التطرف القبطى

التطرف القبطى
بقلم د.حسن نافعة ٦/ ١/ ٢٠١١
تتوافر معلومات كافية عن التطرف الإسلامى أو، بمعنى أدق، عن تطرف بعض المنتسبين إلى الإسلام أو من يدعون زورا وبهتانا أنهم يجاهدون فى سبيله ونذروا أنفسهم لإعلاء كلمته. والمشكلة مع هؤلاء أن مظاهر تطرفهم لا تقتصر على الكلمة، وإنما تتجاوزها إلى الفعل الإجرامى الذى يصل إلى حد القتل الجماعى وارتكاب عمليات إرهابية عنيفة تطال الأبرياء أينما كانوا. ويعرف العالم الكثير عن منظمات «إسلامية» تتبنى العنف وسيلة لتحقيق أهدافها، من بينها تنظيم «القاعدة». عانى المسلمون من تطرفهم بأكثر بكثير مما عانى غيرهم من «المسيحيين» أو «اليهود»، وذلك لسبب بسيط وهو أنهم ينظرون إلى أتباع الفرق والمذاهب التى تخالف عقائدهم، بما فى ذلك الفرق والمذاهب الإسلامية، باعتبارهم «كفاراً»، يمكن استباحة دمهم. ولأنها منظمات لا تستحى مما تقوم به، بل تفاخر بعملياتها الإرهابية وتعتبرها إنجازات وانتصارات تمهد الطريق لإقامة المجتمعات التى تسعى لتأسيسها، فمن الطبيعى أن تتبرأ منها الأغلبية المسلمة فى العالم وتعتبرها خطرا على أمنها هى قبل أن تكون خطراً على الآخرين.

أما المنظمات الإرهابية الأخرى، التى لا ينتمى أتباعها إلى الدين الإسلامى، وتتخذ من العنف وسيلة لتحقيق أهدافها، فلا تتوافر عنها معلومات بالقدر نفسه، ولم نعد نسمع عنها الكثير هذه الأيام، مثلما كنا نسمع فى السبعينيات عن «الألوية الحمراء» الإيطالية، و«الجيش الأحمر» و«بادر ماينهوف»، الألمانيتين، و«العمل المباشر» الفرنسية.. إلخ.. ربما لكى تخلو الساحة إلا من المنظمات الإرهابية «الإسلامية»، ولكى يبدو الإسلام وكأنه دين عنف بامتياز، والمحرض الأوحد على ارتكاب الفعل الإرهابى. لكن الأهم من ذلك، والأخطر، أن الضوء يبدو مسلطا بتركيز شديد هذه الأيام على منظمات تستخدم العنف المادى، وليس على منظمات تستخدم العنف «اللفظى» - إذا جاز التعبير - وتعمل على صك أطروحات «فكرية» تلعب دورا محوريا فى تغذية حلقة العنف الجهنمية، ومنها منظمات قبطية.

أتلقى بشكل منتظم، كما يتلقى آلاف وربما ملايين غيرى، رسائل من منظمات قبطية عديدة، منها «الجمعية الأمريكية القبطية» التى يترأسها محام يدعى موريس صادق، ومقرها واشنطن، لا همّ لها إلا إشعال فتيل فتنة طائفية فى مصر، فهذه المنظمة لا تكتفى بإدانة التطرف الإسلامى، ولكنها توجه اتهاماتها إلى الإسلام نفسه وإلى نبيه، وتعتبر كل مسلم فى مصر محتلاً غازياً، يتعين تطهير أرض الأقباط منه وطرده، بل تدعو علنا للتحالف مع يهود العالم ومع إسرائيل نفسها لتحقيق هذا الهدف. فهل يجوز لنا استبعاد فكرة أن تكون لهذه المنظمات علاقة مباشرة أو غير مباشرة بجريمة الإسكندرية؟!

لا أدعى علماً بخفايا التعقيدات الأمنية، لكنى لا أستطيع - من منظور عقلانى بحت - استبعاد هذا الاحتمال كلية، وما كنت لأقدم على تناول هذا الأمر إعلامياً، إدراكاً منى لحساسيته، لو لم تكن مواقع إلكترونية قد تناولته صراحة، منها على سبيل المثال لا الحصر «المصريون» و«وكالة أنباء الرابطة» وغيرهما، ذهبت إلى وجود شبهات قوية حول احتمال تورط أحد تنظيمات أقباط المهجر فى حادث تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية، فقد نقل على لسان المتحدث الرسمى باسم الداخلية الألمانية أن وزارته تلقت «فاكسا» قبل الحادث من الأنبا دميان، الأسقف العام للكنائس القبطية،

يشير إلى تهديدات بتنفيذ عمليات إرهابية ضد كنائس قبطية فى ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والإسكندرية والقاهرة أثناء قداس رأس السنة الميلادية، طالبا من جهات الأمن تأمين الاحتفالات بأعياد الميلاد التى ستقام فى الكنائس القبطية فى الولايات الألمانية. وترى مصادر أمنية فى القاهرة أن هذا التصريح يعزز ما كان لديها من شبهات حول علم منظمات قبطية فى المهجر مسبقا بالعملية الإرهابية فى الإسكندرية، مؤكدة أن الكنيسة المصرية لم تقم بإبلاغ أجهزة الأمن المصرية بما كان متوافرا لديها من معلومات حول هذا الموضوع.

ولأنه سبق لمتطرفين «إسلاميين» أن قاموا بتفجير مساجد فى أماكن عديدة حولنا، لإثارة فتن طائفية، يعتقدون أنها تخدم مصالحهم، فليس من المستبعد ابتداءً أن يقدم متطرفون «أقباط» على الاشتراك بشكل مباشر أو غير مباشر فى تفجير كنيسة لإثارة فتنة طائفية يعتقدون أنها تتيح الفرصة للولايات المتحدة وإسرائيل بأن تهبا للدفاع عنهم وتمكينهم من «طرد المسلمين الغزاة من مصر وطن الأقباط»، فالتطرف هو التطرف.

من المهم جدا معرفة حقيقة ما حدث، سواء مَن حرض أو مَن نفذ هذه الجريمة البشعة. لذا يتعين أن تتحلى الجهة التى سيوكل إليها التحقيق فيها بأعلى قدر من النزاهة والشفافية، وألا تستبعد أى احتمال، لأن تشكيل لجنة تحقيق مستقلة فى هذا الحادث لم يعد مطلبا قبطيا، وإنما هو مطلب وطنى عام.

المصدر: http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=283676

الأكثر مشاركة في الفيس بوك