نظرية التطور في الأديان محاضرة للأستاذ أحمد القبانجي

نظرية التطور في الأديان محاضرة للأستاذ أحمد القبانجي

آريين آمد - الحوار المتمدن
2011 / 2 / 7
بدءً يؤكد القبانجي بأن نظريته في تطور الأديان ليست بالضرورة أن تكون صحيحة ومطلقة، إنها دعوة للمناقشة والتأمل من منطلق (ليس هناك مقدسات، كل شيء قابل للمناقشة والبحث)، ليس هناك من سبب يجعلنا نجمد على فكرة واحدة، علينا دائما إعطاء فرصة للعقل الإنساني لينطلق في سماء الإبداع.
نظرية الحاجة والانسجام تفسر جوانب عديدة في الدين بعيداً عن الغيب والملائكة والقضاء والقدر، فلدينا اليوم أدوات كثيرة يمكننا استخدامها في التحليل بطريقة تنسجم مع طبيعتنا الأساسية لأننا بشر أولاً وليس لنا إلا أن نحاول إصلاح حياتنا ودفعها نحو الأفضل دوما في عالم متحول، اعتقد بأن أحمد القبانجي نجح هذه المرة كما في المرات السابقة في طرح ومناقشة معتقدات قديمة بلغة عصرية.
تأريخياً كانت الرؤية الدينية للكون قبل الفلسفة اليونانية تفسر وتعيد كل شيء إلى طباع وعادات الآلهة لهذا فقد قالوا بأن عادة الآلهة جعلت النار محرقة والماء سيال، ودائماً كانوا ينسبون الأمور الطبيعية إلى الله، كحمل السفن في البحار والمحيطات أو الطير في السماء "أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير" فكانوا يؤكدون بأن الله في كل مرة يجعل النار حارة، ويجعل الأجسام تسقط، الله يسخر كل شيء.
ثم حصلت نقلة نوعية في الفلسفة اليونانية حيث تم الانتقال من عادات الآلهة إلى طبيعة الأشياء، فطبيعة الحجر المقذوف إلى السماء تجعله يسقط إلى الأرض، وكذلك بالنسبة إلى الماء، فطبيعة الماء تجعله سيالاً دائماً.
النقلة الثالثة والأهم حدثت في الغرب وتمثلت بالثورة العلمية التي نجحت في تحويل الكم إلى كيف، إلى أرقام (نحن واقعاً نعيش في عالم الأرقام Digital) فنسبة السكر في الدم مثلا يتم الإشارة إليها على شكل رقم، كذلك ضغط الدم، فأصبحت الرياضيات هي الأصل، بينما كانت معرفة النفس هي الأصل.
دارون جاء بنظرية التطور في الأحياء، من خلال شواهد معينة، وعلى نفس الأساس سنحاول أن نطرح نظرية علمية تتناول التطور في الأديان بعيداً عن الأسلوب القديم الذي كان يعتمد على الغيب في تفسير الظواهر.
فهل تخضع الأديان لقانون؟ لأن الغيب ليس بقانون لا بل إن التفسير الغيبي للأمور يعقد المشاكل.
نظريتنا تنطلق من الاعتراف بأن أصل الأديان إلهي وباقي الأمور مثل العقائد والمعارف والتشريعات فكلها بشرية. هذه النظرية أسميها نظرية الحاجة والإنسجام، وسنحاول جاهدين تقديم الشواهد التي تدعم نظريتنا.
من هذه الشواهد على سبيل المثال، الفقر يولد الدين، الغنى يقلل الدين، كلما ازداد جهل الإنسان ازداد تمسكه بالدين لذلك فان الأفغانيين شديدي التمسك بالدين لأنهم شديدي التخلف.
أصل الدين هو الإيمان بالله وحب الخير للناس، أما قشور الدين فكلها بشرية.
للدين ثلاث مستويات (الإيمان، العقائد، التشريعات)، أما العقائد والتشريعات فكلها بشرية، فيبقى الإيمان الذي ينقسم بدوره إلى بشري والهي، بشري لأن جوهر الدين هو الإيمان بالله وحب الخير للناس وهذا لا يخلو من بشرية، فنصف الإيمان هو الحاجة إلى الله، فالإنسان يحتاج إلى قوة مهيمنة يربط نفسه بها، أما نفس الإيمان فهو إلهي، فالله يعطي الإيمان لمن يحتاجه، لمن يصلي.
أعلن النبي دعوته في نبذ الأصنام والتوحيد، فقال، قولوا: "لا اله إلا الله" فهل تخضع هذه الدعوة لنظرية الحاجة والانسجام؟؟؟؟
أساس الدعوة لم تكن غيبية بل كانت حاجة نفسية، الحاجة النفسية للنبي كانت واضحة فهو كان يرى المجتمع في حالة من الضلالة، وكان هو يتيماً في ذلك المجتمع، (بالمناسبة إبراهيم لم يكن له أب وعيسى كذلك وموسى)، المجتمع كان يحتقر اليتيم، وهذا الاحتقار ظل مستمراً حتى حينما تزوج خديجة، فالعرب كانوا يعيرون خديجة بذلك، كذلك في بداية حياته لم تقبل أي مرضعة برضاعته إلا حليمة السعدية التي قبلته على مضض. الثقافة المجتمعية عندما تحارب الفرد فهي تولد عنده إما الخضوع التام أو التمرد والدفع في اتجاه محاولة هذا الفرد المقموع تغيير المجتمع، الأنبياء العظام لم يستكينوا بل حاولوا تغيير المجتمع، كانوا يعيرون عيسى بأنك ابن حبيب النجار، أما موسى فكانوا يعيرونه بأنك لست ابن فرعون بل متبنى من قبله، موسى كان يرفض هذا الإذلال، هذه الجدلية بين الإنسان والمجتمع إما يحطم الإنسان أو يجعله (سوبرمان)، الخميني غير المجتمع لان روحه كانت قوية جداً.
تلك إذن كانت حاجة النبي النفسية للدين، أما على صعيد المجتمع فقد كانت هناك حاجة اجتماعية لهذا الدين، فالمجتمع الجاهلي كان مقسماً إلى طبقات، فيه محرومون وفيه مترفون، ومن الطبيعي أن ينتمي المحرومون إلى هذا الدين. فالدين الجديد كان يمنح المحرومين الآخرة بكل ملذاتها، النبي لم ينجح في مكة ولا في الطائف، لكنه نجح في المدينة، لان المدينة كانت تشهد صراعاً بين الأوس والخزرج بلغت درجة الكلل، فوجدوا في هذا الدين ما يوحدهم ويضع حداً لنزاع استهلك كل أسباب استمراره، والسبب الثاني هو وجود اليهود في المدينة الذين كانوا يعيرون العرب بأنهم بدون كتاب فكانوا ينعتوهم بالأميين، وعندما أصبح لعرب المدينة كتاب فهذا حقق لهم حاجة اجتماعية مهمة.
كذلك الحال مع التوحيد، فكلنا نقبل بالتوحيد لأنه حاجة نفسية فمثلما انك لا تريد أن تعيش في شخصين "ضرب الله مثلا رجلاً فيه شركاء متشاكسون ورجلاً سلماً لرجل هل يستويان مثلاً. الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون"، القرآن يقول هل تريدون إلهاً واحدا أم آلهة متعددة، الإنسان بفطرته يريد إلهاً واحداً.
فهل لنا أن نفسر إذن وانطلاقاً من نظريتنا الحاجة والانسجام، لماذا انحصرت النبوة في فلسطين الجزيرة العربية؟؟؟؟؟. ولماذا ذكر محمد بأنه نبي؟؟؟ فهل كان ذلك حاجة وانسجام؟؟ وكيف؟؟؟.
نحن نعرف أن العرب كانوا بحاجة إلى من يخلصهم من الخلافات وهذه كانت حاجة اجتماعية ملحة، وفي نفس الوقت كانت مسألة النبوة مطروحة في تلك البقعة التي كان يعيش فيها المسيحيون واليهود، بمعنى أن ثقافة النبوة كانت سائدة وموجودة أصلاً، ولو لم تكن تلك الثقافة موجودة لربما ادعى النبي كما ادعى بوذا!!!!!، لأن المجتمع كان معبئاً بفكرة النبوة، لهذا فقد طرح النبي مسألة النبوة، فلو كان النبي محمد في الهند مثلاً لاستحال عليه أن يطرح نفسه بمسمى انه (نبي)، إضافة إلى أن العرب كانوا قبليين ويعيشون عادات قبلية لا تسمح لهم أن يخضعوا لأي أحد مهما كان مقامه، باستثناء النبوة فإنها ارفع مقاماً منهم ويمكن لها أن توحدهم وتخضعهم دون التسبب في جرح كبريائهم، لهذا فهم رحبوا بمحمد نبياً وخضعوا له باسم النبوة.
كذلك الحال مع المعاد فالطبري يقول: الكثيرون من الأحناف كانوا يؤمنون بيوم القيامة، وأكثر من نصف اليهود كانوا يؤمنون بذلك، إضافة إلى حاجات أساسية أخرى مثل مصير الظالمين ومحاسبتهم في الآخرة إذا ما فلتوا من العقاب، وحاجة الإنسان للبقاء دفعته يخترع الآخرة، ولأن الإنسان يحتاج الآخرة، لهذا اخترع العقل البشري الجنة والنار، إذن حاجة الإنسان لمحاسبة الظالمين دفعته لاختراع النار وحاجة الإنسان للبقاء والسعادة دفعته لاختراع الجنة، لتأتي الآيات لتؤكد ذلك.
الآن لنلقي نظرة على حركة الأنبياء، فماذا نرى؟؟؟ أحد الأنبياء يختص بالجنس لأن قومه كانوا مثليين، الآخر شعيب كان يهتم فقط بالميزان، لان قومه كانوا يغشون بالكيل، موسى كان لديه مشكلة بني إسرائيل الذين كانوا يعانون من ظلم فرعون، لهذا فان محور دين موسى كان تحرير بني إسرائيل، فدينه كان عبارة عن إصلاح اجتماعي فقط، يوسف لم يدع فرعون أو الحاشية إلى الله، فقط كان يطلب أن يكون وزيرا للمالية، عيسى لم يأتِ بأية تشريعات، وليس لديه آية واحدة في مقابل قوانين الإمبراطورية، وكل سهامه كانت موجهة نحو رجال الدين اليهود، عيسى جاء لينفي الشريعة حيث قال قولته المعروفة "أعطوا ما لقيصر لقيصر، واعطو ما للرب للرب)، لماذا؟؟؟؟ لان الإمبراطورية الرومانية كانت لديها قوانينها، لهذا لم يأتِ عيسى بتشريعات جديدة بل بالعكس نفى جميع تشريعات الأنبياء من قبله، وكان يقول، قيل لكم "أحبوا أحباءكم وابغضوا أعدائكم"، وأقول لكم " أحبوا أعدائكم وصلوا لمضطهديكم" بل جاء بتغيير أكبر حينما غير مبدأ "العين بالعين والسن بالسن" إلى "من ضربك على خدك الأيمن فادر له خدك الأيسر"، إذن عيسى نسخ شريعة الأنبياء ولم يأتِ بتشريع جديد. هذه الحالات كلها بسبب الحاجة أو انعدامها. انعدام الحاجة في ظل الإمبراطورية الرومانية منعت عيسى من الإتيان بتشريعات جديدة.
لو نظرنا إلى النبي محمد لوجدنا بأنه لم يأتِ بأي قانون أو تشريع طيلة (13) عاماً لأنه كان يدعو خلال تلك الفترة إلى التوحيد فقط، لكن الأمور تغيرت في المدينة لأن مرحلة بناء الدولة قد بدأت، ومن الطبيعي أن تحتاج الدولة إلى قوانين وتشريعات وقضاء.
النبي استخدم التدرج في القوانين فهو لم يمنع الخمر دفعة واحدة بل على مراحل، علماء المسلمين يعتبرون ذلك فضيلة، لكنها في الواقع كانت رذيلة!!!!، لماذا؟؟؟؟ لأنه يفترض أن تعلن منذ البداية عن برامجك وأهدافك وبعكس ذلك ستكون كذابا. وفقا لمقاييس الغرب الناس تطالب الأحزاب والشخصيات التي ترشح نفسها للانتخابات بالبرامج أولاً، لا أحد يقبل بأنصاف الحقيقة. أما نحن وطبقا لنظرية الحاجة والانسجام فنرى إن التدرج في الدين الإسلامي كان يأتي انسجاماً مع حاجة المجتمع، حاجة النبي دفعته لتأسيس جيش، والقرآن كان دائماً يعلل الأحكام على السؤال، كما حصل في قضية الأفك مثلا، فلو لم تكن تلك القضية لما نزلت تلك الآيات، كذلك لو لا الرق لما نزلت خمسون آية عن الرق (العبيد)والجواري، الآيات إذن كانت تتبع حاجة المجتمع. الآن لو يأتي النبي لما تحدث عن قريش، يآية "لإيلاف قريش، إيلافهم رحلة الشتاء والصيف ، فليعبدوا رب هذا البيت، الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف"، كذلك آية "تبت يدا أبي لهب وتب"، هذه الآيات انتهت من زمان بعيد، آيات كانت تخص مرحلة النبي تحديدا (Exhausted).
كذلك العقائد، فبينما نراها ثلاثة لدى السنة (النبوة، التوحيد، المعاد) نجدها تصبح خمسة لدى الشيعة بإضافة (العدل، والإمامة)، لماذا؟؟؟؟؟؟ لان حاجة الشيعة إلى العدل اكبر من حاجة السنة. إذن حتى أصول الدين تنبع من حاجة المجتمع.
قطع يد السارق كانت تنسجم مع مجتمع العرب (البدو الرحل) في زمن لم تتوفر فيه السجون، أما اليوم ولأننا نملك سجون إصلاحية فلا حاجة لقطع يد السارق.
ولان الحاجة مستمرة لذلك نرى أن الأحكام استمرت حتى بعد وفاة النبي، فحكم قتل المرتد جاء في زمن الخليفة الأول لأنه حصلت ردة، والردة كانت تهديداً حقيقيا للإسلام في تلك الفترة، اليوم ما قيمة ارتداد نفر من الناس، القضية لم تعد تستوجب القتل، لا بل أصبحت مقيتة أمام لائحة حقوق الإنسان العالمية.
إذن الأحكام كانت تأتي لحاجة المجتمع وانسجاماً معه، لاحظ اليوم نحن (الشيعة) لا نحس بعداء تجاه أمريكا، لكن شيعة لبنان يكرهون الأمريكان ويعادونهم، فلو كان النبي الآن في لبنان فمن المؤكد كان سيتحدث عن أمريكا وإسرائيل، ولو كان في كشمير لكان سيتحدث عن الهند، كذلك الأكراد في العراق كان عدوهم الأول صدام وليس لهم أي عداء مع إسرائيل، فلو كان النبي كردياً فمن المؤكد كان سيتحدث عن مظالم صدام، القصد من هذه الأمثلة أن الأحكام تتغير بتغير الزمان والمكان.
الخلاصة المتحققة من تبني نظرية الحاجة والانسجام في تفسير تطور الأديان تحقق النتائج التالية وهي بالغة الأهمية:
1.إن العقائد والأحكام والشريعة كلها بشرية وهي من إفرازات الفكر البشري النابع من الحاجة والانسجام.
2.أهمية التعددية. فنحن نحتاج إلى الاعتراف بمذاهب الآخرين، نحتاج إلى نبذ الطائفية، الأعتراف بأن كل المذاهب على حق باستثناء تلك التي تضر بالبشرية مثل الإرهاب والقتل فهذا مرفوض دينياً لأنه لا يتساوق الحاجة والانسجام.
3.يصح لنا أن ننشأ ديناً لنا وحسب الحاجة الخاصة بنا، الله يؤيد الديمقراطية والحرية أكثر من تأييده لولاية الفقيه، لأن الناس كانوا يحتاجون إلى فقيه عادل أمام أمير ظالم، عندما يكون الاختيار فقط بين الحسين ويزيد، أما الآن فالأمر لا يقتصر على سلوك سلطان مجرم وفقيه عادل، فالديمقراطية هي الحل.
المصدر: http://www.alwjdan.org/index.php?option=com_content&view=article&id=1574...

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك