الوقف السعـودي لحوار الأديان والحضـارات والثقـافات

الوقف السعـودي لحوار الأديان والحضـارات والثقـافات
د. إبراهيم بن عبدالله المطرف

لقد أدى سوء الفهم المتزايد بين الإسلام والغرب، إلى تغذية التطرف الديني، وتقويض أسس التسامح وتهديد السلام العالمي، كما أدى إلى بروز ما أطلق عليه بعض علماء السياسة والاجتماع في الغرب، بصدام الحضارات والأديان. وفي هذا الإطار، جاء التجاوب العالمي اللا مسبوق، الذي استقبلت به مبادرة خادم الحرمين الشريفين، المتمثلة في مشروع للحوار بين الأديان والحضارات، والتي أطلقها «حفظه الله» عند استقباله للمشـاركين في المنتدى السادس لحوار الحضارات الذي أقيم في الرياض، تلك المبادرة التي تنبع من الرسالة السامية والسمحة، التي حثنا عليها ديننا الحنيف، والتي تدعو إلى احترام الأديان الأخرى.
يحتل «الحوار» مكانة مهمة في الإسلام، يعكسها ورود كلمة «الحوار» و»مشتقاتها» في أكثر من موضع في القرآن الكريم، حيث تتكرر الكلمة في كثير من آياته، الأمر الذي يدل على أهمية الكلمة والمادة التي اشتقت منها. والقارئ في كتاب الله «سبحـانه وتعالى»، وسنة رسوله «صلى الله عليـه وسلم»، سوف يجد أن كلمة «الحوار» وردت في القرآن الكريم ثلاث مرات، ووردت في قصص الحوار في القرآن الكريم والحديث الشريف بما يزيد على خمسمائة مرة، وهذا يدل على مكانة الحوار في الإسلام، وإن نظرة الإسلام إلى الحوار هي نظرة تقدير واحترام، تأكيداً لما يمثله من إعلاء لقيمة العقل وأهمية التفكير، وصولاً إلى الحقيقة واستهدافاً للحق.
ويمثل «الوقف» مظهراً من مظاهر التكافل والتعاون والتراحم والتواصل بين المسلمين وغير المسلمين، وقد جاء في بحث لفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور صالح بن غانم السدلان، أستاذ الدراسات العليا في جامعة محمد بن سعود الإسلامية «أن الحاجة إلى إبراز دور «الوقف» تبدو اليوم أكثر من أي وقت مضى، بهدف تعزيز وتوطيد الروابط الاجتماعية والعلمية والمعرفية، بين المسلمين وغير المسلمين“.
ومن هذا المنطلق، المتمثل في الأهمية الكبيرة التي يحتلها «الحوار» و»الوقف» في الإسلام، جاء المقترح الحضاري والإنساني التالي، ليدعم توجّه خادم الحرمين الشريفين لـ»الحوار»، ويعزز ثقافته من جهة، ويبني جسور التعاون والتفاهم بين أعضاء المجتمع الدولي من جهة أخرى، وذلك من أجل تعايش سلمي، طالما تحدّث عنه خادم الحرمين الشريفين، وتمنته قيادتنا الحكيمة.
ويتمثل المقترح في تأسيس «وقف» هدفه دعم مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين الحضارات والثقافات والأديان، وتوفيرالدعم المالي اللازم للمبادرة، لتتمكن من الاستمرار في عملها وتحقيق أهدافها، خاصة أن استمرارية المبادرة أمر بالغ الأهمية.
إن وقفاً حضارياً وإنسانياً كهذا، سيلقى استحساناً ودعماً مالياً ومعنوياً عالمياً، من الدول والهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية والدينية والسياسية، ومن رجال المال والأعمال والمحاماة والأدب والأكاديميين، والمجموعات التجارية والاقتصادية، والمؤسسات والجمعيات والمنظمات الخيرية والاجتماعية والإنسانية في العالم بأسره، وذلك لما للمبادرة من تأثير ايجابي على حياة المجتمعات في عالمنا المعاصر، ولكون المبادرة تمثل جسراً، يتيح لهذه المجتمعات، إلى جانب جهود الحكومات، فرصة مختلف الأديان والحضارات والثقافات، لبناء العلاقات وتوطيدها في المجالات الدينية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية والثقافية والعلمية والإنسانية وغيرها.
وسوف يؤكد تبني المملكة العربية السعودية وتأسيسها للوقف مشاركة ودعم سعودي لإنجاح مشروع «الحوار بين الأديان» ويسهم في زيادة الوعي بأهمية الحوار والتعايش السلمي، ويساعد في دعم الجهود القائمة التي تُبذل في مجال حوارالأديان والحضارات والثقافات، من اجل عالم يسود فيه التسامح، وينبذ فيه العنف والإرهاب، وهو توجّه خادم الحرمين الشريفين الذي أشار إليه في العديد من المناسبات.
وقد كان من أهم المناسبات التي أشار فيها خادم الحرمين الشريفين إلى أهمية الحوار بين الأديان، ذلك اللقاء التاريخي في الفاتيكان، الذي جمعه، حفظه الله، في شهر نوفمبر من عام 2007، مع البابا بنديكتوس السادس عشر، والذي أشار خلاله خادم الحرمين الشريفين إلى «أهمية تعزيز الحوار بين أتباع الرسالات والثقافات»، وكذلك ما جاء في كلمته «حفظه الله» في حفل «منى» السنوي لرؤساء بعثات الحج، والذي «دعا خادم الحرمين الشريفين من خلاله، كل من تصل إليه كلمته، أن يتذكر ما يجمع بين الأديان والمعتقدات والثقافات» وهي دعوة تمثل حرصه «حفظه الله» على أهمية تجاوز الخلافات وتقارب المسافات بين الأديان السماوية، من أجل عالم يسوده السلم والأمن.
إن تأسيس الوقف المقترح برعاية مباشرة من لدن خادم الحرمين الشريفين، سوف يمثل اهتماماً سامياً وسعودياً بمشروع دولي رائد، يهدف من بين ما يهدف إليه، إلى تحسين علاقات العالمين الإسلامي والغربي من جهة، والتصدّي لمنظري ومناصري «صدام الحضارات» من جهة أخرى، وذلك من خلال التركيز على مفهوم الحوار، وهو أمر طالما تطلعت قيادة هذا الوطن النيرة، إلى تحقيقه.
وسوف يمثل وقف «الحوار بين الحضارات والثقافات والأديان» مرحلة جديدة من التضامن والتعاون الدوليين، مرحلة تحتمها الرؤية الصائبة إلى المستقبل، بكل ظروفه وملابساته، المستقبل الذي يتمنى المجتمع الدولي أن يشكّل انطلاقة واعدة بالخير.
ومن هذا المنطلق، جاءت فكرة تأسيس «الوقف» ليكون العامل المساند الأول بعد الله، لإنجاح مشروع الحوار و»استمراريته» برعاية وقيادة سعودية سامـية، لتضيف بذلك المملكة العربية السعودية، لفتة حضارية مميّزة إلى ما تقدّمه مملكة الإنسانية للأسرة الدولية في شتى بقاع الأرض، ولتؤكد المملكة للعالم أجمع أن القيادة السياسية السعودية، ممثلة بخادم الحرمين الشريفين، لا تتحدّث عن مبادرة للحوار فقط، بل أسست للأداة التي ستجعل من دعم الحوار وتطويره ونشره والتثقيف به، أمراً واقعاً وملموساً.
وان ما تشهده بلادنا من نشاط سياسي واقتصادي وإنساني ملموس وملحوظ في طريق التعاون والتضامن الدوليين، لأمر يبعث على الفخر والاعتزاز، وان نظرة متأنية لما شهدته بلادنا في الآونة الأخيرة، توضح جلياً مدى الرغبة الصادقة التي يوليها هذا البلد الكريم، بقيادته الحكيمة ونواياه الحسنة، لكل ما يخدم الإنسانية.
ونتوقع، من خلال إدراكنا للتأثير الايجابي المباشر وغير المباشر للوقف، أن يدفع هذا العمل الإنساني، ومع الوقت، بالعلاقات الدولية وبالاستقرار السياسي وبالتوازن الاقتصادي العالمي قُدماً، وذلك كنتيجة مباشرة للآثار الايجابية النفسية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية المترتبة على الوقف. كما نتوقع أن يلعب الوقف المقترح دوراً كبيراً في نهضة الحضارات وثقافاتها، وفي مسار حوارات الأديان ومستقبلها.
ونتوقع أيضاً أن تتشابك الجهود على مستوى الأفراد والجماعات والمنظمات كجهات فاعلة في تحقيق أهداف الوقف، وأن تشجّع الدول المشاريع التي تدر الدخل لصالح الوقف، لدعم تمويله الذاتي المستقبلي. ناهيك عن توقعنا بنصرة المنظمات والوكالات المتخصصة الدولية، وعلى رأسها المنظمة الدولية الأم، هيئة الأمم المتحدة، وتقديمها الدعم اللا محدود لكل ما من شأنه نجاح الوقف في تحقيق رسالته الإنسانية.
وتيمناً بالحديث الشريف الذي جاء فيه «أن خير الناس أنفعهم للناس» فإننا نطمح لأن يحظى هذا المقترح وفي هذه الأيام المباركة، لدراسة من قبل الجهات المعنية، وبرعاية كريمة من القيادة السياسية السعودية.

iam@dialogue-forum.org

المصدر: http://www.alyaum.com/News/art/24123.html

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك