لماذا لا نحاور أولادنا؟

لماذا لا نحاور أولادنا؟

تتقدم المجتمعات وتزدهركلما زادت ثقافة مواطنيها، وهذه الثقافة تنبع من داخل الأسرة ومن ثم تتطور من داخل المدرسة، وبعدها تأتي بيئة العمل التي يعمل بها الفرد إذ تتعزز هذه الثقافة، وعليه يصبح المجتمع مجتمعاً راقياً ومتقدماً. فإذا كان الحوار هو دليل رقي هذه الثقافة، فلابد من تأسيس الحوار داخل الأسرة وفي المدرسة وداخل منظومة العمل أيضاً.

وقبل الدخول في هذا المقال أورد لكم قصة حدثت مع أحد المستشارين الأسريين أثناء تقديمه لدورة تدريبية عن الحوار الأسري وأهميته.

يقول: جاءني أحد المتدربين الملتحقين في الدورة التدريبية والحزن واضح على وجهه وقال لي: تُصدق أني و ابني البالغ من العمر سبعة عشر عاماً لا نتحدث مع بعضنا بعضا منذ عدة سنوات.

فقلت له: ولماذا؟ فقال: حدثت بيننا مشكلة قديمة وأردته أن يعتذر عما بدر منه ولم يعتذر، وتركته، وانعزل في غرفة خاصة له في المنزل يذهب ويرجع إلى البيت دون أن نعرف عنه شيئا.

فقلت له: لماذا لا تحاول التحاور معه من جديد، ونسيان الماضي، وفتح صفحة جديدة معه.

فقال الأب: لا أستطيع أن أتنازل عن كبريائي كأب وأبدأ الحديث معه، لا بد أن يعتذر هو.

فقلت له: مهما كان فهو ابنك، وفكر فيما قلته لك لعلك تستطيع تطبيقه عند رجوعك للمنزل هذا اليوم.

فلما جاء اليوم الثاني للدورة التدريبية، أقبل عليَّ الأب وحضنني وقبل رأسي، وهو منشرح الصدر، فرحاً مسروراً، فقلتُ له: ماذا حصل؟

قال: عُدت إلى منزلي بعد نهاية الدورة التدريبية، وأنا أفكر في نصائحك وبعدها قررت التصالح مع ابني، فذهبت إلى غرفته وطرقت الباب عليه، فلما فتح الباب، قلت له أريد التحدث إليك يا بني، ولم يتمالك نفسه من الفرح فسقط عليَّ وأخذ يقبل رأسي ويديَّ ويحضنني وهو يبكي ويقول: لن أخالفك يا أبي بعد اليوم، وسوف تراني من أحسن الأبناء وأبرهم بك.

هذه القصة أردتها مدخلاً لهذا المقال حتى نتمكن من تشجيع أنفسنا كآباء على التحاور مع أبنائنا، وعدم تجاهلهم أو إهمالهم لأن أبناءنا هم عماد وطننا ومستقبله.

والحوار هو الإستراتيجية المثلى في حل أغلب الخلافات والمشكلات الأسرية التي تحدث بين أفراد الأسرة، وإذا اُفتقد الحوار بين الآباء والأبناء، فإن المشكلات سوف تزيد وتتسع الفجوة بينهم داخل الأسرة.

وتعويد الأبناء على الحوار منذ صغرهم مطلب ضروري داخل الأسرة حتى وإن كان الوالدان قليلي الثقافة والخبرة في ممارسة الحوار فعليهم المحاولة تلو المحاولة في ممارسة الحوار مع أبنائهم منذ الصغر، وترسيخ هذه الممارسة في أذهانهم حتى يتعودوا على الحوار، ولابد من تفعيل الحوار بين الآباء والأبناء، وتخصيص أوقات للاجتماع ومناقشة الأمور التي تهمهم، وإشراكهم في اتخاذ القرارات التي تخص الأسرة وذلك عبر الحوار الهادئ، والاستماع لرأيهم واستبيان الأمور التي لم تتضح لهم سواء داخل المنزل أو خارجه.

ويستوجب على أرباب الأسر أثناء تربيتهم لأبنائهم الابتعاد عن المؤثرات السلبية التي قد تُحدث ضعفاً في التواصل مع العناية بتوظيف العاطفة، وحري بالوالدين مصادقة أبنائهم مصادقة دائمة والتحدث لهم باستمرار، ومراقبتهم وعدم إهمالهم.

يقول ابن القيم الجوزية في تحفة المودود بأحكام المولود (وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم)، لذا يستوجب علينا جميعا التقرب من أبنائنا والجلوس معهم أوقات كثيرة، وفتح الحوار معهم حتى نتمكن سماع متطلباتهم ورغباتهم.

وهناك طُرق كثيرة، يستطيع الآباء تطبيقها أثناء حوارهم مع أبنائهم منها:

- تحديد وقت متفق عليه من الجميع للحوار في كل يوم وبهذا الاجتماع الذي يضم الوالدين والأبناء سوف تكون فوائده عظيمة تصب في مصلحة الأسرة.

- طرح مشكلة تهم الأسرة أثناء الحوار، ليتم التحاور فيها والخروج بنتائج إيجابية لحلها، مثل تنظيم رحلة خارجية، أو ترميم المنزل وتبديل أثاثه، أو شراء سيارة… الخ.

- الإنصات للأبناء وعدم مقاطعتهم أثناء الحوار معهم وعدم رفع الصوت عليهم، وإذا أنصتنا لأبنائنا وتركنا لهم الحرية في الكلام، فسوف يتعودون هم على الإنصات مع الآخرين لأن الإنصات يُعد من أبرز مقومات الحوار البناء.

- زرع الثقة في الأبناء أثناء الحوار، وعدم تجاهل أفكارهم، لأن ضعف الثقة أو انعدامها بين الآباء والأبناء أمر يبعث لعدم الطمأنينة في المنزل، أما إذا زُرعت الثقة في الأبناء فإن ذلك يعزز تواصلهم مع والديهم ويبعث الطمأنينة والارتياح لهم.

-استخدام شعار في المنزل يدلل على أهمية الحوار وهو (الحوار الفعال بدلاً من العنف والشجار).

وإذا تمكنا جميعاً من خلق بيئة حوارية داخل المنزل وتعويد أبنائنا على الحوار فسوف نتمكن من خلق جيلٍ واعٍ مشرفٍ للمستقبل، أما إذا تناسينا أبناءنا وأهملناهم ولم نتابعهم فسوف يؤدي ذلك إلى انحراف الكثير منهم انحرافاً فكرياً وسلوكيا، ولابد منا نحن الآباء أن نتنازل عن بعض الحقوق من أجل التصالح مع أبنائنا، وعدم توسيع فجوة الخلاف بيننا وبينهم، ليصبح لدينا مجتمع صالح متقدم في ثقافته وعلمه، محافظ على تعاليم دينه، وبار ومخلص لوطنه.

د. محمد بن عبدالله الشويعر
المصدر: http://www.shwair.com/blog/?p=119

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك