاح الزوج
4 ـ إصلاح الزوجة
5 ـ إشاعة ثقافة العفة في البيت
6 ـ إشاعة ثقافة الشورى في البيت
7 ـ إشاعة ثقافة الرفق في البيت
8 ـ إشاعة ثقافة المصارحة في البيت
9 ـ أدب الاختلاف ضمانة لأسرة متماسكة
10 ـ عدم التذكير بالماضي المزعج
11 ـ السعي إلى التمييز الأسري
12 ـ الحسم في المخالفات الشرعية
13 ـ مراعاة الفروق الفردية في الأسرة
14 ـ تخفيف التيتم والترمل الصوري
15 ـ التعامل مع الأخطاء في المنْزل
16 ـ العلاقات الخارجية في الأسرة
17 ـ حل الشيفرة الأسرية
18 ـ أي بنيتي
19 ـ ألم وآلام
20 ـ السيرة الذاتية
21 ـ الفهرس العام

كلمة الشيخ ممدوح جنيد الكعكة

الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه الكريم: ومن آياتِه أن خلقَ لكم من أنفُسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعلَ بينكم مودةً ورحمةً إنَّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يتفكرون [سورة النحل].

وأفضل الصلاة وأتمُّ التسليم على المبعوث رحمة للعالمين الذي وجّهنا إلى الخيريّة بجميع وجوهها ومنها أن نكون خيراً لأهلينا فقال عليه السلام: "خيرُكم خيرُكم لأهله وأنا خيرُكم لأهلي".

تبقى الأسرة كياناً عظيماً وقلعةً حصينةً ما دمنا نعتني بها العناية التي أرادها الله عز وجل وما دامت هي اللَّبنة القويَّة التي تكون مع أخواتها الجدار الإسلامي، ومن قوَّتها يستمدُّ هذا الجدار قوته. فلنعمل على صيانتها وتحصينها وهي في أول مراحل تكونها وقبل ولادتها ولنوجد لها الشروط اللازمة لنموها النمو الصحيح.

هذا ولقد اطلعت على ما كتبه الأخ الكريم الأستاذ عبد اللطيف البريجاوي حفظه الله تعالى تحت عنوان فقهُ الأسرةِ المسلمة حيث كان هذا الكتاب معالم تربوية للأسرة الإسلامية المنشودة. لقد بدأه بتوجيه العناية للأسرة قبل وجودها ونشأتها، ثمَّ ذكر الشروط الملائمة لمناخ إصلاحها ونموها حيث لم ينسَ الطريقةَ المثلى لإصلاح الزوج والزوجة، ونبهنا على تخفيف مثيراتِ الشهوةِ في البيت حتى تتفرغ القلوبُ والعقول لأنبل الغايات. ثمَّ إنّه أعطى الشورى الأسرية حقها من العناية حيث أصبح وجودها نادراً، وطلب من الجميع إشاعة الرفق ونبذ العنف في كل مجال ولاسيما فيما نحن بصدده، وأيقظ في الأسرة جو المصارحة والبيان حتى لا تتراكب الأخطاء وتتعقد الأمور. ثمَّ إنَّه بيَّن أن تماسك الأسرة يغذيه أدب الحوار وعدم تذكير أي فرد من أفرادها بماضيه المزعج؛ كل هذا لتنشأ الأسرة المتميزة التي يشار إليها بالبنان التي لا مهادنة فيها لأية مخالفة شرعية. وطلب من الأبوين مراعاة الفروق الفردية وإعطاء كل فرد حظه وحقه من العناية والرعاية. واعتبر أن التيتم نوعان:
1ـ فقدُ أبٍ مادةً وحسّاً.
2ـ وفقدُ أبٍ معنىً فقد يكون موجوداً لكن أولاده لا ينالون من تربيته أو توجيهه شيئاً فطلب تخفيف آثار اليتم بنوعيه المادي والمعنوي وذكر الطريق المثلى للتعامل مع الأخطاء حتى لا تكبر ولا تتكرر.

وختاماً فإني اطلعتُ على هذا الكتاب فرأيت فيه الدواءَ الناجعَ لكثير من الأسر المريضة واللقاحَ الذي يحصن بقيةَ الأسر من كل مرض، والسياجَ الذي بوجوده ترتدُّ سهامُ كل من يريد أن يسيء إلى هذا الكيان العظيم.

وأسأل الله عز وجل أن يجعل نياتنا وأقوالنا وأعمالنا خالصة لوجهه الكريم والحمد لله رب العالمين
ممدوح جنيد الكعكة

كلمة الدكتور عبد المعطي الدالاتي

في الجنة كان البَدء.. وفي ظلال النعيم كان مولد الأسرة الأولى.
فقد عاش أبونا آدم وأمنا حواء معاً في السماء، ثم هبطا معاً إلى الأرض، حامليْن ذكريات النعيم الأول.
هبطا معاً ليَبنيا من جديد جنةً صغيرة تنشر البسمات العذبة، وتلد القلوب الصغيرة..
وصار آدم سقفاً لبيت حواء، وأباً لأبنائها، وقوة لضعفها النسوي..
ولكن يا أسفا! فالشيطان الذي أخرجهما من جنتهما الكبيرة، راح يبغي شقاقَ بينهما ليخرجهما من هذه الجنة الصغيرة !
ولكنْ إذا وُجد الحب كان البحث عن العدل من نافلة القول..
فالحبّ كريمٌ يسّد كل الثغرات، والمودة رحيمة تغفر كل الهنَات..
وخيرٌ لمجدافي السفينة أن يتّحِدا في اتجاه المسير..
لأنكِ أنتِ.... لأنـي أنـا
تعاليْ لِنبنيَ بيتَ القصيدِ
تعاليْ نُصلّ لربِّ الوجودِ
تسـيـرُ الحياةُ رُخـاءً بِنا
بشطريـنِ: منكِ ومنّي أنا
ليغمُـرَ بالديـن أعمارَنا

وإذا كان آدم هو الشطرالأول، فإن حواء هي الشطرالأجمل!
وإذا كان للشطر الأول شرفُ البَدء، و براعةُ الاستهلال..
فللشطر الثاني حُسن القافية، وروعةُ الختام..
وهذا السِّفر المبارك ( فقهُ الأسرةِ المسلمة ) الذي يَشي عنوانه الجميل بمضمونه النبيل، قد صاغه أخي المهندس عبد اللطيف البريجاوي ليشيع السلام بين الشطرين، فجاء هديةً لكل أسرة مسلمة بُنيت أو ستُبنى على الحب والبركة والإيمان.
وقد التقى في هذا السِّفر فكرُ الحياة، و أدب التربية، وخبرة الإصلاح، في واحة خضراء من التأصيل الشرعي المرتكِز على الكتاب العزيز والسنة المباركة والسيرة المطهرة.
ففيه إذاً دستورمبارك للأسرة، ومنهج قويم للتربية، ومنجم كريم للسلام الأسري.
أسأل الله تعالى أن ينفع به، وأن يبارك لمؤلفه في علمه وأهله وذريته.
وأسأله أن يُغشّي بيوت المسلمين بالسكينة والرحمة والسلام.
إن ربي هو أكرم من سُئِل.
وفي كل آخرٍ يطيب الحمد لله رب العالمين، والصلاة على خاتم المرسَلين.
د. عبد المعطي الدالاتي

بين يديك أخي القارئ

تبتل وثناء:
"اللًّهم لك الحمد أنت نورُ السموات والأرض ومن فيهنَّ، ولك الحمد أنت قيّم السموات والأرض ومن فيهنَّ، ولك الحمد أنت الحقُّ ووعدُك حقٌّ وقولك حقٌّ ولقاؤك حقٌّ والجنَّة حقٌّ والنار حقٌّ والساعة حقٌّ والنبيُّون حقٌّ ومحمَّد حقٌّ. اللَّهمّ لك أسلمتُ وعليك توكّلت وبك آمنت وإليك أنَبْتُ وبك خاصمتُ وإليك حاكمتُ فاغفر لي ما قدَّمتُ وما أخَّرت وما أسْرَرْتُ وما أعلنْتُ أنتَ المقدِّمُ وأنت المؤخِّر لا إله إلاَّ أنت ولا إله غيرك" ( ).
"اللَّهمّ انفعني بما علّمتني وعلّمني ما ينفعني وزدني علماً، الحمد لله على كلِّ حالٍ وأعوذ بالله من حال أهل النار" ( ).
"اللَّهمّ ربّنا لك الحمد ملءَ السموات وملءَ الأرض وما بينهما وملءَ ما شئت من شيء بعد، أهلَ الثناءِ والمجدِ لا مانع لما أعطيت ولا معطيَ لما منعت ولا ينفع ذا الجَد منك الجد " ( )
بين يديك أخي القارئ:
بين يديك أخي القارئ مجموعةُ فصولٍ تعالج قضايا مهمة ودقيقة في حياة الأسرة، وتقدم لها برنامجاً علمياً لحياة ملؤها السعادة والهناء، والاتباع والاقتداء، يحنو عليها الحبُ والمودة، وتُظلِلُها (أنوار الذكر الحكيم) ونسماتٌ من هداية المصطفى عليه السلام، فتبعث الأسرةُ من جديد لتكون أسرةً على المستوى الذي أراده الإسلام، حصنا منيعاً لا يُهدم، وقلعةً لا تُدك، ومعقلاً لإنتاج أجيال الإسلام. ونحن لا ندعي الكمال في ذلك ولكنها بعون الله تعالى تكون لبنةً من لبناتِ إصلاح المجتمع المسلم. ولقد تعمدنا الاختصار غير المخل في هذا الكتاب حتى يكون سهل التناول، وسهل الهضم وبعيداً عن الإطالة المملة التي تورث السآمة.

سبب هذا الكتاب:
جاءت هذه الفصول حصيلة عملٍ دام عامين تقريباً من مشاهدات خلال العمل في التحكيم الشرعي في المحاكم الشرعية بحمص، حيث كنت أتساءل دوماً عن معالمَ واضحةٍ في الإسلام لحل المشكلاتِ بين الزوجين التي قد تكون في بعض الأمور تافهةً إلى درجة كبيرة، لكنها كانت تسبب شقاقاً يصل إلى درجة الطلاق، وكنت أتساءل دائماً وأبحث، حتى جاءتني امرأة تطلب الطلاق بعد سبعة وثلاثين عاماً من زواجها ( ).
وعندها من الأولاد تسعة، أربعةُ ذكور وخمسُ إناث، ومن الأصهارِ أربعة، فصُعق قلبي، واهتزَّت أحلامي وآمالي حتى استطعنا مع أخي الأستاذ قاسم شرف الدين بتوفيق من الله سبحانه إعادةَ شريان الحياة الزوجية إلى ما كان عليه من قبل بل بشكل أفضل، نتيجة توضيح بعض النقاط المهمَّة والمهملة في الحياة الزوجية، وكانت البداية مع هذا الكتاب، حيث ألقيت مجموعة خطب في مسجد الحافظ بحمص بعنوان فقه الأسـرة المسـلمة إذ كان كل فصل من هذه الفصول عنواناً لخطبة كاملة.
ثم بدأت أفكر أن أعمم هذا الخير الذي سرى من خلال هذه الخطب، فبدأت أنشرها في المواقع المختلفة، فتلقفتها المواقع بشغف كبير فنشرت في مواقع عديدة مثل موقع صيد الفوائد، وموقع المرأة المتميزة، ولها أون لاين، والمختار الإسلامي، ونداء الإيمان وغيرها من المواقع حيث كان لها الصدى والأثر الكبيران.
وكانت الفكرة الجديدة هي نشر هذه الفصول المختلفة وجمعها في كتاب واحد الذي أسأل الله له حسن التمام وحسن القبول.

شكر وعرفان:

"من لا يشكر الناس لا يشكر الله" ( ).
وفي هذا المقام أجعل خالص شكري لكل من شجعني من إخواني وكان معي أخاً معيناً محباً ناصحاً مخلصاً وهم كثر والحمد لله وأخص منهم بالذكر:
1 ـ الطبيب الشاعر عبد المعطي الدالاتي الذي قرأ هذا الكتاب وكان له الفضل الأكبر في تشجيعي لإخراجه.
2 ـ الدكتور حسان شمسي باشا، الذي كان لي الشرف أن راجع أفكار هذا الكتاب ودققها ووضع لمساته التي لا تُنسى.
3 ـ الدكتور فرحان السليم أستاذ علم النحو الذي دقق هذا الكتاب لغوياً.
4 ـ أ. الشيخ ممدوح جنيد الذي أضفى على هذا العمل لمساته المتميزة.
5 ـ والدي الكريمين وإخواني الأعزاء.
6 ـ زوجتي الغالية التي كانت وما زالت توفر لي الوقت والراحة والطمأنينة لمتابعة الكتابة والتأليف.

إلهي:
ها أنا اليوم أكتسي ثوباً جديداً هو ثوب نشر الكتب، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لبس ثوباً جديداً قال: "الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في حياتي" ( ).
فاجعل اللهم هذا الثوب الذي ألبستنيه ثوباً أواري به عورتي وأتجمل به في حياتي، واجعله مقبولاً في الدنيا والآخرة يا أكرم الأكرمين آمين....
م. عبد اللطيف البريجاوي
حمص - سوريا
غرة شهر محرم الحرام
عام 1426 هـ

ما قبل الزواج وفترة الحملِ الأسـري
((الخِطبـــة))

الأسرةُ تولد كما يولد الطفل، وفترة الحمل بهذا المولود الجديد قد تطول أو تقصر حسب الظروف والإمكانات، وبمقدار الاهتمام بهذا الجنين المرتقب، وتغذيته الغذاءَ السليم، وتوعيةِ أبويه بالأمراض التي تفتك به قبل الولادة وبعدها، وإعطاءِ والدته اللقاحات المناسبة، تكون صحة هذا المولود الجديد.
ومن هذا المنطلق فإن صحة الأسرة أو مرضها تتضح معالمها في فترة الحمل الأسـري (فترة ما قبل الزواج)، وتتشكل الصورة المبدئية لها، حيث تخلق التصورات المختلفة، وتتضح المعالم، ويرى كل واحد من الخاطبين الآخر من منظوره، فيعقد عليه الأمل، أو يحكم على علاقته بالفشل.
"والخطبة هي وعد بالزواج" ( ).
والزواج هو أهم شركة يعقدها الإنسان في حياته، وبمقدار ما تكون الثقةُ والوضوح بين أطراف هذه الشركة يكون التوفيق والاستقرار والسعادة، وبمقدار ما يكون التحايلُ والخداع بين هذه الأطراف يكون الفشل والإحباط واليأس.
وهذا مأخوذ من حديث رواه أبو داود عن أبي هريرة رفعه قال (أي النبي صلى الله عليه وسلم): "إن الله يقول: أنا ثالثُ الشريكين ما لم يخن أحدُهما صاحبَه فإذا خانَه خرجتُ من بينهما".
فما أجمل تلك الشركة الزوجية التي يكون الله سبحانه ثالثهما فيها !
وما أتعس تلك الأسرة التي يخرج الله سبحانه وتعالى بلطفه ورحمته منها !
وفترة الحمل الأسري فترة مشحونة بالعاطفة اللاهبة، المشوبةِ بالحذر الخادع، والتلونِ الجاذب، والأحلامِ الوردية، والعيشِ الهنيء، والليالي المخملية، حيث يحاول الأطراف المختلفة من خاطب ومخطوبة وذويهما إظهارَ المحاسن الفاتنة، وإخفاءَ المساوئ المخجلة، وتذليل الصعاب الجمة، والعوائق المختلفة بطريقة سطحية بسيطة، وتنساق الأطراف وراء هذه العواطف المندفعة، حتى ينتهي الأمر وتولد الأسرة، وعند ذلك قد تصطدم بصخرة الواقع، وصعوبةِ العيش، وتتضحُ الأكاذيب، فتتبلدُ العاطفة، وتظهر الألوان، وتتبخر الأحلام، وتصبحُ الحياة جحيماً لا يطاق، فيحصل الشقاق وقد يقع الطلاق.
إن التصرفاتِ الخاطئةَ لمختلف الأطراف في هذه الفترة التي أسميناها فترة الحمل الأسري هي التي تؤدي غالباً إلى إجهاض هذه الأسرة قبل ولادتها، أو ولادتها ولادة مشوهة، وتصبح بذلك الأسرة عالة على المجتمع بدلاً من أن تكون دعامة قوية له ولبنة صالحة فيه.
لذلك لا بد من ضوابط لهذه الفترة، حتى يكون هذا الحمل سليماً معافى وحتى لا تولد الأسرة بحالة مشوهة.
والضوابط لهذه الفترة هي الضوابطُ العامة للمسلمين مع بعض الخصوصية في بعض المواقف ومن هذه الضوابط:
1 ـ حُسن النظر والاختيار (نظر الخاطب إلى خطيبته والخطيبة إلى خطيبها): حيث تكون هذه الرؤيةُ المفتاحَ للقلوب بين الطرفين، وسبباً في تحصيل الوفاق بينهما، وتمهيداً لحياة ملؤها المودة والحنان، ولهذا وجه النبي عليه السلام في الحديث الذي رواه الترمذي عن المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "انظر إليها فإنَّه أحرى أن يُؤدم بينكما" ( ).
"(أن يؤدم بينكما) أن يؤلف ويوفق بينكما، أي يوقع الأدم بينكما يعني يكون بينكما الألفة والمحبة،.... إذا تزوجها بعد معرفة فلا يكون بعدها غالباً ندامة" ( ).
قال النووي في شرح مسلم: فيه استحباب النظر إلى من يريد تزوجها.
ويجب ألا يفهم من كلمة "انظر إليها" فقط مجرد النظر الحسي والجسدي، فكلمة "انظر" لها مدلولاتها العديدة من النظر في أخلاقها وأصدقائها وطريقة تفكيرها ونظرتها إلى الحياة وغير ذلك من الأمور المهمة لبناء الأسرة وهذا مأخوذ من الحديث "فاظفَر بذات الدين تربت يَداك" البخاري عن أبي هريرة، ومن هنا تأتي أهمية النظر في مختلف جوانب الفتاة فالذي يريد أن يتزوج لا بد أن يمعن النظر في صفات الفتاة ليستخلص ذات الدين.
وما يطبق على المخطوبة يطبق على الخاطب حيث النظرُ الحسيُ حقٌ من حقوق المخطوبة، بالإضافة إلى النظر العام في أحواله وأفكاره ومبادئه وتطلعاته وأهدافه، وهذا أيضاً مأخوذ من حديث "إذا خطبَ إليكم من ترضَون دينَه وخُلقَه فزوِّجوه، إلاِّ تفعلوا تكن فِتنة في الأرض وفسادٌ عريض" ( ).
2 ـ لا مجاملةَ في الاختيار: من أخطر ما يصيب الأسرة هو المجاملة في الاختيار، حيث تكون الفتاة غير راغبةٍ أو يكون الزوج غير راغب فيُحرج أو تُحرج لأسباب متعددة ويحصل الزواج وتولد الأسرة مشوهة وتبدأ المعاناة.
وقد أكد النبي عليه الصلاة والسلام مبدأ عدم المجاملة في الاختيار الزوجي مهما كانت الأسباب، فقد روى البخاري عن سهل بن سعد قال أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأةٌ فقالت إنها قد وهبت نفسها لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما لي في النساء من حاجة" والنبي صلى الله عليه وسلم معروف أنه لا يرد أحداً، وهو الكريم والرؤوف الرحيم، لكنه مع ذلك رفض تلك المرأة ولم يجاملها ويقبلها، فأمر الاختيار في الزواج لا يحتاج إلى مجاملة أو تورية إنما يحتاج إلى بت وقطع.
3 ـ الوضـوح: إنَّ من أهم صفات المسلم العامة صفةَ الوضوح، وتجنبَ الغموض، والابتعادَ عن الضبابية والتلون الزائف، في كل مجالات الحياة ومعاملاتها لا سيما إذا كان الأمر يتعلق بتأسيس الشركة الزوجية.
إن كثيراً من الناس يجعل هذه الفترة فترةً (الكذبُ فيها مباح)، فيبدأ يرسم على صفحات الماء لوحات فنية من السعادة، ويطلق العنان للسانه أن يقول ما يشاء، ويحمل نفسه أعباء هو في غنى عنها، ويشوه حقيقته المادية بومضاتٍ من كبد الخيال، ويلون تصرفاته السيئة بألوانٍ زاهية من الرقي والالتزام والمحبة. وفي الطرف الآخر تتكلم الفتاة عن نفسها وهي في كثير من الأحيان تتكلم عن امرأة من صنع الخيال، فيلتبس الأمر على الطرفين فيصطدمان في أول ليلة بواقع مرير وكأن كل واحد قد تزوج خيال الآخر.
إنَّ أخطر ما يصيب الحياة الزوجية بعد الزواج ذلك الغموضُ الذي يكرسه أحد الطرفين أو كلاهما، فتتحول تلك الكلمات التي ذكرت في فترة الخطبة إلى معوقات حقيقية للحياة الزوجية، وما أبشع أن يكتشف الإنسان أنه قد خدع وأنه بنى حياته على غموض وضبابية.
4 ـ عدم إطلاق الوعود الخادعة: وثمة أمر آخر يجهض كل الضوابط التي وضعها الإسلام لتحصين هذا الحمل الأسري وهو إطلاق الوعود الكاذبة والخادعة، حيث يبدأ الخاطب ببناء أحلام من جليد، ويعد بما ليس بمقدوره تحقيقُه، وتقابله الفتاة بوعودٍ مخملية، وحياة بألوان زاهية، فإذا حصل الوصال بينهما إذا بهما في خضم الحياة قد اكتشف كل واحد كذبَ الآخر، وعدمَ وفائه بعهده، ويذكر كل طرف الآخر بوعوده الكاذبة، فتقع الجفوة، وتتكدر الحياة، وتنعدم الثقةُ، لذلك فإنَّ الإسراف في الوعود قبل الزواج يشكل عبئاً على الإنسان لاسيما إذا كانت الوعود غير قابلة للولادة.

5 ـ تبيان المنهج العام للأسرة القادمة: غالباً ما ينسى الطرفان أنهما مقدمان على بناء شركة مهمة لاسيما في خضم العواطف الجياشة التي تلف حالة الخطبة، لكن هذه العواطف يجب أَلاَّ تنسيَ الطرفين أن يوضحا معالم الأسرة التي يريدان وكيفية بنائها ومعالمها وطرق حل المشاكل فيها، وتبيان ما يحب وما يكره كل طرف.
إنَّ عرض مثل هذه الأمور في مرحلة الخطبة بين الطرفين يفتح آفاقهما للحوار، وهي محاولة لفهم الآخر وتصرفاته وتبيان حقوقه وواجباته.
إن فترة الحمل الأسري من أهم فترات حياة الأسرة، فالاعتناء به، وضبطه بالضوابط اللازمة من أهم ما ينبغي معرفته وبيانه ليسهم هذا الأمر في بناء أسرة متكاملة متماسكة وولادتها بإذن الله تعالى.

الشروط اللازمة للبدء بإصلاح الأسرة

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وقودها النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عليها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ( )
((كلُكم راعٍ، وكُلكم مسؤُولٌ عن رعيته، والأميرُ راعٍ، والرجلُ راعٍ على أهل بيته، والمرأةُ راعيةٌ على بيت زوجها وولده، فكلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيتِه)) ( ).
إن ملف الأسرة المسلمة ملف خطير جداً ومهم بكل ما في الكلمة من معنىً وذلك لأن الأسرة المسلمة هي أخطر الحصون المستعصية على أعداء الدين.
إنَّه هجوم من نوع مختلف، هجومٌ يركب الهواء والفضاء، وأعداءُ الدين يحاولون بكل ما أوتوا من قوةٍ تفكيك هذا الحصن الأخير وضربَه في الصميم، وحتى الآن والحمد لله ما زالت بعض الأسر مستعصية على هذا الهجوم لكن قسماً كبيراً منها سقط وأيما سقوط.... !
وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( ).
هذا إصرار أعداء الدين فما الذي يقابله من المسلمين ؟!
وإلى متى نقف متفرجين، غير عابئين بالأخطار التي تهددنا من كل جانب.
وممَّا يزيد هذا الأمر خطورة:
أنَّ المسلمين اليوم قد تعلموا الكثيرَ من العلوم الطبية والهندسية والكيميائية، ولكن نسوا علماً مهماً جداً هو علم الهندسة البشرية، كيف نربي أولادنا وكيف نجعلهم يرتقون إلى حمل الرسالة الإلهية.
إن الحفاظ على الكائن البشري على قيد الحياة هو سهل جداً، هو فعل تفعله كل المخلوقات، لكن المشكلة الكبرى هي تحويل هذا العنصر البشري إلى عنصر فعال ونشيط.
إن مهمة الآباء والأبناء والأمهات تكاد تنحصر في هذا الزمن في المطعم والملبس، وإن كان هناك اهتمام فإنه يرضي غرور الأبوين،

ومما يزيد هذا الأمر خطورة:
أنَّ واقع أسرنا واقعٌ مأساوي في أغلبه إلا من رحم الله، "فالأب مشغول والأم في الأسواق" ( )، والأولاد لا يُعرف لهم طريق ولا اتجاه، وقد أوكلنا تربيتهم إلى الظروف....
إن الإسلام أكد أن الآباء يلعبون دوراً مهماً في التربية عندما قال : ((.... فأبَواهُ يُهودانه أو يُمَجِسانه أو ينَصِرانه)) ( )، وهذا حثٌ للآباء على عدم ترك أولادهم ليتحكم الشارع والظروف في تربيتهم.
ناهيك عن الواقع المأساوي في العلاقة بين الزوجين والعلاقة بين الأب وابنه والأم وابنتها بالإضافة إلى العلاقات السيئة بين الحماة والكنة والعم والد الزوج أو الزوجة......

الشـروط اللازمة للبدء بإصلاح الأسرة:
لا شك في أن كل واحد يريد لابنه أن يكون أحسن منه حالاً أو مثله على الأقل، لقد أثبت الله هذه العاطفة على لسان سيدنا إبراهيم: قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي.... ( ).
في هذه اللحظات، لحظاتِ القرب من الله عزّ وجلّ لم ينسَ إبراهيمُ أولادَه وذريتَه. وكلمة ( إماماً ) هنا ليس معناها النبوة فقط على ما ذكره المفسرون وإنما الإمامة في الخير.... فهذه عاطفة متجذرة، لكن نريد لأولادنا أن يكونوا أفضل حالاً فأي إمامة نريد منهم، إمامة خير أم إمامة شر؟!
إن بيوتنا هي الملاذ الأخير لنا ولا سيما في زمن هذه الفتن التي شبهها  بأنها "كقِطَعِ الليلِ المظلمِ يُمسي الإنسانُ مؤمناً ويصبح كافراً، ويُصبح مؤمناً ويمسي كافراً، يبيع دينه بِعَرضٍ من الدنيا"( ).
إنه في زمن الفتنة وجه  إلى البيوت فقال: ((ولْيَسَعك بيتُك وابْكِ على خطيئَتِك)) ( ).
أما إذا كانت البيوت هي الفتنة وكان البيت يموج بالفتن المختلفة فأين يذهب الأبناء وأين تذهب الزوجات ؟
كيــف الخــروج ؟؟
هناك ثلاثة شروط رئيسة للانطلاق في موضوع إصلاح الأسرة:
1 ـ الاستعانة بالله عزّ وجل: إياك نعبد وإياك نستعين.
وكما يقول الرافعي:
فكلّ سهل إذا لم يوفق الله له صعب ( )
وما تكرار الاستعانة في اليوم أكثر من سبع عشرة مرة أثناء قراءة الفاتحة في الصلاة إلاَّ ليتعلم المسلمُ تَكرار الاستعانة بالله سبحانه، والاستعانُة ليست مجرد تكرار ألفاظ، إنما هي في حقيقة الأمر التوجهُ القلبيُ لما يريد أن يفعل، ثم مباشرة العمل الذي يريد بعد ذلك .

2 ـ التربيةُ بالقدوة:
قال تعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ( ).
فلا يمكنك تحويل أسرتك إلى الخط الصحيح والمنهج السليم إذا ما زلت منحرفاً عن هذا الخط.
مهما دفعت ولدك إلى الصلاة في المسجد لن يؤثر ذلك فيه، وإنَّ اصطحابه مرةً واحدة أو رؤيتَه لكَ تدخل المسجدَ أفضلَ بكثير من كثير من النصائح.
ومهما دفعتَ ولدك إلى التوقف عن التدخين لن يؤثر ذلك فيه إلا إذا رأى ذلك فعلاً وتطبيقاً منك.
ومهما دفعت ولدك إلى الإقلاع عن مشاهدة البرامج المسيئة فلن يؤثر ذلك فيه إذا لم تقم أنت بالخطوة الأولى.

3 ـ "ليس البيت حلبة صراع لا بد أن ينتصر فيها أحد الطرفين" ( ) ويمشي برأي الزوج أو الزوجة أو الحماة أو والد الزوج أو الزوجة.
إنَّ أهم الأسباب الموفقةِ لحياة سعيدةٍ هو أن يُعلِّم الرجلُ زوجَه وأولادَه أنه يحب الحقَ واتباعَه حتى لو جاء على أي لسان وليس عنده في ذلك أدنى مشكلة .

إن ما سنذكره في الفصول القادمة بإذن الله ليس كيف نربي الأولاد بل كيف نربي الأسرة، فهو برنامج للأسرة كلَّها لتسيرَ على هدىً وبصيرةٍ وفهمٍ حقيقي لدين الله سبحانه وتعالى ولذلك أسميناه فقه الأسرة المسلمة.

إصلاحُ الزوجة

البيتُ مؤسسةٌ ضخمة، تحمل في طياتها مؤسساتٍ متعددة، فهي تحمل في محتواها مؤسسةَ التربية ومؤسسةَ التموين والطعام ومؤسسة العلاقات الاجتماعية ومؤسسةَ الترفيه....
وعلى رأس هذه المؤسسات كلها تكون الزوجة، وأي إصلاح للبيت لا يرافقه إصلاح للزوجة فليس له أي معنىً، وإصلاح الزوجة يعني إصلاح البيت. قال تعالى حكاية عن سيدنا زكريا: وأصلحنا له زوجَه( ) قال ابن عباس في تفسيره لهذه الآية كان في لسانها طول فأصلحه الله تعالى. وقيل جعلها ولوداً حسنةَ الخُلق ( ).
والزوج معني بشكل أساسي بإصلاح زوجته وتربيتها وتعليمها وترقيتها. ولهذا ورد الحديث الشريف عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلَّتِ المرأةُ خمَََََـْْسها وصامتْ شهرَها وحفظتْ فرْجها وأطاعتْ زوجَها قيل لها اُدْخلي الجنة من أي أبوابِ الجنةِ شئت"( )، وفي هذا الأمر بالإطاعة مسؤولية عظيمةً على الزوج ليأمرَها بما أمره الله تعالى فلا بد للزوج أن يشمِّر عن ساعديه لينْقذَ بيته من الدمار ويعيدَ إلى زوجته قوتها وقدرتها على تربية الجيل المنشود.
كيف يكون إصلاح الزوجة ؟؟
هناك خطوات عملية لهذا الإصلاح:
الخطـوة الأولى:
الفهمُ الصحيح للآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي سلطت الأضواء على العلاقات الأسرية ومن هذه الأحاديث:
1 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استوصوا بالنِّساء فإن المرأةَ خُلقت من ضِلْعٍ وإن أعوج شيءٍ في الضلع أعْلاه فإن ذهبتَ تقيمه كسرتَه وإنْ تركته لم يزلْ أعوج فاستوصوا بالنِّساء" ( ).
حيث يظن بعض الناس أن هذا الحديث يحمل إشكاليةً تقول: "إن الإسلام يقول: إن المرأة خُلقت من ضلع أعوج فإن جئت لتقومه كسرته ومع ذلك فهو يطلب من الزوج إصلاح الزوجة ويقول إن تركته ظل معوجاً".

الحقيقة أنه لا إشكال في ذلك:
ذلك أن إصلاح الزوجة يعتمد على ثلاث نقاطٍ مهمة:
1 ـ الصبر: وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها ( ).
2 ـ الرفق: إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه  ( ).
والرفقُ والصبر هما عماد الإصلاح في كل شيء، وإذا اجتمعا فإنهما يحققان الإصلاح بأحسن صوره.
3 ـ الفهمُ : أي فهم طبيعة المرأة وبم تفكر حيث أولوياتها تختلف عن أولويات الرجل، والرجل الحكيم هو الذي يوفق بين أولوياته وأولويات زوجته.
وهنا لابد للزوج أن يعرف نقطتين:
1 ـ أن فشل الرجل يبدأ عندما يبدأ يقلد المرأة، وفشل المرأة يبدأ عندما تبدأ تقلد الرجل.
2 ـ أن الأعمال الحياتية تقسم إلى قسمين:
* أمور تكون المرأة لها السيادة فيها ولها القرار فيها وعادة تكون هذه الأمور متعلقة بالمنْزل، كترتيبه، ووضع لمسات الجمال فيه، ومن ثَمَّ على الرجل ألا يتدخل في كل شاردة وواردة ويعكر هذا العالم الخاص بالمرأة.
* وأمور يكون القرارُ فيها للرجل مع الاحتفاظ لها بحق المشورة وإبداء الرأي ومعنى ذلك أن يترك للمرأة الحرية الكاملة في بعض الأمور لا سيما فيما يتعلق في شؤون بيتها وأمور أخرى يتولاها الرجل وبذلك نستطيع التوفيق في أمور الحياة.
فالإسلام لا يطلب من الرجل أن يغيِّر أولويات زوجته وطبيعة الأنوثة فيها، بل يريد منه ألاَّ يشدد على هذه الأولويات فيزيل هوية الأنوثة فيها أو يترك هذه الأولويات هي التي تسيره وتسيّر أسرته معها.
2 ـ الحديث الثاني عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَفْرُك مؤمنٌ مؤمنة إنْ كَره منها خُلقاً رضيَ منها آخر" ( ).
ومعنى لا يفرك أي لا يكره وهو يدخل تحت الحديث الأول وهو أن المرأة قد يصدر منها ما يزعج الرجل فعليه ألا يكرهها وأن يخفف هذا الاعوجاج بترك بعض الأمور لها مع الحرص على المتابعة.
3 ـ وثمَّة آيةٌ قرآنية تتكلم عن مسؤولية الرجل في إصلاح زوجته وهذه الآية قوله تعالى: وأمُرْ أهْلك بالصلاةِ واصْطَبر عليْها لا نسألُك رزقاً نحن نرْزقُك والعاقبةُ للتقوى ( ).
فكثير من الناس ينشغل بالرزق وتأمينه لأهله وينسى مهمةً عظيمة وهي أمرهم بالصلاة وما هو ضروري لاستقامة الحياة على الوجهة الشرعية، وما ذكرت الصلاة إلا لأهميتها.

الخطـوة الثانية:
العمل على رفع مستواها العلمي والتربوي:
وهذه مهمة أيضاً للزوجة، فكثير من الرجال يتزوج الفتاة ولا يريد أن يضيف إليها شيئاً مما يجب أن يضيفه، وهو يريدها مكتملةً وجاهزةً من عند أهلها، فتكونُ كما يريدها أن تكون دون أن يُسهم في بناء شخصيتها، وهو ليس على استعداد أن يقبل منها أي خطأ أو هفوة!!
فقبل أن يقف لها على هفواتها، عليه أن يعمل على تعليمها وتثقيفها وإعدادِها لتكونَ أمَّا وأي مهنةٍ أخطرُ من هذه المهنة؟!
فكثيرٌ من الرجال لا يجلس مع زوجته ليعلِّمها مع أن النبي عليه السلام قال: "خَـيْرُكم خيرُكم لأهله"( ). وليس هذا في الخدمة والتعاون في المنْزل فقط بل أيضاً برفع المستوى الإيماني والعلمي والفكري للزوجة.

الخطـوة الثالثة:
معاملتَها المعاملةَ التي تشعر فيها بالودِّ والرحمة الذي وصف الله بها الزواج في الإسلام حين قال: ومنْ آياته أنْ خَلَقَ لكمْ منْ أنْفُسِكم أزواجاً لتسْكنوا إليها وجَعَلَ بينكم مودَّةً ورحمَةً إنَّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يتفكرون ( ). وهذه أقصر الطرق للإصلاح ولا يخفى على المحسن أثر الإحسان في نفوس الناس.

الخطـوة الرابعة:
إشعارها بكرامتها أمام أهلها وأهل الزوج خاصة، ولهذا أثره العميقُ في نفسها مما يجعلها أكثر تقبلاً للتغير نحو الأحسن والأفضل.
إنَّ هذه الخطواتِ الأربع وغيرها تدخل تحت كلمة واحدة ذكرها القرآن الكريم في سورة النساء وهي قوله تعالى: فعِظُوهنَّ، ففهمُ طبيعتها، ورفعُ مستواها ومعاملتُها المعاملة الحسنة كله يدخل في باب الوعظ والمعاملة الطيبة التي أمر الله سبحانه بها فإمْساكٌ بمعرُوفٍ ( ).
ومن الخطأ الكبير والجسيم أن يَعْمد الرجلُ إلى إصلاح زوجته بتسلسل مقلوبٍ عما ورد في الآية الكريمة، قال تعالى: الرجالُ قوَّامونَ على النِّساءِ بما فضَّل اللهُ بعضَهم على بعضٍ وبما أنْفقُوا منْ أمْوالهم فالصَّالحاتُ قَانِتاتٌ حافِظاتٌ للغيبِ بما حفظَ اللهُ واللاتي تخافون نشوزهنَّ فعظوهنَّ واهجروهنَّ في المضاجع واضْربوهُنَّ فإن أطَعْنكم فلا تَبْغوا عليهنَّ سبيلاً إنَّ الله كانَ علياًّ كبيراً ( ).
فيبدأ الزوج إصلاح زوجتِه هاجراً أو ضارباً وينْسى أنَّه لابد من المرور بالمرحلة الأولى والأساسية وهي مرحلة الوعظ والتوجيه وهذا الإصلاحُ المقلوبُ يؤدي إلى نفورٍ لا يمكن لَمْلَمتُه وإلى كسرٍ لا يمكن جَبْرُه.

إصـلاحُ الزوج

الزوج عمادُ الأسرة، وأساسُ استقرارها وهنائها، ومنبعُ التفاؤل والأمل فيها، وأي كلام عن إصلاح الأسرة لا يكون الزوج طرفاً فيه فهو كباسط كفَّيْه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه فلن تبلغ الأسرة شأوْها في الاستقرار والصلاحِ إذا كان الأب بعيداً كل البعد عن منهج الإصلاح ومقوماته.
قدْ يطرأ ما يعكر صفوَ الحياة الزوجية، ويَطيح باستقرارها، ويَهدم المودَّة الربانية التي سكبَها الله سبحانه بين الزوجين، فيتحول المنْزل إلى كابوسٍ نتيجة تصرفات شيطانية وعشوائية من ربِّ الأسرة، حيث تُصعق الزوجةُ والأولاد بكثير من هذه التصرفات التي تهز مشاعرهم وتسلب السكينة من قلوبهم، وتحيل حياتهم إلى ذهولٍ واضْطراب، بدلاً من أن تتحول إلى مودة واستقرار.
وانطلاقاً من حرص الإسلام على الأسرة واستقرارها فقد جعل للمرأة سبلاً مختلفة لإصلاح الزوج وردِّه إلى الأسرة الهانئة، والحياة الرغيدة، والمسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتقه.
قال تعالى: وإنْ امرأةٌ خافتْ منْ بعلِها نشوزاً أو إعراضاً فلا جُناحَ عليهما أنْ يُصلحا بينهما صُلحاً والصُلحُ خيرٌ وأحضرتِ الأنفسُ الشحَّ وإنْ تُحسنوا وتَتقوا فإنَّ اللهَ كان بما تعملونَ خبيراً( ).
قال القرطبي رحمه الله: النشوز: التباعد، والإعراض: ألاَّ يكلمها ولا يأنس بها.
".... في هذه الآية يُنظّم القرآن حالةَ النشوز حين يخشى وقوعُها من ناحية الزوجِ فتهدد أمنَ المرأة وكرامَتها، وأمنَ الأسرة كلِّها كذلك. إنَّ القلوبَ تتقلبُ والمشاعرُ تتغيَّر والإسلامُ منهج حياة يعالج كل جزئيةٍ فيها ويتعرضُ لكل ما يعرضُ لها" ( ).
إنَّ الإسلام جعل كل أطرافِ البيت يتحملون مسؤوليةً تجاه استقرار البيت وهدوئه وطُمأنينته، فحمَّل الزوجَ المسؤولية تجاه إصلاح بيته وإصلاح زوجِه، وبالمقابل حمَّل الزوجةَ مسؤوليةَ حماية بيتها ورعايته ومسؤوليةَ إصلاحِ زوجها ورعايته، فكانت هذه المسؤولياتُ الملقاة على عاتق كل واحد حزام أمانٍ للأسرة حتى لا ينفرط عقْدها، ولا ينتَثِر وُدُّها.
وإنَّ السنة النبوية الشارحةُ للقرآن والمبينةُ له وضحت كثيراً من المفاصل الأخرى في هذه المسؤوليات.
وفي حالتنا هذه وهي حال إعراضِ الزوج ونفورِه، وقسوةِ قلبه ونشوزِه، سمحِ الإسلام للمرأة أن تتَدخل لتعالج الموقف وتردَّ الزوج إلى العيش الرغيد والبيت السعيد وأنْ تستخدم بعضَ الطرق المختلفة والمتنوعة حسب أحوال الناس ومعيشتهم.

كيف يكون إصلاح الزوج؟؟
1 ـ الحوار بالتي هي أحسن: من المشكلات التي تعاني منها الأسر اليوم قِلة طرق الحوارِ بين الزوجين، وهي دائماً مقطوعة، أو سالكةٌ بصعوبة، وهي لا تكون إلا في حالات محدودة ومعدودة.
إنَّ حكمة المرأة للمحافظة على بيتها تقتضي منها تذليل الصعوبات في هذه الطرق الحوارية، وجعلها أمراً طبيعياً في الحياة الزوجية، وتجنب المشاكسة والمعاندة فهي من أسباب زيادة الهُوة بين الزوجين "إن المشاكسة مرض عاطفي هدام ولكن علاجه ممكن ميسور" ( ).
2 ـ التفاني في خدمته: وهو أمر مطلوب شرعاً في الحالات العادية، وهو مطلوب أكثر في مثل هذه الحالات لأنه أقرب إلى تقبل الزوج وأسرع إلى الدخول إلى قلبه، وأوثقُ للعلاقة الزوجية.
والآياتُ والأحاديث أكثر من أن تحصى في وجوب طاعة الزوجة لزوجها. والأهمُّ من ذلك، لا بد أن يَعلم الرجل أن من أسبابِ السعادة المرأة، ومن أسباب الشقاء كذلك المرأة، فلا بد أن تُظْهر المرأةُ لزوجها أسبابَ السعادة والهناء "منْ سعادةِ ابن آدمَ ثلاثةٌ ومنْ شِقوةِ ابْنِ آدمَ ثلاثةٌ منْ سعادةِ ابنِ آدمَ المرأةُ الصالحةُ والمسكنُ الصالِحُ والمركبُ الصَّالح ومنْ شِقوة ابن آدم المرأةُ السوءُ والمسكنُ السوءُ والمركب السوءُ"( ).
فلا بد أن يلْحظ الزوج أهميةَ الزوجة الصالحة في البيت وأنها من أهم أسباب الحياة السعيدة ولا يكون ذلك إلا بالتفاني في خدمته وخدمة بيته.
3 ـ تَدَخُّلُ والدِ الزوجة: وفي حال عدم نجاح الممارسات المختلفة والمتنوعة فإنَّه لابد من خطوةٍ أخرى تكون أثْقل وأقوى في نفس الزوج وهي تدخل والد الزوجة الصالح. ونشدد على كلمة الصالح الذي يكون أكبر اهتمامه هو المحافظة على حياة ابنته وأسرتها، ويسعى دوماً إلى تخفيفِ حدة التوتر بين ابنته وزوجِها بحكمة وعقلانية.
وهذا ما حصل للسيدة فاطمة مع علي رضي الله عنهما فقد روى البخاري ومسلم عن سهل بن سعد قال جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتَ فاطمة فلم يجد علياً في البيت فقال : أيَّن ابنُ عمِّكِ؟ قالت كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج فلم يَقِلْ عندي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان انظر أين هو فجاء فقال يا رسول الله هو في المسجد راقدٌ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه وأصابه ترابٌ فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسحُه عنه ويقول: "قُمْ أَبا تُرَابٍ قُمْ أبَا تُرَاب".
ووالد الزوجة هنا صاحب قلبٍ كبيرٍ، ووعيٍ ناضجٍ، ولسانٍ كالعسل، ودُعابةٍ لطيفةٍ تَتَسرب إلى القلب لتزيلَ منه ما كان من غضبٍ ونفورٍ.
4 ـ تدخُّل الأصدقاء الصالحين: الأصدقاءُ الصالحون ليسوا أقل تأثيراً في نفوس الزوج ولاسيما إذا كانوا أصحاب مكانة عند الزوج، وكانوا أصحاب علمٍ وأمانة، وكلامهم له تأثير في نفسه وتصرفاته.
فقد روى البخاري والترمذي أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين سلمان وبين أبي الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلّة ـ وذلك قبل نزول الحجاب ـ فقال ما شأنكِ مُتبذلةً ؟ قالت : إنَّ أخاك أبا الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فلما جاء أبو الدرداء ليقومَ قال له سلمان : نمْ فنام ثم ذهب يقوم فقال له: نمْ فنامَ فلما كان الصبح قال له سلمان: قمْ الآن فقاما فصليا فقال : إنَّ لنفسك عليك حقاً ولربك عليك حقاً ولضيْفك عليك حقاً وإنَّ لأهلك عليك حقاً فأعطِ كلَّ ذي حقٍ حقَّه فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك فقال له: صدق سلمان.
5 ـ تدخُّل الأقارب الصالحين:
وربما تكون هذه في مراحلَ متقدمةٍ من الشقاق، قال تعالى: وإنْ خِفتمْ شِقاقَ بَيْنِهما فابْعثُوا حَكماً منْ أهْله وحَكماً منْ أهلها إنْ يُريدا إصْلاحاً يُوفقِ اللهُ بينهما إنَّ اللهَ كانَ عليماً خبيراً( ).
ومع ذلك فهي إحدى الوسائل المهمةِ والناجعةِ والناجحةِ في إعادة شرْيان الحياة إلى الحياة الزوجية، فتنفضُ عنها الغبار، وتزيل عنها ما لحقها من أدْران الجاهلية حيث يبين الحكمان الحقوق والواجبات لكلا الطرفين.
إن تقصير الزوجة في متابعة أخطاء زوجها، ومحاولة تصحيحها، والتقليل منها، وإهمالها في ذلك ليولِّد الكثيرَ من المشكلات التي يكون البيت في غنى عنها، منها:
1 ـ نشوز الزوج وإعراضه ونفوره.
2 ـ انقطاع الحوار والتفاهم بين الزوجين (الطلاق النفسي).
3 ـ ضياع الأولاد بين الأبوين المتنافرين.
4 ـ انهدامُ الرابطة الزوجية.

إشــاعة ثقافة العفَّة في البيت

يقول ابن القيم "رحمه الله": إنَّ أعداءَ الدِّين يُحاربون المسلمين بسلاحين:
سلاحُ الشهواتِ لإفسادِ سُلوكهم , وسلاحُ الشبهات لإفساد عقولهم ( ). انتهى كلام ابن القيم
وربَّما يكون استخدام سلاح أكثر من سلاح آخر.... في فترة محددة أقوى وأكبر.
فقد كان سلاح الشبهات فيما مضى قوياً، فكانوا تارة يشككُّون في القرآن وتارة يشكِّكون في أحكام الإسلام.... ويستأجرون بعض الأشخاص ليبثوا بين أفراد المسلمين شبهات بوسائلَ متعددة.
ولكن اليوم استخدموا سلاحاً آخر هو سلاح الشَّهوات، وجندوا أغلب قوتهم من أجل ذلك، وساعدهم غفلة المسلمين عن خطورتها وميل النفسِ الإنسانية إليها.
إنَّ من أهمِ صفات المجتمع المسلم أنه مجتمع لا تطفو الشهوة على سطحه أبداً، بل هي شهوةٌ موجهةٌ ومرتبة ومحاطة بهالةٍ عظيمة من الآيات والنصوص والأوامر والنواهي، تسير في طريق مضبوطةٍ لا تحيد عنها قيدَ أنملة، وإنْ حادت فإنها تُقَّوم وتُعاد إلى ما كانت عليه أول مرة.
وإنَّ من يحاول أن يجعل الشهوة طافيةً على سطح المجتمع يريد لهذا المجتمع أن يميلَ عن صوابه ورشْده، ويريد أن يخلع من قلوب المسلمين العفَّة والطهارةَ والحياء. فالشهوةُ الطافيةُ على سطح المجتمع سيلٌ جارفٌ يطيح بكل لبنة توضع لإصلاح المجتمع وتحصينه.
ومرة أخطأ الفضل بن عباس فجعل ينظر إلى امرأة وضيئةِ الوجه.... فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجهه عنها ويميله إلى الوجه الآخر.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الفضل بن عباس رَديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت امرأةٌ من خَثْعم، فجعل الفضلُ ينظر إليها وتنظر إليه، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضلِ إلى الشق الآخر. فقالت يا رسول الله إنَّ فريضة الله على عباده في الحج، أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه قال نعم وذلك في حجة الوداع( ).
وإذا كنا نتكلم عن الأسرة المسلمة وهي جزء من المجتمع المسلم فكذلك تكون الشهوةُ في البيت شهوةً مضبوطة وموجهةً ومهذبة ومرتبة، لا تكون شهوةً عشوائية يسمح لها أن تنمو دون تهذيب. لذلك وجه الإسلام المسلمين إلى ضبط أمور الشهوة في بيوتهم وهو أمر مهم جداً لأن فورة الشهوة له من الآثار السلبية الشيء الكثير.
ـ ومن هذه الضوابط:
1 ـ تعليم الأولاد الاستئذان إذا أرادوا الدخول على آبائهم في غرفهم الخاصة....
قال تعالى: يا أيَّها الذينَ آمنوا لِيَستأذِنَكمُ الَّذينَ ملكتْ أيمانُكم والَّذين لمْ يَبْلُغوا الحُلُم منْكم ثَلاثَ مراتٍ منْ قَبلِ صلاةِ الفجرِ وحينَ تَضَعُونَ ثيابَكمْ مِنَ الظَّهيرةِ ومِنْ بَعْدِ صلاةِ العِشاء  ( ).
ولنسأل أنفسنا لماذا يتكلم الله بجلاله في قرآنه العظيم عن هذه الأمور ؟
إنها الضوابط الإسلامية في مجال الأسرة حيث أنَّ هذه الأوقات هي أوقات راحة، فيخشى أن يطلع الولد أو البنت على ما لا يرضى أن يطلع عليه فتؤثر في ذلك أبلغ التأثير "وهو أدبٌ قد يغفل عنه الكثيرون في حياتهم المنْزلية مستهينين بآثاره النفسية والعصبية والخلقية ظانِّين أن الصغار قبلَ البلوغ لا ينتبهون إلى هذه المظاهر بينما يقرر النفسيون اليوم أنَّ بعضَ المشاهدِ التي تقع عليها أنظار الأطفال في صغرهم هي التي تؤثر في حياتهم كلها، وقد تصيبهم بأمراض نفسية وعصبيةٍ يَصعبُ شِفاؤهم منها " ( ).
2 ـ التفريق بين الأولاد في المضاجع لحديث "وفرقوا بينهم في المضاجع" ( ). لأنَّ النمو الجنسي يبدأ في هذا العمر فلا بد أن نوقف كل محفزٍ له حتى ينمو بشكل صحيح "ولأن الأيام أيام مراهقة فلا بد أن يفضيَ النومُ في سرير واحدٍ إلى شهوة، فلا بدَّ من سدِّ سبيل الفساد قبل الوقوع" ( ).
3 ـ تعلم الأولاد النوم على شقهم الأيمن وعدم النوم على بطونهم لأن ذلك أيضاً مثير. وهو يزيد عندهم المهيجات الجنسية.
إنَّ هذه الضوابط وغيرها في الإسلام.... هي للتخفيف من الشهوات في البيت المسلم، من أجل أن يعيش البيت المسلم سعيداً ينمو نمواً سليماً ويوجه توجيهاً سليماً.
إنَّ من الغريبِ جداً أن لا يتنبه الآباء والأمهات إلى هذا الموضوع، ويتناسَوْنه ويتجاهلونه ويخجلُون منه. والغريبُ جداً أنَّ الآباء يُشجعون الشهواتِ عند أولادهم ويُسهلونها لهم ولا يقومون بضبط الفضائيات المختلفة....
وقد أكد استبيانٌ أجرته "مجلة ولدي" أن 98% من الأبناء يتابعون "الفيديو كليب" بشغف!
وربما سهر بعضُ الآباء مع أبنائهم ليروا مسلسلاتٍ وأفلاماً وحفلاتٍ غنائية فيها مثيرات للشهوة فما شعور الأب وهو يحفز ولده على الشهوة. وما شعور الأم وهي تحفز ابنتها على الشهوة.. وهي بقربها.؟!
"والنتيجةُ أنَّه يصعب على أي شخص مشاهدةَ أغنيةٍ مصورةٍ مع أسرته وأولاده دون أن يحمَّر وجهه خجلاً.... والسبب ببساطة أنَّنا نشاهد في هذه الأغنياتِ كلَّ ما لا يَمُتُّ إلى الغناء بصلة، وأصبحنا بصدد مشاهدةِ ((فتياتِ ليلٍ)) يحشُدْن كلَّ ((أسلحة دمارهنَّ الشامل)) للإيقاع بالمراهقين مستخدمات آخر ما توصل إليه العلم من ((سيليكون)) وخلافه!" ( ).
إنَّ هذه التربية الخاطئة ولا تشكل إلا فتاة مضطربةً وشاباً مشوها.... يريد أن ينعتقَ مما فيه من الضوابط، ويُضمرُ أشياء في نفسه يريد أن يظهرها في مكان ما وفي وقت ما....
"ولقد منع أحد الآباء ابنه من مشاهدة برنامج معه في أحد الصور الخليعة، مع الحفاظ للأب بحق المشاهدة.. فسأل الطفل عن ذلك فكان جوابه: إنَّ الأطفال لا يشاهدون مثل هذه الأمور لكن فقط للكبار"( ).
ما هذه المعايير ؟
أتحرمُ تلك المشاهدة على الصغار وهي حِلٌّ للكبار ينظرون إليها كيف يشاؤون؟!
أليس الأجدر أن نتقيَ الله تعالى فلا نسمح لأنفسنا بالنظر إلى ما حرم الله، ونكون في ذلك أيضاً قدوة لأولادنا فنكسب الأجرين معاً؟!
وينشأ ناشئ الفتيان منَّا على ما كان عوّده أبوه
أليس الأجدر أن نخجلَ من ذنوبنا عندما نرى أولادنا وهم يحملون البراءة في أعينهم، ونحن نخفي عنهم معاصينا.
وتخجلُ منْ ناظريكّ ذنوبي فأنتَ لكبرى الذنوب متابُ( )
لابد لنا أن نخفف محفزات الشهوة في بيوتنا إلى أدنى درجة ممكنة، إذا كنا نريد حقاً أن نحفظ أبناءنا من السيل العارم للشهوات، وبذلك ننال سعادةَ الدارين، ونستعيدُ توازن أسرنا ونشيع بذلك ثقافة العفة التي أمر الله بها.
إن فوائد تخفيف محفزات الشهوة في البيت تكمن في:
1 ـ تخفيف الاضطراب النفسي.
2 ـ الابتعاد عن الفواحش.
3 ـ التماسك الأسري.

إشــاعة ثقافة الشـورى في البيت

إنَّ من أهم الصفات التي يتصف بها المجتمع المسلم أنَّ أمورَه الصغيرةَ والكبيرةَ التي تتعلق بمصالحه، وتؤثر في اتجاهاته، تعتمدُ على قرارٍ جماعي، وتعتمد على ما سماه القرآن الكريم الشورى، قال تعالى: وشاوِرْهم في الأمْر ( ). وقال: وأمْرُهم شُورى بَيْنهم ( ).
وكانت هذه هي صفة المجتمع المسلم في العصور الأولى فكان النبي لا يفعل أمراً يهم المجتمع إلا و يشاور فيه صحابته الكرام، فقد شاورَهم في الخروج إلى بدر أو عدم الخروج (مقاتلة الأعداء)، وشاورهم في غزوة أحد.
وكذلك شاورَهم في حادثة الإفك فوقف خطيباً على المنبر ثم قال: " منْ يعذرني في رجلٍ ذكرَ أهلي بسوء " وقد جاء في الترمذي: "ما رأيتُ أحداً أشدَّ مشورةً لأصحابه من محمد". وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يؤكدون هذا الأمر بتصرفاتهم.
لقد أنقذتْ امرأةٌ واحدة المسلمين في لحظة كان الصحابة متجهين فيها نحو الكعبة المشرفة فمنعتهم قريش ووقع النبي صلح الحديبية. أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أنْ يتحللوا فلم يتحرك واحد منهم لتنفيذ هذا الأمر، فدخل النبي على أم سلمة فقال لها: "هَلَكَ النَّاسُ"، فأشارت عليه أنْ اخرج ولا تكلم أحداً ثم ادْعُ حلاقك ففعل عليه الصلاة والسلام ذلك فبادر الصحابة إلى تنفيذ أوامره والاقتداء به عليه السلام( ).
إنَّ هذا المثالَ الحيَّ يُعلمنا كيف كان النبي عليه السلام يستشيرُ نساءه في كثير من الأمور حتى لو كانت أموراً متعلقة بشؤون الأمة وليست في شؤون الأسرة فقط.
إنَّ اختيار ثقافة الشورى في الأسرة ليجعلُ الأسرة أقرب إلى الحق وأبعد عن الخطأ كما قال الحسن بن علي رضي الله عنهما: ما تشاورَ قومٌ قط إلا هُدوا إلى أرشَد أمورهم.
وكما قلنا سابقاً (في الشروط اللازمة لإصلاح الأسرة) ليس المهم أن يكون الحق على لساني المهم أن أتبعه ولو أتى على أي لسان من أهلي أو غيرهم. وبذلك يقول الشافعي رحمه الله: ما ناظرت أحداً إلا وتمنَّيتُ أن يجريَ الله الحق على لسانه.
إنَّ كثيراً من الآباء ليتصرفون تصرفاً غير إسلامي في هذا الموضوع مع أسرتهم فترى أحدهم يأخذ قراراتٍ كثيرةً تهم الأسرة كلها دون أن يعلموا بهذا الأمر، فتارة يبيع البيت أو يبيع المحل أو يزوِّج ابنته أو ما شابه ذلك والأسرة آخر من يعلم، ومن ثمَّ فإن كثيراً من الأسر تفشل في علاقاتها بسبب عدم التحاور أو التناقش في هذه الأمور.
"كما أكدت الدراسات العلمية أن أكثر من 80% من مشكلات المراهقين في عالمنا العربي نتيجة مباشرة لمحاولة أولياء الأمور تسيير أولادهم بموجب آرائهم وعاداتهم وتقاليد مجتمعاتهم، ومن ثم يحجم الأبناء، عن الحوار مع أهلهم، لأنهم يعتقدون أنَّ الآباء إما أنهم لا يهمهم أن يعرفوا مشكلاتهم، أو أنهم لا يستطيعون فهمها أو حلها"( ).
إن دكتاتورية الأب لا تولِّد إلا شاباً مشوهاً أو فتاة مهتزة، وتصبح اهتمامات هذا الشاب وهذه الفتاة التخلص من هذا الواقع، لذلك نرى مثلاً أن أول شاب يتقدم إلى الفتاة تقبل به حتى لو كان غير مناسب لتتخلص من ديكتاتورية والدها.
إنَّ الشورى الأسرية لا تنقص من مكانة الرجل بل بالعكس ترفعه في أعين أولاده وتزيد هيبته ومحبته وتهديه معهم إلى سواء الصراط.
ـ إنَّ الفوائد التي نجنيها من هذه الشورى الأسرية كثيرة ومتنوعة نجمل بعضها فيما يلي:
1 ـ الالتزامُ بمنهج الله في شؤون الحياة.
2 ـ القدرةُ على الحوار وتقبل الآخرين: "وتذكر أن المحاورة مع طفلك يعلمه الطلاقةَ في الكلام ويساعدُه على ترتيب أفكاره ويُنمي شخصيته ويزيدُه قرباً منك" ( ).
فكثير من الأولاد والنساء إذا جلسوا مجلساً لا يستطيعون إبداء آرائهم لأنهم لم يتعودوا هذا في بيوتهم، وكثير منهم لا يتقبلون الآخرين لأنهم لم يتعودوا هذا في بيوتهم أيضاً....
وهذا خطير على نشأة الأولاد وعلى مستقبلهم واندماجهم في الحياة.
3 ـ تفتق المواهب: إنَّ عمليةَ التفكير صعبةٌ ولكن عندما يُسأل الإنسان يبدأ بجمع الخيوط لينسج حلاً وربما يكون حلاً متميزاً.
4 ـ الابتعاد عن الخطأ.
5 ـ إذا وقعَ الخطأ بعد المشورة يتحمل الجميع الخطأ ولا يتهم أحد بالتقصير.

إشــاعة ثقافة الرفق في البيوت

عندما ندخل إلى بيت النبي ، ونرى طريقة معاملته مع زوجاته وأسرته نجد هناك ثقافة أساسية في حياته ومحوراً أساسياً في حياته وهي ثقافة الرفق.... فقد وردت أحاديث كثيرة في فضل الرفق، منها:
((إنَّ اللهَ رفيقٌ يحبُ الرِّفقَ ويُعطي على الرفْقِ ما لا يعطي على العُنْف)) ( ).
((إنَّ الرفقَ لا يكونُ في شيءٍ إلاَّ زانَه ولا يُنْـَزعُ منْ شيءٍ إلاَّ شانَه)) ( ).
قال البخاري: ((الرفق هو لينِ الجانب بالقول والفعل)) وهو ضد العنف.
ملاحظة مهمة:
ومن الملاحظ أن أغلب أحاديث الرفق ترويها السيدةُ عائشة، وفي هذا إشارة إلى إشاعة ثقافة الرفق بين أطراف الأسرة جميعاً وهم الزوج والزوجة والأولاد....
إنَّ هذا الرفقَ والأخذَ بلين الجانب في الأسرة لا يخدشُ رجولة الرجل ولا يحطُّ من قيمته بل بالعكس إنَّه يرفع مكانته ويضعه في مكان العفو القادر.
لكن كثيراً من الرجال يفهمون الرفق فهماً خاطئاً ويظنُّون أنَّ الرفق في الحياة الزوجية عبارة عن ذلٍ وانكسار وخضوع للمرأة....
فترى أحدهم خارجَ البيت أكثرَ الناس حواراً ونقاشاً، وتراه خارج البيت أكثر ضحكاً وابتساماً، وأكثر حركة وحيوية.
ثم إذا دخل بيته كان أقلَّ الناس حواراً، وأكثرهم عبوساً وتقطيباً، وأثقلهم حركة ونشاطاً.
"ومن أهمِّ صفاتِ المجتمعِ المسلم هو أنَّه مجتمع يحلُّ مشكلاته عن طريق التفاهم"( ).
وهذه صفة ملازمة للمجتمع المسلم فلا يمكن بحال من الأحوال أن تنفك عنه، ويجب أن تكون ملازمة للأسرة المسلمة لأنها اللبنة الأولى فيه.
لكن كثيراً من الرجال يلجؤون إلى حل مشكلاتهم الزوجية عن طريق العنف، مع أنَّ الإسلام أكد على الرفق ونهى عن ضرب الزوجات ومعاملتهن بقسوة، وصرح أنَّ شرار الأزواج هم الذين يضربون زوجاتهم.
"لقدْ طافَ بآل محمَّدٍ نساءٌ كثير يَشْتكيْنَ أزواجَهن (أي من الضرب) ليس أولئك بخيارِكم" ( ).
وكثير من الرجال يحاولون أن يسدوا ثغرة ضعفهم في البيت وطريقة إقناعهم عن طريق القوة العضلية.
حيث بينت دراسة في إحدى الدول العربية "أن 88% من النساء يتعرضن للضرب من أزواجهم"( ).
وتتعدد الأسباب التي تجعل الرجل يستخدم قوته العضلية:
"السبب الأول: الطبيعة غير السوية عند بعض الرجال بسبب العقد النفسية الكامنة في الصغر أو القهر والضغوط النفسية في العمل فيجد في ضرب الزوجة متنفساً
السبب الثاني: فهم مغلوط للرجولة إذ تعني عند البعض أن يكون الرجل شديداً حازماً لأنَّ المرأة عندهم إنما تحترم الزوج الذي يضربُ لا الزوج المتسامحُ الطيب"( ).
إنَّ الرجل الذي يستعمل عضلاته في منع زوجته أو أولاده من أمر معين هو إنسان ضعيف، وعليه أن يعيد ترتيب حياته، ويبحث جيداً في طريقة أخرى "لابد أن نعلم أن القيادة ليست رفع صوت أو شتائم أو قسوة إنما القيادة أخلاقٌ ومن يقود بالطريقة الأولى فليعلم أنه منبوذ ولن يستمر طويلاً" ( ).
فإنَّك إن أردت شيئاً من زوجتك أو أبنائك فإن الطريقة المثلى هي المعاملة برفق.
وقد دلَّت الدراسات أن الأسر التي تتعامل بالرفق هي أكثر تماسكاً، بينما تزداد نسبة الطلاق من الرجال الذين يحاولون أن يحلوا مشكلاتهم بالقوة....
إنَّ إشاعة ثقافة الرفق أمرٌ مهمٌ في حياة كل مسلم لأنَّ لها فوائد عديدة :
1 ـ تستطيع أن تحصل على ما تريد من زوجتك وأولادك بالرفق.
2 ـ يعلمك الصبر لأن الله أمر بالصبر على الزوجة والاصطبار عليها.
3 ـ زيادة العلاقة بين أفراد الأسرة وزيادة الترابط الأسري فالكل يعلم أن القلوب حوله لها حنان خاص.
4 ـ لا يخاف الأولاد من بعض التقصير أو الأخطاء فيصارحون الآباء لعلمهم أن معاملة أبنائهم لن تكون إلا بالرفق والحنان.

إشــاعة ثقافة المصارحة في البيوت

إنَّ من أكبر الميزاتِ التي امتاز بها الإسلام عن بقية الشرائع السماوية هي الوضوحُ في كل شيء، فلا يوجد في الإسلام شيء غامض ولا يوجد في الإسلام معلوماتٌ محجوبةٌ عن مجموعة وهي مسموحة لمجموعة أخرى، فلا ضبابية في الإسلام، وإنما الصفة الملازمة للإسلام هي وضوح الرؤية في كل شيء.
فالمسلم واضح في علاقاته كلِّها....
فعلاقته مع ربه علاقة عبودية.
وعلاقته مع نبيّه علاقة محبة واتباع
وعلاقته مع المسلمين علاقة أخوة
وعلاقته مع أسرته علاقة رعاية وإنفاق وإشراف
وعلاقته مع أهل الكتاب علاقة تعايش....
وليس هنالك أوضح من قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ( ). واستدل العلماء بهذه الآية أن النبي بلغ كل ما أنزل إليه.
وإذا كان الوضوح هو الصفةُ الملازمة للإسلام فكذلك يجب أنْ يكون الوضوح والمصارحة هو الصفة الملازمة للأسرة التي هي نواة المجتمع المسلم....
إنَّ كثيراً من الناس يبنون حياتهم على الغموض، فتفاجأ الزوجة أو يفاجأ الزوج بأمور لم تكن بالحسبان، ومن ثمَّ تحصل المشكلات نتيجة لذلك. ولقد أعطانا القرآن الكريم مثلاً راقياً جداً في المصارحة، وهذا المثال الرائع قد نمرُّ عليه في القرآن الكريم دون أن نقف على دلالته وعلى أهميته لا سيما في هذه الحياة الصعبة....
وذلك في قصة موسى عليه السلام مع إحدى ابنتي الرجل الصالح عندما قالتْ هذه الفتاة، في قوله تعالى: يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيَّ الأَمِينُ( ). ماذا كان جوابُ الأب؟؟
"استجاب الشيخ لاقتراح ابنته ولعله أحس من نفس الفتاة ونفس موسى ثقة متبادلة وميلاً فطرياً سليماً" ( ).
فبادر الأب بقوله، في قوله تعالى: قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ( ).
إنَّ هذا مثالٌ واضح على الصراحة والمصارحة، فالفتاة لم تُخفِ إعجابها بموسى عليه السلام، والأب فهم من هذه المصارحة أن الفتاة أعجبت بموسى بأمانته وقوته، ولم تكن المصارحة حرجاً على الطرفين ما دامت مضبوطة بضوابط الإسلام العامة.
"وهكذا في بساطة وصراحة عَرََض الرجل إحدى ابنتيه،.... عرضها في غير حرج ولا التواء، فهو يعرض نكاحاً لا يخجل منه، يعرض بناء أسرةٍ وإقامة بيت وليس في هذا ما يخجل ولا ما يدعو إلى التحرج والتردد والإيماء من بعيد والتصنع والتكلف مما يشاهد في البيئة التي تنحرف عن سواء الفطرة وتخضع لتقاليد مصطنع باطلة سخيفة" ( ).
"وبمثل هذه البساطة والوضاءة سار المجتمع المسلم يبني بيوته ويقيم كيانه في غير ما تلعثمٍ ولا جمجمة ولا تصنع ولا التواء" ( ).
إنها أعلى درجات المصارحة، وعندما يضرب الإسلام أعلى الدرجات في المصارحة، فيعني هذا أن أدنى الدرجات أولى بذلك.
فكثير من المسلمين لا يتصارحون في أدنى الأمور في البيت، لذلك تجد أنَّ أصدقاء الأولاد يعرفون عن الأولاد أكثر من آبائهم، وصديقات الزوجة يعلمْنَ عن الزوجة أكثر من زوجها، وصديقات البنات يعرفْن عن البنات أكثر من أمهاتهن.
إنَّ الخطوة الأولى في المصارحة تكون من الآباء لا من الأبناء، فالولد والبنت لا يستطيعان أن يصارحا الأبَ أو الأمَّ في بداية الأمر، فلا بد من أن تكون الخطوة الأولى من الوالدين في البيت حتى يتعود الأولاد المصارحة.
"ولا تتولد مثلُ هذه المصارحة إلا من خلال تربية من الوالد، ومن خلال جهودِ الوالد من خلال تشجيعِ الفتى على طرح المشكلات" ( ).
إنَّ للمصارحة في البيت فوائد عديدة :
1 ـ الجرأةُ والقدرةُ على الحوار: فكم من شاب نشأ وصار في مصافِّ الرجال وهو لا يستطيع أن يتكلم ولا يعرف كيف يتكلم، فالمصارحة تجعل الشاب يميل إلى الجرأة والدفاع عن فكرته وما يريد.
2 ـ القدرةُ على تمييز الخطأ من الصواب: فبالمصارحة تطرح الأمور على بساط البحث ومن ثم يميز الخطأ من الصواب.
3 ـ زيادة الثقة بين الآباء والأبناء.
4 ـ زيادة الترابط الأسري.

أدب الاختلاف ضمانة لأسـرة متماسـكة

يشكو كثيرٌ من الآباء الشِجار المتكرر بين أولادهم، وأنه ما إن يخرج من البيت حتى يسمعَ صوت أولاده قد وصل إلى الشارع ويسمع صوتَ زوجته وهي تصيح عليهم، وربما يرى الشجار بينهم بأم عينه فلا يعلم كيف يوفق بينهم وكيف يجمعهم وكيف يزيل الشقاق بينهم؟!
إنَّ هذا الشجار الذي يقع في البيت المسلم صورة مصغرة لما يقع في المجتمع المسلم بين الأفراد وبين الدول.
فإذا كان الله قد وصف المؤمنين بأنهم إخوة فقال تعالى: إنَّما المؤمنونَ إخوةٌ فأصْلحوا بينَ أخويْكم واتقوا اللهَ لعلكُم تُرحمون ( ).
فهذا يعني أنهم يعيشون في بيت واحد لكنه كبير بعض الشيء وهو المجتمع بأكمله، ومع هذا الوصف الذي وصفه الله للمؤمنين بأنهم إخوة فإنَّ كثيراً منهم لم يحققوا هذه الأخوة على واقع الأرض بل استبدلوا بها حقداً وحسداً حتى صار شعار العالم الإسلامي:

نقذِف نشتمُ نتشاجرْ
نحسُد نبغضُ نتفاخرْ
وكلٌ منا يتهم الآخرْ ( ).
إنَّ المشاجرة بين الأبناء في البيت الواحد مشكلة كبيرة جداً قد تؤدي في بعض الأحيان إلى التفكير السلبي بأن يؤذي الأخ أخاه ويكيد له كيداً وقد ذكر الله سبحانه وتعالى كيف كاد أخوةُ يوسف لأخيهم حتى أنهم باشروا العمل وألقوه في غياهب الجبِّ، قال تعالى:
فلمَّا ذَهبُوا به وأجْمَعُوا أنْ يجْعلوهُ فيْ غَيابةِ الجبِّ وأوْحينَا إليه لَتُنَبِئَنَّهم بأمرهمْ هذا وهُمْ لا يَشعرون( ).
لذلك كان لزاماً على الآباء أن يتعلموا كيف ينقلون أبناءهم من هذه الحالة السلبية إلى حالة أخرى أقل سلبية وأكثر إيجابية، وهذا يكمن في أساليب كثيرة منها تعليم الأولاد أدب الاختلاف واحترام الآخر، وهو موضوع مهم جداً في العلاقات الأسرية والاجتماعية.
ومعنى أدب الاختلاف ببساطة: أن أحترم الذي أمامي بما يقول ويطرح ويفكر، وأن أنطلق في محاورته من نقاط الاتفاق لا من نقاط الخلاف.
لذلك كان الفقهاء يقولون كلامنا صواب يحتمل الخطأ تأكيداً منهم على قبول الرأي الآخر واحترامه.
إنَّ أدبَ الاختلاف عبادةٌ لله سبحانه لأنه طاعة لله وطاعة للرسول الكريم عليه السلام، وليس هناك أوضح دلالة من الآيات والأحاديث في ذلك.
فلا بدَّ أن نعلم أولادنا منذ صغرهم أدبَ الاختلاف وأن نقنعهم بأننا لا يمكن أن نسوقَ العالم كلَّه لأفكارنا دون أن نعطيَ الطرف الآخر حريةَ إبداءِ ما عنده وحرية التفكر والتصرف. والتركيز على هذا الأدب ضمانةٌ أكيدةٌ لأسرة متماسكة، فالذي يخالفني في الرأي هو أخي، واستيعاب هذا الخلاف عبادة لأن النبي عليه السلام كان يستمع تماماً إلى ما يقوله المشركون ثمَّ بعد ذلك يعرض عليهم الإسلام ويناقشهم ويحاورهم دون حديات جازمة، مع التأكيد على "أن الخلاف بين الأولاد ليس كله ضاراً وليس بالسوء الذي يبدو للكبار"( ).
إننا بتعليم أولادنا هذا الأدبَ نجتنبُ نقطتين مهمتين:
ـ الأحادية: فينشأ الطفل وهو يعلم أنَّ كلامه ليس نهائياً إنما قابل للمناقشة والحوار ولا بد له من تقبل الآخر.
ـ تجنبُ الصراخ والشجار: فالذي يظنُّ أنَّه ضعيف في فكرة يستعيض عنها بالصراخ وربما القوة العضلية.
إنَّ الاختلاف هو سنةُ الله في عباده، لكنْ يجب أن نعلمَ أن الاختلاف شيء والتنافر شيء آخر، لذلك لابد أن نعلم أولادنا كيف نختلف وكيف يكون الأدب الضابط لذلك.
ويجب أن نعلم أيضاً أن الشجار والتنافر بين الأولاد في البيت له أسباب عديدة، ومن هذه الأسباب:
1 ـ الغيرة بسبب التفضيل بين الأولاد.
2 ـ انشغال الآباء عن أولادهم.
3 ـ شجار الأبوين أمام أولادهم.
4 ـ عدمُ وجود برنامج للأولاد يشغلهم عن الخلافات التافهة.
وبمعرفة هذه الأسباب ومعالجتها يمكن أن ينشأ الأولاد على درجة عالية من الوعي في هذه الأمور.
ولعل أبرز النتائج التي يمكن تحصيلها من تعليم الأولاد هذا الأدب هي:
1 ـ التماسكُ الأسري: و"الأولاد الذين يسمح لهم ببعض الجدال في صغرهم فيصبحون عادة أشد قرباً من بعضهم في كبرهم"( ).
2 ـ القدرةُ على المحاورة والمناقشة.
3 ـ تقبلُ الآخر.
4 ـ توسيعُ الآفاق وتمحيص الأفكار كما قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: إنِّي رأيتُ مناقشةَ الرجال تمحيصاً لأفكارهم( ).

عدم التذكير بالماضي المزعج

ما من إنسان إلا وقصَّر في حياته وأخطأ سواء كان هذا الخطأ كبيراً أو صغيراً، وهذه من صفات ابن آدم التي جبله الله عليها، ولذلك ورحمة بنا وردت آيات وأحاديث كثيرة تشجع على التوبة والإنابة والاستغفار "إنَّ الحسناتِ يُذْهبْن السيئات".
وفي الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ اللهَ عزَّ وجَّل يَبْسط يده بالليل ليتوبَ مُسيء النهار ويَبْسطُ يده بالنَّهار ليتوبَ مسيءُ الليل حتى تطلعَ الشمسُ من مغربها".
وطلب الإسلام من المسلمين قبول التائب وقبول توبته وعدم التذكير في كل لحظة بالخطأ الذي ارتكبه، وتوعد أولئك الذين يحكمون على الناس بعدم قبول التوبة، وذلك في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "حدَّث أنَّ رجلاً قال والله لا يغفرُ اللهُ لفلان وإنَّ الله تعالى قال: منْ ذا الذي يتألّى عليَّ أَلاَّ أغفرُ لفلان فإنِّي قد غفرتُ لفلان وأحبطتُ عمَلَك".
وعصرُ الصحابة الذي هو خير القرون وجد فيه من وقع في الخطأ ورجع وأناب وتاب وقبل الناس توبته ولم يقفوا عند أخطاء من أخطأ، فلم يذكر التاريخ أن الصحابة عيروا كعب بن مالك لتخلفه عن غزوة تبوك بعد توبة الله عليه
وكذلك لم يذكر أن أحداً من الصحابة عيَّر حاطب بن أبي بلتعة على ذنبه بإخبار قريشٍ نيةَ رسول الله بعد التوبة والإنابة.
ويوم تكلم خالد رضي الله عنه عن المرأة الغامدية بعد رجمها نهاه النبي بقوله: "يا خالدُ فوا الذي نفْسي بيده لقد تابتْ توبةً لو تابها صاحبُ مَكسٍ لَغُفر له. ثم أمر بها فصُلىَ عليها ودُفنت"( ).
وبما أنَّ الأسرة هي جزء من المجتمع المسلم فإن ما ينطبق عليه ينطبق عليها تماما.
إنَّ كثيرا من الناس تتملكهم الرغبة الشديدة والقوية في تذكير الناس بماضيهم السيئ أو المزعج، فكلَّما جلسوا مجلسا واجتمعوا في مكان يبدؤون بتذكير الناس بهذا الماضي، وهذا يحدث للإنسان وهو كبير يريد أنْ يتوب من فعل اقترفه في سالف حياته، لكنَّ النَّاس لا يريدون أن يتوبوا عليه أو يقبلوه، فكلما أراد أن يؤسس لحياة جديدة خرج له بعض الأشخاص يذكرونه بما عاهد الله على ألا يعود إليه.
والحقيقة أنَّ الإنسان يكون أكثر تعرياً في التصرفات أمام أسرته وفي بيته، فأغلب الآباء يعرفون أولادهم كيف ارتقوا وتربوا وكيف انتقل الولد من فكرةٍ سالبةٍ إلى أخرى موجبة أو من خطيئة إلى حسنة وكثير من الأزواج يعلمون هنات زوجاتهم وهنا ويا للأسف الشديد يكون الاطلاع على مثل هذه الأمور مدعاة للسخرية والتذكير بها في بعض المجالس.
فمثلا كثير من الآباء يجلسون مع ضيوف ويجلس معهم الأولاد فيبدأ الأبُ بذكر ما فعله أولاده من هنات (والأولاد جالسون يسمعون)، أو بالأفكار التي كانوا يدينون بها. ويضحك الأب ويضحك الضيوف دون الاهتمام بأن الأولاد قد كبروا وتغيَّروا، إنَّه الأمر الذي يجعل الأثرَ السلبي كبيراً على نفوس الأولاد.
والشيء نفسه يتكرر مع الأزواج لزوجاتهم، فيذكر الزوج هنات زوجته التي أقلعت عنها أمام أقاربهما مما يسيء إلى الزوجة.
ليس هناك أشدُّ تخريباً للعلاقة الأسرية من التذكير بالماضي السيئ والمزعج في كل لحظةٍ مما يجعل الحياة جحيما لا يطاق.
إن استدعاء الماضي للتقليل من شأن الآخرين، وغض الطرف عن أفعالهم الحسنة إنما يدل على إنسان مريض نفسيا يريد أن يبني شموخه وشهوته على أنقاض الآخرين والحطَّ من قدرهم ولعل هذا الفعل السيئ بتذكير الناس بماضيهم المزعج له آثاره السيئة الجلية منها:
1ـ الكراهيةُ : حيث يكره الابن أن يجلس مع أبيه وكذلك الزوجة تكره الجلوس مع زوجها.
2ـ الإصرارُ على المعصية: حيث سيكون ترك الفعل أو عدمه سيان، وهذا ما يحصل لكثير من الشبان الذين يتعلمون بعض العادات السيئة ويريدون أن يتوبوا فيكون التشهير بهم سببا للإصرار على فعلهم.
3ـ الوصولُ إلى درجة الوقاحة: حيث يبقى الرجلُ يذكر ولده بفعل معين ويذكر ويذكر دون حكمة حتى يخلعَ الولد ما كان عليه من احترام ويصل إلى درجة الوقاحة فيقول هذا أمر يخصني وحدي ولا دخل لأحد به.
إنَّ التذكير بالماضي المزعج خطير جدا إذ يحطم الروابط الأسرية، ويبدل بها روابط أخرى مبنية على الكراهية والشماته.
وإن الحل الأمثل لهذا الماضي هو نسيانه ووضعه في مكان آمن من الذاكرة لا يمكن الوصول إليه بحال من الأحوال، والنظر إلى المستقبل والعمل على تحسينه.

السعيُ إلى التمَيُّز الأسري

إنَّ من أهم الصفات التي اتصفت بها الأمة الإسلام عن سائر الأمم أنها أمة متميزة ومستقلة، وهذا التميز وهذه الاستقلالية جاءت في الكتاب والسنة قال تعالى:
 كنْتُم خيرَ أمَّةٍ أُخرجتْ للنَّاس تَأمُرُون بالمعروفِ وتَنْهَوْن عن المنكرِ وتُؤْمِنُون بالله ولوْ آمنُ أهْلُ الكتابِ لكانَ خيراً لهمْ منهمُ المؤمنون وأكثرُهمُ الفَاسِقون  ( ).
وكذلكَ جَعَلْناكُمْ أمَّةً وسَطاً لِتَكونُوا شُهَدَاءَ على النَّاسِ وَيَكونَ الرَسولُ عَلَيكم شَهيداً( ).
قال ابن كثير الوسط هو الخيار والأجود
وأمَّا في السنة الشريفة فقد وردت عدةُ أحاديثَ تؤكد استقلالية هذه الأمة وتميزها، من ذلك ما رواه البخاري عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خَالفوا المشْركين، وفِرُّوا اللحى وأحْفوا الشَوارب" .
والتميُّز مطلوب حتى في اللباس، فالمسلم لا بد أن يكون ذا مظهر حسن، وهذا ما رواه أبو داود والإمام أحمد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أصْلِحُوا رِحَالَكمْ ولِباسَكم حتى تكونُوا في النَّاس كأنَّكم شامَّة فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لا يُحبُ الفُحْشَ ولا التَفَحُش"
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "منْ كان له شعرٌ فليُكرمْه" ( ).
وبما أن الأسرة المسلمة هي الخلية الأولى في المجتمع المسلم فلا بد أن تكون هذه الصفة ملازمة وملاصقة لها.
إنَّ طلب الواحد منا أن تكون أسرته متميزة عن سائر الأسر ليس أنانيةً بل هو مطلب شرعي نبه الله سبحانه وتعالى عليه في كتابه الكريم فقال حكاية عن سيدنا زكريا عليه السلام:
... فَهَبْ لِيْ منْ لَدُنْكَ وَليَّا (5) يَرِثُني وَيَرِثُ منْ آل يعقوبَ واجْعلْه رَبِّ رَضيَّا (6) ( ).
وقال حكاية على لسان إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام:
 ربَّنا واجْعلنا مُسْلِمَيْن لَكَ ومِنْ ذُرِيتِنا أمَّةً مُسلمةً لكَ وأَرِنا مناسِكَنَا وتُب عَلينَا إنَّكَ أنْتَ التوَّابُ الرَّحيم( ).
وقال حكاية عن عباد الرحمن: والَّذينَ يَقولونَ ربَّنا هبْ لنا منْ أزواجنا وذرِّيَّاتنا قرةَ أعينٍ واجْعلنا للمُتقين إماماً ( ).
وفي مقام القرب لم ينسَ إبراهيم عليه السلام ذريتَه  وإذ ابتَلى إبراهيمَ ربُّه بكلماتٍ فأتمَّهنَّ قال إنِّي جاعلك للنَّاسِ إماماً قالَ ومنْ ذُرِّيَتي قال لا ينَالُ عهْدي الظَّالمين( ).
إنَّ التميز الأسري ضرورة ملحةٌ ولاسيما في هذا العصر الذي كثرت فيه التفريعات والاختصاصات، إذ أن كثيراً من الأسر لا تعرف أي نوع من أنواعِ التميز، إنما تعيش هكذا دون هدف ودون برمجة لحياتها، بلْ إن الميزة الوحيدة لها تنحصر في أهدافٍ بسيطة جدّاً كنجاح في مدرسة أو الحصول على سيارة وغير ذلك.
إن التميَّز الذي يطلبه الإسلام هو تميزٌ بالشخصية، وبالفكْر الوَقادِ، والعمل الجاد، والأهدافِ السامية، ولا يمكن للمسلمين أن يسترجعوا هيبتهم ومكانتهم بين الأمم إلا إذا استعادوا التميز بأقل درجاته؛ وأقل درجات التميز هي أن يكون الفرد المسلم يقابل بقوته العلمية وتفوقه في مجاله اثنين من الكفار. قال الله سبحانه الآنَ خَفَّفَ اللهُ عنْكمْ وعَلِمَ أنَّ فيكمْ ضَعْفاً فإنْ يَكُنْ مُنْكمْ مائةٌ صَابرَةٌ يَغلِبُوا مائَتين وإنْ يَكُنْ منْكمْ ألفٌ يغلِبُوا ألفَين بإذنِ اللهِ واللهُ مَعَ الصَّابِرين( ).
فالنسبة في المعركة هي (واحد من المسلمين إلى اثنين من المشركين أي 1/2)، وهذه الآية محكمة لم يرد فيها ناسخ فهي معمول بها إلى يوم الدين
فإذا كان هذا الأمر في المعاركِ الحربيةِ واجباً فإنه في المعارك الحياتية أوجب( ).
فالطبيب المسلم لا بد أن يكون بطبِّه بمقدار اثنين من أهل الشرك.
والشاعر المسلم لا بد أن يكون مقابل اثنين من الشعراء الآخرين وهكذا. وهذه أدنى درجات التميز التي يجب أن نعمل على تربية أسرنا عليها.
إنَّ هناك خطواتٍ عمليةً لجعل الأسرة متميزة منها:
1 ـ طلبُ التميز من الله سبحانه: وقد علمنا القرآن ذلك في أكثر من موضع، فقال حكاية على لسان زكريا عليه السلام: هُنالكَ دَعَا زَكريَّا رَبَّه قَاَلَ رَبِّ هَبْ لي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيةً طَيِّبةً إنَّكَ سَميعُ الدُّعاء( ). فطلب من الله أن تكون ذريته طيبة.
وقال حكاية على لسان إبراهيم: ربِّ هَبْ لي مِنْ الصَّالحيْن( ).
2 ـ إطلاقُ بعض الألقاب والصفات الحسنة على الأولاد: كما كان يفعل النبي عليه السلام حيث إن لهذه الألقاب دورا مهماً في حياة الإنسان، فهو يحاول دائما أن يتصف بهذا اللقب أو ذاك، وهذا ما حصل للحسن رضي الله عنه فقد روى البخاري عن أبي بكر رضي الله عنه: أخرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم الحسن فصعد به على المنبر فقال: "ابْني هَذا سيدٌ ولعلَّ اللهُ أنْ يُصلحَ به بَيْن فِئَتَيْن منَ المُسلِمين"
وإطلاق هذا اللقب على الحسن رضي الله عنه لم يذهب سدى بل كان هو سيد الموقف عندما تنازل لمعاوية عن الأمر رضي الله عنهم جميعا وجمع الله به كلمةَ المسلمين حتى سُمي ذلك العام بعام الجماعة.
ولعل من بعض الألقاب التي تؤثر في نفسية الأولاد: صاحب الهمة ـ أبو المعالي ـ الحافظ ـ العفيفة ـ الثقة ـ الصدوق وغير ذلك مما يجعل الأولاد يلتزمون بهذه الصفات ويسعون ليتميزوا بها.
3 ـ الاهتمامُ بتحويل الأم إلى أم متميزة ورفعها من المستوى الذي تعيشه نساء هذا العصر من تفاهات وترهات.
4 ـ توضيحُ معايير النجاح والتميز: حيث إن الكثير من الأولاد لا يعرفون معيار النجاح الحقيقي ومتى يكون المسلم ناجحا ومتى يكون فاشلاً، وهذا من الأمور الخطيرة التي يجب بيانها فمثلا يجب أن يعلم الأولاد أن المعيار الأول للنجاح هو رضا الله سبحانه وأن كثيرا من الأمور التي نظنها ناجحة هي بمعيار الرضا الإلهي غير ذلك( ).
5 ـ تعليمُ الأولاد سير المتميزين الذين خدموا أمتهم: مثل الأنبياء والصالحين والمجاهدين وما قدموا لأمتهم، واصطحابهم لملاقاة العاملين الصالحين، وحضور مجالسهم، فقد دلت دراسة على أن "63% من المشاهير كانوا قد تعرفوا على مشاهير في مرحلة مبكرة من العمر"( ).
وتحفيظهم أشعار الطموح مثل نشيد المستقبل:
ستصبح يا بنيّ فتى
فتـىً يبْنـي لأمَّته
سَتُسهمُ في سعادتِها
وسوفَ أرى بإذن اللهِ
تسيرُ إلى العلا شَهْماً
تشـير إليـه كلُّ يدِ
صروحَ الخيرِ والرشدِ
بعونِ الواحـدِ الأحدِ
أنَّ خطاكَ لمْ تَحِـدِ
بِعَـزمٍ منك متقـدِ

إنْ تَكُنْ تاهتِ السفينةُ يَوْماً فَلَقَدْ جاءها الفتى الربانُ
مسلمٌ صاغَهُ الوُجودُ وُجوداً بعينَيه تُشرق الأوطان( )
إن السعي إلى التميز ومنه التميز الأسري ضرورة حتمية وليست ترفاً اجتماعيا أو أخلاقياً، وهي ضرورةٌ يمليها علينا واجبنا الإيماني والخلقي وهي وسيلة من وسائل الدعوة، لأن كثيراً من الناس لن يدخلوا الإسلام إذا لم يكن أهله شامة بين الناس في كل المجالات.

الحسم في المخالفات الشرعية

إنَّ الإسلام جاء للعالم كله، وهذا يعني أنه منفتح على العالم كله. قال تعالى وما أرْسَلْنَاكَ إلاَّ رحمةً للْعَالمَين( ).
ونتيجة لهذا الانفتاح الذي هو ميزة لهذا الدين قد يتسرب إلى المجتمع المسلم بشكل عام والأسرة المسلمة خاصة بعض الأمور والحيثيات الغربية أو الشرقية الغريبة عن المجتمع المسلم وعن مبادئه وأهدافه.
ومن هنا يكمن دور الأسرة في تحصين البيت من هذه السلبيات المختلفة، وهي مسؤولية عظيمة وجسيمة تقع على أكتاف الآباء والأمهات وأعناقهم لأن هذا الانفتاح الخطير والاختلاط الكبير جعل كثيرا من الأمور السلبية تتسرب إلى بيوتنا ونحن عنها غافلون، وربما الكثير من المسلمين لا يلقون لها بالا وهي شديدة الخطر وكثيرة الضرر.
ولقد حذر النبي عليه السلام من هذا التقليد الأعمى فقال: "لَتَتَّبُعنَّ سَنَن مَنْ قَبْلِكمْ شِبراً بشبرٍ وَذِراعاً بذراعٍ حَتى لوْ سَلَكُوا حُجْر ضَبٍّ لَسَلَكْتُموه"( ). ونتيجة لهذا الانفتاح على العالم تكون هناك واردات مختلفة على مجتمعنا، والإسلام لم يرفض هذه الواردات إنما وقف أمامها موقفاً علمياً ومنهجياً:
1ـ فما وافق الأصول الإسلامية ووافق الأهداف الإسلامية قبله واعتنى به.
فعندما قدم تميم الداري رضوان الله عليه من بلاد الشام وتعلم من هناك كيف تشعل السرج وأنار بها المسجد النبوي دعا له النبي عليه السلام بأن ينير الله قبره، وقبل منه هذا الوافد الجديد الذي لا يخالف أصولا إسلامية بل يفيد الدعوة ويفيد الأمة.
2ـ ما خالف هذه الأصول والأهداف رفضه رفضاً قاطعاً لا هوادة فيه حرصاً منه على استقلالية الإسلام والمسلمين. روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "منْ أَحْدَثَ فيْ أَمْرِنَا هَذا مَا ليْس فيْه فَهُوَ رَدٌّ".
وهكذا يجب أن يكون تعامل المسلمين اليوم مع هذه الواردات المختلفة.
إنَّ الأسرةَ تولد كما يولد الطفل وإنَّ الفتراتِ الذهبيةَ لتربية الأسرة هي تلك الفترات الذهبية لتربية الطفل أي في السنوات الأولى من ولادتها
لكنِّ -ويا للأسف الشديد- كثيرا من الأزواج يبدؤون حياتهم الزوجية وهم غير ملتزمين بالإسلام فتبدو الأسرة في الفترات الذهبية لتربيتها ضائعة لا تعرف منهجا ولا طريقا وينشأ قسم من الأولاد على هذا المنوال.
لقد كان منهج النبوة في المخالفات الشرعية التي توجد في البيت منهجا واضحا وصريحا هو عدم السماح لهذه المخالفات أن تبيت ليلة واحدة في البيت لقد كان منهجه هو "الحسم في المخالفات".
فعن عائشة قالت: جَعَلْتُ على بَاْبِ بَيْتي ستراً فيه تَصَاويرٌ فلمَّا أَقْبل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لِيَدْخلَ نَظَرَ إليْه فتَهَتَّكَه قالت: فأخذْتُه فقطعتُ منه نَمْرَقتين( ).
فالنبي عليه السلام كان موقفه عندما رآى شيئا مخالفاً وسلبياً في بيته هو الحسم في هذه السلبية حتى أنه نزع هذه التصاوير بيده كما صرح الإمام أحمد في روايته.
ومرة تتكلم السيدة عائشة عن صفية فيكون موقف النبي حاسماً، فقد روى أبو داود في سننه عن عائشة قالت قلت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا قال غير مسدد تعني قصيرة فقال "لقدْ قُلتِ كلمةً لوْ مُزِجَتْ بمَاءِ البَحْرِ لَمَزَجتْه"( ).
إن الحسم في المخالفات الشرعية في السنوات الذهبية من عمر الأسرة له الدور الكبير في سير هذه الأسرة في الطريق الصحيح والسليم.
لكنْ إذا تأخر الرجل في الحسم وإنهاء هذه المخالفات من بيته حتى سن متأخرة فهذا لا يعني اليأس لكنه مكلف شرعاً بإزالتها ولكنه يحتاج إلى جهد أكبر يرافقه حكمة بالغة.
إنَّ السكوت عن المخالفات الشرعية المختلفة في الأسرة يجعلها تتراكب وتتواكب لتشكل سدا منيعا في طريق إصلاح الأسرة التي كلفنا الله سبحانه وتعالى بإصلاحها. والأخطر من ذلك هو أن القائمين على الأسرة من الآباء والأمهات هم الذين يكرسون هذه السلبيات المختلفة فتنشأ الأسرة بعيدة كل البعد عن المنهج القويم والصراط المستقيم. والأمثلة على ذلك كثيرة فمن ذلك التدخين أمام الأولاد، والجلوس في البيت والأب ذو عورة مكشوفة، ومتابعة الساعات الطوال على شاشات الفضائيات وغير ذلك مع أن الله جعل الأب حاكما على بيته فمن يمنعه على الأقل من تطبيق الإسلام في بيته !

مراعاة الفروق الفردية في الأسرة

إنَّ الله سبحانه وتعالى لما خلق الخلق جميعا ونثر عليهم من هباته، جاء كل واحد منهم مختلفا عن الآخر ولا يطابقه، وقد أكد الله سبحانه هذا الاختلاف: وَرَفَعْنا بَعْضَكُم فَوقَ بعضٍ دَرَجات
وهذا التفضيل قد يكون بالجسم أو بالعلم أو بطريقة التفكير أو بالأمور المادية قال الله حكاية عن طالوت:
وقالَ لهَمُ نَبيُّهم إنَّ اللهَ قد بَعَثَ لكمْ طَالوتَ ملكاً قالوا أنَّى يكونُ لهُ المُلْكُ عَلينا ونحنُ أحقُ بالمُلكِ منه ولمْ يُؤْتَ سعةً مِنَ المَال قالَ إنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكم وَزَادَه بَسْطةً فيْ العِلمِ والجسمِ واللهُ يُؤتي مُلْكَه مَن يشاءْ واللهُ واسعٌ عليمٌ( ).
لذلك حرص الإسلام على مخاطبة الناس على قدر عقولهم وعلى مقدار ما يفهمون فقد ورد في صحيح الإمام مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه: "ما أنتَ بمحدثٍ قوماً حديثاً لا تبْلغه عقولُهم إلاَّ كانَ لِبَعضهم فِتْنة".
وورد عن علي رضي الله عنه: حَدِثُّوا النَّاسَ بما يَطِيقُونَ أتحبُّون أنْ يُكذَّبَ اللهُ ورسولُه( ).
ومعنى هذا الكلام كله أن الإسلام أقر بالفروق الفردية بين الأشخاص والأفراد أو بمعنى آخر أقر مبدأ الاهتمامات المختلفة فما يهتم به الزوج ليس بالضرورة ما تهتم به الزوجة، وما يهتم به الأبناء غير الذي يهتم به رب الأسرة مع وجود قاعدة أساسية ضابطة لهذه الاهتمامات والاختلافات.
وإن كان هذا الكلام ينطبق على المجتمع المسلم كله فهو كذلك ينطبق على الأسرة المسلمة فما يهتم به الزوج غير الذي تهتم به الزوجة فلذلك كان لزاما على كل مسؤول عن أسرة أن ينتبه لهذه الفروق ولا يحولها إلى نقطة خلاف تسيء إلى حياته وحياة من حوله.
القدوةُ العظمى عليه السلام اهتم بهذه الفروق الفردية وبيّنها وتعامل معها تعاملاً إيجابياً وحولها من نقطة خلاف إلى نقطة تربية وتوعية فمرة كما في صحيح البخاري عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم عند بعضِ نسائِه (صرح غير البخاري بأنها عائشة) فأرسلت إحدى أمهاتِ المؤمنين (وصرح غيره بأنها أم سلمة) بصحْفة فيها طعام فضربتْ التي النبيُ صلى الله عليه وسلم في بيتها يدَ الخادم فسقطتْ الصحْفةُ فانفلقت فجمعَ النبي صلى الله عليه وسلم فلقَ الصحفة ثم جعل يجمعُ فيها الطعام الذي كان في الصحفة ويقول: غارتْ أمُّكُمْ ثم حبسَ الخادمَ حتى أتي بصحْفةٍ من عند التي هو في بيتها فدفع الصحفة الصحيحةَ إلى التي كُسرتْ صحفتها وأمسكَ المكسورة في بيت التي كسرت( ).
والنبي في تعامله مع هذه الحادثة يعلمنا طريقة للتعامل مع فارق فردي موجود عند النساء بكثرة إنه الغيرة والتعامل بحكمة مع شيء من التجاهل.
وكذلك كانت طريقة تعامله عليه السلام مع الأطفال مراعاة منه لهذه الفروق فكان يحمل الحسن والحسين وهو في الصلاة كما رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: "كنَّا نُصلي معَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم العشاءَ فإذا سَجَدَ وَثَبَ الحسنُ والحسينُ على ظهرهِ فإذا رفعَ رأْسهُ أخذَهما بيدهِ مِنْ خلفه أخذاً رفيقاَ ويضَعْهُما على الأرضِ فإذا عادَ عادَا حتى إذا قضَى صلاتَه أقعدَهُما على فخِذَيه" ( ). ما أعظم سعادة الأطفال عندما يتعلقون بآبائهم وهم في الصلاة.
إنَّ خطأ الكثير من الناس أنَّه يريد لزوجته أن تلغي هذه الفروق الفردية من حياتها، ويريد من أولاده أن يُلْغوا كذلك هذه الفروق، ويريد أن يحشر الناس جميعا في رغباته الخاصة وأهوائه وما يريد هو فقط، من ثَمَّ لا يحصد في بيته إلا شقاءً، وفي مجتمعه إلا نفوراً.
" إنَّ الحياة الزوجيةَ لا تقوم على التشابه"( ).
وإنما تقوم على المودة ومنْ يُرِدْ أنْ يَجْعَل منْ أولادِه نسخةً منْه فإنَّه لنْ يَحْصُد إلاَّ مَرارةً وشَقاءً، والأب الواعي والمستهدي بهدي النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح لا يجعل من هذه الفروق الفردية نقطة خلاف، إنما يحول هذه الفروق بحكمة إلى وسيلة تربوية وإرشادية.
ومن الأمثلة على الفروق الفردية التي يجب الاهتمام بها واستخدامها وسيلة تربوية أنَّ كثيراً من النساء تكون الكلمة الجميلة واللطيفة من الزوج أفضل عندهنَّ من كثير من الأمور الأخرى والزوج مثلا يعتبر هذا الكلام سخافة وهراء وقد ذهب أوانه، وعدم الاهتمام بهذه النقطة مثلا قد يولد بعض النفور من الزوجة
كذلك بعض الأولاد ينتظرون رجوع والدهم من عمله بفارغ الصبر ليأتي لهم ببعض الأمور كالحلوى والألعاب لكن كثيراً من الآباء ينسون هذا وتخيب آمال الأطفال برجوع آبائهم، إلى البيت ومن الفروق الفردية الأخرى والمهمة جدا هو محبةُ الأطفال للعب بشغفٍ كبير، تجعلُ كثيراً من الآباء ربما يتصرفون تصرفات لا تحترم هذه الفروق الفردية، وينعكس ذلك سلبا على طريقة التربية.
يا صَغِيري نَمْ هَنِيَّا
فلقدْ أمضيتَ يوماً
هذهِ الألعابُ تَشكُو
ساعةً بَيْنَ يَدَيَّا
صاخباً لمْ تُبْقِ شَيّا
وَأَنا أَشْكُو الدّويا ( ).

إن الاهتمام بهذه الفروق الفردية أمر مهم وملح ونحن بحاجة له لنثري المجتمع بالتنوع وهو لا شك أمر يتماشى مع الحياة والفطرة السليمة.

تخفيف التيتم والترمل الصوري

إنّ مكانة اليتيم عند الله سبحانه وتعالى مكانة عالية جدا حتى إنه ورد في ذلك الآيات والأحاديث التي تحض على كفالة اليتيم وتحذر من مغبة ضياعه في المجتمع ومن خطورة أكل ماله.
قال تعالى: إنَّ الَّذينَ يَأكُلُونَ أَمْوالَ اليَتَامى ظُلماً إنَّما يَأكُلُونَ في بُطُونِِهمْ ناراً وَسَيَصْلونَ سعيراً( ).
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اجْتَنِبوا السبعَ الموبِقاتِ قالوا يا رسول الله وما هنَّ قال الشِّركُ بالله والسِّحرُ وقَتْلُ النَّفسِ التي حرَّمَ الله إلا بالحق وأكلُ الرِّبا وأكل مالِ اليَتِيمِ والتَولِّي يومَ الزَّحفِ وقَذْفُ المُحْصناتِ المؤمناتِ الغافلات"( ).
وحث الإسلام على كفالة اليتيم والسعي على الأرملة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" أنا وكَافلُ اليَتِيم فيْ الجنَّة هكذا وأَشَارَ بالسُبَّابة والوُسْطى وفرَّجَ بَيْنَهما شيئاً" ( ).
عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: "السَاعِي على الأَرْمَلةِ وَالمسكِينِ كالمُجَاهد في سبيلِ اللهِ أوْ القائمِ الليل الصَّائمِ النَّهار" ( ).
ولو سألنا أنفسنا لماذا هذا التشديد على موضوع اليتيم والأرملة بشكل خاص عن باقي أفراد المجتمع؟
لوجدنا أن الجواب هو أنَّ هذه الفئة قد فقدتْ المُنْفقَ والمُشرِفَ والمُوجِّهَ وبفقد هؤلاء الثلاثة يمكن أن يضيع اليتيم أو تضيع الأرملة ويصبح الواحد منهم أقرب إلى الانحراف نتيجة الوضع المادي (بغياب المنفق) ونتيجة للوضع الأخلاقي (بغياب المشرف والموجه).
إن اليتيم الحقيقي يحرك من مشاعر أغلب المسلمين فيتهافتون ويتسارعون إلى رعاية هذه الفئة وهو أمر طيب ومأمور به شرعاً.
لكن هناك تيتماً وترملاً من نوعٍ آخر إنَّه التيتمُ والترملُ الصوري هو:
" أنْ يكونَ الأبُّ أوْ الزَّوجُ على قَيْد الحياةِ لكنَّه بِمنْزلة الميِّت ليسَ له أيُ أثرٍ فيْ حياةِ زوجتِه أوْ أوْلادِه"
ويأخذ هذا التيتم والترمل أشكالا مختلفة في العالم الإسلامي منها:
ـ كثيرٌ من الآباء قد جعلوا أولادهم أيتاما، فبعد مجيئه من العمل ما إن يتناول طعامه ويستريح قليلا حتى يغادر إلى عمل آخر نتيجة ظروف اقتصادية معينة ثم يعود مساء لينام وليعيد الكرة في اليوم الثاني وهكذا.
ومن ثمَّ يصبح البيت مكانا للطعام والنوم ولا يمارس فيه أي نوع من أنواع التوجيه والتربية مع أن القرآن حذر من الانشغال بالرزق عن الصبر على الأهل والأمر بالطاعات قال تعالى:
وأمُرْ أهلَكَ بالصَّلاة واصْطَبر عليها لا نَسأَلُكَ رزقاً نَحْنَ نَرْزُقُكَ والعَاقِبةُ للتقْوى ( ).
فكثير من الرجال ينسون واجباتهم المختلفة بالتربية نتيجة انشغالهم بالرزق وهذا نوع من التيتم والترمل.
ـ صنف ثان من الرجال يقضون نهارهم بالعمل ولياليهم بالسهر مع الأصدقاء وإلى ساعات متأخرة من الليل فلا يعود إلا وقد نام الأولاد وأرهقت الزوجة من الانتظار وهو لا يريد سماع صوت زوجته ولا أصوات أولاده وهو يكتفي بوضع مصاريف البيت على الطاولة عند الخروج فالأولاد لا يعرفون من أبيهم أي نوع من أنواع التوجيه والتربية فينشؤون (كل يغني على ليلاه) وعلى ما يقدمه لهم المجتمع من نماذج مختلفة.
ـ صنف ثالث من الرجال يقضي عمره مغترباً عن زوجته وأولاده من أجل العمل وتأمينِ لقمة العيش ومستقبل مادي أفضل وينسى احتياجات الزوجة من قرب الرجل منها واحتياجات الأولاد من قرب أبيهم منهم.
ـ صنف آخر من الرجال يقضون نهارهم بالعمل، ولياليهم بالسهر في بيوتهم لكنهم يقضون هذه الليالي بالسهر أمام شاشات التلفاز ومتابعة الفضائيات المختلفة حتى أصبح البيت مجرد صالة للسينما لا يتكلم فيها أحد ولا يعرض أي موضوع مهم وويل للأولاد إذا تكلموا.
إنَّ أولادنا وزوجاتنا ليسوا بحاجة إلى المال فقط وليسوا بحاجة أيضاً إلى الطعام واللباس وما شاكل ذلك من ماديات بل هم بحاجة إلى رعاية وحنان وعطف وتوجيه.
" ولقد أكّدتِ الدراساتُ على أن الطلاَّب الذين يجلسون مع أفراد أسرتهم حولَ مائدة الطعام على الأقل أربع مراتٍ أسبوعياً أفراد يتمتعون بالقَبول والاحترام في مجتمعهم والأسرة مترابطة"( ) والأصل في ذلك مجموعة أحاديث وآيات منها:
*ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قبّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالساً. فقال الأقرعُ إنَّ ليْ عشرةً من الولد ما قَبَّلْتُ منهم أحداً فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال "مَنْ لا يَرْحَم لا يُرحم".
*وقد روى الترمذي عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَأَنْ يُؤَدِّبَ الرجلُ وَلَدَه خيرٌ مِنْ أنْ يتَصَّدقَ بِصَاعٍ"( ).
*وروى البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال لي النبي صلى الله عليه وسلم ألم أُخبَر أنك تقوم الليل وتصوم النهار قلت إني أفعل ذلك قال.. وإنَّ لِنَفْسِك حَقاً ولِأَهْلِكَ حقاً فَصُمْ وأفطرْ، وقُمْ وَنَمْ. وحق الأهل يشمل حقوقا مختلف منها حق الرعاية والتوجيه
إنَّ ظاهرة التيتم والترمل الصوري في المجتمع ظاهرةٌ خطيرة جداً لا ينتبه إليها كثير من الناس وربما لا يعبؤون بها وهي تشكل خطراً جسيما يهدد الأسرة من الداخل، ويجفف ينابيع الود والرحمة المزروعة من قبل الله بين الزوجين، ويطفئ العاطفة الملتهبة بين أفراد الأسرة إلى درجة البرودة القاتلة..
فيا أكرم الأكرمين عرفنا واجباتنا حتى نقوم بها على الوجه الذي يرضيك واجعل خيرنا أول ما يكون لأهلينا مقتفين بذلك سنة رسولك صلى الله عليه وسلم حيث قال: "خَيْرُكُم خَيْرُكُم لِأَهْلِه" الترمذي آمين.

التعامل مع الأخطاء في المنْزل

إنَّ التعامل مع الأخطاء التي يرتكبها الأولاد أو حتى الزوجة فنٌ من الفنون التي يجب على كل والد وزوج أن يتعلمها ويُتقنها ويُحوِّل هذا الخطأ إلى قوة إيجابية بناءة في الأسرة لا إلى قوة سلبية هدامة.
ولنفترض أن أحداً من أبنائنا أخطأ فما الخطوات الإسلامية في معالجة هذا الخطأ أو ذاك؟
إنَّ كثيراً من الآباءِ والأمهاتِ والأزواجِ يسلكون سلوكاً غير إسلاميي في معالجة الأخطاء التي تحصل في منازلهم، ومن ثمَّ فبدلا من إيجاد حلول لهذه الأخطاء، وُجِدت أخطاءٌ أخرى هي مضاعفات لهذه الممارسات ومن ثمَّ نشأ في مجتمعنا مشكلاتٌ عديدة متراكبة ومتداخلة كان منشؤها التصرفُ غير الناضج مع خطأ ارتكبه أحد الأطراف، ألم يقل الله تعالى: يا أيُّها الَّذينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وللرَسُولِ إذا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْييكُم واعْلَمُوا أنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرءِ وقَلْبِه وأنَّه إِلَيْه تُحْشَرون ( ).
قال البخاري لما يحييكم: لما يصلحكم
فاستجابتنا لله وللرسول هي دعوة للإصلاح، ودعوة لترشيد المنهج، ودعوة للحياة بصورتها المثلى.
فعندما تقع المشكلة أو الخطأ في المنْزل لا بد من بعض الخطوات المهمة لإزالة هذا الخطأ وفق المنهج الإسلامي السليم والأنيق الذي يحول دون تفشي الخطأ ويحوله إلى نقطة مراجعة واستذكار.
والإسلام يرسم لنا الخطوط العريضة لطريقة التعامل هذه ويترك المجال أمام الأبوين لمعالجة الأمر وفق هذه الخطوط العريضة ليتناسب حلها مع كل زمان ومكان ومن هذه الخطوط العريضة ومن بعض نقاط هذا المنهج:
1ـ تسليط الضوء على الصواب:
إن كثيرا من الذين يخطئون ـ ولاسيما الأولاد ـ لا يعلمون حجم الخطأ الذي ارتكبوه، ولربما لم يعلموا بأنهم قد أخطؤوا، لذلك يصعب على بعضهم أن تلومه على الخطأ الذي ارتكبه، فالحلُّ الأمثلُ في مثل هذه الحالة هو تسليطُ الضَوْءِ على الصواب وإزالةُ الغشاوة عن عين الطفل، وتوضيحُ معالم الحق الغائب عن ذهنه، وهذا ما فعله النبي عليه السلام مع معاوية بن الحكم
فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن معاوية بن الحكم السلمي قال بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عَطَسَ رجلٌ من القوم فقلت: يرحَمُكَ اللهُ فرماني القومُ بأبصارهم فقلت واثكل أمياه ما شَأنكم تَنْظرون إليَّ فجعلوا يَضْربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يُصَمِّتُونَنِي سكتُّ فلما صَلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيتُ معلماً قَبله ولا بَعده أحسنُ تعليماً منه فو الله ما نَهَرَني ولا ضَرَبَني ولا شَتَمَني لكنَّه قال: "إنَّ هذِه الصلاة لا يَصْلحُ فيها شيءٌ منْ كلامِ النَّاس إنَّما هو التسْبيحُ والتكبيرُ وقراءةُ القرآنِ".
فمعاوية لم يكن يعلم أن الصلاة لا يصح فيها الكلام، والنبي عليه السلام لم يقف عند حدود الخطأ الذي فعله معاوية رضي الله عنه لكن التصرف النبوي السليم هو تسليط الضوء على الصواب، وبيانٌ لما يجب أن يفعله في المرات القادمة دون نهر أو لوم أو شتم.
وفي البيت إذا وقع الخطأ من قبل أحد الأطراف فإن من الحلول المتنوعة تسليط الضوء على الصواب وإرشاد المخطئ إليه فلربما كان غائبا عن ذهنه ولم يقصد فعله أو التلبس به.

2ـ عدمُ تهويل الخطأ بحيث يُصبح أكبَرَ من حجمه:
كثير من الأخطاء التي تحصل في البيت تقابل بحجم أكبر من حجم الخطأ الذي حصل، وذلك نتيجة تهويل الأبوين لهذا الخطأ دون حاجة إلى ذلك، فتكون ردةُ فعل الأَبوين شديدةً وقويةً بل عنيفة، وهذا ما يشكل إشكاليةً ذهنية في عقول الأولاد، وربما بعض الاضطرابات النفسية. وفي قصة جريج، الذي أخطأ في إجابته لوالدته فواجهت والدته الخطأ الذي ارتكبه بخطأ آخر تمثل بالدعاء عليه، مثال واضح لتهويل الخطأ بحيث يُصبح أكبر من حجمه. فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لمْْ يَتكلمْ في المهْدِ إلاّ ثلاثةٌ عِيْسى، وكانَ في بَني إسرائيل رجلٌ يُقالُ له جُرَيْج كانَ يُصلِّي جاءتْه أمُّه فدعَتْه فقالَ أُجِيبُها أو أُصلي فقالتْ اللَّهمَّ لا تُمِتْهُ حتى تُرِيَهُ وُجَوهَ المُومِسات وكانَ جُريجٌ في صَوْمَعته فتعرَّضَتْ لهُ امرأةٌ وكلَّمتْه فأبَى فأتتْ راعياً فأمْكنتْه منْ نفْسها فوَلَدتْ غلاماً فقالتْ منْ جُريج فَأَتَوْه فكَسرُوا صَوْمعتَه وأَنْزلُوه وَسَبُّوه فَتَوضأ وَصَلَّى ثُمَّ أتَى الغلامَ فقال منْ أبُوكَ يا غلامُ قال الراعِي قالُوا نَبني صَومَعتَك منْ ذَهبٍ قالَ لاْ إلاَّ منْ طِيْن....".
فهذه الحادثة جعلت الأم تُضَخم عصيان ولدها، حتى ألجأت نفسها إلى الدعاء عليه، ويا لحظها التعس كانت ساعة الإجابة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث: "لاْ تَدْعوا على أَنْفُسكم ولاْ تَدْعُوا على أَوْلادِكم ولاْ تَدْعوا على خَدَمِكم ولاْ تَدْعوا على أَمْوالِكم لا تُوافِقُوا منَ اللهِ تباركَ وتعالى ساعةً نِيْلَ فيها عطاءٌ فَيَسْتَجيبُ لكمْ"( ). والأمثلة في مجتمعاتنا كثيرة على تضخيم الخطأ إلى درجة كبيرة أكبر من حجمه، فمن ضرب الرجل لولده ضرباً مبرحاً لأنه ناداه فلم يجبه، إلى مقاطعة الأم لابنتها لأنها لم تسمع نصيحتها في بعض الأمور المتعلقة بالنساء..
إن هذا التصرف وغيره من التصرفات المتشابهة، يجعل معالجة الخطأ وعراً، وطريقة تلافيه أشد وأصعب.
إن الحل الأمثل في مثل هذه الحالات هو إعطاء الخطأ حجمه الحقيقي لا أكثر ولا أقل بحيث لا نزيده فوق حجمه ولا ننقصه عن حجمه كما يفعل بعض الآباء عندما يرون الفتاة قد خرجت بلباس غير شرعي وهي في عمر الورود فيصغرون حجم هذا الخطأ ولا يعطونه حجمه المناسب.

3ـ تجاهل بعض الأخطاء:
التغاضي عن بعض الأخطاء أحدُ الفنون المهمة في معالجة الأخطاء ليس فقط في المنْزل بل حتى مع الأقارب والأصدقاء، والتجاهل في حقيقته هو: غضُّ الطَّرف عن نقيصةٍ بُغية عدم إحراج فاعلها، وبغيةَ توجيه رسالةٍ له مفادُها أنَّ هذا الخطأ غير مرغوب فيه، وهي نوعٌ من السمو الأخلاقي الذي يعيشه الأبوان أمام أولادهما، بغيةَ عدم إحراجهم على خطأ ارتكبوه، وبغية إعطائهم فرصة لمعالجة هذا الخطأ، وهذا ما فعله عليه السلام مع ذلك الأعرابي الذي بال في المسجد فقد روى البخاري عن أبي هريرة أن أعرابيا بال في المسجد فثار إليه الناس ليقعوا به فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دَعُوه وأَهْرِيقوا على بَوْلِه ذَنُوبَاً منْ ماء أو سجَلا من ماء فإنَّما بُعثتم مُيَّسرين ولمْ تُبْعثوا مُعَسِّرين" وفي رواية فتناوله الناس قال في الفتح أي بألسنتهم لا بأيديهم. وقد ذكر الله أدب الإعراض والتجاهل في سورة التحريم بقوله: فَعَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عنْ بَعْض.
4ـ التعريض بالخطأ: والتعريض هو ذكر خطأ مشابه، أو أشخاص مشابهين، لما ارتكبه الأولاد وهو في الحقيقة من أهم ما كان النبي عليه السلام يربي أصحابه فقد كان يعرض دائماً لبعض الأخطاء فيقول: ما بال أقوام ما بال أقوام.
فقد روى البخاري عن عائشة أنها قالت صنع النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً فرخص فيه فتنَزَّه عنه قوم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فخطب فحمد الله ثم قال "ما بالُ أقوامٍ يتنَزَّهون عن الشيء أصْنَعُه فوالله إنِّي لأعلَمُهم بالله وأَشَدَّهم لَه خَشْية".
وروى الإمام أحمد في مسنده عن قتادة أن أنساً حدَّثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما بالُ أقوامٍ يَرفَعُون أبصَارَهم في صلاتِهم. قال فاشتد في ذلك حتى قال: "لَيَنْتهُنَّ عنْ ذَلِك أو لَتُخْطَفَنَّ أبْصَارهم".
وهذه الأحاديث وغيرها بما فيها من فوائد وسنن هي بمجملها تعريض بالخطأ وبالمخطئين دون التوجيه المباشر الذي قد يؤذي الشعور الإنساني الذي كان يراعيه النبي عليه السلام دوماً، وما أحوجنا إلى مثل هذا الأسلوب في التعامل مع أولادنا وفي بيوتنا.
إن عدم اعتماد الطرق الشرعية في معالجة الأخطاء يولد لنا عدداً كبيراً من المشكلات منها:
1ـ تفاقم الخطأ وتراكبه وتحوله إلى قوة هدامة.
2ـ التستر أمام الوالدين بزوال الخطأ، وبقاؤه في الواقع والحقيقية.
3ـ لجوء الأولاد إلى الوقاحة لأنهم عرفوا أنهم قد كشفوا أمام والدهم أو أمهم فيستهترون بأفعالهم.

العلاقات الخارجية في الأسرة
حرص واعتدال
تعارف وبرّ

على الرغم من أن الأسرة كيان مستقل له صفاته الخاصة وحوائجه الخاصة وميزاته الخاصة، إلا أنه كيان ضمن مجموعة كبيرة من الأمواج المتلاصقة من الأسر والأفراد، وهذه الأسرة أو تلك ليست وحيدة في الساحة بل تتأثر بما يحصل في خارج محيطها ومؤثر فيه، وتتفاعل معه.
ولم يكن الإسلام ليترك هذه العلاقات الخارجية على أهميتها دون ضبط ودون توجيه، ولاسيما أنَّ الأسرة أولُ المعاقل الإسلامية التي يجب أن تحصن تحصيناً جيداً حتى لا يتخلخل جسد الأمة.
والعلاقات الأسرية الخارجية علاقات متشابكة ومتداخلة ومتنوعة، تنطلق من علاقة الزوجين بعائلة كل واحد منهما إلى علاقة الأولاد مع الخالة والعمة والخال والعم وأولادهم.
والعلاقات الخارجية هذه لا بد أن تتصف بالصفات التالية:
1ـ الحرص: فحرص المسلم على بيته من الأولويات في حياته، وهو حرص يشمل الحمايةَ والرعايةَ والخوفَ من التسرباتِ المختلفة نتيجة هذه العلاقات، لذلك لا بد أن يكون المسلم حريصاً على بيته أشد الحرص. ولقد أمرنا رسول الله عليه السلام بالحرص فقال: "احْرِصْ على مَا يَنْفَعُك واسْتَعِن بالله ولا تَعْجز وإنْ أَصَابَك شيءٌ فَلا تَقُل لوْ أنِّي فَعَلْتُ كان كذا وكذا ولكنْ قُلْ قَدَّرَ اللهُ وما شَاءَ فَعَلْ فإنّض لوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيطان " مسلم. ولا شيء ينفع المسلم اليوم كحرصه على بيته، فعندما يرى مثلا أن بعض الزيارات لبعض الأشخاص تؤثر على بيته سلبا فلا بد أن يحد من هذه العلاقة.
2ـ الاعتدال: فلا إفراط ولا تفريط وأي علاقة زادت عن حجمها الطبيعي فقد تؤدي إلى خطورة متوقعة، وأي علاقة وقع التقصير فيها فهي جفوة وقطيعة لا يرضاها الإسلام.
وهذه العلاقات أيضا لا بد أن تحقق الأهداف التالية:
1ـ التعارف: فالزواج ليس علاقة بين فردين فقط بل هو علاقة بين أسرتين وعائلتين، وبهذا الزواج يزيد الإنسان من قاعدته المعرفية بالناس التي هي أحد الأهداف التي رصدها الإسلام فقال تعالى: يا أيُّها الناسُ إنَّا خلَقْنَاكُم منْ ذَكَر وأنْثَى وجَعَلْناكُم شُعوباً وقبائلَ لِتَعارفُوا إنَّ أَكْرَمَكُم عندَ اللهِ أتْقَاكم إنَّ اللهَ عليمٌ خبيرٌ( ).
وهوَ الَّذي خلَقَ منَ الماءِ بَشراً فَجَعَله نَسَباً وَصِهْراً وكانَ ربُكَ قَديرًا( ).
قال القرطبي: "النسب والصهر معنيان يعمان كل قربى تكون بين آدميين"
والزواج أحد أسباب الرزق لأنه يحقق علاقات جديدة وكما يقول د. البكار " العلاقات الجيدة مصدر رزق جيد"( ).
2ـ البر والإحسان والتواصل: وهي من أهم أهداف هذه العلاقات المتنوعة لأن هذه القرابة لها حقوق كثيرة وآتِ ذا القُربَى حقَّهُ والِمسكينَ وابْنَ السبِيلِ ولاْ تُبَذِّر تَبْذِيرًا( ).
واعبُدوا اللهَ ولاْ تُشْرِكوا به شَيئاً وَبِالوَالديْن إحْساناً وَبِذِي القُرْبى واليَتَامَى والمَسَاكين والجَارِ ذِي القُرْبَى وَالجَارِ الجُنُبِ والصَّاحبِ بالجَنْبِ وابْنِ السَبيْل ومَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكم إنَّ اللهَ لاْ يُحبُ منْ كَانَ مُختالاً فخوراً( ).
وهذه العلاقات المتشابكة علاقات بالغة التعقيد، ترك الإسلام للمسلم فيها حرية التصرف والإدارة بما يحقق الأهداف الأساسية لهذه العلاقات ولكنه رسم لذلك الخطوط العريضة ومنها:
أولا علاقة الزوج مع أسرة الزوجة:
الضوابط لهذه العلاقة هي الضوابط العامة للإسلام مع تركيز على عدد من النقاط المهمة:
1ـ الاحترام المتبادل: وهو أن يحترم الزوج أهل الزوجة ويكرمهم، ويخاطبهم بأحب الأسماء إليهم، ويقدمهم في مجالسه.
2ـ عدم التكلم بالكلام البذيء أمام أهل الزوجة: ولاسيما بما يمس أمور الجماع وغيرها، وهذا الأمر يضعهم في دائرة الحرج والخجل، والمسلم بطبيعته ينبغي ألا يحرج أحدا فكيف إذا كان أهل زوجته، ولقد فَطِن لذلك علي رضي الله عنه فأبى أن يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في حكم فقهي هو بحاجةٍ إليه لأنه كان زوجاً لابنته فأرسل رسولاً هو المقداد بن الأسود فقد روى الإمام مسلم عن علي قال: كنتُ رجلاً مذاءً وكنتُ أستَحْيي أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم لمكانِ ابنتِه فأمرتُ المِقْداد بنَ الأسودِ فسأله فقال يغسلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوضأ.
3ـ عدم إفشاء سر الزوجة أمام أهلها: وهذا من الأمور الخطيرة التي قد يرتكبها بعض الرجال في حق نسائهم، سواء كان الأمر أمام أهلها أو غيرهم، ولقد اعتبر الإسلام أن ذلك الرجل من أشر الرجال روى الإمام مسلم عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ مِنْ أشرِّ الناسِ عندَ اللهِ منْزلةً يومَ القيامةِ الرجلُ يُفْضِي إلى امرأتِه وتُفْضِي إليْهِ ثمَّ يَنْشُرُ سِرَّها" حيث أفرد الإمام مسلم في صحيحه بابا سماه باب تحريم إفشاء سر المرأة.
4ـ السماح للزوجة بزيارة أهلها والسماح لهم بزيارتها: وهذا من أنواع البر والترفيه للمرأة، فمساعدتها على بر ذويها والسماح لهم برؤيتها، وفتح قلبه لهم قبل بيته، وتفهمه لطبيعة العلاقة بينها وبين ذويها يشعر المرأة بقرب الزوج منها، وتشعر بأمن وهي في مملكتها التي تعيش فيها، فهي بذلك لم تخسر أهلها، وربحت زوجها فمن أحسن منها حالاً؟
إن من الأخطاء الشائعة والقاتلة أن الزوج يريد أن يقطع وريد زوجته عن أهلها، ويغير الدم الذي يجري في عروقها، فيمنع ويهدد ويحذر من زيارة أو حتى اتصال فتعيش الزوجة في قلق دائم، ويسري هذا القلق إلى المفاصل المختلفة من الأسرة فيعمل فيها حتى يشلها.
إن ضبط العلاقة مع أسرة الزوجة بهذه الضوابط وبغيرها من الضوابط العامة للإسلام تجعل من البيت المسلم في مأمن من كثير من المآزق المحتملة التي تكون غالبا بسبب إهمال في مثل هذه النقاط وتجاهلها، ومن ثم فإن توتراً دائماً في هذه العلاقة وشعوراً بالقلق يسريان في أوصال الأسرة.
ثانياً: علاقة الزوجة مع أسرة الزوج:
وهي علاقة دقيقة بعض الشيء، إذ إنَّ الزوجةَ تنتقل من بيت أهلها إلى بيت الزوجية حيث تصبح علاقتها مع بيت أهل زوجها علاقةً مباشرة، واحتكاكُها معهم شبه يومي، لذلك لا بد أن تكون الزوجة حكيمة في علاقتها معهم، دقيقة الملاحظة لتصرفاتها، سريعة البديهة لتجاوز الأخطاء إن وقعت.
وهذه العلاقة أيضا علاقة ترك الإسلام فيها حرية التصرف للطرفين بما يحقق أهدافه السامية ويزيد ترابط العلاقة بين جميع الأطراف ومن هذه الضوابط:
1ـ احترام أهل الزوج: فوالد الزوجة كالوالد تماما وحرمته حرمة مؤبدة، وأم الزوج كذلك فهي أم أهدت للزوجة فلذة كبدها، وهذه الهدية هي أغلى هدية للزوجة، فلا بد من احترام مهديها وتقديره ومراعاة شعوره وتقديمه في المناسبات والمحافل واستخدام اللباقة وحسن الكلام معه.
2ـ تشجيع الزوج على بر والديه وأشقائه: فليست أم الزوج منافسة للزوجة في زوجها، ولكنها أمٌّ تخلّت عن ولدها الذي كان بين يديها ليكون بين يد امرأة أخرى، فهي تشْعر بفقدٍ وفراغٍ كبيرين في حياتها ولاسيما إذا كانت الأم نرجسية بعض الشيء في حبها لولدها، وهنا تأتي حكمة الزوجة في إزالة هذه الفكرة من ذهن الأم بتشجيع زوجها على بر والدته وأشقائه وإظهار رغبتها بذلك أمامهم بحب ولطف، وأنْ تَذْكُرَهم بخير أمام الناس وتذكر حب زوجها لأهله، فهذه السيدة عائشة مع السيدة فاطمة وهي (ابنة زوجها) تذكرها بخير فقد روى الترمذي عن جميع بن عمير التيمي قال: دخلت مع عمتي على عائشة فسئلت أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت فاطمة( ).
فعندما تسمع فاطمة بهذا الكلام الذي ذكرته زوجة أبيها (عائشة) لن يكون منها إلا المبادلة بالمثل من ذكر بالمعروف والخير.
2ـ زيارتهم والتودد لهم: الزيارة بلسم من بلاسم الشفاء للأمراض الاجتماعية المختلفة فهي يد من الرحمن لمسح الآلام المختلفة لما فيها من رأب للصدع وتقريب للقلوب وإزالة للجفوة، وتخفيف للآلام وتعبيد للطرق الوعرة.
ولقد حث الإسلام على الزيارات بين الناس ولاسيما إذا كان الرابط لهذه الزيارة مرضاة الله وتحقيق أهداف الإسلام. فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: "إنِّي سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولك قال الله عز وجل: "وجَبَتْ مَحَبَتِي للمُتَحَابِّين فيَّ والمتجالِسِينَ فيَّ والمُتَزَاورينَ فيَّ والمُتَبَاذِلينَ فيَّ" أحمد ومالك.
وإعراض بعض الناس عن الزيارات ولاسيما زيارة الكنة لأهل زوجها يسمح لكثير من المتطفلين الدخول والعبث بأمن الأسرة فينقلون الكلام ويحللون ويؤولون وهم في مأمن من أن هؤلاء لا زيارات بينهم.
4ـ الحياد الإيجابي بين الأطراف: العلاقات الخارجية في الأسرة كأي علاقة يصيبُها أعراض وأمراض مختلفة، والمسلم تجاه هذه الأعراض ليس سلبياً إلى درجة مقيتة، بل هو يتعامل مع الأطراف المختلفة تعاملا حياديا ولكنه حياد إيجابي، بحيث لا ينقل إلا خيراً ولا يقول إلا خيراً، ويبتعد عن الحدِّيات الجازمة وعن التحزُّب ضد أحد في محيط الأسرة، ويأخذ دورَ المصلح الذي تهفو إليه القلوب وتطمئن له النفوس وتودع عنده الأسرار.
فإذا وقعت قطيعة بين بعض الأطراف في الأسرة فواجب الزوجة مثلا أن تكون حياديَّة ما استطاعت، ولا تتحزبُ لأحد، وتحاول الإصلاح مضِّيقة شُقة الخلاف ومطبِّقة قولَ النبي عليه السلام: "ليس الكذَّابُ الَّذي يُصْلِح بينَ الناسِ فَيُنْمِي خَيراً أوْ يَقُولُ خيراً" متفق عليه.
ثالثاً: قواعد مشتركة للعلاقات الخارجية في الأسرة:
1ـ "منْ حُسنِ إِسلامِ المَرءِ تَرْكهُ مَالا يَعْنيه"( ). قاعدة مهمة جدا لكل العلاقات ولاسيما العلاقات في محيط الأسرة.
2ـ "منْ كانَ يُؤمِنُ باللهِ واليَومِ الآخرِ فليُكرمْ ضيْفَه"( ).
إكرام الضيوف يدخل السرور إلى قلوبهم ويجعلهم أكثر قربا، وأكثر حبا.
3ـ "تبَسُمُكَ في وجهِ أخِيكَ صدقَة" و "الكلمةُ الطيِّبةُ صدقةٌ"( ).
4ـ تحديد أولويات الحياة الزوجية: فأهم الأولويات هو حماية الأسرة من أنواع التسربات المختلفة، ثم تحقيق الطمأنينة فيها، وهذه الأولويات يجب الاتفاق عليها بين الزوجين.
5ـ الاتفاق على بعض الأمور التي لها حساسية من قبل بعض الأطراف.
6ـ شجار الأطفال يجب ألا يتعدى ليصل إلى شجار الكبار.

رابعاً: علاقة الأولاد مع الأقارب من الجهتين:
علاقة الأولاد مع الأقارب تسبب كثيرا من الحرج والمشكلات والتصادمات، وما كان الإسلام ليترك هذه العلاقة هكذا دون توجيه ودون إرشاد فوضع لذلك مجموعة من المعالم العامة والمهمة منها:
1ـ جواز النوم عند الأقارب:
ولاسيما إذا لم يكن هناك مخالفات شرعية، وكان الأقارب من الطبقة الملتزمة حيث يتعرف الطفل على علاقات خارجية ملتزمة وقريبة، فيؤثر ذلك فيه أبلغ التأثير، وهذا ابن عباس ينام عند رسول الله عليه السلام ويتعلم منه كيف يقوم الليل.
عن ابن عباس قال: بِتُّ في بيتِ خالتي مَيْمونةَ بنتِ الحارث زوجِ النَّبي صلَّى اللهُ عليه وسلم وكان النَّبيُ صلى اللهُ عليه وسلم عنْدَها في لَيْلَتِها فصلَّى النَّبيُ صلى الله عليه وسلم العشاءَ ثمَّ جاءَ إلى مَنْزِلِه فصلَّى أرْبعَ رَكَعاتٍ ثمَّ نَامَ ثمَّ قامَ ثمَّ قالَ نامَ الغُلَيم أو كلمةً تُشْبهها ثمَّ قامَ فَقُمْتُ عنْ يَسَارِه فَجَعَلني عنْ يَمِينِه فصلَّى خَمسَ ركَعاتٍ ثمَّ صلَّى ركْعتَين ثمَّ نامَ حتى سَمِعْتُ غَطِيْطَه أو خَطِيْطَه ثمِّ خَرجَ إلى الصَّلاة ( ).
وبعض الناس يمانعون ممانعة شديدة في نوم الأطفال عند بعض الأقارب دون عذر شرعي مقبول، وهذا مما يمنع الطفل من مشاهدة العالم الخارجي عن أسرته الذي ينظر إليه دائما باستغراب ودهشة ويرغب بشدة أن يطلع عليه ويلجَ عالمه، ومنعُه من هذه الرغبة الشديدة يمنَعُه من رؤية هذا العالم وقد يؤثر على رؤيته المستقبلية للأمور
2ـ بر الأقارب:
وهذا من الأمور التي قد يغفل عنها الكثير من الناس فيقصرون بحق أقاربهم فلا يتفقدونهم ولا يحسنون إليهم، وبعض الآباء لا يربون أولادهم على ذلك.
فأفضل الصدقات ما كانت للأقارب: فعن كُريب مولى ابن عباس أن ميْمونة بنت الحارث رضي الله عنها أخبرته أنها أعتقت وليدةً ولم تستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان يومَها الذي يدورً عليها فيه قالتْ أشَعَرتَ يا رسولَ الله أنِّي أعتقتُ وليدَتي قال: "أو فعلتِ" قالتْ: نعم قال: "أمَّا إنَّكَ لوْ أَعْطَيْتِها أخْوالَكِ كان أعظمُ لأجرِكِ" ( ).
وأفضل البرِّ برُّ الأقارب: فقد روى البخاري أن النبي عليه السلام قال: "الخالةُ بمنْزلةِ الأمِّ".
وبر الأقارب يكفر الذنوب: فعن ابن عمر قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فقال يا رسول الله أذنبت ذنباً كبيراً فهل لي توبة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألَكَ وَالِدَان" قال: لا قال: "فَلَكَ خَالَة" قال: نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فَبِرَّها إذاً " ( ).
فالخال والخالة والعم والعمة والجد والجدة من الأقارب والأرحام الذين وصى بهم الإسلام وتربية الأولاد على برهم من أهم واجبات الوالدين تجاههم.
4ـ الفخر بالأقارب المتميزين: وسيلة تربوية مهمة وهي أن يفخر الإنسان بأقاربه المتميزين والمتفوقين وهذا يؤدي وظائف عديدة منها:
ـ زيادة الترابط الأسري والمحبة بين أفراد الأسرة.
ـ السعي إلى التأسي بهذا القريب المتميز.
وقد كان النبي عليه السلام يفخَرُ بخاله سعد بن أبي وقاص فقد روى الترمذي عن جابر بن عبد الله قال أقبل يَعدو؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هَذا خَالي فلْيُرِنِي امْرُؤٌ خالَه"( )، وكان سعد بن أبي وقاص من بني زهرة وكانت أم النبي صلى الله عليه وسلم من بني زهرة فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا خالي.
وهذه الوسيلة العظيمة والمهمة والمهملة -في بعض الأوساط- لها دورها الفعال في تنشئة الأطفال على التأسي بالأقارب المتميزين، ولها دورها في توطيد أواصر المحبة بين مختلف أطراف الأسرة.
5ـ عدم تسمية طفلة أنها زوجة طفل آخر في المستقبل: وهذا قد يحصل في كثير من الأسر والقبائل، فيقولون هذه الطفلة سنزوجها لهذا الصبي أو ذاك في المستقبل، وهم بذلك يضعون أول مسمار نعش في العلاقات الخارجية للأسرة، لأن هذا الأمر يولد كثيراً من المشكلات بين مختلف الأطراف لاسيما إذا نضج الأولاد ولم يكن هناك رغبة من أحد الأطراف في الآخر، عند ذلك تقع المشكلات وتتفاقم الخلافات وربما أدى ذلك إلى قطيعة مدى العمر.
فالحل الأمثل لمثل هذه القضية هو عدم ربط أي طفلة بأي طفل ولو على سبيل المزاح، وإنما تترك الأمور لوقتها ولأصحابها، فالله أعطى الفتاة حق اختيارها لزوجها كما أعطى الشاب حق اختياره لزوجته، وتسمية الأطفال لبعضهم سلب لهذا الحق الذي أعطاهم الله إياه، وتعد سافر على حرياتهم، وفضول بغيض يكرهه الإسلام.
إن العلاقات الخارجية في الأسرة على مستوياتها المختلفة علاقات مهمة في حياة كل أسرة، وهي وإن كانت متداخلة ومتشابكة فإن الإسلام طلب منا أن نتلمس طريق الصواب فيها حتى لا نزل ولا نضيع فتزل وتضيع بذلك أسرنا التي ملكنا الله إياها.

حلُّ الشيفرة الأسرية طريق السعادة

التآلفُ والتفاهم أساس الحياة الأسرية السعيدة , وأيُّ بيتٍ غاب عنه هذان المفهومان فقد اتبعَ السبل التي تتفرق عن سبيل الله, وأصبح بيته كبيتِ العنكبوتِ تُحرِكه النَّسمة, وتُتْلفُه القطرةُ, وتَخْترقه الحشرةُ.
ومن لا يستطيع أن يضع نقاطا ومعالمَ للتفاهم والتآلف بينه وبين زوجه , وبينه وبين أولاده , سيبقى في شقاء وتعب , وجهد ونصب , يلهث وراء السعادة ولا يصل إليها , ويحلم بالهناء في بيته ولا يجده على أرض الواقع.
ولعل الأصل الشرعي للتفاهم والتراحم في الحياة الأسرية يكمن في كثير من الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية.
فمن الآيات قوله تعالى: ومنْ آياتِهِ أنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُم أزواجاً لِتَسْكُنوا إليها وجعَلَ بَيْنَكُمْ مَودةً وَرَحمةً إنَّ فيْ ذَلِكَ لآياتٍ لقومٍ يَتَفَكَرون ( ). فمقام المودة والرحمة هو المقام الأساس في الحياة الزوجية ولا يمكن الوصول إليه إلا بالتفاهم والتآلف , بتآلف الزوج مع قلب زوجته وتآلف الزوجة مع قلب زوجها وبتفهم الزوج لهموم زوجته ومشكلاتها وتفهم الزوجة مشكلات الزوج وهمومه.
ومن الأحاديث التي تحض على التفاهم والتآلف ما رواه المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " انْظُرْ إليهَا فإنَّه أَحْرى أنْ يُؤْدَِ بَيْنَكما " ومعنى قوله أحرى أن يؤدم بينكما أي أحرى أن تدوم المودة بينكما.
ولكل شخصٍ طباعه الخاصة التي أمتعه الله بها فهو يعيش في هذه الطباع ويركن إليها, وتظهر هذه الطباع أكثر ما تظهر في حالات السرور الشديد والحزن الشديد.
ولما كان الله سبحانه وتعالى قد جعل عقد الزواج على نية الديمومة بين الزوجين كان لا بد لكلا الزوجين أن يسيرا باتجاه بعضهما اتجاها إيجابيا يحققان من خلاله التآلف المنشود والتفاهم المقصود ويحطمان كل ما يقف في طريق سعادتهما.
وكان من أحد سبل هذا السير الإيجابي هو معرفة طباع الرجل لزوجته ومعرفة طباع المرأة لزوجها وهو الذي أسميناه ( الشيفرة الأسرية ).
فإذا كانت المرأة قد عقدتْ العزمَ على أن تسير باتجاه زوجها هذا السير الإيجابي وقررت أن تحطِّم كل ما يقف في طريق سعادتها كان لا بد لها أن تعرف زوجها حق المعرفة , وأن تسعى لتتعرف عليه وعلى طباعه بشكل أكبر وبطرق مختلفة حتى تصل إلى حل الشيفرة الخاصة به ومن ثم تصل بزوجها وبيتها إلى برِ الأمان وشاطئ المودة والتراحم التي ذكره الله، وما يقال للزوجة يقال للزوج.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرف زوجاته حق المعرفة حيث روى الإمام مسلم والإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنِّي لَأَعْلَمُ إذَا كنْتِ عنِّي رَاضِيةً وإذا كُنتِ عليَّ غَضْبَى" قالت: فقلت من أين تعرف ذلك فقال: "أمَّا إذا كُنتِ عنِّي رَاضيةً فإنَّك تَقُولِينَ لاْ وَرَبِّ محمَّد وإذا كنْتِ عليَّ غَضْبَى قُلْت لاْ وَرَبِّ إبْرَاهيم" قالت: قلت أجل والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك.
وقد قال في فتح الباري كلاما لطيفا هذا نصه: " قوله ( إني لأعلم إذا كنت عني راضية... إلخ ) يؤخذ منه استقراءُ الرجل حال المرأة من فعلها وقولها فيما يتعلق بالميل إليه وعدمه , والحكم بما تقتضيه القرائن في ذلك , لأنه صلى الله عليه وسلم جزم برضا عائشة وغضبها بمجرد ذكرها لاسمه وسكوتها , فبنى على تغيُّر الحالتين من الذكر والسكوت تغيُّر الحالتين من الرضا والغضب ".
فها هو النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا في هذا الحديث المبارك الاهتمام بطبيعة المرأة ومعرفة أحوالها والتصرف معها في كل حالة بما تقتضيها وهذا أدعى إلى عدم الخلط ومعرفة الأحوال ومن ثم يصل باستقراء أحوال زوجته إلى الحكم الصحيح عليها فيعاملها بما تقتضيه القرائن.
وهذه الشيفرة الزوجية مهمة جدا في حسن سير الحياة بين الزوجين , فإذا وصل الإنسان إلى حل هذه الشيفرة الخاصة بزوجته استطاع أن يقود سفينة بيته إلى شاطئ المودة والرحمة.
ومن لا يعرف ذلك سيصل بسفينته هذه إلى صخور التنافر لتحطمها وتكسرها وهو ما عبرَ عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكسر عندما قال: " وَكَسْرُها طَلَاقُها "( ).
وكذلك المرأة لا بد أن تتعرف على طباع زوجها و شيفرته الخاصة لتهيئ الجو المناسب والرياح الهادئة لسير هذه السفينة.

خطوات أولية عملية ضرورية على طريق حل الشيفرة الأسرية:
1 - النية الصادقة في معرفة الحقوق والواجبات:
عن عائشة رضي الله عنها قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "الأرواحُ جنُودٌ مُجَندةٌ فَما تعَارفَ منها ائْتلَف وما تَنَاكرَ منْها اخْتَلَف"( ).
قال في الفتح في شرح هذا الحديث: " يقول ابن الجوزي يستفاد من هذا الحديث أن الإنسان إذا وجد من نفسه نفرة ممن له الفضيلة والصلاح فينبغي أن يبحث عن المُقتضى لذلك ليسعى في إزالته حتى يتخلص من الوصف المذموم ".
ويبنى على كلام ابن الجوزي رحمه الله أن الزوج إذا كان يعرف أن زوجه من المشهود لها بالصلاح وهو لا يستطيع أن يتفاهم معها لا بد أن يعيد حساباته مع نفسه فلعله يحمل صفة مذمومة هي التي تحول بينه وبين التفاهم مع زوجه , وكذلك يقال للزوجة , فلا بد إذن من وجود نية صادقة لحل هذه الشيفرة فيسعى الإنسان إلى فك رموزها ولو كان بالتخلص من بعض الصفات التي يتصف بها.
2 - معرفة نمط تفكير الزوج ونمط تفكير الزوجة:
خلق الله البشر متفاوتين بطباعهم وتصرفاتهم وطرائق تفكيرهم, وهذا الاختلاف قائمٌ إلى يوم الدين بين جميع البشر, والمسلم مطالب أَلاَّ يصل هذا الاختلاف إلى النفور والهجر والبغضاء, بل مطلوب منه أن يقارب الأفكار المختلفة ويتعامل معها بحكمة وروية , فإذا كانت هذه هي الصفة العامة والراسخة في الإسلام بين جميع المسلمين فهي بين الزوجين يجب أن تكون أكثر ترسيخاً وأكثر وضوحاً إذ ينبغي أَلاَّ يكون هذا الاختلاف سبباً في التنافر بين الزوجين بل يجب أن يحصل نوع من التقارب وذلك من خلال معرفة طريق تفكير الزوجين أحدهما للآخر يقول د. التكريتي:
(لكل شخصٍ نمطٌ يغلبُ عليه فهو إمَّا أنْ يكونَ صورياً أو سمعياً أو حسياً هل رأيتَ مشهداً لزوجٍ وزوجته يتجادلان دونَ أن يكون بينهما تفاهم فهو يقولُ مثلاً جلبتُ لكِ بدلةً جميلةً وسواراً ثميناً وهي تقولُ له لم أسمعْ منك كلمةً تعبر عن مشاعركَ تجَاهي.. إنَّ نمطَ تفكيرِ الرجلِ هو صوريٌ ونمطُ تفكيرِ المرأةِ هو سمعيٌ فهي تريد أن تسمعَ منه كلاماً جميلاً لا أن تنْظرَ إلى الفساتين وكان يمكن لهذا الرجل أنْ يرضيَ زوجتَه بكلماتٍ قليْلة ) ( ).
3- الاهتمام بالحالة النفسية لكلا الجانبين:
ولقد وضح ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان يعرف تماما حال زوجته( ).
حالة الغضب وحالة الرضا فهو يعرف حالة الغضب في زوجته ويعلم حالة الرضا وهذا مهم جدا في الحياة الزوجية حتى يضع الأمور في نصابها.
4 - الاهتمام بالحالة الجنسية لكلا الجانبين: وهذا أمر مهم يعرفه كل زوج في زوجه.
حيث يعتبر الزواج سببا في استقرار الحالة الجنسية عند الطرفين, فعندما يفقد أحد الطرفين الاهتمام به أمام الطرف الآخر يحصل الاضطرابُ الذي يسبب كثيرا من المشكلات التي تكون سبباً في اختلال التوازن في الأسرة , والإسلام ذهب إلى أبعد من هذا فقد طلب من الرجل ألا ينزع عن زوجته في حال الجماع حتى تنتهيَ حرصا منه على استقرار حالتها الجنسية ونيل حظها من زوجها.
إن الخطوات المتعددة في حل الشيفرة الأسرية لا تقتصر على هذه النقاط الأربعة , بل إن هناك أمورا دقيقة لا يعرفها إلا الأزواج أحدهما مع الآخر، حتى يصل الزوجان إلى سعادتهما الحقيقة وإلى مقام ( المودة والرحمة ) لا بد أن يتجنب كل واحد ما يزعج الآخر ويفعل ما يحبه وعند ذلك سيتحققان بهذا.

أي بنيتي...

في لحظات الفراق والبُعد المؤقت يتذكر الإنسان لحظات البعد الذي لا عودة فيه, ويتذكر الرحلة الأخيرة والسفرَ الأخير وهنا تراوده أسئلة كثيرة ماذا لو فارقت الدنيا الآن ؟؟
ماذا تركت لأولادي من بعدي ؟؟
سألت نفسي هذا السؤال وجاشت عيناي بالدموع وتذكرت صغيرتيَّ (هـداية) التي لم تبلغ الثالثةَ من عمرها و (تسـنـيم) التي لم تبلغ عامها الأول فعزمت على كتابة وصية لهما يتخذانها دليلاً ومنهجاً فكتبتُ لهما قائلا:
في أي لحظة من اللحظات قد أودع الدنيا وأترك هذا العالم إلى عالمٍ أشدُّ أمْناً لأنَّه معَ الله وحده , ومتى كان الإنسان مع الله وحده كان في مأمنٍ من كل شيء فهو الملجأ وإليه المصير
أي بنيتي:
فكرت لو تركتكِ على حين غفلةٍ وأختَك التي لم تتجاوز عامها الأول ماذا سيكون منهجكما وكيف ستسيران في هذه الحياة فأحببت أن أكتب لكما هذه الكلمات لتكون لكما ولكل فتيات المسلمين منهجاً ودليلاً.

أي بنيتي:
كلمة واحدةٌ في القرآن لو عَرفها الإنسان لعرف كل شيء , ولو فهمها الإنسان لفهم كل شيء , ولو تمسك بها الإنسان ما فاته شيء,وإن أضاعها ضَاع منه كل شيء ألا وهي الله
ومن غفلة ابن آدم أنه يدور حول كل شيء وحول كل معنىً وينسى أن يدور حول هذه الكلمة كمن يطوف حول نفسه فيعجب بها وينسى أنها خلق الله في الأرض فيطوف جسدُه ولا تسمو روحُه.
أي بنيتي:
القرآن مائدةُ الله.. ومن ذا الذي يجوع إذا جلس إلى مائدة الله!!
والقرآن حبلُ الله... ومن ذا الذي ينقطع إذا تمسك بحبل الله!!
ومائدة الله غذاء , وحبله طريق مستقيم , والمسلم في سفره لا يحتاج إلاَّ إلى غذاءٍ في طريقه الصحيح ليصل إلى هدفه ومبتغاه فاجلسي إلى مائدة الله, وتمسكي بحبله المتين يكن لك خيرَ جليسٍ وخير معين.
أي بنيتي:
أول معرفةِ الله الطاعةُ والامتثالُ ومن لا يمتثل لا يَعرف ومن لايعرف لا يغرف ومن لا يغرف لا يتصف فكوني مع الله بالطاعة والامتثال , تَتَحَقَقي بمعرفتِه وتَغْرِفي من هدايته , فتُنارُ لك البصيرةُ, وتَخْلُص لك السريرةُ وتكوني ربانيَّة كما أراد الله سبحانه.
وأولُ إصلاحِ العلاقة مع الأرحام اللَّهفةُ والحنانُ, فكوني ملهوفة القلب عليهم شديدة القرب منهم غريبةً عما يزعجهم وضَّاءةً فيما يسعدهم فإنَّكِ إنْ فعلتِ كانوا لزلاَّتك دِثَاراً ولهفواتك جِباراً.
وأولُ السرورِ مع الزوجِ الحبُّ والجمالُ فبالحب يكمُل البُنيان وبالجمال يتمُّ العمران.
ولتكن علاقتك معه كلّها جميلة فاصبري عليه صبراً جميلاً وتقربي منه تقربا جميلاً واعذريه عذراً جميلاً.
وأول إصلاحُ العلاقةِ مع الأصدقاء عدمُ طلبِ ثمنِ محبتكِ لهم, فليس كل إنسان يملك رصيداً ليدفع ثمن محبة الناس له , فإنَّك إن فعلت كشفت أرصدةَ الناس والناس لا يُحبون أن تكشف أرصدتهم.
وأولُ النجاح ِفي الحياة هدفٌ واضحٌ, وسيرٌ أكيدٌ إليه بل كللٍ ولا مللٍ، وأول النجاحِ في الآخرة أن يكون ذلك الهدف هو رضا الله سبحانه.
أي بنيتي:
الحياة مجموعةُ تجارب والتجربةُ لا تكون إلا بامتحان.
فإذا كثرتْ عليكِ الامتحاناتُ في الدنيا فاعلمي أنها سُلَّم للارتقاء إلى العلْياء , فلا تَجزعِي منها واسْتقبليها بِرَحابة صدر وابتسامةِ أملٍ واحتسابٍ عند الله سبحانه.
واعلمي بُنيتي أن قلبَ الفتاةِ أشدُّ شبها بالكبريت الأحمر, سريع الاشتعالِ وصعبُ المنال, فلا تزهدي به ولا تعطيه لمن لا يستحقه, فيذهب به ويَتْرُك خلفه دخاناً أسودَ يسود عليك حياتك ومعيشتَك.
واعلمي أنَّ خيَر نِساء العالمين مريمُ وآسيةُ وخديجةُ و فاطمةُ وعائشةُ فاجعلي من سيرتهنَّ قُرطا في أُذنك كلما هبَّ النَّسيم اهتزَّ فأسمعك من سِيرَتِهِنَّ ما تُقومينَ به سلوككِ وتَتَقَربينَ به من ربك وتَنْفعينَ به أمتكِ.
واعلمي أنِّي خارجٌ من الدنيا عاجلاً أم آجلاً وأنكما عَملي بعد مماتي , وسببَاً في زيادة حسناتي وسببَاً في تثقيْل مَوازيني إنْ هي خَفَّتْ, وحِجاباً من النَّار إنْ هيَ لفحتْ , فاجعلا لي من دُعائكما نصيباً , ولا تفرطا به وتذكرا أنِّي ربَيتُكما على الكتاب والسنة فإنَّه أوثَقُ ما عَمِلْتُ وأَرْجَى ما فعلتْ.
والدك
عبد اللطيف البريجاوي
مدينة نصر ـ القاهرة
ألــم و آلام

الحمد لله والصلاة على رسول الله وبعد:
جاءتني تطلب الطلاق بعد سبع وثلاثين عاماً....!!
وعندها من الأولاد تسعة... !
خمسٌ من الذكور وأربعٌ من الإناث....!!!
وعندها من الأصهار أربعة ومن زوجات البنيـن ثلاثة...!
وعندها من الأحفادِ عشرة....!
أما السبب فإنها لم تستطع أن تتفاهم معه...!
قلتُ لها – ممازحاً -كم بقِيَ من العمر؟
هلا انتظرتِ خمسَ عشرةَ سنةً أخرى لعل الله يحل هذه المشكلة بينكما بوفاةِ أحدكما.
فأجابتْ مستطردةً لم أعدْ أحتمله ولا أستطيعُ التفاهم معه.....
قلت سبحان الله هذه إحدى المشاكل العديدة والمتنوعة في المجتمع، ثم جلست أفكر في هذه القصة. وتراودني أسئلة كثيرة:
ألمْ يستطع أحد الزوجين أنْ يَخفِض جَنَاحه للأخر؟؟
ألم يستطعْ الزوجان أنْ يَجِدا نقاطاً مشتركةً يسيران عليها في حياتهما ؟
ألمْ يستطعْ الزوجان أن يبتعدَ كلُ واحدٍ منهما عمّا يزعج الآخر؟؟
ألمْ يتدخلُ الأولادُ والبناتُ والأصهارُ في توضيح الصورة للزوجين ؟
ألمْ.. ألمْ.... ألمْ..... حتى أصابني من هذه الأسئلة ألم...
ثم رحت أكبّر الصورةَ الاجتماعية شيئاً فشيئاً حتى تشمل المجتمع المسلم كلّه فرأيت أنَّ المجتمعَ المسلمَ كلّه بأطرافه المختلفة يشبه هذه الأسرة الممزّقة.
نشتم.. نقذف.. نتشاجر.. نحسد.. نبغض.. نتفاخر.
وكل منا يتهم الآخر.
هذا هو حال المسلمين لا أحد يستوعب الآخر ولا أحد يرى الفضل للآخر فكلّ واحد بدأَ الإسلامُ من عنده و لربّما فكّر بأنَّه سينتهي عنده.
مع أنّ الاسلام وجّه إلى الاعتراف بفضل الآخرين وذلك نلمسه واضحاً وجليّاً في حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "إنَّ مَثلي وَمَثلُ الأنبياءِ مِنْ قَبلي كَمَثَلِ رَجلٍ بَنى بيتاً فأحسنَهُ وأَجملهُ إلاَّ موضعَ لَبِنة من زاويةٍ فَجَعلَ الناسُ يَطُوفونَ به ويَعْجبونَ له وَيَقولونَ هلاَّ وُضعتْ هذه اللَّبنةُ قالَ: فأنا اللَّبنةُ وأنا خَاتَمُ النَّبيين"( ).
فانظر كيف اعترف الرسول الكريم بالبناء كاملاً ولم يحقّر هذا البناء إنمّا جاء مكمّلاً له ومتمّماً وأنّه مجرّد لبنة ولبنة واحدة فقط.!
وكلّ مسلم هو حلقة من سلسلة من الحلقات فلا بد أن يعترف بالحلقة التي قبله ويمسك بالحلقة التي بعده حتى تصبح هذه الحلقات متينة وقوية.
وهذا الحديث يعلمنا كيف نتواضع لجهود الآخرين وإنْ لم تبلغ الكمال وإن لم تنجحْ وكانت في طريق النجاح وكم نحتاج إلى هذا، فهاهو النبي الكريم يعترف بجهود من قبله متواضعا لهم مع أن جهودهم لم تبلغ الكمال ولم تصل إلى الدرجات العلى.
فكم نحن بحاجة إلى الأرضية التي ننسجُ من خلالها احترام الآخر والاعتراف به وخفض الجناح له واحترام الزوج لزوجته واعترافه بفضلها وعلى ذلك ربَّى الرسول الكريم صحابته الكرام فجاؤوا أئمة هداة جابوا الدنيا ونشروا العلم والأمان
فيا ربنا أكرمنا بالبصيرة واتباع الكتاب والسنة المطهرة..آمين
وفي كل أول وآخر يطيب الحمد لله رب العالمين

الســيرة الذاتية
ـ عبد اللطيف البريجاوي
ـ تولد حمص 1971
ـ إجازة في الهندسة الزراعية من جامعة حلب عام 1995
ـ إجازة في الشريعة الإسلامية من جامعة الأزهر بالقاهرة عام 2005م
ـ عمل خطيباً ومدرساً في مساجد حمص منذ عام 1992 وحتى الآن
ـ عمل محكِّماً شرعياً في المحاكم الشرعية بحمص منذ عام 2002 وحتى الآن
ـ خبرة إدارية في الإدارة من مشفى جمعية البر والخدمات الاجتماعية
ـ متزوج وعنده ريحانتان ( هداية و تسنيم)
ـ الموقع الالكتروني ـ أطياف الهداية –

أعمال قيد الإنجاز:
ـ رحلة النظر في قصار السور
ـ رؤى في أحاديث القصص
ـ أمثال القرآن الكريم: رؤى وأفكار
ـ محاولات في الفهم
والحمد لله رب العالمين.

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك