مصداقية حوار الأديان
مصداقية حوار الأديان
اختتم المؤتمر السادس لحوار الأديان في الدوحة أعماله يوم الأربعاء الماضي بتاريخ 8جمادى الأول الموافق 14مايو، بإعلان دعا إلى تعميق الحوار بين الأديان السماوية الثلاثة على المستوييْن الإقليمي والدولي، وبتدشين رسمي لمركز الدوحة لحوار الأديان. وقد ركز البيان الختامي للمؤتمر على 'أهمية تحديد إطار لتعزيز مفهوم السلام والتصدي للإساءة للأديان السماوية بعيداً من اللجوء للعنف'، داعياً إلى 'تشجيع العمل المشترك بين المنظمات الحكومية والمدنية لتعزيز الاحترام المتبادل بين الأديان السماوية'، وانعقد المؤتمر الذي استمر يومين تحت شعار 'القيم الدينية بين المسالمة واحترام الحياة'، وناقش قضايا منها مبدأ المسالمة في الديانات السماوية والحياة وقيمتها والعنف والدفاع عن النفس والإساءة إلى الرموز الدينية والموقف من الأديان الأخرى والاتجار بالبشر. قد يبدو للبعض أن تزامن هذا المؤتمر مع الذكرى الستين للنكبة دعوة غير ذات مصداقية للتحاور بين غالب ومغلوب على أمره، فأي مسالمة وأي حياة قد تُحترم يدعو لها المتحاورين في هذا المؤتمر مع ما يحدث في نفس الوقت لإخواننا في غزة والعراق مما لا يشك أحد حتى العقلاء من اليهود والنصارى في أنها الأشد عنفا ووحشية على مر التاريخ ، ولكن يظل السؤال بالرغم من ذلك يلح علينا : هل الحل في استمرارية التقاطع بيننا وبينهم وسد آذاننا عن سماعهم ليستمر استنزاف طاقات الشعوب وإسالة دمائها في حروب نالت بويلاتها كل احد وكل شيء؟!! وهل ستصبح الحياة أفضل وأكثر كرامة إن نحن تجاهلنا التحاور مع عقلاءهم الذين يدعون لنبذ العنف ويحذرون ساستهم من اضطهاد الضعفاء ؟!! فنحن نملك قوائم طويلة لأسماء وأحداث مارست العنف ضدنا ونكبتنا في أوطاننا وأبناءنا، ولكن هل حاولنا أن نتحاور معهم ونستمع إلى عقلاءهم لا لنبجلهم ولكن لنصل من خلال التعاون معهم إلى زيادة مساحة الأمن والعدل على الأرض التي نشترك في العيش عليها ونتأذى جميعا مما يحدث فيها ؟!! إن مما لاشك فيه أن الحوار مع الآخر مهما كان الآخر ومهما كان حالنا معه هو مبدأ أسلامي لا خلاف فيه ،فقد علمنا الخالق أن نتحاور حتى ونحن في حال قوة حين تحاور جل وعلا مع الشيطان، كما تعلمنا من رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام أهمية مبدأ الحوار مهما كان حالنا من الضعف حين تحاور مع كفار قريش حيث كلل الحوار بصلح الحديبية الذي قال عنه عمر بن الخطاب حينها : أو نعطي الدنية عن ديننا، ومع ذلك فقد كانت نتائجه لصالح المسلمين . فالحوار إذا غير مرتبط بالنسبة لنا نحن المسلمين بالآخر فنحن نتحاور لنثبت حق وننشر عدل، ولا يعني هذا أننا لن نثبت هذا الحق والعدل إلا بالتحاور معهم،ولكنه مبدأ مهم ووسيلة ضرورية لإحقاق حق وإشاعة العدل، ثم ألسنا أصحاب حق وأصحاب رسالة سمحة تدعو لخير البشرية وتنبذ العنف والعدوان، لا كما يصفنا بعضهم مصاصي دماء وهمجيون نشيع الرعب في كل مكان!! فكيف إذا يمكننا أن نوصل حقيقة ديننا وحقيقة دعوتنا للآخر مادمنا نغلق الباب دون أي شكل من أشكال الحوار والتحاور معهم ؟!! أن نتحاور مع الآخر لا يعني أبدا أن نتفق معه في كل ما يؤمن به أو يدعو إليه ولا يعني أن ننسلخ من ديننا أو نبرر أنفسنا، كما لا يعني أن نخضع لشروطهم ونذعن باعتبار أننا الأضعف قوة و أنهم الأكثر منا قوة بل مبدأنا هو قوله تعالى : (لكم دينكم ولي دين) .ولدينا من القضايا المشتركة الكثير مما يستحق أن نتحاور لأجله كقضايا الأمن والعدل وصون حياة الإنسان وحقه في حياة كريمة والحفاظ على بيئة آمنة يتعايش فيها الجميع بسلام ,كل هذه قضايا مشتركة لا يشك أحد – مهما كان دينه أو مذهبه - في أهميتها، بل إنها تعد من ضمن الضرورات الخمس التي قامت عليها أسس ومقاصد أحكام شريعتنا الغراء ، ويتفق معنا فيها أتباع جميع الشرائع السماوية ، على الأقل العقلاء منهم.وكوننا أصحاب الرسالة الخاتمة لا يعني أن نلغي ونتجاهل وجود بقية البشر ولا يعني أن نتجاهل بشريتهم لكونهم على غير دين الله الذي امتن به علينا بل يعني أننا نتحمل جزء اكبر من المسؤولية لهداية البشر وإشاعة العدل على الأرض وأن لم نملك ميزان القوة في الوقت الراهن . إن مثل هذه القيم والمعاني الأنفة الذكر هي ما يتبادر إلى أذهاننا حين نتحدث بعقلانية عن حوار الأديان فنحن نعي أن الحوار مهم وضروري ،إلا أننا لا يمكن أن نتجاهل كل ما عانيناه من استقواء الآخر علينا وكذب ساستهم واضطهادهم لنا بدعاوي كاذبة كالديمقراطية تارة والحماية تارة، لذلك فدور مركز الدوحة لحوار الأديان سيكون حساسا لدى شعوب الدول المسلمة كما هو حساس وصعب لدى الدول الغربية ، فلا يكفي أن يدعي الواحد منهم النوايا الحسنة ليصدق الجميع ذلك بل لابد أن يكون هناك معايير للمصداقية وكسب الثقة تجعل من الممكن أن نضع أيدينا في أيديهم ونحن على ثقة بأنهم لم يشتركوا في قتلنا بنفس هذه اليد،فلن يكون من السهل إزالة عقود من مشاعر السخط التي تراكمت بتراكم العدوان والعنف الموجه إلا بكسب ثقة الجموع الساخطة الغاضبة ووضع كرامتها وحقها الموضوعي فوق أي اعتبار، كما من المهم أيضا أن نثبت أننا أتباع صادقين لهذه الرسالة العدل ندعو بدعوتها السمحة ونتمثل شريعتها الوسطى.
المصدر: http://www.almomayzon.com/article.php?id=674