التطرف يستهدف الإسلام وغيره
التطرف يستهدف الإسلام وغيره
خالد عبدربه
اتفق مع ما جاء به الزميل محمد أبو عبيد في مقالته في “العربية.نت” من أن مجزرة أوسلو خلقت فرصاً جديدة أمام المسلمين في أوروبا يمكن الاستفادة منها لتغيير الصورة التي ربطت المسلمين بالإرهاب منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر, وأن المسلمين تنفسوا الصعداء عندما تبين أن مرتكب هذه الجريمة ليس مسلماً بل ليس عربياً كذلك.
لكن ليس دقيقاً ما جاء به وجاء به الكثير من الكتاب والمحللين من أن ما قام به الإرهابي أندريه بريفك كان موجهاً ضد الإسلام وضد التوسع الإسلامي في أوروبا, على الرغم من أنه حقيقة يكن كل العداء للإسلام والمسلمين, ولكن لا يمكن اعتبار أن العدو الأساسي لهذا اليميني المتطرف هو الإسلام فقط, فلو افترضنا جدلاً عدم وجود مسلمين في أوروبا وعدم وجود للإسلام في بلاده، فهل يعني ذلك أنه لن يكون متطرفاً ويصبح معتدلاً, ويمضي بقية حياته بلا أعداء؟
بالتأكيد لا، فكما جاء في كتاباته على صفحته في “فيسبوك”، وما ذكره بالتحقيقات كان معادياً لكل من هو ليس يمينياً متطرفاً، وكل من لا يحمل أفكاره ومعتقداته، بما في ذلك اليسار والشيوعية.
وهنا يجب البحث بدقة لمعرفة درجة العداء للإسلام, وتقييم ذلك بشكل دقيق وصحيح دون المبالغة والتضخيم, فمن الخطأ اعتبار أن التطرف اليميني يستهدف الإسلام بالتحديد دون سواه من الأديان أو الأيديولوجيات القائمة, فالتطرف اليميني يستهدف الآخر، وهو “كل من على غير انتماءاتهم وتوجهاتهم”، والإسلام بطبيعة الحال هو من جملة هؤلاء.
ورفض الآخر هو من سمات كل تطرف ديني أو عرقي أينما وجد, فالتطرف الإسلامي أيضاً هو رافض للآخر، ومهما يكن ذلك الآخر, فتنظيم القاعدة على سبيل المثال لم يستهدف المسيحيين فقط، بل استهدف كل الأديان وكل الذين لا يلتقي معهم في الرأي، بمن فيهم المسلمون, واستهدف العلمانية والأحزاب السياسية.
لذلك من الخطأ الاعتقاد بأننا مستهدفين كمسلمين من قبل اليمين المسيحي المتطرف، لأننا ننتمي لهذا الدين, ومن الخطأ الاعتقاد بأننا وحدنا ضحايا التطرف الديني المتنامي في أوروبا والغرب, إلا أن الضخ الإعلامي في كثير من وسائل الإعلام في أوروبا والغرب المرتبطة بالحركة الصهيونية تحديداً, هي من تحاول دوماً تسليط الضوء على الإسلام وتصويره على أنه إما المتهم الأول أو المستهدف الأول, وذلك دون أدنى شك خدمة لإسرائيل المستفيد الأول والأساسي من الشحن والتحريض ضد العرب والمسلمين, مستفيدة من التطرف الإسلامي الذي أضر وأساء للإسلام, وجعلنا دوماً كمسلمين بشكل عام وكمسلمين عرب بشكل خاص في دائرة نفي التهم.
إن الاعتقاد بفكرة أننا نحن المتهمون أو أننا نحن المستهدفون, والتعامل معها على أنها حقيقة, هو شكل من أشكال العدوانية والتحريض ضد الآخر، وخلق بيئة عدائية ضمن الاعتقاد بضرورة الدفاع عن الذات ونفي التهم, فوجود مثل هذا الشعور لدى المسلمين يدفعهم في البحث عن الوسائل والطرق التي تضمن لهم الحفاظ على وجودهم, بالتالي أيضاً يمكن أن تدفع في زيادة نسبة التطرف لدى المسلمين ورفض الآخر, وتدفع أيضاً باتجاه التقوقع على الذات وعدم الانفتاح على العالم المتعدد التوجهات والثقافات.
لذلك ليس من المفيد في شيء تكريس مفهوم أننا مستهدفين كمسلمين, وأن أعداء الإسلام كثر ويتربصون بنا دون سوانا من هذا العالم, وهو ما تحاول الحركة الصهيونية تثبيته والعمل عليه لخلق بيئة رافضة للإسلام بالمطلق, ووضعهم في مواجهة العالم والأديان الأخرى, وكذلك القاعدة واليمين الإسلامي المتطرف لمحاولة استقطاب وتجييش المسلمين وتحريضهم ضد الآخر وإيهامهم بضرورة الدفاع عن وجودهم.
فنحن جزء من هذا العالم الحضاري, لنا ثقافتنا التي تعايشت مع كل الثقافات على مدى مئات السنين, وكغيرنا من الأديان والحضارات يمكن أن نكون عرضة لأولئك المتطرفين الرافضين لكل أشكال التعايش الاجتماعي والثقافي والاقتصادي مع الآخر مهما كان ذلك الآخر ومهما كان دينه أو انتمائه.
فنحن بكل الأحوال لسنا مستهدفين كمسلمين من قبل المتطرفين واليمينيين إلا بالقدر الذي يستهدف فيه الآخرون, بالتالي الوقوف في وجه هذا التطرف لن يكون مفيداً لنا كمسلمين ولن يخدم مصالحنا وثقافتنا, فيما لو كان فقط من موقعنا كمسلمين بالقدر الذي يجب أن يكون من موقعنا كجزء من هذا العالم الرافض للتطرف بكل أشكاله وكجزء من شعوب العالم المتضررة من كل أشكال التطرف والتعصب بكل انتماءاته.
المصدر: http://www.as-safirpress.com/ap/?p=3380