حوار الاديان ام حوار الطرشان؟

حوار الاديان ام حوار الطرشان؟
الشيخ الشعراوي ومحمد عمارة والقمص باسيلي بين العدوانية والتعايش الديني
فرانسوا باسيلي القدس العربي - Al-Quds Al-Arabi - 2004/08/27
في الاسابيع القلـــيلة الماضية قفـــزت الي عناوين الصحف العربية والغربية مرة اخري عبارة حوار الاديان اذ عقد في قطـــــر مؤتمر لحوار الاديان حضره ممثلون عن الكنيســـة الكاثوليكية وبابا روما وعن الكنــــائس المســـيحية الشرقية ومنــــهم قداسة البـــابا شنــــودة بابا الاقباط وعن المسلمين علـــماء من العالم العربي ومـــن اوروبا ومن اهمهم فضيلة شيخ الازهر والشيخ القرضاوي. وبعد ذلك ببضعة اسابيع تم التوقيع في مصر علي اتفاقية للحوار بين المنتدي الاسلامي العالمي للحوار بحضور شيخ الازهر ومجلس كنائس الشرق الاوسط الذي يرأسه البابا شنودة. ويقول د. حامد الرفاعي رئيس المنتدي الاسلامي العالمي للحوار ان المطلوب منا كمؤسسات حوار هو ان نطفئ ثقافة العسكرة لصالح ثقافة السلام والعدل. والدين يعتبر هو المكون الاساسي لسلوكيات الافراد وترشيد ثقافتهم والاديان جميعها تتفق في قيم مشتركة وهي اقامة العدل وتعمير الارض وان مقاصد الحوار هو ان نبتعد عن صميم العقائد لان كل واحد منا غيور علي دينه وان نتجه للحوار والتعاون في القيم المشتركة الاخري . وامام هذين الحدثين المرتبطين بحوار الاديان وفي لحظة تاريخية مشحونة بحروب يراها البعض حروبا دينية بين الاسلام والمسيحية الصهيونية او بين المسلمين و الكفار من اليهود والنصاري كما يعلن بعض المشايخ العرب في الفضائيات العربية من وقت لاخر ـ امام هذه وتلك يحق لنا ان نتسائل ان كانت هنالك جدوي من حوار الاديان وهل هو حوار ممكن اصلا ام ان كل حوار للاديان سيصبح بالضرورة حوارا للطرشان؟ حيث يتكلم الجميع ولكن لا يسمع احد للاخر! انني كمثقف مصري الاصل عربي الثقافة مسيحي الايمان فان قضية اختلاف الاديان وتعايش اصحابها في الوطن الواحد هي قضية بالغة الاهمية لي بصفة شخصية انسانية وبصفة وطنية تتعلق باهتمامي الطبيعي المستمر بمستقبل مصر وسلامتها ورفاهيتها كبلد واحد للمسملين والاقباط معا واهتمامي بالوطن العربي الاكبر كثقافة واسعة لا تعكس الثقافة الاسلامية السائدة فقط ولكن تغتني ايضا بتواجد خيوط الثقافة المسيحية الشرقية بالوانها الدافئة الحميمة داخل نسيج الثقافة الاكبر. كما ان حوار الاديان يتعلق من جهة بقضية الاقليات المسيحية في العالم العربي والتي لم يتم التوصل الي اسلوب فعال في التعامل معها حتي اليوم من قبل الحكومات العربية علي اختلاف اشكالها وبذلك ظل المسيحيون العرب يمثلون قضية وليس حلا وبالتالي لا تستفيد اوطانهم منهم الفائدة المرجوة الكاملة بسبب سياسات التهميش او التجاهل او الاقصاء او الاضطهاد علي مدي العصور المختلفة. التباس مفهوم الحوار هنالك التباس واضح لدي الكثيرين ولدي بعض المتحاورين والمنادين بالحوار انفسهم ـ حول المقصود بالضبط بعملية حوار الاديان ويصب الالتباس عادة في النهاية في بقعة واحدة هي تصور البعض ان حوار الاديان هذا يتطـــلب نوعا من الاعتراف او القبول للدين الاخر او الاعتراف به كدين سماوي وامام هذا التصور الخاطئ لمفهوم حوار الاديان ما يلبس المتحاورون حتي يصطدموا بمشكلة القبول هذه فتصبح عقبة اساسية امام الحوار الحقيقي ولا يبقي من العملية بعد ذلك سوي المقابلات والمؤتمرات والتصريحات والصور بلا اية نتائج حقيقية مفيدة لاحد. ولم يسلم مؤتمر قطر لحوار الاديان من هذه المشكلة فقد طالب الشيخ القرضاوي بان يقوم اليهود والمسيحيون بالاعتراف بالاسلام كما يعترف المسلمون باليهودية والمسيحية. ولم يتم التوصل الي مثل هذا الاعتراف بالطبع وبالتالي لا نستطيع القول ان حوارا حقيقيا سيجري وهذه المشكلة ما تزال عالقة في النفوس وقد يبدو مطلب الشيخ القرضاوي منطقيا علي علاته ولكن حقيقة الامر ان المسلمين لا يعترفون باليهودية والمسيحية كما يؤمن بها اتباعها اليوم وانما يقولون ان الكتاب المقدس الموجود اليوم قد تم تحريفه وبالتالي فما يعترفون به هو شيء اخر تماما غير ما يؤمن به اتباع هاتين الديانتين اليوم اي ان عدم الاعتراف بدين الاخر هو شيء يمارسه الجميع تجاه الاخرين بمن فيهم المسلمون تجاه اليهود والمسيحيين. لذلك فمن المهم هنا ايضاح معني حوار الاديان للجميع بمن فيهم المنوط بهم هذا الحوار حتي لا يظل مطلب الشيخ القرضاوي مشكلة تعرقل الحوار فليس معني الحوار ان يقبل اتباع كل دين بالدين الاخر كدين سماوي ولا بكتاب ذلك الدين باعتباره كلاما الهيا مقدسا ، فلو قبلوا بهذا لصاروا اتباعا لذلك الدين الاخر وليس لدينهم وليس المطلوب ولا المنطقي اذن ان يعترف اتباع كل دين باي اخر سوي دينهم فما المطلوب والمنطقي اذن؟ المطلوب والمنطقي هو فقط الاعتراف بحق الاخرين في عبادة دينهم المختلف عن ديننا دون عدوانية منا نحوهم ودون تدخل منا في عباداتهم طالما ان عباداتهم هذه لا تؤدي الي عدوانية ضدنا. هذا هو المبدأ في ابسط صوره فانا كمسيحي ليس المطلوب مني الاعتراف بالاسلام او قبول كتابه او نبيه او تعاليمه. المطلوب مني فقط هو احترام حقك كمسلم في ان تمارس ايمانك ودينك وشعائرك دون عدوانية مني نحوك بما في ذلك العدوانية المتمثلة في الازدراء بالدين الاخر وتشويه معتقداته واهانة انبيائه. وانت كمسلم ليس المطلوب منك قبول تعاليم المسيحية كما يؤمن بها ويمارسها المسيحيون اليوم المطلوب منك فقط هو احترام حق اي انسان ان يؤمن بهذه المسيحية حتي لو رأيتها انت محرفة واحترام حقه في ممارسة ايمانه وشعائره دون عدوانية منك بما في ذلك العدوانية المتثملة في الازدراء بهذا الدين وبكتابه وانبيائه ومقدساته ـ وبما في ذلك العدوانية المتمثلة في منع المسيحيين من بناء الكنائس لممارسة عبادتهم علي سبيل المثال كما هو الحال في مصر اليوم بسبب قانون الخط الهميوني الشهير. لو فهم المتحاورون من جميع الاديان هذا المفهوم الاساسي للتعامل والتعايش بين اصحاب الاديان لما كانت هنالك اي مشكلة بعد ذلك تستعصي علي الحل والواقع ان الكثيرين من اتباع الديانات في الوطن الواحد وفي العالم اجمع لا يفهمون هذا الحق الاساسي البسيط ولا يلتزمون به وتجدهم لا يملكون القدرة علي الجمع بين حبهم لدينهم وعاطفتهم المتأججة نحوه وبين قبولهم لتواجد اديان اخري مختلفة يكن لها اتباعها نفس الدرجة من الحب وتأجج العاطفة ويسقطون في مستنقع الاستعلاء الديني والتباهي الطفولي بديننا ضد دين الاخرين. وهو الاستعلاء والتباهي الطفولي واقصاء الاخر الذي يسقط فيه كل متطرف اصولي سواء كان يهوديا او مسيحيا او مسلما. فاذا سمحت لهذا المتطرف ان يكون له الصوت الاعلي او القرار الاخير انتهيت الي حروب دينية باذن الله. واقول باذن الله لان الله لا يتدخل لكي ينقذ المهووس دينيا من هوسه وانما يتركه ليحصد شر اعماله علي الارض ولا شك ان الحروب الدينية مثلها مثل كل الحروب لا تؤدي سوي الي الدمار والخراب والقبح علي الارض. الشعراوي والقمص باسيلي لا نجد في مصر ولا في العالم العربي تأكيدا لاسس التعايش بين اتباع الديانات حسب المفهوم الذي اوضحته هنا فلا تقوم الدولة في ادخال هذا المفهوم الاساسي البسيط في مناهج تعليمها ولا توضحه في اعلامها ولا تشجعه في ثقافتها. والناس معذورون في جهلهم بل وفي تطرفهم اذا لم يعلمهم احد هذا المفهوم في التعايش الديني في الصغر. فاذا كان عالما قديرا مثل الشيخ القرضاوي يتصور ان المطلوب هو الاعتراف المتبادل بين الاديان ولا شك يصاب بخيبة الامل وعدم الثقة في الاخرين عندما لا يحصل عليه فما الذي ننتظره من المواطن العادي متوسط الثقافة او منعدمها؟ ولقد رأينا في السنوات الاخيرة ومازلنا نري في مصر علماء مسلمين افاضل يلتبس عليهم مفهوم حوار الاديان والتعايش بين اصحابها وهناك مثالان واضحان لهذا احدهما معاصر وقع منذ اسابيع قليلة من قبل د. محمد عمارة الكاتب الاسلامي المعروف والمثال الاخر للمغفور له فضيلة الشيخ الشعراوي. ولنا ان نتوقف لنعي هذين الدرسين ففي السبعينات من القرن الماضي في اوج المد الاسلامي في مصر في عهد الرئيس الذي اصر علي ان يلقب نفسه بالرئيس المؤمن كان للشيخ الشعراوي برنامج تلفزيوني اسبوعي مميز يقوم فيه بالوعظ الديني. وكان للشيخ الشعراوي قدرة فائقة علي شرح النصوص القرآنية استنادا الي ضلوعه في علم الكلام وفي اللغة العربية وكان له تأثير واسع علي المشاهدين وعلي تكوين العقل الجماعي المصري والعربي، ومع اتساع شهرة وتأثير البرنامج بدأ الشيخ الشعراوي في الولوج الي موضوع الاديان الاخري وراح يعرض للقصص الدينية الواردة بالكتاب المقدس واذكر منها قصة جلوس السيد المسيح مع المريمات بكثير من السخرية والهزأة قائلا انها امثلة لما اصاب الكتاب المقدس من تحريف.. واستمر الشيخ الشعراوي ينشر افكاره هذه بما فيها من استهزاء بمعتقدات المسيحيين في مصر والعالم العربي لشهور عديدة حتي ضج المسيحيون في مصر احتجاجا وعندما تصدي والدي القمص بولس باسيلي لاتهامات التحريف للكتاب المقدس هذه مدافعا عن مصداقية كتاب المسيحيين المقدس كما هو حقه وحق كل مسيحي امام العدوانية العلنية ضده وضعه السادات في قائمة الذين قبض عليهم بعد ذلك والقي بهم في غياهب السجون قبل اغتيال السادات بشهر كما هو معروف وكان القمص باسيلي وقتها في الستينات من عمره. واذكر هذا لايضاح الضرر الكبير الذي تسببه مثل هذه العدوانية علي معتقدات ومقدسات الاخرين. فماذا فعل القمص بولس باسيلي بعد خروجه من السجن بعد حوالي تسعة اشهر؟ اصدر كتابا بعنوان انت اخي وانا احبك يؤكد فيه ما كان يدعو اليه طول عمره ومايزال للوحدة الوطنية الحقيقية وللمواطنة الكاملة المتساوية بين الجميع في الوطن الواحد. د. عمارة يكرر المشهد وفي الاسابيع الاخيرة تكرر المشهد نفسه في مصر ولكن هذه المرة علي صفحات الجريدة واسعة الانتشار اخبار اليوم وهي من جرائد الدولة اذ راح د. محمد عمارة يكتب سلسلة من المقالات يقول فيها بتحريف الانجيل والتوراة دون ان يسأل نفسه للحظة واحدة عن وقع هذا الكلام الذي يشكل عدوانية علنية علي معتقدات اقباط مصر وكتابهم المقدس. وهو يكتب هذا الكلام ليس في بحث اكاديمي او دراسة علمية في الاديان المقارنة مثلا ولكن علي صفحات جريدة عامة تمولها ضرائب الاقباط والمسلمين معا! وبعد تصاعد احتجاجات الاقباط وقيام بعض الكتاب المسلمين المستنيرين بالتهديد بالطعن في عضوية الكاتب في اتحاد الكتاب تراجع د. عمارة وقدم توضيحا اعتذاريا قال فيه انه لم يقصد الاساءة الي مشاعر الاقباط ولا الي تأجيج فتنة طائفية. وفي المقابل لابد من شجب ذلك الجنرال الامريكي الذي تهجم علي الدين الاسلامي ومعتقداته. فمن حقه فقط ان يهاجم المتطرفين والارهابيين الذين يقومون بعمليات ارهابية حتي لو قالوا انهم يفعلونها باسم الدين ولكن ليس من حقه ان يهاجم الدين الاسلامي ومعتقداته. فاذا كنا لا نرتضي ان يهاجم المتطرفون المتأسلمون ايماننا المسيحي فكيف نقبل ان يقوم متطرف مسيحي بمهاجمة الاسلام؟ ان قاعدة المعاملة بالمثل هي القاعدة الاساسية هنا التي يجب ان تضبط سلوكنا ولكننا للاسف نجد المتطرفين من الجانبين يفزعون فقط لكل عدوانية ضد دينهم ولا يفزعون لكل عدوانية من قبل اهل دينهم ضد اديان الاخرين مبررين ذلك بان معهم هم الحق لان دينهم هو الحق وليس للاخرين حق لان دينهم هو الباطل. وخطر هذا المنطق هم المتعصبون الاصوليون وحدهم في كل دين العقلاء يعرفون ان مهاجمة دين الاخر هو فعل عدواني مهما كان مبرره ومصدره وهو فعل لا يليق بالانسان المتحضر في عصر التنوير والحرية. هذه الامثلة وغيرها مما نراها علي شاشات التليفزيون من وصف بعض العلماء المسلمين لـ الكفار من اليهود والنصاري تؤكد الحاجة الملحة في مصر وفي الوطن العربي كله الي النظر بشكل جدي وعلني الي موضوع حوار الاديان وحقوق التعايش الكامل السيادة بين المواطنين علي مختلف اديانهم في الوطن الواحد. ومن الضروري ايضاح مفهوم التعايش علي اساس احترام حق الغير في ممارسة عباداتهم داخل اماكن العبادة دون تدخل من الاخرين ودون عداونية عليهم مع احترام حق الاخر في معتقداته ومقدساته وانبيائه دون هجوم عليها باي شكل من قبل الاخرين. اقول للمسلم وللمسيحي معا.. لماذا لا تمارس ايمانك وحبك لدينك دون التعدي علي ايمان الاخر ودينه؟فليكن انك تؤمن ان دينك هو وحده الحق ولكن هكذا يعتقد الاخر عن دينه.. فلماذا لا تؤمن وتدع الاخرين يؤمنون؟ ان فرض دينك وايمانك علي الاخرين والاستعلاء عليهم به والاستهزاء بدينهم هي صبيانية فكرية وهمجية سلوكية لا يقوم بها سوي جاهل غليظ العقل والقلب خاصة وملايين الملايين من البشر ولدوا فوجدوا انفسهم علي دين ابائهم فما هذا التعصب الغبي لشيء سببته الصدفة البيولوجية وحدها؟ فهل ستقوم النظم العربية بتصحيح مفهوم حوار الاديان قبل فوات الاوان ام سيظل الامر كله حواراً للطرشان حتي تقوم الفتن الطائفية لتقضي علي ما بقي من امن وسلامة هذه الامة العربية. كاتب من مصر يقيم في نيويورك
المصدر: http://www.passia.org/meetings/rsunit/Articles/A-Franswa-Bassli-08-08-20...

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك