التجديد فى الخطاب الدينى والوطنى حول المرأة

المهرجان الوطنى للتراث والثقافة فى الجنادرية
بمدينة الرياض
الدورة 26
الأربعاء  9 جمادى الأولى 1432 -  13   أبريل 2011

ندوة :
التجديد فى الخطاب الدينى والوطنى حول المرأة
الثلاثاء 15/5/1432 ه ـ 19/4/2011 م
مداخلة :
الأستاذة الدكتورة  زينب عبد العزيز
(مصر)

التجديد فى الخطاب الدينى والوطنى حول المرأة
تمهيد :
إن تأمل  هذا المحور يدفع بالعديد من التساؤلات حول  مكوناته ، ويكشف فى نفس الوقت عن خلفيات لا بد من تناولها تباعا وتوضيح أبعادها حتى تتضح الرؤية.. فلو تأملنا هذه المفردات : تجديد الخطاب الدينى ، والوطنى، والمرأة ، لرأينا أننا نسير فى ركاب مطالب الغرب الصليبى المتعصب ونتبع ، سواء جهلا أو عن عمد ، ما يفرضه علينا من تخريب و ما يخططه لنا بكل دهاء حتى تتم مآربه العدوانية بأيدينا . فهذه الكلمات أو هذه الموضوعات  لم تظهر فى مجتمعاتنا العربية و الإسلامية حديثا ، كقضايا محددة تثير الجدل بهذه الحدة والوضوح ، إلا فى الثلث الأخير من القرن العشرين . لذلك وجب تتبع أصولها ومجرياتها ..
وما نعنيه بتحديد هذه الفترة الزمانية ، الثلث الأخير من القرن العشرين ، هى تلك الحقبة التى تضافرت فيها خيوط برنامج متعدد الأطراف والقضايا ، حتى وإن كانت جذوره تمتد لأزمنة أبعد من ذلك .. لكنها الفترة التى احتدم فيها سعير طرح أو فرض هذه الموضوعات ، وجلجلت فيها معاركها وحسمت أغراضها ، حتى بات من الصعب تغافلها أو عدم رؤيتها لأخذها فى الإعتبار. وضرورة تناولها يتطلب التعرض لمجالات مكملة لها إذ أنها تعاون على إدراك حقيقة الواقع الذى نعنيه .
فالحديث عن هذه المفردات يرتبط حتما بموضوعات أخرى ، اكثر تأثيرا لأنها هى المتحكمة فى مسارها ، وأهمها العولمة و النظام العالمى الجديد والفاتيكان وتنصير العالم والمؤتمرات الخاصة بالمرأة وبالتالى بالمرأة إجمالا. وجميعها قد تزايد وجوده أو حُسم فى تلك الفترة خاصة فى سنة 1965، التى انتهى فيها المجمع الفاتيكانى المسكونى الثانى بكل ما تمخض عنه من قرارات عدوانية مجحفة بالنسبة لإقتلاع الإسلام  ولا رجعة فيها ، وهى السنة التى تم فيها اشتقاق كلمة العولمة بالفرنسية (mondialisation) ، حتى وإن كان الحديث عنها قد بدأ قبل ذلك ، لتستقر كجزء من النظام العالمى الجديد..
تجديد الخطاب الدينى :
لو تناولنا موضوع تجديد الخطاب الدينى لرأينا أنه يكاد يكون من الصعب حصر كل ما كُتب عنه فى العالم العربى والإسلامى خاصة فى الآونة الأخيرة ، سواء بالتأييد أو بالرفض . لذلك نكتفى بتلخيص مختلف الكتابات فى مجموعتين ، إحداهما ترى أن التجديد يعنى : التجديد فى وسيلة توصيل الدين والتعريف به وبسنّة الرسول  (صلوات الله عليه)  لمختلف المستويات الإجتماعية ، أى التمسك بالدين والحفاظ عليه والدفاع عنه ، وهو ما يندرج هنا تحت عبارة التأصيل . والتجديد بهذا المعنى مطلوب وله ضوابطه الشرعية المعروفة . والمجموعة الأخرى ترى  التجديد بمعنى الإنفلات ، أى تغيير النص القرآنى ليتمشى مع العصر الحديث أو بمعنى أدق : ليتمشى مع مطالب الغرب المسيحى ومع المنساقون فى ركابه ، وذلك يعنى : التحريف والتخريب فى ثوابت الدين، وهو أمر مرفوض بكل المقاييس . فالقرآن الكريم هو النص الدينى المنزّل الوحيد الذى لم يتعرض لكل ما عانت منه النصوص الدينية اليهودية والمسيحية من تغيير وتحريف ،  وهذا التغيير والتبديل والتزوير الذى ثبت لديهم ، بأدلة قاطعة، هو الذى دفع بالغرب إلى الإلحاد والكفر بدينه. ومسايرة هذا المطلب لا يجب ولا يجوز التفكير فيه لأنه يعنى إخضاع النص الإلهى إلى العقل البشرى وإلى المطالب الغربية غير الأمينه ، وهذا أمر مرفوض تماماً.
وفى واقع الأمر إن مطلب تغيير النص القرآنى كان من أهم مطالب المستشرقين . وإن كان ذلك يقال قديما على استحياء ، ففى هذه الفترة أو فى يومنا هذا يتم بصراحة تصل إلى حد الوقاحة والإجبار .. ولا نذكر على سبيل المثال ، من كمّ لا حصر له، سوى چان كلود بارو (J-C. Barreau) وچاك بيرك (J. Berque). فقد قال الأول فى كتابه "عن الإسلام بعامة، والعالم الحديث بخاصة" الصادر عام 1991 فى باريس  : "على الإسلام أن يتأقلم مع العصرية والحداثة، لصالح الإنسانية جمعاء، أو على الإسلام أن يختفى من الوجود " ، وقد كررها عدة مرات فى النص قبل أن ينهى بها الخاتمة ، لأنه كان قد أوضح قبل ذلك قائلا عن سبب إعتراضه على الإسلام : "ان الإسلام ينظم كل شئ فى المجال الإجتماعى"، لذلك أوضَحَ أنه لا بد من إستبعاده حتى يمكن للغرب التلاعب بالمجتمعات الإسلامية !
أما چاك بيرك فقد كتب فى المقدمة التى ذيّل بها ترجمته لمعانى القرآن الكريم الصادرة سنة 1990، قائلا أن القرآن غير صالح لكل زمان ومكان ، وانه قد تم التلاعب فى النص عند تدوينه وتحريفه ، وأن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام هو مؤلفه، وأنه نقل بضعة آيات التشريع الواردة فيه من القانون الرومانى القديم ، ونقل سورة الإخلاص من الشاعر پارمنيدس ، وطالب بضرورة فصل الدين عن الدولة فى الإسلام، كما يؤكد على أن الإسلام دين غامض ، وأنه يعنى الخضوع ، وأنه ملىء بالمتناقضات ، ثم دعى المسلمين الى تصويب النص القرآنى، والى البحث عن مصادر أخرى للتراث، تكون قائمة على الطبيعة وليس على "الغموض" مكرراً عشرات المرات ضرورة إخضاع القرآن للنقد التاريخى وإلى علوم اللغويات الحديثة، لا لتخليصه من التحريف والتناقض الذى يزخر به فى نظره فحسب، وإنما بغية نقله الى الحاضر بحيث يمكن إدماجه فى العصر الحديث ! ولا داعى لإضافة أن هذه المآخذ التى راح يكررها طوال الأثنين وثمانين صفحة لهذه المقدمة ليست عفوية ، وإنما تمثل الخطوط الأساسية التى نسج عليها ترجمته ..
وهذه الدعوة التحريفية أو التخريبية لا بد من التصدى لها بوعى وصرامة لأنها تُفقد الأمة الإسلامية أهم مصدر من مصادرها ، بل تفقدها دعامتها الأساس ، وتؤدى إلى تسهيل عملية الإختراق فى كافة الميادين ، وبالتالى تقود إلى إقتلاع الأمة من جذورها ومن تراثها. لأن عبارة التجديد من أجل التحضر أو بمعنى مواكبة العصر الحديث تعتمد على إجهاض الدين وإجازة تعطيل الأحكام الأساسية والإكتفاء بمجرد الحفاظ على العبادات الشكلية فقط .
والمقترحون للتجديد بالمعنى التخريبى للدين يندفعون بناء على إعتقاد بأن هناك قطيعة أو فجوة عميقة بين الفكر الإسلامى والحداثة ، أو بين الحداثة والدين الإسلامى ، تأثرا بمعركة الأصولية والحداثة التى دارت رحاها فى الغرب المسيحى فى مطلع القرن العشرين وكادت تأتى على المسيحية وتمحوها تماما من الوجود لولا تصدت المؤسسة الكنسية بضراوةٍ عرفت مختلف أشكال العنف والإجرام .. ومن الواضح أن هناك نقص أو تقصير فى بصر و بصيرة هذا الفريق ، الذى يرى فرض الحداثة والأصولية على الإسلام ، ولم يدرك ان معنى الكلمتين يختلف تماما فى مجال المسيحية عنه إذا ما استخدم فى الإسلام كما سنرى .
الحداثة والأصولية :
لقد ظهر مذهب الحداثة فى الغرب مع تقدم العلوم بعامة بفضل عصر التنوير ، الذى قام أساسا ضد ما أُطلق عليه "عصور الظلمات" التى فرضتها الكنيسة، وخاصة تقدم العلوم التاريخية واللغوية والإجتماعية وغيرها التى أدت إلى كل ما تم كشفه وإثباته من تلاعب وتحريف وتزوير، فى الكتاب المقدس بعهديه وفى نصوص الآباء والتراث ، بصورة قاطعة لا يمكن الإلتفاف حولهاأو التحايل عليها . وقام أنصار مذهب الحداثة بمطالبة الكنيسة بتحديث النصوص الدينية للمسيحية وتنقيتها من كل ما لحق بها من تحريف وخرافات لا يقبلها عقل ولا منطق، لتتمشى مع إكتشافات العلوم الحديثة التى تناقض أو تكذّب كل ما فى هذه النصوص من معطيات تاريخية أو علمية.. فقامت المؤسسة الكنسية بكل ما تملك من جبروت لتعلن تمسكها بالأصول وأنه لا يمكن المساس بها لأنها منزّلة من عند الله !.  ولا يسع المجال هنا لتناول تفاصيل ما قامت به للحفاظ على هذه الأصول التى نسجتها عبر المجامع على مر العصور. وإنما أوضِّح أن الحداثة فى المجال الكنسى تعنى المطالبة بتنقية النصوص الدينية من كل ما لحق بها من تحريف وتلاعب ؛ والأصولية فى نفس هذا المجال الكنسى تعنى التمسك بالأصول المحرفة الثابت تزييفها بالقرائن والأدلة العلمية القاطعة.
أما فى مجال الإسلام ، فلا يجوز ولا يجب إستخدام هاتان العبارتان فى حق الإسلام لأن أصول الإسلام ، التى هى هنا القرآن الكريم ، سليمة ، منزّلة من عند الله ، ولم تتعرض لكل ما أصاب النصوص المسيحية من تخريب. وبالتالى فإن استخدام عبارة التحديث فى مجال الإسلام تعنى المطالبة بتغييره وتحريفه ، وذلك مرفوض تماماً.
العولمة :
لا نتناول هذا المجال وغيره إلا لإرتباطها الشديد بموضوع هذه المداخلة حتى يمكن رؤية محاورها فى إطارها الواقعى ، أملا فى الوصول إلى حل لا يقتلعنا من ديننا.. وقد ظهرت كلمة "العولمة" (Mondialisation) فى الخطاب الفرنسى فى أواخر الخمسينات واستقر استخدامها منذ سنة 1965 ، وتزايد فى الثمانينيات ، حتى باتوا يتحدثون عنها فى صيغة الجمع ، أى "العَوْلميات" نظراً للمجالات المتعددة التى يسعون إلى تغييرها و عولمتها.      
والعولمة هى وسيلة إنفتاح كافة النظم الإقتصادية على سوق عالمى، يخضع لعبارة إقتصاديات السوق، ويتسم بالتبعية المتبادلة ، وتحرير التبادلات، ولا مركزية النشاطات، وسيولة الحركات المالية وتطوير وسائل النقل والمواصلات ، تحت مظلة المؤسسات المتعددة الجنسيات التى تحدد إختيار استراتيجياتها على الصعيد العالمى، بمقارنة المميزات والعقبات الناجمة عن مختلف الحلول القومية. ويُستخدم مصطلح العولمة أساساً فى مجال الإقتصاد، إلا أن هذا الإقتصاد يرتبط ويمس كافة النشاطات الإنسانية كالصناعة والخدمات والتجارة والسياسة والمجتمع ، كما تمس الإتصالات والتبادلات بين الأفراد ومختلف الثقافات.
ويصف أنصار العولمة بأنها مرحلة ضرورية لتسمح لبلدان العالم الثالث أن تصبح بلدانا صناعية متطورة ولا تكون مجرد بلدان مورّدة للمواد الأولية ، ويقدمونها على أنها لا مفر منها ولا عودة عنها ، فبلدان العالم الثالث عبارة عن تجمعات بنيات قديمة وغير متوائمة و لا بد من استبدالها وإقامة حكومات عالمية. ومن الواضح أن المقصود بجعل بلدان العالم الثالث بلدانا صناعية هو لربطها بما يحتاجونه من صناعات وأيدى عاملة.
ومن عيوب العولمة أنها تدمر الإقتصاد القومى ، وتفتح مجال التبادلات بصورة مبالغ فيها ودون مراعاة الإحتياجات الفعلية للدولة ، بل هى قائمة على سيطرة المؤسسات المتعددة القوميات ، وعلى تنميط العلاقات البشرية وإختفاء الخصوصيات المميزة لكل منها ، وإقامة إتجاه ثقافى إنفلاتى نمطى فى كل مكان. ومن هذا المنطلق فإن العولمة جزء لا يتجزأ من النظام العالمى الجديد الرامى إلى إقتلاع كل ما هو مخالف لمشروعه.
النظام العالمى الجديد :
تعنى هذه التركيبة من العبارات : الإشارة إلى مفهوم جغرافى سياسى بدأ فى فترة ما بعد الحرب الباردة ، ويعنى التنسيق المذهبى والسياسى للحكومات والمنظمات الدولية تحت رئاسة واحدة ممثلة فى الولايات المتحدة. ونظرا لتعدد المشكلات والصعاب الناجمة عن هذه الفكرة فهى تطرح مسألة الديمقراطية كنظام إدارى مدنى ، حتى يمكن السيطرة على المسافات الجغرافية التى تفصل بين القادة والبلدان.
ولقد تم إستخدام عبارة "النظام العالمى الجديد" رسميا ولأول مرة فى هذه الفترة حينما قال جورج دابليو بوش أمام الكونجرس يوم 11 سبتمبر 1990: "نحن نجد أنفسنا اليوم فى مرحلة إستثنائية عظيمة، فأزمة الخليج، رغم خطورتها ، تسمح بتحقيق فرصة نادرة لنتوجه نحو مرحلة تاريخية من التعاون. ففى هذه المرحلة الصعبة إن هدفنا الخامس هو إقامة نظام عالمى جديد ، أقل عُرضة لتهديدات الإرهاب، وأقوى فى البحث عن العدالة، وأكثر ضمانا للبحث عن السلام"..
واستخدام مثل هذه العبارة رسميا يكشف عن رغبة  توسعية لكل ما يمثل النموذج الأمريكى أيام الحرب الباردة وأهمها الديمقراطية وإقتصاد السوق. وهى نظرية فرانسيس فوكوياما التى توسع فى تطويرها السياسى زبيجنييف بجيزينسكى .. وعلى الرغم من تعرض الولايات المتحدة لأكثر من فشل ، فى العراق وفى أفغانستان وفى الأزمة الإقتصادية التى تفجرت إبتداء من عام 2008 وطالت منطقة واسعة من الإقتصاد العالمى ، فذلك لم يمنعها من مواصلة تنفيذ مخطتها لفرض النظام العالمى الجديد والتصدى لأية منافسة أو ظهور أقطاب سياسية إقتصادية جديدة كالصين و روسيا واليابان .
ومنذ أن استخدم بوش عبارة "النظام العالمى الجديد" تزايد استخدامها بكثرة للإشارة إلى أى إصلاح فى الإدارة العالمية القائمة على مصالح 5 % من البشر ، الذين يمتلكون 95 % من الموارد الطبيعية ولهم مصالح سياسية تختلف تماما عن مصالح تلك الشريحة الإجتماعية العريضة المطحونة التى تمثل 95 % من البشر والذين لا يمتلكون سوى 5 % من الموارد الطبيعية المنزوعة من أراضيهم ومن حقوقهم ! وتلك الفئة المكوّنة من 5 % من البشر هى المحرّكة للنظام العالمى الجديد ، وهى المتحكمة ، والتى تخطط لإقامة بنية تسمح لها بتأكيد الإستحواذ على السلطة والنفوذ لها ولأبنائها ، بفضل الحروب والتضخم والإرهاب الذى تختلقه لترويج تجارة السلاح ..
ويعد ميشيل شوسودفسكى ، أستاذ العلوم الإقتصادية فى جامعة أوتوَا ومدير مركز الأبحاث حول العولمة ، من أهم الذين تناولوا فضح خبايا ذلك النظام والقائمين عليه ، فى كتابين من أهم ما كُتب حول هذا الموضوع : "الحرب والعولمة ، خبايا 11 سبتمبر 2001" ، و "عولمة الفقر والنظام العالمى الجديد" . ويدين المؤلف بضراوة الأكاذيب الإعلامية التى نشرتها الولايات المتحدة حول أحداث 11 سبتمبر ويفضح تواطؤ كبار المسئولين فى إدارة بوش ، موضحا كيف أن الحرب على الإرهاب ليست إلا أكذوبة كبرى بإدعاء أن بن لادن إستطاع خداع المخابرات الأمريكية التى تزيد ميزانيتها السنوية عن 30 مليار دولار! فقد سمح هذا الحدث، الذى تم تصنيعه وتنفيذه محليا، بالتلفع بشرعية دولية لإقتلاع الإسلام و القيام بحرب ممتدة بلا حدود، وإبطال الحريات الأساسية والحقوق الدستورية. وكلها حروب غازية تهدف إلى فرض نظام عالمى جديد تتزعمه السياسة الأمريكية والقيادة المنتجة للأسلحة الحربية التابعة لها .
ومهما كُتب حول هذا النظام  أو حول تجريم جهاز الدولة الأمريكية ، فذلك لا يمنع من أن النظام العالمى الجديد قائم على فكرة أساسية هى : نظام إقتصادى واحد ، ونظام سياسى واحد ، ونظام فكرى واحد ، ونظام دينى واحد ، حتى تسهل عملية إدارة العالم أو إدارة ما يُطلقون عليها "القرية الواحدة" ، ونقبل المسمى ونتعامل معه بلا أى إعتراض أو تعليق !.. ولعل هذا الإيجاز يوضح حقيقة المطلوب من الإسلام ، أو بمعنى أدق : ما يحاك من أجل إقتلاع الإسلام ..
ويبقى المجال المتواطئ الآخر فى هذه المنظومة ، ألا وهو : الفتيكان ، الذى يتولى تنفيذ الجانب الدينى للنظام العالمى الجديد .
الفاتيكان :
لقد إعتمدت المؤسسة الكنسية على المجامع المسكونية (العالمية) والمحلية لتنسج وتفرض خيوط المسيحية الحالية وفقا للأغراض السياسية والإجتماعية التى تعتريها . ويمكن  تعريفها إختصارا بأنها كانت عبارة عن مجامع تلفيقية من أجل قلفطة ما ينبثق من إعتراضات ومآزق متعلقة بالنصوص والعقيدة. واستمرالوضع حتى المجمع الفاتيكانى المسكونى الثانى المنتهى سنة 1965 ، الذى يُعد أول مجمع هجومى فى التاريخ لما تمخض عنه من وثائق وقرارات. وقد أصدر ستة عشر وثيقة ما بين قرار ودستور وبيان، لا تخلو منها وثيقة من الإشارة بنسب متفاوتة عن ضرورة تنصير العالم. ويمكن اختصار أهم ما ورد بهذه الوثائق فيما يعنينا هنا فى النقاط التالية :
*  تبرأة اليهود من دم المسيح وتحميل وزر مقتله على جميع المسيحيين ؛ ثم تم تعديلها بأنه يقع على من أدانوه من يهود ذلك العصر، ثم عدّله البابا الحالى بأن المقصود بهم علماء المعبد آنذاك فقط . الأمر الذى يوضح سهولة التلاعب بالدين ونصوصه.. و ما يهمنا هنا هو إنعكاس هذا القرار علينا كمسلمين ، فلولا تبرأة اليهود من دم المسيح لما استطاع الفاتيكان أن يعترف بالكيان الصهيونى المحتل لأرض فلسطين . وقد احتجت بعض الدول الإسلامية آنذاك إلا أن الفاتيكان نجح فى إقناعها بأنه قرار دينى بحت ..
*  إقتلاع اليسار فى عقد الثمانينات حتى لا تبقى أنظمة أخرى سوى الرأسمالية الإستعمارية . وقد إنهار النظام الإشتراكى أو السوفييتى عام 1991 بتضافر جهود المخابرات المركزية الأمريكية أيام ريجان، والفاتيكان بإحياء النزعة الدينية بحزب تضامن والعام المريمى، وجورباتشوف كعميل من الداخل ؛
*  إقتلاع الإسلام فى عقد التسعينات حتى تبدأ الألفية الثالثة والعالم كله مسيحى ؛
*  توحيد كافة الكنائس تحت لواء كاثوليكية روما ، بالتلويح لها إلى خطورة المد الإسلامى ؛
*  إنشاء لجنة بابوية  للحوار بين الأديان ؛ وأصدرت اللجنة وثيقة تشرح أن الحوار يعنى كسب الوقت حتى تتم عملية التنصير ، وذلك إضافة إلى الخطب الرسولية التى أصدرها بابوات تلك الفترة تباعا وكلها تؤكد على قرار تنصير العالم  ؛
*  إنشاء لجنة بابوية لتنصير الشعوب ؛
*  فرض المساهمة فى عملية التنصير على كافة الكنائس المحلية وعلى كافة الأتباع ؛ وهو ما يضع الكنائس المحلية والأقليات المسيحية فى موضع الخيانة بالنسبة للبلدان الإسلامية التى يعيشون فيها .
ومما لا شك فيه أن كل ذلك يكشف عن الجدّية والإصرار الذى يتصرفون به لتنفيذ قرارات هذا المجمع لأنها، كما أوضحوا ، قرارات مجمع عالمى و لا رجعة فيها .. وحينما بدأت الألفية الثالثة والعالم لم يتنصر ، أسند مجلس الكنائس العالمى فى يناير 2001 مهمة إقتلاع الإسلام إلى الولايات الأمريكية بحكم أنها أصبحت السلطة العسكرية المتفردة فى العالم . وفى 11 سبتمبر 2001 ، أى بعد عدة أشهر قامت الولايات الأمريكية بمسرحية تفجير الأبراج الثلاثة بطريقة الهدم تحت السيطرة لتتلفع بشرعية دولية لمحاربة الإسلام . وذلك لأن "الإسلام هو آخر معقل يقف ضد تنفيذ النظام العالمى الجديد" على حد قول بيير هيلار يوم 11 يناير 2010. الأمر الذى تناقلته العديد من الصحف والمواقع . ولو فكرنا لحظة فى عدد ملايين المسلمين الذين تمت إبادتهم بغزوات عدوانية إجرامية بلا أى سند شرعى لأدركنا جدّية الموقف وخطورته .
وثيقة "فى زماننا هذا" :
نشير إلى هذه الوثيقة ، وهى واحدة من الستة عشر وثيقة التى أصدرها مجمع الفاتيكان الثانى  لتحديد علاقاته  مع الديانات غير المسيحية ، وبها الجزء الرسمى المتعلق بالإسلام تحديدا . وهى الوثيقة التى يرفعها الفاتيكان وأتباعه كالراية والمصدّ فى تعاملهم مع الإسلام والمسلمين ، لذلك آثرت إدراجها . وهى تتكون من ستة عشر سطرا نصّها كما يلى :
الديانة الإسلامية :
3 – " إن الكنيسة تنظر أيضا بعين الإعتبار إلى المسلمين الذين يعبدون الإله الواحد ، الحىّ القيوم ، الرحمن القدير ، خالق السماء و الأرض ،الذى تحدث إلى البشر.  إنهم يحاولون الخضوع بكل قواهم لقرارات الله ، حتى وإن كانت مخفية ، مثلما خضع إبراهيم لله والذى يتخذه الإيمان الإسلامى طواعية مثلا له. وعلى الرغم من أنهم لا يعترفون بيسوع كإله ، فهم يبجلونه كنبى؛ ويوقرون أمه العذراء ، مريم ، وأحيانا يتوسلون إليها بتضرع. كما أنهم ينتظرون يوم الحساب، الذى سيجازى فيه الله البشر بعد بعثهم ، وهم يقدّرون الأخلاق، ويقدمون عبادةٍ ما لله ، خاصةً بالصلاة، والزكاة والصوم.
" وإذا ما كان عبر القرون قد إندلع العديد من الخلافات و العداوات بين المسيحيين والمسلمين، فإن المجمع يهيب بهم جميعا نسيان الماضى وأن يجتهدوا بإخلاص فى محاولة للفهم المتبادل، وأن يقوموا معا بحماية ونشر العدل الإجتماعى، والقيم الأخلاقية، والسلام و الحرية ، من أجل كافة البشر " (صفحة 29).
ونخرج من نص تلك الفقرة المتعلقة بالمسلمين ، بالنقاط التالية :
* أن كلمة " إسلام " غير واردة بهذا النص.
* أن الكنيسة "تنظر أيضا بعين الإعتبار" إلى المسلمين ، ولا تشير إليهم على  أنهم أتباع رسالة التوحيد المبلّغة لثالث وآخر مرة ، وإنما تنظر إليهم فحسب بعين الإعتبار !
* أن الإله الذى يعبده المسلمون " قد تحدث إلى البشر" ، أى أنه لم يتحدث تحديدا إلى سيدنا محمد (عليه الصلاة والسلام) !
* الإصرار المتعمّد لاستبعاد النسب التاريخى للمسلمين لسيدنا إسماعيل ، رغم ثبوت ذلك فى نصوصهم حتى بعد تبديلها !.
* كما تشير هذه الفقرة إلى أن "الإيمان الإسلامى" يتخذ سيدنا إبراهيم كنموذج ، يتخذه مثلا طواعية ولا ينتسب إليه !  ومن العار أن نرى مواصلة ذلك التعنت بلا خجل فى إستبعاد الإسلام شكلا وموضوعا !
* والسعى الحثيث لإستبعاد الإسلام من النص الإنجيلى رغم كل الإشارات التى لا تزال فى الكتاب المقدس بعهديه ، حتى بعد كل ما أصابه من تعديلات وتغييرات متعددة ، وهو ما أثبته بجدارة رجل القانون الأمريكى جوزيف هويلس، فى كتابه المعنون : "التحريف فى المسيحية".
أهم المؤتمرات التنصيرية :
المتابع لكمّ المؤتمرات الكنسية المتلاحقة لتنصير العالم ، خاصة فى الآونة الأخيرة ، يُذهل من مدى الإصرار على تنفيذ قرار تنصير العالم ، مع التركيز الشديد على تنصير إفريقيا. بل كثيرا ما تقام المؤتمرات فى أكثر من مكان فى آن واحد. ولا يسع المجال هنا لتناول أو لذكر كل المؤتمرات واللقاءات التى تمت من أجل تنصير العالم ، لكن هناك ما يجب الإشارة إليه لأهميته. ففى عام 1974 أقيم أول مؤتمر دولى للتنصير العالمى فى مدينة لوزان بسويسرا، تحت عنوان "لوزان 1" ، لتدارس كيفية تنفيذ الوثائق الستة عشر الصادرة عن مجمع الفاتيكان الثانى (1965) ، وتدور كلها رغم إختلاف مسمياتها حول قرار تنصير العالم أو تشير بوضوح إلى ذلك القرار. أما مؤتمر "لوزان 2" فقد إنعقد فى مانيللا بالفيليبين سنة 1989 ، وشارك فيه 3000 قيادى إنجيلى من 170 بلد . وإنتهى المؤتمر بإعادة تأكيد الإلتزام بقرارات لوزان 1 ونداءه الذى ينص على : "أن يتم الإعلان عن يسوع إلى أن يعود" ... أما بيان مانيللا  فيعتمد على نقطتين أساسيتين : "الإعلان عن يسوع الى أن يعود ؛ ومطالبة كل الكنائس بتوصيل الإنجيل للعالم أجمع" .
وبين المؤتمرين أقيم فى 15 مايو عام 1978 ، واحدا من أكبر مؤتمرات التنصير من حيث الأهمية ، فى مدينة كولورادو بالولايات المتحدة، لتدارس كيفية تنفيذ قرارات "لوزان 1" (الذى كان قد إنعقد لدراسة كيفية تنفيذ قرارات مجمع الفاتيكان الثانى)، وهو المجمع الذى دارت كل قراراته حول كيفية تنصير العالم وبالتالى حول دراسة كيفية إقتلاع الإسلام . فقد إجتمع 150 خبيرا من أهم مبشرى المجال الكنسى لدراسة 40 بحثا تمثل أربعين منفذا لإختراق العالم الإسلامى : "لأن العالم الإسلامى اليوم بحالة من التمزق الإجتماعى والسياسى لذلك يوجد لدى المسلمين اليوم إستعداد قلبى وعقلى لتقبل رسالة المسيح".. ومن موضوعات ذلك المؤتمر "المداخل النصرانية للمرأة المسلمة وأسرتها" ، ومنها : وضع المرأة فى الإسلام ؛ نظرة المرأة المسلمة إلى العالم ؛ مشاركة المرأة فى الإسلام ؛ المرأة المثالية فى المجتمع الإسلامى وما يعنيه ذلك بالنسبة للكنيسة ؛ إنشاء المدارس وتعليم الرجال والنساء وفق النموذج الغربى ..
وأكثر ما يلفت النظر فى محاور ذلك المؤتمر، هو الإصرار على تنصير المسلمين من خلال إختراق الإسلام ومن خلال الثقافة الإسلامية إعتمادا على الكنائس المحلية والعمالة الأجنبية. فلقد عجزوا عن مجابهة الإسلام فقرروا إختراقه لتقويضه من الداخل ، أى أن يتم التنصير من خلال القرآن الكريم وليس بالهجوم عليه ، ومن خلال الثقافة والتقاليد الإسلامية وليس بانتقادها أو السخرية منها ! كما تطالب بعض هذه الأبحاث بالإهتمام بما يصفونه الثغرات الداخلية فى الإسلام ومنها : المذاهب والقوميات والطبقات الإجتماعية والتعامل مع كلٍ منها بمنهج خاص ؛ والثغرات الخارجية ، ومنها محاكاة الغرب والأفكار العلمانية والنزعة العصرية أو الحداثة.. أى من خلال الثغرات التى أوجدها الغرب والضغوط التى يمارسها من خلالها.
وتجدر الإشارة إلى مقدمة أبحاث مؤتمر كولورادو هذا حيث نطالع فى السطر الأول : "كانت عملية تنصير المسلمين من أعظم التحديات التى واجهت الكنيسة على مر العصور وأصبح ذلك التحدى أكثر وضوحا بسبب الأحداث السياسية التى تشد الأنظار نحو الأراضى الإسلامية إضافة إلى الإنفتاح الحديث الذى يشير إلى إستعداد بعض المسلمين لتقبّل رسالة المسيح (...) ، وأن أكبر عقبة تواجه عملية تنصير المسلمين هى عدم وجود كنيسة خاصة بالمتحولين عن الإسلام ، أى كنيسة تناسب تقاليدهم الثقافية والإجتماعية ". وتنتهى المقدمة القصيرة لهذا الكتاب الضخم، إذ يصل إلى 915 صفحة ،  بأن " هذا المؤتمر قد بعث الأمل وشجعنا على السير قدما نحو هدفنا الكبير وهو العمل على تنصير ال 720 مليون مسلم ، وأن الرب شاء علينا تخليص وتنصير الألوف المؤلفة من المسلمين وأن نجعلهم يؤمنون بأن المسيح هو رب الجميع " ! (ملاحظة بالنسبة لتعداد المسلمين : النص مكتوب سنة 1978).
ومن ناحية أخرى فإن البابا بنديكت 16، الذى كان قد أعلن رسميا حماسه وإنضمامه للنظام العالمى الجديد ، لا يكف عن المحاولات المستميتة من أجل تنصير العالم بشتى الوسائل حتى السياسية منها. فحينما كان فى زيارته للولايات المتحدة ، من 15 إلى 20 إبريل 2008 ، ألقى أحد عشر خطابا تصرّ على الإشارة إلى الإرهاب الإسلامى ، وأخص بالذكر ثلاثة منها : البيان المشترك الذى القاه مع جورج بوش يوم 16 إبريل ، وخطابه يوم 17 أمام ممثلى الأديان المختلفة ، ثم الخطاب الذى ألقاه يوم 18 فى هيئة الأمم المتحدة. حيث طالب هذه الهيئة الدولية ، غير المحايدة ، بالتدخل من أجل حماية الأقليات المسيحية فى العالم موضحا : "إذا كانت الدول غير قادرة على ضمان مثل هذه الحماية فإن المجتمع الدولى يجب عليه أن يتدخل بالوسائل القانونية الواردة فى ميثاق هيئة الأمم المتحدة وفى نصوص أخرى من القانون الدولى" ! مكررا هذه العبارة اكثر من مرة .
ولم تتوقف محاولاته عند ذلك الحد وإنما أعلن ، يوم الإثنين 28 يونيو 2010 ، عن إنشاء لجنة بابوية جديدة لتنصير البلدان ذات الجذور المسيحية بعنوان "المجلس البابوى للتبشير الجديد " ، بعد أن كان قد أعلن أن اسمها "لتبشير أوروبا" ، لكنه غيّر الإسم تفاديا للإنتقادات ، موضحا ان ذلك المجلس يهدف الى : "نشر التبشير الجديد فى البلدان التى تم تنصيرها سابقا ، وبها كنائس قديمة ، لكنها تباعدت وتعيش علمنة متزايدة بحيث ان إختفاء معنى وجود الله بات يمثل تحديا لا بد من مواجهته بشتى الوسائل لإعادة نشر الحقيقة الخالدة لإنجيل المسيح" .. وفى يومى 24 و 25 مارس 2011 إبتدع وسيلة للدمج بين الحوار والتبشير "دون أن يبدو ذلك على أنه عملية تبشير" على حد قوله، وذلك بعمل منتدى للحوار بين المؤمنين وغير المؤمنين فى فناء كاتدرائية نوتر دام فى باريس ، وهى الإحتفالية التى شارك فيها كل من اليونسكو والمعهد العلمى القومى الفرنسى وجامعة السوربون ، ومنها جلسات بدعوات خاصة لكبار المسئولين وطلبة الدكتوراة .. وهو ما يكشف عن مدى نفوذ البابا و مؤسساته ، ويوضح إلى أى مدى يمكنه التأثير على دولة تعلن أنها علمانية لكنها تتضامن معه بأهم مؤسساتها العلمية  فى محاولة إقتلاع الإسلام !!
كما أعلن عن إقامة سينودس خاص بالتنصير الجديد فى اكتوبر 2012  ، وقد بدأت لجان الأساقفة الإعداد له.
مؤتمرات المرأة :
تعد مؤتمرات المرأة والسكان (1995) وكل ما سبقها من إعداد ، تطبيقا عمليا لمطالب مؤتمر كولورادو الذى خطط لإقتلاع الإسلام من خلال إقتحامه للمرأة المسلمة من شتى المداخل حتى الدينية . وذلك بحجة الحرية وحقوق الإنسان ليسمح لها بالإنفلات من خلال بدعة النوع (gender) التى ترفض سُنة الله عز وجل فى خِلقة البشر ، مدّعين أن الفرق بين الرجل والمرأة تقسيمات إجتماعية يمكن تعديلها وتبديلها ، كما يبدلون فى نصوصهم الدينية ، من باب الحرية الشخصية وإقامة العلاقات المثلية والحمل خارج إطار الزواج أو بنظام التلقيح الصناعى أو تأجير البطون – وهو ما يمارس فى الغرب رسميا منذ سنوات عدة ..
والمتابع للأحداث الجارية ، فيما يتعلق بمحاصرة الإسلام والمسلمين ، تلك المحاصرة التى لا يمكن لإنسان أن يغفلها اليوم ، قد يدهش للتباين الشاسع بين أمرين أساسيين : موقف  الفاتيكان من جهة ، و موقف القيادات الإسلامية من جهة أخرى . كما أن سرعة الإيقاع التى يقود بها الفاتيكان عملية تنصير العالم فى هستيريا محمومة ،  منذ أن قرر مجمع الفاتيكان الثانى تنصير العالم (1965)، تلك العملية التى صارت فى الخفاء ، بين المواربة والتعامل بوجهين ، وخاصة منذ أن أعلنها البابا السابق يوحنا بولس الثانى رسميا وعلنا عام 1982 فى مدينة شانت يقب .. فمنذ ذلك الوقت قاموا بنزع برقع الحياء فى الهجوم على الإسلام والمسلمين ، وصيغة الجمع هنا تشمل التضافر الرهيب بين الأحداث السياسية الأمريكية والفاتيكانية .
أما الملاحظ على الجانب الإسلامى فهو التراخى والتنازل المخزى إلى درجة أن وقّع البعض ، جهلا أو عن عمد ، على والثيقة المعروفة بإسم "خطاب ال 138" والتى تنص على  أننا نعبد نفس الإله ! الأمر الذى سمح للبابا بنديكت 16 أن يتمادى فى وقاحة وَعيده لا بتنصير أحد عملائه من المسلمين علنا وبيديه، عشية عيد الفصح عام 2008 ، أو أن يطالب الكنائس بالقيام بالتنصير علنا وعدم الخشية من ذلك ، ولكن أن يعلن صراحة "أن التنصير سوف يُفرض على المسلمين قهرا أو بحرب يخسرونها وتحط من كبرياء إسلامهم وتجبرهم على التنصير الجماعى" !.
ونظرا لخطورة الموقف الحالى وتوالى التنازلات الكاسحة من جانب القيادات الإسلامية رأيت الإشارة إلى هذه الوثيقة  التى وقّعت عليها كافة البلدان الإسلامية تقريبا وعلى تنفيذ مطالبها ! ولا أقصد بذلك أى تجريح لأى شخص ولكن ليدرك المسؤلين ، كل فى مجاله ، ضرورة الكف عن تنفيذ هذه المطالب، التى لا تعنى سوى إقتلاع الإسلام بأيدى المسلمين ، والعمل بوعى وإدراك على رفض ووقف الإنصياع لها أيا كانت الحجج .. ولن نكون أول أو آخر دولة تخل بقرار من قرارات المؤتمرات الدولية والأمثلة كثيرة ، وتكفى الإشارة إلى الكيان الصهيونى المحتل لأرض فلسطين ، الذى لا يكف عن السخرية علنا من كافة القرارات التى تدينه والإطاحة بها !
فبعد أن وصلت القحة إلى الإفصاح عن التنصير الجماعى والقهرى للمسلمين والمطالبة علنا ببناء كنائس فى المملكة السعودية والإعلان رسميا فى إبريل 2008 ، فى أحد مواقع الفاتيكان ، بأن الإسلام ليس بديانة منزّلة وقد سبق أن وضعه مجمع الفاتيكان الثانى ضمن الديانات الأسيوية فى وثيقة "فى زماننا هذا"، فلا يسعنى إلا مناشدة خادم الحرمين الشريفين بالتصدى لهذه الهجمة وعدم الإنسياق فى ركاب الفاتيكان الذى لم تعد نواياه بخافية، كما أناشد كافة القيادات الإسلامية ، كل فى مجاله ، أن ينتبهوا جميعا ويتقوا الله ويدافعوا بكل ما أوتوا عن الإسلام وعن نبيه الكريم، صلوات الله عليه ، دفاعا حقيقيا جريئا لا يخشى إلا الله سبحانه وتعالى .
الخطاب الوطنى :
لقد آثرت التحدث عن الخطاب الدينى وكل ما يتعلق به من موضوعات فى البداية ثم تناول الخطاب الوطنى لوضوح الرؤية . والخطاب الوطنى يمكن التعبير عنه بإيجاز من حيث انه ينقسم أيضا إلى فريقين إجمالا : الخاضعون للقيادة المحلية أو المنساقة للسلطة الإستعمارية الخارجية ومطالبها ؛ والمتمسكون بالوطن والدين والعاملون على تقدمه وإستقلاله . وبالتالى يأتى التساؤل حول  مدى الحريات المسموح بها لمن يقومون بهذا الخطاب او ذاك. لأن الإستعمار حتى وإن كان قد إنسحب شكلا من البلدان التى احتلها فقبل مغادرة مستعمراته يقيم بها أنظمة خاضعة له يواصل إستعماره من خلالها .. والنتائج التى نراها من حولنا ، على الأقل فى مختلف وسائل الإعلام وخاصة المجال الإلكترونى والتليفزيونى فى البلدان العربية والإسلامية ، تشير بوضوح إلى تزايد فرض عملية التغريب وفرض المفاهيم الإنفلاتية على المجتمع ككل وبالتالى على المرأة المسلمة ، إضافة الى تزايد الفقر والأمراض مع تزايد إنتشار الجهل .. ولا أقصد على الإطلاق التقليل من شأن كل ما تم ويتم من جهود متواصلة فى بلداننا ، والإهتمام بالوطن والدين و المرأة بصفة عامة ، لكن السؤال الأساسى المتعلق بالخطاب الدينى يتمحور حول قضية جوهرية : مدى قبول التبعية ، أو التعامل مع الآخر على مستوى التكامل والندية ؟.
المرأة المسلمة :
بعد تناول مفردات محور "تجديد الخطاب الدينى والوطنى" وتوضيح ارتباطها بمفاهيم الغرب المسيحى المتعصب ، الذى قرر إقتلاع الإسلام بقرار مجمعى عالمى لا رجعة فيه ، لتطبيق "النظام العالمى الجديد" ، نصل إلى الركيزة المعنية فى هذا المحور، وهى : المرأة المسلمة ، لنتساءل : ما الذى يُجبرنا على الأخذ بمفاهيم الغرب الصليبى ومفرداته ومطالبه المغرضة ، وتبنيها ، لنجعل من المرأة قضية منفصلة ؟ ما الذى يجعلنا نأخذ بقضايا مختلقة لأسبابٍ معيّنة ونتعامل معها على أنها قضايا مسلّم بها ؟ وإلى متى سنظل نلهث وراء الغرب ونترك القرآن الذى أنزله رب العالمين مكملاً ومصوباً لما تم من تحريف واضح فى الرسالتين السابقتين ؟ لقد أكرمنا المولى عز وجل بالقرآن الذى هو فى واقع الأمر  : مشروع حضارى متكامل للدين والدنيا أو للدنيا والآخرة ، بلا أى إنفصال بينهما ، فلماذا نبحث عن حلول عند من يحاولون إقتلاعه  لغةً ومضموناَ بزعم الحداثة والتقدم ؟
لقد نزل القرآن الكريم للمجتع ككل ، دون تفرقة بين رجل وإمرأة ، إلا فى نقطتين مشروح أسبابها بوضوح هما : الميراث والشهادة بمعنى الإشهاد على الدَيْن ، نزل  لإقامة مجتمع قائم على فكرة العلاقة التكاملية بين الرجل والمرأة وليس على علاقة تنافسية أو عدوانية كما يفرضها علينا الغرب .. فالمرأة فى الإسلام ، وفى الطبيعة التى أنشأها الخالق عز وجل ، دورها الأمومة والرجل عليه القوامة بمعنى الحماية لتأدية الرسالة وليس بمعنى السيطرة والتحكم .. فالأم هى التى تحتضن وليدها وترعاه وتسقيه مبادئ الأخلاق والعِلم ، والرجل عليه إحتضانهما لتتم الرسالة وتتواصل ..
إن المرأة بكل تنويعات أدوارها الإجتماعية ، مثلها مثل الرجل ، تحتاج إلى رعاية أسرية وإلى مظلة إجتماعية وصحية تعاونها على مواجهة مصاعب الحياة المتعددة ، وإلى التعليم وخاصة اللغات الأجنبية، كما تحتاج إلى وسائل نقل عامة وآمنة ، والى  مساعدة وتوجيه لمواجهة متغيرات العصر، التى باتت تُفرض عليها فى بيتها ، لتساعدها على تربية أبناءها والتحدث معهم ومع زوجها.. وذلك لا يمنعها من المشاركة فى المجتمع وتنميته حين تستطيع القيام بذلك . فقد كانت المرأة فى عهد الرسول (صلوات الله عليه) تساهم حتى فى المعارك الحربية قدر جهدها ، فما بالنا فزعين مزعورين من مشاكل مختلقة ونبحث لها عن حلول ؟!
لذلك من الحق والإنصاف ، فى الظروف التى نعيش فيها حاليا ، ان يكون الخطاب الدينى للمرأة ، مثلها مثل الرجل ، ذو شقين إجماليين : الجانب التأصيلى ، الذى يعاونها على فهم دينها والتعمق فيه وفى تطبيقه عمليا فى مختلف مجالات الحياة ؛ والجانب الذى يقوم بتوعيتها بكل ما وقع فى الرسالتين التوحيديتين السابقتين من تحريف ، وبكل ما يكيله لها الغرب الصليبى من برامج تفتح لها باب الإنفلات على مصراعيه ، لتدمير الأمة المسلمة من داخلها .. فما زلت حتى يومنا هذا أواجَه باستنكار قول أن الفاتيكان يخطط لإقتلاع الإسلام !
كما يجب أن يكون الخطاب الوطنى للمرأه ، مثلها مثل الرجل ، ذو شقين إجماليين : الجانب الذى يربطها بالوطن وجذوره وتراثه وإحتياجاته ، ليغرس فيها حب الإنتماء والحفاظ عليه والعمل على تنميته ؛ والجانب الذى يقوم بتوعيتها بكل مخططات الغرب السياسية الإستعمارية والإجتماعية حتى لا تقع فى مخالبها .
فلقد وصلت الوقاحة بالغرب المسيحى إلى درجة عدم الإكتفاء بما يقوم به هو من عدوان علينا ، فى كافة المجالات ، من أجل السيطرة على الموارد لطبيعية التى حبانا المولى بها ، وإنما أصبح يعمل على تنفيذ مآربه بأيدى المسلمين رجالا ونساء .. بل لقد بات يعلن صراحة عن ذلك  ،دون خشيةٍ وبلا حياء، بغرس الفرقة والخلافات لإبعادنا عن تطبيق رسالة رب العالمين ..
لذلك أناشد الجميع ، بدأ بخادم الحرمين الشريفين و إمام المسلمين ، مع مراعاة وتقدير كل ما يقع عليه من مهام وكل ما قام ويقوم به من جهد للحفاظ على الحرمين الشريفين ، كما أناشد كل مسلم ومسلمة ، أن ننحى أية خلافات بيننا كمسلمين جانبا ، والتصدى لهجمة التنصير وعدم السماح بإقامة كنائس فى المملكة ، إلتزاما بوصايا سيدنا محمد (عليه الصلاة والسلام) ؛ ونتكاتف دفاعا عن القرآن الكريم والإسلام وعن نبينا الكريم (صلوات الله عليه) ، دفاعا عن الدين الذى أمرنا سبحانه وتعالى بتطبيقه وبتبليغه .. 
إن حمل مثل هذه الرسالة الإنسانية يجب يدعونا إلى الفخر ورفع الرأس ، والتعامل مع الغرب المتعصب بصفتنا أصحاب حق ، لا نخشى إلا الله عز وجل .. والعمل على أن تكون العلاقة بين المجتمعات والدول علاقة تكاملية بنّاءة ، وليست علاقة قائمة على الإستعمار و الإستغلال أو التنصير ..

كشف بأهم بعض المراجع
• Barreau, Jean-Claude : De l’Islam en général et du monde moderne en      particulier, éd. le Pré aux clercs, 1991
• Berque, Jacques : Le coran, éd. Sindbad, 1990
• Chossudovsky, Michel : Guerre et mondialisation, la vérité sur le 11 septembre, éd. Eosociété, Montréal, 2004
•  «      «     « : La mondialisation de la pauvreté et nouvel ordre mondial, éd. Eosociété, Montréal, 2007
• Colorado: the Gospel and Islam, A 1978 Compendium, éd. MARC
• Vatican II : Les relations de l’Eglise avec les religions non chrétiennes, éd. Du Cerf, Paris, 1966
• Wheless, Joseph: Forgery in Christianity, éd. Health Research, 1930
 
 

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك