بناء الشخصية الدعوية القدوة الحسنة سعد بن معـاذ

بــسم الله الـرحمن الرحـيم

بناء الشخصية الدعوية القدوة الحسنة سعد بن معـاذ
رضي الله عنه
إعداد :م.عبد الله بن علي صغير
إلى من هذه المحاضرة:
• إلى كل مسلم ومسلمة فهموا الحياة وعرفوا أنه لا منجا من الله إلا الله.
• إلى كل شاب وشابة راح يضيع زهرة شبابه في الامور التي نهى الله عنها ونسي دينه ونسي رسالته في الحياة ونسي أن حقيقة وجوده في الحياة هو عبادة الله.
• إلى كل مؤمن ومؤمنة أحبوا الله ورسوله وأحبوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلموا أنهم القدوة الحسنة وهم من يستحق الاقتداء وهم من يستحق التقليد الصحيح.
• إلى كل شاب وشابة أراد أن يخدم الإسلام وراح يتعلم من أصحاب رسول الله كيف تكون خدمة الإسلام ...
• في حياة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دروس وعظات وعبر فكل واحد منهم مدرسة في اللتضحية والإيباء ومدرسة في المؤازرة والعطاء ونبع للحكمة والتقوى والإيمان فحري بنا أن نجعلهم مصابيح نهتدي بهم في الظلمات وأن نجعلهم سفينة نجاة من ركب فيها نجا بفضل الله وكرمه والله مع القوم الصابرين..

رجال نصروا الإسلام
قال الله تعالى ((من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا)) الأحزاب 23.
إن مايميز دين الإسلام أنه دين مثالي واقعي لا دين خيالي فنصر الإسلام لايكون فقط بالمعجزات والكرامات وخوارق العادة وإنما النصر يكون بالرجال والنساء الذين يعشقون هذا الدين ويضحون بكل ما يملكون في سبيل الله .
وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته وأصحابه الكرام الأمثال العظيمة في التضحية والفداء وعلمونا معنى الصدق في المبدأ. فحري بنا أن نقتدي بهم وأن نحافظ على ما قدموه لنا وأن نكون خير خلف لخير سلف .

وقد صدق من قال:

أبن أيها التاريخ وجه محمد
ليبصره العاميون عنه تعمدا
بلاد أعزتها سيوف محمد
فما عذرها أن لا تعزَّ محمدا
كلمة لابد منها
• لابد لكل داعي و داعية إلى الله عز وجل من قدوة حسنة في هذه الحياة يتعلم منها كيف يكون الإسلام وكيف يكون اللإيمان وكيف يكون حب الله ورسوله .. وكيف تكون المؤازرة وكيف يكون نصر الإسلام...
• ولابد للداعي أن يقتدي برجال حملوا الإسلام وحملوا راية لا إله إلا الله محمد رسول الله .... وطبعاً القدوة الصحيحة والمعصومة عن الخطأ هي الإقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ... ولكنني في هذه الكلمات سوف أركز على الاقتداء بشباب الصحابة وذلك لأننا قد نمر بتجارب تشابه تجاربهم ولكي نتعلم منهم كيف يكون الإخلاص وكيف تكون نصرة الإسلام ولكي نتعلم الصدق والوفاء والولاء والبراء من بشر غير معصومين عن الخطأ وليسوا بأنبياء ولا رسل ولكنهم بشر أحبوا الله ورسوله فأحبهم الله ورسوله ...وصدقوا مع الله ورسوله فصدق الله معهم.
• فحري بنا أن نقتدي بهم وأن نسير على نهجهم
سوف نتحدث في هذه الكلمات الموجزة عن رجل من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم
رجل صدق مع الله فصدق الله معه...
رجل دعى إلى الإسلام من أول لحظة من إسلامه فكان إسلامه نصراً ودعوته
توحيداً وحياته جهاداً وجزاؤه شهادة في سبيل الله...
رجل استجاب لله ولرسوله فأجاب الله له دعوته ...
رجل اهتز له عرش الرحمن ..
رجل شيع جثمانه الطاهر سبعون ألف ملك .....
رجل أحب الله ورسوله فأحبه الله ورسوله ...
رجل جعل الإسلام مبدأه ونصره هدفه فنصره الله ...
ألا وهو سعد بن معاذ رضي الله عنه وأرضاه
وليس هذا بغريب أو بعجيب عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فكيف وهم خريجو مدرسة محمد عليه الصلاة والسلام ... وهم خريجي مدرسة التوحيد ...
وكيف وهم من حملة لا إله إلا الله محمد رسول الله .....

اسمه ونسبه رضي الله عنه
هو سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن النبيت بن مالك بن الأوس الأنصاري الأشهلي سيد الأوس وأمه كبشة بنت رافع لها صحبة ويكنى أبا عمرو شهد بدرا باتفاق ورمي بسهم يوم الخندق فعاش بعد ذلك شهرا حتى حكم في بني قريظة وأجيبت دعوته في ذلك ثم انتقض جرحه فمات أخرج ذلك البخاري وذلك سنة خمس وقال المنافقون لما خرجت جنازته ما أخفها فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الملائكة حملته وفي الصحيحين وغيرهما من طرق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال اهتز العرش.

إسلامه رضي الله عنه
عندما أسلم سيدنا أسيد بن حضير على يد مصعب بن عمير وأسعد بن زرارة رضي الله عنهما قال لهما: إن ورائي رجلاً إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه وسأرسله إليكم الآن:سعد بن معاذ.
ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس في ناديهم، فلما نظر إليه سعد مقبلاً قال: أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بن حضير بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم. فلما وقف على النادي قال له سعد: ما فعلت؟ قال: كلمت الرجلين فوالله ما رأيت بهما بأسًا، وقد نهيتهما فقالا: نفعل ما أحببت، وقد حدثت – أخبرت – أن بني حارثة خرجوا إلى أسعد بن زرارة, ليقتلوه, وذلك أنهم عرفوا أنه ابن خالتك ليحقروك.
فقام سعد مغضبًا مبادرًا مخوفًا للذي ذكر له من أمر بني حارثة، وأخذ الحربة في يده ثم قال: والله ما أراك أغنيت شيئًا، ثم خرج إليهما سعد فوجدهما مطمئنين, فعرف أن أسيد إنما أراد أن يسمع منهما، فوقف متشتمًا، ثم قال لأسعد بن زرارة: والله يا أبا أمامة لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني، أتغشانا في دارنا بما نكره،وكان أسعد قد قال لمصعب: لقد جاء والله سيد من ورائه من قومه، إن يتبعك لا يتخلف منهم اثنان، فقال له مصعب: أَوَتقعد فتسمع؟ فإن رضيت أمرًا ورغبت فيه قبلته، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره، فقال سعد: أنصفت، ثم ركز الحربة وجلس فعرض عليه الإسلام، وقرأ القرآن، وذكر موسى بن عقبة أنه قرأ عليه أول سورة الزخرف، قالا: فعرفنا -والله- في وجهه الإسلام - قبل أن يتكلم- في إشراقه وتسهله. ثم قال لهما: كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم، ودخلتم في هذا الدين؟ قالا: تغتسل، فتطهر وتطهر ثوبيك، ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصلي ركعتين، فقام فاغتسل وطهر ثوبيه، ثم تشهد شهادة الحق، ثم ركع ركعتين،

دعوته لقومه:
فلما رآه قومه مقبلاً من عند سيدنا مصعب بن عمير قالوا: نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم, فلما وقف عليهم قال: يا بني عبد الأشهل كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدنا وأفضلنا رأيًا وأيمننا نقيبة، قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله، قال: فوالله ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلمًا أو مسلمة.
فوائد وعبر نتعلمها من دعوة هذا الصحابي الجليل لقومه:
1- الدعوة إلى الله عز وجل غير مرتبطة بالعمر أو مدى التعلم أو بحصيلة العلم الشرعي فسيدنا سعد بن معاذ من أول لحظة من إسلامه بدأ بالدعوة إلى الله فلم يقل أنني لم أحفظ القرآن ! ولم يقل أنني حديث الإسلام! ولم يقل ...
لذلك يجب على جميع المسلمين عالمهم و متعلّمهم أن يدعوا لله تعالى كل حسب طاقته وعلمه وأن لا يكون قللة تحصيلهم العلمي سبباً في عزوفهم عن الدعوة إلى الله تعالى فالرسول الأعظم يوصينا بالدعوة بتبليغ الناس ولو آية فهو القائل((بلِّغوا عني ولو آيةً...)) رواه بخاري. فالرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم وهو معلم البشرية لم يأمر ولم يطلب أن يلم الداعي بكل أمور الدين بل يكفي أن يفهم آية واحدة من القرآن ويدعوا إليها الناس.
فقبيلة غفار قد أسلمت على يدي أبي ذر الغفاري الذي لم يتعلم من الرسول الأعظم سوى بضع آيات ولم يمكث معه إلا بضعة أيام....
لذلك يجب أن نمييز بين الفقيه والداعي والحافظ للقرآن والمحدث..... فلا يشترط في الداعي أن يكون فقيهاً او محدثا وإنما يشترط الاستقامة والتقوى والنية الحسنة ...
طبعاً من الأفضل أن يكون الداعي فقيهاً أو محدثاً أو.... ولكن ليس شرطاً واجباً .
فالمرأة الصالحة المقتنعة بالحجاب الشرعي تستطيع أن تدعوا النساء إلى الحجاب الشرعي رغم أنه قد تكون ذات إلمام ضعيف بالفقه... والرجل المحب لصلاة الجماعة يستطيع أن يدعو المسلمين إليها رغم أنه قد يكون ضعيفاً بعلم الحديث.... والله تعالى أعلم
2-يجب على الداعي الاستفادة من مكانته الاجتماعية أووضعه العائلي في الدعوة إلى الله .
فسيدنا سعد بن معاذ استفاد من كونه سيداً على قومه في الجاهلية فراح يستفيد من هذه الصفة في دعوة قومه لذلك يجب على الداعي الاستفادة من الظروف الاجتماعية المتاحة له بالشكل الأمثل بما يخدم دينه ودعوته...
فيتوجب على المدرس والمعلم كونه معلماً لطلابه أن يستفيد من ذلك في زرع بزور الإيمان والتقوى في قلوب طلابه .... والطبيب يستطيع أن يزرع الإيمان في قلب المرضى فيستطيع عند وصفه الدواء المناسب للمرضى أن يوصيهم بالرقية الشرعية (تلاوة القرآن – أذكار – أدعية ...) ويستطيع أن يبين لهم أن الله وحده هو الشافي والمعافي فيكون بذلك قد وصف دواء مادياً للجسد و روحياًً للقلب والعقل والروح.....والله وتعالى أعلم
3- من مقومات الداعي الناجح أن يحسن اختيار أسلوب الدعوة المناسب الذي يناسب الزمان والمكان والأشخاص ....
فسيدنا سعد بن معاذ فلم يطلب من قومه الإيمان بالله إلا بعد ان أقام عليهم الحجة ..فأولاً قام بتذكيرهم بمكانته الاجتماعية بينهم فقال لقومه: يا بني عبد الأشهل كيف تعلمون أمري فيكم؟ فقال له قومه سيدنا وأفضلنا رأيًا وأيمننا نقيبة .ثم بعد ذلك دعاهم للإسلام فقال لهم فإن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله.
أي وكأنه يقول لهم مادمتم تعترفون بمكانتي الرائعة بينكم وتعتبروني سيداً عليكم إذاً فيجب عليكم طاعتي .. وهو أي –سعد بن معاذ- يقيم عليهم الحجة فليس من عادة العرب أهل الرجولة والوفاء أن تبرؤوا من أقوالهم بلحظات ويتنكروا لها...
لذلك على الدعاة أن يحسنوا إقامة الحجة على الناس وأن لايطرحوا أفكارهم مباشرة بل يتبعوا أسلوب الدعوة الغير مباشر ....
4- من صفات الداعي الثقة بنفسه ومبدأه الحزم بالدعوة إلى الله والجد وعدم المساومة وخصوصاً على الأشخاص الذي تربطه معهم روابط قوية..
فسيدنا سعد بن معاذ رضي الله عنه وأرضاه وضع قومه أمام خيار وحيد لامناص منه إما الإيمان بالله وبرسوله أو القطيعة الهجر ويؤيد هذا الفعل الحكيم قوله تعالى((لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون)) المجادلة 22.
طبعاً هذا الأسلوب أسلوب الدعوة الحازمة والجدية لا يفيد كل الأشخاص بل يفيد فقط الفئة التي للداعي سلطة عليها كأبنائه وزوجته وعلى الداعي أن يبدأ أولاً دعوتهم باللين فإذا لم ينفع معهم أسلوب اللين عليه أن يلجأ إلى أسلوب أكثر جدديه
فمثلاُ :
على الأب والأم أن يأمروا أبناءهم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين وأن يضربوهم على تركها وهم أبناء عشر سنين لقوله صلى الله عليه وسلم ((مُرُوا أَوْلاَدَكُم بالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْع سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ في المَضَاجِعِ )) . رواه أبي داوود.
ويجب دوماً أن يتبع الداعي القاعدة التالية :
إما أمر بالمعروف أو نهي عن المنكر – شريطة أن لا ينتج عن النهي عن المنكر منكر أشد من الذي ننهى عنه.
فمثلاً :إذا رأيت رجل ينظر إلى النساء وقمت بنهيه عن النظر- النهي عن المنكر- لكن هذا الرجل راح يعاندك وينظر إلى النساء بشكل أكبر وأكثر ريبة من المرة الأولى قبل النهي فبمثل هذه الحالة يتوجب على الداعي ان يكف نهيه على ذلك الرجل لان بنهيه عن المنكر ظهر منكر أشد والعياذ بالله.... والله تعالى أعلم.

مسيرة سعد بن معاذ رضي الله عنه الجهادية ومؤازرته وحبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم

وسوف نتناول بالحديث المواقف التالية:
1- موقفه رضي الله عنه يوم معركة بدر.
2 - موقفه رضي الله عنه يوم معركة أحد.
3- موقفه رضي الله عنه يوم غزوة الخندق.
أولاً:موقفه رضي الله عنه يوم معركة بدر:
لما بلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم إصرار زعماء مكة على قتاله صلى الله عليه وسلم استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه في الأمر.
وأبدى بعض الصحابة عدم ارتياحهم لمسألة المواجهة الحربية مع قريش، حيث إنهم لم يتوقعوا المواجهة ولم يستعدوا لها، وحاولوا إقناع الرسول صلى الله عليه وسلم بوجهة نظرهم، وقد صور القرآن الكريم، موقفهم وأحوال الفئة المؤمنة عمومًا في قوله تعالى: ( كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ ` يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إلى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ ` وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَن يُّحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ ` لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ) [الأنفال: 5- 8]. وقد أجمع قادة المهاجرين على تأييد فكرة التقدم لملاقاة العدو
وبعد ذلك عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أشيروا عليَّ أيها الناس”. وكان إنما يقصد الأنصار؛ لأنهم غالبية جنده، ولأن بيعة العقبة الثانية لم تكن في ظاهرها ملزمة لهم بحماية الرسول صلى الله عليه وسلم خارج المدينة، وقد أدرك الصحابي سعد بن معاذ، وهو حامل لواء الأنصار، مقصد النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فنهض قائلاً: "والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: "أجل". قال: (لقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لصبر في الحرب، صدق عند اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر على بركة الله).
سُرَّ النبي صلى الله عليه وسلم من مقالة سعد بن معاذ، ونشطه ذلك فقال صلى الله عليه وسلم: "سيروا وأبشروا فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم" . كانت كلمات سعد مشجعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وملهبة لمشاعر الصحابة فقد رفعت معنويات الصحابة وشجعتهم على القتال.

عبر وعظات من موقف سيدنا سعد بن معاذ رضي الله عنه يوم بدر الكبرى

1- إن المؤمن حقا كسيدنا سعد بن معاذ رضي الله عنه هو من يثبت ساعة اللقاء والمواجهة ويثبت على ما عاهد الله ورسوله دون كسل أو توان فمنذ أول يوم أسلم راح هذا الصحابي الجليل يعبر عن صدق إسلامه لله وعن صدق إيمانه برسول الله ...وما موقفه يوم بدر إلا حلقة من سلسلة عطائه وإيمانه الصادق وعلى مثل هذا الصحابي ينطبق قوله تعالى((من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا)) الأحزاب 28.

2- الداعي الحق هو يدعو إلى نصرة الإسلام بكل السبل ولا يغلب جانب على جانب
فعندما أسلم هذا الصحابي الجليل دعى قومه إلى الإيمان بالله وبرسوله وعندما حان وقت الجهاد والفداء والتضحية سل سيفه وراح يحث قومه على الجهاد فهو القائل ((.....فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد... )) فهنا رضي الله عنه يخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم متحدثاً ًعن نفسه وعن قومه بصفته نقيباً عليهم فقوله ((...ما تخلف منا رجل واحد...)) يدل على أنه يتكلم بلسان قومه الأنصار .
فنعم القائد سعد بن معاذ ونعم الرجل سعد بن معاذ فهو من قاد قومه إلى سفينة الإسلام وهو من ربط جأش قومه في ساحات الوغى ...
لذلك على الدعاة أن يدعوا إلى الله تعالى وأن يشملوا في دعوتهم أوسع الشمول فالداعي يدعو الناس إلى مكارم الأخلاق وإلى الأذكار الشرعية وإلى تلاوة القرآن وإلى الجهاد وإلى الزكاة ولا يغلب جانب على جانب وحري بالدعاة أن يدرسوا الواقع ويفهموه ليضعوا أولويات فكرية في دعوتهم ..

ثانياً:موقفه رضي الله عنه يوم غزوة أحد
كان سعد بن معاذ رض الله عنه كعادته في الصف الأول من المعركة يقاتل على يمين وعلى شمال ووراء وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وبعد انتهاء المعركة عاد الرسول الأعظم إلى المدينة ودموعه الطاهرة تسيل على وجنتيه الشريفتين لوعة وأسىً على ما حل بالمسلمين من قتل وهزيمة وكانت فجيعته الكبيرة بعمه حمزة بن أبي طالب أسد الله ورسوله وسيد الشهداء فعندما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وسمع نساء الأنصار يبكين قتلاهم قال رسول الله ((لكن حمزةُ لا بَوَاكِيَ له...)) فأتى سعد بن معاذ بنسائه وجعلهن يبكين عند رسول الله على حمزة رضي الله عنه.
فما أرهف إحساسك ياسعد وما أحنك على رسول الله فإلى جانب القوة العظيمة والشجاعة الفائقة التي يتحلى بها سعد بن معاذ إلا أنه إنسان لطيف كريم حنون فعندما شعر بحزن رسول الله على عمه حمزة رضي الله عنه راح يجعل نساؤه يبكين على حمزة عند رسول الله مواسياً بذلك رسول الله ومعبراً عن حزنه وعن حزن نساء الانصار بهذه الفاجعة – كقتل حمزة رضي الله عنه- التي أنستهم آلامهم قتلاهم فمن من الرجال يشبه حمزة بقوته وشجاعته فهو أسد الله ورسوله وسيد الشهداء
لذلك على تلاميذ الدعاة والجنود أن لا ينظروا إلى قوادهم ومعلميهم أنهم لا يملكون عواطف أو أحاسيس أو مشاعر لا بل يجب عليهم أن يراعوا الجانب الإنساني في شخصية القواد فالقائد والداعي قد يمتلك شخصية قوية ونفس شجاعة في المعارك والمصاعب لكن هذا لا يعني أن القواد ليسوا بشر ... لا بل هم يفرحون ويحزنون فالرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم قد حزن حزناً شديداً على فقدان عمه الشهيد البطل حمزة بن أبي طالب سيد الشهداء ليس لأنه عمه فحسب لا بل لأنه أسد لله ولرسوله وركن من أركان دعوة التوحيد وعلم من أعلام المهاجرين .
هذا وقد أدرك سعد بن معاذ رضي الله عنه حزن رسول الله على عمه فراح يعزيه به ويجعل نساؤه يبكين عليه...
فنعم المؤازر أنت يا سعد ونعم المتبع أنت يا سعد! لنعم المربي والقائد والداعي - رسول الله صلى الله عليه وسلم-.

ثالثاً:موقفه رضي الله عنه من الصلح مع غطفان يوم غزوة الخندق

لم اشتدت غزوة الخندق على المسلمين وراحت تعصف بهم همّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعقد صلح مع غطفان وأهم البنود التي جاءت في هذه الاتفاقية المقترحة:
أ- عقد صلح منفرد بين المسلمين وغطفان الموجودة ضمن جيوش الأحزاب.
ب- توادع غطفان المسلمين وتتوقف عن القيام بأي عمل حربي ضدهم (وخاصة في هذه الفترة).
ج- تفك غطفان الحصار عن المدينة وتنسحب بجيوشها عائدة إلى بلادها.
د- يدفع المسلمون لغطفان (مقابل ذلك) ثلث ثمار المدينة كلها من مختلف الأنواع، ويظهر أن ذلك لسنة واحدة.فقد ذكر الواقدي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقائدي غطفان: "أرأيت إن جعلت لكم ثلث تمر المدينة ترجعان بمن معكم وتخذلان بين الأعراب؟" قالا: تعطينا نصف تمر المدينة، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزيدهما على الثلث، فرضيا بذلك، وجاءا في عشرة من قومهما حين تقارب الأمر.
• ويعني قبول قائدي غطفان ما عرضه عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوجهة العسكرية، وضوح الهدف الذي خرجت غطفان من أجله، وهو الوقود الذي يشعل نفوس هؤلاء ويحركها في جبهة القتال، ولا شك في أن اختفاء هذا الدافع يعني أن المحارب فقد ثلثي قدرته على القتال، وبذلك تضعف عنده الروح المعنوية التي تدفعه إلى الاستبسال في مواجهة خصمه؛ وبذلك استطاع صلى الله عليه وسلم أن يفتت ويضعف من قوة جبهة الأحزاب.
• فقد أبرز صلى الله عليه وسلم في هذه المفاوضات جانبًا من جوانب منهج النبوة في التحرك لفك الأزمات عند استحكامها وتأزمها, لتكون لأجيال المجتمع المسلم درسًا تربويًّا من دروس التربية المنهجية عند اشتداد البلاء. وقبل عقد الصلح مع غطفان شاور رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة في هذا الامر، فكان رأيهم في عدم إعطاء غطفان شيئًا من ثمار المدينة وقال السعدان - سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة-:
وقال السعدان -سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة-: يا رسول الله أمرًا تحبه، فنصنعه، أم شيئًا أمرك الله به لا بد لنا من العمل به، أم شيئا تصنعه لنا؟ فقال: "بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب رمتكم عن قوس واحدة, وكالبوكم من كل جانب، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما" فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله قد كنا وهؤلاء على الشرك بالله وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة واحدة إلا قرى أو بيعًا، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه، نعطيهم أموالنا؟ ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف، حتى يحكم الله بيننا وبينهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أنت وذاك".
فتناول سعد بن معاذ الصحيفة، فمحا ما فيها من الكتاب، ثم قال: ليجهدوا علينا
كان رد زعيمي الأنصار سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة في غاية الاستسلام لله تعالى والأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم وطاعته، فقد جعلوا أمر المفاوضة مع غطفان ثلاثة أقسام:
الأول: أن يكون هذا الأمر من عند الله تعالى فلا مجال لإبداء الرأي بل لا بد من التسليم والرضا.
والثاني: أن يكون شيئًا يحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، باعتباره رأيه الخاص، فرأيه مقدم وله الطاعة في ذلك.
الثالث: أن يكون شيئًا عمله الرسول صلى الله عليه وسلم لمصلحة المسلمين من باب الإرفاق بهم، فهذا هو الذي يكون مجالا للرأي.
ولما تبين للسعدين من جواب الرسول صلى الله عليه وسلم أنه أراد القسم الثالث, أجاب سعد بن معاذ بجواب قوي كبت به زعيمي غطفان حيث بين أن الأنصار لم يذلوا لأولئك المعتدين في الجاهلية, فكيف وقد أعزهم الله تعالى بالإسلام، وقد أعجب النبي صلى الله عليه وسلم بجواب سعد, وتبين له منه ارتفاع معنوية الأنصار واحتفاظهم بالروح المعنوية العالية، فألغى بذلك ما بدأ به من الصلح مع غطفان.
وفي استشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابة يبين لنا أسلوبه في القيادة, وحرصه على فرض الشورى في كل أمر عسكري يتصل بالجماعة، فالأمر شورى ولا ينفرد به فرد حتى ولو كان هذا الفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم, ما دام الأمر في دائرة الاجتهاد ولم ينزل به وحي. إن قبول الرسول صلى الله عليه وسلم رأي الصحابة في رفض هذا الصلح يدل على أن القائد الناجح هو الذي يربط بينه وبين جنده رباط الثقة، حيث يعرف قدرهم ويدركون قدره، ويحترم رأيهم ويحترمون رأيه، ومصالحة النبي صلى الله عليه وسلم مع قائدي غطفان تعد من باب السياسة الشرعية التي تراعي فيها المصالح والمفاسد حسب ما تراه القيادة الرشيدة للأمة .

إن موقف الصحابة من هذا الصلح يحمل في طياته ثلاثة معانٍ:
أ- أنه يؤكد شجاعة المسلمين الأدبية في إبداء الرأي، والمشورة في أي أمر يخص الجماعة، إذا دعت الحاجة إلى ذلك.
ب- أنه يكشف عن جوهر المسلمين وعن حقيقة اتصالهم بالله ورسوله وبالإسلام.
ج- أنه يبين ما تمتلئ به الروح المعنوية لدى المسلمين من قدرة على مواجهة المواقف الحرجة بالصبر, والرغبة القوية في قهر العدو, مهما كثر عدده وعتاده أو تعدد حلفاؤه.

دروس عبر وعظات من موقف سعد بن معاذ رضي الله عنه من الصلح مع غطفان في غزوة الخندق

1- لقد ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم على فكرة أساسية في دين الإسلام بل وتمثل جوهر الدين ألا وهي ((عند وجود أمر من الله تعالى يجب على المسلم عدم الاجتهاد بل عليه الطاعة والتسليم وعندما نتعرض لمسالة ليس فيها أمر من الله ورسوله عندها فباب الاجتهاد والابداع والتفكير مفتوح أمام كل مسلم)) .
وإن من يفهم الفكرة السابقة بشكل شرعي صحيح يدرك أنه لا بدعة في الدين وإنما الابداع والابتكار في أمور الدنيا ويؤيد ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أَنْتُـمْ أَعْلَـمُ بِـأَمْرِ دُنْـيَاكُمْ» رواه مسلم.
وإن من يفهم موقف السعدان من عقد الصلح مع غطفان وكيف كان حاورا رسول الله بأسلوب رائع سوف يدرك أن دين الإسلام هو دين العقل ودين الفكر ودين النقاش والحوار وليس دين التقوقع وليس دين الجمود .
لذلك على الدعاة أن يربوا تلاميذهم على النقاش والحوار و الانقياد والتسليم فقط لله ولرسوله وللدليل الصحيح دون تعصب لأي مذهب أو أي عالم .. فنحن بشر الفقهاء بشر والعلماء بشر وكلمة بشر من وجهة نظر شرعية معنى ذلك أنه قد يخطئ ويصيب.... والله تعالى ورسوله أعلم.
2- على كل داعي بل وعلى كل مسلم ومسلمة اتجه إلى دين الله أن يعقد مقارنة بين ماضيه- قبل التوجه الحقيقي إلى الله- وبعد التوجه الحقيقي إلى الله بحيث يستفيد من بعض الصفات التي كانت لديه في الماضي في حاضره فسيدنا سعد بن معاذ رضي الله عنه عندما سمع بالصلح مع غطفان تكلم بكلام جميل رائع بين فيه أنه قبل الإسلام كان عزيز النفس شجاع فكيف يكون بعد الإسلام ؟ هل يتخاذل هل يضعف لا وألف لا.لذلك على المسلم دوماً أن يعقد مثل هذه المقارنة فمثلاً إذا كان الرجل شجاع كريم قوي عزيز النفس قبل أن يتجه إلى الله فهل يتحول بعد الإيمان إلى رجل ضعيف بخيل ؟!
لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((الناس معادن في الخير والشر، خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا)) رواه أحمد في مسنده .
فجاء الإسلام ليبني لا ليهدم وجاء الإسلام ليعمر لا ليخرب فالإسلام دين واقعي يكرس الفضيلة ويحارب الرذيلة ويدعو إلى مكارم الأخلاق فالرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام هو القائل ((إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق)) رواه أحمد في مسنده

رابعاً: موقفه رضي الله عنه يوم غزوة الخندق عندما رمي بالسهم

واستطاع حبان بن العرقة من المشركين أن يرمي سهمًا أصاب سعد بن معاذ رضي الله عنه في أكحله. وقال: خذها وأنا بن العرقة، وقد قال سعد بن معاذ عندما أصيب: ((اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئًا فأبقني لها، فإنه لا قوم أحب إليَّ أن أجاهدهم من قوم آذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه، اللهم وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها شهادة, ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة)).

وكان هذا الجرح الذي أصيب به سعد بن معاذ رضي الله عنه يوم الخندق طريقاً إلى الشهادة وبإذن الله طريقاً إلى الجنة .
اللهم ارضى على الأنصار وعلى سيد الأنصار – سعد بن معاذ- رضي الله عنه .

دروس وعبر وعظات نتعلمها من سعد بن معاذ رضي الله عنه عندما رمي بالسهم يوم غزوة الخندق

1- المؤمن الحق هو من يتولى الله ورسوله ويضع الثأر من أعداء الإسلام أمام عينيه دون تهاون ولا يلهيه طلب الشهادة عن الغاية وهدفه الأساسي وهو الثأر لله ولرسوله من الكفار والمشركين فسعد بن معاذ رضي الله عنه قال عندما رمي بالسهم ((اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئًا فأبقني لها، فإنه لا قوم أحب إليَّ أن أجاهدهم من قوم آذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه، اللهم وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها شهادة, ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة)). فسعد رضي الله عنه يطلب من الله تعالى أن يمد بعمره وذلك إن لم تنتهي الحرب مع قريش لأنه كان يدرك أن الصراع من قريش صراع مصيري فإن انتصر رسول الله عليهم فإنه لا خوف بعد ذلك على الإسلام ولأنه كان واضعاً أمام عينيه الثأر لرسول الله منهم فهم الذين أخرجوا رسول الله من مكة وأذوه ... وإن طلب الشهادة لم يلهي سيدنا سعد عن هذا الهدف لا وإن من يقرأ دعاؤه يدرك ذلك لأن الصحابة رضي الله عنهم مع حبهم الشديد للشهادة في سبيل الله إلا أنهم كان أشددوا حباً للتضحية في سبيل الله ولمؤازرة نبيهم الكريم .

2-يستحب للمؤمن أن يطلب من الله تعالى أن يبقيه في الحياة ويمد بعمره وذلك إن كان له هدفاً يحققه للإسلام وهذا يظهر بشكل واضح في دعاء سعد بن معاذ رضي الله عنه عندما طلب من الله تعالى أن يبقيه حتى ينتقم من بني قريظة اللذين غدروا برسول الله .
لذلك فيستحب للمجاهد المرابط أن يطلب من الله تعالى مثل هذا الطلب وذلك إن كان يهدف إلى تحقيق شيء عظيم ... ويستحب للعالم أن يطلب من هذا الطلب إن كان بصدد إنجاز بحث علمي يفيد فيه الإسلام ...
فالمؤمن لا يهرب ولا يفرط بالدنيا رغم اشتياقه الكبير للآخرة لأنه يدرك ليست الآخرة فقط جنة يدخلها أو نار يتجنبها إنما هناك سؤال من الله تعالى عما قدمه هذا الرجل للإسلام ؟ فيجب على كل مسلم ومسلمة أن يشتاقوا إلى الآخرة ولكن هذا الاشتياق لا ينسيهم واجبهم تجاه دينهم وخدمة مبدأهم .
فلا استهتار في الدنيا بحجة طلب الآخرة ولا تهاون في الحياة بحجة طلب الشهادة .
فالمؤمن يطلب الشهادة ولكنه لا يتهاون ولا يتهور بل يأخذ بالأسباب التي تساعده على تحقيق أهدافه .... والله تعالى أعلم

خامساً: حكمه في يهود بني قريظة في غزوة بني القريظة بعيد غزوة الخندق

كانت غزوة بني قريظة نتيجة من نتائج غزوة الأحزاب، حيث تم فيها محاسبة يهود بني قريظة الذين نقضوا العهد مع النبي صلى الله عليه وسلم في أحلك الظروف وأقساها.
وبعد عودة النبي من الخندق ووضعه السلاح أمر الله تعالى نبيه بقتال بني قريظة، فأمر الحبيب صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتوجه إليهم, وقد أعلمهم بأن الله تعالى قد أرسل جبريل ليزلزل حصونهم ويقذف في قلوبهم الرعب وأوصاهم بأن: "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة". وضرب المسلمون الحصار على بني قريظة خمسًا وعشرين ليلة ولما اشتد الحصار وعظم البلاء على بني قريظة، أرادوا الاستسلام والنزول على أن يحكِّم الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم سعد بن معاذ رضي الله عنه ونزلوا على حكمه, ورأوا أنه سيرأف بهم بسبب الحلف بينهم وبين قومه الأوس، ونزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتواثبت الاوس فقالوا يا رسول الله انهم كانوا موالينا دون الخزرج وقد فعلت في موالي اخواننا بالامس ما قد علمت يعنون عفوه عن بني قينقاع حين سأله فيهم عبد الله ابن ابي كما تقدم قال ابن اسحاق – أحد رواة السيرة النبوية- فلما كلمته الاوس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((يا معشر الاوس ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم قالوا بلى قال فذلك الى سعد بن معاذ ))
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جعل سعد بن معاذ في خيمة لامرأة من أسلم يقال لها رفيدة في مسجده وكانت تداوي الجرحى فلما حكمه في بني قريظة أتاه قومه فحملوه على حمار قد وطئوا له بوسادة من أدم وكان رجلا جسيما جميلا ثم اقبلوا معه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يقولون يا أبا عمرو أحسن في مواليك فان رسول الله صلى الله عليه وسلم انما ولاك ذلك لتحسن فيهم فلما أكثروا عليه قال- أي سعد- قد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم.
فلما انتهى سعد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا الى سيدكم فأما المهاجرون من قريش فيقولون انما أراد الانصار واما الانصار فيقولون قد عمم- شمل- رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين فقاموا اليه فقالوا يا أبا عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولاك أمر مواليك لتحكم فيهم فقال سعد عليكم بذلك عهد الله وميثاقه ان الحكم فيهم لما حكمت قالوا نعم قال وعلى من ها هنا في الناحية التي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معرض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اجلالا له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم.
قال سعد فاني أحكم فيهم أن يقتل الرجال وتقسم الاموال وتسبى الذراري والنساء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة .
يالله ما هول ذلك الوقف وما أعظم هذه المحكمة :
الرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام يخاصم يهود بني قريظة الغدارين.
والقاضي سعد بن معاذ حبيب رسول الله وتلميذ رسول الله وناصر رسول الله.
فيالله ما أعظم هذا الموقف صحابي جليل يقضي في محكمة فيها رسولك الكريم الله أكبر الله أكبر على هذا الحدث العظيم.
وكانت النتيجة أن ألهم الله تعالى سعد بن معاذ رضي الله عنه كلمات يقولها ليحكم بحكم الله من فوق سبع سموات وليبتهج رسول الله وليفتخر بما ربى فنعم المربي رسول الله ونعم المتربي والتلميذ الرائع سعد بن معاذ .
وعلى مثل سعد بن معاذ رضي الله عنه ينطبق قوله تعالى ((نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون)) فصلت 31.
فمن يتولاه الله في الدنيا والآخرة يجعل لسانه ينطق بالحق بفضل الله وكرمه
ونفذ حكم الإعدام في أربعمائة في سوق المدينة، حيث حفرت أخاديد وقتلوا فيها بشكل مجموعات، وقد نجا مجموعة قليلة جدا بسبب وفائها للعهد ودخولها في الإسلام، وقسمت أموالهم وذراريهم على المسلمين. وهذا جزاء عادل نزل بمن أراد الغدر وتبرأ من حلفه للمسلمين، وكان جزاؤهم من جنس عملهم, حين عرضوا بخيانتهم أرواح المسلمين للقتل، وأموالهم للنهب، ونساءهم وذراريهم للسبي، فكان أن عوقبوا بذلك جزاء وفاقًا.
وعندما نفذ حكم الله في يهود بني قريظة رفع سعد يده يدعو الله ثانية يقول: اللهم فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم (يعني قريشًا والمشركين), فإن كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فافجرها-أي الجرح- واجعل موتي فيها.

وقد استجيب دعاؤه فانفجر جرحه تلك الليلة ومات رحمه الله. ومن خلال دعائه الأول والثاني، نلحظ هذا الدعاء العجيب، دعاء العظماء الذين يعرفون أن رسالتهم في الحياة ليست الاستشهاد فقط، بل متابعة الجهاد إلى اللحظة الأخيرة، فهو المسؤول عن نصرة الإسلام في قومه وأمته.

دروس وعبر وعظات نتعلمها من سعد بن معاذ في قصة حكمه في بني قريظة

1- التأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوقيره والدفاع عنه من أركان الإسلام وأساسيات الإيمان .
والله هذه الفكرة هي التي رفعت أقوام وأزلت أقوام فهي التي زلت المنافق عبدالله بن أبي سلول ورفعت سعد بن معاذ وأصحابه رضي الله عنهم .
فعندما أختير سعد بن معاذ رضي الله عنه للحكم باليهود التفت إلى جهة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ((…..وعلى من ها هنا في الناحية التي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معرض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اجلالا له …..))
فإنظروا إلى شدة أدبه وتواضعه رضي الله عنه فقال عن نفسه عندما خاطب رسول الله ((... وعلى من ها هنا ...)) فإنظروا إلى هذا الأدب العظيم فمن عادة العرب عندما يريدون أن يفتخروا يسمون أنفسهم بأسمائهم الحقيقة معتزين بنسبهم وبآبائهم ومن عادة العرب عندما يريدون أن يذموا شخص أو يصغروه لاينادونه بأسمه بل يتحدثون عنه بأسماء الإشارة كان يقول رجل عن رجل جاء هذا ولايسميه بأسمه
2- على المسلم عامة وعلى الداعي خاصة أن لا تأخذه في الله لومة لائم ومعاتبة معاتب ولا انتقاد ناقد فالمؤمن الحق هو الذي يحكم بحكم الله وحده لا بأهواء البشر سواء أرضوا أم لم يرضوا فإما ان يحكم بحكم الله أو أن يصمت خيراً له من المهادنة وإرضاء البشر. والله تعالى يقول ((ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون..). المائدة 44 ((000ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ..)) المائدة 45(( ... ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون...)) المائدة 47.
فعندما جاء قومه ليستعطفوه في يهود بني قريظة واللذين هم كانوا الحلفاء والأصدقاء الحميمين للأوس قال :((قد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم)) .
فلم يقل مكارم أخلاقي وصحبتهم لي السابقة تشفع لهم عندي لا بل قال بأنه يجب عليه إرضاء الله وعدم الاكتراث بلزمة اللائمين فلا شفاعة في حد من حدود الله
ولا تهاون مع أعداء الله ورسوله ولا تهاون ولا استهتار في تطبيق حكم الله فلسنا أرحم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الرحمة المهداة ومع ذلك لم يقبل شفاعة أسامة بن زيد في المرأة السارقة لابل قطع يدها.....
فاتقوا الله يامن تحكمون عواطفكم وأفكاركم في حدود الله واتقوا الله يا من أحببتم اليهود الصهاينة اللذين يلوغون في دماء المسلمين
3- جاءت الشريعة لتحقيق خمسة أنواع من المصالح وهي على هذا الترتيب: الدين، الحياة، العقل، النسل أو العرض والمال. لذلك فإن الشريعة الإسلامية عملت وبقوة وبحزم على صون هذه المصالح وإن كل من يحاول أن يعتدي ويلحق الضرر بهذه المصالح سوف يقتص منه فالجزاء من جنس العمل ولا تهوان ولا شفقة مع من يخون المسلمين ويحاول إيذائهم فالله تعالى يقول ((ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون)) البقرة 179.فبتطبيق حدود الله وشرائعه يسير المجتمع سيره الطبيعي فلو علم القاتل أن جزاء فعلته القتل لما أقدم على قتل غيره وبهذا يتم تجنب إراقة الدماء في المجتمع.
واليهود عندما خانوا الله ورسوله وتآمروا على قتل المسلمين والتنكيل بهم فالجزاء الواقعي والعادل لهم هو القتل والسبي والطرد والتشريد فالإسلام دين تسامح ولكن دين حق وقوة يضمن المصالح التي جاء لا تحقيقها -الدين، الحياة، العقل، النسل أو العرض والمال-.
ويجب دوماً التنبيه والتنويه على أن دم المسلم خط لا يمكن تجاوزه إلا بحقه وبحكم القاضي العادل المسلم.

الولاء والبراء كما فهمه سعد بن معاذ رضي الله عنه

إن تولي الله ورسوله والتبرؤ ممن سواهما هو المبدأ أساسي الذي يميز المؤمن من الغير مؤمن ويميز المخلص من الخائن فيقول الله تعالى ((لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون )) المجادلة 22.
فلا مودة ولا حب لمن يعادي الله ورسوله ولو كان أحب الناس إلينا فكما أن الإسلام قد عظم من شأن المتحابين بالله وبرسوله كذلك فإن الإسلام قد هون وحقر وضعف من شأن من يحب أو يوادد من يعادي الله ورسوله والمؤمنين وإن من علامة كمال الإيمان وأساسياته الحب في الله والبغض في الله
فالرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام يقول موضحاً هذا المبدأ قال: «مَنْ أحَبَّ لله، وَأبْغَضَ لله، وأعْطَى لله، وَمَنَعَ لله فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الإيْمَانَ» رواه أبي داوود في سننه.
فليس من علامات كمال الإيمان فقط الحب في الله والعطاء في الله لا وألف لا بل البغض لله والمنع لله أيضاً من علامات الإيمان وقد التقيت بأحد العلماء الأجلاء وسألته عن هذا الحديث فقال لي إن البغض في الله والمنع في الله أصعب على نفس المؤمن من الحب في الله أو العطاء في الله.

ومن الأمثلة عن المنع في الله مثلاً : كنت توزع هدايا على زملائك في الجامعة مثلاُ ومن بين زملائك جار لك ولكنه فاسق غير مؤمن فإن كان إيمانك صحيح ولديك ولاء وبراء فيجب أن لاتطيع هذا الفاسق شيء من الهدايا.
مثال آخر يحدث كل يوم : نجد رجل نحسبه مؤمن من حيث التزامه بالشرع القويم ولكن نجد في سلوكه ثغرة ألا وهي أن يحب ويجالس أشخاص يعادون الإسلام بشكل مباشر أو غير مباشر فإذا سألناه لماذا تجالسهم يقول هم أصدقائي ؟؟؟ سبحان الله متى كان هناك اجتماع بين الكفر والإيمان وبين الإيمان والفسوق...... .
ولنرى كيف معلمنا سعد بن معاذ رضي الله عنه – أحد خريجي مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم- كيف فهم الولاء و البراء:
الأمثلة في حياة هذا الصحابي الجليل لا تعد ولا تحصى ولعل الله يوفقني في الحديث عن موقفه في حادثة الإفك .
قبل البدء بالحديث عن موقفه المشرف في حادثة الإفك يجب أن نقف الوقفة التاريخية التالية
كان الأوس والخزرج قبل الإسلام شديدو العداوة والبغضاء لبعضهم البعض وبعد الإسلام تحول هذا البغض والكره إلى محبة وإيثار وصدق وتنافس شرعي قويم. وأصبح زعيم الخزرج سعد بن عبادة عدو الأمس الصاحب الحميم والأخ الحبيب لزعيم الأوس سعد بن معاذ رضي الله عنهما والله تعالى يقول ((وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم)) .الأنفال 63
ففي كل موقف بعد الإسلام نراهم متفقين وأحد هذه الأمثلة هو ما مر معنا في موقفهما في غزوة الخندق حتى أن رواة السير كثيرا ً ما يقولوا جاء السعدان – يعني سعد بن معاذ وسعد بن عبادة رضي الله عنهما- وراح السعدان وقال السعدان .... وهذا ما يدل على توافقهما في الآراء والأفكار وتلازمهما مع بعضهم البعض .
لكن في حادثة الإفك – أي الحادثة التي اتهمت بها السيدة المطهرة أم المؤمنين بارتكاب الفاحشة- لكن الوضع غير ذلك ولنرى ما حدث بين الحبيبان الحميمان السعدان رضي الله عنهما
((قام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِن يومهِ- يوم حادثة الإفك- فاستعذَرَ من عبدِ اللّهِ بن أُبيّ ـ وهوَ على المنبرِ ـ فقال: يا معشرَ المسلمين مَن يَعذِرني من رجلٍ قد بلَغَني عنه أذاهُ في أهلي، واللّهِ ماعلمتُ على أهلي إلاّ خيراً. ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلاّ خيراً، ومايَدخلُ على أهلي إلاّ معي. قالت: فقام سعدُ بن مُعاذٍ ـ أخو بني عبد الأشهل ـ فقال: أنا يارسولَ الله أعذِرك، فإِن كان منَ الأوس ضرَبتُ عُنقه، وإن كان من إخواننا منَ الخزرَج أمرتَنا ففعلنا أمرَك. قالت: فقام رجلٌ منَ الخزرج ـ وكانت أُمُّ حسّانَ بنتَ عمه من فخذه وهوَ سعدُ بن عُبادةَ وهو سيِّد الخزرج. قالت: وكان قبلَ ذلك رجلاً صالحاً، ولكن احتمَلَته الحميَّة ـ فقال لسعد: كذَبتَ لعَمْرُ الله، لاتقتلهُ ولا تقدِرُ على قَتله، ولو كان من رَهطِكَ ماأحَبَبتَ أن يُقَتَل. فقام أُسَيدُ بن حُضير ـ وهو ابن عم سعد ـ فقال لسعد بن عُبادةَ: كذبتَ لعمر الله، لنقتلَنَّه، فإِنكَ منافقٌ تجادِل عن المنافقين. قالت: فثارَ الحيَّانِ الأوس والخزرج ـ حتى همُّوا أن يَقتتِلوا ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم قائمٌ على المنبر. قالت: فلم يَزَل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُخفِّضُهم حتى سَكتوا وسكت.....)) رواه بخاري.
ومعنى من يعذرني من يقوم بعذري إن كافأته على قبيح فعاله ولا يلومني، وقيل معناه من ينصرني

عبر وعظات نتعلمها من موقف سعد بن معاذ رضي الله عنه في حادثة الإفك

من خلال قراءتنا وفهمنا لوقف سعد بن معاذ قي حادثة الإفك نتعلم مايلي:
1- سعد بن معاذ رضي الله يتولى الله ورسوله ويتبرأ ممن سواهم ويسعى دائماً وأبداً إلى رضى الله ورسوله ولو على حساب عشيرته ولو على حساب علاقاته القبيلة وهذا يتضح بقوله لرسول الله ((أنا يارسولَ الله أعذِرك، فإِن كان منَ الأوس ضرَبتُ عُنقه... )) أي أنه يقول لرسول الله أنا أنصرك و أثأر لك ممن آذى أهل بيتك وسوف أقتله إن كان من قومي فقومي يطيعوني لذلك على المسلم دوماً أبداً أن يثأر لله ولرسوله ولو على حساب مكانته الاجتماعية ولو على حساب رضى الناس أو سخطهم .
2- سعد بن معاذ رضي الله كان حريصاً دائماً وأبداً على عدم إثارة النزعات القبلية والخلافات الداخلية وإن من يفهم قوله لرسول الله ((...وإن كان من إخواننا منَ الخزرَج أمرتَنا ففعلنا أمرَك...)) ولماذا لم يقل ((...وإن كان من الخزرَج قتلناه... )).فنلاحظ أنه رضي الله عنه عندما قال إن كان الرجل الذي آذى رسول الله في أهله من الأوس – قبيلة سعد بن معاذ- قتله فوراًً.
وإن كان من قبيلة الخزرج لم يقتله حتى يأمره رسول الله بذلك وهنا يتضح الفهم العميق الذي يتحلى به سعد بن معاذ رضي الله عنه للواقع الذي يعيش فيه فهو يعلم ويعرف ان بقايا العصبيات الجاهلية قد تظهر في مثل هذه المواطن فكان حذراّ في كلامه عندما خاطب رسول الله مبيناً له على استعداه لتنفيذ أوامر رسول الله .
فنفهم من قوله لرسول الله ((...وإن كان من إخواننا منَ الخزرَج أمرتَنا ففعلنا أمرَك...)) مايلي:
• بدأ سعد بن معاذ رضي الله عنه بالحديث عن الخزرج بكلمة إخواننا منَ الخزرَج وهذا أسلوب دعوي عاطفي رائع وهذا من أصول السليمة للدعوة إلى الله عز وجل فالأصل في الدعوة إلى الله عز وجل هو توجيه الناس إلى عبادة الله الواحد القهار والعمل بكافة الوسائل الشرعية من أجل تسيير الناس في هذه الحياة بما يرضي الله تعالى لذلك على الداعي أن يفهم هذا الأسلوب وأن لا يكون آلة مبرمجة دون عواطف ومشاعر في الدعوة فعندما يشعر الشخص الذي تدعوه بعاطفة صادقة منك وحرصاً عليك فإن استجابته للحق سوف تكون في حدها الأعظمي وكان رسولنا الكريم

يتبع هذا الأسلوب والأمثلة كثيرة في هذا المجال منها قوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر الغفاري «يَا أَبَا ذَرَ إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفاً. وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي. لاَ تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ. وَلاَ تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ».رواه مسلم.
فنلاحظ ان رسول الله قال لأبي ذر ((... وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي..)) هذه الكلمات من شأنها أن تجعل المتلقي يحكم عقله وعواطفه عند سماع الحق.
وفي هذا السياق أروي لكم القصة التالية عن أحد الدعاة : كان لأحد الدعاة أختاً وكان هذا الداعي متعلق بأخته تعلقاً شديداً وكان دوماً يحاول أن يجعل منها داعية لله وكانت هذه الأخت تتميز بعنادها .....لذلك قال لي أنه دوماً عندما يبدأ بنصيحتها يبدأ أولاً بالكلام العاطفي كان يقول لها يا أختاه والله إنني لأحبك والله إنني لأخاف عليكي وأنت رائعة ... ثم يبدأ نصيحتها بالقول : لكن مع الصفات الإيجابية التي تمليكها يا أختاه هناك صفة سلبية انتبهي إليها وأحياناًً يوبخها .... ومع زمن علمت الأخت الأسلوب الدعوي لأخيها فأصبح كلما يقول كلام عاطفي معها تعلم أن بعد هذا الكلام هناك نصيحة وبفضل الله تحولت هذه الأخت بعد سنتين أو أقل إلى داعية تدعو إلى الله وتشد عضد أخيها وتوفر له ملجأً عاطفياً وروحيا بإذن الله
• ونفهم من قوله لرسول الله ((.... أمرتَنا ففعلنا أمرَك...)) ما يلي:
سعد بن معاذ رضي الله عنه كان شديد الحذر في عدم إشعال نار الحمية في نفوس الخزرج وجعل آثار الجاهلية في حدها الأدنى لأنه كان كما نعلم أنه كانت هناك حروب طاحنة بين الأوس والخزرج قبيل الإسلام فلو قال سعد رضي الله عنه بدلاً من قوله السابق ((... وإن كان من الخزرج لقتلناه...)) لثارت نار الجاهلية في نفوس الخزرج وظنوا بقوله انه يريد أن يثأر منهم وأن ينتقم .... ولكنه بفطنته الذكية عرف ذلك وجعل هذا الأمر بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا واضح بقوله
((.. أمرتَنا ففعلنا أمرَك...)) فهو بهذا الأسلوب يبين للخزرج أن قتل أبي بن سلول وإن تم فهو بأمر من رسول الله ولا مناص من عدم تنفيذ أمره فيكون بذلك الأمر طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليس انتقاماً منهم أو ثأراً لقومه......لذلك على الدعاة أن يكونوا حذرين في دعوتهم عندما يدعون في أقوام ذات طبيعة قبلية فيجب ان لا ينظروا إليهم على أنهم ملائكة لا بل بشر و ((.. إِنَّ الشيطانَ يَجرِي منَ الإِنسانِ مَجرَى الدَّمِ..)) رواه بخاري.
• نلاحظ أنه كاد ان يحدث فتنة وشر بين الأوس والخزرج لولا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه هي حقيقة العرب بدون إسلام وهنا لابد لنا من كلمة نتذكر بها أن لولا الإسلام لكان العرب قبائل متناحرة متنافسة متقاتلة يسبون بعضهم بعضا خونة جواسيس على بعضهم البعض ألعوبة لصالح الروم والفرس إن من درس التاريخ يعرف ويدرك أن العرب بدون إسلام وقبل الإسلام لا يساوون شيئاً فلا فخر للعرب إلا بالإسلام فإن لم يفتخروا بالإسلام وبرسول الإسلام فبماذا يفتخروا ؟؟! هل يفتخرون بأنهم كانوا كلاباً للروم والفرس أم أنهم زناة أم أنهم كانوا حفاة عراة ؟! لا فخر للعرب إلا بالإسلام ولقد صدق الفاروق عمر حين قال ((نحن قوم أعزنا الله بالإسلام مهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله)) و للأسف هذا ما حدث اليوم عندما أصبحنا بفتخر بتبعيتنا لبريطانيا وأمريكا ونسينا الإسلام أذلنا الله وما أشد هذا الذل الذي يغتصب فيه أخواتنا في فلسطين والعراق ونحن مكتوفون الأيدي وهذا ما أخبرنا به أبا فاطمة الزهراء صلى الله عليه وسلم بقوله((يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها، قال: قلنا: يا رسول الله، أمِنْ قلة بنا يومئذٍ؟ قال: أنتم يومئذٍ كثير ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل، ينتزع المهابة من قلوب عدوّكم، ويجعل في قلوبكم الوهن، قال: قلنا: وما الوهن؟ قال: حبُّ الحياة، وكراهية الموت». رواه أحمد في مسنده
• إن صحابة رسول الله بشر ولكنهم ليسوا ككل البشر فهم من جاهد وهم من حفظ لنا القرآن وهم من اختارهم الله لنصرة نبيه ويقول رسول الله ((خيرُ النّاسِ قَرني، ثمَّ الذين يَلونهم، ثمَّ الذينَ يَلونَهم. ثمَّ يَجيءُ أقوامٌ تَسبِقُ شهادةُ أحدِهم يَمينَه ويَمينُهُ شهادتَه)).رواه الشيخان. ولكن ليس معنى ذلك انهم معصومون عن الخطأ بل قد يتعرضون لبعض الهفوات وهذه من طبائع البشر فلا عصمة عن الخطأ إلا لنبي وإذا قارنا هفوات صحابة رسول الله مع عطاءهم للإسلام نجد بأننا نقارن بين نقطة ماء وبحر عظيم . وقد تحدثت عن هذا الموضوع لأنني قرأت لأحد المسلمين سامحه الله وهداه وهدانا عن هذه القصة وينتقد الصحابة ويضخم هذه الحادثة وكأن ما حدث من شجار بين الصحابة في أعقاب هذه القصة يمس العقيدة ! ونسي ذلك الكاتب قول الله تعالى ((وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما.....)) الحجرات 9.
فالله تعالى يخبرنا بأنه حتى المؤمنين الصادقين قد يتحدث بينهما شجر وقتال وهذا لا يخرجهم عن الملة ويجب علينا الإصلاح لا التشتيت ولا التأجيج والله المستعان عما يصفون.

نبذة عن فضائل سعد بن معاذ رضي الله عنه

من خلال ما استعرضناه عن سيرة سيدنا وقائدنا سعد بن معاذ نجد أنه في كل غزوة من الغزوات كان له موقف مشرف وفي كل محنة من المحن كان له رأي مبارك فبه وبأمثاله ساد الإسلام وارتفعت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله خفاقة فوق مشرق الأرض ومغاربه فعاش سعد بن معاذ سبع سنوات في الإسلام فأسلم وعمره ثلاثون عاماً وقاد قومه إلى الإسلام واستشهد وعمره سبعة وثلاثون سنة على أرجح الأقوال فعاش بذلك سبعة سنين في الإسلام خمسة منهم قضاهم بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة .
فبحق كان إسلامه نصراً وإيمانه فتحاً وحياته جهاداً فنعم القدوة الصالحة أنت يا سعد ونعم الصحابي أنت يا سعد .
وسعد بن معاذ هو من اهتز عرش الرحمن لموته فالرسول الأعظم يقول ((اهتزَّ العرش لموتِ سعدِ بن مُعاذ)) رواه بخاري .
المراد اهتزاز أهل العرش وهم حملته وغيرهم من الملائكة فحذف المضاف، والمراد بالاهتزاز الاستبشار والقبول،
أ‌- سعد بن معاذ رضي الله عنه هو من شيع جثمانه
سبعون ألف ملك

وقد جاء في النسائي عن ابن عمر رضي الله عنهما عدد الملائكة الذين شاركوا في تشييع جنازة سعد فقد قال صلى الله عليه وسلم: "هذا العبد الصالح الذي تحرك له العرش، وفُتحت أبواب السماء، وشهده سبعون ألفًا من الملائكة, لم ينزلوا إلى الأرض قبل ذلك، لقد ضم ضمة ثم أفرج عنه”. يعني سعدًا.
يا لله ما أعظم هذا الصحابي الجليل الذي أمضى حياته جهاداً ودعوتاً وإنفاقاً فكان سعد بن معاذ رضي الله عنه نموذجاً رائعاًً وقدوة حسنة فجمع مكارم الأخلاق وفضائل الأعمال فبحق هو من خريجي مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم وهو أحد حملة راية التوحيد .

ب-كل نائحة تكذب إلا أم سعد

من عادة المرأة أنه عندما يموت أحد أبناء ها تبكي وتتحدث عن صفاته الحميدة بشيء من المبالغة والتي قد تصل أحياناً إلى الخيال ...إلا أم سعد فمهما تحدثت عن ولدها فهو أعظم من ذلك وهي صادقة وهذا ما أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله فعندما انفجر جرحه نقله قومه فاحتملوه إلى بني عبد الأشهل إلى منازلهم، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل: انطلقوا فخرج وخرج معه الصحابة، وأسرع حتى تقطعت شسوع نعالهم، وسقطت أرديتهم، فقال: إني أخاف أن تسبقنا الملائكة فتغسله كما غسلت حنظلة، فانتهى إلى البيت وهو يغسل، وأمه تبكيه وتقول: ويل أم سعد سعدًا حزامة وجدًّا
فقال: كل نائحة تكذب إلا أم سعد، ثم خرج به, وقال: يقول له القوم: ما حملنا يا رسول الله ميتًا أخف علينا منه قال: "وما يمنعه أن يخف؟ وقد هبط من الملائكة كذا وكذا لم يهبطوا قط قبل يومهم قد حملوه معكم"

ج- سعد بن معاذ من اللذين صدقوا الله ما عاهدوه

وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يودع سعدًا كما روى عبد الله بن شداد: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يكيد نفسه فقال: "جزاك الله خيرًا من سيد قوم، فقد أنجزت ما وعدته، ولينجزك الله ما وعدك". فكان نعم السيد لقومه ونعم القائد لجنده .
فإن قال العلماء أن نعم الأخ لأخيه كان موسى لأخيه هارون عليهما السلام عندما طلب من الله أن يشرك معه أخاه هارون بالرسالة فاستجاب الله له وجعل هارون معه رسولاً .
ويجب أن نقول: إن كان موسى عليه السلام جلب النفع العظيم لأخيه هارون فإن سعد بن معاذ كان نعم السيد لقومه فهو الذي أدخلهم في الإسلام وجمعهم تحت راية الإيمان.
د- سعد بن معاذ أول من ضحك الله له
عن أسماء بنت يزيد بن سكن قالت: «لما توفي سعد بن معاذ صاحت أمه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا يرفأ دمعك ويذهب حزنك فإن ابنك أوّل من ضحك الله له واهتز له العرش».رواه أحمد في مسنده.
سبحان الله ما أعظم الصحابة رضي الله عنهم فكم توفي من رجل صالح أو عابد أو عالم قبل سعد بن معاذ وكم توفي قبله من البشر ومع ذلك فإن سعد بن معاذ هو أول من ضحك الله له ضحكاً يليق بجلال وجه الكريم سبحان الله عما يشركون.
فأمة الإسلام هي أمة المعجزات أمة الكرم أمة الإخلاص فسمعنا الكثير عن دعوات الأنبياء والرسل صلى الله عليهم وسلم ولكن لم نسمع الكثير عن التضحيات التي قدمها أتباع أولئك الرسل .
بينما لو قرأنا سيرة كل صحابي من الصحابة لرأيناه مدرسة متكاملة تضم علوم الصدق والإخلاص والمحبة فمن الصحابة من كلمه الله بغير حجاب بعد استشهاده ومنهم من اهتز عرش الرحمن له ومنهم من أقرأه الله السلام
فيارب بحق نبيك وآله وصحبه أحشرنا معهم والله نرضى أن نكون خدام لديهم

ط-سعد بن معاذ رضي الله عنه من حمل جنازته الملائكة

عن أَنَسِ بن مالك ، قال: «لَمَّا حُمِلَتْ جَنَازَةُ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ قال المُنَافِقُونَ: ما أَخَفَّ جَنَازَتَهُ؟ وَذَلِكَ لِحُكْمِهِ في بَنِي قُرَيْظَةَ. فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبيَّ فقالَ: إِنَّ المَلاَئِكَةَ كَانَتْ تَحْمِلُهُ» . حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ . رواه الترمذي.
إن الله عز وجل يكرم أولياؤه في الدنيا والآخرة في الحياة وبعد الممات وهذا ما وعد الله به أولياؤه فالله تعالى يقول ((إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون *نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون)) فصلت 30-31. والشاهد هو ((... نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ...)) وقد أكرم الله تعالى سعد بن معاذ بكرامات عظيمة كما مر ذكر بعضها فالله استجاب له دعوته وأكرمه بالشهادة وحمل جثمانه الملائكة... (( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم)) الحديد 21

وقفـة ضد المنافقين لابد منها
كما مر معنا في الحديث السابق عن أنس بن مالك أنه قال: «لَمَّا حُمِلَتْ جَنَازَةُ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ قال المُنَافِقُونَ: ما أَخَفَّ جَنَازَتَهُ؟ وَذَلِكَ لِحُكْمِهِ في بَنِي قُرَيْظَةَ. فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبيَّ فقالَ: إِنَّ المَلاَئِكَةَ كَانَتْ تَحْمِلُهُ» رواه الترمذي.
نلاحظ قول المنافقين في الحديث السابق والذي نستفيد منه مايلي:
1- إن تيار النفاق تيار قديم الجذور ظهر في المدينة المنورة بقيادة عبدالله بن أبي سلول لعنه الله ولعن كل من والاه وكل لم يلعنه وقد يسأل سائل لماذا لم يظهر تيار النفاق في مكة المكرمة ؟
أجيب عن هذا السؤال باختصار شديد : دوماً يظهر تيار النفاق عند مواطن القوة ففي مكة المكرمة كان المسلمين في حالة ضعف شديد لذلك لم يظهر تيار النفاق بينما في المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام كان المسلمين في حالة قوة لذلك وجد مجموعة من الناس بأن مصالحهم المادية من جهة وخوفهم من قوة الصحابة رضي الله عنهم حتم عليهم إظهار الإيمان وإبطان الكفر.
2- إن من أساليب المنافقين اللعينة هي استغلال الظواهر المادية للعبث بنفوس المؤمنين أو بالأحرى بنفوس الضعيفين من المؤمنين فمثلاُ استغلوا فكرة أن جثمان سعد بن معاذ خفيف الوزن – جنازته بعد وفاته- ليؤولوا ذلك على أنه مدلول على هوانه على الله وذلك لأنه حكم بالقتل على يهود بني قريظة الغادرين وأجابهم المعصوم عن الهوى بأن الملائكة هي من حمل جنازته الطاهرة...... لذلك يجب على المؤمنين عامة وعلى الدعاة خاصة أن ينتبهوا إلى ذلك وأن يكون مرجعهم في أمور الحياة وظواهرها إلى القرآن والسنة فمثلاُ : هناك كثير من الناس المشوهين العقيدة ينظرون على أن تيسير الأمور الدنيوية لهم دليل صلاحهم وعلى أن تعسيرها هو دليل تقصيرهم ؟؟
وإن من يؤمن بذلك معنى أنه لا يعرف حقيقة الإسلام و لا يعرف معنى حقيقة البلاء فلو كان تيسير الأمور الدنيوية دليل الصلاح فلماذا نرى الملحدين يتنعمون في الدنيا ؟! وإن كان تعسير الأمور الدنيوية دليل الفساد فلماذا تعسرت أمور الصحابة في مكة قبل الهجرة ولماذا سجن أبو حنيفة ولماذا قتل عمر رضي الله عنه؟؟
فاحذر ياأخي الداعي وأحذري يا أختي الداعية من ان يعبث بعواطفك من لايفقه بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
3- الأسلوب الأمثل للرد على المنافقين هو هجرهم وعدم مناقشتهم ليس ذلك هروباً منهم لا بل لأن الله تعالى وصفهم بقوله ((ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد)) الحج 3((ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير)) الحج 8.((...من الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير..)) لقمان 20.
لأنه لا فائدة من نقاشهم بل ضياع للقوة لأنه سوف يراوغون ويظهرون القناعة بكلام الداعي ثم ما يلبسوا أن ينقضوا ما قالوا ؟! لذلك يجب على الداعي أن لا يتهاون بطرد المنافقين من حياته ومن عقله ومخيلته ويتجنب الاحتكاك معهم مهما كانت النيات والدوافع لأن مصلحة الدعوة والإسلام فوق كل شيء ويخطئ من يسكت عن المنافقين أو يرضى بهم في دعوته لأنك إن كنت في موضع قوة فإنهم سوف يظهروا لك الخضوع وما إن تضعف حتى ينقضوا عليك فهم من قتل عمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير والحسين وآله رضي الله عنهم جميعاً فاحذر يا أخي الداعي من المنافقين ودعك منهم وإذا أردت التوسع في معرفة صفاتهم فأنصحك بسماع خطبة الداعي الدكتور عائض القرني التي يتحدث فيها عن صفات المنافقين أبعدهم الله عنا يارب

خير دور الأنصار
من مكارم بني عبد الأشهل وهم قبيلة سعد بن معاذ رضي الله عنهم أنهم من خير دور الأنصار رضي الله عنهم ويجب دوماُ أن نتذكر أن سعد بن معاذ منذ أول لحظة في إسلامه هو من قاد قومه للإسلام وهو من حض قومه على التضحية.
وسعد بن معاذ خير الناس نسبا وخير الناس عملا فجمع بذلك حسن النسب والعمل فالرسول الأعظم يقول (( ألا أخبرُكم بخيرِ دُورِ الأنصار؟ قالوا: بلىٰ يا رسولَ الله. قال: بنو النجار، ثم الذين يَلونهم بنو عبد الأشهل، ثم الذين يَلونهم بنو الحارث بن الخزرَج، ثم الذين يَلونهم بنو ساعدة. ثم قال بيدِهِ فقبض أصابعه، ثم بَسطهنَّ كالرامي بيدِهِ، ثم قال: وفي كلِّ دُورِ الأنصار خير)) رواه البخاري.
اللهم ارضى عن الأنصار وأبناء الأنصار اللهم اجعل محبة الأنصار مغروسة في قلوبنا واجعلنا خير خلف لخير سلف والحمد لله رب العالمين

ختام المحاضرة
أسلم سعد بن معاذ رضي الله عنه وعمره ثلاثون عاماً وصحب رسول الله وعمره اثني وثلاثون عاما ًواستشهد وعمره سبعة وثلاثون عاماً فكانت السبع سنوات التي قضى هذا الصحابي الجليل في لإسلام خير عند الله من سبعين سنة قد يعيشها مسلم غيره في الإسلام فكان اسلامه فتحاً وجهاده صدقاً واستشهاده نصراً .....
ولقد صدق من قال (( كان سعد بن معاذ في الأنصار كأبي بكر في المهاجرين رضي الله عنهم)).
ويجب أن نؤكد دائماً وأبداً أنّ العصمة عن الخطأ فقد لرسول الله صلى الله عليه وسلم .وأما صحابة رسول الله رضي الله عنهم فهم بشر قد يخطئون ولكن عندما ننظر إلى تضحيات الصحابة ضي الله عنهم وإلى ما قدموه إلى الإسلام نجد أنّ أخطاؤهم تعدل نقطة في بحر حسناتهم فهم القدوة الحسنة وهم من حفظ لنا القرآن وهم من نقل لنا السنة وهم من أحب نبينا وهم من أكرم نساؤه وأهل بيته الطاهرين وصلي اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وأخيرا ً هذه نبذة موجزة عن هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه.

توصية لابد منها

1- أنصح نفسي وجميع الآباء والأمهات أن يخصصوا وقت للحديث عن قصص الصحابة لأبنائهم بدلاً من يتركوهم يتعلموا من التلفاز وخصوصاً أفلام الكرتون القصص الخيالية الوهمية التي تشوش عقل الطفل ومداركه.
ومن الكتب المفيدة التي تتحدث عن الصحابة رضي الله عنهم :أ- سير أعلام النبلاء للذهبي ب- صور من حياة الصحابة لرأفت باشا.

2- أتوجه بكلمة إلى خطباء المساجد والدعاة جز اهم الله خيراً أن يتحروا الدقة والصحة في القصص التي يتحدثون بها عن الصحابة ويتجنبوا الروايات الضعيفة فنحن نتحدث عن أشخاص عظماء نقتدي بهم ونتعلم منهم عقيدتنا وعبادتنا ولا نتحدث عن شخصيات تاريخية لمجرد التعرف.

الكتب والمراجع التي اعتمدت في هذه المحاضرة
1- صحيح بخاري 2- صحيح مسلم 3- سنن أبي داوود 4- مسند الإمام أحمد
5- سنن الترمذي 6- البداية والنهاية لابن كثير 7- السيرة النبوية وقفات وعظات للدكتور محمد علي الصلابي.

رحم الله امرئ أهدى لي عيوبي
وآخر دعواهم الحمد لله رب العالمين
م.عبدالله بن علي صغير
engalep@maktoob.com

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك