في الفكر الدعوي

في الفكر الدعوي

تأليف
أبي يزن حمزة الفتحي

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ويرضى، صلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد :
فإن مصطلح (الفكر الدعوي) من المصطلحات المهمة والأصيلة في العمل الإسلامي، والتي تفرضها الظروف الحالية للمسألة الدعوية، وهي تواجه بحراً خضماً من الصراع والمحن والأشواك، ولا يخلو من تطورات وأحداث ومكتشفات، يمكن للدعوه استثمارها إذا ما فكرت وخططت وأعدت محاسن العُدد، ورسمت مباهج الصور، التي تتوقع المستقبل، وتحسب حساب المستجدات، ولا تهمل المتغيرات، وما يكون فيها من تجاعيد وملمـات.
إن واقعاً بحجم عالمنا هذا الواسع والمختلف، والمتقلب المتجدد ، لجديرُ أن يٌعِدَّ له الإسلاميون عُدتهم ، ويرسموا مناهجهم بدقة، ويمارسوا بعقلانية، ويتحركوا بحكمة، وأن يتجاوزا مراحل الارتجال والعشوائية التي عاشتها الدعوة الإسلامية أحقاباً عديدة.
هذا الدين العظيم، دين النظام والوعي والحكمة والإعداد، وهي مفردات ينتظمها الفكر الدعوي، الذي يجذبنا ويستدعينا لمزيد التفكير والتخطيط والإجادة والتدبير.
قال تعالى : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) (سورة الأنفال : آية 60)
ومثل هذا الإعداد لا يتم بصورة ارتجالية مندفعة، كلا! بل لابد له من نظر ورسم وتخطيط وروية، وهذا ما يستوجبه المنهج الإسلامي والواقع الدعوي، والظرف التاريخي، لأن دعوةً بهذا العمق والضخامة والجهد، لابد لها أن تسير في قالب من الفكر والجودة والتنظيم، وأن ترتكز بعد توفيق الله، وحسن تأييده للعقلية الدعوية المدبرة ، والمنهجية التفكيرية الراقية، والتي تشق الآفاق، وتخترق الحدود، وتطالع ما وراء الأشياء، وما بداخل الأحداث والمتغيرات.
كذا ينبغي أن يكون العمل الإسلامي فكراً وخلقاً ونظاماً وإعداداً لتغدو الأمور على سياح البصيرة، وترتقي معالم النجاح، وتأمن الآفات والوقوع في البلايا والمشكلات.
وكم من مشاريع دعوية، تبذل لها الأموال والجهود، بلا خطط وتنظيم وإعداد، فتنتهي إلى الضعف والقصور، ومهانة التأثير!!
ولهذا أحببنا تذكير إخواننا العاملين في الحقل الدعوي بضروة حيازة الفكر الدعوي والعقلية العملية لكل تحرك دعوي من شأنه الإجادة والإفادة وشيوع النفع، حتى نُصيبَ أهدافنا ، ونحقق مرامينا.
وهذه كلمات يسيرات تأتي على سبيل الإشارات الخاطفة والموقظات السريعة، والتي نرجو الله الكريم الوهاب أن يكون فيها أحسن الأثر، وجميل الإنباه والتذكير.
والله ولي التوفيق
ليلة الأحد 21 شوال 1430هـ
10/10/2009م.

لماذا الفكر الدعوي ؟!
إن قضية جُلَّى كالفكر الدعوي ستحلٍّق بالدعوة الاسلامية في فضاء المجد والسمو والتألق ، وستقفز بها قفرات هائلة، وتتجاوز بها مراحل طويلة، لهذا من الضروري أن ندرك أن الحديث هنا عميق أصيل، ذو أهمية بالغة، لا ينكرها إلا جاهل أو مكابر، لم يشم رائحة العلم وفقهه وعمقه وقعره، والله ذو فضل مديد على عباده وأوليائه، وبالفكر الدعوي، تحقق الدعوة مايلي.
1) نجاحات هائلة ، ومكاسب بارزة.
2) تختصر المسافات ، وتتجاوز الصعاب.
3) تمتلك آلة التفكير والتنظيم والإعداد قبل التحرك والسعي والممارسة.
4) فصل المفكر عن الميدانيين العاملين بحيث تحسم الخلافات، ويعرف كل امرئ دوره.
5) يُستشرف المستقبل، وتخترق آفاقه ويسُتعد لمصاعبه بكل دقة وحكمة وحزم.
6) إحصاء الجهود ، وتكاليفها وتبعاتها ومعرفة نتائجها.
7) كشف أنحاء الأغلاط وفرزها وتلافيها في الأعمال المستقبلية.
8) إظهار الصورة الجمالية للعمل الاسلامي ، وأن هذا الدين دين العقل والوعي والعمل المنظم، وليس مجرد نساك جهلة ، أو عملية دروشة معزولة عن واقعها التاريخي والفكري ، كما يظنه بعض المطموسين فكرياً، أو خصوم الإسلام الألداء ، والله المستعان .

(1) التفكير القبلي

من الأهمية بمكان أن ندرك حاجتنا الماسة إلى التفكير والتأمل قبل أي عمل نجريه، أو تحرك نمارسه، لأننا بذلك نعلن احترامنا لأعمالنا، وتوقيرنا لمشاريعنا وبرامجنا، التي يهمنا بالدرجة الأولى نجاحها وتوخيها للسداد والصواب ، وهذا شكل من الحماس المطلوب ، والغيره الملتهبة على مستقبل الدعوة إلى الله، وجهودها ومجالاتها.
ولذا من الحيوي جداً أن نعلٍّم أنفسنا وأبناءنا وتلاميذنا التفكير عند كل عمل، وأنني إذا استيقظت صباحاً لابد أن أعرف ماذا سأعمل هذا اليوم، وعند التزاحم والكثرة أقوم بترتيبها، وتقسيم الوقت عليها (ذكر، صلاة وورد، ودراسة عمل،تربية وتغيير ثم مصالح أخرى).
وهلم جراًً . بمثل هذا التفكير سوف نتعلم أن نحرك الأذهان قبلياً عند كل إرادة، وتحت كل عزيمة لتحفظ الأوقات، ويطيب الإنجاز، ونصيب الأهداف. وننتهز الفرص، والله الموفق.
وفي الحراك الدعوي، من الضروري وضع التأمل على المحك ، وإعداد الخطة، وجردها بالتدبر, وطرحها على طاولة النقاش ، والأخذ والرد، وهذا هو عمل كل مؤسسة دعوية بلاشك ، وإلا كانت مجموعة من اللقاءات المتكررة، والبرامج المستنسخة من عصور أفلت وأزمان انتهت، والله المستعان.
ويطربني هنا قول أبي الطيب :
الرأي قبل شجاعة الشجعان
هو أول وهي المحل الثاني
والرأي (مفرده جميلة) معناها الحوار والمناقشة والتأمل والتشاور، وبعدها يتمحض الفعل، وتنطلق المسيرة الميدانية.
من المؤسف أن ارتجالنا في الحياة اليومية ينسحب كثيراً على أوضاعنا وبرامجنا الدعوية ، فيحصل الاضطراب ، وتكثر الأخطاء، وتتبعثر الجهود، ولذا لا بد لنا من تأسيس بنية التفكير العقلي في حياتنا ، لا سيما التفكير الدعوي والإصلاحي لأن القضية أمانة مسئولة، وليس مجرد إحسان وثواب!!
التفكير القبلي يعني الرسم والتخطيط، والتأمل والاستشراق، وهي مجرد أسباب وخطوات لضبط العمل وبصحة وانجاحه، وإلا فقوام ذلك كله الاعتماد على الله وسؤاله التوفيق والتسديد ، وفي صحيح مسلم عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قل اللهم اهدني وسددني واذكر بالهدى هدايتك الطريق والسداد سداداً السهم( )
وعند اعتبار التفكير، واعتماد التأمل تتهاوى فكرة النية الحسنة، ومحبه الخير المطلق، وكل صنوف المعروف التي من شأنها توريط الدعوة، أو بخسها نتائجها، وجعلها تتلقى ضربات عميقة، بدافع حماسات بلا رؤية، واستعجال بلا أناة وطول بال.
نحترم كل الجهود، ونشكر كل المساعي، ولكن ليس على حساب تقزيم الدعوة أو الإضرار بها لأن ديننا منبع الحكمة والعقل السديد.
قال تعالى : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) (النحل: آية 125)
وهذه الحكمة ذات بعد عقلي عميق، تستنير بالشرع والعلم والخبرة والتجربة ، يدرك ذلك من وعى الشرع، وماس الواقع الدعوي بيانا، وميدانا، وقوة، وعملا، حتى صح فيه قول القائل:
وقد خضت هذا البحر حتى شربته
وكان لي الموج الشديد مقيــلا
فميزَّتُ أنكاد الحياة وحلوها
وكنت بهذا ناقداً وأصيلا
إضاءة : ( فكر قبلاً ، لتصون الوقت ، وتصيب حلا )

(2) التثقيف العميق
من أولى ثمرات الثقافة المستديمة تنمية العقول، وزيادة قدراتها على التعاطي والتفاعل والمشاركة، وإذا كان للقراءة من فضل يُشاد به ويُذكر، فهو نماء العقول وجلاؤها، بحيث تكبر بقدر المعلومات المودعة فيها ، وتجاري واقعها فهما ونقدا،ً وتعليقا وملاقحة.
إن التثقيف العميق عملية تطويرية للعقل الدعوي، تغذيه وتنميه، وتسلحه، ليكون قادراً على معايشة عصره، والتصدي لكل المعوقات، وللرسم الاستشرافي لمستقبل الدعوة.
فأي تثقيف حضاري إنما يبدأ بالقراءة الجادة والفاعلة، التي تغوص في أعماق المحيطات ، وتتلون بألوان مختلفة وتقتطف من كل من فن ونوع زهرة وزهرات قال تعالى : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (العلق: آية 1)
وأجلَّ شئُ يقرأ في هذه الحياة وهو من مكونات العقلية الدعوية (القرآن الكريم) ولكنه ينفع إذا قرىء قراءة تدبرية تفاعلية، ترن في أعماقه، وتخوض في سطوره، مستلهمة كل عبره، ومتأملة كل فائدة، وقانصة كل درس ، وأدب ، وحكمة.
قال تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمد : آية 124 )
وقال تعالى:(كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) (ص:آية 92)
ومما يعين على تدبر القرآن ، استدامة تلاوته والقيام به آناء الليل، ومطالعة تفسيره ومختصراته التي تقرب المعاني، وتجلَّى الغريب ، وتفتح آفاق التفهم والتأمل، فما أجمل تدبره ، وما أحلى تفسيره واكتشاف عبره وبياناته ، لا سيما وأنه قد حوى السير الدعوية ، والتجارب الإصلاحية لسادة القوم من أنبياء الله ورسله، والصالحين، عبر التاريخ التغييري الإصلاحي للبشرية، واحتوى على خط سير أفضل رسول وأكرمه على الله، نبينا إمام الدعاة، ورأس المصلحين صلى الله عليه وسلم، حيث قص علينا القرآن قصصه، ووصف آدابه، وذكر عدداً من معاركه العسكرية والفكرية مع الأعداء، وجلَّى لنا منهاجه التربوي والدعوي في الإصلاح والبناء والنماء.
وكل ذلك مبثوث في القرآن ، يتطلب منا القراءة الهادئة والنظر الاستبصاري التأملي، الذي يحسن استخراج تلك المواقف والأخبار، واستكناه العبر والحكَم من طياتها.
وبعد القرآن يطالع الداعية السنة والسيرة، ويتحفظ ويحقق ، ويدقق، وليقبل على المختصرات ويحاول تكرارها واستلهام العبر والدروس من خلالها.
وليطالع في كل فن كالفقه والتفسير والعقيدة ، والتاريخ ، والتربية ، والسلوك وغيرها من العلوم الحديثة المفيدة وليتردد على المكتبات ويستفيد من الشبكة الإلكترونية ليثري معلوماته ، ويوسع إدراكه وليكن له الصلات والعلاقات بالفعاليات الدعوية، والشخصيات العلمية والفكرية، ليزيد من مهارته الفكرية، وليمارس معهم العملية النقدية والحوارية الراقية. وفي هذا العصر أمكن الاستفادة من الدول الإسلامية كلها وغيرها بالتفاعل والمناقشة والمشاركة عبر السفر المباشر أو بالوسائل الحديثة، وكل ذلك مما يعمق التجربة ويُثريها، ويُحدث تثقيفاً غائراً واستبصاراً بعيداً، من شأنه أن يصنع عقلية ناضجة، ونفسية عظيمة.
ومن التثقيف العميق مطالعة كتب الفكر والتخطيط والسياسة ، والاجتماع وسائر العلوم الإنسانية ، التي تلامس حركة الحياة والدعوة بحيث يشق الداعية مغارات الفكر الانساني ، ويصدق عليه مصطلح المثقف المتفنن، ويقدر على توظيفها في مسعاه الدعوي والإصلاحي.
وليست الثقافة مجرد اهتبال المعارف، ومطالعة الكتب العامة فقط، بل لابد من الاتصال بالمجتمعات، والتعامل مع قيمها وتقاليدها وآدابها، بحيث يصير الإنسان واعياً بعصره، مهتماً بحياته متفاعلاً مع مخرجاته وأوابده وعجائبه ، وفي هذا العصر تفتقت الحياة بعلوم وقيم ومعارف مختلفة، ومن الحيوي هنا معرفتها وتأملها وأخذ الجيد منها ورد السيء المشين فيها، والاستفادة من كل علم ينفع الإسلام ، ويذلل دعوته وهدايته. والميدان الدعوى سيكشف المنتفعين بتلك العلوم والمعارف من سواهم من الأدعياء! لأن كلاً يدعي التثقيف والعقلانية ، ولكنَّ الواقع كاشف وفاضح. كما قيل :

كدعواك كل يدّعي صحةَ العقلٍ
ومَنْ ذا الذي يدري بما فيه من جهلٍ
(3) الضبط الشرعي
وهو عبارة عن امتلاك علمية شرعية كافية، تهئ حاملها لحيازة الفكر الدعوي، وذلك من خلال حفظ القرآن أو بعضه، وفهم تفسيره وضبط أوائل المختصرات العلمية، وتكرار بعض الكتب الجامعة، والتلقي عن بعض الأشياخ قدراً من الزمن لتتم نواة البناء، ويحصل الفهم والإستيعاب.
وهذا الضبط لابد أن يكون متلوناً في أكثر العلوم الشرعية، وليكن هو بمثابة القاعدة التي تثبت صاحبها، وتزمه بزمام الفهم والحٍذق والحكمة، حتى تسير رؤآه ومنطلقاته، من نافذة شرعية متزنة وليس دفعة حماسية أو غيره عاطفية، مجردة من كل حـس للعلم الشرعي!
فيحفظ القرآن أو ما يتيسر منه، مما هو زاد في عملية التدريس الدعوي، ويطالع ابن كثير وبعض مختصراته أو بعض التفاسير العصرية التي تربط القرآن بأحداث الحياة ومجريات الواقع، ويطالع الصحيحين، ورياض الصالحين، ومشكاة المصابيح ويديم النظر فيها كثيراً.
ويقرأ السيرة النبوية لابن هشام ويكرر الرحيق المختوم، وفقه السيرة للغضبان والغزالي ، والسيرة النبوية الصحيحة للدكتور مهدي رزق الله، ويقرأ مختصرات فقهية، وحبذا لو حضر بعض المتون المشروحة ليفك أغلال الفقه عنه، ويندفع بكل حذق ودراية ، ويكرر نيل الأوطار للشوكاني وسبل السلام للصنعاني.
ويقرأً مختصرات فتح الباري وشرح مسلم للنووي ويضبط كتاب التوحيد، ويكرر شرحه للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ المسمى (فتح المجيد)، ويطالع الواسطية والطحاوية.
ويقرأ في بعض المختصرات التاريخية وما يتناول التجارب الدعوية من خلال الإيحاء القرآني.وبعض ما كتب في فقه الدعوة ككتب الراشد والعودة والسيد نوح وغيرهم.
وليكن له الزاد العلمي الذي لا يفتر عنه، وليراجع محفوظاته لئلا ينغمس في الوعظ الدعوي والبرامج الحركية، وليعلم أن قيمته تكبر في الممارسة الدعوية ، بقدر كفاءته العلمية، ونبوغه الشرعي البارز، فلا يمل أن يطالع ويدقق، ويصنف ويخرج ويفيد ويستفيد، ومع توفر الصوتيات الإسلامية وانتشارها ، صار من الممكن استماعها من المنزل ، ومن خلال الحاسوب والمحمول، وتلك نعمة إلهية مجيدة ، نسأل الله شكرها وحسن الانتفاع بها.
(وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها) ، ولشرف العلم وزكاوته، فضَّله أكثر العلماء على كثير من العبادة كما قال أبوالدرداء رضي الله عنه (لأن أتعلم مسألة خير من قيام ليلة). وقال الشافعي رحمه الله(طلب العلم خير من النافلة)
وكان أبو محمد ابن حزم رحمه الله يتمثل بقوله:
من لم ير العلم أغلا من
كل شئ يصابُ
فليس يُفلٍح حتى
يُحثى عليه الترابُ
وكلما استمكن الضبط الشرعي من الداعية صح علمه، واستقام عقله، واتسعت حكمته وأداؤه، لأن العلم الشرعي من أجلَّ ثماره ومحاسنه توسيع العقل، وتصحيح الفهم الذي يحتاجه الداعية في خضم المشاكل والصراعات الدعوية، لأن الميدان ليس ملك توجه واحد ! بل مليئ بكثير من التوجهات والمدارس، التي من المؤسف أنها لاتحرص على الوحدة الدعوية، بل تهتم بمقاصدها وشئونها الخاصة، ومن الضبط الشرعي هنا وعي المسائل الفقهية النازلة، وما يتصل بالدعوة، ويكثر السؤال عنه، وذلك يكتشف عبر الاتصال المباشر بالجماهير، وارتياد المواقع الالكترونية، التي تزٍّود مطالعها بكل جديد وغريب، وهو ما سيأتي التنويه عنه عبر أصل دعوي هام وهو (النباهة الواقعية) إذ لا يحسن أن يحضَّر الداعية معلوماته الشرعية ويلقيها معزولة عن واقع الدعوة ، وظروف الحياة ! إذ لكل مقام مقال ، ووعي الداعية خير من جهله ، ولو عظم دينه وخيره، ومما يُروى (المؤمن كيَّس فطن) ( )
ومن الكياسة فهم الطرح وزمانه ومكانه، وهذه من أساسيات الفكر الدعوي، ولا يكاد يفوته داعية عاقل بصير.
إضاءة : ( لاتجعل المعارف والأحداث تمر عليك ، دون تعلم أو فائدة )
والله الموفق.

(4) الوعي التاريخي

التاريخ عبارة عن رصد حركة الزمان وأيامه وأخباره وتقلباته، ووعيه يعني فلسفة تلك الحركة واستلهام عبرها، وتعليل وقائعها وأسبابها كما قال الإمام ابن خلدون وغيره، ووعي التاريخ مسألة ضرورية للدعاة إلى الله تعالى نبه عليها القرآن بقوله (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ) (يوسف : آية111 )
وقوله (فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) ( الأعراف : آية 176)
وغيرها من النصوص التي تحض على التأمل ، والاعتبار ، والتعلم ، والمحاكاة.
كما قال تعالى : (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ).(الأنعام : آية 90)
ومن المهم للداعية فهم التاريخ الإسلامي لا سيما الدعوي والإصلاحي ، وذلك يكون بوعي الأخبار التاريخية المحكية في القرآن، والسنن النبوية وتدقيق النظر فيها كثيراً.
ومطالعة السيرة النبوية وأمهات كتب التاريخ الإسلامي كابن جرير في تاريخ الأمم والملوك، والبداية والنهاية لابن كثير، وقراءة بعض كتب التراجم التاريخية، نحو سير أعلام النبلاء للذهبي، أو بعض مختصراته كنزهة الفضلاء للدكتور محمد موسى الشريف.
والكتب التي دونت تاريخ الحركات والثورات والتنظيمات الإصلاحية عبر التاريخ الإنساني، وكتب السير الذاتية التي تكشف أغوار سيرة المصلح وأعماق مقالاته وتحركاته، كل ذلك مما يثري التجربة الدعوية، ويرتقي معها الفكر الدعوي، بحيث يتجاوز ذاته وعصره، ويعيش في ذهنية التفكير الندية، التي تغيب عن كثير من الدعاة والمصلحين.
لا نبالغ إذا قلنا إن التاريخ عبارة عن مرآة لفهم الواقع وتفسيره، واستشراف المستقبل والإعداد له، وبالتالي يصح أن نقول : إن التاريخ يعيد نفسه كثيراً، بمعنى تشابه الأحداث، وتكرر الأحوال ودورانها حول السلوك الإنساني ، الذي هو مستخلف من الله لعمارة الحياة ، وبنائها وفق النظام الإلهي.
ولعل من الضروري هنا فقه معالم التاريخ وسننه التي وضعها الله عز وجل في الكون وإدراك محتوى وعبر القرآن التاريخي الذي يصف لنا قصص الأوائل، وأخبار الأمم والأنبياء ، وأحداث المصلحين وغزوات رسول الله ومواقعه مع المشركين ، وتعليمه لصحابته، فإنها كَمَّ هائل. بفهمه ووعيه، يستضىء الإنسان وينتبه فكره، ويؤسس قاعدة تاريخية ، ومنفذا فكريا إلى مشكلات الدعوة ومستجدات الحياة.
ومَنْ وعَى التاريخ في صدره أضاف أعماراً إلى عُمرٍهٍ.
ومن الوعي التاريخي فحص سالف الأحداث الماضية خلال عقد وعقدين من الزمان، والتفقه من عظاتها ودروسها فإنها ذو اتصال مباشر بالحياة الراهنة للداعية وعصره وفكره.
وهنا نؤكد على نظرية الذاكرة (الضامنة) ، وهي التي تحتفظ بأحداث الأمس، ولا تتجاوزها بالإهمال أو النسيان.
لأننا نريد للعقل الدعوي أن يكون عقلاً تاريخياً واقعياً بمعنى يستصحب أحداث الحياة ومشاكلها وتجاربها ويفيد منها إيجاباً وسلباً في مشواره الإصلاحي.
قال تعالي :( وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ)(هود: آية 120 )
وقال عز وجل (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) (هود : آية 49)
ولما أوذي صلى الله عليه وسلم فى بعض المرات قال : ( رحم الله أخى موسى لقد أوذي بأكثــر مـن هذا فصبر) ( ) فهذا هو الوعى التاريخى والذاكرة البعيدة التي يسلو بها الداعية ويتعظ من خلالها . ولما اشتكى إليه خباب رضي الله عنه وبعض الصحابة شدة مالقوا من المشركين أرشدهم إلى التاريخ السالف ( لقد كان الرجل فنحن قبلكم ، يحفر في الأرض فيجعل فيه فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه، فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد مادون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه ، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء الى حضرموت لايخاف الا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون( ) فإضافــة إلــى ماورد فى القرآن يعزز ذلك رسولنا صلى الله عليه وسلم بقوله ( فيمن كان قبلكم ) ليربي صحابته وأمته على استلهام دروس التاريخ، ووعي أحداثه المليئة بالعبروالمثبتات، والغاصة بالأنوار والمحفزات ، وقد سمى الله ذلك (بالقصص الحق) وسماه (أحسن القصص) وقال ( ما كان حديثا يفترى)
وحضَّ العقول والبصائر إلى مزيد من التأمل ، والغوص في الفكرة والاعتبار (فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (الاعراف: آية 176)
إضاءة : ( خض الواقع بعظات التاريخ ، لتسلم الأخطاء )

(5) المرامى البعيدة :
وهى صدى الأفعال وثمار التحركات ، ونتاج البرامج المدروسة والمشاريع المضبوطة .
كم من فعل يسير بسيط ، يغدو بالفطنة والدهاء امتداداً دعويا هائلاً، وبحراً غزيرا دفاقا ، فلا بد أن يكون للدعاة أعمال وتحركات لاتقصد لذاتها فحسب ، بل تهدف إلى الإحداث البعيد، والتوسع والتسجيل ، والاختراق ، وهذا من جرائه أن يحدث مايلى :-
أولا : يسجل للدعوة الاسلامية موقفا وحضوراً معينا .
ثانيا: جمالية التكيف مع الظروف الشديدة ، والأشواك المتناثرة
ثالثا: إحداث تقدم سريع وفاعل يجاري حركة التاريخ ، ويقاوم بعض المستجدات.
في سيرة رسولنا صلى الله عليه وسلم كانت المرامي البعيدة ظاهرة من خلال تحركاته ومسئولياته الدعوية عليه الصلاه والسلام فمثلاً فى صلح الحديبية رضى بغبن الصلح وفداحته من أجل استكمال الدعوة، وإرغام قريش والتنديد بها فى الوسط العربى ، وجذب الانتباه نحو الدولة الجديدة ، وخطابها الجديد المؤثر ، فأمن الناس وسكنت الحياة وأصغى الناس للخطاب الإسلامي ورأوه خير مايٌطرح فى تلك الساعة ، فاستجابوا استجابه سريعة .
وإذا دققنا تاريخياً ، فإن صلح الحديبية كان فى سنة 6 هـ وعدد المسلمين 1400 رجل ، ثم أعقبه فتح مكة سنة 8 هـ وعددهم عشرة آلاف مقاتل ، في مدة قصيرة لاتتجاوز السنتين كانت كافية لاجترار الآلاف من العرب إلى دين الله تعالى ، وحلاوة الايمان ، وصنع تلك التحولات التاريخية والمفصلية والفكرية فى حياة الأمة ، فهذا مقصد بعيد ، تماناه رسولنا صلى الله عليه وسلم ، واحتمل مرارته الأولية ، ليقطف بعد سنين سريعة ، ثمار النجاح والإعجاز والانتصار .
ولعل من اللطيف البهيج هنا ، نزول سورة الفتح منصرفهم من صلح الحديبية، وفي ذلك إشاره جلية إلى ضخامة الفتح ، وسعة الفرج الكبير (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً) (الفتح: من آية 1-3) واستدعى رسول الله زعيم المعترضين على الصلح عمر رضى الله عنه، فتلاها عليه ، فطابت نفسه، وسكن غضبه، قال ابن مسعود وجابر رضى الله عنهما (ما كنا نعد الفتح إلا يوم الحديبية)( ) وفي الصحيح قال لعمر(لقد أٌنزلت علىَّ الليلة سورة لهي أحب إلى مما طلعت عليه الشمس ثم قرأ (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) ( )
وفي صحيح البخارى عن البراء ( تعدون أنتم الفتح فتح مكة ، وقد كان فتح مكة فتحا ، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية )( )
وقال ابن شهاب الزهري رحمه الله ( لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية ، وذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين فسمعوا كلامهم ، فتمكن الإسلام في قلوبهم )( )
والمرامى البعيدة تدل على شفافية العقل ، وفاعليته ، وحسن تعاطية لكل تحرك دعوي، وهى تأتى في صور منها :
(1) البرامج المعدة ، والمشاريع المرتبة للتأثير في مدد زمنية معينة .
(2) المواقف التربوية المحددة ، والتي تكون عبر محاضرات عامة أو دروس خاصة ، أو مؤلفات مقصودة ، أو نصائح مرصودة .
(3) الأعمال السلوكية المتصلة بالداعية ، والتي تكتسب حسن سمته، وحركته ، وطيب أخلاقة ، وعفة لسانه ، وصدقه وأمانته ، وأحواله في الحضر والسفر والصحة والسقم والضحك والغضب ، وكيفية تدينه ومواظبته على أورداه ووظائفه .
(4) اللحن الدائم والثابت للدعاة، والمنطلقات التي يركزون عليها علماً وفكراً وتربية وتثقيفا ، حيث يستطيعون تمرير الأفكار المؤثرة ، والمعالم الناجعة من خلال تلك الطروحات .
(5) التماس الألفاظ الموجهة التى من شأنها أن تحدث جرساً لدى سامعيها ، فيتأملونها، وتكون حافزاًً لهم للعمل ، والتحرك ، والتغيير .
انظر كيف استطاع النبى صلى الله عليه وسلم أن يجعل من ابن عمر ناسكاً عابداً لايدع قيام الليل، بسبب رؤيا قصها على أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها ، وفيها أنه أنه رأى النار ، ورأى فيها أناسا عرفهم ، والرؤيا ثابتة في الصحيحين فحكتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
( نعْمَ الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل )( ) فهذه الجملة حوت لفظين حافزين :
الأول: الثناء على ابن عمر رضى الله عنهما بسبب تلك الرؤيا .
الثاني : دعوته إلى قيام الليل ، والعناية به ، ليكون من العباد القانتين ، وليكون عنوان التوقي والترقى له إلى الله تعالى.
- وموقفه صلى الله عليه وسلم في ترك قتل المنافقين مع حصول الموجب ، نوع من المقصد البعيد ، لأهداف مفيدة جمة فقد قال لعمر ( لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ) كما في الصحيحين ( ) لأن ترك هؤلاء في الوقت الراهن لشر لدعوة الإسلام السمحة ، وتحبيب للناس ، وتقريب لهم ، حيث يعتقدون قرب هؤلاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم كعبد الله بن أبي بن سلول ، حيث كان خزرجياً سيداً في قومه فلو تم قتله ، لنفر الناس عن الدين، وتكونت لديهم صورة ذهنية مشينة عن رسول بسبب عدم اطلاعهم على ملابسات المواقف، التي توجب الخلاص من هذا المنافق الأثيم .
وأيضا إجراء الناس على ظواهرهم ووكل سرائرهم الله تعالى .
ويشبه ذلك تركه للكعبة على بناء قريش لها، ولم يغيره رغم قوله في الصحيحين لعائشة رضى الله عنها ( لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لهدمت الكعبة ولجعلت لها بابين) ( ) لكنَّ ذلك سيزهد قريشا والعرب في الإسلام ، وسيجعلهم يحسون بالتهميش وأن رسول الله فاز بالفخر سواهم ، فتركه على ما هو، تأليفا لهم وإبقاءاً لديهم وقبولهم ، حيث الفترة الزمنية التاريخية لاتسمح بذلك، وهذا من بليغ الفقه وعميقه ، وقد عقد له البخارى في صحيحه باباً بعنوان :
( من ترك بعض الاختيار مخافة ان يقصر فهم الناس عليه فيقعوا في أشد منه ) وهذا مرمى بعيد صنعه رسول الله للحفاظ على أهل مكة فكيف وهم حديثو عهد بجاهلية ، وقد حصل منهم ما حصل يوم الردة ، فخطب فيهم سُهيل بن عمرو رضى الله عنه وقد أسلم وحسن إسلامه بنحو خطبة ابي بكر المشهورة وفيها ( قد كنت اعلم ان هذا الدين سيمتد امتداد الشمس ، فلا يغرنكم هذا من أنفسكم)
( )

(6) الفعل المضبوط
والمراد به انطلاق السلوكيات الدعوية والبرامج الحركية ،عبر أناة متأملة ، وكلام موزون، ونفسية واعية، لاتلقي العمل على عواهنه ولاتركب بالدعوة الصعب والذلول!
بل تتأمل تأملاتها ، وتحسب حساباتها وتتجرد من كل ألوان الفوضوية والعشوائية والإندفاع، التي تفسد المسيرة الدعوية ، وتحرمها النتائج .
ومن هذا نتعلم أن الدعوة لايجوز أن تكون ردود أفعال غير محسوبة ، ولا أصداء تحركات غير مضبوطة ، بل يجب فى ذلك وقبله، أن تكون الدعوة إلى الله عملية ذهنية تختبر وتعرك ، وتصفى، بحيث تبدو للجماهير بلجة واضحة نقية، بحيث تصيب أهدافها وتحقق مقاصدها ومطالبها.
تأمل كيف ضبط رسول الله صلى الله عليه وسلم مشاعره تجاه كشف الشيطان للاجتماع الخطير في العقبة عندما قال ( أدركوا محمداً والصباة ) فقال العباس بن نضلة ( لو شئت يارسول الله أن نميل على أهل منى بأسيافنا غداً
فقال : لا ، لم تؤمروا بذلك ارجعوا إلى رجالكم) ( )
فهذا شكل ذهبى من الفعل المضبوط تجاه التحديات والردود الحماسية، فالجميع يعلم حال رسول الله المضطهدة فى مكة ، وأنه كاد يموت أسفا على هدايتهم ، ولقي منهم الملاقي ، ويرقب بيارق الأمل للظهور عليهم ، وتأديب مكذبتهم ومع ذلك أدرك صلى الله عليه وسلم بحكمته الفسيحة ، ونظرة الثاقب ،ان ذلك ليس خيرا للدعوة بل شرا عليها لأمور .
(1) قلة عدد المبايعين بالنسبة لقريش وأعوانها من القبائل الحاضرة .
(2) أن جماعة المبايعين لم ينالوا التربية الكافية ، ولم يتعرف رسول الله على مدى إقتناعهم وصبرهم على المواجهة .
(3) أن تعكير صفو الموسم، بإحداث ثورة منابذة ، من شأنه أن يضعف سمعة الدعوة ويشوش عليها ، ولايبعد استغلال المشركين لذلك وتنفيرهم العرب من الإسلام .
(4) أن سياسة الصبر والنفس الطويل وإعداد العدة هو المنهج الإصلاحي في سياسات الأنبياء والمرسلين عبر التاريخ وأن الاغترازببزوغ نجمة مضيئة، والزج بها فى المعترك ، سيفقد الدعوة نجوما باهرة ، كانت ستظفر بها لو أنها صبرت وأعدت قال تعالى : (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لهم) (الأحقاف : آية 35)
وقال تعالى : (فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً) (مريم: آية 84)
(5) أن البدء بالقتال ليس هو منهج دعوات الرسل بل دعواتهم قائمة على الحكمة والكلمة الطيبة والمجادلة بالحسنى، والقتال اسلوب خاص يستعمل في طرقه وعند توفر دواعيه وشروطه.
إضاءة :( دراسة كل سلوك دعوي يعني الدقة والوعي )

النباهة الواقعية :

وهى مسألة ضرورية في الفكر الدعوى، لأن الدعوة خطاب للأحياء المعايشين ، وليس للأموات ولا البعداء .المعزولين عنا فمن الضرورى هنا الاطلاع على الواقع والتنبه لأحداثه وتطوراته ، وأن نطور من أنفسنا، ونحسن من أدائنا، لتسمو رسالتنا، وتعظم حجتنا ، وإلا كنا مفلسين هنا ، وفى أذيال القوائم !! .
فمع الجودة الشرعية والتثقيف العميق والوعي التاريخى والإعداد المخطط ، نحتاج إلى ما نسميه هنا (بالنباهة الواقعية) ولانريد الإيغال المتزايد إلا لأناس مخصوصين ، لكن نريد اطلاعا عاماً يجعل الداعية لايكون محل استغفال أو استخفاف بعض الجهات السياسية أو الإعلامية، ولتكون رسالته الدعوية سائرة على نور من الله تعالى :
(وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) (النور: آية 40)
ومن أنوار القرآن أنه ساق للصحابه والناس أحداث الأمم وتجارب الأنبياء والمصلحين ، وحدثهم عن أناس وعالم ممن لم يفكروا فيهم ولم يعايشوهم.
فتأمل قول الله تعالى (الم (1) غُلِبَتْ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (الروم: آية1-5)
هذه آيات مكية نزلت على قوم مستضعفين يعانون ألوان التنكيل والاضطهاد من مشركي مكة ، فما الرسالة هنا ؟!
الرسالة الإلهية تكمن فيما يلى :
أولا : إعلامهم بما يجري على هذا الكون ، وأنهم جزء من تفاعلاته ومتغيراته .
ثانيا : إشراكهم في فرحة الروم بالنصر لاسيما وانهم أرباب دين سماوي بخلاف الفرس ، عباد نار ووثنيون، فالروم أقرب إلى أهل الإسلام .
ثالثا : ليجعل من تلك الثقافة ، ارتقاءً لهم على المجتمع لاسيما وأن أبا بكر ناظرهم بعد نزول الآيات ، فانتصر عليهم بفضل تعليم الله لهم ، بعاقبة المعركة التاريخية بين الأمتين العظيمتين .
وهذه لفتة واحده فى أسباب أهمية النباهة الواقعية وأنها أصل فى بنية الفكر الدعوي للدعاة ، وليست هي أوهام وتخرصات كما يعتقدها بعض الجهال ، ويرونها صرفا عن الشعائر والعلم الشرعي ( ) وما دروا أن من فقه العلم الشرعي معرفة واقع النازلة كما نص عليه الفقهاء .
ومن النباهة الواقعية الاستفادة من كل منجزات العصر ، وإفرازات الحضارة الحديثة ، علميا وتقنيا ، كوسائل الإعلام والاتصال والمكتشفات التي من دورها نفع الدعوة وتسريعها والارتقاء بدورها الحيوي والحضاري ولا ارتياب أن أداء الدعوة حالياًً بأشكال تجاوزها الزمن يعد شرخا فى الدعوة وإساءة إلى الإسلام المجيد ودعوته العالية الرائعة، والله يقول (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) (الأنفال: آية 60)
ويقول (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) (الجاثية: الآية13)
ويقول تعالى: (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ) (الحديد: آية 1)
إضاءة ( إذا وعى الداعية الواقع عاش عصره، واتسعت له المسامع) .

(8) البنية المؤسسية
يمر علينا في كتب التراجم، وفى الحياة الواقعية أعلام سبقوا أزمانهم ، بالهمة العالية والطاقة الباذخة، علماً وجهداً وعطاء لدين الله تعالى، ولكننا ونحن نقدر لهؤلاء ونشكر مسعاهم إلا أن ديننا دين الجماعة ، والتنظيم والمؤسسة قال تعالى (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)
وقال : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) (آل عمران: آية 104)
وقال (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) (المائدة : آية 2 )
واولى معاني التعاون الاشتراك في المهمة والمسئولية .
والعمل المؤسسي المنظم كان بارزاً ومشهودا في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيَّن ذلك من خلال أول مدرسة في الحضارة الإسلامية ( دار الأرقم بن أبي الأرقم ) وفيها صنع الإنسان المؤمن، وصاغه صياغة فريدة لانظير لها، كذلك بيعة العقبة الثانية كانت عبارة عن جمعية تأسيسة لإقامة أول دولة إسلامية وشارك فيها النســاء وقال لهم ( أخرجوا الي منكم اثنى عشر نقيباً ليكونوا على قومكم بما فيهم )( ) وكان ثمة مجلس للشورى والحوار ، فضلا عن مجالس العلم والتدريس .
فالمحصل أن العمل المؤسسى المنظم ليس بدعة في الدين بل هو من صميم الدعوة النبوية ، وعمومات النصوص القرآنية والأثرية تدل عليه.
ومن فائدته مايلى :
(1) ضبط مسيرة الدعوة ، وتحديد برامجها ومهامها .
(2) اجتماع عدد غير قليل من الكفاءات والطاقات المختلفة .
(3) إلغاء الاستبداد والتفرد بكل أشكاله ، وتفعيل الجماعية والمشاركة .
(4) تجذير الدعوة من خلال بقاء المؤسسة والحفاظ عليها ، ولو خفي المؤسس، أو فارق الحياة فلم يزل العمل مستمراً والقنوات دفاقة .
(5) ترسيخ الثمار، وتوسيع مدى الخيرية العائدة من جراء الدعوة ومنابعها، ومصادرها المختلفة .
(6) زلزلة كل صور الفوضوية، والاندفاع والعشوائية الممارسة من بعض الجهات الساذجة ، والأشخاص المعدومي التفكير الظانين.
أن سهولة الإسلام وسماحته تخولهم ممارسة الدعوة إلى الله بلا وعي ولا تفكير. فالعقلية الدعوية الراجحة ، تؤكد استمرارية الدعوة ونجاحها من خلال عمل مؤسسي منظم ، يعد ويخطط ويرسم ، ويتفاعل بكل قدرة وتفهم، بعيداً عن كل أشكال التخبط ، والضياع ، والانفلات .
لقد باتت الدعوة في عصر لاينسجم معه ، إلا الجهد الجماعي المنبثق عن عمل مؤسسى راق، ومقنن بسبب ضخامة الدعوة الإسلامية ، وغزارة ما تواجهه من أخطار وتحديات ، والواقع العملى للدعوة أكبر شاهد على ذلك . فإن الدول والأقطار التى عرفت العمل المؤسسي المنظم حققت نجاحات هائلة ، وتجاوزت كثيراً من المشكلات ، بخلاف التى تنطلق من جهود فردية ، أو تحركات مبعثرة محدودة ، أو نشاط أو مهرجان مخصوص ، ثم يعودون أدراج الرياح .
(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ) (الرعد: آية16) وكون الاسلام دين الجماعة والاجتماع ، ومرده إلى المسجد ومنه يشع ويفيض فهو يؤكد مؤسسية الدعوة الاسلامية ، وحسن انتظامها واتساقها ، وحركة الشعائر والتعاليم في المسجد تربي على النظام ، وحسن الترتيب والتدبير ، فهذا الدين دين العقل والعلم والنظام .
لكن هذه المؤسسات مع إصرارنا عليها، وانتهاجنا بها وبأدوارها إلا أنه يجب أن تدار من قبل الكفاءات العلمية والإدارية الواعية وليس بمجرد القبلية أو المشيخية التى ربما كانت عرية عن كثير من صفات القيادة والأمانة والاتقان قال تعالى:
(إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ) (الْقَصَصُ: آية 26)
وقال تعالى (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) (يوسف :آية 55)
وعلى هذه القيادات تجنب الفوضوية والاستبداد، وتحسين النية والعمل والتواصل مع سائر الجهات، ورسم البرامج وأنشطة المتابعة والرقابة ، ومعايير التقويم والتصحيح، وألا يرتادها إلا الجادون الفاعلون والله ولي التوفيق .
ومن محاسن المؤسسات اجتماع العقول المختلفة ، والطرائق المتباينة التى يلقح بعضها بعضا على طاولة الحوار والنقاش .
قال الإمام ابن شهاب الزهري رحمه الله ( إذا أنكرت عقلك ، فاقدحه بعاقل ) فما أحلى تقادح العقول وتلاقحها في حوار علمي وفكري ، ممتع ، ومنتج ، من شأنه أن يحقق الشورى الإسلامية التى كان يجسدها رسولنا صلى الله عليه وسلم مع صحابته في غيرما موقف تحقيقاً لقوله عز وجل:
(وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) (الشورى: آية 38)
وقوله (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) (آل عمران : آية 159)
ولتحذر المؤسسة الدعوية والخيرية من أن تجتر لمقاصد حزبية مقيتة، أوتسلب هدفها الإصلاحى لأهداف جزئية ، معزولة عن طاقات الأمة وتطلعاتها، لأن إخوة الدين وجماعية العمل أسمى من أن تعكر بمقاصد شخصية ، وميثاق المؤسسات الإسلامية خليق بأن يوصل رسالة جلية المعانى في تحقيق وحدة الأمة ، ونبذ كل صورة التعصب والاستبداد .
إضاءة : (الكيان المؤسسي أعمار أجيال متلاحقة)

(9) المرونة الحركية :
من آكد أساسيات الفكر الدعوي التى تعتلى به وترقيه في مدارج التفوق والاعزاز والجودة امتلاك المرونة الذهنية ، والتى تعنى باختصار ووضوح ( القابلية للحوار والنقد ، والتغيير ، وملامسة الوعي والفهم والتمييز )
هذا المعنى ومايدور في فلكه مطلب رئيس للعقل الدعوى، وإذا حازه الداعي والمربي انسحب معه على تحركاته وسلوكه ومساره الإصلاحى ، وهو ما يُسمى هنا
( بالمرونة الحركية ) والتي هى ناتج وأثر طبيعي لكل ذى عقلٍ مرن ، ولصاحب لب نير متفتح .
ويمكن أن نقسم المرونة الحركية إلى اتجاهين :
الأول: تجديد الخطاب.
والثاني: وعي الإصلاح.
ففى الأول : يستوجب الأمر علينا تجديد خطابنا الدعوي وتطويره وتحسينه بما يتلاءم مع ثوبتنا، ولايصادم عقائدنا وأدبياتنا، فالتجديد هنا بمعنى الإحياء والبعث لما اندرس، وعليه يتنزل قوله صلى الله عليه وسلم كما عند أبى داود بسند حسن
(من يجدد لها دينها)( ) وهو معني بالشكل والقالب وليس المضمون والمحتوى، وهذا التجديد ضرورة دينية وحياتيه لتخليد الإسلام وإشعال جذوته، وجعله السائد المقبول بين أكناف البشرية، أما ما يحاوله بعض أذناب الاستعمار من العلمانيين والتغريبين من تجاوز مسألة الشكل في التجديد إلى قضية الجوهر والمضمون بحيث يتناغم الإسلام مع الرؤية الأمريكية فذلك تبديل صريح، وانحراف لاحد له ولاضابط ، وقد قال تعالى في مدح أهل الإيمان (وما بدلوا تبديلا).
وليعلم أن ما سوى الكتاب، والسنة من مقالات أهل العلم فهذا لابأس من نقده ومراجعته، واتخاذ موقف علمي نقدي منه ، وليس هو مقدساً يحرم النظر فيه أو تعديله أو إلغاؤه كما يظن بعض الجامدين، وعلينا أن نستحضر هنا قوله تعالى (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (النساء: آية 82) وقول النبى صلى الله عليه وسلم (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا : كتاب الله وسنتى) ( )
وقول حبر الأمة ابن عباس رضى الله عنهما (أراكم ستهلكون اقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون قال أبو بكر وعمر) ( )
وقال إمام دار الهجرة نجم السنن مالك رحمه الله:( كل يؤخذ من قوله ويُترك، إلا صاحب هذا القبر عليه الصلاه والسلام) فالتراث الفقهى الإسلامى محل مفخرة لنا، ندرسه ونستفيد منه، ولكن لا نأخذ بعضه على علاته دون نظر ونقد وتمييز، ولا نجير مفاهيمه لواقع جديد مختلف، وإلا كنا نسابق الطائرة بالخيل والبعير، ونقاتل الخصم بالمعدات القديمة والبالية فلنتأمل !
ومن المفيد جدا هنا للعملية الدعوية كتابة كتب عصرية مناسبة للعقل الإنساني المعاصر، تشرح القرآن، وتكشف أبعاد السنن وتتكلم عن العلوم الحديثة، وتفصل في نوازل الحياة بطريقة شرعية متزنة وهذا من التجديد المطلوب، ويؤيده قوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) (إبراهيم: آية 4) وقوله (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً) (القصص: آية 34)
وأما الاتجاه الثاني: وعي الاصطلاح، فهو بمعنى فقه المسيرة الإصلاحية الراهنة ومتطلباتها واحتياجاتها، بحيث يتناغم ذلك مع تجديد الخطاب وروح العصر، ووضعية الثقافة السائدة، والمنجزات الحديثة. والتطورات المحلية والإقليمية والدولية.
وأظن هذه المسألة باتت أكثر خطورةً وتعقيداً، مما كان بالأمس، لأن مؤثرات العولمة وإفرازاتها باتت تصّير العالم كالقرية الواحده أضف إلى استعداء الإسلام، وجعله رأس الحربة، فيما يسمى (بالحرب على الغرهاب) وحوصرت الدعوة من كافة الطرق، وغدا السمت الإسلامي محل خوف ومطارده فمن قضية رفض الخمار في فرنسا، إلى حظر المآذن في (سويسرا) التي كانت تتسم سابقا بالسلام والحياد( ) إذن فنحن أمام تحديات ومشكلات عنيفة تحتاج منا إلى مزيد من الوعي والفهامة وحسن التصدي، ليس على المستوى الشخصي فقط، بل على المستوى الإجتماعي، المؤسسي والأممي إن وجد. وإلان فالمسألة أخطر مما نتصور، وأكبر مما نظن، والله المستعان .
قال تعالى: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (الصف :8)
وقال عزوجل:(وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف: أية 21).
وقال سبحانه وتعالى : (وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ) (النمل : آية 50-51 )
وقال ربنا عز وجل (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (يوسف : آية 110)
إضاءة : (قد نملك مرونة الأقوال، ولا نملك مرونة الأفعال).

(10) التعرف الديمومي
كما يقرر العلماء دائماً العلم بحر لا ساحل له، وكذلك نبضات المعرفة، وسرج الثقافة، ونفائس الدهر، لا تزول ولا تنقضي، ولا يزال الإنسان يتعلم ويستكنه في عجائب هذا الكون المسخر له من الباري تعالى.
فالعقل الدعوي يتعلم ويستفيد، ويتعرف ويستزيد، ويتمكن وينضج، ولكنه لا يصل إلى حد النهاية، ولا سد الغاية ولا يزال يتعلم كل يوم، ويتفقه كل لحظة ودقيقة.
وهذا المعنى موجود في كتاب الله تعالى فإن عجائبه لا تنقضي، ونفائسه لا تنفد، ولايزال الإنسان يردده كل يوم، ويتلوه في كل صلاة، وهو يتعلم ومنه ويستفيد، ويشعر كأنه لأول مرة يقرأه ويستفيده ويلتذ به.
ومن هنا نستيقن أن المعرفة والتعليم، عملية دائمية مع الإنسان، ومع المسلم على وجه الخصوص لما في القرآن من هذه العجائب والأسرار، وأمر الله بالتدبر الدائم، والتفكير المتواصل ليرقي إلايمان ويتسع الفكر، ويصح اللب والفؤاد.
قال تعالى :(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمد : آية 24)
وقال سبحانه عن الجن (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ).(الجن: آية 1-2)
فالمهم حاجتنا الروحية إلى العلم المستديم والاطلاع المتزايد لنقاوم الحياة ولنحي الدعوة، ونتجاوز مشكلاتها وعوائقها.
وقال تعالى : (وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ)
(آل عمران: 79).
وفي التراث الإسلامي، مقالات حاضّة على ديموية المعرفة، والانقطاع الطلبي والتزود العلمي والفكري.
قال ابن المبارك رحمه الله: (لايزال الرجل عالماً ما طلب العمل فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل) ( ).

وقال الإمام أحمد رحمه الله : (مع المجيرة إلى مقبرة) ( ). وابن المبارك أيضاً يقول (اطلب العلم حتى الممات) ( ).
وله معني جميل يقول فيه (لعل الكلمة التي تنفعني لم أكتبها بعد) ( )
كما أن المعلومات كثيرة جداً، وليس كلها ما ينفع المرء وإنما نفائسها وغيدها وملاحها.
وهذا موسى عليه السلام رغم نبوته، وحذقه، وتعليم الله له، يقول للخضر عليه السلام (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً). (الكهف: آية 66) وهنا يقول الإمام قتادة السدوسي رحمه الله (لو أن أحداً يكتفي من العلم بشئ لاكتفى موسى عليه السلام).
والتعرف الديمومي آية التواضع، وحب المعرفة، والنهم الفقهي، والرقي العقلي والشحذ الخلقي والنفسي، ولا ينفك يجعل المسلم يترقى في مدارج النور والعز والإبداع، لأنه سعادة روحية غامرة، وفيووض إلاهية دفاقة، ونفع بشري آسر.
فلنكن عليه، وليستمتع به الإنسان، لا سيما الدعاة إلى الله، لتزيد التجربة فتحاً ونضوجاً، ويلتهب التأثير واقعاً ولموعاً.من المؤسف أن بعض مفكري الدعوة ومنظريها، يعتقدون نهاية الفكر الدعوي إلى حد معين، وهذا خطأ شديد، لأن الفكر في اتساع دائم، والعلم لاحد له، وهو الأساس الغذائي والتنموي للعقل الإنساني، وكل شئ في الحياة يضيق، إلا الفكر فإنه في اتساع بالعلم، والمعرفة والبحث والاطلاع، ولا يمكن أن يصل إلى درجة من التشبع أو الانقطاع، بل إنه مع كل زيادة علمية، يفيض على المعرفة الإنسانية نوراً وبذلاً وحُسناً وعطاءً.وهذا سر من أسرار العقل الإنساني الدال على عظمة الخالق سبحانه (وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (الذاريات: ).إضاءة : من أروع ما حفظت كلمة محمد بن عبدالباقي الحنبلي: (من خدم المحابر خدمته المنابر)(1)
(1)البداية واانهاية12/217 شذرات الذهب4/108

1(11) التخطيط المرسوم

عمل ضروري ورئيسي للجهد الدعوي إذا كان يفكر بأناة وعقلانية، وهو قاعدة ركيزة وبارزة في الدعوة المؤسسية والأعمال المضبوطة، ولكنني خصصته بالذكر هنا، لمزيد الاهتمام، ولجذب الانتباه ، إلى أن الدعوة رسم وعمل، وخطة وتنفيذ، ومشروع ورصد، ومقدمات ونتائج ، وزرع وثمار وليست مجرد حركات منزوعة، وسلوكيات فارغة، تنتهي بمجرد الانقضاء!كلا، هناك إعداد مبرمج، وخطة مدونة، وتأمل ومراقبة لما يحدث ويصير على آماد بعيدة..
وكتابة الخطة الدعوية يجب أن تمارس على المستوى الشخصي للعلماء والدعاة. فضلاً عن المؤسسات والهيئات لتضبط الأمور، وتحفظ الأوقات، وتورق الثمار والحسنات.
وفي كتابة الخطة الدعوية فوائد منها:-
1) تعلم الحس الفكري ، وحسن التنظيم والتوزيع.
2) ضبط الأوقات، ووضع الأولويات في مصافها الصحيح.
3) إدراك المحاسن والمساوئ وكشف الأخطاء والنجاحات.
4) كشف حقيقة التجربة خلال مدة زمنية معينة، تمتد من ستة أشهر إلى سنة مثلاً، وقد باتت الجهات الدعوية الآن تكتب خططها وبرامجها، وهذا حسن، لكننا الآن نطالب بكشف أبعاد التخطيط وثماره ومحاسنه، ومدى تلاؤم الجهد المبذول مع النتائج المحققة.
وهنا نحتاج للجان المحاسبة والمراقبة، والشفافية، التي تكشف معالم الخطأ والصواب في ذلك.
والتخطيط ليس كل إنسان يرسمه ويحدده، بل لابد له من عقول وعت الشرع فقهاً ونظراً وتطبيقاً، وماست الحياة والدعوة حكمةً وخبرةً وتمييزاً.
هؤلاء هم كتبة الخطة الدعوية، وليس من قل عمره، وهانت خبرته، وقصر نظره وفهمه، ولم يشم رائحة العلم الشرعي، أو يستطعم حلاوته ونعماءه.
ان كتابة المخطط الدعوي هو نتاج الخبرة الشرعية، والتاريخية، والوعي الثقافي والمدني، بحيث تكون خطة ذات صلة بالواقع، وليس مثالية طاغية، أو هشه خاوية، تستفرغ الجهود والأموال، دون أثر أو نتاج وتحقيق !!
إن العمل الإسلامي خطة حياة، ومسيرة أمة، تأمل إعادة مجدها، واسترداد سلطانها المسلوب.
ولابد، وأن يظهر دين الله على الدين كله ويهيمن الإسلام، وتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى.
وكما قال صلى الله عليه وسلم في حديث خباب رضى الله عنه في صحيح البخاري. (والله ليتمنَّ الله هذا الأمر، حتى يسيرَ الراكبُ من صنعاءَ إلى حَضرموت، لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه).( )
ونارية العصر المتزايده على الإسلام، وقضاياه توجب على رواد العمل الإسلامي التخطيط، وحسن الرسم والإعداد وأخذ الأمور بشرعية عقلية مكتملة.
وقصة الهجرة النبوية التي كانت بوابة الدولة الإسلامية الجديدة كانت عملية تخطيطية مدروسة، ولم تأت جزافاً هكذا، فأبوبكر رضى الله عنه هيأ الناقتين للسفر، وجئ بالدليل عبدالله بن أرقد الديلي، وأسماء بنت أبي بكر تجلب الطعام لهما، ومحمد بن أبي بكر يتسمع أخبار أهل مكة، وعامر بن فهبرة يغطي على آثارهما بدواب الرعي، وهذا إجراء تخطيطي منظم، تم عبر اجتماع مخصوص بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضى الله عنه.
وما أكثر اجتماعهما للتشاور والتناصح حول الدعوة، وسبل استنفاذها من المأزق المكي.
إضاءة : (التخطيط المرسوم، هضم للواقع، حذق للمستقبل).

(12) الرؤية المستقبلية
هي شكل آخر من الحزم الدعوي، والعقل الإصلاحي وهي تتجاوز مسألة التخطيط الميداني لتؤسس لحلم دعوى، بعيد المدى، وربما يصل لعقود من الزمان.
نحن الآن في عام (1431هـ) أي القرن الخامس عشر الهجري، أو القرن الواحد والعشرين ، قرن العولمة، وثورة الاتصالات، وهيمنة القطب الأوحد.
يحق لنا كإسلاميين، مصطَفين مَن الله عز وجل، ولنا رؤية وحلم ومجد مفقود، أن نتصور الدعوة بعد عشرين سنة! كيف شكلها ؟! وأن نُعد كذلك عملاً مخصوصاً، ونسطر برنامجاً معيناً، نتجاوز من خلاله مشكلات دهرنا، ونحتاط لوضعية أمتنا ودعوتنا.
ومما يؤكد أهمية البعد لمستقبلي وتقييده واستشرافه وتحتمه للدعوة مايلي:-
1) خطورة الوضع العالمي على الدعوة الإسلامية، لاسيما بعد قضايا الارهاب والتطرف، ورصد كل ما هو إسلامي وخيري مفيد.
2) استمرار الحملة الاستعمارية، على بلاد المسلمين.
3) تصاعد الكرب والبلاء في أرض فلسطين المحتلة، وصيرورة (غزة) سجناً وسيعاً لنحو مليون ونصف يعانون الأمرين.
4) استشراء الفساد الفكري والأخلاقي، ووجود منافذ تضخه وتنوعه، وتلونه.
5) الانفجار التقني المعزول عن الكون وخالفه وواهبه سبحانه وتعالى (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) (الصافات: آية 96) إذ يحاول الغرب أن يستبد بعلمه ومدنيته عن الرب الخالق الموجود سبحانه وتعالى ، فلا يكون ذلك العلم هدايه لهم، وسبباً لنيل الخشية (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) (فاطر: آية 28) ومع ما هم فيه من علم وعبقرية ابتكارية ينفصمون عن القيم الأخلاقية والإنسانية والله المستعان.
وتصور الرؤية المستقبلية واستشراقها وتشوف أزهارها ومحاسنها وما يكون فيها من مفاجاءت، تجعلنا نمارس شكلاً من أشكال التفكير الحيوي، وهذا يعطينا فوائد من أهمها:
1) إعمال العقل وتدريبه على التصور والتأمل ، واختراق الآفاق والحدود وأعماق المحيطات.
2) توقع المخاطر قبل وقوعها، وإعداد الجهد العملي والفكري لمواجهتها.وهذا إنما يتأتى لصناع التجارب الميدانية ، الذين وإن فاتتهم زهرة الشباب الا أنهم قد منحوا عمق التجربة وعصارتها،كما قال الشاعر:
ليت الحوادث أعطتني الذي أخذت مني بحلمي الذي أعطت وتجريبي
3) إحباط أي شكل من أشكال التآمر المقصود برسم مخطط التحرك وتحاشيه قدر المستطاع.
4) بناء قاعدة مؤسسية فكرية تضطلع بالعمل الإسلامي المنظم، والسائر على أسس متينة ، ضاربة في أعماق البسيطة لا تتزحزح مهما كانت العوائق والمزلزلات.
قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا). (ابراهيم: آية 24)
وهذه الكلمة هي كلمة الدعوة الاسلامية ( لا إله إلا الله محمد رسول الله )، وما تفيضه من قنوات تصب في مسيلها وخيريتها.
5) تعظيم شأن الدعوة في عيون أهلها ومحبيها، وأنها عملية إصلاحية فكرية ، وليس مجرد زحوف عاطفية، أو فيالق مندفعة، لا تعرف الحس الفكري والتنظيمي! كلا بل هي عمل تنظيمي استشرافي مقنن ، والوعود القرآنية والنبوية بالظهور والتمكين، يعزز التخطيط لهذا الحلم المستقبلي البهيج.
قال تعالى : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ). (الآنفال: آية60)
وقال (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ). (الحج: آية 41)
وقال : (فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ) (إبراهيم: آية 47)
وقال : (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ).(النور: آية 55)
وقال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم (إنَّ الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ مازٌوي له منها).( )
وزوي هنا بمعنى : قرب وصغر.
فهذه البشائر النورانية بمجد هذه الأمة، وقيام حضارتها، تجعلنا نرقب ذلك الفتح الكبير، والنصر المبين، الذي يستوجب علينا أن نعمل له، وأن نعد له عدته، جداً وبذلاً وفكراً وتخطيطاً قال تعالي :(خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ).( البقرة: الآية 93 )
وفي صحيح البخاري عن سليمان بن صرد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب: (الآ نغزوهم ولا يعزوننا، نحن نسير إليهم).( )
فهذا النص ، إضافة إلى ما فيه من إعجاز ووحي رباني، فيه تنبيه للأمة الحاضرة أن هناك لقاء محتوماً مع المشركين سيأتي أوانه ، يجب أن نأخذ له عدته بالعمل والحزم والتفكير والسعي، وهذا التنبيه بمعنى التبشير والإنذارالعام، فلينتبه لذلك.
ومع الاهتمام بالرؤية المستقبلية، ما ينبغي للدعوة أن تغفل عن محن الطريق وتحدياته، فها هو نبيننا صلى الله عليه وسلم يحقق حلمه المدني بوجود أنصار لدعوته يبذلون لها ويضحون بلا تردد ولا مخافة، ولكن يحتفظ ضمن رؤيته بقاعدة الدعوة الحبشية التي هاجرت عام (5) من البعثة.
وكان فيها جعفر وأبو سلمة وأم سلمة وعثمان بن مظعون ، وغيرهم من فضلاء الصحابة رضي الله عنهم .
أبقاها رغم ما كان فيه من عز ورخاء ، ولم يقطعها أو يطلب سفر أهلها إليه، بل تركها كرصيد احتياطي للدعوة، وخط خلفي ، سيلجأ إليه إبان المحن والشدائد، وقد اجتمع في ذلك الموقف النبوي عدة معالم دعوية استراتيجية.
1) رؤية مستقبلية.
2) حكمة نافعة.
3) أناة طويلة النفس .
وهذه معان ضرورية للعمل الدعوي المركز ، يجب على صفوة الدعاة تعلمها وفقه دروسها من خلال المناهج القرآنية والنبوية والتاريخية التى سلف شىء منها والله الموفق .
وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم رغم شدة الأذى والعنت في مكة مستيقناً للفرج والنصر ، ويحلم بالظهور ويأمل انفراج الكربة ، واندفاع الغمة كما قالها القرآن (إلا ان نصر الله قريب ) (البقرة : الآية 214 ) ويعد أصحابه بذلك ، فها هو يقول لعمرو بن عبسة كما في صحيح مسلم عندما سأله إظهار الإتباع له قال : ( إنك لاتستطيع ذلك يومك هذا ، ألا ترى حالي وحال الناس ، ولكن ارجع إلى أهلك فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني ) ( ) ووفى عمرو بذلك فأوفاه رسول وتذكره وعلمه.
وهذا الحلم المرتقب استغرق سنوات مليئة بالصبر والبلاء والعمل الجاد . وهو شكل من أشكال التفاؤل الإسلامي الذي يخرج من هم الشدة والمأساة .
ونظير ذلك قال رسول الله لأبي ذر الغفاري رضي الله عنه ، في قصة إسلامه في الصحيحين ، وقد رواها مسلم مطولة واختصرها البخاري ، وجاء في لفظه ( ارجع الى قومك ، وأخبرهم حتى يأتيك أمري) ( ) وفي رواية ( فإذا بلغك ظهورنا فأقبل) فهذه عبارة مفعمة بالأمل الكبير ، والثقة الإيمانية بأنه سيظهر عليه الصلاة والسلام ، وأن أمره وأمر دعوته سيصدح بأنحاء الجزيرة العربية ، وكان ذلك بحمد الله وتوفيقه، وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم ودولته في المدينة المنورة قوة مرهوبة الجانب .

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك