تنامي التطرف وانتهاكات حقوق الإنسان في ظل الحرب على الارهاب

تنامي التطرف وانتهاكات حقوق الإنسان في ظل الحرب على الارهاب

تمثل إشكالية التوفيق بين الحرب على الإرهاب لتحقيق الأمن والحفاظ على حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية احدى سمات عالم اليوم. تنامي التطرف والعنف وتراجع وانتهاكات حقوق الانسان في مقدمة القضايا التي استحوذت على أحداث العام.
أوشك العام الحالي على الانتهاء والعام الذي يليه صار قاب قوسين أو أدنى وهذا يعد مناسبة كل عام للنظر الى ما تحقق والتنبؤ بما سيحدث. ولكن بعيدا عن الجرد الحسابي للإحداث، فان السؤال الأهم هو كيف يبدو العالم اليوم؟ بالنظر الى واقع الحال، السياسي طبعا، لعالمنا اليوم تبدو هناك قضايا تفرض نفسها بقوة. ولعل المراقب للأحداث يلاحظ أن الحرب على الإرهاب والتطرف بكل أنواعه وإشكالية تحقيق الأمن مع الحفاظ على الحريات المدنية والديمقراطية وحقوق الإنسان من أهم القضايا السياسية التي تحتل أولوية في عالمنا اليوم متقدمة على التفكير بالمشكلات الاقتصادية والتنموية ومكافحة الجوع والفقر والإمراض وغيرها.
تنامي ظاهرة التطرف والعنف
العنف لايفرق بين الاهداف المدنية والعسكرية تشكل ظاهرة التطرف، بصرف النظر عن شكله أو نوعه أو مذهبه، احدى أهم التحديات التي تواجه عالم اليوم. وهو تطرف مزدوج: تطرف في التعبير عن الرفض لواقع ما ومحاولة تغييره بأساليب العنف والقوة، وتطرف في مواجهة هذا التطرف باللجوء الى القوة أيضا. فمثلا تلجأ بعض الحركات الاسلامية الى التطرف في مجابهة الأخر، سواء كان هذا الأخر السلطة الداخلية أو قوة دولية مهيمنة، لانتزاع حقوق لها أو للتعبير عن نفسها وتحقيق أهدافها التي تعتبرها من وجهة نظرها مقدسة. غير أن تطرف الطرف الأخر، السلطة الوطنية أو القوة الدولية ومؤخرا الاثنين معا، في مواجهة هذه الحركات والإسراف في استخدام القوة لم يفض الى تحجيم النوع الأول من التطرف أو القضاء عليه، بل على العكس تماما، لقد ساعد ذلك في تناميه واكسبه تعاطف جماهيري. التطرف اخذ يعيد تشكيل نفسه، مثله مثل أي ظاهرة اجتماعية ـ سياسية، بحيث يتجه أكثر نحو العنف والعنف المضاد وبكل الأساليب الأخلاقية وغير الأخلاقية. المراقب للوضع في العراق مثلا يجد إن حلقة العنف تطال كل من له علاقة أو من ليس له علاقة بالحرب بحيث أصبحت المدارس والمساجد والمستشفيات والأماكن العامة هدفا للعنف. وكل طرف، وهي هنا كثيرة وذات أهداف مختلفة، يلجأ الى استخدام أساليب أكثر بشاعة من الأخر وبالتالي يعطي مبررا للطرف الأخر بالرد بنفس الأسلوب أو ربما باسلوب أبشع منه. ولا يبدو أن دائرة العنف الشيطانية هذه ستتوقف قريبا مادام كل طرف يحاول أن يكسب المعركة بالقضاء على الأخر ولعل احد القادة العسكريين الامريكين كان أكثر دقة عندما شرح الوضع في العراق قائلا "هم يحاربونا لأننا هنا، ونحن هنا لأنهم يحاربونا".
صوره أخرى، وربما جديدة، من صور التطرف والعنف التي نشأت في عالم اليوم ولازال الخبراء محتارين في أسبابها وان كان البعض يفسرها "بأزمة الهوية والانتماء"، وهي تطرف بعض الشباب المسلم الذي نشأ في بيئة غربية منفتحة. فهؤلاء ولدوا وتربوا في هذه المجتمعات الديمقراطية ودرسوا في مدارسها، ومع ذلك فهم غير قادرين على التكيف والاندماج في مجتمعاتهم الجديدة بل ويسعون الى ممارسة العنف فيها. في المقابل هناك تطرف من نوع أخر في هذه المجتمعات يتمثل في عدم القبول بالأخر واحترام قيمه وخصوصياته الدينية والاجتماعية.
الحركات الإسلامية و"إشكالية الديمقراطية"
التيار الاسلامي يحقق فوزا ملحوظا في مصر وهناك "إشكالية ديمقراطية" جديدة تتمثل في أن بعض الحركات الإسلامية، أو لنقل المعتدلة منها، حتى وان جنحت للسلم وانتهجت الطرق الديمقراطية وحاولت الوصول عبر الانتخابات الى السلطة فإنه يتم قمعها وهو ما قد يجبرها الى العودة الى أسلوب العنف كما حدث في الجزائر. مثال على هذه الحركات جماعة الأخوان المسلمين في مصر وحركة المقاومة الإسلامية حماس والى حد ما حزب الله اللبناني. هذه الحركات تملك قاعدة عريضة في الشارع واستطاعت أن تكون قوة سياسية مؤثرة، ربما بسبب غياب البديل السياسي أو الإحباط لدى الشارع العربي، ولكن هناك محاولات لمنعها من ذلك بسبب التخوف من أن يفضي وصول هذه الحركات الى السلطة الى الانقلاب على الديمقراطية نفسها التي وصلت بموجبها الى السلطة. ولكن المواطن العربي يتساءل، متى كانت السلطة القائمة ديمقراطية حتى تنصب نفسها حامية للديمقراطية؟ الحقيقة إنها معادلة صعبة!
تراجع وانتهاك حقوق الإنسان
معتقل جوانتينامو وصمة عار في جبين العالم المتحضر كان الاعتقاد السائد الى وقت قريب أن العالم المتحضر يتجه نحو المثالية في احترام حقوق الإنسان ولكن هذا الاعتقاد بدأ في التراجع في السنوات الأخيرة ولاسيما في ظل ما يسمى بالحرب على الإرهاب التي نجم عنها تراجع في احترام قيم حقوق الإنسان المعترف بها بحيث أصبحت هذه القيم الإنسانية تشهد انتهاكات صارخة. يحدث هذا ليس فقط من قبل الأنظمة الديكتاتورية الشمولية ولكن، وهنا تكمن الكارثة، من قبل الحكومات والدول التي تدعي أنها حامية حقوق الإنسان. وأفرزت الحرب على الإرهاب أشكالا جديدة/قديمة من الانتهاكات لهذه الحقوق بما يتعارض مع المعاهدات والمواثيق الدولية مثل التعذيب والاحتجاز في مراكز سرية وتسليم المشتبه بهم الى دول تمارس التعذيب، إضافة الى الاعتقال لفترات طويلة لمجرد الشبهة دون محاكمات والحرمان من حق التقاضي. لم يكن للمرء ان يتصور أن راعية الديمقراطية في العالم سوف تلجأ الى ممارسات بوليسية وتدير سجونا سرية، أضف الى ذلك الملاحقات عبر الحدود والاختطافات لأناس لمجرد الاشتباه بهم واستخدام أساليب التعذيب الجسدية والنفسية!
حقوق الإنسان العربي "بين المطرقة والسندان"
متى ينتهي عصر التعذيب؟ حقوق الإنسان العربي صارت في ظل الحرب على الإرهاب بين مطرقة الأنظمة الديكتاتورية وسندان الحرب الدولية على الإرهاب. فقد أفضت هذه الحرب الى تعاون دولي التقت فيه مصالح الأنظمة الديكتاتورية مع أهداف القوى الدولية التي تقود هذه الحرب. هذا الزواج غير الشرعي تحت مظلة التحالف الدولي ضد الإرهاب أعطى المبرر والغطاء للأنظمة الدكتاتورية في العالم العربي لكي تواصل، وهي لم تتوقف يوما عن ذلك، انتهاكها لحقوق الإنسان باسم المصالح الوطنية ومقتضيات الأمن الوطني وغيرها من المبررات. ولا عجب إن كانت الحكومات العربية التي تبدو على خلاف مع الإدارة الأمريكية قد التقت مصالحها معها في هذه النقطة بالذات، بل أن الأنظمة العربية سارعت الى تقديم خبراتها الطويلة للإدارة الأمريكية في مجال التعذيب وانتزاع الاعترافات بالقوة.
د.عبده جميل المخلافي
المصدر: http://www.dw-world.de/dw/article/0,,1810104,00.html

الأكثر مشاركة في الفيس بوك