مدخل إلى دراسة الأديان
مدخل إلى دراسة الأديان
أولا : تعريف الدين
الدين في اللغة : مشتق من الفعل الثلاثي دان، وهو تارة يتعدى بنفسه، وتارة باللام، وتارة بالباء ، ويختلف المعنى باختلاف ما يتعدى به :
فإذا تعدى بنفسه يكون " دانه " بمعنى ملكه ، وساسه ، وقهره ، وحاسبه ، وجازاه .
وإذا تعدى بالباء يكون " دان له " بمعنى خضع له ، وأطاعه .
وإذا تعدى بالباء يكون " دان به " بمعنى اتخذه دينا ومذهبًا واعتاده ، وتخلق به ، واعتقده ( لسان العرب :2/1467 ) .
فيظهر من هذا أن الدين يتضمن علاقة بين اثنين فيها انقياد وخضوع من أحدهما ، وتسلط وقهر من الآخر .
وأما الدين في الاصطلاح : فقد اختلف في تعريفه اختلافا واسعــا ، حيث عرفــــه كل إنسان حسب مشربه ، وما يرى أنه من أهم مميزات الدين .
ونحن نتخير من هذه التعريفات تعريفان :
الأول تعريف الدين السماوي : " وهو الشرع الإلهي المتلقى عن طريق الوحي " .
الثاني : تعريف الدين مطلقا : وهو اعتقاد قداسة ذات ، ومجموعة السلوكيــات التي تدل على الخضوع لتلك الذات ذلا وحبا ، رغبة ورهبة .
وهذا التعريف فيه شمول للمعبود ، سواء كان معبودًا بحق - وهو الله عز وجل - أو معبودًا بالباطل وهو كل ماسوىالله عز وجل .
كما يشمل أيضًا العبادات التي يتعبــد الناس بها لمعبوداتهم ـ ســــــواء كانت سمــاوية صحيحة كالإسلام ، أو لها أصل سماوي ـ ولكن وقع فيها التحريف والنسخ بأيدي أتباعها ـ كاليهودية والنصرانية . أو كانت وضعية غير سماوية الأصل كالهنوكية ، والبوذية وعموم الوثنيات .
كما يبرز التعريف حال العابد ، إذ لابد أن يكون اعابد متلبسًا بالخضوع ذلا وحبا للمعبود حال العبادة ، إذ إن ذلك أهم معاني العبادة .
ويبين التعريف أيضًا هدف العالج من العبادة ، وهو إما رغبة أو رهبة ،أو رغبة ورهبة معا ، لأن ذلك هو مطلب بني آدم من العبادة . واللهأعلم .
ثانيــًا : تقسيم الأديان
أ - باعتبار النظر في المعبود :
تنقسم الأديان التي يدين بها البشرـ باعتبار النظر في المعبود ـ إلى قسمين :
الأول : أديان تدعـو إلى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له ، وهي في الدرجة الأولى الإسلام ، ثم يليه اليهودية _ وإن كان إلههم فيالواقع غير الله تعالى _ ،ثم النصرانية التيواقع ديانتها الحرفة الشرك ، إلا أنها تزعم عبادة اله ذو الأقانيم الثلاثة .
الثاني : أديان وثنية شركية تدعو إلى عبادة غير الله عز وجل ، وهي : الهندوكية والبوذية وغيرها من الشركيات القديمة والحديثة .
ب - باعتبار المصدر :
تنقسم الأديان باعتبار المصدر في الأصل إلى قسمين أيضا :
أديان سماوية ، وهي : الإسلام ، واليهودية ، والنصرانية .
وأديان وضعية : وهي سائرالأديان الشركية .
بواعث التدين
الحقيقة التي لا تقبـــل الجـــــدل هي أن النزعة الدينية متعمقة ومتأصلة في الإنســــان ومغروزة فيه فهيفطرة وغريزة . فما عرفت جماعة من البشر خالية عن دين تتـــــدين به ، وإن خلت عن العلوم والثقافات إلا أنها لا تخلو عن دين وعقيدة - سواء كانت هذه الجماعة قديمة أو حديثة ، متحضرة أو غير متحضرة - كما يقول هنري برجسون : " لقد وجـــدت وتوجد جماعات إنسانية من غيرعلوم وفنون وفلسفات ، ولكن لم توجـــد جمــــاعة بغيـــر ديانة " . ( الدين لدراز :83 ) .
وهذه الحقيقة هي التي تجعل الباحث والناظر في ذلك يتساءل عن الباعث على هذا التدين ؟
لقد كثر كلام الناس في تلك البواعث ، وكثرت التخمينات والتعليـــلات : فمن قائل بأن الدافع إلى التــدين هو الخوف من الطبيعة بما فيها من زلازل وبراكين ورعد وبرق فبحث الإنسان عن قوة غيبية تحمية من هذه الأمور فعبد الشكس والقمر والبحر وغر ذلك .
وقال آخرون بل الباعث على ذلك هو العقل وذلك بالنظر والتفكر في هــــذه المخلوقات فأعجب بها وعظمها واتخذ بعضها آلهة .
وقال غيرهم : بل الباعث على التدين هو الحــــاجة الاجتماعية ، وذلك أن المجتمعات البشرية تحتاج إلى نظم وقواني تفظ الحقوق وتصون الحرمات ويؤدي الإنسان واجبه من خلال المراقبة الداخلية فتولدت في أذهان البعض فكرة الدين وتقبلتها منهم الجماعة .
وكل هذه الادعاءات متهافتة ولا تحتاج إلى كثيرعناء فيردها وإبطالها .
ونحن المسلمين نعتقد أن الباعث على التدين : هو الفطرة ، ونعتمـــــد في إثبات ذلك على الوحي الإلهي والنـــور الرباني ، ونعتمد كذلك على الشــــواهد الفعلية الموجودة في واقع الناس كل الناس .
فالدين فطرة مغروزة في نفوس الخلق لا تنفك عنهم كما قال تعالى : ( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) ( الروم : 20 )
وقال سبحانه : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهــــدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافليــن ) ( الأعراف : 172 ) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىالله عليه وسلم : " كل مولـــود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كمثل البهيمة تنتج البهيمة عجماء هل ترى فيها جدعاء " ( رواه البخاري ) ، وفي حديث عياض بن حمار المجاشــعي رضي الله عنه أن رسول الله صلىالله تعالى عليه وسلم قال ذات يوم في خطبتـــه : " ألا إن ربـي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مماعلمني يومي هذا : كل مال نحلته عبدًا حلال ، وإني خلـــقت عبادي حنفاء كلهم ، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم ، وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا .. " ( رواه مسلم ) .
وأما الأدلة من واقع الناس فمنها نشرته مجلة ( المختار) المترجمة عن مجلة ( ريــدر دايجست ) مقالة أيام الحـــرب لشاب من جنود المظلات - يوم كانت المظلات والهبوط بهـا شيئا جديدأ - يروي قصتــه فيقول : إنه نشـــأ في بيت ليس فيه من يذكــــر الله أو يصلي ، ودرس في مدارس ليس فيها دروس للدين ، ولا مدرس متدين ، نشأ نشأة علمانية مادية ، أي مثل نشأة الحيوانات التي لا تعرف إلا الأكل والشرب والنكاح ، ولكنه لما هبط أول مرة ، ورأى نفسه ساقطًا في الفضاء قبل أن تنفتح المظلة جعل يقول : يا الله ، يا رب .. ويدعو من قلبه ، وهو يتعجب من أين جاه هذا الإيمان ؟
عوامل طمس الفطرة
فهذه أدلة صريحة صحـــــيحة من الوحي المبارك والواقع تدل على أن الإنسان مفطور على الإقرار بالخالق ، وعبوديته .
وهذه الفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها قابلة للتغير والانحراف بفعل مؤثرات خارجية ، وهذا الانحراف كان هو السبب في وجود الوثنيات والشك في الأمم البائدة ، وهو أيضا سبب الشرك والضلال في زمننا الحاضر .
وهذه المؤثرات هي :
أولا : الشياطين : وهي المؤثر الخارجي الأصلى والأول في هذا الأمر كما يتضــح ذلك من حديث عياض بن حمار السابق عرضه .
ثانيا : البيئة : سواء كانت من الجو المحيط داخل الأسرة - وبوجه خاص الوالـــدان - ، أو من خلال المجتمع خارج مستوى الأسرة .
وهذا المؤثر قوى وخطير وعليه تكون النشأة ، وبسببه ينطمس كثير من نور الفطرة إن لم تطمس بالكلية . كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأبواه يهودانه أو ينصــرانه أو يمجسانه .
ثالثا : الغفلـة : وقد ذكر الله سبحانه هذا المؤثر في سورة الأعراف حين قال : " أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين " .
ولا شك أن هناك عوامل أخرى مؤثرة كالإعلام ووسائله ، وكالدراسة وأساليبها وما يدرس فيها ولكن عندما نمحصها نجد أنه يمكن أن تندرج تحت واحدة من هذه الثلاث .
نشأة علم الأديان
الكتابة في الأديان وتفصيل عقائــــد الناس ، وعباداتهم ، وكذلك عقــــد المقارنات بين الأديان أول ما نشأ نشأ في بيئة إسلامية ، إذ المسلمون هم أول من كتب في هذا النـوع من العلم وأفرده بالتصنيف .
وقد استوحوا هذا من القرآن الكريم الذي ورد فيه كثير من عقائد الناس وعباداتهم السابقة واللاحقة لوقت نزوله ، فقد ورد فيه التفصيل في عقـــــائد اليهود وانحرافاتهـــم ، وعقيدة النصارى وانحرافهم ، كما أرجع بعض العبادات الفاسدة والأديان المنحرفة بعضها إلى بعض ، وبين شيههم التى يستندون إليها ، ورد عليها ، وبين خطــــأهم وضلالــــهم ، ودعاهم إلى قبول الحق والإذعان له . بل عقد القرآن الكريم المقارنات بين الحق والباطل ، ودعىإلى تمييز الحق ومعرفته بانظر السليم ، فقال سبحانه : أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار " يوسف : 39 ، وقد قص القرآن قصص الأنبــــياء ، ومحاوراتهــم لقومهم ، وكيف بينوا لهم عوار الباطل وزيفه .
وإنما عرض القرآن ذلك لما فيه من بيان الحق ونصرته ، وبيان أن طريق الدعوة هو الإقناع وحرية المشاعر ، والسمو بها فوق التقليد العمى والتبعية ففتح مجال المقارنة أمام العقل ليكون الاختيار الصحيح .
فاستوحى علماء المسلمين من ذلك أن الكتابة في الأدسان منهج دعوي فكتبوا في هذا العلم كتبا عديدة كان من أوائلها :
" المقالات في أصول اديانات " : للمسعودي ت : 346هـ .
" تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة " : لأبي الريحان البيروني ت : 404 هـ .
" الفصل في الملل والأهواء والنحل " : لابن حزم ـ ت : 456 .
" اعتقادات فرق المسلمين والمشركين " : للرازي ـ ت: 606 .
" الجوب الصحيح لمن بدل دين المسيح " : لشيخ الغسلام ابن تيمية ـ ت : 728 .
وغيرها كثير مما أرسى به المسلمون قواعد هذا العلم ، حيث أوردوا ما يعتقـــده أصـحاب الديانات ، وما يتعبدون به مع التأصيل في البعض ، والاكتفاء بالعرض في البعض الآخر . فكانوا بذلك السابقين لغيرهم في وضع أصول وقواعد هذا العلم .
وأما الغربيون فلم يعرف عنهم الاعتناء بهذا العلـــم إلا في العصور المتأخــــرة ، بعدما يسمى بعصر لنهضة في القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين .فأرسلوا البعوث من رجال دينهم إلى الشرق والغرب ، وإلى بلاد الهنــــد والصــين للاطـــلاع على دياناتهم ، وهذه البعوث لم تكن في الحقيقة إلا مقدمات للاستعمار .
ثم إن هذا العلم تطور ، فأصبح يبحث في نشــــأة التدين عند الإيسان ، وأوجه التشابه بين الديانات ، وساعدهم على ذلك التنقيب عن الآثار وتعلم اللغات القديمة ، فأفادوا من ذلك معرفة ما عليه عبادات الأقوام القديمة ، فأكـــملوا ما بدأه المسلمـــون - مع الفــــــارق أن المسلمين يتمــــيزون عنهم بأن لهـــم أصــلا يرجعون إليه فيصحـحون على ضوئه النتائج الخاطئة التي قد تتولد من النظر في العقائد القديمة - أعني بهذا الأصـــــل الوحي الإلهي ، القرآن الكريم ، والسنة المطهرة .
التوحيد أولا قبل الشرك
يزعم الملحدون أن الشرك كان أسبق في الوجود على الأرض من التوحيد ، وهو قول مبني على إنكارهم للخالق جل وعلا ، وزعمهم أن الإنسان إنما وجد من الطبيعة حيث كان أنيميا ، ثم تطور بفعل الرطوبة حتى وصل بعد أزمان عديدة إلى صورة القــــرد ، ثم تطور فصار القرد إنسانا ، فزعموا أن هذا الإنسان - وكان في هذا الوقت في طـــــور الطــــفولة البشرية - أخـــذ يبحث عن إله يعبـــده ، فتوجـــه إلى عبــادة الآباء والأجــداد والأشجار ، والحيوانات الضخمة ، والشمس والقمر ، إلى غير ذلك من الأشياء التي يستعظمـــــها في نفسه ، ثم بدأ هذا الإنسان يتطور في عقله وأحاسيسه ، فبدأ يتخلى عن كثير من الآلهــــة التي كان يعبدها حتى توصل في عهد الفراعنةإلى التوحيد - ولا يعني ذلك عندهم عــــبادة الله وحده لا شريك له ، وإنما عبادة " رع " الذي يرمز له بقرص الشمس .
وظاهر من هذا القول أن أصحابه يزعمون أن الأديان من صنـــع البشر ، وليست من قبل الله سبحانه وتعالى ، والعجيب أن يوافقهم على هذا القول بعض المفكرين والمنتسبين للإسلام .
ونحن المسلمين - ومعنـــا أصحاب الديانات السمـــاوية غالبا - لا نشك في بطلان هذا الكلام ، ونعتقد اعتقادا جازما أن التوحيد هو الأصل ؛ فإن أول الخلق آدم عليه السلام كان نبيا ، وقد ظل بنوه على التوحيد إلى عشرة قرون بعده ، ثم بدأ الشرك يدب في قوم نوح ، فأرسل الله تعالى إليهم نوحا عليه السلام يدلهم على الله ، ويدعوهم للعـــــــودة إلى الدين الصحيح ، والفطرة السوية ، ثم والى الله تعالى على عباده الرسل ، كلما خبا نور التوحيد وظهر الشرك في أمة أرسل الله إليها رسولا أو نبيا يجدد لها دينها ، ويعيدها إلى ربهـــــا سبحانه .
ومعنى هذا أن الناس بدؤوا موحـــــدين ثم احتالتهم الشياطــــين فتقلبوا بعد ذلك بــين الإيمان والشرك ، ولــكن البداية كانت التوحيــد . وهذا الكلام هو الذي توصل إليه بعـــض الباحثين ك " آدمسون هيوبل " المتخصص في دراسة الملل البدائية حيث يقـول : " لقــد مضى ذلك العهد الذي كان يتهم الرجل القديم بأنه غير قادر على التفكير فيما يتعلق بالذات المقدسة أو في الله العظيم ، ولقد أخطأ " تيلور " حين جعل التفكير الديني الموحد نتيجــة للتقدم الحضاري والسمو المــعرفي ، وجعل ذلك نتـــيجة لتطـــور بدأ من عبــــادة الأرواح والأشباح ، ثم التعدد، ثم أخيرا العثور على فكرة التوحيد " .
ونحن في إثبات هذا الأمر - وهو أن التوحيد سبق الشرك على الأرض - لا نعتمد على قول آدمسون أو غيره - وإنما كان ذكر كلامه من باب الاستئناس للراغبين في ذلك - وإنما اعتمادنا على كلام ربنا وسنة نبينا وآثار سلفنا .
قال الله تعالى : " كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه " البقرة : 213. قال ابن عبــاس رضي الله عنه : " كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعــث الله النبيين مبشرين ومنذرين " . الطبري 2\334 .
ويؤيد هذا قوله تعالى : " وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا " يونس : 19 .
هذه كانت عجالة عن علم الأديان وتطوره ، وبعض المسائل الت تتعلق به . نسأل الله أن ينفعنا والقارئين ، إنه خير مأمول ، وأكرم مسؤول .
بتصرف من كتاب " دراسات في الأديان "
الدكتور سعود بن عبد العزيز الخلف
المصدر: http://www.islamweb.net/aqeda/big_religen/intro_2.htm