ظاهرة التطرف الأسباب والعلاج

ظاهرة التطرف الأسباب والعلاج

المحاظر الشنقيطية

HMDO1427 @ maktoob.com

التطرف في اللغة : الأخذ بأحد الطرفين والميل إليه: إما الطرف الأدنى أو الطرف الأقصى، قال الشاعر: فلا تغل في شيء من الأمر واقتصد كلا طرفي قصد الأمور ذميم أو بعبارة أخرى: هو الوقوف في الطرف بعيدا عن الوسط، وأصله في الحسيات كالتطرف في الجلوس أو الوقوف أو المشي، ثم انتقل إلى المعنويات كالتطرف في الأفكار والتصورات، أو في السلوك والوقائع. والتطرف في الاصطلاح: يعني الغلو ومجاوزة الحد المقبول والتعصب لعقيدة أو فكرة أو مذهب... يختص به دين أو جماعة أو حزب، فيوصف بالتطرف الديني والحركي والسياسي... وبعبارة أخرى: هو أخذ الأمور بشدة، والإقبال عليها بما يجاوز حد الوسط والاعتدال، ومجانبة اليسر واللين والسماحة وقبول الآخر. وينتظم في سلك التطرف: التشدد والغلو والتنطع والإفراط والتفريط على حد سواء، لأن في ذلك كله جنوحا إلى الطرف وبعدا عن الجادة والوسطية التي هي سمة من سمات هذا الدين ومبدأ من مبادئه الأساسية الثابتة وميزة من ميزات هذه الأمة، كما قال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا.... الآية. وهو ظاهرة مرضية تؤشر على وجود خلل ما في النفس الإنسانية أو في الظروف المحيطة بها، فالنفس الإنسانية السوية بطبيعتها ترفض التطرف والتعصب والجمود، لأن الفطرة السليمة تأبى ذلك وتنفر منه. والتطرف بمختلف أشكاله مرفوض وممقوت سواء كان فكريا أو سلوكيا وسواء كان من أفراد أو من جماعات، أو من أحزاب، أو من حكومات ودول. فما هو التطرف الفكري إذا؟ وما هو التطرف السلوكي؟ ثم ما هي الأسباب؟ وكيف يكون العلاج؟ ذلك ما سنحاول الإجابة عليه من خلال هذه الأسطر وإن بصفة موجزة ومقتضبة، فأقول بادئ ذي بدء: أن مجرد التمسك بالعقائد والأديان أو الاقتناع ببعض الاجتهادات والآراء والأفكار... أيا كانت مع احترام الآخر أمر طبيعي لا يمت إلى التطرف بصلة. أما التطرف الفكري فيعني الجمود والتعصب والغلو... والاعتداد الزائد بالنفس والفكر والمنهج والاعتقاد... مما يؤدي إلى رفض كل الأفكار والمعتقدات المخالفة وحرية الرأي والدين... حيث يلاحظ أن أصحاب الأفكار المتطرفة لا يؤمنون بالحوار مع الآخر، بل إن لديهم رغبة جامحة في إقصاء الآخرين وفرض أفكارهم عليهم ولو بالقوة والتهديد، كما أن لديهم أحادية في النظر، فالحقائق لديهم ليس لها إلا وجه واحد وطريق الحياة ليس له إلا مسار واحد، وهم الوحيدون في اعتقادهم القادرون على فهم الحقائق والأمور، ويزداد الأمر خطورة حين يسعون إلى فرض آرائهم بالعصا الغليظة. وأما التطرف في السلوك – وهو نتيجة حتمية وترجمة عملية للتطرف الفكري – فيعني كل سلوك يهدف إلى ترويع الآمنين وإحداث الفوضى في المجتمعات المستقرة... أو فرض الرأي والقناعات والأفكار بالضغط والتهديد أو بالقوة والسلاح. أسباب التطرف: إن أسباب التطرف - بجميع أشكاله - تختلف باختلاف المجتمعات تبعا لاتجاهاتها السياسية، وظروفها الاقتصادية، والاجتماعية، وأحوال شعوبها الدينية، وفي ما يلي نستعرض أهم أسباب هذه الظاهرة بمختلف أبعادها الدينية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحتى السلوكية من خلال النقاط التالية: 1 - التقصير في تلقي العلم الشرعي من مصادره الرئيسة: وذلك باعتماد متلقي العلم – وخصوصا الشباب - على أنفسهم واعتدادهم بآرائهم واتباعهم لأهوائهم دون الرجوع إلى العلماء العاملين، فيأخذون بظواهر النصوص دون فقه أو اعتبار لقواعد الاستدلال أو فهم العلماء أو جمع بين الأدلة، مع الجهل بمقاصد الشريعة وغاياتها التي شرعت الأحكام من أجلها، والتي تعود إلى جلب المصالح ودرء المفاسد الأخروية والدنيوية، وهو ما ينتج عنه انحراف وتطرف فكري يقودان حتما إلى التطرف في السلوك. وإن من مظاهر هذا الانحراف والتطرف الفكري ومن أكثرها شيوعا لدى هؤلاء وأشدها أثرا: ظاهرة التكفير والحكم به على الأشخاص والجماعات والأنظمة دون فقه أو تثبت أو اعتبار للضوابط الشرعية والبراهين من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما يترتب على ذلك من استباحة الدماء والأموال، والاعتداء على حياة الناس الآمنين المطمئنين في مساكنهم ومعايشهم، والاعتداء على مصالحهم العامة التي لا غنى للناس في حياتهم عنها، وما ينجر عن ذلك من فساد كبير وخطر جسيم على المجتمعات الإسلامية. ويرحم الله الإمام الشافعي حين يقول: (من تفقه في بطون الكتب ضيع الأحكام ومن كان شيخه كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه) ورضي الله عن عبد الله ابن مسعود حين يقول: "لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم وعن أمنائهم وعلمائهم فإذا أخذوه عن صغارهم وشرارهم هلكوا" وصلى الله وسلم على محمد القائل: « إن العلماء هم ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر ». وقال جل من قائل: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ . 2 - البئة والمجتمع: ذلك أن الإنسان هو ابن بئته ومجتمعه الذي نشأ وعاش فيه, ولهذا المجتمع في نفسه وتفكيره وعقله أعظم الأثر، والتطرف بطبعه يؤدي إلى تطرف مقابل، فالمجتمعات التي يظهر فيها التطرف والانحراف الأخلاقي تكون عرضة لظهور تطرف مقابل، لا سيما إذا كان المجتمع يقر تك المظاهر المنحرفة ويسكت عليها، وأحرى إذا كان يشجعها، ويدعمها, ويحميها, ويتبناها... ومثل ذلك يقال في الأوضاع الثقافية والإعلامية والفكرية والسياسية... فمحاصرة الأفكار وإغلاق منافذ التعبير والكلام… وسلب الحقوق المدنية والسياسية والتضييق على ممارستها... إلى غير ذلك من أساليب الكبت والتسلط والقهر التي يمارسها بعض المجتمعات والحكومات على بعض الأفراد والجماعات. كل هذه الأحوال والأوضاع تفقد الأفراد وربما الجماعات الثقة بالمجتمع والحكومات وتشكل بيئة مناسبة لنشأة الفكر المتطرف ونموه، مما قد يتحول مع الوقت إلى فكرة المواجهة الفعلية والسعي لإثبات الذات من خلال ذلك. 3 - معاناة الشباب من الفراغ بأبعاده المختلفة: ذلك أن أي مجتمع تكثر فيه البطالة وما ينجر عنها من ارتفاع في حدة التفاوت الطبقي- حيث تستأثر طبقة قليلة من الأثرياء بثروات البلاد ومقدراتها - سيعيش أبناؤه لا محالة في فراغ نفسي وعقلي... وهو ما يشكل خطرا حقيقيا على فئة الشباب بصفة خاصة، فيجعل منهم أرضية خصبة لتقبل الأفكار المتطرفة وتنفيذ مقتضياتها ربما. 3 - الإحباط وخيبة الأمل: فشعور الشخص بخيبة الأمل في نيل حقه بسبب التهميش والظلم وتغييب حرية الرأي والتعبير... أو لفشله في الدراسة أو في المهنة... يولد لديه شعورًا بالنقص وعدم تقبل المجتمع له، ويجعل من الصعب عليه أن يكون معتدلاً حتى لو كان مقتنعًا بضرورة الاعتدال، لأن معاناته وآلامه الشخصية تؤثر على فكره وتصوره، وتجعله يفهم الاعتدال بطريقة مختلفة، وهو ما قد يكون دافعًا له لإثبات وجوده من خلال مواقع أخرى. 4 - ما يتعرض له بعض المتهمين – خصوصا الشباب الذين تظهر لديهم بعض ملامح التطرف - من صور الأذى والتعذيب والإهانة على أيدي رجال الأمن، ومعاقبتهم بأكثر مما يستحقون، أو بطريقة لا تجوز شرعًا، فيخرج الواحد من السجن وهو ناقم على مجتمعه، مسيء الظن بحكامه، متهيئ لتلقف الأفكار الغالية والمتطرفة، لما في نفسه من الغيظ وحب الانتقام، بل إن آثار تلك المعاملة السيئة قد تمتد إلى أهله وأقاربه وأحبابه، فيحاولون الانتقام له مما يوسع ويزيد من دائرة السلوك المتطرف. 4 - الاعتماد على الحل الأمني والعسكري القمعي، وما يعنيه ذلك من التعسف والشطط في استخدام السلطة والعنجهية في التعامل. 5 - الدخول في تحالفات واتفاقيات مع جهات أجنبية توجد على رأس أهداف الجماعات المتطرفة، حتى لا أقول افتعال قضايا تطرف غير موجودة أصلا لتبرير هذه الاتفاقيات واستجلاب منافع مادية من ورائها. أبرز أساليب العلاج: 1 - الإنابة إلى الله تعالى وتحكيم شرعه واتباع ما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم، ونشر العلم الصحيح والفهم السليم ومتابعة التوجيه والترشيد، من خلال التركيز على دور علماء الدين الذين يفهمون الإسلام فهمًا شموليًا دقيقًا وعميقًا، وذلك بفتح جميع قنوات الاتصال بالجماهير أمامهم من: تلفاز ومذياع وصحف ومحاضرات ودروس في المساجد وغيرها، وربط شباب الأمة بصفة خاصة بهؤلاء العلماء، من خلال عقد اللقاءات المفتوحة معهم، وتسهيل الوصول إليهم... وهنا أهيب بعلماء الأمة أن يتحملوا مسؤولياتهم وأن يوسعوا للشباب صدورهم، وأن يتلقفوهم بأيد حانية تذللهم للحق، وتفقه عواطفهم ومشاعرهم وتصرفها إلى ما يرضي الله تعالى، وترشد طاقاتهم وتوجهها إلى ما يعود عليهم وعلى مجتمعاتهم بالخير والنفع، فتنمحي الحواجز وتتجدد ثقة الشباب بعلمائهم ويحسنوا الظن بهم فيتلقوا عنهم العمل النافع والفهم السديد... وهو ما يضيق ويقلل من فرص انتشار الأفكار المتطرفة، ويتيح الفرصة لنمو الفكر الإسلامي الصحيح المعتدل. 2 - اعتماد أسلوب الحوار في العلاج، فالحوار أسلوب قرآني ونبوي ناجح ومثمر، يأسر القلوب ويحركها نحو الفضيلة، ذلك أن جميع الأفعال التي تصدر عن الإنسان - خاطئة كانت أو مصيبة - إنما تصدر في الغالب عن معتقدات وقناعات لديه لا يمكن تعديلها عن طريق الضغط الجسدي أو النفسي مهما مورس منه، وإنما عن طريق الحوار والإقناع. نعم قد يكف عنها نتيجة الخوف وتحت وطأة التهديد والتعذيب، ولكن ذلك لن يكون إلا إلى حين، وستظل تلك المعتقدات تسيطر عليه حتى إذا ما وجد الفرصة المناسبة خرج ليحقق معتقداته. وليس هذا دعوة للتخلي عن الدور الأمني أو التقليل من شأنه، فهو ضروري ومطلوب للكشف عن الظاهرة في بدايتها ومتابعة أصحابها ومراقبتهم حتى لا يترجموا أفكارهم إلى أفعال تسيء للفرد والمجتمع، ولكنها دعوة إلى التنسيق المحكم بين الأجهزة الأمنية والأطراف الأخرى للوقوف على الأسباب الحقيقية للظاهرة وتشخيصها ومعالجتها باعتماد أسلوب يجمع بين الحل الأمني والحل الفكري من خلال الحوار الهادف والهادئ والتركيز على توعية الشباب بأحكام دينهم، وكشف الشبه عنهم وجدالهم بالتي هي أحسن، وإقناعهم بالحجة البالغة بالحكمة والموعظة الحسنة. 3 - التعامل مع هؤلاء المتطرفين - ولو مبدئيا على الأقل - انطلاقا من كونهم أصحاب فكر خاطئ ومعتقدات فاسدة، أو من كونهم أصحاب حالات نفسية أو احتياجات خاصة، يحتاجون للتوجيه والترشيد والعلاج بالشفقة والرحمة والبحث عن الطرق المناسبة للعلاج.... لا أنهم مجرمون يتم التعامل معهم بكل قسوة وعنف وإنزال أنواع البطش والتنكيل بهم بمجرد الاشتباه والاتهام، بل وحتى لو تمت إدانتهم فينبغي التعامل معهم بحذر، ومحاولة إقناعهم وإتاحة الفرصة لهم وإعادة تأهيلهم ودمجهم في الحياة والمجتمع ما أمكن، فآخر الدواء الكي،وقديما قالوا: ينال بالرفق ما بالعنف لم ينل، والعنف لا يورث إلا عنفا. 4 - العمل على تخفيض مثيرات التطرف والعنف إلى أدنى مستوى ممكن، وذلك من خلال إصلاح الأوضاع الشرعية والأخلاقية في المجتمع، وحمايتها من الانحلال الأخلاقي، وإنشاء ودعم مؤسسات إصلاحية تقوم على حماية الآداب والأخلاق, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, ومنع تفشي الفواحش والمنكرات... فكما يوجد جهاز مختص في مكافحة المخدرات, يجب أن توجد أجهزة قوية وذات صلاحية واسعة لمكافحة مختلف الجرائم والممارسات التي تخل بشرف وكرامة المجتمع وتتنافى مع أخلاقه وقيمه وعاداته ومعتقداته… وإرساء قواعد التكافل الاجتماعي ومحاربة الفساد… ومنع الظلم على المستوى الفردي والجماعي... وإرساء العدل والمساواة... وإعطاء ذوي الحقوق حقوقهم, سواء كانت حقوقاً مالية أو شخصية أو فكرية أو ثقافية أو سياسية… ذلك أن المجتمعات لا يمكن أن تقوم على الظلم أبداً, والله تعالى ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة. 5 - الاعتناء بالشباب وبقضاياه واهتماماته وطمحاته: وذلك من خلال تربيته تربية سليمة صحيحة، على أن يكون القائمون عليها هم من أصحاب الفكر الإسلامي الوسطي النَّير، ثم بالعمل على إيجاد قنوات تمتص طاقاته وتستثمرها في قنوات مفيدة للمجتمع، على أن تراعي تلك الأنشطة طبيعة الشباب التي تحتاج للحركية والحيوية. فالشباب بطبيعته يتمتع بطاقات هائلة ومتنوعة: من الطاقة الجسمية، والقدرة الفكرية، والاستعداد للتضحية... يمكن أن تكون طاقة بناءة مثمرة إذا وجدت من يوجهها التوجيه الصحيح، ويمكن أن تكون طاقة هدامة للفرد والمجتمع إذا لم تحض بالعناية والتوجيه، فهي أشبه ما تكون بالسيل الجارف، فهذا السيل إذا وضعت له السدود والمعابر وصرف بطريقة صحيحة؛ فإنه يكون خيراً للإنسان ولما يمتلكه الإنسان من الحيوانات والزرع وغيرها، وإذا أُهْمِلَ؛ فإنه يكون تياراً جارفاً يكتسح الإنسان والحيوان والزرع وغيرها من المنشآت، وهكذا طاقة الشباب.
المصدر: http://www.elbidaya.net/spip.php?article4451

الأكثر مشاركة في الفيس بوك