لماذا يتهموننا بالإرهاب والتعصب؟
لماذا يتهموننا بالإرهاب والتعصب؟
اتهامات الغرب لنا قديمة مستمرة، ونحن أدرى الناس بتهافتها... وما وراء هذه الاتهامات هو الأمر الذي يجب أن نفتش عنه حتى نفهم إلامَ يرمي الغرب بالتحديد. ومن نافلة القول: إن الغربيين في قرارة نفوسهم، يدركون أن الإسلام أبعد ما يكون عن فرية التعصب الأعمى والإرهاب.
والأمر كما يقول الله عن تكذيب فرعون وقومه لموسى: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [النمل: 14]. فالإسلام في إنسانيته وسماحته وانفتاحه، أرقى من كل فكر عرفه العالم. وقد كان له أثر كبير في الحضارة الإنسانية، ونبعت حقوق الإنسان من العقيدة الإسلامية، التي تجعل الناس جميعًا عبادًا لله متساويين، على حين وُضعت حقوق الإنسان الغربي لتوحيد الغربيين ضد العالم.
وأهداف الغربيين من اتهامنا بالتعصب والإرهاب هي:
1. إرهابنا فكريًا في محاولة لإخماد العاطفة الدينية الإسلامية، وصرفنا عن الاستمساك بديننا؛ لأن الغرب يعلم أن التدين خطر على مخططات التغريب والهيمنة، وأنه المَعِين الفياض بالمقاومة وجهاد الباطل.
2. أن نرضي دائمًا بدور التابع المطيع، فلا نرى إلا ما يراه لنا الآخرون، ولا نتحرك إلا وفق ما يريدون.
3. يريدون حصرنا دائمًا في موقع الدفاع ضد التهم التي تُكال لنا كيلا، وأن نتبرأ من كل رغبة في استقلال إرادتنا، ورفعة أوطاننا، وتقدم حضارتنا.
4. تبرير اعتداءتهم المتتابعة على المسلمين وبلادهم، بدعوى أنهم يحاربون الإرهاب ويضربون ضربات وقائية.
5. أن نتقبل إسرائيل بكل عنصريتها، دولةً فوق القانون باعتبارها- فيما يدّعون- مملكة الله، وأرقى ما في الجنس البشري، وأن قيامها واستمرارها هو إرادة إلهية.
6. ألا نطالب بحقوقنا في فلسطين، وأن نتنازل عن مقدساتنا وديننا وعزتنا وكرامتنا.
نستطيع أن نقرر الآن: أن اتهامنا بالتعصب والإرهاب هو دعوة مغلّفة بالرغبة في تمييع مواقفنا وعقائدنا، والتفريط في هويتنا الثقافية وكينونتنا الحضارية.
وعلى حين يتعصب الغرب تعصبًا شديدًا لخصوصياته الدينية والثقافية، يدعونا بلسان فصيح إلى الحوار وعدم التعصب، مع أن تعصب الغرب أعمى.
وإذا كان المسلمون يسعون لنشر دينهم بدافع من إيمانهم بالله واليوم الآخر، ورغبة في إسعاد البشر برسالة الإسلام السامية، فالأمر عند الغربيين غير ذلك. إنهم يعملون على نشر دينهم، وتنصير البشر بدافع من الرغبة في محو الأديان الأخرى. فالاستكبار الكامن هناك، والاستعلاء العنصري، وصَلَ حدًّا لا يستطيع الغرب معه احتمال وجود الآخر بثقافته ودينه وعاداته وتقاليده، فهو يبغي أن يصير الجميع على البسيطة صورة منه، وإن كانت باهتة ومشوهة، وهذه هي العولمة في المفهوم الغربي.
ومن هنا، نجزم بأن الغرب لا يسعى إلى نشر الدين حبًّا فيه، أو إيمانًا به، ولا رغبة في خير البشرية؛ لأنه لا يدعو إلى الله، بل يدعو إلى نفسه!
إن الإسلام دعوة للعدالة والحرية كما يقول رجاء جارودي في كتابه: "الإسلام دين المستقبل، ص 69":
"يمكن الإسلام أن يكون خميرة تحرر ونضال ضد كل أشكال التسلط والعبودية المفروضة على الإنسان بحجة أطروحات مزيفة تبعده عن أصالته ومركزه".
هذا الإسلام الذي يدعو إلى تحرير جميع البشر، يقول عنه وليم فان لون في كتابه "موكب الحضارة، ص 67":
"قام الدين الإسلامي على التسامح، فكان كريمًا مع أهل الكتاب، ولم يتعرض إلى شعائرهم الدينية، وترك المسيحيين واليهود يقيمون صلواتهم في كنائسهم ومعابدهم، ولم يقف في سبيل الحجاج المسيحيين أو اليهود الذين يريدون الذهاب إلى الأرض المقدسة. ولا شك أن الحماقة التي زعمت بأن المسلمين متعصبون خرافة كاذبة، منبتها ضيق الأفق، وجمود العقل. والحقيقة: أن الإسلام كان ولا يزال مصدر السماحة النبيلة التي تكفل حرية العبادة للمسيحيين واليهود".
إن المسلمين يجب ألا يخضعوا للإرهاب الفكري الغربي، وأن يبيّنوا للعالم أن الإسلام هو دين السماحة النبيلة حقًا، والدعوة إلى حوار الحضارات- أو حوار أصحاب الحضارات والأديان- بدلا من صدامها، مستفيدين في ذلك من وسائل الإعلام والفضائيات والطريق السريع للمعلومات وشبكة الإنترنت، بالإضافة إلى الدعوة المباشرة وجهًا لوجه يقوم بها كل مسلم مؤهل لها. وأن يستيقن المسلمون أن الدين الإسلامي رابطة مقدسة توثق بين الشعوب الإسلامية؛ لذا يجب الاستمساك بها، والاجتماع عليها مهما زين لنا الآخرون هجر هذه الرابطة وفصْم حبالها.
إن ولاءنا لديننا وأمتنا، ليس تعصبًا أعمى نتبرأ منه، ولا إرهابًا ينال من غيرنا، وإنما هو منبعٌ لعزتنا، يحمينا من التمزق شيعًا وأحزابًا، ويحفظنا من تسلط أعدائنا علينا والتحكم بمصائرنا.
المصدر: http://www.feqhweb.com/vb/archive/index.php/t-1013.html